الباي حسين بن علي ورجال القلم، بين التّشريع المذهبيّ والتّوظيف السّياسيّ لبناء الدّولة
Bey H’usayn Bin Ali and the men of the pen, between doctrinal legislation and political exploitation to build the state
د. صدق السلامي/مركز الدّراسات الإسلاميّة، القيروان، جامعة الزّيتونة، تونس
Dr. Sidk Sallami, islamic studies centre of Kairaoun, ezzitouna university, Tunisia
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 96 الصفحة 47.
ملخّص:
استقطب الباي حسين بن علي مؤسّس الدّولة الحسينيّة في مجلسه “رجال القلم”، وتميّزوا بتنوّع أصولهم ومذاهبهم واهتماماتهم فمنهم الفقيه والمفتي والقاضي والمدرّس والكاتب والمتصوّف، فتعدّدت الكتابات الّتي تمجّد مآثر الباي وتخلّد ذكره وفاقت ما خصّص لخلفه: الأبناء والأحفاد، وهذه الكتابات تشمل السّير والتّراجم ونصوصا فقهيّة وأخرى تجمع التّاريخ والسّياسة الشّرعيّة وأدبيّات السّجال، وبالنّظر في هذه النّصوص ودواعي تأليفها يتجلّى موقع المؤلّف لتبرير فعل سياسيّ أو قرار تنظيميّ أو الدّعاية أو إعلان الولاء، ممّا يدعونا إلى البحث عن الصّلة بين التّاريخ والخطاب وآليّاته القائمة على الانتخاب والانتقاء والتّوظيف وأبعاده لتأسيس كيان سياسيّ له اختياراته.
الكلمات المفتاحية : حسين بن علي باي، رجال القلم، متصوّف، حنفيّ، مالكيّ، كورغلي، سياسة شرعيّة، خطاب.
Abstract:
The Bey H’usayn Bin Ali, the founder of the Husayni state, attracted the “Men of the Pen” to his council. They were distinguished by the diversity of their origins, sects, and interests, including the jurist, the mufti, the judge, the teacher, the writer and the mystic. There were numerous writings that glorified the exploits of the Bey and immortalized his memory, and surpassed others from his successors: sons and grandsons. These writings include biographies, translations, jurisprudential texts, and others that combine history, legitimate policy, and the basics of argumentation. By looking at these texts and the reasons for writing them, the author’s position becomes clear to justify a political act, an organizational decision, a propaganda, or a declaration of allegiance. This invites us to search for the link between history and discourse, its mechanisms based on election, selection and exploitation, and its dimensions to establish a political entity that has its own choices.
Keywords: H’usayn Bin Ali Bey, Men of the Pen, Sufi, Hanafi, Maliki, Sharia Politics, Discourse.
مقدّمة:
يتناول المهتمّون بالشّأن السّياسيّ في وصله بالخطاب الدّينيّ آليّات التّوظيف والاستثمار والتّطويع بين: السّياسة والدّين، فقد عرفت التّجارب السّياسيّة، ومنها تلك الّتي بسطت نفوذها في الأقطار العربيّة والإسلاميّة، استمالة الفقهاء والمفتين تشريعا لسطوة عسكريّة وهيمنة سياسيّة، ليعود الفاعلون الدّينيّون أداة استقواء لمن يملك زمام الشّأن السّياسيّ تحقيقا لسُبُل الهيمنة على جُلّ المجالات، ومن نافل القول الإشارة إلى تعدّد الكتابات السُّلطانيّة وأدب نصائح الملوك وكلّ ما يتّصل بالسّياسة الشّرعيّة أو المدحيّات، لأنّ الكتابة تُصاغ في سياق عرض وطلب، ويعدّ الباي حسين بن علي (حكم 1705-1735 وقتل 1740م) مُؤسّس الدّولة الحُسينيّة بتونس أبرز البايات الّذين عرف عهدهم كتابات تاريخيّة أو فقهيّة بطلب منه، وهي حاليّا بين محقّق ونصوص مخطوطة، ولا يمثّل الأمر مجرّد مُصادفة فالكتابة فعل قصديّ لا تصدر من فراغ خاصّة إذا دقّقنا النّظر في دواعي تأليفها وتنوّعها واختلاف سنوات تَحْبيرها، ويشمل التّنوّع مباحث تلك المؤلّفات من التّاريخ والتّراجم والرّسائل والتّصوف والرّدود والفقه الحنفيّ والسّياسة الشّرعيّة وتنظيم التّربية والتّعليم، وكان التنوُّع بالنّظر إلى أصحابها ظاهرا فهُمْ يمثّلون شرائح مهمّة من أهل تونس على اختلاف انتماءاتهم المذهبيّة والاثنيّة والجغرافيّة: بين المالكيّ والحنفيّ ومن ذوي الأصول التّركيّة والمماليك والكوروغليّة والمحليّة والأندلسيّة ومن البَلدِيّة والآفاقِيِّين.
فكيف كانت مظاهر توظيف الفقه والشّرعيّات سياسيّا؟ وما هي آليّات استثمار التنوّع المذهبيّ؟ وما هي دلالة استقطاب مجلس الباي لاختلافات رجال القلم من حيث أُصولهم وانتماءاتهم في مسار بناء الدّولة؟
1-أقلام متعدّدة في بلاط حسين بن عليّ واحتواء النّماذج المعرفيّة:
تولّى حسين بن عليّ باي سُدّة الحكم بعد التغلّب على إبراهيم الشّريف ودحر الدّاي محمد الأصفر[1]، وهو ابن علي تركي الانكشاريّ، الّذي قدم تونس وعمل تحت إمرة المراديّين، أصله من جزيرة كريت اليونانيّة وعُيِّن قائدا للحامية العسكريّة بالكاف وتزوّج بامرأة من قبيلة شارن أنجبت له ابنه حسين سنة 1675 م، ولذا يعدّ حسين بن عليّ كوروغليّا لنشأته في كنف أخواله وازدواج أصوله، وفي العاصمة شغل عدّة خطط عهد الدّولة المراديّة حتى بلغ رتبة خزنه دار في عهد محمد باي بن مراد الثّاني وآغة صبايحيّة التّرك في عهد رمضان باي، ورفعه مراد الثّالث إلى كاهية بدار الباشا وولاية دار الجلد لثقته به، وعيّنه إبراهيم الشريف آغا صبايحيّة التّرك، بعد اعتلاء العرش شهدت فترة حكمه أحداثا كثيرة منها حروبه مع الجزائر وعلاقاته مع الدّول الأوربيّة وتنظيمات التّعليم بجامع الزّيتونة وبناء المدارس وتنظيم القضاء، لم يرزق حسين بن عليّ بأبناء ذكور فعهد بولاية العهد لابن أخيه عليّ بن محمّد باشا، ثمّ رزق الباي تباعا بأربعة ذكور من جارية جِنويزيّة ممّا حدا به إلى سحب ولاية العهد تلك، وليتولاّها نجله البكر محمد الرّشيد باي، أحداث كثيرة شهدتها فترة حكمه الّتي انتهت بالفتنة الباشيّة من 1735 إلى 1740، وانقسمت البلاد إلى صفّين: باشيّ وحسينيّ، وكانت القيروان قاعدة لما بقي من نفوذه لتنتهيَ بقتله وهروب أبنائه إلى الجزائر، وفي خضمّ هذه الأحداث الممتدّة جمع حسين بن عليّ في بلاطه وفي حلّه وترحاله عددا من المقرّبين.
