المبادئ الأساسية والأخلاقية للبحث العلمي
د. جحنيط حمزة / جامعة محمد البشير الابراهيمي برج بوعريريج
(ينظر: كتاب أعمال ملتقى الأمانة العلمية، المنعقد بالجزائر العاصمة يوم 11/07/2017، ص 19)
أخلاقيات العلم والبحث العلمي هي موضوع الساعة، وكلمة الأخلاقيات جاءت من علم الفلسفة لتضيء السبيل إلى اتخاذ المعيار والقرار في مواقف علمية شائكة خلقيا، بدأ من تداخل خصائص البحث العلمي مع مصالح العالم الشخصية وانتهاء بتداخلها مع الأمن القومي، والتداخل مع قداسية الحياة الشخصية للمبحوثين، فانطلاقا من هذه التداخلات يجب يتم مراعاة القواعد الأخلاقية للبحث العلمي وأن يكون ذلك كأسلوب للتفكير اتخاذ قرارات صائبة تعمل على الوصول للأهداف المسطرة من إجراء البحوث ذات المصداقية التامة، وتزداد أهمية أخلاقيات البحث العلمي لأن غيابها أو ضعفها لدى الباحثين يؤدي إلى عواقب وخيمة على الصعيد الفردي والمجتمعي، فاعتماد المبادئ الأخلاقية في البحث العلمي تساعد الباحثين في الانضباط لتنسيق الأعمال والأنشطة وللحصول على ثقة الناس، كما تخدم المبادئ الأخلاقية أيضا أهداف وغايات البحث وتنطبق على الأشخاص الذين ينفذون البحوث العلمية أو غيرها من الأنشطة العلمية أو الإبداعي.
1 أخلاقيات البحث العلمي:
1-1/ مفاهيم عن الأخلاقيات:
مصطلح يحدد المبادئ والقيم وكذلك الواجبات والالتزامات التي ينبغي أن يلتزم بها الإنسان، وعليه فأخلاقيات أي مهنة هي مجموعة من المعايير السلوكية التي يجب أن يلتزم بها صاحب المهنة[1].
1-2/ أقسام أخلاقيات أي مهنة :
1-2-1 أخلاقيات عامة : هي أخلاقيات مشتركة بين جميع المهن: الصدق الأمانة، الإخلاص ، وحسن المعاملة.
1-2-2 أخلاقيات خاصة : وهي تختص بكل مهنة على حده فلكل مهنة طبيعة خاصة تميزها عن سواها وكل مهنة تجابه مشكلات خاصة ولذلك هي تحتاج لأخلاقيات خاصة. وعلي ذلك فأن أخلاقيات المهنة العامة والخاصة هي السلوكيات الحسنة التي يجب أن يتحلى بها الجميع مهما كانت مهنهم أو حرفهم أو أعمالهم[2].
1-3/ مصادر أخلاقيات المهنة:
1-3-1 عقائدي): ما تحدده الأديان والمعتقدات فيما يخص علاقات العمل .
1-3-2 تربوي): قيم الفرد ومعلوماته ونزاهته والتي تشكلت مع مرور الزمن .
1-3-3 وثائق مهنية) : الوثائق الأخلاقية الصادرة من الأجسام المهنية و التي تحدد الالتزامات الأخلاقية للممارسات المهنية مثل الصدق والنزاهة ، الأمانة، الحزم ، الانضباط ، حسن التصرف في المواقف الطارئة واحترام قيم المجتمع .
1-3-4 القوانين والقواعد): القواعد و النظم و السياسات الإدارية الصادرة من المؤسسة وتلزم جميع منتسبيها بالالتزام بها أثناء العمل، و التي تحدد المطلوب القيام به و كيفية أدائه، وتحدد جميع المسؤوليات والواجبات الأخلاقية التي يجب ان يلتزم بها جميع العاملين[3].
2/مفهوم البحث العلمي:
يمثل البحث العلمي مرتكز محوري للوصول إلى الحقـائق العلميـة، ووضعها في إطار قواعد أو قوانين أو نظريات علمية كجوهر للعلوم،خاصة وأن العلم مدركات يقينية مؤكدة ومبـرهن عليهـا كتـصديق مطلق، ويتم التوصل إلى الحقائق عن طريق البحث وفق مناهج علمية هادفة ودقيقة ومنظمة، واستخدام أدوات ووسائل بحثية.
