
ثنـائية الرّجولة والأنـوثـة في روايـة ” موسم الهجرة إلى الشمال” للطيب صالح، مقال البرفسور عبد الـقادر شـريف بـموسى، أستاذ التعليم العالي بقسـم اللـغة العـربية وآدابـها، كلية الآداب واللغات ـ جامعة تلمسـان ـ الجــزائــر مقال نشر بالعدد 17 من مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الصادر بشهر مارس 2016 والخاص بالروائي العربي الطيب صالح، ص 9.
للاطلاع على كل العدد يرجى الضغط هنا
ملخص:
بالرغم من مرور خمسين سنة على صدور رواية ” موسم الهجرة إلى الشمال” للروائي السوداني الراحل الطيب صالح (صدرت الرواية متسلسلة في مجلة الحوار سنة 1966)، إلاّ أنّها لا تزال تُعدّ من طرف النقاد إحدى أفضل الروايات العربية وأعنفها التي تناولت علاقة الأنا العربي بالآخر الغربي ضمن موضوع الصراع الحضاري بيننا وبين الغرب.
ومن هنا جاءت هذه الدراسة لتميط اللثام عن جانب مخفي آخر من جوانب هذه الرواية الرمز. تطرح رواية ” الموسم” بين صفحاتها إيديولوجيتين متضادتين تتصارعان فيما بينهما وتتبادلان مراكز القوة والضعف: إنهما ثنائية الرجولة والأنوثة. بل إنّ هذه الرواية تقوم بتجنيس العلاقات الحضارية بين الغرب والشرق لتجعل من الشرق رجلا ومن الغرب أنثى أو إناث، حيث يصبح الكذب والجنس هو المحك بينهما.
لكنّ الجنس في « موسم الهجرة إلى الشمال » يختلف عمّا هو موجود في الروايات الحضارية الأخرى. فهو في هذه الرواية عبارة عن مشروع انتـقام. الجنس هو عامل هدم للوجود وإفناء، بدلا من أن يكون عامل بناء وبقاء؛ بل إنّ الجنس هنا هو معادل للموت، إنه أقصى درجات العنف في هذا الصّراع الأزلي بين الشرق والغرب في الرواية العربية الحضارية.
الكلمات المفتاحية :
موسم الهجرة إلى الشمال – الطيب صالح – رجولة – أنوثة – صراع حضاري – رواية حضارية
يُعتبر الطيّب صالح من الروائيين القلائل الّذين حاولوا تقديم رؤية لاشعورية حقيقية عن العلاقة بين الشرق والغرب؛ هذه الرؤية الموجودة في لاشعورنا الجمعي (نحن العرب والمثقفون) عن آثار الاستعمار الغربي ومخلّفاته الرّهيبة على بلداننا الشرقية. ولهذا فهو حينما يقدّم لنا روايته ” موسم الهجرة إلى الشمال “، إنّما يقدّم لنا رواية عن لاشعورنا الجمعي (InconscientCollectif) في مواجهة لاشعور جمعي للغربيين كذلك. فهي روايـة تحكي قصّة صراع بين لاشعورين جماعيين: شرقي وغربي.
وبما أنّ أرض المعركة هذه هي الغرب، فإنّ البطل المثقّف يحاول – بكلّ ما يحمله من مورث حضاري وثقافي شرقي – أن يُسقط إيديولوجيته الشرقية الّتي ترى في علاقة الرّجولة بالأنوثة أساس كلّ العلاقات، على علاقته مع الغرب؛ فيصبح هـو– على المستوى اللاّشعوري – رمزا لرجولة الشرق تصارع أنوثة الغرب وتتغلّب عليها اِنتقاما لما قام به هذا الأخير من استعمارٍ للشرق ونهبٍ لخيراته واستعبـادٍ لشعوبه.
يصل الصراع بين الرّجولة والأنوثة في هذه الرواية إلى أقصاه وأوجّه؛ بل إنّ هذا الصّراع ليصل إلى درجة العنف والقتل. ولعلّ هذا ما يجعل رواية ” موسم الهجرة إلى الشمال ” تختلف عن الرّوايات العربية الحضارية، خصوصا اِختلافها من حيث طرحها العنيف لقضية الصّراع الحضاري؛ إذ يلعب الجنس دورا بارزا ومهمّا في ترجيح كفّة الصّراع بين الشرق والغرب، بين الرّجولة الشرقية والأنوثة الغربية.
لقد كان الجنس طريقة البطل مصطفى سعيد الخاصّة للوقوف في وجه الحضارة الغربية وفي وجه العنف الأوروبي الّذي مارسته إنكلترا ضدّ بلاده السودان. لكنّ هذا الجنس – كما سنرى- كان جنسا مرتبطا بعنف شديد بل بشهوة القتل ردّا على عنفهم تجاه شرقه. جاءهم غازيا في عقر دارهم (لندن)، جاءهم غازيا في نساءهم وفي أنوثتهم. هكذا سينتقم لـمحمود ود أحمد الّذي هزمه كتشنـر[1].
كانت خطّته محكمة لحربه هذه : كان يقرأ الشعر، ويتحدّث في الدين والفلسفة، وينقد الرسم، ويتعدّاه إلى نقد الفنّ، ويقول كلاما ملفّقا عن روحانيات الشرق، « …أفعل كلّ شيء حتّى أدخل المرأة في فراشي، ثمّ أسير إلى صيد آخر »[2].
وطبعا كان لا بدّ لهذا الصّراع، بين رجولة مصطفى سعيد وأنوثة النساء الغربيات، من ميدان يجري عليه. ولم يكن هذا الميدان سوى غرفة نوم البطل في قلب لندن. كانت غرفته وكراً للأكاذيب، وقد بناها وأثّثها أكذوبة أكذوبة : « …قوارب على صفحة الماء أشرعتها كأجنحة الحمام، وشموس تغرب على جبال البحر الأحمر، وقوافل من الجمال تخبّ السّير على حدود اليمن… وفتيات عاريات من قبائل الزاندي والنوير والشلك، حقول الموز والبن في خطّ الاستواء، والمعابد القديمة في منطقة النوبة، الكتب العربية المزخرفة الأغلفة مكتوبة بالخط الكوفي المنمّق… »[3].
كانت هذه الغرفة عبارة عن مقبرة، حيث إنّ كلّ فتاة تدخلها، تحفر قبرها بيدها: دخلتها آن همند، فوجدوها – فيما بعد- ميّتة في بيتها انتحارا بالغاز ومعها رسالة تقول : « مستر مصطفى لعنة الله عليك »[4]. والحادثة نفسها وقعت لِـ شيلاّ غرينود وإيزابيلا سيمور.
كانت هذه طريقته المفضّلة في الصّراع؛ فحتّى يتغلّب على الإناث الغربيات ويوقعهنّ في حبائله، كان لا بدّ له من استعمال سلاح [الكـذب] يشهره في وجوههنّ كلّما سنحت الفرصة بذلك. كان أمضى سلاح يملكه، وقد استعمله بكفاءة نادرة. يتجلّى لنا ذلك في أبهى صوره فيما رواه لإيزابيلا سيمور : « سألتني ونحن نشرب الشاي عن بلدي. رويت لها حكايات ملفّقة عن صحاري ذهبية الرّمال، وأدغال تتصايح فيها حيوانات لا وجود لها. قلت لها أنّ شوارع عاصمة بلادي تعجّ بالأفيال والأسود، وتزحف عليها التماسيح عند القيلولة… »[5].