هذا التّقليد يُسايِر سُنّة ثقافيّة فقد احتفى بلاط الدّايات والبايات بالفاعلين الدّينييّن ومنهم “رجال القلم” أي العلم مقابل “رجال السّيف”، وإنّ المادّة المصدريّة تُؤكّد حضورهم في القصور والبلاطات، فعرفوا التّنكيل زمن مراد الثّالث الملقّب بمراد بوبالة سفّاك الدّماء، وكانوا في حاشية حسين بن علي وابن أخيه علي باشا (1735-1756) الملقّب بالأمير العالم[2]، وقد أشار منصف التّائب أنّ هذا الحضور منمّط، يحاول أن يتشبّه ببلاطات العظماء من الأمراء، ولا يعنينا في هذا السّياق البحث في مظاهر التّجديد قدر ما يعنينا الوصل بين الشّأن الدّينيّ والخطاب السّياسيّ وآليّات التّوظيف، هذا البلاط تواترت فيه أسماء لرجال القلم واستقطب جلّ أعلام عصره[3] فمنهم يوسف برتقيز الحنفيّ المعروف بالإمام وأحمد برناز الحنفيّ وحسين خوجة الحنفيّ ومحمد سعادة المنستيريّ المالكي والوزير السرّاج الأندلسيّ المالكيّ، ولهؤلاء جميعا كتابات اقترنت بحكم الباي حسين بن عليّ فتبارت الأقلام في سرد مآثره، ولذا سنقرأ المِنن على مختصر القدوري والشُّهب المُخْرقة وذيل بشائر الإيمان وقُرّة العين والحُلل السُّندُسِيّة[4]، فهي جميعها كتابات في إشهار صاحب السُّلطة ومدحه، ومن الفاعلين أسماء لم تخلّف كتابات منهم القاضي عليّ شعيب والصّغيّر داود النّابلي[5] وعاشور عيّاط ومحمّد زيتونة… فضلا عن مدرّسين عيّنهم الباي في جامع الزّيتونة والمدارس والجوامع حتّى بلغ عدد المدرّسين أكثر من أربعين بالزّيتونة بعد ترتيب التّعليم[6]، وتنظيم الجرايات والرّواتب، وكان للباي صلة بآخرين في كبريات المدن ففي القيروان كان له أنصار ولذا اتّخذ المدينة قاعدة لحكمه في الفتنة الباشيّة، وفي صفاقس ارتبطت المدرسة الحسينيّة بالشّيخ محمد الشّرفي المؤدّب، واهتمّ حسين باي بعدد من الزّوايا والمدارس منها المدرسة الجمنيّة بجربة… هذا التنوّع في أصول الفاعلين الدّينيّين مذهبيّا واثنيّا ومعرفيّا يُبِين عن تعامل نفعيّ “ميكيافيليّ” مع هؤلاء لاستثمار ما يُتيحه اختلافهم من خيارات وآراء وأحكام ولثقلهم الرّمزيّ اجتماعيّا وثقافيّا.
اتّخذ حسين بن علي له ندماء يمثّلون لفيفا من رجال القلم يستشيرهم ويتخّذهم مسامرين ووسيطا في الحروب وأثناء الفتنة الباشيّة، فيستفتيهم[7]، والظّاهر أنّ حسين باي كان على وعي بالدّور الخطير الّذي يضطلع به العلماء والشّيوخ والأولياء، فحرص على زيارة الأضرحة والمقامات والمزارات[8]، ونلاحظ أنّ الفاعلين كانوا محلّ أخذ وجذب، عيّن الباي لابن أخيه علي باشا مدرّسين واعتنى بتربيته وأحضر لتعليمه من العلماء أوّلا الشّيخ محمد التّونسيّ فتهذّب به، ثمّ الشّيخ محمد الخضراوي للإقراء والمجالسة، يبدو هذا الخبر في ظاهره عاديّا العمّ يعدّ ابن أخيه لولاية العهد فيحضر له المدرّسين والمعلّمين ويسهر على تربيته وتكوينه، ولكن بالنّظر في نصّ “المشرع الملكي” نتبيّن تفاصيل مهمّة، فمحمّد التّونسيّ شيخ علي باشا الأوّل اتّصف بسمات لم تعرف عند غيره، حتّى “قيل في حقّ هذا الرّجل أنّه فيلسوف زمانه، وحكيم وقته فائزا بالعلم على أقرانه (…)”[9]، فسعى أصحاب حسين باي ينبّهونه “ومن هذا جليس السّوء ردّ بالك، السّاعي في تعطيل سلطانك”[10]، فعمد إلى نفي الشّيخ التّونسيّ لأنّه يُذكِي جذوة تلميذه وعوّضه بالشّيخ محمد الخضراويّ لتمتّعه بمُواصفات حدّدها الباي مسبقا “قال الباي حسين لبعض خواص خواصّه: هل تعلم في مدينة تونس عالما فاضلا جامعا للمعقول والمنقول، مشتغلا بعلمه، شَرِها للمأكول والمشروب؟”[11]، إلاّ أنّ الأخبار الّتي نقلها الصغيّر بن يوسف تؤكّد دون أدنى ريب وعي الشّيخ الخضراوي بانخرام الأوضاع وتقلّب الأحوال وتدخّل الأجانب في نظام الحكم عند الباي حسين[12]، أعلنت نصوص التّاريخ عن هذا الخطر المحدق الّذي سكتت عنه نصوص الفقه لسبب أو لآخر[13].
وفي المقابل أمر علي باشا بسجن يوسف برتقيز وقتله في صفر عام 1148هـ/1735م، وقتل القاضي عليّ شعيب في ذات السّنة، فمع الفتنة الباشيّة كان مآل الحاشية المقرّبة من الباي حسين أحد أمرين فإمّا التّنكيل سجنا أو نفيا أو قتلا وإمّا الاحتواء وإعلان الولاء.
وأحاط علي باشا نفسه بالخاصّة من رجال القلم، وقرّظ أغلبهم شرحه “للتّسهيل”، وهو كتاب في النّحو، ضُمّت التّقاريظ في كتاب العياضي الباجي “مفاتح النصر في التعريف بعلماء”[14]، وحرّر مقدّمة الكتاب الشّيخ محمد الخضراوي ومن جملة المقرّظين محمّد سعادة المنستيريّ الّذي أفنى جهده في سابق الأيّام بقمع ذي المَيْن بنشر فضائل الملك حسين، وهو مثال لأحد الفاعلين الّذين احتواهم علي باشا واستطاع تحويل وجهة قلمه من دعاية للحسينيّين إلى تمجيد الباشا الّذي اشتهر “باعتناء زائد في جمع الكتب، وأخرى في علم الأدب واللّغة، وله شغف وميل إلى كتب القاموس وما يجيء من العلوم النّفوس”[15]، فالظّاهر أنّ العمّ وابن أخيه يوجّهان جهودهما وجهة تخدم العلم وأهله، كلاهما يبني المدارس ويشجّع خاصّته من العلماء، فهما يجسّدان عُنفا رمزيّا يسيّر قياد المؤسّسات التّعليمية، ومن أبرز الفاعلين في مجلس حسين بن عليّ شخصيّات مثّلت سلطة في حدّ ذاتها هي سلطة المعرفيّ والقلم، وأرباب التصوّف، فالقاضي عليّ شعيب المالكيّ أحد المقرّبين من حسين بن عليّ في مجلسه[16]، وصاحب مشورة خسره الباي أثناء الفتنة الباشيّة[17]، وكان محلّ سرّ الباي وموضع ثقته، فيرسله لاستقصاء أخبار العدوّ وهو في محلّته بالقيروان[18]، ويضرب القاضي شعيب الأمثال ليعظ حسين بن عليّ وينصحه لمحاربة ابن أخيه “فقال الباي حسين للقاضي عليّ شعيب: قد فهمت ضرب أمثالك، وإنّي نصنع هذا السّلطان بهذا القايم ونرسل أنا أحدا ممّن نثق به ونعلمه شجاعا (…)”[19].
