الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية: قراءة في ظل المرسوم التنفيذي 21-145
Investing in strategic sectors: a reading under executive Decree 21-145
بن الصغير شهرزاد، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، الجزائر
BENSEGHIR Chahrzad, University Mohamed Lamine DEBAGHINE of Setif2, Algeria
مقال منشور في كتاب أعمال ملتقى التنويع الاقتصادي كآلية لخلق الثروة في الوطن العربي الصفحة 35.
الملخص:
تتلخص الدراسة، بدراسة الجوانب القانونية للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية في القانون الجزائري، وذلك بتسليط الضوء على مظاهر تكريس الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية في الجزائر، إلى جانب ضرورة إلقاء نظرة على القيود والعراقيل التي تواجه قاعدة الشراكة 51-49 في ظل القطاعات الاستراتيجية.
الكلمات المفتاحية: الاستثمار الأجنبي، القطاعات الاستراتيجية، القاعدة الشراكة 51-49.
Summary:
This study examines the legal aspects of investment in the strategic sectors in Algerian law. Indeed, this paper revolves around the manifestations in Algeria. Moreover, it looks at the constraints and obstacles facing the rule of partnership 51-49 in light of the strategic sectors.
Keywords: Foreign investment, strategic sectors, partnership rule 51-49.
مقدمة:
يعتبر الاستثمار أحد الوسائل المهمة لتحقيق التنمية والتنوع الاقتصادي للدول، إذ تساهم الاستثمارات وخاصة الأجنبية منها على تحقيق المعرفة والخبرة بالنسبة للدول المستضيفة لهذا الأخير.
لقد كرَس المشرع الجزائري حرية التجارة والاستثمار[1] في مختلف النصوص القانونية[2]، إلاَ أنَ تطبيق هذا المبدأ عرف انتهاكات كثيرة أفرغته من محتواه[3]، وأثَرت على مناخ الاستثمار في الجزائر، وهذا ما أدى إلى التذبذب والتباين في تطبيقه، بحيث تشكل قاعدة الشراكة الدنيا 51/49 تراجعا وقيدا على مبدأ حرية الاستثمار، بحيث اعتبرت تمييزا في حق المستثمر الأجنبي.
تنبع أهمية الدراسة من أهميَة الاستثمار بحدَ ذاته، وخاصة إذا تعلق الأمر بالقطاعات الاستراتيجية، ففي إطار تطبيق مساعي الدولة الجزائرية في تسهيل وتنويع فرص الاستثمار، صدر المرسوم التنفيذي 21 /145 يحدد قائمة النشاطات التي تكتسي طابعا استراتيجيا[4]، وذلك تطبيقا للمادة 50 من القانون 20 /07 المتعلق بقانون المالية التكميلي لسنة 2020[5]، حيث تم وضع قائمة لبعض نشاطات التي تكتسي طابعا استراتيجيا والتابعة لقطاعات الطاقة والمناجم والصناعات الصيدلانية والنقل[6]، بحيث تخضع لمشاركة المساهمين الوطنيين والمقيمين بنسبة تبلغ 51/، كما تكتسي طابعا استراتيجيا وتظل خاضعة لمشاركة المساهمين الوطنيين المقيمين الصناعات العسكرية المبادر بها أو المتعلقة بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري التابعة للقطاع الاقتصادي لوزارة الدفاع الوطني[7].
تهدف الدراسة، إلىمعالجة أبرز المسائل المرتبطة بموضوع الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، ومعرفة مدى مطابقة أحكامهما لما هو وارد في الواقع العملي، كما وتهدف، إلى محاولة الوصول إلى أفكار تساعدنا جدياً في الإلمام بالجوانب القانونية المتعلقة بالاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، وتطويرها والتَخفيف من القيود التي قد تقف عثرةً في طريق المستثمر الأجنبي.
كما تسعى هذه الدراسة في المساهمة في إثراء المكتبة الجزائرية، التي تشكو من ندرة المراجع التي تتناول موضوع القطاعات الاستراتيجية بمتفرعاته المختلفة.
