
يمكننا عد الخيال العلمي أشد أنواع الكتابة تحقيقا للمسافة التي لابد منها بين الممكن الراهن والتي تكاد الحداثة تتحدد من خلالها، بل يكاد الفن يقبع عند تخومها كخلفية مفهومية.
المسافة بين عالمين.*
الخيال العلمي (كما نشأ مصطلحا) أو الخيال الافتراضي (كما ارتقى مفهوما) هما قراءتان ممكنتان للبادئة المختصرة الشهيرة SF التي تفكك كلاسيكيا (Science Fiction).وتقرأ حديثا- منذ ستينات القرن العشرين – (speculative fiction) … خيال علمي لأن نشأة هذا النوع من الكتابات كانت شديدة الارتباط بوصف جديد العلم وما يجره من جديد الحياة، أو وصف أثر التطور العلمي على الحياة في مناحيها العديدة… إلا أن تطور الكتابة وللظروف العسيرة التي مر بها العلم حينما اتهم بالوقوف خلف الحربين العالميتين، جعلا المادة العلمية تتقلص في هذه الرواية التي يحدث أن تسمى “مستقبلية ” أو “استشرافية” وهذه الكلمة الأخيرة واسعة الاستعمال في الميدان إلى درجة تسمية الفرانكفونيين لهذا الجنس بأدب الاستشراف Littérature d’anticipation…
وأدى تقلص المادة العلمية إلى رقي –كان غائبا في غالب الأحيان- في المادة الكتابية فأعطى كتابات جديدة تقرأ –كسابقاتها- تطور الإنسان تحت تأثير كل أنواع المعرفة-تكنولوجية أو حتى ميتافيزقية- وتحت تأثير كل أنواع العقائد والصدف، بل وذهب كتاب هذا النوع إلى قراءة الماضي أيضا عن طريق فتحة هامة تنفرد بها رواية الخيال العلمي وسط أخواتها في عالم السرد، تلك هي إمكانية السفر في الزمن ذهابا وإيابا…
ليس العلم هو سمة الخيال العلمي الأساسية إذن، بل العمل على فرضيات غير متحققة ومعالجتها بمشرط الخيال –هذا لاشك ولا جدل فيه- تارة وبمشارط المنطق والعلم والعقل والسخرية والايديولوجيا…الخ… في تارات أخرى.
يحتفظ منظرو النوع مع نهاية القرن الفائت بفكرة مفادها كون الخيال العلمي خزانة موضوعات صارت مرتبطة بهذا النوع الأخطبوطي، فلا العلم ولا المنطق العلمي ولا النظرة الشمولية المتعالية صوب العالم ولا التبشير بالتغيرات الجذرية والعميقة في حياة البشر هامة في هذا الميدان… بل إنه يعد من الخيال العلمي كل أدب روائي يتطرق لموضوعات مثل: الحركة في الزمن، عالم الفضاء، المخلوقات غير البشرية، نهاية العالم، ما فوق الإنسان، الأسلحة الفتاكة، حياة العلماء ووصف المخترعات، تجسيد عوالم الإنسان الداخلية، وصف العوالم الموازية لواقعنا، افتراض تقاطبات معينة ثم وصف أثرها الافتراضي…الخ.
إنه أدب العالم الممكن الآخر، وسماه بعض النقاد ما وراء الواقعية بدلا مما فوق الواقعية Surréalisme لأن ما وراء الواقعية hyperréalisme قد يشمل ما تحت الواقعية أيضا.([1])
يلاحظ الناقد الكبير روبرت سكولز مبررا جيدا لحيوية الخيال العلمي في قدرته على تجديد آلياته الداخلية، وهي صفة الأدب والفن عموما لا الخيال العلمي فحسب-؛ يقول: «قد يُرَى الأدب بصورة مفيدة في حالة تطلعه إلى نسق ما، على أنه مجموعة من الكائنات تعي ترتيب نفسها باستمرار ، بحثا عن توازن لم يتحقق إطلاقا، وفي أثناء هذه العملية تتبلور بعض الأشكال النوعية، وتثبت على حالها، أو تتلاشى مع الوجود وتسود بعضها في لحظات معينة من التاريخ، ولا تلبثان أن تسلم موقعها المسيطر مع مرور الزمن وحسب».([2])
وهذا الكلام يعود بنا إلى مبرر دراستنا كلها، فنحن بصدد البحث عن مواقع الحياد على النموذج الواقعي المسطح الخطي النمطي كتابة وتصورا (مخيالا)…
ولا نود التوسع في هذه الأسطر شبه التنظيرية حتى نشمل المقاربات الكثيرة لوعي هذه الظاهرة الكتابية التي لابد من الوقوف على عتبات دخولها المجال الجزائري أخيرا… لا نود ذلك لأن المقام لا يتسع تماما للدخول في تفاصيل نظرية المكان ليس مكانها ونحن بصدد الوقوف على جديد الرواية الجزائرية ومواقع انتقالها من سائد مملول إلى وارد مجهول.
لو سمح المقام لتوسعنا في مقاربة الوسط النقدي للخيال العلمي كنوع من الميثولوجيا الحديثة، وهي قراءة تستعيد الحضور الشديد الضروري للنماذج الكبرى التي حددها كارل يونغ، وتستعيد شعور الإنسان بضرورة اختراع صور خاصة به في كل طور من أطوار تطوره لهذه النماذج الأصيلة Archétypes، فالمحتوى “الصوري” أو “المخيال” التكنولوجي يعبر بطريقة بديعة عن أساطير يبتلعها الإنسان المعاصر.([3])
سننظر إلى الظاهرة دائما بعينين: إحداهما تصف والأخرى تحلل وتؤول. العين الواصفة تقف عند محطات هامة كالنبذة التاريخية الجيدة التي كتبها الباحث فريدريك فونتين والتي نختصر منها ما يلي:([4])
نظرة الوسط النقدي اليوم صوب هذا الصنف من الكتابة والذي يراه الجمهور خزانة للموضوعات تكاد تكون محصورة، حددها الباحث الفرنسي جيرار ديفلوث في فصل من كتابه الجيد: “La science fiction ” تحت عنوان (جدول للموضوعات المفضلة Répertoire des thèmes favoris) ويحددها بعشرين تيمية أساسية مشتركة بين الكتاب من أمريكا إلى فرنسا إلى روسيا إلى اليابان- كما يقول- . وهي التيمات التي يقول إن النوع يهرب منها لشدة الإبداع ولتكريس فكرة الجديد ومبدأ الخروج عن السائد المألوف إلى الوارد غير المعروف، ومن الراهن إلى الممكن.. يقول الباحث إنها تيمات عامة وشمولية لا تصنع الانفلات، بل إنها لا تتجاوز فكرة إمكانية التفرقة الشكلية ( المنهجية) بين ما هو خيالي علمي وما هو ليس كذلك.
هذه التيمات يختزلها الدارسون محاولين العودة إلى النماذج اليونغية المذكورة أعلاه في هذه المواقع:([5])
- اليوطوبيا وضد اليوطوبيا (أو ثنائية الجنة والجحيم).
- الرحلة (في الزمان، في المكان، في الذهن، داخلية، خارجية، حقيقية، مجازية…).
- ما فوق الإنسان وما تحت الإنسان وما يرتبط بهذا الموضوع من حديث عن الطفرات والقوى الخارقة والقدرات الباطنية الصوفية، والأدوية المخترعة…).
- العلوم الخارقة ( المخترعات، الكشوفات الخارقة،العلماء المجانين…إلخ).
- تصوير المستقبل (أو العزف المحبب جدا على وتر التوقع).
- العوالم الموازية (وهو موضوع مرتبط إلى درجة كبيرة بالميراث العجائبي).