ويستمرّ في كذبه ذلك إلى درجة أنّه يؤمن هو بصدق كذبه في بعض الأحيان؛ فيخبرها بموت والديه غرقا في النيل عندما كان على متن زورق. وحينما تسمع كلمة ” نـيل” وتصيح مردّدة إيّاها بنوع من النشوة، يدرك مصطفى سعيد أنّ هذه الأنثى الغربية قد وقعت أخيرا في الشَّرَك؛ تُعلمنا الرّواية بما يجول بوعيه في تلك اللحظة : « الطائر يا مستر مصطفى قد وقع في الشّرك. النيل ذلك الإله الأفعى، قد فاز بضحية جديدة. المدينة قد تحوّلت إلى امرأة. وما هو إلاّ يوم أو أسبوع حتّى أضرب خيمتي وأغرس وتدي في قمّة الجبل »[6].
هذا هو أمضى أسلحته وأشرسها، به يقتنص فرائسه ثمّ يجهز عليهنّ بعد ذلك. فإذا كان الاستعمار الغربي – بما يملكه من حضارة راقية – قد حسّسه بخصائه الثقافي والحضاري في عقر داره (السودان)، إذ « من الزاوية الفكرية، فإنّ اِستمداد المعرفة من الغرب، هو نوع من الاغتصاب كذلك، والّذي يجلو فحولة الغرب أمام شرق لا يجيد إلاّ الاستهلاك بدل الإنتاج »[7]. فليقلب المعادلة وليُـثبت له أنّه ليس مخصيًّا – على الأقلّ – من الجانب الذكوري؛ بل وليُـثبت لهذا الغرب ولنفسه كذلك، أنّه القوي لأنّه ذكر فحل وأنّ الغرب ضعيف لأنّه في الحقيقة ما هو إلاّ امرأة أو أنثى – المدن عنده تتحوّل إلى نساء – خاضعة له تتلذّذ بسلطته عليها.
ولعلّ هذا ما كان يجعله ينتشي حينما يلبس عباءة وعقالا ويتمدّد على السرير لتأتي آن همند تدلك صدره وساقه ورقبته وكتفه؛ بل ممّا يزيد في نشوته – بعد أن يأمرها قائلا ” تعالي ” – هو إجابتها له : « بصوت خفيض ” سمعا وطاعة يا مولاي “. وأن تقبّل قدميه وتقول : ” أنت مصطفى مولاي وسيّدي، وأنا سوسن جاريتك ” »[8]. فاعتراف آن همند بسلطة مصطفى عليها وبخضوعها له، إنّما هو – على مستوى آخر – اعتراف بذكورته ورجولته المتسلِّطة من جهة، وأنثويتها الخاضعة المستكينة من جهة أخرى، هو اعتراف بأنّها هي الأضعف لأنّها أنثى وأنّه هو الأقوى لأنّه ذكر ورجل.
وهو على المستوى الرمزي – واللاشعوري الجمعي لمصطفى سعيد – اعتراف بانتصار رجولة الشرق على أنوثة الغرب؛ وهذا ما يفسّر بحث البطل الدّائم – مع أنّه هو المستعْمَر والمضطهَد والمخصيَّ ثقافيا من الغرب – عن إثباتٍ لرجولته واعترافٍ بها من الأنثى الغربية، بل واعترافها بسيطرته المطلقة عليها. ولهذا كان يحسّ بقمّة الطّرب حينما تناجيه إيزابيلا سيمور قائلة : « أنت إلهي، ولا إله غيرك. اِحرقني في نار معبدك أيّها الإله الأسود. اِغتلني أيّها الغول الإفريقي. دعني أتلوّى في طقوس صلواتك العربيدة المهيجة »[9].
فالاغتيال هنا إنّما يرمز إلى الممارسة الجنسية القويّة، وهذا ممّا يضاعف إحساسَ البطل برجولته وفحولته؛ كما أنّ الاغتيال من صفة القويّ وليس الضعيف، فالقويّ هو الّذي يقوم بفعل القتل بينما يتلقّى الضعيف هذا الفعل.
ومن هنا، فإنّ مصطفى سعيد بتأكيده قوّة رجولته وجبروته وضعف أنوثة النساء الغربيات وخضوعهنّ، إنّما يحاول أن يؤكّد على مقولة أخرى أكثر أهميّة : ضعف الغرب المستعمِر أمام قوّة الشرق المستعمَر. فهو يحاول أن ينتقم – لاشعوريا – لشرقه الضعيف حضاريا بما هو قويٌّ فيه، أي الجنس. فالجنس هو أداته للانتقام من الغرب حيث يسمح له بإقامة علاقة تساوٍ لاشعورية في تلك المعادلة الصعبة بين شرق/غرب وجنس/حضارة والّتي سنقوم بتحليلها لاحقا.
هكذا بدأت معركته مع النساء الأوروبيات، ولم يعدم الوسيلة والفرصة للانقضاض عليهنّ وإيقاعهنّ في الفخ. كان يحاضر في مدارج الجامعة وفي التجمّعات، ومن جمهور نهاره كان يتخيّر ضحايا ليله. كُـنَّ إناثاً تبحثن عن رجولة زائدة، وفحولة متوهّجة. آن همند كانت طالبة تدرس اللغات الشرقية في أوكسفورد. أمّا شيلاّ غرينود فقد كانت خادمة بمطعم، وفي الليل كانت تواصل الدراسة في البوليتكنيك. بينما كانت إيزابيلا سيمور إحدى الفرائس اللّواتي اصطادهنّ في ركن الخطباء في حديقة “هايد بارك”.
كثيرا ما أخبرنا بقوله : « …أفعل كلّ شيء حتّى أدخل المرأة في فراشي، ثمّ أسير إلى صيد آخر. جلبتُ النساء إلى فراشي من بين فتيات جيش الخلاص، وجمعيات الكويكز، ومجتمعات الفابيانيين*[10]، حين يجتمع حزب الأحرار أو العمال أو المحافظين أو الشيوعيين، أسرجُ بعيري وأذهب »[11].
كان مصطفى سعيد يثأر بطريقته الخاصّة من الاستعمار الّذي اِستعمر بلاده واستعبد سكّانها. كان يثأر لحضارته المندثرة بسبب هذه الحضارة الغربية الّتي ينهل من معارفها ويسكن موطنها وحواضرها؛ ولم يكن من سلاح يملكه لمواجهة كلّ هذا، سوى الجنس. كانت رجولته وفحولته – في نظره – وسيلته المجدية الوحيدة لمواجهة الغرب والانتقام من الحضارة الغربية.
لقد كانت غرفة نومه عبارة عن معبد عربي الديكور، إفريقي الطقوس، مثلها مثل البطل إذ لم يكن عربيا أو إفريقيا، ولكن كان الاثنان معا: « وجهي عربي كصحراء الرّبع الخالي، ورأسي إفريقي يَمُور بطفولة شريرة »[12].