من هنا، جاء هذا العمل لسدَ ثغرة، ولتوفير بعضاً من الجهد على المهتمين بمجال الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، فبالرَجوع إلى الدَراسات والأبحاث السَابقة والتي عالجت الموضوع، نجدها في معظمها مجرد دراسات جزئية لم تتناول كل الجوانب المتعلَقة بالبحث محلَ الدَراسة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نقص الدَراسات التي تهتمَ بالقطاعات الاستراتيجية، خاصة إذا تعلَق الأمر بالمرسوم التنفيذي 21- 145.
وعليه وتأسيسا على ما تقدم نتساءل عن مدى جديَة النهج الذي سلكه المشرَع الجزائري في تكريس الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية وما مدى مطابقة قاعدة الشراكة مع مبدأ حرية الاستثمار ؟
إنَ الإجابة على الإشكالية المطروحة، اقتضت إتباع المنهج التحليلي بتناول النصوص القانونية ذات العلاقة بالموضوع والسعي إلى تحليلها وإظهار الإشكالات التي تثيرها، وكذلك محاولة البحث عن الإجابة والحلول للعديد من المسائل والثغرات التي تكتنف الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، كما اعتمدت الدراسة إلى جانب المنهج التحليلي المنهج النقدي لإبراز أراء الباحثة.
وعليه وتأسيسا على ما تقدم، تم تقسيم البحث إلى مبحثين؛ يرتبط الأوَل بمظاهر تكريس الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، في حين يرتبط الثاني بدراسة القيود والعراقيل التي تواجه الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية وخاصة قطاع النقل البحري للبضائع.
المبحث الأول: مظاهر تكريس الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية في الجزائر
قبل الخوض في دراسة مظاهر الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية لا بدا أن نشير إلى أن الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية يخضع لقاعدة الشراكة الدنيا 49-51 والتي مرت بمرحلتين في الجزائر؛ بدء بتكريسها في كل من قانون المالية التكميلي 2009، وقانون ترقية الاستثمار رقم 16-09، وصولا إلى إلغاء هذه القاعدة مع الاستبقاء عليها في القطاعات الاستراتيجية ونشاط الاستيراد وذلك بموجب المادة 50[8] من قانون المالية 20-07، وما تجسد بصدور المرسوم التنفيذي 21-145.
وعليه، وتأسيسا على ما تقدم؛ سنتطرق إلى مظاهر النشاطات الاستراتيجية وفقا للمادة الأولى من المرسوم التنفيذي 21-145 (المطلب الأول)، ثم الانتقال إلى دراسة مظاهر النشاطات الاستراتيجية وفقا للمادة الثانية من المرسوم التنفيذي 21-145 (المطلب الثاني).
المطلب الأول: النشاطات الاستراتيجية وفقا للمادة الأولى من المرسوم التنفيذي 21-145
حدَدت المادة الأولى من المرسوم التنفيذي 21-145 مجموعة من النشاطات الاستراتيجية، والمتمثلة في كلَ من النشاطات التابعة لقطاعات الطاقة والمناجم والصناعات الصيدلانية (الفرع الأول)، إلى جانبنشاطات النقل (الفرع الثاني).
الفرع الأول: النشاطات التابعة لقطاعات الطاقة والمناجم والصناعات الصيدلانية
تضمن المرسوم التنفيذي 21-145، في مادته الأولى النشاطات الاستراتيجية التابعة إلى كلَ من قطاع الطاقة والمناجم (أولا)، إلى جانب الصناعات الصيدلانية (ثانيا).