أمّا الشّيخ المتصوّف عاشور العيّاط الّذي نطالع مناقبه في نصّ المشرع الملكيّ، فهو يُسامر الباي حسين فينصحه ويطلب منه الباي أن يساعده على سداد أُجور العسكر بتحويل العقاقير إلى سلطانيّ من الفضّة، ومهما كانت صحّة الحكاية وإغراقها في العجيب وانبناؤُها على الأسطوريّ المفارق، فإنّ الشّيخ عاشور العيّاط ينصح ويعظ، ويتنبّأ بقطع رأس الباي، إنّ التّعلّق بأصحاب الجذب والكرامات والانخراط في تجربتهم وسلوكهم يعلن عن تجذّر الحضور الطّرقي وانصهاره مع سلطة المخزن، فالمتصوّف يمدّ الباي بسلطة روحيّة ومعنويّة والباي بدوره يحتضن الشّيخ في مجلسه ولا يستغني عنه، وخلاصة الأمر حول منزلة المتصوّفة أحياء وأمواتا أنّ تموقعهم يكمن في تلك الإرادة الكامنة لتبنّي عقليّة تجعل للأولياء هذه المركزيّة في الأذهان، ليمثّلوا سلطة معرفيّة رمزيّة. ما كانت لتتأتّى دون إرادة الطّاعة الّتي تشمل مصلحة خارجيّة أو داخليّة في الطّاعة حسب عبارة ماكس فيبر[20].
ومثّل يوسف برتقيز الحنفيّ وأحمد برناز الحنفيّ ومحمّد سعادة المالكيّ وحسين خوجة والوزير السرّاج عددا من رجال القلم المحيطين بالباي حسين بن عليّ ممّن خلّفوا مؤلّفات في عهده، منها ما نطق لسان القلم بصلة ولاء مع الباي، فما هي الوظائف التي اضطلعوا بها؟ وكيف ساهم كلّ من موقعه في دعم سلطة الباي؟ ما هي دلالات الجمع بين المفاتي على اختلاف مذاهبهم؟ كيف تمّ توظيف الخطاب الدّينيّ لدعم الشّأن السّياسيّ؟
2- يوسف برتقيز والتّأليف الموسوعيّ في الفقه الحنفيّ: مفتي صاحب كرسيّ باردو:
من نافل القول التّذكير بنبذة من سيرته، فيوسف برتقيز[21] المعروف بالإمام الزغوانيّ فالباجيّ (1092هـ – 1148هـ / 1681م – 1735م)[22]، كان مقرّبا من حسين بن علي ولازمه في قصره وقرأ عليه الحديث، وحجّ عنه، فقد أوكلت للشّيخ وظيفة مهمّة تتّصل بتربية أبناء الباي، وتنقل المصادر مناظرات وحوارات ومجادلات بين الإمام وشيوخ في القصر، غير أنّ الغلبة تكون لصالح الإمام الّذي يفحم الخصوم[23]، وليس يعنينا محتوى تلك المجادلات والنّقاشات في حدّ ذاتها إنّما يعنينا ما سنّته سلطة المخزن من سنن ثقافيّة، فحسين باي بات قدوة أخلافه في استمالة الحاشية المقرّبة من العلماء، يورد منصف التّائب القاسم المشترك بين الشّيخ الإمام برتقيز مع داود النّابلي والقاضي شعيب الباجي في “عدم ارتباطهم بمركز القُوى الّذي كان يمثّله علماء العاصمة بحُكم أُصولهم الآفاقيّة”[24].
وصلنا مخطوطان من تحبير الإمام يوسف برتقيز وهما أرجوزة ومؤلّف ضخم، ونظرا لصلة برتقيز بالباي حسين بن عليّ نشير إليهما، أوّلهما أرجوزة “هداية الصّبيان”[25] تعرّف قواعد الإسلام وفق المذهب الحنفيّ قسّمت إلى كتابين: الطّهارة والصّلاة إضافة إلى المقدّمة حول الإيمان وقسّم كلّ كتاب إلى مباحث فرعيّة. وهذه الأرجوزة تعليميّة، تحاول تبسيط القواعد الفقهيّة وتسهّل حفظها على الولدان، ومن المعلوم أنّ الشّيخ برتقيز كان مؤدّبا لأبناء الباي، ولئن لم يقم النّاظم بتحرير شرح للأرجوزة أو إملائه، فإنّ أحد أحفاده قد تولّى هذه المهمّة وهو محمود بن أحمد بن يوسف برتقيز الزغواني[26]، واعتمد الحفيد الشّارح على ما ورد في عمل آخر لجدّه وهو “المنن” إذ أشار إليه مرارا في ثنايا شرحه.
و”المنن على مختصر القدوري أبي الحسن”[27] مصدر هامّ للمؤلّف وهو شرح لمختصر القدوري المعدود من مجتهدي الطّبقة الخامسة، ويبدو أنّ معاصريه قد أولوا هذا الكتاب أهميّة كبرى لكونه معدودا من النّصوص الأوائل في الفقه الحنفيّ بتونس[28]، صرّح برتقيز بمصادر عمله الحنفيّة [29] في التّصدير[30]، وأبان عن تعلّق بهذه المصنّفات وكَلَفٍ بمعانيها ومتونها فهي توصل إلى برّ الأمان وهي الرّجاء والسّاحل والنّور والهداية والبداية، لقد بدا هذا النّصّ الفقهيّ جامعا بين شواهد لمقتطعات نصيّة كثيرة يعود أغلبها إلى أمّهات النّصوص الحنفيّة من المتأخّرين مثل المبسوط للسّرخسي والبدائع للكاساني والهداية للمرغياني، والكتب المعروفة بالمتون الأربعة وهي الوقاية مختصر الهداية لتاج الشّريعة والمختار وشرحه الاختيار للموصلي ومجمع البحرين لابن السّاعاتي وكنز الدّقائق أو الكنز للنّسفي، كما اعتمد أشهر الشّروح الحنفيّة خاصة شروح الكنز مثل تبيين الحقائق للزّيلعي والبحر الرّائق لابن نُجيم، وضمّ المنن مختارات من الفتاوى الخانيّة لقاضي خان والفتاوى الهنديّة، والفتاوى البزازيّة لابن البزّاز والفتاوى الخيريّة لخير الدّين الرّملي، دون أن ننسى كتب المتأخّرين: جامع الفصول ودُرر الحُكّام ومُلتقى الأبحر وشرحه مجمع الأنهر.
