أثر الهجرة البيئية على أمن واستقرار الدول
The impact of environmental migration on the security and stability of countries
الأستاذة الدكتورة / كروش نعيمة (جامعة الجزار1، كلية الحقوق)
Naima KEROUCHE (Algiers1, University)
مقال منشور في كتاب أعمال ملتقى القانون الدولي وتحديات التغير المناخي الصفحة 33.
ملخص:
يشهد الواقع الدولي تزايدا معتبرا لظاهرة الهجرة البيئية، وذلك بفعل تأثير التغيرات المناخية على مختلف العناصر البيئية، والتي أجبرت الأفراد والجماعات “المهاجرين البيئيين “على الانتقال من المناطق المتضررة بيئيا إلى مناطق تتوفر على متطلبات العيش الكريم. الأمر الذي أدى إلى ضغوط كبيرة لدى دول هذه المناطق من حيث تهديد استقرارها، ووضعها أمام تحديات أمنية مهمة ومتنوعة: إنسانية، اقتصادية، اجتماعية وغيرها.
الكلمات المفتاحية: الهجرة البيئية، المهاجرون البيئيون، الأمن الدولي.
Summary:
The international reality is witnessing a significant increase in the phenomenon of environmental migration, due to the impact of climatic changes on the various environmental elements, which forced individuals and groups of “environmental migrants” to move from environmentally affected areas to areas that meet the requirements of a decent life. This has led to intense pressure on the countries of these regions in terms of threatening their stability and putting them in front of important and diverse security challenges: humanitarian, economic, social and others.
مقدمة
لقد تفاقمت ظاهرة الهجرة البيئية في السنوات الأخيرة بفعل عوامل بيئية متنوعة من احتباس حراري وتصحر وغيرها … الأمر الذي أدى إلى ضغوط كبيرة لدى دول هذه المناطق من حيث تهديد استقرار ها، ووضعها أمام تحديات أمنية مهمة ومتنوعة: إنسانية، اقتصادية، اجتماعية وغيرها، ليس هذا وحسب إنما أصبحت الهجرة البيئية مصدرا مهما للصراعات والنزاعات حول الموارد الطبيعية التي أصبحت تعرف بالسلع والخدمات المتعلقة بالنظام الإيكولوجي مما يطرح الإشكالية التالية: ما هي تداعيات التغيرات المناخية على الهجرة البيئية؟ وما تأثيرها على أمن واستقرار الدول؟ وكيف تواجه الدول تحديات استقبال واستيعاب المهاجرين البيئيين حفظا لأمنها واستقرارها؟
وهو ما يتم تناوله من خلال:
المبحث الأول: العوامل المناخية المؤدية إلى الهجرة البيئية
المبحث الثاني: تأثير الهجرة البيئية على مختلف الجوانب الأمنية للدول
المبحث الأول: العوامل المناخية المؤدية إلى الهجرة البيئية
تعتبر الهجرة البيئة ظاهرة جديدة كثر النقاش والجدل بشأنها في السنوات الأخيرة بسبب الكثير من الجوانب القانونية التي أصبحت تطرحها على المحافل الدولية لغياب نصوص قانونية واضحة بشأن احتوائها (المطلب الأول)، ولحداثة موضوع التغيرات المناخية باعتباره أحد وأهم العوامل المؤدية للهجرة البيئية (المطلب الثاني)
المطلب الأول: الجدل القانوني حول الهجرة البيئية واللاجئون البيئيون
قبل الحديث عن العوامل المؤدية إلى الهجرة البيئية لابد من التوقف عند موضوع الهجرة البيئية (الفرع الأول)، والتي أثارت الكثير من الجدل القانوني حول مضمون هذه الأخيرة واللاجئين البيئيين (الفرع الثاني)
الفرع الأول: الهجرة البيئية
يطلق على الهجرة البيئية تسميات متعددة الهجرة بسبب تغير المناخ، أو الهجرة المناخية، والهجرة الإيكولوجية، وهي نمط جديد من أنماط تنقل الأشخاص إذ لم يعد تنقل الأشخاص قائما على أسباب علمية للدراسة أو علاجية وحسب[1]، إنما لأسباب ودوافع بيئية، ظلت إلى غاية سنة 2000 محدودة الدراسة.