أولا: النشاطات التابعة لقطاعات الطاقة والمناجم
لقد حدد المشرع الجزائري 17 نشاطا تابعا لقطاع الطاقة والمناجم والتي تعتبر من قبيل النشاطات الاستراتيجية والمتمثلة في كل من[9]؛ استخراج المحروقات السائلة والغازية، نقل المحروقات السائلة والمكثفة بواسطة القنوات، استخراج وتحضير معدن الحديد، استخراج وتحضير البوكسيت، استخراج وتحضير المعادن العادية غير الحديدية، استخراج وتحضير المعادن والأمزجة الحديدية، استخراج وتحضير المعادن الثمينة، استخراج وتحضير المعادن الحديدية المختلفة، استخراج وتحضير معادن الأورانيوم والمعدن الإشعاعية، استخراج وتحضير بوريطس الحديد وإنتاج الكبريت، استخراج وتحضير المواد المعدنية المختلفة، استخراج الفحم الحجري، استغلال مقالع حجر البناء وللبناء والصناعة، استخراج وتحضير منتجات المقلع المختلفة غير الموجهة لمواد البناء، استخراج وتحضير ملح البوتاسيوم، استخراج وتحضير الأملاح بما في ذلك السبخات المالحة بمعنى ملاحات، استخراج وتحضير الفوسفات.
ثانيا: النشاطات التابعة للصناعات الصيدلانية
لقد حدد المشرع الجزائري 8 ثماني نشاطات تابعة لقطاع الصناعة الصيدلانية والتي تعتبر من قبيل النشاطات الاستراتيجية والمتمثلة في كل من[10]؛ صناعة المواد الصيدلانية، وصناعة المستلزمات الطبية، وتجارة بالجملة للمواد الصيدلانية، والتوزيع بالجملة للمستلزمات الطبية، وشركة البحث التعاقدية، والمؤسسة الصيدلانية لاستغلال مقررات تسجيل المواد الصيدلانية، والمؤسسة الصيدلانية لاستغلال مقررات المصادقة على المستلزمات الطبية، وفي الأخير شركة الترقية والإعلام الطبي والعلمي حول المواد الصيدلانية.
الفرع الثاني: نشاطات النقل المصنفة كقطاعات استراتيجية
اعتبر المرسوم التنفيذي 21-145 نشاطات النقل من قبيل النشاطات الاستراتيجية، سواء تعلق الأمر بالنشاطات البحرية (أولا)، أو نشاطات النقل الجوي والبري(ثانيا).
أولا: النشاطات البحرية المصنفة كقطاعات استراتيجية
تعتبر النشاطات البحرية كنشاطات استراتيجية تتأكد الملكية الوطنية لها بنسبة 51 %على الأقل أو ما يعرف بالقاعدة 51 /49، بحيث أحصى الملحق المرفق بالمرسوم التنفيذي 21 /145 مجموع النشاطات التي تكتسي طابعا استراتيجيا وتخضع للقاعدة 51/49، حيث أحصى تسعة عشر 19 نشاطا استراتيجية يتعلق بمجال النقل، منها تسع 09 نشاطات بحرية تابعة لوزارة النقل، تتمثل في ما يلي[11] ؛نشاط النقل البحري للمسافرين، والنقل البحري للبضائع، ونشاط الملاحة الساحلية، ونشاط النقل البحري الحضري، ونشاط شحن وتفريغ البضائع، ونشاط مؤسسة خدمات الموانئ، ونشاط وكيل السفينة، ونشاط وكيل الحمولة، ونشاط السمسار البحري.
ثانيا: النشاطات الاستراتيجية التابعة لقطاع النقل الجوي والبري
لم يقتصر المرسوم التنفيذي على اعتبار النشاطات البحرية كنشاطات استراتيجية تابعة لقطاع النقل فقط، بل اعتبر كلَ من النشاطات التابعة لقطاع النقل البري والجوي من قبيل الاستراتيجية، والمتمثلة في كلَ من نقل المسافرين بواسطة السكك الحديدية، نقل البضائع بالسكك الحديدية، النقل الجوي للأشخاص، النقل الجوي للبضائع، الخدمات الجوية للنقل، الخدمات الجوية للفلاحة، تسيير الهياكل القاعدية للنقل البري، خدمات المطارات، استغلال خدمات الطيران الخفيف، الاستئجار والتأجير الجوي[12].