هناك عدة تعريفات للبحث العلمي، تحاول تحديد مفهومه ومعناه، ومن جملتها:
ـ ” هو وسيلة للاستعلام والاستقصاء المنظم والدقيق، الذي يقوم بـه الباحث، بغرض اكتشاف معلومات أو علاقات جديدة، بالإضافة إلـى تطوير أو تصحيح أو تحقيق المعلومات الموجودة فعلا، على أن يتبـع في هذا الفحص والاستعلام الدقيق، خطوات المنهج العلمي.[4]“
ـ ” هو فن هادف وعملية لوصف التفاعل المستمر بـين النظريـات والحقائق، من أجل الحصول على حقائق ذات معنى، وعلى نظريـات ذات قوى تنبؤية.”[5]
ـ ” هو محاولة لاكتشاف المعرفة والتنقيب عنها وتنميتها، وفحـصها وتحقيقها بتقص دقيق، ونقد عميق، ثم عرضها عرضا مكتملا بـذكاء وإدراك، يسير في ركب الحضارة العالمية، ويسهم فيه إسهاما إنـسانيا حيا شاملا.”[6]
3/ أساسيات البحث العلمي
3-1 الموضوعية: وتعني أخلاقيا ذكر الحقائق التي تم التوصل إليها كما هي سواء عززت وجهة نظر الباحث أو
تعارضت معها، دون أي تغيير أو تحريف عليها.[7]
تعني خاصية الموضوعية ان تكون خطوات البحث العلمي كافة قد تم تنفيذها بشكل موضوعي وليس شخصي متحيز، ويحتم هذا الأمر على الباحثين ألا يتركوا مشاعرهم و أرآهم الشخصية تؤثر على النتائج التي يمكن التوصل إليها بعد تنفيذ مختلف المراحل أو الخطوات المقررة للبحث العلمي[8]
3-2 الدقة: وتعني أخلاقيا اعتماد مقاييس دقيقة مستندة إلى قيم وأسس علمية للوصول إلى نتائج علمية مقبولة.[9]
كما يعني ذلك بأن تكون المشكلة أو الظاهرة خاضعة للبحث وأن يتوفر لها العديد من مصادر المعلومات المختلفة ، وأن تكون ما تحويه هذه المصادر من معلومات على قدر كاف من الدقة والصحة[10].وهذا يعني استخدام الطريقة العلمية الممنهجة في الوصول إلى الحقيقة.
3-3 الحيادية: أي الابتعاد عن التعصب والتزمت والتمسك بالرأي والذاتية بل اتصاف الباحث بالحيادية والانحياز كلياً إلى الحقيقة العلمية أي أن يكون الباحث منفتحاً عقلياً..
3-4 الدلالة: وتعني أخلاقيا ومهنياً أن يعتمد الباحث على الأدلة والبراهين الكافية لإثبات صحة النظريات
والفرضيات للتوصل إلى الحل المنطقي المعزز بالأدلة.[11]
3-5 التبسيط والاختصار : يقال في الأدب المنشور حول أساليب البحث العلمي أن ذروة الابتكار والتجديد في مجال العلم هو التبسيط المنطقي في المعالجة والتناول المتسلسل للأهم ثم للأقل أهمية بالنسبة للظواهر موضوع الاهتمام . ذلك لأنه من المعروف أن إجراء البحوث أيا كان نوعها يتطلب الكثير من الجهد والوقت والتكلفة ، الأمر الذي يحتم على الخبراء في مجال البحث العلمي السعي الحث إلى التبسيط والاختصار في الإجراءات والمراحل ..بحيث لا يؤثر ذلك على دقة نتائج البحث وإمكانية تعميمها.([12])
3-6 تحقيق غاية أو هدف : أن يكون للبحث العلمي غاية أو هدف من وراء إجرائه. وتحديد هدف البحث بشكل واضح ودقيق .. “هذا العامل الأساسي يساعد في تسهيل خطوات البحث العلمي وإجراءاته كما انه يساعد في سرعة الإنجاز والحصول على البيانات الملائمة، ويعزز من النتائج التي يمكن الحصول عليها بحيث تكون ملبية للمطلوب”[13].
3-7 التعميم والتنبؤ : استخدام نتائج البحث لاحقا في التنبؤ بحالات ومواقف مشابهة . فنتائج البحث العلمي قد لا تقتصر مجالات الاستفادة منها واستخدامها على معالجة مشكلة أنية بل قد تمتد إلى التنبؤ بالعديد من الظواهر والحالات قبل وقوعها[14].
3-8 تحري الاستقلالية: الإتيان بالجديد، وحل مشكلات البحث، الاستقلالية أن تكون للباحث شخصية علمية مستقلة، ويظهر ذلك من خلال الأتي:
3-8-1أن يكون لو أسلوب خاص في التعبير والتقسيم
- إيراد المعلومات بلغته، ودون النقل الحرفي.