- القوى الخارقة وكل ما يتصل باللامعقول.
أولا: نموذج فعال للخيال العلمي الجزائري؛ “جلالته الأب الأعظم” لحبيب مونسي
يتموقع الفن في النقطة الطريفة الموجودة بين صرامة الواقع أو الحقيقة المعطاة وبين الانتعاش الشديد الذي تدخله الإمكانيات الخيالية على صرامة الواقع، نقطة طريفة ومثيرة تجمع بين “إن…” و”ماذا لو أن…” …وإذا كان الأدب الواقعي مجبر على تقييد جزء “ماذا لو أن…” بالمعطيات الصارمة للجزء “إن…”، فالخيال العلمي ينبني على التحرير الكلي للجزء الأول من الثاني، وهو تحرير يتخلص من الفجاجة غير المبررة وغير القابلة للتبرير للسريالية أو الدادائية أو العجائبية بواسطة التبرير العلمي والغطاء المنطقي العقلي… وهذا ما يعطي اللعبة جانبها الشيق… وسوف نذكر باستمرار بكون اللعب معطى حداثيا رسخته ما بعد الحداثة، اللعب بالكلمات واللعب بالأشكال والمحاكاة الساخرة… إنها كلمات تقترب من طبيعة المجاز الذي هو تغطية غير كاملة للحقيقة، وحياد غير مكتمل عن صرامة الواقع…المجاز!
إنه الكلمة المفتاحية في الفن وفي الحداثة، رواية “جلالته الأب الأعظم” نص غريب يصور لنا عالما شموليا(وهي تيمة منتشرة في تقاليد الخيال العلمي) يسيطر عليه رجل جبار ذو قوة خارقة (تيمة كلاسيكية أخرى) ثم يظهر بطل يقود البشرية صوب التحرر بقتل هذا الرجل وإلغاء أدوات قوته (تيمة روائية معروفة وخيالية علمية أكثر من معروفة)، إلى الآن لا يوجد لا فن ولا خيال ولا علم..
الفكرة كما هي معروضة لا توحي بالقدرة على ملء 282 صفحة كاملة، إلا أن الخيال العلمي يفجر هذه البنية المعروفة لإدخال عشرات العناصر ومئات التفاصيل التي يستطيع شكل كتابي آخر توفيرها، فنحن مع حاكم متجبر يسمى “الأب الأعظم” ويوصف بـ “جلالته”، فهو كالإله، وهو مستغل عظيم، والتسمية تحيل على المصطلح الغربي الذي أصبح معروفا في القواميس بفضل رواية مشهورة هي: “1984” للكاتب الإنجليزي “جورج أورول”؛ مصطلح “Big brother” “الأخ الكبير”، والرواية معروفة إلى درجة كبيرة، وصف من خلالها الروائي نظاما يشبه الستالينية من باب انسحاق الفرد، وانتشار البوليس وشدة تجسس أجهزة الدولة على أدنى تفاصيل الحميمية… وهو تصوير نقدي لليوطوبيا العلمية والتكنولوجية التي ما فتئ القرن العشرون مؤمنا بها.([6])
ثم يدفع الروائي عجلة الخيال أبعد، فتجد البطل الشاب يتسمى “موسى” ونجده يتربى في قصر الأب الأعظم وتربيه امرأة هي وصيفة اتخذها الأب الأعظم بمثابة “الأم العظمى” اسمها “اشتار” مع كل الحمولة التخييلية لهذا الاسم، ونحن هنا مع كل العناصر التاريخية (=الواقعية) لقصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون، وبضربة خيال علمي نجد أنفسنا نقرأ القصة القرآنية (أو الدينية الكتابية) القديمة في إطار تكنولوجي معاصر تمهد له رسائل مجموعة من العلماء المنتحرين الذين أيقنوا بأنه لا يوجد مخرج للعالم من السيطرة الشديدة الأخطوبوطية الشيطانية لقوة “الأب الأعظم” ([7])… رسائل علماء مقبلين على الانتحار يتوزعون على مناطق مختلفة من العالم للدلالة على شمول الشعور بالقنوط لمختلف علماء مختلف مناطق الأرض.
رسالة دينية شاملة وقصة عالمية شاملة.تسلط الفراعنة وتسلط نظام عالمي خفي كاره للبشر يبرر شكله ومضمونه بطريقة فلسفية… يقول جلالته: « إنه التاريخ يعيد نفسه، وليس لنا فيه دخل أو تحويل، لقد عرفنا نحن الشتات والحرمان من قبل، على هذه الطبقة أن تذوق منه قسطها».([8])
هذه الطبقة هم العمال؛ أدنى طبقات المجتمع والذين تسميهم الرواية “العرب”، والتشكيلة بعناصرها كلها تحيل إلى إشارة طريفة يوردها الروائي بشكل حداثي، فالرواية في طبعتها الأولى تأتي مدعمة بمقدمة يكتبها عبد العظيم العبودي- زميل الروائي في الجامعة- يفكك الشفرة -ويكاد يفسد جزء من متعة القراءة– محيلا على الخطر الصهيوني الذي تستحضره الرواية من خلال الإطار المرجعي الغائب (فرعون وموسى) وتستحضره من خلال الإشارات إلى التفوق والقوة الخفية على امتداد فصول الرواية، وتستحضره من خلال إشارات إلى الشقاء والعذاب الذي ألم بالشعب المختار؛ كالتي أوردناها أعلاه ضمن استبطان جلالته.
إن تواشج هذه المحاور الدلالية وتشجير هذا المحور الرئيس هو التقليعة الكتابية التي لا يسمح به سوى شكل الخيال العلمي، وهذا ما يقصده الكاتب الألمعي هارلان إليسون مقدما نصا لجيمس غراهام بلارد، إذ يقول إن كل قوة الخيال العلمي الجيد تأتي من التعامل مع عناصر واقعية ليست فيها أية مبالغة، نقبلها دون اللجوء إلى التساهل الذي يجرنا عليه “عقد القراءة”، عناصر مقبولة تكاد تكون من المحيط المباشر للقارئ،من دائرة وعيه الاعتيادية، ثم يخضع الكاتب هذه العناصر لتوليفة خيالية علمية تجعلنا نخطو خطوة أمام بيتنا فنقع في جهنم أو على الأقل في كتاب ليس فيه أي شيء معقول.([9])
إن قراءة رواية “جلالته الأب الأعظم” ممكنة على محورين أو في اتجاهين أحدهما يجد فيها نصا روائيا كلاسيكيا، لغته بارزة سطحية تقريرية ونكاد ندعي كونها فجّة فارغة من كل بعد جمالي… هي اللغة التي تترجمها مقتطفات مثل قوله في بعض المحاور:
«- خذوا مجالسكم.
همس الحاضرون في آن واحد:
- سمعا وطاعة جلالته الأب الأعظم.
ألتفت إلى يساره قال:
- أني لكم صاغ.
- نحن مجلس الحكماء نحي جلالته الأب الأعظم بتحية الملك أولا وبتحية الأبوة ثانيا، وبتحية العبودية ثالثا.»([10])
أو قوله:
«- أريد أن أكون عونا لك على كل شيء، أريد أن أكون الأم العظمى.
هز رأسه في وهن وقال:
- لا أستطيع لو علم المجلس السري ذلك لتآمر عليك وأبعدوك عني، فوراء المجالس العلنية هناك مجلس آخرلا يعلمه أحد على وجه الأرض وهو الذي يتولى رعايتي شخصيا وتوجيه مسيري… إنه مجلس يعيش في الظلام.