المطلب الثاني: النشاطات الاستراتيجية وفقا للمادة الثانية من المرسوم التنفيذي 21-145
لقد تضمنت المادة الثانية من المرسوم التنفيذي طائفة أخرى من النشاطات الاستراتيجية، والمتمثلة في الاستثمار في الصناعات العسكرية، بحيث بيَن المرسوم التنفيذي 21-145 على أنه تكتسي طابعا استراتيجيا وتظل خاضعة لمشاركة المساهمين الوطنيين المقيمين بنسبة تبلغ 51/° الصناعات العسكرية المبادر بها أو المتعلقة بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري التابعة للقطاع الاقتصادي لوزارة الدفاع الوطني[13]، دون أن يدرج ملحق يتضمن قائمة النشاطات العسكرية التي تكتسي طابعا استراتيجيا مثلما فعل في كل من القطاعات التابعة لقطاع الطاقة والمناجم والصناعات الصيدلانية والنقل.
المبحث الثاني: قطاع النقل البحري كقيد على قاعدة الشراكة 51-49 في القطاعات الاستراتيجية
إنَ الحديث عن القيود التي تواجه قاعدة الشراكة في قطاع النقل البحري والذي يعتبر كقطاع استراتيجي، لن يتأتى إلاَ من خلال توطئة تتضمَن بوادر ظهور الاستثمار في قطاع النقل البحري في الجزائر (المطلب الأول)، إلى جانب ضرورة التوقف عند هذه التحدَيات التي تعرفها قاعدة الشراكة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: بوادر ظهور الاستثمار في قطاع النقل البحري في الجزائر
لقد مرَ الاستثمار في قطاع النقل البحري بمرحلتين؛ مرحلة النفور من الاستثمار في مجال النقل البحري(الفرع الأول)، ثم تلته مرحلة تكريس هذا الأخير(الفرع الثاني).
الفرع الأول: مرحلة النفور من الاستثمار في مجال النقل البحري
تمتد هذه المرحلة من الاستقلال إلى غاية 1998، بحيث تمتاز تلك المرحلة باحتكار الدولة لنشاط النقل البحري للبضائع والذي يتم عن طريق الشركة الوطنية للملاحة البحرية، وهذا ما يتَضح من خلال نص المادة 571 من ق ب ج الصادر بموجب الأمر 76-80، المتضمن القانون البحري المعدَل والمتمَم. فلم يقم المشرع الجزائري بتعريف نشاط النقل البحري، بل اكتف بجعله حكراً على الدولة ولم يسمح للأشخاص الآخرين ممارسة هذا الأخير، بحيث تنص المادة 571 من ق ب ج على أنه” ينشأ احتكار الدولة على نشطات النقل البحري.. “.
لقد استحدثت الدولة الجزائرية مرفق النقل البحري منذ 1963 والذي أنشأ الشركة الوطنية للملاحة البحرية[14] والتي تعتبر خلفاً للشركات الفرنسية التي كانت تمارس هذا النشاط وأصبحت المؤسسة الوحيدة التي تقوم بشحن وتفريغ البضائع على مستوى الموانئ في الدولة الجزائرية.
لقد تم تعديل القانون الأساسي للشركة الوطنية للملاحة البحرية في سنة 1965 بحيث أصبحت تسمى ” شركة الوطنية للنقل البحري” وذلك بموجب المرسوم 65-86[15].
الفرع الثاني: تعديل القانون البحري في 1998: لبنة أولى لتأسيس فكرة الاستثمار في مجال النقل البحري
لقد تمَ تعديل القانون البحري بموجب القانون رقم 98-[16]05، بحيث عدَلت وتممت المادة 43 من القانون 98-05 المادة 571 من الأمر 76-80، يتضح من خلال المادة 571 بأن النقل البحري ملكية عامة ويمكن أن يكون موضوع امتياز، كما بينت المادة 571 مكرر1 ، الاشخاص التي يمكنها استعلال خدمات النقل البحري وهم؛ الاشخاص الطبعيون من جنسية جزائرية أو مؤسسات عمومية جزائرية أو اشخاص اعيارية خاضعة للقانون الجزائري ولهم صفة مجهزي السفن، ويوجد المركز الرئيسي لنشاطهم في القطر الجزائري.