ولعلّ هذا التنوّع في جنسه أهّله ليكون الصيّاد النموذجي والذكر المثالي لإيقاع الإناث الغربيات في حبائله. هؤلاء الهاربات من حضارة الصقيع والحديد والهاربات من البرودة الجنسية في بني جنسهنّ، كُـنَّ يعتقدن أنّهنّ سيجدن التعويض عند هذا الفحل مصطفى سعيد. أمّا هو، فقد كانت النساء الأوروبيات بالنسبة إليه تتحوّلن إلى مدن أوروبية وحواضر متروبولية يغزوها ويفتحها مثلما تتحوّل هذه المدن إلى النساء. فكلّما امتطى امرأة فكأنّما امتطى مدينة أوروبية وغزاها، ومن ثمّة تنتهي مهمّة تلك المرأة / المدينة، ليبحث عن فتح آخر.
فها هو ذا يخبرنا بذلك حينما أوقع إيزابيلا سيمور في شركـه : « الطائر يا مستر مصطفى قد وقع في الشرك. النيل ذلك الإله الأفعى، قد فاز بضحية جديدة. المدينة قد تحوّلت إلى امرأة. وما هو إلاّ يوم أو أسبوع، حتّى أضرب خيمتي، وأغرس وتدي في قمّة الجبل »[13].
كانت إيزابيلا سيمور مريضة بالسرطان حاولت أن تستمتع بما تبقّى لها من أيّام في هذه الدنيا، لكنّ الحظّ لم يحالفها إذ تعرّفت على مصطفى سعيد الّذي لم يكن يهمّه سوى الثأر؛ لهذا أنهت حياتها- مثل الأخريات – بالانتحار.
وهكذا أصبح الجنس في هذه الرواية عنوان الموت والدّمار. فبدل أن يكون مولد الحياة وبعثها أصبح مُعدما لها وقبرا لها. وهكذا تتحوّل المدن بالنسبة للبطل إلى نساء أوروبيات. فكلّما أوقع امرأة في شباكه ودفع بها إلى الانتحار، فكأنّما غزى مدينة وفتحها؛ إذ « ما دامت علاقة الرجل بالمرأة قد صُوّرت على مرّ العصور… على أنّها علاقة غزو وفتح، فلا غرْوَ أن تأخذ المدينة المفتوحة صورة ” فخذين مفتوحتين “، ولا غرْوَ أن يطلق مصطفى سعيد صيحة حربه : ” جئتكم غازيا… المدينة تحوّلت إلى امرأة “[14]… وليس من قبيل المصادفة أيضا أن يكون مصطفى سعيد قد رأى القاهرة في صورة امرأة أجنبية، هي المسز روبنسون… فهذا لأنّ القاهرة الخديوية كانت يومئذ شريكة لندن في حكم السودان »[15].
يعبّر لنا البطل عن ذلك حينما وصل إلى محطّة القطار بالقاهرة قائلا : « وأحسست كأنّ القاهرة، ذلك الجبل الكبير الّذي حملني إليه بعيري، امرأة أوروبية، مثل مسز روبنسون تماما، تطوّقني ذراعاها، يملأ عطرها ورائحة جسدها أنفي »[16]. كان يرى في كلّ امرأة أوروبية وجهاً من وجوه الغرب الاستعماري، فكان يثأر لشرقه منها بطريقته الخاصّة الملتوية أي بذكورته وفحولته. لكنّ هذا الصّراع بين الرّجولة والأنوثة – في هذه الرواية – يبلغ أوجّه مع جين مورس .
كانت جميع النساء اللّواتي عرفهنّ قبلها طرائد سهلة، وهو الصيّاد المحترف الّذي يصطاد من دون عناء. ولكنّ هذه المرأة ” جين مورس ” لم تكن صيدا سهلا؛ بل إنّها قلبت المعادلة فأرغمته على أن يلهث وراءها وأن يصبح فريسة بدل الصيّاد، فلم يجد له مخرجا : « لم تكن لي حيلة. كنتُ صيادا فأصبحت فريسة، لبثت أطاردها ثلاثة أعوام »[17]، لكن دون جدوى. بل أصبحت هذه الأنثى – كما أسماها بازدراء أوّل ما التقاها – هي الّتي تطارده وهو الفريسة. وقد حاول أن يتجنّب لقاءها ويبتعد عن الأماكن الّتي ترتادها، إلاّ أنّه فشل في ذلك فشلا ذريعا. كان يجدها أمامه شامخة لا تخافه، لكنّها تتمنّع عليه وتنبش أظافرها فيه : « كنتُ أجدها في كلّ حفل أذهب إليه، كأنّها تتعمّد أن تكون حيث أكون لتهينني »[18].
لأوّل مرّة منذ وطئت قدمه لندن يحسّ البطل بأنّ هذه الأنثى ليست كالإناث الأخريات. إنّها تتحدّى رجولته وفحولته بل تهينها من خلال تمنّعها عليه، فكان لا بدّ من اقتناصها وإخضاعها. كان يعرف أنّ ثمن ذلك سيكون باهضا، ربّما حياته : « … أنا الغازي الّذي جاء من الجنوب، وهذا هو ميدان المعركة الجليدي الّذي لن أعود منه ناجيا. أنا الملاّح القرصان وجين مورس هو ساحل الهلاك »[19].
ولن تكون – بالنسبة إليه – أحسن وسيلة لإخضاعها واقتناصها سوى إشهاره لسلاح الجنس؛ لكن مقابل هذا الإخضاع كان لا بدّ من دفع الثمن. أعطاها – وهي في بيته عارية ذات ليلة – كلّ ما تتمنّاه وتطلبه : زهرية ثمينة هشّمتها، مخطوط نادر مزّقته، مصلاة من حرير أصفهان أحرقتها. وبالرّغم من كلّ هذه التنازلات إلاّ أنّه لم يثبت لها رجولته، إذ سرعان ما كان جزاءه، ركلة عنيفة بركبتها بين فخذيه جعلته يغيب عن الوجود.
إذا كان الصّراع بين الرّجولة والأنوثة ينتهي غالبا لصالح القطب الأوّل، أثناء علاقة البطل بالفتيات الأوروبيات الأخريات، فإنّ هذا الصّراع يتّخذ مجرى آخر بمجرّد زواج مصطفى بجين مورس.
لقد ظنّ أنّ زواجه بهذه الأنثى هو السبيل الوحيد لإخضاعها واستسلامها له بعد طول انتظار، بل ظنّ كذلك أنّ هذا الزواج سيكون انتصارا آخر على الأنثى الغربية يضيفه إلى قائمة انتصاراته الكثيرة؛ لكن هذا الزواج جاء ليزيد من حدّة الصّراع بينهما. هذا الزواج جعله يحسّ بإذلال رهيب لرجولته من طرف أنثى هي زوجته لا غير. فمن الليلة الأولى الّتي ضمّهما فراش واحد، لم تدعه يقربها. بل ظلّت شهورا على تلك الحالة تتمنّع عليه وفي « كلّ ليلة تقول : أنا متعبة. أو تقول : أنا مريضة »[20]، لتتحوّل غرفة نومه إلى ساحة حرب ضروس تبدأ بصفع بعضهما البعض وبتهشيم جين مورس كلّ ما تجده في طريقها كالمزهريات الثمينة وحرق المخطوطات وما إلى ذلك.
