أصبحت حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة بمثابة قضية العصر، كون المجتمع الدولي قد تيقن أخيرا بأن الحفاظ على كرامة الإنسان و شتى حقوقه بات من الضروريات بل حتى من الأولويات. ولما كانت الكرامة الإنسانية ليس لها جنس، فإن النساء هن الأخريات معنيات بهذه الحماية وعلى قدم المساواة مع الرجال.
من أجل ذلك؛ حرصت هيئة الأمم المتحدة منذ نشأتها على التوجه الواحد في توكيد حقوق الإنسان فأشارت في ديباجة ميثاقها إلى التساوي في الحقوق بين الرجال والنساء وأكدت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان -1948- ” أن لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دونما تمييز من أي نوع ولا سيما بسبب … الجنس….”.
إن مجرد التسليم بإنسانية هذه الحقوق لا يشكل إنجازاً دولياً على مستوى المرأة المحرومة كما أنه لا يمكن أن يصبح ضماناً كافياً لحماية هذه الحقوق فعلا ولذلك تقتضي الضرورة أن يصار إلى اعتماد سلسلة متكاملة من الآليات التي تساعد في محاربة التمييز ضد المرأة على أكثر من صعيد وفي أكثر من بلد.
وعلى هذا الأساس وضعت الأمم المتحدة كماً هائلاً من الاتفاقيات الدولية الملزمة من أجل تحسين أوضاع المرأة وتحريرها من القيود المفروضة عليها وهي:
– اتفاقية حظر البغاء واستغلاله 1949؛
– اتفاقية منظمة العمل الدولية حول التوظيف المتساوي وإقرار مبدأ الأجر المتماثل مقابل العمل ذي القيمة المتماثلة 1951؛
– اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة 1952؛
– اتفاقية جنسية المرأة المتزوجة وحقها بالاحتفاظ بجنسيتها الأصلية 1957؛
– اتفاقية القبول الطوعي بالزواج والسن الدنيا للزواج وتسجيله 1962؛
– اتفاقية اليونسكو ضد التمييز في التعليم 1960؛
– العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية؛ و العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966؛
– اتفاقية إزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة 1979 والتي تعرف بـ “الشرعة الدولية لحقوق المرأة”.
وإلى جانب هذه الاتفاقيات الدولية الملزمة والتي باتت تشكل تشريعاً دولياً في هذا الإطار بعد أن حظيت بإبرام عدد كبير من الدول كانت البيانات الختامية للمؤتمرات الدولية الأربعة التي عقدت لغاية يومنا أثر بارز في تطور الحقوق الإنسانية للمرأة سواء في أهدافها أو مضامينها أو آلياتها:
– فقد هدف المؤتمر الأول الذي عقد في مكسيكو في العام 1976 نحو توجيه الاهتمام الدولي إلى قضية المرأة وأسفر عن إعلان الأمم المتحدة تخصيص عقد بكامله (1976-1985) من أجل المرأة وتحسين أوضاعها.
– وحرص المؤتمر الدولي الثاني الذي عقد في كوبنهاغن في العام 1980 على تبني خطة عمل للنصف الثاني من العقد بعد أن سلط الأضواء على أهم المشاكل والتحديات التي تواجهها المرأة.
– أما مؤتمر نيروبي الذي عقد في العام 1985 فقد تبنى برنامجاً لتقديم المرأة حتى العام 2000، وقد وافقت على هذا البرنامج دول كثيرة لم تقل عن الـ 120دولة – من أصل 196 تقريبا- بما في ذلك الإستراتيجيات المرسومة لغاية نهاية القرن.
– مؤتمر فيينا لحقوق الإنسان في العام 1993.
– والواقع أن المؤتمرالدولي الرابع للمرأة ببيجينغ كان متميزاً في تمثيله (إذ حضره ممثلون عن كل دول العالم) وفي مضامينه (إذا أثار معظم القضايا التي تهم المرأة حتى القضايا الإشكالية منها ووافق المشاركون فيه على معظمها) وفي برامجه للمستقبل أيضاً (إذ تبنى خطة عمل لخمس سنوات تهدف إلى المساواة والتنمية والسلام ).