- الشخصية والإضافة الجديدة وتظهر من رأي الباحث والحكم على الأشياء، وليس الاكتفاء بنقل الجهود السابقة، فلا بدا أن تكون له نتيجة أو حكم ذاتي على كل الموضوعات سواء وافق من قبله أو خالفه، ويجب دائما الاستناد إلى أدلة، ولو باختصار، فإن خالف غيره في الرأي فيجب أن يناقش أدلته بإيراد أدلة منطقية تضحض أدلة الخصم، وبجدر به أن يأتي ببديل عن الفكرة التي نفاها ونقدها، ويأتي ببديل على أن يكون البديل مناسبا ويمكن تطبيقه[15].
- المهنية: على الباحث أن يتبنى الأساليب المهنية في بحثه جاعلاً الحكمة و الاستخدام المتبع للمعرفة الخاصة عنصراً أساسياً في مجال الخبرة، وأن يسعى دائماً لإبقاء التطويرات جنباً إلى جنب مع مجال خبرته بما يخدم البحث.[16]
3-10 الانسحاب: الأفراد المراد دراستهم أو العاملين في البحث أو طلابه لديهم الحق للانسحاب من الدراسة في أي وقت ، ويجب أن نتذكر دائما أن المشاركين غالبا ما يكونون متطوعين ويجـب معـاملتهم باحترام وأن الوقت الذي يخصمونه لأجل البحث يمكنهم أن يقضوه في عمل آخر أكثر ربحا وفائدة لهم، ولهذا السبب يجب أن نتوقع انسحاب بعض المشاركين، والأفضل بالطبع أن يبدأ البحث بأكبر[17] عدد ممكن من الأفراد لوضعهم تحت الدراسة ، بحيث يمكن الاستمرار مع مجموعة كبيرة كافيـة لتتأكد من أن نتائج البحث ذات معنى .
3-11 التغذية المرجعية: على الباحث أن يعطي المستهدفين بالبحث فكرة عن بحثه ويبين لهم الهدف منه، استفادة المستفيدين من النتائج الايجابية للبحث، فعلى سبيل المثال الأبحاث التي تجرى على مرضى الايذر فقد أجريت هذه الأبحاث على مرضى الدول الفقيرة، وعند ما نجحت هذه التجارب وأصبح العلاج متاحا نتيجة لهذه الأبحاث لم يستفد منه مرضى هذه الدول الفقيرة لأنه باهظ التكاليف، واستفادة منه الدول الغنية القادرة على هذه التكاليف.[18]
4/ الأمانة العلمية كأخلاقيات العلم:
هناك توجه لدى بعض العلماء بعدم الاهتمام بالانحرافات الأخلاقية في العلم، وذلك لاعتبارهم الانحراف الأخلاقي “شيئا نادرا وغير ذي دلالة ” فهي وفقا لهم “أحداث فردية أو شذوذات وخروج عن المألوف([19])، ولدى بعض آخر من العلماء توجه آخر يفسر الانحرافات الأخلاقية في العلم في سياق أو نظرية “المرض النفسي”، بمعنى اعتبار العلماء الذين يخالفون المسلك الأخلاقي بأنهم “مختلون عقليا”، ويبررون حكمهم ذلك بأن “الشخص المخبول هو فقط الذي يتصور أنه يمكن أن يقترف أمرا فاضحا من قبيل الانتحال والخداع”، وأشكال أخرى من الانحراف ثم ينفذ بجلده([20])، ويدعم ديفيد رزينك الرافض لتوصيف الأخطاء الأخلاقية بالشذوذات حتمية فضح حقيقة العلماء المخالفين للمسلك الأخلاقي، فيقر بأن “الجريمة لا تفيد في العلم “، ومؤدى توجهه ذاك أن “المنهج العلمي، ونظام تحكيم النظراء والطبيعة العامة للبحث العلمي، كل هذا يخدم بوصفه آلية لتصيد الذين يكسرون القواعد الأخلاقية للعلم” [21] كذلك، وإذا ما أردنا تأسيس الأمانة العلمية وردها لمفهوم الأخلاق، للمحنا توجها فكريا يؤمن بعدم وجود مسائل أخلاقية ذات شأن قد تنشأ في العلم، مؤسسين ذلك على نظرتهم للعلم بوصفه “موضوعيا”؛ بمعنى أن العلم يدرس وقائع موضوعية مستخدما مناهج موضوعية، وبالتالي ينتج “معرفة مجمعا عليها”. وهم ينظرون إلى الأخلاقيات بوضعها على الجانب الآخر المقابل للموضوعية، فهي تدرس القيم مستخدمة مناهج ذاتية ومنتجة آراء يثار الاختلاف بشأنها.