تنقسم الهجرة البيئية إلى أنواع متعددة.
أولا) الهجرة البيئية الداخلية والهجرة البيئية الخارجية: يتنقل الأفراد في البلد الواحد من المناطق المتضررة بيئيا بسبب التغيرات المناخية إلى المناطق المتوفر فيها عناصر الحياة عبر العالم، تتسبب التغيرات المناخية كذلك في الهجرة الداخلية للأفراد في البلد الواحد خاصة البحرية منها بحثا عن أماكن استقرار الموارد الغذائية إذ يتنقل الصيادون على طول الشريط الساحلي في المنطقة ذاتها وفق توفر الموارد البحرية التي تحدّدها ظاهرة الإينوا. وطبقًا لمركز مراقبة النزوح الداخلي (Internal Displacement Monitoring Centre) فإن أكثر من 42 مليون شخصا نزحوا من منطقة آسيا والمحيط الهادئ خلال عامي 2010 و2011، ([2])، وغالبا ما تكون الهجرة الداخلية كبوابة لهجرة خارجية كما هو الشأن بالنسبة للقارة الإفريقية إذ كثيرا ما تتخذ هاته الأخيرة كبوابة للهجرة إلى إفريقيا.
2) الهجرة البيئية الدائمة والهجرة البيئية المؤقتة: تشهد العديد من الدول هجرة الأفراد بشكل مؤقت أثناء فترات الجفاف بحثا عن تنويع دخلهم. وفي الهضاب المرتفعة كفلاحو بٍييُورا، أو بسبب موجات البرد والجليد، ونقص المياه الناجم عن تراجع الأنهار الجليدية، والتغيرات الطارئة على نظام التساقطات. وفي مناطق سيلفا، يهاجر الفلاحون بالخصوص مؤقتـا ومن باب الاحتياط خلال موسم الأمطار لضمان أمنهم الغذائي ([3])، كما تشهد بعض المناطق تأثرا كبيرا بالتغيرات المناخية منها منطقة آسيا والمحيط الهادئ وفي هذا الإطار أشار تقرير صدر عن بنك التنمية الآسيوي مؤخرًا إلى “المناطق الخطرة بيئيًا ” والتي تمثل مخاطر خاصة لحدوث فيضانات وزوابع وأعاصير التايفون وزيادة ضغط المياه.
الفرع الثاني: المنظور القانوني للاجئون البيئيون
إن مصطلح اللاجئ البيئي مصطلح حديث انتشر استعماله فالسنوات الأخيرة بالنظر لتأثير التغيرات المناخية على تنقل الأفراد وهو ما أثار الكثير من الجدل القانوني بخصوصه والنظام القانوني للاجئ البيئي.
أولا ) ظهور مصطلح اللاجئ البيئي وعلاقته بالتغيرات المناخية : إن أول ظهور لمصطلح اللاجئ البيئي كان سنة 1974 على يد العالم البيئي Brozn ) ( Lester لما قامت منظمة ( world woch ) بأبحاث حول البيئة ضمن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، يرفض البعض إطلاق مصطلح اللاجئون البيئيون Environnemental refugee عند الحديث على الهجرة البيئية لأسباب متعددة منها سياسية وأخرى قانونية، فأما بخصوص الأسباب السياسية فمردها لمخاوف إخراج اللجوء البيئي عن سياقه السياسي، أما الأسباب القانونية فمردها لكونه مفهوم اللاجئ البيئي لا يتناسب والوصف القانوني الذي يطلقه القانون الدولي لا سيما الاتفاقية الدولية الخاصة باللجوء. من بين الرافضين، المنظمة الدولية للمهاجرين إذ تعتبر أن وصف اللجوء يقتصر على الأشخاص المضطهدين سياسيا أو دينيا وحسب، أما المناخ فلا تعده من أسباب اللجوء، وعليه لا تستعمل هذه المنظمة مصطلح اللاجئين البيئيين إنما المهاجرون البيئيون، لذلك تعارضت وجهات النظر الفقهية والمؤسساتية حول مفهوم اللاجئ البيئي. حيث عرفه البعض على أنه: “كل شخص اضطر طوعا أو قسرا لترك بلده أو منطقته وداره بسبب أحداث طبيعية أو من صنع البشر وأدت إلى تهديد وجوده أو الإضرار بمستوى معيشته”([4]) عرف بدوره التقرير الأممي للبرنامج البيئي، اللاجئون البيئيون على أنهم: الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة مساكنهم الأصلية بصفة مؤقتة أو دائمة، بسبب توترات بيئية معتبرة طبيعية كانت، أو ارتبطت بالنشاط الإنساني، والتي تعرض وجودهم للخطر أو تؤثر فعليا على نوعية حياتهم”.