إنّها جميعها مصنّفات في الفقه الحنفيّ دون غيره، وأغلبها من النّصوص الّتي تعلّمها الإمام بين تونس ومصر وبلاد الحرمين[31]، فهل من صلة بين الاكتفاء بالمذهب الحنفيّ وغاية سياسيّة تتمثّل في طلب حسين بن علي تأليف كتاب جامع فوفّر للشّيخ عددا من الكتب الحنفيّة في مكتبته؟ وهل أنّ طلب سلطة المخزن تأليف كتاب في الفقه الحنفيّ جعل يوسف برتقيز يُقصي مصنّفات المذاهب وخاصّة المالكيّة؟ نقل الصغيّر بن يوسف نصّا طريفا يصف طريقة الشّيخ الإمام في التّصنيف، فقد طلب الإمام من نجّار “أن تصنع لي مثل هذا المثال، وكان قد صوّره من الشّمع حتّى أتمّه على هيئة الميدة المدوّرة، وفي أسفلها مركز تدور عليه تلك الميدة، وقدر دورها يرفع من الكتب المنشورة ما يقرب من عشر أو أكثر من الكتب مدوّرة مع دور المائدة، وجعل لهذه المائدة من فوق قبّة بهيئة عجيبة، كاملة العجب غريبة، ووصل الفوقاني بالأسفل بأذرعة عيدان نازلين من فوق إلى طرف المائدة، وبينهم وبين طرف المائدة فروج كالأبواب في شكل غريب وترتيب عجيب، والكتب منشورة عليها وهي بين يدي الحاج يوسف، فإذا احتاج إلى شرح مسألة وهي في بعض تلك الكتب المنشورة، دوّرها بيده حتّى يأتيه ذلك الكتاب من غير رفع ولا مشقّة في تفتيش الكتب وما فيها”[32]، ولعلّ نصّ الصغيّر بن يوسف فسّر ما لاح لنا في ثنايا نصّ المنن من تقطّعات في الجمل وبتر لعناصرها، هل يعود ذلك إلى أنّ نصّ المنن بخطّ برتقيز كان مسوّدة[33] لم تتح له الفتنة الباشيّة الوقت لتبييضه؟ فقد أشار الصغيّر بن يوسف أنّ يوسف برتقيز أكمل المنن في أربعة مجلّدات، وقد رأى مسوّدة الكتاب، فما كاد يفرغ منه حتّى اندلعت الفتنة الباشيّة فسجن وقتل 1735 م، والطّريف أنّ تلاميذ الإمام المفتي حين استعادوا عرش أبيهم استعادوا رمزيّا ذكرى معلّمهم، فقد أمر علي باي بن حسين بن عليّ النسّاخ بنَسْخ المنن على القدوريّ، وهو ما طالعناه في حرد متن نسخة من نسخ هذا المخطوط، وطالعنا في الكتاب الباشي أخبارا عن مسامرات في مجلس الباي متقدّم الذّكر تؤثّث بقراءة نصوص من المنن، كما يذكر أنّ أحد طلبة تونس من الحنفيّة قام بتبييضه بعد وفاة يوسف برتقيز.
إنّ النصّ الّذي يقدّمه الصغيّر بن يوسف مهمّ من جهات متعدّدة، فهو من ناحية يُفصح دون مُواربة عن صلة بين التّأليف وطلب رسميّ من صاحب المخزن، وهذا التّحالف وفّر المناخ الملائم للعمل وظروفه وأدواته ومراجعه وتنظيمها بطريقة تسهّل الأخذ منها، ويفيدنا النصّ بطريقة غير مباشر حول حاجة السّلطة إلى كتاب مرجعيّ في المذهب الرّسميّ للبايات يسدّ ثَلْمة، فالمنن على القدوري يعدّ أوّل مصنّف موسوعيّ حنفيّ بتونس.
وإذا كان يوسف برتقيز صوت السّلطة الرّسميّ والإمام والمفتي، فإنّ أحمد برناز الحنفيّ يمثّل القلم الجامع بين المذهبين المالكيّ والحنفيّ ووسيطا بين الكوروغليّة والأتراك والمحليّين، في حين يمثّل محمد سعادة المنستيريّ المالكيّ مذهبا، لسان قلم الآفاقيّين وصوتهم في صدام مع بَلْديّة تونس.
3-أحمد برناز الحنفيّ ومحمد سعادة المالكيّ: تبرير تنظيمات الباي ومواقفه:
خلّف علمان بارزان من رجال القلم في عهد حسين بن عليّ مؤلّفين مهمّين يندرجان في سياق جدل وصراع بين الفاعلين ويكشفان عن خيارات يحرّكها دافع سياسيّ: وهما محمد سعادة المنستيريّ المالكيّ وأحمد بن مصطفى برناز الحنفيّ، ويمثّل أحمد برناز صوت الكوروغليّة وناطقا بلسان الباي أمام التّمييز الاثنيّ والمذهبيّ، وهو من أصل تركيّ (1074هـ/ 1664م – 1118هـ/ 1726م)[34]، وفد جدّه الأعلى مع الجيش الانكشاريّ عند حلول سنان باشا، وخلّف أحمد برناز من جملة مخلّفاته مخطوطا موسوما بـ “إعلام الأعيان بتخفيفات الشّرع عن العبيد والصّبيان“[35] وهو كتاب فقهيّ يدعو في أسطره الأولى إلى نقض واقع التّعليم، فقد غُبن الصّبيان حقوقهم الشّرعيّة حين “تجاوز المعلّمون الحدّ في ضرب الصّبيان”[36]، إنّ مقاصد التّأليف وإن كانت تنطلق من الفقه لبيان أوجه التّربية وأحكامها الشّرعيّة فإنّ ذلك لا ينفي تقاطعه مع الجانب الاجتماعيّ والسياسيّ ممّا يقرأ بين السّطور، وما يهمّنا في هذا السّياق أنّ المخطوط ألّف سنة 1131 ه/ 1719م، وهي سنة نسخ النّسخ الثّلاث المحفوظة بدار الكتب الوطنيّة بتونس دون النّسخة الأمّ الّتي لا نعرف مصيرها، فهل لتأليف إعلام الأعيان صلة بالتّنظيمات الّتي أقرّها حسين بن علي باي؟
أمّا كتاب برناز الثّاني “الشّهب المخرقة لمن ادّعى الاجتهاد لولا انقطاعه من أهل المخرقة” فهو يفتتح بالرّدّ على الخصم الّذي اُدّعى انقطاع الاجتهاد في العصر وتعمّد برناز ألاّ يفصح عن اسمه[37]، والكتاب يقدّم تراجم لعلماء العصر وهي سِيَرٌ تفصح عن علائق بين المالكيّة والحنفيّة، ويُبَيِّنُ خصائص التّعليم وطرقه وأساليبه وعلومه، فهو يقدّم نماذج حيّة لوضعيّة العصر الثّقافيّة ومستوَى أهلِ العلم والتّعليم وآرائِهم، لتكشف عن علاقة السّلطة بالتّربية فهي الّتي تراقب نشاطه وتدعمه وتحتويه وتوظّفه توظيفا غائيّا.
إنّ قصديّة الكتابة تُفصح عن مآربها في “الشُّهب المُخرقة” دون مُواربة أو تخفّ، لتجسّد مثالا حيّا لقلم جنّده أصحاب السّلطة لخدمتهم وتدعيم نفوذهم واختياراتهم، فالخصم الحنفيّ رفض التّدريس مع السّادات المالكيّة ونعتهم بـ”السّواسي”، فأحمد برناز حين ردّ على خصمه ما كان له أن يكون إلاّ بعد إذن حسين باي “وصلبه (الخصم) المعنويّ هو إلهام الله تعالى بتأليف هذا الكتاب، ودلالة ذلك أن سخّر الله أمير بيعتنا وسلطان مدينتنا المولى حسين بن علي بأن أذن في تأليف هذا الكتاب صريحا ورآه شيئا مليحا”[38]، فلولا هذه الإرادة السّياسيّة لما حرّر أحمد برناز كتاب الشُّهب، والظّاهر أنّ السّلطة السّياسيّة وجدت في المالكيّة مساندا لهم خاصّة أنّ أغلب الأهالي يتّبعون المذهب المالكيّ، وعلاوة على ذلك استثمر البايات العلماء المالكيّة في المناطق الدّاخلية لدعمهم، فهذا إبراهيم الجِمني (تـ1134 هـ/ 1721م) عيّنه مراد باي بن محمد للتّدريس بحومة السّوق جربة مناهضة للمذهب الإباضيّ، وهناك بنى له الباي مدرسة لتحقيق تلك الغاية المذهبيّة السّياسيّة، وهو أمر يسهم في توحيد أفراد المجموعة البشريّة ذهنيّا ويقرّب بين عناصرها، وواصل حسين بن علي باي الاعتناء بها، وله محبّة واعتقاد فيه[39]، فهذا العَلَم مثال لفقيه مالكيّ بعيد عن حاضرة البلاد تولّته السّلطة السّياسيّة بعنايتها وضمنت من خلاله نفوذها في منطقة نائية من الإيالة لمناهضة مذهب الإباضيّة[40].