هذا التوجه يؤمنون بوجوب عدم انشغال العلماء بالموضوعات الأخلاقية وهم يمارسون نشاطهم العلمي. فهم العلماء يواجهون المسائل الأخلاقية بوصفهم أعضاء في المجتمع([22]). لكن توجها أكثر مصداقية، ولو في رأينا الشخصي على أقل تقدير، يؤمن بعدم إمكانية العلماء الهروب من الموضوعات الأخلاقية المثارة في المجتمع الذي يعيشون فيه؛ مما يعني إمكانية استيعاب العلم لأية مناقشات أخلاقية قد تثار تجاوبا والحقيقة المتمثلة بكون “العلم نشاط تعاوني يحدث داخل سياق سياسي اجتماعي أكبر”([23]).
5/ بيئة البحث العلمي فاعلٌ في الأخلاق :
يقودنا الفرع السابق للحديث عن بيئة البحث العلمي ودورها في تشكيل الانحراف الأخلاقي، ووفقا لديفيد رزنيك، فإن هناك خمسة عوامل رئيسية تساهم في الانحرافات الأخلاقية في العلم[24]، رغبة منا في اعتبار ورقتنا هذه نقطة انطلاق وفهم موسع لموضوع الأمانة العلمية.
أولى تلك العوامل التي تكلم عنها رزنيك، تتمثل بكون “العلم بالنسبة إلى معظم العلماء مهنة” وما يترتب على تلك الحقيقة من السعي اللاهث نحو نشر المؤلفات والحصول على وظائف، وبالتالي نجد البعض يساوي بين الأمانة العلمية وانتهاك المبادئ الأخلاقية في سبيل التقدم المهني.
أما العامل الثاني، فيتمثل بإشكالية التمويل البحثي غير المستقل والمشروط، وبالتالي احتمالية محاباة النتائج وفقا لمصالح الجهة الممولة.
أما العامل الثالث المكافآت المالية المرتبطة بالابتكارات البحثية، وبالتالي اعتماد الغاية مبررا للوسيلة.
أما العامل الرابع، فيرتبط ب “آليات التصحيح الذاتي للعلم بالغة الصرامة” والتي تتمثل بعدم فعالية تحكيم النظراء في كشف الخداع أو الخطأ، إضافة إلى الإهمال الذي تلقاه الأطروحات والأوراق البحثية لدى المحكمين الذين ليس لديهم الوقت الكافي لفحصها ومراجعتها. ويذهب البعض أبعد من ذلك، فيصرحون بأن “كثيرا من الأوراق البحثية لم تقرأ البتة.
أما العامل الخامس، فله علاقة بعلم التربية وإسهامه في تشكيل السلوك اللأخلاقي لدى الباحثين.
وبذلك يعاود رزنيك ليؤكد على خطورة التعامل مع الانحرافات أو الأخطاء الأخلاقية بوصفها شذوذات، وبالتالي التقليل من خطورتها. فهو يرى -وهو محق في ذلك- أن تلك الانحرافات تأتي وليدة لجملة من العوامل التي تشكل بمجملها بيئة البحث العلمي، لذلك لا بد من التعامل مع كل حالة انحراف أخلاقي في العلم بجدية وحزم.
أسباب الاهتمام بمبادئ الأخلاق في البحث العلمي:
باتساع مجال العلوم الاجتماعية وتعدد طرق البحث والتحليل وتزايد الاهتمام بالمبادئ الأخلاقية المتعلقة بإجراء البحث، لاقت حقوق المشاركين ومصالحهم والتزامات الباحثين كثيرا من الجدل في التخصصات العلمية الاجتماعية المختلفة، وقد تبنت غالبية المؤسسات العلمية قوانين أخلاقية وفق متطلباتها الاختصاصية الخاصة فلا يقصد عند البحث انتهاك حقوق ومصالح المشاركين بالبحث، فالهدف الوحيد للبحث هو المساهمة في تطوير معرفة نظامية قابلة للتحقق[25]….. تتطلب كل مرحلة من مراحل عملية البحث دراسة وتفكير للاعتبارات الأخلاقية بالإضافة إلى الاعتبارات العلمية المحضة، تثار القضايا الأخلاقية من خلال أنواع الإشكاليات البحثية التي يحاول علماء الاجتماع اكتشافها والطرائق المستخدمة للحصول على بيانات صحيحة وذات مصداقية، قد تنشأ من القضايا الأخلاقية من مشكلة البحث نفسها، مثل ( الهندسة الوراثية ) أو المواقع التي يتم إجراء البحث فيها ( المستشفيات، السجون….) أو الإجراءات التي يتطلب تصميم البحث…. أو نوعيه الأفراد المشاركين في البحث ( الفقراء، الأطفال …..)[26]
6/ أخلاق البحث العلمي:
1/ العناصر البشرية: أن وجود العلوم الإنسانية يرتبط بالاعتراف بحق المجموعة في دراسة العنصر البشري، بالضبط مثلما تم الاعتراف بحق دراسة المجالات المعدنية، النباتية والحيوانية، ومع ذلك إن هذا الحق في دراسة العناصر البشرية يفترض احترام الأشخاص المشاركين في البحث[27] احترام نزاهتهم، أي عدم استغلالهم واحترام جميع حياتهم الخاصة وذلك بعدم إفشاء أسرارهم وما قد يسببه ذلك من قلق وحيرة، لهذا فالمطلوب من الباحث أن يقلل من ذلك قدر المستطاع.[28] حيت تزيد الاهتمام بالعنصر البشري في البحوث والحث على احترامه والحفاظ حقوقه وممتلكاته ومصالحهم وهذا ما ذهب إليه “دافيد نشيماز” حيث عرض ثلاث دراسات تقدم أمثلة واضحة حول القضايا الأخلاقية ( دراسة طاعة السلطة، دراسة سلوك الشرطة دراسة مواقف طلاب الجامعة)[29] توضح هذه الدراسات الثلاثة القضايا الأخلاقية الأساسية التي يواجهها الباحثون في العلوم الاجتماعية والعلوم الأخرى، فكثرا ما توظف الأبحاث التضليل كجزء من التجربة، والذي أصبح اعتياديا ومألوفا كونه يقدم فوائد منهجية وعلمية عديدة، ويلجأ الباحثون إلى جمع البيانات بدون معرفة الأفراد محل الملاحظة، كما أن الباحثين لا يحافظون دائما على سرية البيانات.([30])
2/ احترام شخصية الأفراد:
عندما يتعرض الأفراد المشاركون للبحث إلى عواقب سلبية من الناحيتين الجسدية والنفسية، فعندئذ نقول أن هؤلاء الأفراد قد استغلوا هكذا، فإن جمع الأشخاص حتى ولو كان عن طريق استعمال سلطة الباحث أو الباحثة ثم الضغط عليهم لإرغامهم على القيام بسلوكات مضنية ومنفرة والتي قد تكون مثلا عكس القيم التي يتبنونها فهذا شكل من أشكال الاستغلال، زيادة على ذلك فإن ترك الأفراد جاهلين كلية أسباب مشاركتهم في البحث لدليل على عدم احترامهم المبالغ فيه…..فالقاعدة العامة هي أن يقدم الباحث للمشاركين في البحث، ومنذ الوهلة الأولى سبب البحث وبالتالي سوف يتعاونون معه وهم على دراية بذلك إضافة إلى هذا ينبغي تجنب الحالات التي قد تترك أثارا جسدية و نفسية سلبية لدى المبحوثين، إن الضغط على الأشخاص مثلا ودفعهم بالقوة إلى المشاركة في بحث ميداني عن طريق استعمال الابتزاز العاطفي او اللجوء إلى سلطة الباحث سيكون بمثابة دليل صارخ على عدم احترام نزاهة الأشخاص، وبكلمات أخرى فمن المفروض أن تعطي للأشخاص المبحوثين فرصة الموافقة الواعية بعد تلقيهم معلومات كافية وملائمة وأنهم يتمتعون بحرية في كل الأحوال للقبول بالمشاركة[31].
يجب أن يلتزم الباحثون عند التخطيط لإجراء أي مشروع بحث بمقارنة المنافع أو المساهمة المتوقعة من المشروع مقابل التكلفة التي يدفعها الأفراد المشاركون، قد تتضمن هذه التكاليف ( اهانة الكرامة، فقدان الثقة بالعلاقات الاجتماعية، التقليل من احترام النفس…إلخ)([32]).
3/ احترام الحياة الخاصة:
نقول إن الباحث لم يحترم الحياة الخاصة عندما يكون عاجزا على إخفاء هوية الأشخاص قبلوا بالمشاركة في البحث، وذلك من خلال الكشف عن أسمائهم أو المجموعة الخاصة التي ينتمون إليها حسب الحالة ( مثل قرية، الجمعية، إلخ) فالقاعدة في العلوم الإنسانية هي ألا يبوح الباحث بهوية هؤلاء وأولئك الذين أرادو عن طواعية أن يشاركوا في البحث، وتتجلى ضرورة احترام هذه القاعدة فيما يتطلبه البحث من المبحوثين أن يكونوا أحرار في التعبير التلقائي، وألا يتأثروا بما قد يتم الكشف عنه حولهم، أو بالصورة المتوقع نقلها عنهم، أما فيما يخص البحث الذي يجرى على وثائق فإن الأشخاص والمؤلفين الذين قد يشار إليهم سواء كانوا من المتوفين أو من الأحياء، فينبغي معاملتهم باحترام….([33]).