توقدت نظارتها وقالت:
- أظل معك في سرية.»([11])
وكذلك قوله على لسان موسى البطل:
« دخلت في مجال حرب تناثرت عليه أشلاء العمارات الضخمة المقبورة، ترتفع منها الأسلاك الصدئة، عارية لا تكشف سوى الخراب الذي يعقب القصف النووي تحت غلالة سوداء».([12])
وتورد الباحثة فالنتينا إيفاشيفا نماذج كثير مما وقف لديه النقاد كنقاط ضعف في كتابة الخيال العلمي، تجملها في تهم ثلاث هي: ضعف الواقع الذي يوحي بواقعيته الكتاب بسبب عجزهم في إضفاء المصداقية التي هي أثر كتابي متشعب وليس معطى وصفيا فحسب، وكذلك ضعف تصوير الشخصيات التي تبقى كاريكاتورية في أغلب الأحيان –بل إنها تقول إن كاتبا غزير الإنتاج مشهودا له بالريادة مثل إسحاق عظيموف عجز على رسم شخصية واحدة مقنعة وإنسانية 100%- إضافة إلى ضعف اللغة التي تظل عاجزة عن إحداث الأثر الشعري المرجو في عالم الأدب بسبب قبوعها على تخوم الوصفية والتقريرية العلمية.([13])
هذه الهنات سيجدها قارئ رواية حبيب مونسي بلا شك في هذا النص، إلا أن التساؤل الحقيقي ليس حول وجود هنات أو عدمه، ولكن حول وجود هذا العمل –سواء بهنات أو دونها- وعدم وجوده.
لقد أسلفنا القول أن قراءة هذه الرواية تتأتى على محورين أو في اتجاهين، أحدهما ينظر فيرى رواية بهنات هي تلخيص جيد لأصناف الهنات الواردة في هذا النوع –كما قلنا… أما الاتجاه الثاني فسيمكننا من رؤية نص روائي رائد لم تسبقه رواية أخرى في هذا المجال… نص يؤسس لصنف في لا قبل لنا به من أصناف الكتابة… بل إنه اختار أحد الدروب الصعبة في الخيال العلمي الذي ينقسم إلى خيال علمي صارم Hard SF، وخيال علمي عجائبي، أو مغامرات بطولية أو أوبرات فضائية Heroic Fantasy و Fantasy space opera…([14]) فرواية حبيب مونسي تقترب من النوع الأول؛ الصارم صرامة تجعله يقترح خيوطا يغزلها على امتداد ما يقارب ثلاثمائة صفحة دون مخافة ضياع أي خيط، مع الوصف والتفصيل وعدم الوقوع في التناقض أو الفجاجة أو الاعتباطية؛ أدغال من الصلات السببية والسلاسل المنطقية تزينها مبتكرات تبرر دوران الأحداث في القرن الواحد والعشرون الذي نقف اليوم دونه.
ونحاول فيما يلي رصد بعض هذه المظاهر كي تتضح الصورة أحسن فيما يتعلق بهذه الرواية الرائدة على أكثر من مستوى:
حسب مؤهلاته العلمية ودرجة الولاء، ولمعرفة مزيد من ملامح المجتمع المستقبلي نعرض النظام القائم في الطبقة الدنيا، والتي كانت عينة تبين لنا وضع الإنسان المستقبلي في كل الطبقات ولو أنه أكثرهم إبادة، فقد كان أناس هذه الطبقة العربية مثل كل البشر في هذه المعمورة تعرضوا بدورهم إلى التطهير وتقديم الولاء ثم البرمجة، لقد برمجوا على العمل في مناجم الذهب وحقول الحشيش وكل الأعمال الشاقة في الصحاري والأماكن النائية، وأسكنوا في معسكرات ضخمة –بعدما كانت مدنا في السابق- تضم شتاتا من الرجال والنساء، يساقون إليها بعد العمل في شاحنات تحت الحراسة المشددة لهذا فقد حرمت هذه الطبقة من التعليم أو قراءة الدستور الجديد، كانت الشوارع هذه المدن مزودة بشاشات ضخمة ليطل عليهم “الأب الأعظم” واعدا متوعدا، كما عزلت الأحياء عن بعضها البعض بسياج مكهرب فلا يغادرها أهلها إلا للعمل نهارا، ومع كل هذا هناك حرس زودتهم آلات التحضير بالقسوة والوحشية ما يؤهلهم لهذه الخدمة، وكان العامل إذا تعرض إلى المرض يعرض على الآلة وهي تقرر إما طرده أو إبقاءه أو تحويله إلى عمل آخر، ولو قررت طرده يسحب ملفه من القوائم الرسمية كما يلغى رسم دماغه من ذاكرة العقل الجبار ويصبح ميتا بالنسبة لهم ليتخذوا من الأقبية والمجاري القذرة بيوتا لهم…
وقد ألغت الدولة نظام الزواج وحل محله نظام الحيوانية، أين كانت تدس المساحيق المهيجة في طعام العمال فيختلط الكل في بهيمة عمياء، وتعود الأبواب لتغلق من جديد بعدما يتلاشى المفعول لتفتح في الشهر المقبل، ثم تحال النساء الحوامل إلى مراكز الوضع وتفصل عن وليدها ساعة الوضع ليؤخذ الرضيع بدوره إلى مركز آخر حتى يتم إعداده وبرمجته لمهمة معينة (خادم، عسكري، ..) وبهذا يتلاشى معنى الأسرة بما تحمله من عواطف في ظل هذه الدولة المستقبلية، هذه هي ملامح الحياة المستقبلية التي أطلعنا عليها حبيب مونسي، إنها ملامح لا تثير إلا الخوف من هذا الخطر الآتي من المستقبل الذي قد يأتي فعلا فيقتل الإحساس فينا ويحولنا إلى مجرد لعب تعبث بنا الآلة كما تشاء ثم توجهنا السلطة كما تريد، ولكن الكاتب مع كل هذا لا يكتفي بتقديم اليوطوبيا الضد ليشعرنا بالخوف من المستقبل، بل يقدم لنا بعض الإشارات التي تعطينا الأمل بقدرة الإنسان على التحكم في الآلة التي صنعها بيديه فيقدم لنا ملامح الدولة المثالية التي تقوم على أنقاض دولة اليوطوبيا الضد وهذا من خلال التقسيم المضاد.
المادة العلمية
إضافة إلى هذه الأجواء المستقبلية المخيفة والتي أخذنا إليها حبيب مونسي، فقد وظف ما أتاح له خياله من الوسائل العلمية، التي اخترعها لنا إن صح التعبير فقدمها لنا دون الغوص في الوصف الدقيق لها، أو كيفية عملها لأن الكاتب ليس عالما كما قلنا سابقا بل أديب قبل كل شيء وأبرز هذه الوسائل العلمية ما يلي:
* عناصر اليوطوبيا الضد
يصور الكاتب في “جلالته الأب الأعظم” مجتمعا مستقبليا يبدأ من سنة 2018 إلى سنة 2099 بكل ما فيه من مساوئ أين عملت فيه الآلة على تبليد الذهن وتحويل الإنسان إلى مجرد لعبة بين يديها بعدما احتفظ العقل الجبار برسم دماغ الإنسان على سطح الأرض ليقوم بتوجيهه وتحويله… إنها ملامح الدولة العالمية الموحدة التي قضت على الأقاليم والحدود، قضت على الدين والتاريخ وأحرقت كل الكتب السماوية والبشرية ضمن عملية التطهير كما يسميها جلالته، تطهير الإنسان من كل شيء يجعله يسمى إنسانا، حتى الأحاسيس والمشاعر رأى فيها مجلبة للمتاعب ولابد من نبذها، هكذا أدخلت جيوش الناس في أحشاء الآلات ليخرجوا منها كل مبرمج لمهمة، ثم جمعوا في محتشدات ضخمة وقسموا حسب انتمائهم إلى طبقات فكانت الدولة مقسمة إلى ثلاث وثلاثين طبقة يتولى شؤون كل طبقة مجلس مكون من حكيم يساعده على أداء المهام كاهن عسكري ومربي، ولهم كل شهر حج إلى القاعة المشرفة والتي هي قاعة الاجتماع للتزود بالطاقة الحيوية من الأب الأعظم والذي هو القوة العظمى للدولة العالمية، وبهذا كانت الدولة العالمية تعمل على ثلاث مجالات هي:
- المجال الديني
دمرت كل الكنائس والمساجد والمعابد وحطم كل شيء يمت للدين بصلة وأقيم دين جديد يؤمن بأبوة الأب الأعظم وعبوديته وملكه، “كما أنشئت بيوت عبادة خاصة حديثة يدخلها الداخل في جو من الخشوع والندم، فيقدم ولاءه وخضوعه، ثم يجد ما تشتهي نفسه ماثلا بين يديه”،([15]) وبهذا كان الدين قائما على توحيد الأبوة العظمى وإقامة النعيم على الأرض لا السماء.