وبذلك شهدت المسيرة الدولية من أجل المرأة متغيرات أساسية من خلال هذه المؤتمرات والاتفاقيات وما رافقها أو أعقبها من نقاشات والتزامات وتعهدات ومن هذه المتغيرات، التغير في وضع المرأة القانوني ذلك لأن حقوقها لم تقتصر على الصفة الإعلانية فقط ولا على الالتزام الأدبي للأنظمة السياسية حيال هذه الحقوق وإنما اكتسبت الآن ولا سيما مع التصديق المتزايد لاتفاقية العام 1979 إلزامية قانونية تامة تثير أية مخالفة لها المسؤولية الدولية للدولة المخالفة.
حقوق المرأة التي كرستها مختلف الاتفاقيات الدولية:
- حقوق اجتماعية تمكن النساء من التعلم، العمل، السكن، التطبيب والحماية الاجتماعية لكي تندمج اندماجا سليما في المجتمع و تفرض إحترام كرامتها.
- حقوق مدنية ترفع مكانة المرأة الى مستوى مكانة الرجل في المجتمع وتجعلها مساوية له في الحقوق والواجبات , وأمام القانون.
- حقوق ثقافية، إذ الاهتمام بتثقيف المرأة يعتبر أساسيا في جعلها مساهمة في إغناء ثقافة المجتمع والثقافة الإنسانية مما يعتبر مساهمة من المرأة في تغيير النظرة إليها , وتشكيل ممارسة جديدة تجاهها تتناسب مع عصر حقوق الإنسان .
- حقوق اقتصادية تبيح لها الحصول على مصدر للدخل الاقتصادي الذي يمكنها من حفظ كرامتها .
- وأخيرا، حقوق سياسية تجعل المرأة كالرجل في اكتساب حق الانتخاب وحق الترشح, وحق تحمل المسؤولية الجماعية والبرلمانية وحق الانتماء الى الأحزاب والنقابات والجمعيات وحق إنشائها وتحمل المسؤولية فيها دون توجيه من أحد , او وصاية عليها.
وضعية حقوق المرأة في الدول العربية:
تتباين مكانة المرأة في الدول العربية تباينا واسعا من مجتمع إلى آخر. فما زال هناك عدد من القوانين التي تقيّد حرية حركة النساء ساري المفعول في الدول العربية، كحق السفر وحق الوصاية، مثل ما هو عليه الحال في الأردن والجزائر، السعودية، مصر… في حين أن بلدان أخرى كالبحرين وسوريا تفرض قيوداً أقل فيما يتعلّق بسفر النساء. أما الإمارات العربية المتحدة فلا تفرض أي قيد من أي نوع في هذا الخصوص.
ويبقى قانون الجنسية في البلدان العربية بشكل عام مجحفاً بحق النساء، حيث لا يحق للمرأة إعطاء جنسيتها لأطفالها في حال كان الزوج يحمل جنسية أجنبية.
أما في محور الحقوق السياسية، فإن النساء في كل من الكويت والسعودية لم يمارسن حتى اليوم حقّهن في الانتخاب وحقهن في المشاركة في الانتخابات. لكن لابد من تسجيل بعض الإنجازات التي تمت في العالم العربي في المرحلة التي تلت بيجين وكانت الأهم في مجال حقوق الإنسان الأساسية وهي حق المشاركة في الانتخابات النيابية (والذي أقرّ حديثاً في كل من قطر وعمان). بحيث كانت عمان الدولة الخليجية الأولى التي أتاحت للمرأة المشاركة في الحياة السياسية العامة بواسطة تعيينها في المناصب الرسمية عام 1994 وبواسطة الانتخابات بدءاً من العام 1997 . وقد تم انتخاب امرأتين للمرّة الأولى لمجلس الشورى الذي يضم ثمانين عضواً يمثّلون الـ59 ولاية عام 1997.
كما ساهم انتقال السلطة إلى جيل جديد من القادة في عدة نظم ملكية عربية، في التأكيد على حقوق المرأة في هذه الدول. فقد وصلت في السنوات القليلة الماضية أجيال جديدة إلى الحكم في البحرين والأردن والمغرب وعمان وقطر وسوريا و الامارات. وأبدى العديد من هؤلاء القادة ملاحظات حول الحاجة إلى تحسين مكانة النساء كجزء لا يتجزأ من التنمية الاقتصادية الوطنية.