إن اقتحام الخصوصية أمر يقلق الجميع بشكل كبير لا سيما أننا نعيش في عصر بنوك المؤتمتة، سواء التجارية أو الحكومية، والتي يمكن الوصول إليها بسهولة يقصد بحق الخصوصية ( حرية الفرد باختيار الوقت والظروف والدرجة التي يمكن للآخرين مشاركته او عدم مشاركته في اعتقاده وسلوكه ورأيه)[34] والذي يمكن أن ينتهك بسهولة خلال او بعد الدراسة.
لذلك تعتبر السرية منتهكة لما لما يسمح الباحث بالتعرف على المبحوثين، ولتجنب المساس أو الأضرار بسمعتهم، فينبغي اتخاذ كل تدابير الحذر الممكنة بهدف ضمان سرية أكثر للمبحوثين، هكذا في بحث يجري على عينة فلابد من الالتزام بنشر فقط النتائج في صيغ عامة، إذا لا يمكن الإشارة إلى الأفراد المشاركين في البحث بطريقة منفردة.[35]
4/ الاهتمام بتقليص العيوب: إن العيوب التي قد يتسبب فيها الباحث نتيجة الوقت أو التنقل الذي قد يفرضه على المبحوثين، لابد من تعويضها بالاهتمام الذي يثيره البحث لدى هؤلاء المبحوثين، إن هذا الاهتمام قد يكون ذو صبغة فكرية مثل إرادة المساهمة في فهم أفضل للإنسان أو المساهمة في تطوير العلم، كما يكون ذو صبغة عاطفية وذلك لان الأشخاص قد يظهروا ارتياحا كبيرا لأنه يكون في إمكانهم التعبير عن جزء من ذاتهم الخاصة وأنهم قد وجدوا مثلا من يستمع إليهم باهتمام أثناء إجراء مقابلة البحث، كما يمكن أن يكون هذا الاهتمام ذو صبغة مالية، ولكن ليس إلى درجة أن تكون هي المصدر الوحيد الذي يحثهم على المشاركة، هكذا فإن كان من السهل القيام ببحث، مثلما جرت العادة، مع الأشخاص الأقل ثراء، والمستعدين لتقبل ذلك فلابد بالمقابل من تشجيعهم ومكافأتهم بأية صورة كانت، باختصار مهما كانت المزايا الممنوحة للمشاركين في البحث فينبغي أن تكون موازية على الأقل للعيوب التي قد تحدث بعض المتاعب لهؤلاء المشاركين.[36]
لابد من وجود ثقة متبادلة في إطار العلاقة الرابطة بين الباحثين والمبحوثين، ولن تكون عملية البحث ناجحة إلا باحترامها لهذا الشرط البالغ الأهمية، فعلى الباحث أو الباحثة أن يكون صادقا في قناعته بالمساهمة الكبيرة التي يقدمها المشاركون في البحث، لابد أن يمنح لهم ضمان حماية حقوقهم، بالإضافة إلى حصولهم على فائدة معينة من هذه التجربة فإذا ما تمت أقامت هذا الاحترام المتبادل، فإنه سيضمن الصبغة الأخلاقية للعمل العلمي في العلوم الإنسانية[37].
5/ المجموعة العلمية :
إذا كان مطلوبا من الباحث أو الباحثة أن يكون صادقا مع الأشخاص الذين يشاركون في البحث، فالأحرى به أن يكون كذلك مع أعضاء المجموعة العلمية، إن الأمر يتعلق هنا بزملائه، أي أولئك الذين يتقاسم معهم نفس ميدان النشاط، لهذا ينبغي ان يكون ذا شفافية أمام زملائه في البحث المكتمل، وناقد للبحوث التي يقوم بإنجازها الآخرون.