إنّ الشُّهب يشير إلى نزعة عند عدد من رجال الحنفيّة غايتها الأساسيّة إظهار تفوّقهم على المالكيّة، وهي نزعة قد لا تعبّر ضرورة عن شعور فرديّ إنّما هي تفكير عامّ يَسُوس المجموعة، رغم أنّ عددا لا يُستهان به من أتباع المذهب الحنفيّ انصهروا ثقافيّا وعرقيّا مع العناصر المحليّة[41]، ولا نعتقد أنّ الأمر يتّصل بالانتساب المذهبيّ فحسب، إنّما يشير كذلك إلى اختلاف عرقيّ وشعور بتفوّق العنصر التّركي لذا أرادت السّلطة السياسيّة أن تمتصّ هذا الشّعور بدفع أحمد برناز لتحرير كتاب الشّهب.
إذا عرّجنا على سيرة محمد سعادة المنستيري (1088 هـ- 1171 هـ/ 1677م- 1757م) ألفيناه ممّن تقلّد وظائف متعدّدة، واشتهر بالتّدريس والأدب، وهو من عائلة أصيلة المنستير أخذ عن شيوخ عصره مثل محمد الغُماري وعبد القادر الجبالي ومحمد زيتونة وسعيد الشّريف، رحل في طلب العلم إلى الحجاز ومصر واضطرّ إلى الإقامة في اسطنبول مدّة ثمّ عاد إلى تونس وقلّده الباي حسين وظائف متعدّدة حرّر أثناءها قرّة العين، وهو سابق للذّيل والحُلل، إنّ محمد سعادة مثال العالم الّذي يتملّق لأصحاب السّلطة، وكان أحد العلماء الّذين أرسلهم الباي إلى جبل وسلات[42] لحمل ابن أخيه علي باشا على العدول عن ثورته، ثمّ أصبح أحد المقرّبين من علي باشا، وهو مثال العالم الّذي يستغلّ وظيفته لتحقيق مآرب شخصيّة.
وكتابه هو “قرّة العين بنشر فضائل الملك حسين وقمع ذي المين”[43] أو “قرّة العين بنشر فضائل الملك حسين الممجّد ونجله الأمير ابن الأمير الباي سيّدي محمّد”[44]، مؤلّف في مدح الملك حسين بن علي “وقد رأيت أن أصنّف رسالة أشير فيها إلى بيان سيرته في خلال بعض ما يحتاج إليه كلّ ملك من مملكته من العدل الّذي به قوام دولته وإصلاح أمر رعيّته وذكر بعض الأمور الشّرعيّة وما يجب في أهله من الشّروط المرعيّة”[45]، ويمكن أن نعدّه كتابا في السّياسة الشّرعيّة وتنظيم مؤسّسات الدّولة والبيعة، وهو يحقّق غاية أخرى لا تنفصل عن أبعاد ذاتيّة وأخرى ذات صلة بسياسة الباي حسين بن عليّ في دحر بلديّة الحاضرة تونس، إذ قام محمد سعادة بذمّ منافسه الشّيخ حمّودة الرصّاع، فعنوانه القائم على السّجع أوضح دليل على الانخراط في الدّعاية السياسيّة لوليّ نعمته، ممّا يُغنينا عن تحليل وبيان[46]، والكتاب مثال لمدح أصحاب السّلطة ذكر فيه مآثر الباي ويتنزّل موضوع المخطوط حول السّياسة الشّرعيّة وأخلاق الحاكم وصفاته، يحاول فيه سعادة أن يبرّر تنحية عليّ باشا عن ولاية العهد وتنصيب الأمير محمّد رشيد باي وعقد البيعة له في تشريفات عسكريّة حضرها أكابر الدّولة وكبار العلماء “وتذييل حسن في ولاية نجله الأسعد وانعقاد بيعته كافية من أهل الحلّ والعقد الأمير ابن الأمير الباي سيّدي محمد”[47]، وهو يغرق إثر ذلك في لغة تمجيديّة محلاّة بيانا وبديعا “لا يزال طالعهما النيّر على أفق الغرب لامعا ونور جمالهما للأبصار ساطعا، وما يتّصل بذلك من أمداح رائقة وفراسة صادقة وخاتمة تشتمل على حكايات فائقة، وقد كان قدما يختلج في الصّدر تأليف كتاب في سيرته عبير النّشر، يبقى له به على ممرّ الأيّام أطيب الذّكر محيطا بمعظم أحواله وتاريخ مملكته التّونسيّة إحاطة الهالة بالقمر، محلّى بما قيل فيه من الأمداح نثرا وشعرا كتحلية الحسناء بالخفر والجيد النّاعم باللّآلئ والدُّرر، يطلع به على قيم الفضلاء في عصره ويخصّ بتخصيص رعايته أدباء عصره ويداهم به النّاطقين وغيرهم الأخرس ويميّزهم بالتّقديم في ولاياته وضدّهم يعكس، إذ هو لسانه على التّحقيق في محاضر النّوازل وحيث يطلب معرفة أقدار النّوازل ومن يستطيع إذا لُزَّ في قرن صوله البوازل”[48]، وهو أيضا دالّ على دور الصّلحاء وتأثيرهم في النّفوس المؤمنة المتديّنة، إذ ذكر المؤلّف تراجم صلحاء عاشوا في صدر الإسلام إلاّ أنّ النّاس ظلّوا يستحضرون أسماءهم تبرّكا بهم في أوقات الشدّة.
يمثّل محمّد سعادة المنستيريّ العنصر المحليّ الآفاقيّ، وهو ناطق عن سياسة الباي حسين في دحر بلديّة الحاضرة وقمعهم بعد أن أطلق العنان أمام قلم سعادة ليصبّ جام غضبه وحقده على الشّيخ حمّودة الرصّاع، فأغرقه قدحا وذمّا وثلبا وتشهيرا[49] في لهجة حادّة، ذاكرا أثناء كلّ ذلك أوجها من الحياة الثّقافيّة والعلميّة في عصره، ذاك الخطاب الّذي يقوم على التفنّن في القول وإغراق النّصّ بمحسّنات بديعيّة وصور بيانيّة تدعّمها نصوص شعريّة في ذكر تقوى الباي ومُواظبته على العبادات وأخلاقه ورعاية الرعيّة وبناء المدارس وتقريب العلماء والصُّلحاء، إضافة إلى تشييد البناءات للمصلحة العامّة وتهديم الحانات، ومنح محاصيل الجزية لشيوخ الجامع الأعظم وغنائم القرصنة للصّلحاء المنقطعين للعبادة[50]، وما يعنينا في هذا المقام أنّ محمّد سعادة يقرن بين صفة العدل المطلوبة في الملوك وإحياء الشّريعة وهو من سمات الملك، ويعدّ من مآثر الباي حسين بن عليّ بناء المدارس والجوامع وإحياء العلم بجامع الزّيتونة، “الحمد لله حامي حمى نبيّه ﷺ وممهّدا شريعته بملوك اصطفاهم لذالك من خيار برِيَّته، أخْمد بِقويم عدلهم نيران الهوى وشكيمته وأخمد منهم من قمع عنفوان الباطل بشريف سيرته”[51].