إنّ أقصى درجات إذلال هذه الأنثى لرجولة مصطفى سعيد لم تكن في عدم تمكينه من نفسها مع أنّها زوجته، وإنّما جاءت بطعنه في شرفه وعرضه. فقد كانت مومسا في سلوكها تُغازل كلّ من هبّ ودبّ، وهي معه في الطرقات، فيتشجّع البعض منهم ويردّ عليها بعبارات بذيئة. هنا تغلي حمّى الرّجولة في البطل فيندفع يتشاجر معهم بينما هي تضحك وتهزأ به. ويخبره الكثير من هؤلاء بأنّها إن كانت زوجته فقد تزوّج مومسا لأنّها هي الّتي تبدأ بمغازلة الآخرين.
كان ذلك أقصى درجات الإذلال للرجولة الشرقية وأقصى ما يتحمّله رجل شرقي مثل مصطفى سعيد. فلا تكتفي هذه الأنثى الّتي تزوجها بأن تخرج عن طوعه ولا تمكّنه من نفسها فقط، بل إنّها تتعدّى إلى ما هو أدهى وأفظع من ذلك؛ فهي لا تتوانى عن تسليم جسدها لأيّ أحد آخر زيادة في تحقيرها له، وقد كان يعرف ذلك : « وكنتُ أعلم أنّها تخونني. كان البيت كلّه يفوح بريح الخيانة »[21].
لعلّ أهمّ ملاحظة نخرج بها من هذا التحليل تكمن في أنّ مصطفى سعيد لم يكن فردا واحدا أو رجلا واحدا فقط، لأنّه لو كان كذلك، لكان قد ملّ مطاردته لـجين مورس مدّة ثلاثة أعوام، ولكان قد ملّ ذلك الصدود والمذلّة بل والخيانة الزوجية منها. ولهذا فإنّ شخصيته كانت تمثّل إيديولوجيا الرّجولة الشرقية ككلّ في مواجهة إيديولوجيا الأنوثة الغربية؛ رجولة شرقية ترى أنّ لها الحق في أن تضاجع من تشاء من النساء بينما عليهنّ – بعد الزواج – أن يكنّ خاضعات لرجل واحد مستسلمات له.
ولعلّ البطل كان يمثّل هذه الرّجولة الشرقية بكلّ قسوتها وغطرستها بل وباستئثارها بأكبر عدد من الإناث؛ ففي غرفة نومه كان يضع على جدرانها « مرايا كبيرة حتّى إذا ما ضاجع امرأة، بدا كأنّه يضاجع حريما كاملا في آن واحد »[22].
بينما كان هناك في مقابل هذه الرّجولة، أنوثة غربية متحرّرة جدّا، ترى أن لا تحديد لحريّة المرأة الجنسية؛ فلها أن تُعدّد من علاقاتها الجنسية مع رجال آخرين حتّى وإن كانت متزوّجة.
وهذا التناقض الصارخ بين الإيديولوجيتين – ممثّلتين في مصطفى سعيد وجين مورس- دفع بالصّراع بين الرّجولة والأنوثة إلى درجة من الحدّة والعنف لا نجدهما في الرّوايات العربية الحضارية الأخرى كرواية ” عصفور من الشرق ” لتوفيق الحكيم ورواية ” قنديل أم هاشم ” ليحي حقّي. ففي هذا الصّراع داخل ” الموسم ” كان الجنس هو السّلاح الفتّـاك الّذي انتهى بالقتل والموت والدّمار.
لم تكن جين مورس ومصطفى سعيد شخصيتين أو فردين وإنّما كانا عالمين : عالم الرّجولة وعالم الأنوثة. عالمان متناقضان لا يمكن أن يؤدّي التقاءهما واتّحادهما إلى تكامل، بل إلى دمار وتدمير أحدهما الآخر. لقد كانا عالميْن مختلفين ومتباينين : عالم رجولة وفحولة قاهرة وعالم أنوثة شرسة. كان حديث الغزل بينهما : أنا أكرهك. أقسم أنّني سأقتلك يوما ما[23]. وكانت تجيبه كذلك : ” أنا أيضا أكرهـك حتّى الموت[24] “.
وممّا زاد من حدّة الصّراع وعنفه أنّ جين مورس كانت دائما تشكّك في رجولة البطل وتذلّه بذلك؛ فالرّجولة عندها ليست فقط جنس، بل قدرة على الفعل والقيام به. فهي ترى في رَجُلها هذا أنّه لا يرتقي إلى مصاف الرّجولة وبالتّالي لا يرقى في نظرها كأنثى، إلاّ إذا قام بقتلها وهذا ما كانت تلحّ عليه من جهة، وتشكّك في قدرته على القيام بذلك من جهة أخرى.
ولم تدم هذه المعاناة طويلا؛ إذ إنّ البطل اقتنع أخيرا بذلك وحدث القتل والجنس معا في إحدى ليالي فبراير الجليدية[25] حيث وصلت درجة الحرارة إلى عشر تحت الصفر. في الوقت الّذي ضاجعها، وضع الخنجر بين نهديها وضغط عليه بصدره بشدّة وببطء. في الوقت الّذي امتلكها فيه كرجل، أضاعها كأنثى للأبد : قـتـلها.
في تلك اللحظة الرّهيبة، اِعترفت له بحبّها، واعترف هو كذلك بحبّه، وكان كلاهما صادقيْن : أحبّها بصدق لأنّها باستسلامها له وخضوعها أصبحت في نظره الأنثى الشرقية الّتي كان يريدها في أعماقه ويحبّها. وأحبّته بصدق لأنّه بقيامه بفعل القتل اِرتقى في نظرها إلى مصاف الرّجل القويّ والرّجولة الحقيقية. « فلم تكن هناك طريقة أخرى لامتلاك جين مورس غير اغتيالها… جين مورس كانت عالما، ومصطفى سعيد كان عالما، ولم يكن بين هذين العالَمين من سبب غير الصّراع والعنف »[26].
لقد كان البطل يمثّل الرّجولة في أجلّ قوّتها وسيطرتها وفحولتها، بينما كانت جين مورس – على النقيض من ذلك – تمثّـل الأنوثة في أقصى درجات مشاكستها وحرّيتها وعدم خضوعها واستسلامها. ولهذا، فبدلا من أن يحدث التّكامل والتوحّد بلقائهما، حدث العكس.
كان لقاؤهما نقمة عليهما وخصوصا على جين مورس. فوِفق إيديولوجية شرقية – ممثّلة من خلال اللاشعور الجمعي للبطل – ترى بأنّ الصّراع بين الرّجولة والأنوثة يجب أن ينتهي حتما بانتصار الأولى وانهزام الثانية، جاءت هذه الرواية لتنتصر لهذه الإيديولوجية. فانتصرت الرّجولة على الأنوثة بانتصار البطل على جين مورس وقتله لها ودفعه بالفتيات الأخريات إلى الانتحار.
فمع أنّهما كانا يكرهان بعضهما البعض حتّى الموت، لكن كلّ واحد منهما كان يحبّ الآخر بطريقة ما. وسنرى بأنّ جريمة القتل وحدها هي الّتي حملت للطرفين شيئا من الإحساس بالحميمية واللّذة المشتركة، إن صحّ التعبير : « نظرتُ إلى صدرها، فنظرت هي أيضا إلى حيث وقع بصري على صدرها كأنّها أصبحت مسلوبة الإرادة تتحرّك حسب مشيئتي. نظرتُ إلى بطنها فتابعتني وبدا ألم خفيف على وجهها. كنتُ أبطئ فتبطئ وأعجّل فتعجّل »[27].