يمكن للباحث أن يطمئن زملاؤه بنوياه الحسنة باستعماله للمنهجية الأكثر ملائمة وبتحليله الأكثر صرامة، إلا أن الشفافية تتطلب أكثر من هذا لذلك لابد من نشر البحث وجعل معطياته في متناول الغير، وهذا يسمح بالتبادل العام للانتقادات كضمانة للموضوعية، إن العلم بهذا الشكل لا يثمن أو يقيم إلا من طرف المجتمع، ومصداقيته لا تستمر إلا إذا قبل العلماء هذا النوع من لعبة التقييم المتبادل، وينبغي أن تذهب نزاهتهم إلى حد السماح للآخرين بالاطلاع على معطيات البحث، وهذا ما يؤدي بالتأكيد إلى الكشف عن الأخطاء الممكنة.[38]
مسؤولية الباحث (العالم): إن عملية ضمان الموافقة المطلقة (للمبحوثين) هي الحل الأفضل عموما لمشكلة كيفية تعزيز البحث العلمي الاجتماعي بدون الاعتداء على حقوق الأفراد وصالحهم، إذا توفرت جميع الشروط المرتبطة بالموافقة المطلقة ، الأهلية والطوعية والمعلومات الكاملة والفهم أو الإدراك، فإن العالم يمكن ان يشعر بالثقة نسبيا بأن حقوق ومصلحة المشاركين قد أعطيت الانتباه والاهتمام الملائمين.[39]
ولكن يجب أن لا يكون مبدأ الموافقة المطلعة شرطا مطلقا لجميع الأبحاث في العلوم الاجتماعية، فعلى الرغم من أنه مرغوب، لا توجد ضرورة مطلقة لإتباعه في الدراسات الخالية من الأخطار، فكلما زاد الخطر الذي يتعرض له المشاركون زاد الالتزام بالحصول على الموافقة المطلعة، ولكن في نفس الوقت، يبقى العلماء مسئولين لاحتمال أي أثار سلبية على المشاركين، حتى ولو كان هناك موافقة على المشاركة البحث[40]
القوانين المهنية للمبادئ الأخلاقية: توجد حاليا قوانين أو تشريعات توجه الباحث العلمي الاجتماعي على مستويات عديدة، فهناك آليات تنظيمية مهمة مثل التشريعات القانونية، لجان مراجعة المبادئ الأخلاقية في المؤسسات البحثية والجامعية، والقوانين الأخلاقية للمجامع المهنية والأخلاق الشخصية للباحثين، سوف نستكشف القضايا المتعلقة بالقوانين الأخلاقية[41] …
بعض المبادئ الأخلاقية[42] :
- يجب أن ينظر إلى القضايا الأخلاقية من منظور مجتمع المشاركين.
- يجب أن يتم أجراء البحث بطريقة تحافظ على أمانة مؤسسات البحث وعدم إضعاف فرص إجراء البحث في المستقبل.
- يجب أن تخضع أي دراسة تتطلب مشاركة الأفراد لتساؤل فكري جدي.
- إتباع أساليب إضافية لحماية حقوق ومصالح المشاركين في البحث
- يجب أن تجري جميع الأبحاث بأسلوب يؤهلها لأن تكون هدفا لمشروع علمي.
خاتمة:
يهدف البحث العلمي إلى زيادة النشاط العلمي، ونضج الإنتاج الفكري، وازدهار الحياة المجتمعية واعلاء شأن المبادئ المدنية أن الإسلام في عنوانه ومضمونه جاء لإقامة صرح الأمانة وترسيخ جدار قواعدها قلبا وقالبا، وحارب جميع صور الفساد.
إن الحقوق الفكرية ومراعاتها من المعاني القيمية الكبرى التي يجب أن تكون جلية واضحة في ذهن وضمير وسلوك و وجدان كل باحث، ومن هنا فإن العناية بثقافة البحث العلمي وتعزيزها أضحت أمرا ضرورية يشغل ذهن الباحثين فيه لتحقيق الجودة لا سيما ونحن في عصر الثورة المعرفية وسهولة الحصول على المعلومات التي تتدفق في شبكات الانترنت ويسهل الحصول عليها مجانا.أمام هذا السيل المعرفي المذهل كيف نصون الصرح التعليمي من الكذب والغش والسرقة الفكرية فلابد من التحلي بالمبادئ الأخلاقية التي لا تتعارض مع القيم المجتمعية والأصول الإنسانية، هناك العديد من الوسائل لبث قيمة النزاهة ومنع انتهاكها منها نشر ثقافة الأمانة الفكرية في جميع المراحل التعليمية، وإحياء القيم الكويتية والعربية والإسلامية والإنسانية الأصيلة.
قائمة المراجع:
1/ أونجل اركان ، مفهوم البحث العلمي، ترجمة محمد نجيـب، مجلـة الإدارة العامة، التي يصدرها معهد الإدارة العامة بالمملكة العربية الـسعودية، ع 40،جانفي 1984.
2/ بدر أحمد ،أصول البحث العلمي ومناهجه، الكويت، وكالـة المطبوعـات، 1973.
3/ دافيد ناشيماز: طرائق البحث في العلوم الاجتماعية ، ترجمة ليلى الطويل، بترا للنشر والتوزيع، ط1 ، سوريا، 2004.
5/ السيد منى توكل: أخلاقيات البحث العلمي، كلية التربية الزلفى، جامعة المجمعة، زوارة التعليم العالي، السعودية، 2013.