بينت المادة 571 مكرر2 كيفية منح الامتياز[17] والذي يكون عن طريق دفتر شروط والكيفيات المحددة عن طريق التنظيم، كما وبيَنت بأنَ الأمتياز يفضي في جميعالحالات إلى دفع حقوق، وتطبيقا لنص المادة 571 مكرر 2 تم اصدار التنظيم الذي يحدد شروط وكيفيات استغلال خدمات النقل البحري، بحيث صدر:
–صدور المرسوم التنفيذي 2000-81 مؤرَخ في 9 أبريل 2000، يحدَد شروط استغلال خدمات النَقل البحريَ وكيفيَاته، ج ر ج ج عدد 21، الصادر في 12 أبريل 2000. والذي عدَل بموجب أحكام المرسوم التنفيذي 02-261، والذي الغي بموجب أحكام المرسوم التنفيذي 08-57.
– مرسوم تنفيذي رقم 02-261مؤرَخ في 17 أوت 2002، يعدَل ويتمَم المرسوم التنفيذي رقم 2000-81 المؤرَخ في 9 أبريل 2000 الذي يحدَد شروط استغلال خدمات النَقل البحري وكيفياته، ج ر ج ج عدد 56، الصادر في 18 أوت 2002.
– المرسوم التنفيذي 08-57، الذي يحدَد شروط منح امتياز استغلال خدمات النقل البحري وكيفياته، والذي قام بإلغاء المرسوم 2000-81، وذلك بموجب أحكام المادة 36 من المرسوم 08-57.
وعليه، يتَضح بأنَ استغلال خدمات النقل البحري يكون عن طريق امتياز، يمنح على أساس دفتر الشروط[18]، بحيث يمنح الامتياز لكل شخص طبيعي أو معنوي تتوفَر لديه قدرات النقل البحري الضرورية ويستوفى الشروط القانونية[19]، إلاَ أنَ الإشكال يثار بشأن قدرات النقل الضرورية، بحيث لم يبيَن المرسوم التنفيذي السالف الذكر المقصود ومقدار تلك القدرات الضرورية لممارسة نشاط النقل البحري.
المطلب الثاني: تحديات تطبيق قاعدة الشراكة الدنيا في مجال النقل البحري
إنَ الاستثمار في قطاع النقل البحري والخاضع لقاعدة الشراكة 51 /49، تواجهه عدة معوقات ترتبط أساسا بخصوصيات النقل البحري، وبما تتطلبه مقومات التوحيد الدولي لقواعد الأمن البحري والسلامة البحرية، إضافة إلى الأثر السلبي لمحدودية لاستثمار في قطاع النقل البحري بسبب عدم مواكبة التشريع الداخلي لتطورات التي يعرفها مجال النقل .
الفرع الأول: عدم مراعاة قاعدة 51 /49 لخصوصيات لاستثمار في مجال النقل البحري
إنَ استغلال خدمات النقل البحري وفقا للتشريع الجزائري، يتطلب ضرورةملكية المستثمر للسفينة، وتمتع المستثمر بصفة المجهز، ووجود المركز الرئيسي لنشاطهم في الجزائر، إلى جانب الحق المطلق للإدارة مانحة الامتياز في فسخ عقد لاستثمار[20]، وهذا ما يجعل هذا الأخير منحصرا على النقل البحري المنتظم، ويحرم المستثمر من إمكانية تفويض أو توكيل مهامه إلى أشخاص آخرين، إضافة إلى إعاقة عمليات تحويل أموال وعائدات الشركة.
وكان بإمكان المشرع أن يتفادى هذه الشروط التعسفية، كأن يضيف بند الاتفاق على الحجز على السفينة أو تقديم كفالة مالية لضمان حالات المطالبة بالوفاء والغرامة عن المخالفات القانونية، وإدراج تدخل القضاء أو التحكيم في حال فسخ عقد الامتياز[21].