ساق محمد سعادة شواهد ونُقولا لإبطال ولاية عهد علي باشا، وهو نسج يتناغم بين الغايات السّياسيّة وصوت المفتي[52]، وما رصّه من نُقول تمثّل آيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة وشواهد لأعلام الفقهاء والأصوليّين من المذهب المالكيّ والشّافعيّ تمجيدا لمآثر الباي ودعما لتنظيماته للولايات والقضاء والتّدريس والإفتاء والأوقاف، وقد بُنِيَ الخطاب على خطّة واضحة المعالم، يفتتح كلّ قسم من المخطوط بشواهد قرآنيّة فشواهد من الحديث النبويّ تشفع بآثار متعدّدة تدعّمها آراء الفقهاء ونصوص الشّعر، وهو يربط بين كلّ مبحث والحديث عن وليّ نعمته حسين باي والإشادة بأياديه البيضاء، وممّا يمكننا إيراده في هذا السّياق ما خطّه محمد سعادة “وبالجملة فعلى المراقبة في ذلك بُنِيَ استعداده فدام بذلك ملكه وصلحت بلاده، وقلت: [الوافر]
فَهُوَ اُلَّذِي مَنْ حَلَّ سَاحَةَ عِزِّهِ | مُسْتَنْصِرًا مِنْ كَيْدِ مَكْرِ المَاكِرِ |
يَمْضِي بِنَا مِنْ عَدْلِهِ وَيَفُوزُ مِنْ | لَمَحَاتِهِ شَرِيفَ عزٍّ بَاهرِ |
لِمَ لاَ وَقَدْ قَهَرَ الطُّـغَاةَ وَقَادَهُمْ | بِسَدِيدِ رَأْيٍ لاَ بِسلِّ بَوَاتِرِ |
كَمْ أَبْصَرَتْ عَيْنَاكَ مِنْ طُغْيَانِهِم | مَا كُنْتَ تَعْهَدُ فِي زَمَانٍ غَابِرِ |
خَفَضَ اُلْجَنَاحَ إِلَى اُلْوَرَى فَأَقَالَهُ | خَفَضَ اُلْمَعِيشَةَ مَعَ جَزَاءٍ وَافِرِ |
وَإِذَا تَرَاهُ مَلْكٌ فِي زِيِّ مِسْ | ـكينٍ وَحُسنِ سَرِيرَةٍ وَبَوَادِرِ |
فَاُشْـدُدْ يَدَيْكَ بِهِ فذَاكَ اُلمُبْتَغَى | في اُلدِّينِ وَاُلدُّنْيَا بنَصِّ جَمَاهِرِ”[53] |
وبذلك يتعانق صوت رجال القلم مع إيقاع بلاغيّ وشعريّ له غَايات مدحيّة واضحة المعالم والغايات، وتتناغم مع قرارات صاحب السّلطة السّياسية الّذي يحتاج دعامة أساسها دينيّ.
4-في توظيف الخطاب البلاغيّ لإشهار القدوة السّياسيّة:
تمثّل كتابات الوزير السّرّاج وحسين خوجة ومحمّد سعادة، أصوات المدح واللّغة الشّعريّة الفيّاضة. ونسجّل في هذا السّياق تنوّع أصول خوجة والسرّاج فأوّلهما في الذّكر من أصول عثمانيّة حنفيّ المذهب، وأصول الثّاني أندلسيّة مالكيّ المذهب وكلاهما مستقرّان في تونس. سجّل نصّ الوزير السّرّاج (1069- 1149 هـ/ 1659- 1735م) إمعانا في المحسّنات البديعيّة وإغراقا في الصّور البيانيّة مثله في ذلك مثل نصّ قُرّة العين لمحمّد سعادة فضلا عن نصوص من المدائح نُظمت شعرا. وهي نفس اللّغة والآليّات الّتي تستحضر مع علي باشا حين تولّى الحكم، ونُطالعه في التّقريظ المضمّن في “مفاتح النّصر” لتؤكّد صلة الخطاب بالسّياسيّ. فالخطاب البلاغيّ الّذي يتلفّع بغطاء شرعيّ، يغطّي الحقائق وراء لغة أُثقلت تزويقا وتفخيما. خصّص الجزء الثّالث من “الحلل السّندسيّة في الأخبار التّونسيّة” لذكر أمر حسين بن علي ودولته في حين فُقِد الجزء الرّابع وقد أفنى المحقّق محمد الحبيب الهيلة جهدا علّه يعثر عليه في إحدى المكتبات العالميّة دون جدوى. فالظّاهر أنّ عليّ باشا أمر بإعدامه وإتلافه وبالتّالي طمس أثره[54]، وسلِمت نُسَخٌ من بقيّة الكتاب لتصلنا.
أمّا حسين خوجة (تـ1167هـ/1754م)، فيُمكِن أنْ نعدّه من رجال القلم الّذين تباروا في ذكر فضائل أُولي النّعمة عليهم كما صرّح هو نفسه “فتجاسرت الآن بالقلم وقيّدت اللاّئق والأهمّ على قدر الطّاقة والاهتمام. وإن لم أُوف بالقدر والمقام… ولمّا أضافتني يد المقادير إلى خدمة جناب المولى الهمام من شرّفني بكتابة إنشاء ديوانه المولى الّذي اتّخذته اللّيالي لظلام ظلمها سراجا وعلا على غُرَر الأيّام تاجا”[55]. إذيعدّ “ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان” (حرّر في 1137 هـ/ 1725م) تتمّة للكتاب الأصل “بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان”[56] المحرّر باللّغة التّركيّة وعرّبه حسين خوجة اعتمادا على مساعدة أحمد برناز، ويختص الذّيل بالتـّأريخ لاستقرار العساكر العثمانيّة، ثم يركز العمل على فضائل الملك حسين بن علي باي ومختلف إنجازاته وذكر تراجم لعلماء عصره، ويختم الكتاب بتراجم علماء لاَقاهم حسين خوجة بمكّة وبالشّام وقد شاهد بركاتهم ومناقبهم، وبذلك زاوج حسين خوجة الحنفيّ بين إشهار سيرة أصحاب السّلطة ترجمة وتأليفا بدءا من أرباب السّلاطين من الباب العالي انتهاءً بوليّ نعمته الباي حسين بن عليّ، وقد ندرك من ذلك حركة علميّة قامت على تعدّد اللّغات ورغبة في ترجمة كتاب تاريخيّ مهمّ عن اللّسان التّركيّ ممّا يوفّر مادّة لأصحاب اللّسان العربيّ، أفرد حسين خوجة في ذيل البشائر فصلا لا يخرج عن المدحيّات وهو “فصل في ذكر انفراد الأمير الأعظم والباي الأكرم أبي الخيرات المولى حسين باي بن عليّ دامت معاليه وحسنت أيّامه ولياليه”[57]، فممّا يورده في هذا الفصل قوله في لغة بلاغيّة موقّعة بمحسّنات بديعيّة “ولمّا استقرّ على كرسيّ المملكة التّونسيّة وتصرّف في قطر بلاد افريقيّة وسار في النّاس سيرة مرضيّة، فما اطّلع على بِرِّ ومعروف إلاّ وأخذ في اتّصاله ولا علِم بمُنْكر إلاّ وبالغ في دفعه وقطع شوكة أهل البغي والفساد وقمع طائفة الخلاف والعناد، وانقاد له العاصي ورفق بالفقراء والرعيّة وساس البلاد بأحوال مرضيّة واهتمّ بإجراء الشّريعة المحمّديّة، وأحْيَى رسوم السنّة السَّنِيّة، وأمنت الطّرقات وكثُرت في أيّامه الخيرات، فعمرت الرّباع والرّياض وبنوا القصور بأمنه المستفاض، ما لم يكن في زمن غيره من المتقدّمين ولا على عهد سلاطين بني حفص الأقدمين، ما لا يعدّ ولا يحصى ولا يحدّ ولا يستقصى، ولو تتبّعناه واستقصيناه لاحتاج إلى مجلّدات، ولكن ما لا يدرك كلّه لا يترك قلّه، فلنذكر نبذة ممّا اختصّ به حفظه الله تعالى من خيراته وما أحدثه وجدّده ليكون إن شاء الله في صحائف حسناته مجملا على وجه اختصار، بارك اللّهمّ لنا فيه وفي أيّامه وعوّضه جنّات النّعيم وشفاعة النبيّ العظيم ﷺ ومتّعه بالنّظر إلى وجهه الكريم كما قيل: [الطّويل]