هكدا شهدت معظم الدول العربية في السنوات الأخيرة، إصلاحات خاصة تتعلق بحقوق المرأة، وأظهرت حساسية متزايدة إزاء قضايا المساواة بين الرجال والنساء. وتلتزم الحكومات بالعمل مع المجتمع الدولي ومع الجماعات الأهلية المحلية على تحسين وضع النساء ومكانتهن. وحاليا، صدّقت 12 دولة عربية من أصل 22 على إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وضعية حقوق المرأة في لبنان:
تنص غالبية القوانين اللبنانية بما فيها الدستور، على المساواة بين الرجل والمرأة وعلى تكافؤ الفرص في مجالات الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليم والعمل. لكن في الواقع نادرا ما يتم تنفيذ هذه القوانين. وما تزال المرأة عرضة للكثير من التمييز من جانب أصحاب العمل من حيث الأجور والتوظيف…
وفيما يخص حق المرأة اللبنانية في التنقل و في منح جنسيتها فإنه من المؤسف أن نشير إلى ان لبنان مثلها مثل الدول العربية الأخرى مجحفاً بحق النساء.
أما فيما يخص الحقوق السياسية فإن المرأة في لبنان ما زالت مستبعدة إلى حد كبير عن المؤسسات السياسية؛ فأول امرأتين وصلتا الى مناصب وزارية كان في الحكومة المستقيلة في سنة 2004. كما أنه هناك ثلاث نساء فقط بين أعضاء مجلس النواب الـ 128.
ولقد شُكلت لجنة وطنية لشؤون المرأة اللبنانية من أجل تحسين وضع النساء بحيث وضعت هذه الهيئة خطة وطنية للمرأة؛ وتسعى الخطة إلى تمكين النساء وإلى مواجهة التمييز الاجتماعي من خلال مشروعات متنوعة، بما فيها تقديم قروض خاصة وصغيرة للنساء الفقيرات. كما قامت اللجنة بتنفيذ برنامج تثقيف وطني لتعليم النساء حقوقهن ولتقديم صور اجتماعية جديدة عن المرأة في الحياة العامة.
وتعلن “اللجنة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية”، التزامها تحقيق المساواة الكاملة بين الرجال والنساء. وهي تهدف إلى ضمان حقوق الإنسان بالنسبة للنساء، وزيادة فرص توفير العيش الكريم والآمن للنساء، وزيادة مشاركة المرأة في الحكومة وفي عملية اتخاذ القرار. وقد وضعت الحكومة “خطة العمل الوطني” للفترة 1979- 2000 الهادفة إلى تحسين وضع المرأة في لبنان.
ولقد لعبت منظمات حقوق المرأة في لبنان دورا رئيسي في حث الحكومة على التصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وفي متابعة تنفيذها. وبذلت المنظمات غير الحكومية جهودا طوعية مستمرة وملتزمة سعيا وراء القضاء على التمييز ضد المرأة وتوسعة نطاق وعي المواطنين في هذه القضية. وعملت المنظمات غير الحكومية على إعادة تأهيل النساء اللبنانيات وحمايتهن ومساعدتهن. كما تناضل هذه المنظمات ضد تجريد المرأة من آدميتها وتهميشها؛ وتعمل على تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والكرامة الإنسانية.
وينشط في لبنان حاليا ما يزيد على 3000 منظمة غير حكومية. وبعض هذه المنظمات تهتم مباشرة بقضايا المرأة، بينما تضع منظمات أخرى بعض البرامج حول المرأة من ضمن نشاطها الكلي.
و في الأخير يجب التأكيد على أن إحقاق حقوق المرأة هو نضال عالمي يستند إلى حقوق الإنسان وسيادة القانون، ويقتضي منا جميعاً التكاتف والتضامن للتخلص من التقاليد والأعراف والممارسات والقوانين المضرة بالمرأة والمجحفة بحقوقها والتى لا تجد لها أساسا ديني؛ فالمرأة تلعب دورا رائدا في السير العادي للمجتمع , فهي ركيزة الأسرة التي بدونها لا تقوم قائمة , وهي المربية الأولى لأفرادها , والموجهة لسلوكهم , والحريصة على سلامتهم من الآفات التي قد يتعرضون لها , وهي التي تنسج شكل العلاقات التي تربط الأسرة بالمجتمع , و بالإضافة الى ذلك فهي مساهمة في بناء اقتصاد الأسرة ومن ثم اقتصاد الدول.
مقال نشر في جريدة الادايب/ طرابلس لنان 8 آذار- مارس 2005