- المجال العسكري
تم إنشاء جيوش مدبرة منظمة مهمتها مراقبة العامة أثناء أداء الأعمال وحراسة الدولة والأب الأعظم، كما تم انتقاء صفوة الجنود الأكثر وحشية من أجل الاستعانة بهم في الحوادث الطارئة، كما تم إنشاء المراكز العسكرية وهي لا تعمل على الإعداد العسكري لهم لأنهم أخذوا هذا في المدارس القديمة، ولكن هدفها هو إعدادهم روحيا من أجل تقديم الولاء أولا ثم البرمجة ثانيا.
- المجال التربوي
تم نبذ كل الثقافات وإحراق الكتب السماوية البشرية، وتم تقديم الكتاب المقدس الجديد الذي يتماشى مع كل طبقة أي لكل طبقة دين يتماشى معها، إلا أن الطبقة الدنية التي حرمت من التعليم لتبقى مبرمجة للعمل في الحقول والمناجم فقط وهي طبقة العرب.
- العقل الجبار
هو أعجوبة من أعاجيب التقدم التكنولوجي في العالم المستقبلي، وهو يفكر تفكيرا منطقيا دون تعثر يجعل النتيجة التي وصل إليها مستحيلة الوصول من طرف أي عقل إنساني، ينبعث منه -بعد تشغيله- صوت يحاكي صوت جلالة الأب الأعظم فتتراقص الأنوار منه حينا ثم ينبعث أزيز خافت تتلوه حشرجة ينطلق منه الصوت، وهو في الحقيقة عقل الأب الأعظم أوصل بطاقته فكان يفكر ويبدع تحت إرادته، فإن خاطبه من طرف المعمورة أجابه، ولا يستطيع أي أحد التقرب من مقاليده إلا بإذنه وإلا هلك.
ويحتوي هذا العقل على شاشة لامعة وعين آلية تتحول نحو الشاشة لتنقل صورة العالم في الخارج فيعطي عنه تقريرا مفصلا لا يقبل الشك، كما يقوم بعملية الفرز والبحث عن معطيات الأديان, عن نصوص تقف وراء نصوص الدين الجديد و نسخها فيقف على وجه التشابه والاختلاف بينهما، فيرد المتشابه إلى بعضه البعض والمختلف إلى أصله ويستنتج القاعدة التي تنطلق منها هذه الأديان… وهي كما نرى عملية دقيقة جدا يصل إليها العالم في المستقبل، وللعقل الجبار عدة عقول صغيرة تابعة له، تقوم بمساعدته فتتولى النظر في دين من الأديان ومقارنته بما أمدها العقل الجبار من الدين الجديد في مجال اختصاصه ثم يتم حوصلة الأديان السابقة في دين واحد يعلن قدرة البشرية على خلق دينها دون تدخل القوى الغيبية، وتساعده أيضا عقول متخصصة لكل طبقة، هذه العقول تملك في ذاكرتها رسما لكل دماغ بشري بتلافيفه وشدته وتوتره، يقوم من خلالها ببرمجة كل العقول مرة واحدة كل أسبوع لضمان الاستقامة، كما يقوم العقل الجبار بتسيير وتوجيه الشاشات العملاقة المبثوثة في المراكز حسب الظروف الطارئة التي تمر بها هذه المراكز، فيطل وجه جلالة الأب الأعظم منها واعدا متوعدا، وأبرز ما ميز به الكاتب هذا الجهاز هو التطور العلمي الهائل الذي تميز به، هو يعد في وقتنا الحالي ضرب من الخيال، فهو قادر على استحضار أي شخص ولو كان في أقصى مكان في الأرض، وهذا ما حصل لموسى فقد استحضره العقل الجبار بمجرد أن أشار إليه جلالة الأب الأعظم، وبواسطة جهاز تابع له –في نفس القاعة- مكعب الشكل كثيف الضوء يظهر فيه الجسد في ضبابية ثم يأخذ شكله ومعالمه الحقيقية، كما كانت له القدرة على إهلاك أي شخص يؤمر بقتله ولو كان في أقصى الأرض، وهذا ما فعله مع العجوز الذي كان مع موسى الصبي حين نزع له رأسه وتركه جثة هامدة.
الخيال العلمي من حيث وجوده على خارطة الكتابة في أدب أية أمة يعد نداء للكتابة صوب الخروج من خط يسميه الإنجليز: ” التيار الأساسي Main Stream”، وهي تسمية تحمل دلالة سيميولوجية هامة، فكأن الخيال العلمي خلق لتيار جانبي، أي متميز أي خارق للقاعدة أي حداثي.
أشرنا إلى الهنات التي ستصدم القارئ لأول وهلة، ونعيد الإشارة إليها مرارا، منبهين إلى كون بعض الهنات مرتبطا بالنوع،([16]) وكون بعضها –وهذا أمر لابد من التنبيه إليه- مرتبط بحداثة عهد القارئ (والكاتب أصلا) بهذا النوع من المواقع الأدبية؛ الشيء المؤدي بالكاتب إلى كثرة الاستطراد وإلى هوس التفاصيل والشروح من أجل ضمان حد أدنى من التواصل، ومن الفهم.
ولكن أهم العناصر المأخوذة بعين الاعتبار هي الريادة. وسيطرح أي قارئ السؤال حول حداثة النص الرائد،… بل إن السؤال سيدقق الاستفهام: هل يمكن لنص رائد في لغته أو بيئته أن يكون حداثيا حتى وإن كان متخما بكليشهات مستجلبة يعرفها قراء اللغات والبيئات الأخرى، بل وربما يسخرون منها.
نجيب: نعم… لأن النص إذا نقل جماليات موجودة في أماكن أخرى وبلغات مجهولة، فهو يحدث فتحا في المكان الجديد وفتوحات في اللغة المستقبلة، بل إن نصه المليء بالكليشيهات قد تفوق أهميته النصوص المنقول منها على جدتها وشدة ابتكارها. ونشير هنا للتدليل على ذلك ما كان لنص دانتي أليغري “الكوميديا الإلهية” المنقول- كما لم يعد أحد يشك- من الثقافة العربية ومن نص أبي العلاء المعري “رسالة الغفران”.
ثانيا: شهادة خاصة: قصتي مع الخيال العلمي
الخيال العلمي عندي مغامرة في الكتابة أكثر من كونه نمطا محددا محصورا بالتعبير عن هواجس الغد القريب المتربصة بإنسان اليوم نتيجة لما يعتور العالم من تطور علمي، ومن تبدل لأحوال الحياة.