أما المنظمة الدولية للهجرة، فتعرف المهاجر أو اللاجئ البيئي بـ:” الشخص أو مجموعات من الأشخاص يجبرون لأسباب تتعلق بتغيرات متلاحقة ومفاجئة في البيئة تؤثر بالسلب على حياتهم وظروف معيشتهم، على ترك منازلهم، ويختارون القيام بذلك بصورة مؤقتة أو دائمة، ويتحركون داخل البلاد وخارجها
ثانيا ) اللاجئ البيئي في منظور القانون الدولي العام : يثير إطلاق وصف اللاجئون على الأشخاص المتنقلون بسبب التغيرات المناخية من المناطق المتضررة بيئيا إلى مناطق آمنة بيئيا العديد من الجوانب القانونية لاسيما تلك الخاصة بالوصف القانوني أو المركز القانوني وهذا في ظل غياب نص قانوني صريح يشمل هذه الفئة، وصعوبة إدراج هاته الفئة ضمن اتفاقية جنيف لسنة 1951 الخاصة بوضع اللاجئ([5])، والتي تعرف اللاجئ طبقا لنص المادة الأولى من هذه الاتفاقية وفقا لمعايير لا يمكن تطبيقها على اللاجئ البيئي أو بالأحرى أن العامل أو المعيار البيئي ليس مذكور ضمنها ،إذ تعتمد على المعيار الزمني من جهة، ومعيار الخوف والاضطهاد من جهة أخرى حيث تنص في فقرتها الثانية: “كل شخص يوجد، بنتيجة أحداث وقعت قبل 1 يناير 1951، وبسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو أرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف أن يستظل بحماية ذلك البلد ..” .
مما يعني استبعاد تطبيق اتفاقية جنيف الخاصة باللجوء على اللاجئين البيئيون، وهو ما يقتضي إما مراجعتها أو تحينها ذلك لأن كل النصوص والمواثيق التي أولت أهمية للتغيرات المناخية والـتأطير القانوني لها لم تدرج هاته الفئة ضمن أحكامها من ذلك إعلان نيروبي لسنة 1982، ومؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية لسنة 1992، وإعلان هيوغو لسنة 2005 ( [6]).
المطلب الثاني: عوامل وأسباب الهجرة البيئية
ترجع دوافع وهجرة الأفراد من مناطق متضررة بيئيا إلى مناطق تتوفر على متطلبات العيش الكريم إلى عوامل (الفرع الأول) وأسباب متنوعة (الفرع الثاني)
الفرع الأول: عوامل الهجرة البيئية
من أهم العوامل المؤدية إلى الهجرة البيئية يمكن ذكر:
أولا) التغيرات المناخية: تعتبر التغيرات المناخية واحدة من العوامل المهمة المؤدية إلى الهجرة البيئية، نظرا لتأثيرها على نقص الموارد الغذائية من جهة، وما ينعكس علي ذلك من نتائج تمس حق الإنسان في الغذاء والشغل وغيرها من جهة أخرى، وتؤكد المنظمة الدولية للهجرة أن التغيرات المناخية من أهم العوامل المؤدية إلى الهجرة البيئية إذ بتغير المناخ تنتقل الأنشطة التجارية والصناعية لمناطق أخرى .ووفقا لإحصاءات قامت بها مؤسسات دولية مختلفة من المتوقع أن يرتفع عدد المهاجرين البيئيين في المناطق المتضررة بيئيا، وحسب توقعات البنك الدولي سيرتفع عددهم إلى ستة وثمانون مليون مهاجرا بسبب تغير المناخ في أفريقيا بحلول سنة 2050، وسيجد حوالي ثمانية عشر مليون عامل مهاجر موسمي في أفريقيا أن وظائفهم في الزراعة والتعدين وصيد الأسماك آخذة في الاختفاء([7]). كما أكدت اللجنة الدولية المعنية بالتغير المناخي في الأمم المتحدة في تقريرها الصادر في أشهر أوت من سنة 2021، أننا في أزمة حقيقية بفعل الأنشطة البشرية وزيادة الانبعاث الكربونية التي تؤدي بنا بشكل متزايد نحو سيناريوهات الاحتراز العالمي بأكثر من 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، مما يشكل مخاطر كبيرة على الأمن الغذائي والأمن المائي لكثير من المناطق في العالم، وقد يؤدي أيضًا إلى فقدان التنوع البيولوجي بشكل لا رجعة فيه(.[8])في عام 2018، وقدر البنك الدولي أن ثلاث مناطق (أمريكا اللاتينية، وإفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب شرق آسيا) ستولد 143 مليون مهاجر بسبب المناخ بحلول عام 2050.