« مثل هذه المشاركة معدوم في تاريخ العلاقة بأكملها، فكأنّ الطرفين لا يلتقيان إلاّ على حافة الموت، حين يهلك أحدهما الآخر، وسوف نرى أنّه كلّما تعمّق فعل الموت بينهما تعمّقت المشاركة بينهما[28] : « وضعت الخنجر بين نهديها، وشبّكت رجليها حول ظهري، ضغطتُ ببطء ففتحت عينيها. أيّ نشوة في هذه العيون. وبدت لي أجمل شيء في الوجود. قالت بألم : يا حبيبي . ظننتُ أنّك لن تفعل هذا أبدا. كدت أيأس منك »[29].
لعلّ أهمّ ملاحظة نتبيّنها من هذا التحليل هي أنّ هذه الرواية بتجنيسها للعلاقات الحضارية من خلال تذكيرها للشرق (يمثّله مصطفى سعيد والرّاوي) وتأنيثها للغرب (تمثّله جين مورس والنساء الثلاث المنتحرات) مع إعطاء الغلبة للذكر الشرقي على الأنثى الغربية، إنّما تقوم هذه الرواية على المستوى الرّمزي بالانتقام من الغرب الصّليبـي الاستعماري الّذي احتلّ بلاد الشرق واستعبد أهلها واستغلّ خيراتها فتطوّر هو، بينما أدّى ذلك إلى تدهور الشرق.
لقد كان مصطفى سعيد التلميذ الوفي للشّـرق المقهور – من خلال لاشعوره الجمعي- وكان عليه أن يقوم بمهمّة الانتقام خير قيـام. ولكن كيف يكون هذا الانتقام؟… وبأيّ وسيلة ؟…
من هنا يتدخّل لاشعوره الجمعي المحمّل بالإيديولوجية الشرقية، فيقيم علاقة مساواة بين ضعف الشرق حضاريا وقوّته الجنسية الذكورية من جهة، وبين قوّة الغرب حضاريا وضعفه الجنسي الأنثوي. وبما أنّ الأنثى هي الأضعف والذكر هو الأقوى من الوجهة الشرقية؛ إذن لابدّ أن يواجه – من منطق توازن القوى – قوّة الغرب الحضارية بما هو أقوى في بيئته : أي الجنس. فلابدّ أن يقيم علاقات جنسية كثيرة مع إناثه ويدفع بهنّ إلى الانتحار. لن يكون سلاحه ضدّ الغرب سوى قضيبه الّذي به يؤكّد على رجولته وفحولته المغتصَبَة وبالتّالي يؤكّد على قوّته وقوّة الشرق الّذي يمثّله. وبالمقابل يُثبت ضعف الغرب من خلال إثبات أنوثته واستسلام نسائه وموتهنّ.
هذا ما أراده منطق الرواية وانتهى إليه؛ فبانتصار رجولة الشرق على أنوثة الغرب، انتهت مهمّة مصطفى سعيد، فلم يعد له مبرّر لوجوده في البيئة الغربية. ولهذا لم يلبث أن عاد إلى بيئته الأصلية الّتي ولد بها وهناك انتهى هذا الصّراع.
إنّ الجنس في « موسم الهجرة إلى الشمال » يختلف عمّا هو موجود في الروايات الحضارية الأخرى. فهو في هذه الرواية عبارة عن مشروع انتـقام. الجنس هو عامل هدم وإعدام للوجود بدل أن يكون عامل بناء وبقاء؛ بل إنّ الجنس هنا هو معادل للموت، إنه أقصى درجات العنف في هذا الصّراع الأزلي بين الشرق والغرب في الرواية العربية الحضارية.
فإذا كانت علاقة مصطفى الجنسية مع كلّ من آن همند وشيلاّ غرينود وإيزابيلا سيمور قد أدّت بهنّ إلى الانتحار، فإنّ هذه العلاقة مع زوجته جين مورس تأخذ مجرى مأساوي فظيع.
لقد كان مصطفى سعيد يريد زوجته المتمنِّعة عليه ولكن في الوقت نفسه كان يريد أن يقتلها ليقتل الغرب الاستعماري فيها والّذي لا يمكن أن يمحيه من ذاكرته الجماعية. « كان يريد أن يضاجعها ويقتلها معا وبصفة أدقّ إنّ وعيه لفي صراع بين قتلها وامتلاكها. ولاشعوره يحتّم عليه نيل أنوثتها والتمكّن منها قبل قتلها »[30].
وحتّى نؤكّد على أنّ الجنس هنا يحمل الموت فقط؛ فإنّنا نؤكّد أيضا أنّ عملية مضاجعة مصطفى سعيد لجين مورس وقتلها معا ما هي في الحقيقة إلاّ عملية قتل جنسي فقط، أي إنّ القتل يغدو في هذه الرواية مجرّد عملية جنسية. فلقد تمّ القتل بواسطة خنجر وليس بواسطة مسدّس. فالخنجر ما هو إلاّ الرّمز النفسي لعضو الذكورة ووظيفته القتل وإطفاء الشبق (شبق المرأة) معا. من جهة أخرى إنّ المسدس يقتل سريعا، بينما الخنجر يقتل ببطء مثل الفعل الجنسي الّذي يتمّ ببطء حتّى تحدث النشوة، وهذا ما لا يمكن حدوثه بواسطة المسدّس.
فالجنس هنا قد بلغ أقصى درجات تجلِّيـاته فظاعة. فبدل أن يؤدّي إلى إنتاج ثمرة (جنين) تكون نقطة التقاء بين الطرفين؛ نراه في هذه الرواية يؤدّي إلى الموت وإعدام الوجود. ولعلّ هذا يعتبر دلالة رمزية على عدم التقاء الشرق بالغرب وعدم تكاملهما، طالما أنّ الشرق لا يمكنه أن ينسى ما قام به الغرب من استعماره وإذلاله واستعباده.
فمصطفى سعيد الّذي هو لسان هذا الشرق المنتقم يصرّح على امتداد صفحات هذه الرواية من وجود “جرثوم مرض عضال “، ” جرثوم مرض فتّاك ” له من العمر ألف عام. « وليس مصطفى سعيد هو الّذي دفع بآن همند وشيلا غرينود إلى الانتحار، وليس مصطفى سعيد هو الّذي قتل جين مورس، وإنّما هي العدوى، عدوى الجرثوم القاتل، أصابتهنّ منذ ألف عام »[31].
يحقّ لنا أن نتساءل: لماذا ألف عام بالذات ؟!.. ماذا حدث في تلك الفترة ؟!.. وما هي هذه العدوى ؟!..
إنّ العدوى هنا هي عدوى العنف الأوروبي الّذي صدّره للشرق منذ ألف عام، هي الحروب الصليبية والحملات الّتي أتت من بلاد الغرب إلى الشرق تقتل وتسلب وتستعمر. ولهذا فقد كان مصطفى سعيد غازيا يأخذ بثأر تاريخي، له من الزمن ألف عام. فهو الضمير الجمعي للشرق الّذي لُوِّث بجرثومة العنف والقتل، فأصبح يزرع الموت والدّمار أينما يحلّ.