الخيال العلمي مغامرة في الكتابة بسبب إمكانيات الكتابة الكثيرة التي يمنحها للكاتب من المنطلق الأول الأصلي الرئيسي للخيال… أليس الخيال في تعريفه القاعدي هو تفكيك للواقع إلى قطع صغيرة ثم إعادة تركيبه حسب استراتيجيات معطاة ؟
في إنجلترا، وبدءا من ستينات القرن 20 ، أطلق جماعة الطليعة الأدبية آنذاك قراءة جديدة للتسمية الاختزالية SF ، قرأوها Speculative Fiction بدلا من Science-Fiction ، فصار الخيال العلمي دالا على الخيال الافتراضي .
إن الافتراض(أو المضاربة ) Spéculation هي فعلا ما يفعله كاتب الخيال العلمي إذ يأخذ معطيات حاضرة؛ فلسفة، عقيدة، اتجاه سياسي، هاجس بيئي، إنذار بكوارث طبيعية، بحث علمي … الخ،ثم يغزل بالاتكاء عليها قصة يحاول توقع ما سيحدث لو أن ما يعتمل في ” الحاضر ” قد تحقق،لو أن الخطر حل، لو أن المحاولة العلمية قد نجحت …
* في روايتي الخيالية العلمية الأولى (منشورة مسلسلة في جريدة ” العالم الثقافي” 1997 ) تصورت عالما مقسما إلى ثلاثة كواكب،أمريكا، تشاينا و”إسلاميا”( وهو عنوان الرواية ) ، و نحن اليوم ، بعد عشرين عشرة سنة من كتابتها نعيش وضعا شبيها بما تخيلته ، لقد كان شعوري بالممانعة الآتية من الشرق قويا آنذاك، رغم أن كل التحولات الإقليمية كانت تشير إلى ظهور قطب أوروبي جديد (الرواية مكتوبة عام 1994)،ومع ذلك فقد بدا لي أن دور المشرق، سواء الصين أو الدول الإسلامية سيكون أهم من دور أوربا، والعالم اليوم يصادق على رؤيتي.
إن الأدب – كالسياسة – هو فن الممكن …والخيال العلمي يمنحنا إمكانية الإطلالة على ممكنات الفكر واللغة والجمال .
روايتي الخيالية العلمية الثانية (وهي قيد الطبع في دار الألمعية تحت عنوان “يوم تأتي السماء”) مكتوبة عام 1997 وفيها اتجاه صوفي قوي جدا، إنها رحلة في الفضاء الخارجي بحثا عن الذات .
لقد عملت ثقافتي الصوفية على رسم خطوط الرواية؛ إذ إنّ المتصوفة يؤمنون بالرحلة الداخلية،وبأن العروج في معارج القدس الأعلى يؤدي إلى الغوص في مدارج النفس الأدنى إلينا …
في الرواية أيضا حضور بيئي شديد الإصرار على الدمار الذي تحدثه التكنولوجيا في الطبقات الدنيا لحياتنا،الأرض، الطبيعة، الحيوانات الهشة، النباتات التي لا نلمس فائدتها بمنطق السوق !…ولم أذهب بحثا عن كل هذا إلى التيارات السياسية ” الخضراء ” والمنظمات العالمية للدفاع عن البيئة بل اكتفيت بالعودة مرارا إلى منطقتين ريفيتين إحداهما منها أصولي( دوار أولاد علال بجيجل ) والثانية فيها جل مراحل حياتي( مدينة “الميلية” شمال ولاية جيجل ) … فكانتا مصدر إلهامي الأول.
الرواية الموالية ،والتي أعدها أكثر أعمالي في الخيال العلمي اكتمالا هي”أمين العلواني” ( كتبت بين 1999 و2001 ونشرت عام 2007 بدار المعرفة) … وهي رواية جمعت أشتاتا كثيرة من فنون القول ( المذكرات ،البيوغرافيا،الشعر،التسجيل بالكاميرا ، المنتخبات الأدبية،القصة،الدراسة النقدية …)وكل ذلك في إطار ترجمة لحياة كانت ستعاش في المستقبل من قبل كاتب كبير هو المدعو”أمين العلواني” إنها رواية تأملية فلسفية تنظر في جوهر الأدب والفن ،والقدر،في الصلات المعقدة بين النص الأدبي والتاريخ، الإنسان و الكلمات،وتتأمل كثيرا في وظيفة الأدب التي يبدو أنها اهتزت بقوة في القرن 20.
هي رواية تجريبية لأنها تحتوي لعبا بالكتابة، بالأفضية الطباعية بقواعد الكتابة الروائية ، وبكثير مما درجنا على عده قواعد لكتابة الرواية لا تتبدل ولا تتحول …
” أمين العلواني “بالنسبة إلي تعبر عن الإمكانيات الكبيرة للتعبير الأدبي التي تمنحنا إياها كتابات الخيال العلمي ،إنها دفع للأمور إلى حدود بعيدة ،حاولت من خلالها إثبات القدرة الكبيرة لهذا النوع المنفتح بالضرورة على التجريب لكونه موجها مبدئيا صوت الغد المقبل الآتي…أليس الخيال العلمي في عرف كثير من الناس هو أدب المستقبل ؟ إنه كذلك بالمعنى الحقيقي والمعنى المجازي”أمين العلواني”منحتني إمكانية التلاعب بقواعد التخيل البسيطة أو القاعدية ، فقد تخيلت في مقطع ما من الرواية أن الشخصية الأدبية المسماة “أمين العلواني” ستجد كتابي حولها وتقرؤه،ثم جعلت أتصور ردود فعلها إزاء كاتب يرسم حياتها بأدق التفاصيل،ثم قبلت أنه ربما سيثيره ذلك الكاتب الذي رسم حياته فيبحث عن أسراره ويكتب حول تجربة ذلك الكاتب المغمور الفاشل المسمى”فيصل الأحمر ” وأنشأت لعبة مرايا كبيرة جدا يحاور من خلالها كل كاتب من الاثنين صورة الآخر في زمن آخر مع تعليقات السارد،تلك الشخصية الكبيرة المسماة هو،والتي أعطيتها أنا اسما في روايتي و جعلتها هي المؤلف الحقيقي لسيرة أمين العلواني.
أنقل الآن مقدمة الرواية لان فيها إضاءة لما وددت القيام به، وما حرك العمل كافة:
” فاتحــــــة
أن تكتب رواية خيالية علمية معناه أن تواجه الواقع وألا تهرب منه أبدا… معناه أن تكون حذرا لأن الواقع في خ.ع متحرك دائما، حقيقي، ينبض حياة… كثيرا ما عانى الواقع من الجمود وفقدان القدرة على الإعراب عن نفسه تحت أقلام الروائيين “الواقعيين “… إنه واقع فوتوغرافي والصورة الفوتوغرافية تستطيع أن تكون كل شئ ما عدا واقع؛فالواقع طبقات من الأشياء المحسوسة ودرجات من الوعي بالشيء نفسه وطرق عديدة لتأويل ما تلتقطه الحواس ويعيه العقل… والأدب الواقعي عاجز عن ترجمة هذه الأشياء…إن هـذا هـو ميـدان روايـة الخيـال العلمـي.