الفرع الثاني: الأثر السلبي لمحدودية لاستثمار في قطاع النقل البحري
إن نجاح الاستثمار يرتكز على مبادئ أساسية متصلة بتحقيق أهداف المشاريع لاستثمارية، والمتمثلة في كلَ من مبدأ حرية لاستثمار ورفع القيود الإدارية المفروضة عليه، وضمان عدم اللجوء إلى التأميم، وحرية تحويل أصول وعائدات الأموال الناتجة عنه، إلى جانب تكريس والتحكيم الدولي في النزاعات المرتبطة به[22].
وعليه فالتكريس الدستوري لحرية الاستثمار في التشريع الجزائري ما هو إلاَ مجرد قاعدة تزيينية لم تغير من واقع الاستثمار في الجزائر، ولم يتم تسجيل أية مؤشرات ايجابية بشأن حجم الاستثمار الذي استقطبته الجزائر[23]، فقد كرَس حرية الاستثمار من جهة وقيَدها من جهة أخرى، وخاصة إذا تعلَق الأمر بالاستثمار في القطاعات الاستراتيجية.
الخاتمة:
ذهبت هذه الدراسة إلى واحدة من القضايا التي لا تقل أهمية عن مختلف الإشكالات التي تعتري الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية في الواقع، بحيث لامست هذه الدراسة مظاهر تكريس الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، إلى جانب إلقاء نظرة على العراقيل التي تحد من قاعدة الشراكة في ظل القطاعات الاستراتيجية في قطاع النقل البحري، وانتهت إلى مجموعة من النتائج يمكن إدراجها تباعا:
النتائج:
1- تعتبر قاعدة الشراكة الدنيا 51/49 من قبيل الأحكام التمييزية في مواجهة المستثمر الأجنبي، بحيث تشكل حاجزا وعائقا أمام تنمية الاستثمار في الجزائر بالرغم من تبرير تكريسها من أجل حماية السيادة الوطنية، بحيث تم تكريس هذه القاعدة بموجب قانون المالية التكميلي 2009، إلاَ أنها ألغيت بموجب قانون المالية التكميلي 2020 والاستبقاء عليها بالنسبة للقطاعات الاستراتيجية فقط.
2- إنَ الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية يقتصر على كل من؛ النشاطات التابعة لقطاع الطاقة والمناجم، والنشاطات التابعة للصناعات الصيدلانية، والنشاطات المتعلقة بقطاع النقل، إلى جانب الصناعات العسكرية المبادر بها أو المتعلقة بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري التابع لقطاع الاقتصادي لوزارة الدفاع.
3- تجسَد تكريس الاستثمار في مجال النقل البحري للبضائع بصدور النصوص التنظيمية المتعلقة بشروط وكيفيات استغلال خدمات النقل البحري، بداية بالمرسوم التنفيذي 2000-81، والذي ألغي بموجب أحكام المرسوم التنفيذي 08-57 الذي يحدَد شروط منح امتياز استغلال خدمات النقل البحري وكيفياته، فصدور المرسوم التنفيذي08-57 والذي يعتبر قفزة نوعية في التَكريس الفعلي للاستثمار في مجال النقل البحري، بحيث حدَد هذا الأخير شروط منح الامتياز كما ووضَح كيفياته.
4-إنَ الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية وتكريس قاعدة الشراكة الدنيا 51-49 تشكل عائقا أمام الاستثمار وخاصة إذا تعلق الأمر بالاستثمار في قطاع النقل البحري للبضائع، وبالتالي عدم مراعاة قاعدة 51 /49 لخصوصيات لاستثمار في مجال النقل البحري.
التوصيات:
– ضرورة إعادة النظر في الأحكام المتعلقة بالاستثمار في قطاع النقل البحري للبضائع، وإخراجه من دائرة النشاطات الاستراتيجية.
قائمة المراجع والمصادر:
– بلسبط سمية، عقد امتياز خدمات النقل البحري، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص، تخصص القانون البحري والنشاطات المينائية، جامعة وهران، 2013، ص 61.
أولا: المجلات والدوريات
1-المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، أوباية مليكة، حرية الاستثمار في القانون الجزائري: تكريس دستوري وتقييد تشريعي، المجلد 17، العدد1، 2022.