« فمصطفى سعيد لم يكن فردا بل ضمير أمّة وممثّل جيل. وجريمته تفقد معناها ودلالتها إن لم تحتل مكانها في سياق صراع حضاري. فهو لم يقتل جين مورس من حيث إنّها امرأة، وإنّما من حيث إنّها عالم »[32]. فكثيرا ما كان يردّد العبارة : « وحملني القطار إلى محطة فكتوريا، وإلى عالم جين مورس »[33]. لقد كانت تمثّل عالم الغرب الاستعماري وعالم الأنوثة على وجه الخصوص؛ فهو بقتله لها يثأر لرجولة الشرق المهانة منذ قرون طويلة.
لقد أقام في لاشعوره – حتّى يقضي على ذلك الشعور بالنقص تجاه الحضارة الغربية – نوعا من المماهاة أو المساواة (Identification) بين شرقه والغرب من خلال انتقامه من نسائه الغربيات؛ وهي نقطة الضعف فيه كما يتوهّم المثقّف الشرقي: « فعقدة النقص هي علاقة بين طرفين يتبادلان رموز القوّة والضّعف المتعدّدة… وإذا كانت الحضارة هي رمز القوّة لفاعلية بشرية تعبّر عن استمرار الحياة. فإنّ الجنس بدوره رمز قوّة لفاعلية بشرية تعبّر عن استمرار لهذه الحياة. الحضارة عمران الكون بالمادي. والجنس عمرانه البشري، وكلاهما شهوة الكينونة »[34].
من خلال هذه المنطلقات، ومن قاعدة العلاقة بين القويّ والضعيف، المستعمِر والمستعمَر، دخل مصطفى سعيد في معادلة تعادل القوى. وقد أقام معادلته بما هو قوي فيه، وهو الجنس رمز القوّة والذكورة في الشرق ضدّ الحضارة، رمز القوّة في الغرب. والمعادلة كما جاءت بها الدكتورة يمنى العيد هي على الصيغة التالية[35] :
المستوى المكاني (البيئي) | الشرق | الغرب |
الحضارة | ضعف | قوّة |
الجنس | قوّة | ضعف |
الملاحظة الأخرى الّتي يجب أن نذكرها في تحليلنا لهذه الرواية هو أنّ هذا العنف الّذي كان يحمله مصطفى سعيد إلى الغرب، وجد له مكانا آخر ينتشر فيه، فقد زرعه البطل في زوجته ” حسنة بنت محمود ” الّتي تزوّجها مدّة خمس سنوات بعد أن رجع من الغرب واستقرّ بقرية الرّاوي.
لقد حاول “ود الريس ” وهو شيخ بلغ السبعين من عمره أن يتزوّج حسنة بنت محمود بعد غرق زوجها مصطفى أو اِختفائه. لكّنها رفضت لأنّها لم تعد تلك الأنثى الّتي ترضخ للرجل وتحمد الله على أنّها وجدت من يتزوجها. لقد تغيّرت بزواجها من مصطفى سعيد، فأصبحت أنثى أخرى تصارع رجولة مستبدّة في شخص ” ود الريس “، بل وترى أنّ الحلّ الوحيد – حتّى لا تعود إلى أغلالها وإلى مجرّد متاع جنسي للرجل – هو أن تقتل هذه الرّجولة المتسلِّطة وتقتل نفسها بعد ذلك.
فبعد أن فرض عليها إخوتها الزواج من ” ود الريس “، امتنعت عليه أسبوعين كاملين لم تدعه يقربها. وفي ليلة من الليالي حاول أن ينال حقّه منها عنفا وغصبا : « عضّ حلمة نهدها حتّى قطعها وخدشها في كلّ شبر في جسدها »[36]. كان يفرِّغ عن كبته الشّديد تجاه جسدها، بينما هي ردّت على عنفه بعنف أشدّ وأقصى، فقد قتلته وقتلت نفسها. طعنته« أكثر من عشر طعنات. طعنته في بطنه وفي صدره وفي محسنه »[37].
فهي لم تكتف بقتل ود الريس – الّذي يمثّل الرّجولة في أسوأ تجليّاتها – ولكن زادت على ذلك بأن بترت قضيبه وقطعته. وبقيامها بهذا الفعل الأخير إنّما وضعت بذلك حدّا نهائيا لما كان يمثّل رمز استعبادها ورمز مذلّتها ومهانتها[38].
لم يكن مسرح الصّراع العنيف، والّذي انتهى بالقتل، بين الرّجولة والأنوثة هو الغرب فقط، بل تعدّاهُ إلى قلب البيئة الشرقية، حيث الأنوثة هناك ما تزال ترسف في الأغلال. وكأنّ الرواية ترمز إلى أنّ جيل المثقفين الّذي مثّله مصطفى سعيد – بعد عودته – أثّر في أبناء بيئته وخصوصا في التصوّر الذهني للأنوثة الجديدة، وهذا ما أكّدت عليه زوجة مصطفى سعيد.
من جهة أخرى يمكن لنا أن نقول إنّ عمليّتي قتل مصطفى سعيد لجين مورس وقتل حسنة بنت محمود لـ”ود الريس ” إنّما هما قتـلٌ للاستعباد الأوروبي من جهة، وقتـلٌ لعقلية رجعية شرقية خاصّة بالأنثى من جهة أخرى. فالجنس في هذه الرواية هو مقابل للموت، ولا يمكن أن يكون هذا الموت فرديا ولا من يقوم به كذلك، وإلاّ ستفقد الرواية دلالتها ورمزيتها.
فمصطفى سعيد ليس شخصية فردية عادية؛ بل إنّما هو شخصية حضارية تمثّل جيلا من أبناء السودان المثقّفين الّذين رأوا النور مع بداية الفتح الاستعماري لبلدهم، والّذين يحملون ذاكرة جماعية لا يمكن أن تنسى جرائم القوات الإنكليزية الشنيعة ومحاولاتها استغلال خيرات بلادهم وثرواتها.
بهذه الذاكرة الجماعية سافر البطل إلى لندن لينتقم من حضارة الإنكليز وليدمّر ويهدم كما فعلوا هم من قبل. ومع أنّه واجه الفكر الغربي القائم على الاستيلاب، من خلال كتاباته المتعدّدة في الاقتصاد والّتي هدفت جميعها إلى تعرية الوجه الحقيقي للحضارة الغربية الإمبريالية والعنصرية وكشفه[39]، إلاّ أنّه لم يكتف في حربه هذه مع الغرب بهذه الطريقة فقط، بل ابتدع طريقة أفظع وسلاحا أمضى، كان من نتاج لاشعوره الجمعي الشرقي وإرضاءً له. لقد بثّ جرثومة الموت في النساء الأوروبيات اللّواتي ارتبط بهنّ. لقد كانت الشهوة الجنسية عنده مرتبطة بشهوة القتل، فمعظم النساء اللّواتي ارتبطن بمصطفى سعيد انتهين نهايات مفجعة ودامية. فمنهنّ من انتحرن ومنهنّ من قتلهنّ بنفسه؛ ولا نستثني من هؤلاء النساء زوجته حسنة بنت محمود.