ثانيا) الكوارث الطبيعية: تعد الكوارث الطبيعية من أكثر العوامل المهمة المؤدية إلى الهجرة البيئية، تشهد هذا النوع من الكوارث القارة الأفريقية بمعدل أسرع مقارنةً ببقية العالم إذ تواجه العديد من التقلبات الطبيعية، ما بين فيضانات وأعاصير. وحسب توقعات البنك الدولي بخصوص تأثير الكوارث الطبيعية على القارة الإفريقية سيكون هناك ستة ملايين مهاجرا بسبب تغير المناخ في أفريقيا بحلول سنة 2050، وقد يجد نحو ثمانية عشر مليون عامل مهاجر موسمي في أفريقيا أن وظائفهم في الزراعة والتعدين وصيد الأسماك آخذة في الاختفاء، ما يزيد من احتمالات الهجرة الدائمة بحثًا عن فرص عمل جديدة. ([9])، كما أكدت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة أن أعداد مهاجري المناخ ستتجاوز حاجز المليار والنصف بحلول عام 2050، وأبرز دوافع الهجرة المناخية هي الظواهر الطبيعية الطاردة. ([10])
–ثالثا) الجفاف والتصحر : تعرف بعض الأجزاء من الأرض جفافاً كبيرا بسبب انخفاض هطول الأمطار وهو ما يؤدي إلى تدهور التربة الزراعية في مناطق عدة من العالم تشهد من بينها حسب بيانات اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: القارة الأفريقية خاصة منطقة الساحل، ومنطقة البحر المتوسط، وإفريقيا الجنوبية، وأجزاء من جنوب آسيا، جفافا منذ السبعينيات وهو سوف يكون له تأثير بالغ على الأمن المائي وعلى الهجرة البيئية .
الفرع الثاني: أسباب الهجرة البيئية
يلجأ الأفراد والجماعات إلى الهجرة البيئية لأسباب متنوعة وعديدة أهمها:
أولا) البحث على مستوى أفضل للمعيشة: يتنقل الأفراد والجماعات بين المناطق والحدود الدولية بحثا عن مستوى معيشي أفضل يرتبط في الكثير من الأحيان بالبحث على الموارد والدخل القومي، نظرا لأن البيئة التي تفتقر للموارد الطبيعية لا تتوافر على عناصر الحياة، وهذا ما يؤكده العالم الديموغرافي الفرنسي “” Alfrid Sofy بخصوص الهجرة البيئية “ إمّا أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر أو يرحل البشر حيث توجد الثروات. ووفقا لتقارير صادرة عن منظمات دولية حكومية وغير حكومية أن هذه التغيرات المناخية من الأسباب المهمة المؤثرة على الأشخاص الفقيرة، ويمكن أن تؤدي إلى تضاعف الهجرة بين الدول، وهو ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة على أن عدد المهاجرين يتخطى مئات الملايين لأسباب بيئية.([11])
ثانيا) البحث عن الثروات الطبيعية: إن التوجه نحو الثروات الطبيعية ومصادر الطاقة يعد من أهم أسباب الهجرة البيئية، فاكتشاف الموارد يستقطب المهاجرين، ويمكن أخذ منطقة الخليج التي تستقطب العمالة الأسيوية والأوروبية كحالة على هذا النوع من الهجرة، فالاستقرار والبقاء مرتبط بوجود الثروات.