2-مجلة قانون النقل والنشاطات المينائية، غريبي عطاء الله، جاهزية الاستثمار البحري في قطاع النقل البحري طبقا لقاعدة 51/49، المجلد08، العدد 02، 2021.
3– المجلة الجزائرية القانون البحري والنقل، بن الصغير شهرزاد، واقع وحاضر استغلال خدمات النقل البحري في القانون الجزائري، المجلد 4، العدد1، 2017.
4- المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، أوباية مليكة، مكانة حرية الاستثمار في القانون الجزائري، المجلد 5، العدد2، 2010.
ثانيا: النصوص القانونية
[1] – الجزائر، مرسوم التشريعي رقم 93-13 مؤرخ في 5 أكتوبر 1993، المتعلق بترقية الاستثمار، ج ر ج ج عدد 64، صادر في 10 أكتوبر 1993 (الملغي).
2 – الجزائري، أمر رقم 01-03 مؤرخ في 20 أوت 2001، المتعلق بتطوير الاستثمار، ج ر ج ج عدد 47، صادر في 22 أوت 2001،
3-الجزائر، أمر رقم 09-01 مؤرخ في 17 فيفري 2009، يتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009، ج ر ج ج عدد 44، صادر في 26 جويلية 2009.
4- الجزائر، أمر رقم 10-01 مؤرخ في 26 أوت 2010، يتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2010، ج ر ج ج ج عدد 49، صادر في 29 أوت 2009.
5- الجزائر، قانون رقم 20-07، مؤرخ في 4 يونيو 2020، المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2020، ج ر ج ج عدد33، الصادر4 يونيو 2020.
6- الجزائر، مرسوم تنفيذي رقم 21-145 مؤرخ في 17 أبريل 2021، يحدَد قائمة النشاطات التي تكتسي طابعا استراتيجيا، ج ر ج ج عدد 30، الصادر في 22 أبريل 2021.
[1] – ينظر في ذلك: المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، أوباية مليكة، مكانة حرية الاستثمار في القانون الجزائري، المجلد 5، العدد2، 2010، ص 238 وما بعدها.
[2] – المادة الثالثة من المرسوم التشريعي 93-13 مؤرخ في 5 أكتوبر 1993، المتعلق بترقية الاستثمار، ج ر ج ج عدد 64، صادر في 10 أكتوبر 1993 (الملغي)؛ المادة 4 من الأمر رقم 01-03 مؤرخ في 20 أوت 2001، المتعلق بتطوير الاسثمار، ج ر ج ج عدد 47، صادر في 22 أوت 2001.
[3] – أمر رقم 09-01 مؤرخ في 17 فيفري 2009، يتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2009، ج ر ج ج عدد 44، صادر في 26 جويلية 2009؛ أمر رقم 10-01 مؤرخ في 26 أوت 2010، يتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2010، ج ر ج ج ج عدد 49، صادر في 29 أوت 2009.
[4] – مرسوم تنفيذي رقم 21-145 مؤرخ في 17 أفريل 2021، يحدَد قائمة النشاطات التي تكتسي طابعا استراتيجيا، ج ر ج ج عدد 30، الصادر في 22 أفريل 2021.
[5] – قانون رقم 20-07، مؤرخ في 4 يونيو 2020، المتضمن قانون المالية التكميلي لسنة 2020، ج ر ج ج عدد33، الصادر4 يونيو 2020.
[6] – وذلك طبقا لنص المادة الأولى من المرسوم التنفيذي 21-145، مرجع سابق.
[7] – المادة الثانية من المرسوم التنفيذي 21-145، مرجع سابق.
[8] – تنص المادة 50 من قانون المالية على أنَه: تكتسي الطابع الإستراتيجي، القطاعات الآتية:
-استغلال القطاع الوطني للمناجم، وكذا أي ثروة جوفية أوسطحية متعلقة بنشاط استخراج على السطح أو تحت الأرض، باستثناء محاجر المواد غير المعدنية،
-المنبع لقطاع الطاقة وأي نشاط آخر يخضع لقانون المحروقات، وكذا استغلال شبكة توزيع ونقل الطاقة الكهربائية بواسطة الأسلاك، والمحروقات الغازية أو السائلة بواسطة الأنابيب العلوية أو الجوفية.