« إنّ الشهوة الجنسية عند مصطفى سعيد تزدوج بشهوة القتل: فهو يزرع الموت حيثما غرز وتده… إنّ عصابه Névrose))كان بالأحرى حضاريا. فهو يتمنّى في غور لاوعيه أن يدمّر عين الحضارة الّتي يشتهي امتلاكها »[40]. ولهذا فهو لم يقتل ” جين مورس ” بدافع الغيرة، لأنّه لم يكن شخصية فردية – كما أسلفنا من قبل -، إنّما فعل ذلك لأنّه كان يمثّل عالم الشرق الذكوري المنتقم من عالم الغرب الأنثوي الّذي كانت تمثّله جين مورس.
وقبل أن ننتهي من هذه الدراسة، لا بدّ لنا من أن نقف عند جانب آخر من هذا الصّراع الحضاري تطرحه رواية “موسم الهجرة إلى الشمال” بشكل فنّيّ عالي وذكيٍّ وتؤكّد عليه في مختلف فصولها، مع أنّ الرّوايات الحضارية الأخرى أغفلته ولم تنتبه إليه : هذا الجانب هو أكذوبة الصّراع الحضاري بين الشرق والغرب، وأكذوبة الانتقام من الغرب والتغلّب عليه وامتلاكه.
لقد اكتشف مصطفى سعيد – بقتله لـجين مورس – أنّه لم يمتلكها، مع أنّ الإيديولوجية الشرقية تفرض امتلاك الرجل للمرأة وخضوعها له؛ لكنّه بقتله لها فقدها ولم يمتلكها. وهكذا فقد اكتشف حقيقة أكذوبته: أكذوبة أنّه جاء لينتقم من الغرب. ولعلّ هذا ما دفعه بأن يصرخ أثناء محاكمته على قتله لزوجته “جين مورس” قائلا : « هذا المصطفى سعيد لا وجود له. إنّه وهم، أكذوبة. وإنّني أطلب منكم أن تحكموا بقتل الأكذوبة »[41].
إنّها أكذوبة انهزام الغرب أمام الشرق. أكذوبة الغازي الّذي جاء من الجنوب ليحتلّ الشمال. أكذوبة المعادلة الصّعبة الّتي ابتدعها لاشعوره الجمعي وصدّقها هو : المساواة بين جنس/حضارة وقوّة/ضعف… أي المساواة في عملية الصّراع بين قوّة الجنس الشرقية وقوّة الحضارة الغربية. تبيّن لنا هذه الرواية أكذوبة الصّراع بين الرّجولة والأنوثة، لأنّه لا يمكن تجنيس العلاقات الحضارية بين الغرب والشرق بتأنيث الأوّل وتذكير الثاني؛ إنّما هذا نتاج خيال الطالب الشرقي أو بمعنى أصحّ من نتاج لاشعوره الجمعي المحمّل بصور العنف الأوروبي على مدى قرون.
لقد كان مصطفى سعيد – مثل وكر أكاذيبه أي غرفته – يعلم بأنّ كلّ هذا الصّراع إنّما هو مجرّد أكذوبة. أكذوبة أن ينتصر الشرق على الغرب. أكذوبة أن تكون غرفته ملتقى جنوب بشمال. و « أكذوبة كذلك غرفة أكاذيب مصطفى سعيد الّتي تتوهّم نفسها مقبرة للشماليات. وأكذوبة أخيرا الانتصار على آن همند وشيلا غرينود وإيزابيلا سيمور. فهنّ جميعا بحكم الميّتات حتّى ولو لم ينتحرْن، وحتّى ولو لم يقُدهنّ مصطفى سعيد إلى التّهلكة »[42]. اعترف بذلك البروفيسور ” ماكسويل فستركين ” أمام المحكمة : « إنّ آن همند وشيلا غرينود كانتا فتاتين تبحثان عن الموت بكلّ سبيل، وأنّهما كانتا ستنتحران سواء قابلتا مصطفى سعيد أو لم تقابلاه »[43]. وجاء زوج ” إيزابيلا سيمور ” إلى المحكمة ليدافع عنه وليس ليتّهمه بدفع زوجته إلى الانتحار. فقد وقف أمام المحكمة مبرِّئا مصطفى سعيد بقوله : « الإنصاف يحتّم عليّ أن أقول إنّ إيزابيلا زوجتي كانت تعلم بأنّها مريضة بالسرطان. كانت في الآونة الأخيرة، قبل موتـها بأيّام اعترفت لي بعلاقـتها بالمتهمّ. قالت إنّها أحبّته. وأنّه لا حيلة لها. وأنا بالرّغم من كلّ شيء لا أحسّ بأيّ مرارة في نفسي، لا نحوها ولا نحو المتهمّ »[44].
وهكذا تتهاوى الأكاذيب شيئا فشيئا أمام البطل مصطفى « لقد كان يتوهّم أنّه سيحرّر إفريقيا بممارسة الجنس مع الأوروبيات باستغلال أجسادهنّ كما استغلّت إنكلترا بلاده من قبل »[45]. لكنه أدرك أخيرا أنّ كلّ هذا كان مجرّد أكاذيب، واستعاد وعيه أخيرا وعلاقته بالواقع التاريخي. ولعلّ هذا ما دفع به إلى أن يصرخ في المحكمة بأنّه أكذوبة وأنّ « عطيلا أكذوبة، أي أنّ العلاقة بين الغرب والشرق ليست علاقة غرامية فردية رومنسية كالّتي بين عطيل الأسود وديدمونة البيضاء، ولا هي أيضا علاقة عدوانية كالّتي بين مصطفى سعيد والنساء الأوروبيات. إنّها علاقة شائكة. وإن احتاجت إلى محكمة، فيجب ألاّ تكون محكمة الرجل الأبيض الّتي يعدّها للرجل الملوّن لتُضفي شرعية على سلوكه »[46].
لعلّ أهمّ ملاحظة نخرج بها من تحليلنا لـ ” موسم الهجرة إلى الشمال “، هي أنّ الجنس فيها يختلف اختلافا كلّيا عمّا هو عليه في الروايات الحضارية الأخرى. فهو وإن كان نوعا من التنفيس عن الحرمان الجنسي لأبطال الروايات الأخرى، فإنّه بالنسبة لرواية ” الموسم ” أداة فعّـالة للانتقام من الغرب الاستعماري: فهو مرادف للموت يزرعه أينما تحرّك. إنّه قطب أساسي في المعادلة الصعبة الموجودة بين الشرق والغرب، فهو يدخل في هذه المعادلة من منطق قوّته عند الشرق مقابلاً القوّة الحضارية للغرب حتّى يكون هناك تكافـؤ بين قطبي الصّراع : الشرق والغرب. ومن هنا نرى أنّ هذه الرواية قد كشفت لنا عن جانب مهمّ وخفيّ للجنس يلعبه في الصّراع الحضاري لم تكشف عنه الروايات الحضارية الأخرى.
المصادر والمراجع المعتمدة في هذه الدراسة:
1 – المصادر :
* – الطيّب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – الشركة الوطنية للنشر والتوزيع (الجزائر) ودار الجنوب (تونس) 1979.