المبحث الثاني: تداعيات الهجرة البيئية على سلم وأمن الدول
لم تعد الهجرة البيئية مسألة إنسانية وحسب، إنما انشغال حقيقي يرتبط بمتطلبات تحقيق السلم والأمن الدوليين، نظرا للوتيرة السريعة التي أصبحت تشهدها الظاهرة وأثارها على الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين من دون أن يولي مجلس الأمن أهمية لذلك (المطلب الأول)، أين تضافرت جهود بعض الدول إلى حلول تفقر إلى الطابع الإلزامي (المطلب الثاني)
المطلب الأول: تأثير الهجرة البيئية على سلم وأمن الدول
لم يكن لمجلس الأمن موقفا واضحا من مسألة تأثير التغيرات المناخية على سلم وأمن الدول، إذ تباينت أراء الأعضاء الدائمة فيه (الفرع الأول) على الرغم من التأثير الفعلي والمهم لهذه الظاهرة في مناطق عديدة أخذت بالانتشار في دول عديدة (الفرع الثاني)
الفرع الأول: موقف مجلس الأمن من تأثير التغيرات المناخية على الأمن الدولي
لم يكترث مجلس الأمن كجهاز رئيسي في الأمم المتحدة مختص بقضايا السلم والأمن الدوليين طبقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بموضوع التغيرات المناخية كموضوع، وما نجم عنه من أثار كتلك الخاصة بالهجرة البيئية في بداية تسليط الدول اهتمامها على تأثير التغيرات المناخية على الأمن الدولي، حيث بقي مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بعيداً عن قضايا التغير المناخي وتأثيرها على الأمن الدولي إلى غاية سنة 2007، إلى أن أثارت ذلك بريطانيا عند رئاستها للمجلس المجلس في شهر أفريل من نفس السنة. تناول مجلس الأمن للمرة الأولى في تاريخه النقاش حول: الطاقة، والمناخ، والأمن في 17 إبريل 2007، لكن ومع ذلك لم يلق النقاش حول الموضوع حقه من الاهتمام. تبنى المجلس للمرة الأولى سنة 2011، أين طلب الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك “بان كي مون” بتقديم معلومات حول تغير المناخ وتبعاته الأمنية إلا أن مواقف الدول الأعضاء بقيت متباينة حول اختصاص مجلس الأمن بأثر التغيرات المناخية على الأمن الدولي منها الصين وروسيا، لاعتبارها أن تلك القضايا ليست من اختصاص مجلس الأمن، بل مؤسسات أخرى داخل الأمم المتحدة، وأن قضية التغير المناخي تتعلق بالدرجة الأولى بالتنمية المستدامة، وأن ارتباطها بالأمن والسلم الدوليين هو ارتباط عرضي لا أكثر إلى غاية 2019 أين بدأت منظمة الأمم المتحدة تولي أهمية لمسألة التغيرات المناخية.
الفرع الثاني: تأثير المهاجرون البيئيون على أمن واستقرار الدول
تؤثر الهجرة البيئية على سلم وأمن الدول من الجوانب التالية:
أولا) تصاعد الصراع الدولي على الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة: أشار بعض الخبراء إلى أن تزايد النشاط الاقتصادي العالمي وحدوث تغيّرات شاملة في المناخ، سيؤديان إلى استنزاف موارد المواد الخام الطبيعية والمائية والحيوية في العالم. كما أبدوا قلقهم غلى نحوٍ خاص من أوضاع أدت فيها الموارد الطبيعية والبيئية دورًا في إثارة نزاع أو إذكائه. وفي هذا السياق، أشار تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 2009 بعنوان “من النزاع إلى بناء السلام: دور الموارد الطبيعية والبيئية” إلى أن 18 نزاعًا عنيفًا على الأقل منذ 1990 تعلقت باستغلال موارد طبيعية، وأن 40 % على الأقل من جميع النزاعات داخل الدول في السنوات الأخيرة كان لها ارتباط بموارد طبيعية. بسبب الإفراط في استخدامها. من بين ذلك تفاقم الصراع حول النفط في السودان( [12]).