كان نيتشه يتحدث عن ” تعدد الحقائق “رادعا ثقة “مرحلة الأنوار”في الوعي بالمحيط وثقتها في قدرة العقل على إدراك الجواهر كلها من الميتافيزيقا إلى المحسوسات المختفي معناها بشكل ما ونتحدث اليوم عن “تعدد الواقع “… هل الواقع ما نظنه نحن واقعا ؟ هل الواقع ما نعيشه في اليقظة أم أن اليقظة حالة غير حقيقية نغوص فيها متى استيقظنا من النوم الذي يكون بذلك الواقع الحقيقي غير المخدوع ولا المخادع ؟… أم أن الواقع ما يراه ويعيشه السكران أو المريض المهلوس أو المخدر ؟… وما هو الواقع”الواقع” عندما يعيش مجموعة من الناس وضعية واحدة ويعيها كل منهم بطريقة ؟ من من هؤلاء الواعين يعي الواقع في حين يكون الآخرون مخطئين في حسبانهم؟
الخيـال العلمـي هو الوحيد الكفيل بإجابة هذه الأسئلة…
أن تكتب رواية خيالية علمية معناه أن تتحلى بشجاعة وجرأة معينة لان ما يتخيله الواحد منا حول شكل المستقبل غالبا ما يأتي المستقبل ليظهر سخافته وضعف مخيلة صاحبه… والعزاء الوحيد للكاتب الذي يصبح مضحكة هو أنه غالبا ما يكون ميتا غارقا في واقع البرزخ وما بعد القبر من واقع ! !…
ألا يكون الواقع هو ما ينتظرنا بعد الموت وتكون الحياة كلها حلما أو لعبة خيالية تدور أحداثها على ارض خيالية اسمها “الأرض” مثلا ؟
أن تكتب رواية خيالية علمية معناه ألا تنتظر اعتراف المحيط بلا مباشرة لان هضم القراء والنقاد لروايات الخيال العلمي منذ قرابة القرنين هضم عسير في أغلب الأحيان؛إذ إنّه قلما نالت رواية خ. ع جادة اعتراف القراء والنقاد مباشرة… والعزاء الوحيد هنا أيضا هو اللذة التي يجدها كاتب هذا النوع وهو يكشف عن واقع مخيلته، وتصوروا تلك اللذة وأنا أفتح بوابة دماغي على الواقع الوحيد الموجود فيه، الواقع الذي لا يعرفه أحد سواي، الواقع الذي ظل خفيا حتى تسنى لي أن أطلع عليه الآخرين، الواقع الذي أجتهد وأتلذذ بكتابته ووصفه وسرد حيثياته قطعة قطعة، وطيلة عام أو عامين من الكتابة وأنا أخرجه إلى أن يأخذ شكله النهائي الذي هو هذا الكتاب !
ربما يوجد عزاء آخر هو الطمع في المجد (ألم يسمها أرسطو “غريزة المجد “؟)…
أن يعمل الكاتب في صمت، أن يجتهد أن يكون وفيا لرؤاه، أن يخترق المحظور ويتجاوز الحدود التي يراها خرقاء حمقاء… أن يكون صادقا مع نفسه ومع الآخرين… أن يحب عمله ويحب الآخرين ويكتب وهاجسه الوحيد التوصيل لأجل التواصل مع أهله (مع أهله مرتبين من عائلته وأهل بيته إلى القارئ الافتراضي الذي قد يكون في اليابان وبعد قرنين أو ثلاثة من الزمن).
أن تكتب رواية من الخيال العلمي –أخيـرا- معناه أن تكون من المجانين الذين يتخلصون نهائيا من الجاذبية ومن سلطة أنساق المجتمع العاقل، وأنظمة المنطق، وواجبات الاتجاه السياسي، أن تجيد السير إلى الخلف مثل إبراهيم رمضان(بطل قصتي “المجنون” من مجموعتي خ.ع “وقائع من العالم الآخر-الصادرة عام 2002)، وألا تكون حريصا على المحاباة والوصول وإرضاء المقربين، وألا تحترم إلا الحق، الحق الذي يقف متحديا للباطل منذ بدء الخليقة دون هدنة أو اتفاقيات مربحة ودون إدبار أو بحث عن أرضيات مشتركة وحلول وسط تمسك بالعصا من وسطها.
ماذا عن “أمين العلواني” ؟
أمين العلواني مولود وحي يرزق … وأحداث حياته أمامك في الكتاب… مالك الأديب موجود وهو كاتب سيرة أمين العلواني الأديب المشهور … والدليل على ذلك الكتاب الذي بين يديك…
وأمين العلواني يترجم لحياة كاتب قديم مشكوك في قيمته الأدبية هو فيصل الأحمر… وهذا الشخص أيضا موجود واسمه على غلاف هذه الكتابة /الرواية/ السيرة/ الترجمة/ الدراسة/التأريخ وكل الدلائل تدل على أنه موجود…فيصل الأحمـر كتب كتابـا عـن أمين العلواني مع مطلع القرن الحادي والعشرين أي قبل ميلاده…”[17]
أمين العلواني المستقبلي يشبه أمين العلواني الماضوي… وهذا الأمر ليس محيرا على عكس ما يقوله مالك الأديب الذي سيأتي بعد أمين العلواني بنصف قرن تقريبا… والدليل هو ما تقوله ترجمة مالك الأديب عن الشخصين (أمين العلواني /الرواية وأمين العلواني المؤلف ذائع الصيت…)
وفيصل الأحمر موجود في نهاية القرن الحادي والعشرين بفضل كتاب أمين العلواني عنه، وذلك ما يؤكده مالك الأديب (كاتب سيرة العلواني )
ومالك الأديب هو شخصية قديمة لرواية كتبها فيصل الأحمر مع بداية القرن الحادي والعشرين…
إنها أشياء تشبه الخيال العلمي …
فلنرجئ الكلام عنها إلى نهاية الكتاب الذي كتبه فيصل … لا الذي كتبه هو مالك الأديب وهو… لا … أغلب ما في الكتاب أعمال من تأليف أمين العلواني الذي هو بطل ترجمة مالك الأديب التي هي رواية لفيصل الأحمر الذي هو بطل لكتاب لأمين العلواني الذي هو بطل لكتاب لمالك الأديب الذي هو بطل رواية فيصل الأحمر كما هو وارد في ترجمة للعلواني كتبها مالك الأديب الذي أوجده أول مرة فيصل الأحمر الذي هو …
ولي كذلك مجموعة قصصية عنوانها ” وقائع من العالم الآخر”[18] ( صدرت عام 2003 عن منشورات إبداع ) ، و هي أقاصيص من الخيال العلمي طبعا تميل إلى التجريب مع تناول الموضوعات الشائعة في ميدان الخيال العلمي كالسفر في الزمن و الأبعاد العجائبية، و آثار البحث العلمي المجنون، و التصورات الكارثية للعالم في ظل التطور الحالي، … مع حضور قوي للهواجس الفلسفية التي تسكنني ككاتب لا يستطيع الامتناع عن التفكير … هواجس مثل : دور الإرادة، إرادة الحرية، الإنسان و ضرورة التسامي، العبقرية وإطارها الاجتماعي ، القوة المطلقة في يد الإنسان المحدود بغرائزه، الجنون، الأزمات الوجودية وصلتها بضرورات المجتمع ، الصراعات على القوة و الهيمنة وما شاكل ذلك.
لن أمر إلى الأمام في شهادتي هذه دون التوقف عن ترجمتي لرواية ( عالم جديد فاضل[19] BRAVE NEW WORLD) للانجليزي ألدوس هكسلي وهي من التحف الأدبية العالمية ،وقد ترجمتها باكرا ( 1992) ثم أعدت تنقيح الترجمة مؤخرا لكي تنشر عام 2009 .
إنها رواية تنتمي إلى ما يسمى باليوطوبيات المضادة ، أي تلك اليوطوبيات التي ترسم صورا قاتمة حول المستقبل منبه إلى ما يحدق بالبشر من خطر إن ساروا في بعض المسارات المغطاة .
هي رواية كثيفة المعاني،تعكس جيدا الذهن الثاقب للفيلسوف الأديب الذي ألفها (ألدروس هكسلي) بثقافته المذهلة، وقدرته الثاقبة على اختراق المعاني،ودقة التصوير وطرافة التخيل .