وَمَا بَلّغَتْ كَفُّ امْرِئٍ مُتَنَاوَلٍ | مِنَ المَجْدِ لاَ وَالَّذِي نَالَ أَطْوَلُ |
وَمَا بَلَّغَ المُهْدُونَ لِلنَّاسِ مَدْحَهُ | وَإٍنْ أَطْنَبوا إِلاَّ الَّذِي فِهِ أَكْمَلُ[58]“ |
يجمع حسين خوجة في هذا الشّاهد بين معجم سياسيّ وآخر دينيّ، فكلّ منجز للباي حسين بن عليّ يعاضدُه دعاء وثواب أخرويّ، ليتحوّل الخطاب إلى توظيف رمزيّ مُثقل بالتّصوّر المقترن بالجزاء عند الله ويعلن عن تعلّق بالهمّ الاسكاتولوجيّ، فهذا الباي فاق من سبقه من ملوك بلاد افريقيّة ومنهم الحفصيّون وسلفه من المراديّين والعثمانيّين، وُظّفت المقابلة لتصوير منجزات الباي وتضخيم أعماله في مبالغة واضحة تستثمر الطّاقات التّعبيريّة للّغة، فتكثّفت الصّور والأفعال في وصل بين السّياسيّ والذّود عن حياض الدّين، وبما أنّ مدينة القيروان تعدّ رمزا في متخيّل أهل البلاد وكامل الغرب ركّز حسين خوجة على تاريخ القيروان عاصمة المسلمين الأولى في الغرب الإسلاميّ وأسبقيّتها وفضلها، وقد أوْلاها الباي عنايته فأعاد عمرانها بعد ما حلّ بها من خراب في عهد مراد الثّالث بوبالة، فيقول “فأوّل حسنة من حسناته الّتي اهتمّ بها وبناها مدينة القيروان حتّى جدّد رسومها وأحياها، وهي مدينة مقرّ الأبرار ومناخ الصّحابة الكرام وأوّل أساس أسّسوه رضي الله عنهم عند ظهور الإسلام، واتّخذوه مستقرّا للغزو والجهاد”[59]، فالرّبط بين أيادي الباي البيضاء ومعاني القداسة المرتبطة بالقيروان مكثّفة مكتنزة بالمعاني والرّموز، ولذا نُلْفِي حسين خوجة إثر ذلك عاقدا الصّلة بين الفعل ونيّة الباي ومقاصده الدّينيّة “وشملها بساعد برّه أحسن الله إليه وباشر أوّلا في بناء سورها بالجدّ والاجتهاد وأخلص فيه النيّة لربّ العباد وصرف عليه من خاصّة كسبه واهتمّ به اهتماما عظيما، ولم يكن له مشاركا في هذا الثّواب الجليل في كثير الأشياء منها ولا القليل، واختصّ وحده بهذا الثّواب وجعله خالصا لربّ الأرباب وادّخره ليوم لا ينفع مال ولا بنون، ومن غريب الاتّفاق أن ألهمته الحكمة الإلاهيّة وحرّكته القدرة الأزليّة بأن كان ابتداؤه ومباشرته لبنائه في يوم عرفة كما أنّ هدمه كان في يوم عرفة”[60]، فالمعجم الدّينيّ طاغ في هذا الشّاهد رغم أنّه يؤرّخ لأحداث تاريخيّة واقتران الحدث في حدّ ذاته التصق بموسم دينيّ وهو يوم عرفة الّذي يعدّ أبرز أركان الحجّ.
ويواصل حسين خوجة بنفس المدد البلاغيّ تعداد مآثر وليّ نعمته “ولم يزل أدام الله بقاه وزاد علاه مداوِما على أفعال البرّ والتّقوى في إحياء مساجدها وزوايا أهل البركات والصّالحين على ممرّ الأيّام والسّنين، وفي كلّ عام يصرف من خاصّة مَالِه جملة عظيمة حسبة لله ربّ العالمين وأحيى فيها من المساجد ما ينيف عن الخمسين ويعيّن لهم ما يقوم بهم من تحصير وزيت وغيره بعد التّرميم والإصلاح، وكذلك في تشييد أضرحة الأولياء وزوايا الصّالحين ما لا يدخل تحت العدّ وجدّد فيها رسوما كثيرة”[61]، فالباي ممّن كثرت مآثره المعماريّة والعمرانيّة إحياء للدّين فبنى الجوامع والمدارس والزّوايا والتّرب، وهي مآثر عدّدها برناز وسعادة وخوجة والسرّاج فضلا عن إحياء المواسم والاحتفالات، وعموما يقرن حسين خوجة بين مآثر الباي وخصاله وما كانت غايته “انتفاع المسلمين” مراوحا بين النّثر الموقّع سجعا وجناسا في صور بلاغيّة مكثّفة، والشّعر الموزون المقفّى.
ونلفي الوزير السّرّاج يُطْنِب في ذكر مآثر هذا الباي وإحسانه في لغة بلاغيّة واضحة أردفها بقصيدة مدحيّة مطوّلة، وممّا ورد في هذا النّصّ قوله “إذ هو المتطوّل بأياديه المتفضّل بما غمرتني غواديه، وطالما تفضّل عليّ جائدا بأمواله زائدا نيل نواله، مرتديا أثواب الجلال، مبتدئا بالعطاء قبل السّؤال، وحقّ الّذي جعل أيّامه من أسعد أيّام الممالك، وسلك به على سبيل التّوفيق ألطف المسالك، لو استطاعت تمثيل حمده ومدحه، واعتيادي بإفضاله العميم ومنحه لأبرزته في صورة تروق النّواظر، وأفرغته في قالب يسرّ القلوب والخواطر، إذ أنّه أترع مواردي ومناهلي، وحملني من حقائب الجود ما أثقل كاهلي، وأراح سرّي بهبّات هباته، ووصل أملي من موادّ صلاته، ونشر عليّ ملابس عوارفه، وأهدى إليّ نفائس لطائفه، ولحظني بعين العناية، ومدّ لي ظلّ الرّعاية، ووصلني من أسباب الصّنائع بما عهده عندي محفوظ ونشره ضائع(…)”[62]، وإنّ التّعاضد بين أهل السّلطة وأهل العلم لم يقتصر على مجرّد المدح والثّناء إنّما تجاوزه إلى تبرير أعمال الحكّام وإسباغ المشروعيّة على أفعالهم، إذ افتتح الوزير السّرّاج الجزء الثّالث من الحلل بإصدار فتوى تقضي بوجوب طاعة السّلطان العادل، واستمدّ نصوصه من المصادر الأولى للفكر الإسلاميّ مثل مسند أحمد بن حنبل وكتابات البيهقي والغزالي والسّيوطي من المتأخّرين[63]، فهذا التّعاضد مثال دالّ على سيطرة الدّولة على الدّين من خلال التّجربة التّاريخيّة الإسلاميّة في سيطرة شبه تامّة[64].