ثانيا) الصراع حول الموارد المائية
تؤكد المصادر العالمية للإحصاء أن الطلب على المياه يزداد سنويًا بمعدلات كبيرة وصلت أخيرًا إلى ثمانية أضعاف مقارنةً بأوائل القرن الماضي. وسيتضاعف هذا الرقم مرتين قبل حلول العام 2050، ما سيؤدي إلى اضطراب مائي في الدول الغنية والفقيرة بسبب التغيّرات المناخية في العديد من المناطق في الأرض، وقدّرت إحصاءات الأمم المتحدة أن الاحتياجات المائية العالمية ستفوق 9,0 مليار دولار في العقود القليلة المقبلة.
المطلب الثاني: الجهود الدولية لمواجهة الهجرة التغيرات المناخية المؤثرة البيئية
اعتمدت بعض الدول بعض الحلول العملية لمجابهة والتقليل من تأثير التغيرات المناخية على البيئة ضمن سياسات واستراتيجيات مجابهة التغيرات المناخية (الفرع الأول) واتفاقات دولية مهمة رغم طابعها غير الملزم (الفرع الثاني)
الفرع الأول: العمل على اعتماد استراتيجيات تكيف الهجرة البيئية والتغيرات المناخية بأهداف التنمية المستدامة
أولت جهود دولية متنوعة أهمية معتبرة لموضوع الهجرة البيئية وذلك من خلال العمل عل إيجاد حلول عملية للتخفيف من تأثير العوامل المناخية والكوارث الطبيعية على الهجرة البيئية، من هذه الحلول ارتأى البعض منها على التركيز على ضرورة العمل على اعتماد استراتيجيات تعمل على التكيف وهذه العوامل للتقليل من تأثيرها على هجرة الأفراد والجماعات وفي هذا السياق أعلن المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 1989 على أن التنمية المستدامة هي البديل الوحيد لتجنب الهجرة البيئية الواسعة النطاق، وأوصى مصرف التنمية الأسيوي في تقريره الصادر سنة 1990 على ضرورة تعزيز الخبرات البيئية في عملية صنع القرار لأجل استدامة متطلبات تحقيق الاحتياجات الإنسانية المتنوعة التي تؤدي إلى الهجرة ([13]) .
الفرع الثاني: اعتماد برامج الحد من ثأثير الكوارث الطبيعية
سلسلة من البرامج ضمن اتفاقات دولية متنوعة منها:
أولا) إطار سنداي للحد من الكوارث الطبيعية: إطار سنداي للحد من الكوارث الطبيعية 20155-2030 هو عبارة عن اتفاق غير ملزم، تم اعتماده في المؤتمر العالمي الثالث للأمم المتحدة المعني بالحد من مخاطر الكوارث الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 283/69. يرتكز اتفاق سنداي على سبع غايات عالمية وثلاثة عشرة مبدأ توجيهيا. وأربع أولويات للحد من المخاطر ومنع حلول مخاطر جديدة[14].
ثانيا) المنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث الطبيعية: لسنة 2022 تعتبره الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه مجال لقاء الحكومات والمنظومات وأصحاب المصلحة لتقييم التقدم المحقق في تنفيذ اتفاق سنداي للحد من الكوارث الطبيعية، ومناقشة التطورات الحاصلة في هذا المجال، وكذا تحديد النقائص وتقديم التوصيات.