-الصناعات المبادر بها أو المتعلقة بالصناعات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع الوطني،
-خطوط السكك الحديدية والموانئ والمطارات،
-الصناعات الصيدلانية، باستثناء الاستثمارات المرتبطة بتصنيع المنتجات الأساسية المبتكرة، ذات القيمة المضافة العالية، والتي تتطلب تكنولوجيا معقدة ومحمية، الموجهة للسوق المحلية والتصدير.
تحدد كيفيات تطبيق هذا التدبير، عند الاقتضاء، عن طريق التنظيم”.
[9] – ينظر في ذلك الملحق الثاني المتعلق بالنشاطات التابعة لقطاع الطاقة والمناجم، المرسوم التنفيذي 21-145، مرجع سابق، ص 11.
[10] – ينظر في ذلك الملحق الأول المتعلق بالنشاطات التابعة لقطاع الصناعات الصيدلانية، المرسوم التنفيذي 21-145، مرجع سابق، ص 11.
[11] – ينظر ينظر في ذلك الملحق الثالث المتعلق بالنشاطات التابعة لقطاع النقل، المرسوم التنفيذي 21-145، مرجع سابق، ص 12.
[12] – ينظر ينظر في ذلك الملحق الثالث المتعلق بالنشاطات التابعة لقطاع النقل، المرسوم التنفيذي 21-145، مرجع سابق، ص 12.
[13] – المادة 2 من المرسوم 21-145، مرجع سابق.
[14] – لقد قامت الدولة الجزائرية باستحداث مرفق النقل البحري بموجب المرسوم رقم 63/489 المؤرخ في 31/12/1963 المتضمن إنشاء الشركة الوطنية للملاحة البحرية، ج ر عدد 6.
[15] – المرسوم رقم 65-86 مؤرخ في 24/03/1965 المتضمن تعديل القانون الأساسي للشركة الوطنية للملاحة البحرية، ج ر ج ج عدد 30.
[16] – المؤرَخ في 25/06/1998، ج ر ج ج عدد 47، الصادر في 1998/06/27.
[17] – كانت الامتيازات في البداية عبارة عن الأملاك ثم تطورت وتحولت من امتيازات ملكية عامة إلى امتيازات لأشغال عامة ، والتي تطورت بدورها إلى ما يسمى بامتياز المرفق العام. ينظر في ذلك:
بلسبط سمية،عقد امتياز خدمات النقل البحري، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص، تخصص القانون البحري والنشاطات المينائية، جامعة وهران، 2013، ص 61.
[18] – المادة 3 من المرسوم التنفيذي 08-57، الذي يحدَد شروط منح امتياز استغلال خدمات النقل البحري وكيفياته، مرجع سابق.
[19] – الفقرة الأولى من المادة الرابعة من المرسوم التنفيذي 08-57، الذي يحدَد شروط منح امتياز استغلال خدمات النقل البحري وكيفياته، مرجع سابق.
[20] – المجلة الجزائرية القانون البحري والنقل، بن الصغير شهرزاد، واقع وحاضر استغلال خدمات النقل البحري في القانون الجزائري، المجلد 4، العدد1، 2017، ص 91 وما بعدها.
[21] – مجلة قانون النقل والنشاطات المينائية، غريبي عطاء الله ، جاهزية الاستثمار البحري في قطاع النقل البحري طبقا لقاعدة 51/49، المجلد08،العدد 02، 2021، ص 77.
[22] – مجلة قانون النقل والنشاطات المينائية، غريبي عطاء الله ، جاهزية الاستثمار البحري في قطاع النقل البحري طبقا لقاعدة 51/49 ، المجلد08،العدد 02، 2021، ص 78.
[23] – المجلة النقدية للقانون والعلوم السياسية، أوباية مليكة، حرية الاستثمار في القانون الجزائري: تكريس دستوري وتقييد تشريعي، المجلد 17، عدد1، 2022، ص 358.