ثالثا: قصة التلقي العسير
لقد سمحت لنا الندوات الكثيرة التي أقمناها داخل الوطن وخارجه بالنظر من كثب فيما يمكن أن نصفه بعوائق تلقي هذا النوع من الأدب الذي من شأنه جعلنا نتأمل متسائلين سبب عدم رواجه في كتبنا رغم اكتساحه لباقي مظان الثقافة اليومية والحياة المألوفة: السنما، الموضة، اللغة، الإيقونوغرافيا…الخ الخ
ما سنلخصه هنا هو عصارة مجموعة من الأسئلة تكاد تكون متكررة على اختلاف الندوات مكانا وزمنا وموضوعا وجمهورا، ملاحظات وأسئلة وانشغالات متكررة تحاول استعادة نقطة البدء في مسألة تلقي هذا النوع الأدبي القديم الجديد، والمحدث ذي الصول العربية الغائرة.
يرى كثير من المعلقين ان هنالك إشكالية لا ريب فيها متعلقة بالمفهوم العربي للعملية الكتابية وبعمل القصاصين؛ أولئك الفرسان الذين مهنتهم هي “الكذب”؛ ف لخيال في معناه المطلق هو نوع من “البدعة” أي خلق أشياء قد نكون منافية للعالم كما خلقه الله تعالى، وهو موقف يتجلى من خلال موقف العلماء المسلمين الأوائل من الخيال، فقد رأوا فيه مساسا معينا بدائرة يختص بها الله – سبحانه- : الابتداع، الخلق، الابتكار…كلها ألفاظ من شأنها جعلنا ندخل دوائر الحرام.ومنه فإن الفهم السلبي لمفهوم الخيال حاضر في الثقافة العربية في جانبها المؤسساتي، ولو أن الانتلجنتسيا الإسلامية قد تنبهت للمر وعالجته، الشيء الذي لا يمنع أن الجمهور قد لا يكون قد تخلص من هذه العقدة تماما.
الشيء الجميل هو ان هنالك نهضة معينة على أيامنا تربط الخيال بالتقدم، وإن كانت نخبة محدودة الأثر، وهو ما يفسر قلة التخييل بالنسبة للأدب الصحفي، والتسجيلي والواقعي المغرق في الواقعية، وحتى التاريخي الذي هو واقعي مستعاد بشكل ما…دون أن نغفل دور الأنظمة السياسية العربية في محاربة الطاقات الخلاقة للخيال لأهداف متعلقة بالمحافظة على النظام القائم، فتأتي الحدود السياسية لتسند الحدود الديني أو لتستفيد منها، وليس بمستبعد دور الأنظمة العربية والنظم الاجتماعية التي تحارب الخيال، في سعي منها لتطبيع العقل العربي ضمن قوالب محدودة.
نقطة ثانية تتعلق بنقص حظ الدائرة العربية من العلم وهو ما من شأنه تثبيط عزائم الكتاب أولا ثم جعل القراء ينظرون بنظرة ازدراء لأي كاتب عربي تخول له أصوله البدوية أن يقارب هذا النوع ذا الشروط الكتابية المعقدة. فالخيال العلمي وليد مجتمعات تكنولوجية متطورة، ولا يمكن فصل الأدب الذي هو مرآة عاكسة للحياة ونابضة بنبض الناس من حوله عن حركة مجتمعه وبيئته …مثلما أنه غير مجد وغير مقبول منطقيا أن نستورد متخيَّلا من الغرب ونزرعه قسرا في الوجدان العربي او نتهم هذا الأخير بالعجز.
إن الملاحظ هو أن المتخيَّل الروائي العربي ديني ما ورائي أوغيبي لامعقول، وما العلم في السياق العربي غير ضيف ثقيل يقيم بيننا على مضض منا ومنه، وذلك رغم ماضينا المجيد في الميدان العلمي؛ وهو ماض لم يعد له أي وجود. يدعم فكرة التبعية غير المقبولة هذه وضع روائيينا حافرهم على حافر الروائيين الغربيين منذ قرنين كاملين؛ أي منذ ميلاد الفن الروائي، وأعمال الخيال العلمي العربي كما أسلفنا على متن هذه الدراسة خير دليل للعجز عن الانعتاق التام من أسر الأشكال والمضامين الروائية الغربية المستجلبة قسرا.
لابد في هذه المرحلة من الدراسة ان نتأمل كون الخيال العلمي في الغرب أيضا قد عرف مرحلة هامة من تطوره – وربما منذ نشأته- لم يكن يرى نفسه فيها إلا كنوع من الميثولوجيا في لبوس جديدة حديثة متماشية مع العصر ومع المعطى العلمي التجريبي المخبري السائد من قرنين أو ثلاثة على أبعد تقدير. وليس خاليا من المعنى ومن المعنى المرتبط بهذه القراءة ذلك العنوان الهام الذي يعد نقطة انطلاق الخيال العلمي الحديث: «فرانكنشتان أو بروميثيوس الجديد» للانجليزية ماري شيلي (1818) Mary Shelley، فالروائية وهي تستخدم الاختراع الجديد (الكهرباء) كمحرك لقوى كان الإنسان القديم يربطها بأسباب ميتافيزيقية تحاول تفسير أسطورة “نموذجية” “Archétypique” هي أسطورة بروميثيوس؛ السوبرمان القديم الذي يحمل طبيعة ناسوتية لم تكن عمالقة وآلهة الميثولوجيا تحملها حتى ذاك الوقت.([20])
نقطة أخرى تتكرر كثيرا هي تلك التي تجعل الحياة اليويمة عندنا قاصرة عن احتواء التمثلات الثقافية التي تشيع في قصص الخيال العلمي؛ والأمر جدير بالتوقف والمناقشة من منطلق كون العالم اليوم لم يعد شيئا عدا قرية كونية يعلم فيها الناس جميعا كل ما يحدث أولا بأول. يتواصل الناس في هذا العالم بشكل آني يغلب أنه يختزل المسافات بين الناس بشكل مذهل تسقط معه اعتبارات الفروق العلمية والتكنولوجية بين الناس الجالسين قبالة شاشات الحواسيب يتبادلون الكلام نفسه والأفكار نفسها والمواجد نفسها أيضا.
يبدو من الصعب تحديد موقع واضح للنقطة التي نسميها عموما فراغ الثقافة العربية من ثقافة الخيال العلمي، فالخيال عند العرب هو نفسه الخيال عند الغربيين، وهو متناول منذ الثورة التكنولوجية التواصلية بحيث يغلب أن نرى التوحد التام نقطة اعتبار الخيال ووظيفته عندنا وفي الغرب، وقد تجاوزنا تماما فكرة أن خيال الجن والشياطين ما يزال جزءاً من الحياة اليومية لدى العامة ولم تتم بعد إزاحته بعد عن ميراثي الثقافة السائدة والخيال الرسمي. المشكلة في رأيي الشخصي تكمن لدى النقاد الأدبيين؛ ومن تبعهم من المعلين الصحفيين التابعين لهم، فهم رجعيون في تعاريفهم، وهم الذين يصرون على عد الخيال العربي هو المبالغات التي يدسّها الشاعر في شعره فحسب، ويظل الاشتغال الأدبي مرتبطا باللفظ وبالتمارين البلاغية فحسبُ. يقف كثيرون عند كون”ألف ليلة وليلة” أو تصوّرات أبي العلاء المعرّي للآخرة وروّاد النار والجنة، بأنها موروث عربي غير مسيطر تداوليا بحيث يطبع الثقافة بطابعه، إضافة إلى أنه نوع من الخيال ظل محدود الدائرة عموما فلا هو تم تقليده ولا ترسيمه كنماذج تحتذى من قبل الكتاب، ولا حتى تدرس كأعمال ذات قيمة فائقة، وجدير بالذكر مثلا أن ألف ليلة وليلة لم يكن ليكون له هذا الموقع لولا احتفاء عصر الأنوار وتلامذته من المستشرقين به كعمال بلا نظير في التاريخ البشري.