الخاتمة:
لقد أصبحت ظاهرة التغيرات المناخية مسألة أمنية بالدرجة الأولى في ظل تزايد درجة تأثيرها على تنقل الأفراد واستقرارهم بين الدول بحثا عن مناطق أمنة بيئيا تتوفر على متطلبات العيش الكريم، وفي الوقت ذاته مصدرا مهما لإحداث التوتر والنزاع لدى الدول المستقبلة لهؤلاء الأفراد مما أصبح يستلزم ضرورة التأطير القانوني لهذه الظاهرة بإدراجها ضمن نصوص قانونية لحماية حقوق الأفراد في التنقل لأسباب بيئية وحماية أمن واستقرار الدول المستقبلة في ظل غياب نصوص صريحة في مسألة الهجرة البيئية، وعليه نستنتج أن:
- تنقل الأفراد لعوامل بيئية أصبح نوع من اللجوء.
- 2) اللجوء البيئي أصبح عامل مهدد لأمن واستقرار الدول
- 3) التغيرات المناخية أصبحت عامل مهدد لسلم وأمن الدول
وعليه نقترح التوصيات التالية:
التوصيات:
1) ضرورة إعادة النظر في اختصاصات مجلس الأمن في الفصل الخاص بحفظ السلم والأمن الدوليين وجعلها أكثر تكيفا مع المستجدات المعاصرة لاسيما موضوع التغيرات المناخية والهجرة البيئية التي أصبح لها تأثيرا مهما أمن واستقرار الدول.
2) ضرورة مراجعة نصوص القانون الدولي العام لاسيما اتفاقية جنيف حول اللاجئ لسنة 1951 وجعل هذه الاتفاقية أكثر استجابة والتغيرات البيئية وإدراج المهاجر البيئي ضمنها.
3) ضرورة اعتماد برامج بيئية للعمل على تخفيف آثار التغيرات المناخية على حياة الأفراد والمجتمع لضمان أمنهم واستقرارهم.
[1] ) محركات الهجرة وفق تقرير الأمم المتحدة للبيئة والأمن البشري (UNU-EH)
[2] ) أنظر الموقع : https://www.capmas.gov.eg/Pages/Disscution.aspx
[3] ) أنظر الموقع : https://ar.unesco.org/courier/2021-4/fy-lbyrw-tzyd
[4] ) سمير إبراهيم محمد : ” اللاجئ البيئي من منظور الأمن الإنساني ” أنظر الموقع file:///C:/Users/kpk/Desktop/ESALEXU_Volume%207_Issue%2013 ، ص 144.
[5] ) اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة للمفوضيين بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية ، في 28 جويلية 1951 ، بموجب القرار رقم ( 429( د -5 )
[6] ) سمير إبراهيم محمد ، المرجع السابق ذكره ، ص 147.
[7] ) بقلم مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية : ” اتجاهات الهجرة الأفريقية التي يجب مراقبتها في عام ٢٠٢٢ ، ٢١ يناير ٢٠٢٢ ، أنظر الموقع :
[8] ) أمل إسماعيل : ” الهجرة المناخية … المحركات والأسباب ” ، أنظر الموقع : https://ecss.com.eg/16920/
[9] ) أنظر في ذلك: مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية :” اتجاهات الهجرة الأفريقية التي يجب مراقبتها، يناير 2022، الموقع africacenter.org/ar/spotlight/ar-african-migration-trends-to-watch-in-2022/
[10] ) “الإطار القانوني الذي يحكم الهجرة البيئية –الهجرة البيئية بين الدواعي الإنسانية والتداعيات الأمنية في إفريقيا : إقليم دارفور نموذجا – ، أنظر الموقع https://democraticac.de/?p=44540 ، 15. مارس 2017 .
[11] ) نصير خلفه : ” انعكاسات التهديدات البيئية على السلم والأمن الدوليين – منطقة الساحل الإفريقي أنموذجا “، مجلة البحوث العلمية في التشريعات البيئية ، المجلد 11، العدد 1، 2021 ، ص 95.
[12] ) برتو حسن: ” من السودان إلى العراق ولبنان وفلسطين الآثار البيئية للحروب والنزاعات”، مجلة البيئة والتنمية، 2009، المجلد 14، العدد 131 ، ص 18.
[13] (Norman Myers,”Environmental refugees”, Population and Environment, vol 19, issue 02, 1997, p177
[14] ) أنظر حول الاتفاق الموقع الإلكتروني : ile:///C:/Users/kpk/Desktop/%D8%A7