6/ ممدوح عبد المنعم صوفان وآخرون: دليل أخلاقيات البحث العلمي، يناير 2012.
9/ عدنان محمود العساف: مقدمة في أصول البحث ومناهجه، مداخلة .
.المواثيق:
12/ ميثاق أخلاقيات البحث، كلية الفنون التطبيقية، وحدة ضمان الجودة، جامعة حلوة، 2015/2016.
[1] ) ممدوح عبد المنعم صوفان واخرون: دليل أخلاقيات البحث العلمي، يناير 2012. ص 10.
[2]) نفس المرجع، ص 10.
[3] ) نفس المرجع.ص 11.
[4] ) أحمد بدر،أصول البحث العلمي ومناهجه، الكويت، وكالـة المطبوعـات، 1973، ص 18.
[5] ) اركان أونجل، مفهوم البحث العلمي، ترجمة محمد نجيـب، مجلـة الإدارة العامة، التي يصدرها معهد الإدارة العامة بالمملكة العربية الـسعودية، ع 40،جانفي 1984، ص 148.
[6] ) الدكتورة ثريا عبد الفتاح ملحس، منهج البحوث العلمية للطلاب الجامعيين، بيروت، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني، 1960، ص 24
[7] ) سعيد جاسم الاسدي: أخلاقيات البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية والتربوية، وارث الثقافية، البصرة، العراق، ط2، 2008، ص 1.
[8]) ممدوح عبد المنعم صوفان وأخرون ، مرجع سابق، ص 06.
[9] ) سعيد جاسم الأسدي: مرجع سابق، ص 1.
[10] ) ممدوح عبد المنعم صوفان وأخرون ، مرجع سابق، ص 07.
[11] ) سعيد جاسم الاسدي:مرجع سابق، 2.
[12]) ممدوح عبد المنعم صوفان وأخرون ، مرجع سابق، ص 07.
[13] ) نفس المرجع، ص 08.
[14] ) نفس المرجع، ص 08.
[15] ) عدنان محمود العساف: مقدمة في أصول البحث ومناهجه، مداخلة ، ص1.
[16] ) ميثاق أخلاقيات البحث، كلية الفنون التطبيقية، وحدة ضمان الجودة، جامعة حلوة، 2015/2016 ،ص 05.
[17] ) ميثاق دليل أخلاقيات البحث، http://www.fopem.zu.edu.eg/pdf
[18] ) منى توكل السيد: أخلاقيات البحث العلمي، كلية التربية الزلفى، جامعة المجمعة، وزارة التعليم العالي، السعودية، 2013، ص 18.
[19] ) رزينك، ديفيد: أخلاقيات العلم: ت: عبد النور عبد المنعم. سلسلة عالم المعرفة (العدد 316 ،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2005، نقلا عن رشاد توم: الأمانة العلمية في البحث الأكاديمي ارتباط بحق المؤلف، ص 06.
[20] ) نفس المرجع، نقلا عن رشاد توم ، ص 07.
[21] ) نفس المرجع: ص 07.
[22] ) نفس المرجع، نقلا عن رشاد توم ، ص 07.
[23]) نفس المرجع، ص 07.
[24] ) نفس المرجع، ص 09.
[25] ) دافيد ناشيماز: طرائق البحث في العلوم الاجتماعية ، ترجمة ليلى الطويل، بترا للنشر والتوزيع، ط1 ، سوريا، 2004،ص 85.
[26] ) دافيد ناشيماز: نفس المرجع ،ص 86
[27] ) موريس انجرس:مرجع سابق، ص 87.
[28] )نفس المرجع 88.
[29] ) دافيد ناشيماز. مرجع سابق، ص 87.
[30] ) موريس أنجرس ، مرجع سابق، ص 89.
[31] ) موريس أنجرس ص 88.
[32] ) دافيد ناشيماز: ص 90.
[33] ) موريس أنجرس: مرجع سابق، ص 89.
[34]( M.O. Ruebhausen &Oliver G.Brim,( privacy and behavioral research,) American psychologist,21
, 1961, 432.نقلا عن دافيد ناشيماز: طرائق البحث في العلوم الاجتماعية مرجع سابق، ص 95.
[35] ) موريس أنجرس: مرجع سابق، ص 89.
[36] ) موريس أنجرس: مرجع سابق، ص 89/90 .
[37] )موريس أنجرس: مرجع سابق، ص 90.
[38] ) موريس أنجرس: مرجع سابق، ص 90.
[39] ) دافيد ناشيماز: مرجع سابق، ص 94
[40] ) نفس المرجع، ص 95.
[41] ) دافيد ناشيماز: مرجع سابق، ص 98.
[42] ) نفس المرجع، ص 99.