مما جاء في إحدى محاورات كاتب الخيال العلمي المتخصص المصري “نهاد شريف” عن سبب ندرة كتاب هذا النوع في البلاد العربية ما يلي: “في منتصف السبعينيات وبداية الثمانينيات بدأت في الظهور مجموعات من الشبان تكتب أدب الخيال العلمي فلدينا في مصر حوالي 26 كاتباً وفي الوطن العربي 24 كاتباً فالمشكلة ليست في كاتب الخيال العلمي ولكن المشكلة هي مشكلة الناشر والمتلقي، وأين المخرج الذي يتصدى لعمل من الخيال العلمي لكي يخرجه إذاعيا او تليفزيونياً او يعمل فيلماً سينمائياً، فنحن نحتاج الشجاعة لعمل مثل هذه الأفلام ولكن هناك الحجج التي تقول بأنها أفلام مكلفة جداً، ولكن انا لا ارى ذلك لان أفكارنا إلى حد ما لا تحتاج الى تقنية عالية مثل الأفلام الأمريكية، بل ونجد الآن الكثير من الدول الأوروبية (ألمانيا – الصين – اليابان – فرنسا) يقدمون أفلاما للخيال العلمي تقنياتها متوسطة ولكن أفكار الخيال بها ممتازة جداً، فهناك عشرات الأعمال الدرامية من الأدب التقليدي التي تترجم إلى لغات أجنبية وليس بها عمل واحد للخيال العلمي فأين أعمال الخيال العلمي من الترجمة فيجب ان تقوم هيئة الكتاب بالاهتمام بهذه الترجمات لأعمال الخيال العلمي حتى يتحقق لها العالمية”[21].
وكخلاصة لهذه الملاحظات التي هي وليدة تجربة في التعاطي المباشر مع جهور الخيال العلمي يبدو لي ان المشكلة الأساسية لا تكمن في القارئ بل في المؤسسات الرسمية الراعية للفعل الثقافي، أو ما يسمى في الغرب وفي الدراسات الثقافية بالمؤسسات المسؤولة عن الهندسة الثقافية أو التخطيط المستقبلي، تلك المؤسسات هي التي من شأنها ابتكار أنماط جديدة لكسر سكونية الفكر العربي والإسلامي الذي سقط في شباك تقديس الماضي بلا إمكانية للخروج من هذا الشرك المعقد.
على أعمال الخيال العلمي أن تتكاثر وتنتشر عن طريق السبل العصرية: السنما والتلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي، وعليها أن تكون شجاعة في التعامل مع قضايا الساعة واهتمامات الناس المصيرية. وعلينا أن ننتظر الوقت الكافي لكي تأخذ كل هذه المعطيات الفنية والعقلية والثقافية مكانها من العقليات لنتكلم عنها ذات يوم على أساس كونها نوعا من التاريخ القديم.
مكتبة الدراسة:
لوران فليدر: الرواية الفرنسية المعاصرة- تر: فيصل الأحمر- منشورات مخبر الترجمة في اللسانيات والأدب- جامعة قسنطينة- الجزائر- 2005.
مجوعة من المؤلفين: آفاق أدب الخيال العلمي- الهيئة العامة للكتاب- مصر- 1996.
عزة الغنام: الإبداع الفني في قصص الخيال العلمي- مكتبة الأنجلو مصرية- مصر- 1988.
حبيب مونسي: جلالته الأب الأعظم- دار الغرب- الجزائر- 2002.
فالنتينا إيفاشيفا: على مشارف القرن الواحد والعشرين (الثورة التكنولوجية والأدب)- ترجمة: فخري لبيب- دار الثقافة الجديدة- القاهرة-د.ت.
فيصل الأحمر: أمين العلواني- دار المعرفة- الجزائر- 2008.
فيصل الأحمر: وقائع من العالم الآخر- منشورات إبداع- الجزائر- 2002.
ألدوس هكسلي: عالم جديد فاضل- تر: فيصل الأحمر- دار بنابي- الجزائر- 2009.
فيصل الأحمر: في مقاربة الخيال العلمي- مجلة النص/ الناص- جامعة جيجل- الجزائر- عدد6- أكتوبر/ ديسمبر 2005.
جريدة اليوم المصرية العنوان على الشابكة: http://www.alyaum.com/article/1162332
Gérard Diffloth:La science fiction- Gamma presse- Paris.
Harlan Ellison: Dangereuses Visions, t :2- J’ai lu- Paris.
Fréderic Fontaine: La science- Fiction- les essentiels AME- Paris- 1998.
Le monde du livres- le 06/07/2001.
* – العبارة تنويع على مصطلح (Un pont entre deux mondes) الذي استعمله الناقد جاك بودو Jacques Baudou كتعريف لهذا الصنف من الكتابات. ينظر: Le monde du livres- le 06/07/2001.
[1] – لوران فليدر: الرواية الفرنسية المعاصرة- تر: فيصل الأحمر- منشورات مخبر الترجمة في اللسانيات والأدب- جامعة قسنطينة- الجزائر- 2005- ص:74.
[2] – مجوعة من المؤلفين: آفاق أدب الخيال العلمي- الهيئة العامة للكتاب- مصر- 1996-ص: 30.
[3] – عزة الغنام: الإبداع الفني في قصص الخيال العلمي- مكتبة الأنجلو مصرية- مصر- 1988-ص ص: 29-30.
[4]– Fréderic Fontaine: La science- Fiction- les essentiels AME- Paris- 1998- pp : 90-95.
[5]– Gérard Diffloth:La science fiction- Gamma presse- Paris- pp :51-73.
[6] – الإبداع الفني في قصص الخيال العلمي- ص: 19.
[7] – حبيب مونسي: جلالته الأب الأعظم- دار الغرب- الجزائر- 2002-ص: 20.
[8] – المرجع نفسه- ص: 106.
[9]– Harlan Ellison: Dangereuses Visions, t :2- J’ai lu- Paris- p :269.
[10] – جلالته الأب الأعظم- ص: 166.
[11] – المرجع نفسه- ص: 84.
[12] – المرجع نفسه- ص: 220.
[13] – فالنتينا إيفاشيفا: على مشارف القرن الواحد والعشرين (الثورة التكنولوجية والأدب)- ترجمة: فخري لبيب- دار الثقافة الجديدة- القاهرة-د.ت- ص ص: 30-34.
[14]– La science Fiction, G. Diffloth- pp :32-33.
[15] – مرجع السابق- ص: 67.
[16] – على مشارف القرن الواحد العشرين- ص: 34.
[17] فيصل الأحمر: أمين العلواني- دار المعرفة- الجزائر- 2008- ص ص4/5
[18] فيصل الأحمر: وقائع من العالم الآخر- منشورات إبداع- الجزائر- 2002
[19] ألدوس هكسلي: عالم جديد فاضل- تر: فيصل الأحمر- دار بنابي- الجزائر- 2009
[20] فيصل الأحمر: في مقاربة الخيال العلمي- مجلة النص/ الناص- جامعة جيجل- الجزائر- عدد6- أكتوبر/ ديسمبر 2005- ص ص: 243-244.
[21] حوار لجريدة اليوم المصرية اجرته معه رشا رمضان بتاريخ : 29-03-2004.
العنوان على الشابكة: http://www.alyaum.com/article/1162332