2 – المراجع العربية :
* – جورج طرابيشي – شرق وغرب، رجولة وأنوثة : دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية – دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت – الطبعة الثانية – شباط (فبراير) – 1979.
* – فوزية الصفار- أزمة الأجيال في الرواية العربية المعاصرة : دراسة في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح – نشر وتوزيع مؤسسات عبد الكريم عبدالله – تونس – د.ط – د.ت .
* – مجموعة من النقاد – موسوعة المصطلح النقدي – ترجمة : د. عبد الواحد لؤلؤة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- الطبعة الثانية 1983.
* – محمد شاهين – الأدب والأسطورة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر– بيروت – الطبعة الأولى– 1996.
* – محي الدين صبحي: أبطال في الصيرورة: دراسات في الرواية العربية والمعرّبة – دار الطليعة – بيروت- ط1– 1980.
* – نور الدين صدوق – الغرب في الرواية العربية : قنديل أم هاشم نموذجا – دار الثقافة للطباعة والنشر– الدار البيضاء (المغرب) – الطبعة الأولى – 1995.
* – يمنى العيد – في معرفة النص: دراسات في النقد الأدبي– منشورات دار الآفاق الجديدة (بيروت) ط3 – شباط 1985.
3- المراجع الأجنبية :
* – Encyclopeadia universalis. Presses universitaires de France. Paris 1985. v :18.
[1] – اللـورد ” كتشنر ” هو قائد الجيش الإنكليزي الذي هزم جيوش المهدي في معركة ” أتبرا ” الشهيرة، شمال الخرطوم عاصمة السودان سنة 1898 حيث سقط أكثر من20 ألف جندي سوداني تحت رشاشات ” كتـشنر “؛ فكان ذلك بداية انهيار خلافة المهدي بالسودان و بداية الاحتلال البريطاني- المصري له.
[2] – الطيّب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – الشركة الوطنية للنشر والتوزيع (الجزائر) ودار الجنوب (تونس) 1979 – ص 52.
[3] – المصدر نفسـه – ص 137.
[4] – المصدر نفسـه – ص 53.
[5] – المصدر نفسـه – ص 57و58.
[6] – المصدر نفسـه – ص 59.
[7] – نور الدين صدوق – الغرب في الرواية العربية : قنديل أم هاشم نموذجا – دار الثقافة للطباعة والنشر– الدار البيضاء (المغرب)
– الطبعة الأولى – 1995 – ص 42.
[8] – الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 137.
[9] – المصدر نفسـه – ص 133.
[10] * – مجتمعات الفابيانيين : جمعية أدبية فنية كانت مشتهرة بين الحربين، كان من أعضائها رسّامون نُقاد وأدباء من بينهم فرجينيا وُولف وزوجها وآخرون، ينظر:
Encyclopeadia universalis. Presses universitaires de France. France 1985 – p 1112 ; v :18.
– كـويكـرز : فرقة مسيحية، أنشأها في القرن السابع عشر في إنكلترا جورج فوكس. تعتقـدُ الجماعة أنّ الإنسان لا يعُوزُه وسيط روحي، ولكنّه يبلغُ الفهمَ والهدى عن طريق ( النور الداخلي ) الّذي يمنحه الكتاب المقدس. ينظر :
مجموعة من النقاد – موسوعة المصطلح النقدي – ترجمة : د. عبد الواحد لؤلؤة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- الطبعة الثانية 1983- ( ص 404 ).
[11] – المصدر نفسـه – ص 52.
[12] – المصدر نفسـه – ص 58.
[13] – المصدر نفسـه – ص 59.
[14] – المصدر نفسـه – ص 100.
[15] – جورج طرابيشي – شرق وغرب، رجولة وأنوثة : دراسة في أزمة الجنس والحضارة في الرواية العربية – دار الطليعة للطباعة والنشر – بيروت – الطبعة الثانية – شباط (فبراير) – 1979- ص 150 – 151.
[16] – الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 47.
[17] – المصدر نفسـه – ص 146.
[18] – المصدر نفسـه – ص 144.
[19] – المصدر نفسـه – ص 147.
[20] – المصدر نفسـه – ص 53.
[21] – المصدر نفسـه – ص 148.
[22] – المصدر نفسـه – ص 52.
[23] – المصدر نفسـه – ص 147.
[24] – المصدر نفسـه – ص 147.
[25] – ولعلّ من غرابة الصدف أن يموت كاتب الرواية الطيب صالح في شهر فبراير بمستشفى بلندن من سنة 2009، وهو الشهر والمكان ذاتهما اللّذان ماتت فيهما بطلة الرواية جين مورس على يد زوجها مصطفى سعيد.
[26] – جورج طرابيشي – شرق وغرب، رجولة وأنوثة – مرجع سابق – ص 167.
[27] – الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 150.
[28] – محي الدين صبحي: أبطال في الصيرورة: دراسات في الرواية العربية والمعرّبة – دار الطليعة – بيروت- ط1– 1980- ص11.
[29] – الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 150.
[30] – فوزية الصفار- أزمة الأجيال في الرواية العربية المعاصرة : دراسة في رواية موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح – نشر وتوزيع مؤسسات عبد الكريم عبدالله – تونس – د.ط – د.ت – ص 128.
[31] – جورج طرابيشي – شرق وغرب، رجولة وأنوثة – مرجع سابق – ص 167.
[32] – المرجع نفسـه – ص 171.
[33] – الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 50.
[34] – يمنى العيد – في معرفة النص: دراسات في النقد الأدبي– منشورات دار الآفاق الجديدة (بيروت) ط3 – شباط 1985- ص254.
[35] – ينظر : المرجع نفسـه – ص 254.
[36] – ينظر : الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 122.
[37] – المصدر نفسـه – ص 122.
[38] – جورج طرابيشي – شرق وغرب، رجولة وأنوثة – مرجع سابق – ص 176.
[39] – وبما أنّ مصطفى سعيد ليس شخصية فردية فقط، وإنّما هو شخصية حضارية، أو بمعنى آخر هو رمز لجانب من الثقافة الشرقية المحمّلة بكلّ صور العنف الأوروبي والعدوان والاستغلال؛ فهو في صراعه ثقافيا مع الغرب يُنتِـج ثقـافة مخالِـفة له، ثقـافة تقول للاستعمار : (لا)، بدل (نعم) بلغته. هذه الثقـافة المغايرة تتمثّل في كتـب مصطفى سعيد: ” اقتصاد الاستعمار”، ” الصليب والبارود “، ” الاستعمار والاحتكار”، ” اغتصاب إفريقيا “. ثقافة مغايرة لما كان يريده الغرب منه.
[40] – المرجع نفسـه – ص 152.
[41] – الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 85.
[42] – جورج طرابيشي – شرق وغرب، رجولة وأنوثة – مرجع سابق – ص 160 – 161.
[43] – الطيب صالح – موسم الهجرة إلى الشمال – ص 54.
[44] – المصدر نفسـه – ص 55.
[45] – فوزية الصفار – أزمة الأجيال العربية المعاصرة – مرجع سابق – ص 124.
[46] – محمد شاهين – الأدب والأسطورة – المؤسسة العربية للدراسات والنشر– بيروت – الطبعة الأولى– 1996- ص 118 – 119.