وأطنب الوزير السّرّاج في الثّناء على السيّدة المنوبيّة ومجاهداتها بمناسبة ذكر إحياء الأمير لأجنّة مَنُّوبة، فيمتزج المعنى السّياسيّ بالمعنى الدّيني بمدح هذه الوليّة، يقول عنها: “وقد فاز من جعل الاعتناء بها سهم فهمه والعكوف على عريض أبوابها حزم عزمه والاستعطاف من زاخر مواهبها أمّ همّه”[65]، واستتبع الحديث عن إخراج الدّاي محمد “بعض المحترمين” من الزّاوية العروسيّة ترجمة الشّيخ أحمد بن عروس، وقد نقل السّرّاج هذه التّرجمة المدحيّة معلنا عن رغبته الذّاتيّة “ولمّا كان هذا الأستاذ بحضرة تونس كناية عن الشّمس ضياء والقمر سناء والقطب لقبلة الاستمداد اهتداء، أحببت أن أنشر رداء ترجمته وأقتبس بأنامل التبرّك من جانب طور معرفته، وإن كان مقامه في أوج الأسرار غنيّا عن التّعريف ومستكفيا عن الإشاعة بعلوّ قدره المنيف رجاء أن أدخل في حزب خدّامه وأحسب من الواقفين بأعتاب العليّ مقامه”[66]، ثمّ أدان الفعل الشّنيع الّذي صدر من محمد داي المتمثل في “تعدّيه على حرم الأستاذ”، مقارنا ضمنيّا بين أعماله ومآثر أميره حسين باي “والحاصل أنّ تهاون الدّاي به واستخفافه هو الّذي أزلق أخفافه، ولو زرع في رياض دولته عدله وإنصافه لاقتطف يد محامده بأنامل المدح من جميل تلك الأزاهر أوصافه، ولكن الآراء مذاهب، والهداية مواهب”[67]، ولا تخرج بقية التّراجم المنقبيّة الكثيرة عن هذا المنطق العام الّذي يخضع هذه السِّير إلى ما شكّله المخيال العام من تصوّر للأفعال يتعالى على القدرات العاديّة المتاحة للبشر، إنّ جماع هذه التّصوّرات تنبني على تفكير ضارب في القدم، فالمتصوّف هو ملتقى النّظم والأخلاق والتّصوّرات ممّا يسمح بدراسة الذّهنيّة. فالولع بسير الصّلحاء في العهد الحسينيّ بتونس لم يكن وليد يومه، ورغم انتماء كتاب الحُلل إلى الثّقافة الرّسميّة فقد خصّص صفحات بيانيّة لا تخلو من الإطناب لتمجيد سير الأولياء واضعا حلقة وصل متينة بين الثّقافة العالمة والثّقافة الشّعبيّة، وهي وليدة وضعيّة انتصاريّة للتصوّف حدا بالمريدين إلى حفظ مآثر شيوخهم بتدوين مناقبهم ووصلها بسيرة الباي.
هذه التّراجم مثقلة برمزيّة تربط الذّهن بسير نموذجيّة لهؤلاء الأعلام تُنْعشها الذّاكرة الجماعيّة مشافهة وتدوينا، ويكتسب الوليّ طاقة رمزيّة لا حدود لها فهي أشبه بتميمة مباركة تتوعّد كلّ من يلحق ضرّا بالأولياء بجزاء من جنس دنسه، فكل تعدّ على قداسة الولي يعجّل العقاب الدّنيويّ قبل العقاب الأخرويّ، لذا نطالع في الحلل السّندسيّة حُلْما يراه رجل صالح ومضمونه أنّ الأستاذ عبد القادر الجيلاني يظهر له في الحلم ويدلّه على مكان مدفع ليحارب به حسين باي داي الجزائر، ونظرا للثّقل الرّمزيّ الّذي يحتله الصّلحاء[68] في النّفوس يلتجئ إليهم مؤلّف الخطاب الّذي يتدثّر بدثار شرعيّ لتحقيق غايات سياسيّة، فتوظّف الأحلام[69] توظيفا سياسيّا، ليتحقّق النّصر للباي حسين، يورد السّرّاج تفسيرا لحادثة، “ووجه إظهار هذا المدفع المبارك، أنّ رجلا من الصّالحين رأى الأستاذ -نفعنا الله به- مناما، فقال له: سر إلى حسين باي، وقل له: يرسل من جنابه أناسا للبحيرة يحفرون هناك، ويخرجون مدفعا نحاسا من تحت الأرض، قال وأوقفه على المحلّ المعيّن، أذن بالحفر هنالك، فانتبه الرّجل(…)”[70]، فبفضل الحلم وببركة الشّيخ الولي عبد القادر الجيلاني والرّجل الصالح، انتصر حسين بن علي في معركته الرابعة ضدّ دايات الجزائر، الأمر الّذي تحقّق فعلا وكان الانتصار المساند بقوة غيبيّة رمزيّة جعلت النّصر ساميا متعاليا يستمدّ نفحته من عناصر تخييليّة، فيستعيد قواه ويشحذ همم المجموعة تلك الّتي أوهنتها الحروب المتتالية ممّا يدلّ على حاجة ملحّة لدفع معنويّ ونفسيّ بعد الهزائم الشّديدة الّتي مُنِي بها حسين بن علي، فكان الحلم سندا يلقى قبولا حسنا عند المؤمنين بفاعليّته، إنّ لهذه الأحلام وظائف متعدّدة تنهض وقت الشّدائد والملمّات لتصوغ رؤية منسجمة، فتقوم هذه الرّؤى المتعدّدة المنفتحة على اهتماماته بالإجابة عن مشاغله في لغة حكائيّة تخييليّة لا تخلو من أبعاد توجيهيّة هي عماد مواضعات ثقافيّة وسنن تضبط العلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة، وهي إلى ذلك محلّ قبول ورضا، إنّها تستجيب لأفق معرفيّ صاغ التّصوّرات صوغا جديدا في قالب أشبه بالتّفكير الخرافيّ.
لقد ساهمت هذه المصادر التّاريخيّة في تمجيد سيرة الباي حسين بن عليّ في خطابات متقاربة النّسج متعدّدة الأوجه، فكانت لسانا ناطقا عن ولائها ودعمها لكلّ خيارات الباي وإنجازاته والتّنظيمات الّتي ارتآها في سياق بناء الدّولة، ولذا تنوّعت الحُجج وسُبل التّوظيف ومصادر الشّواهد في الخطابات.
خاتمة:
لكلّ نصّ من النّصوص آنفة الذّكر غايات وأسباب والنّظر في خطابها يُبِين عن غايات سياسيّة تتّصل بالتّنظيمات وقرارات الباي حسين بن عليّ وهو يثبّت أركان حكم دولته، فمخطوط “إعلام الأعيان بتخفيفات الشرع عن العبيد والصبيان” لأحمد برناز الحنفيّ فقهيّ تنظيريّ، إلاّ أنّ الوصل بين تاريخ تحبيره والأوامر العليّة الّتي أصدرها حسين بن عليّ بتنظيم التّعليم بالزّيتونة وإنشاء عدد من المدارس يدعونا إلى الحفر في ثنايا النصّ رغم أنّه فقهيّ يوغل في التّعالي، وعكسه كان كتاب “الشُّهب المُخْرِقة لمن ادّعى الاجتهاد لولا انقطاعه من أهل المَخْرقة” مصرّحا بغايات التّأليف وأوامر الباي بكتابته ردّا على شيخ حنفيّ رفض التّدريس في جامع الزّيتونة ليشوّش على مشروع الباي الحسينيّ في تطعيم مالكيّة الزّيتونة بشيوخ حنفيّة، وإذا كان حسين بن علي قد وظّف أحمد برناز الحنفي ويوسف برتقيز الحنفي صاحب أضخم كتاب فقهي حنفيّ لدعم حضور المذهب الرسميّ، فإنّ نفس الباي احتاج توظيف الكتابات المالكيّة لتبرير قرارات سياسيّة أو إشهارا لفضائله ومنجزاته، فمثّلت مادّة مخطوط “قرّة العين وقمع ذي المين في نشر فضائل الملك حسين” لمحمّد سعادة المنستيري وثيقة مهمّة لتنظيمات الدّولة لمؤسّساتها الشّرعيّة، وأصدر الفقيه المالكي فتوى تُبيح للباي أن يعدل عن تنصيب ابن أخيه علي باشا وليّا للعهد وتولية نجله محمد الرشيد باي عوضا عنه، فتوى ما كان لها أن تكون لولا الاعتماد على مذهب غير مذهب الباي، ليكون التّنوّع المذهبيّ سبيلا لتوفير اختيارات تتقولب مع الحوادث والحاجيات، وحتّى كتب التّراجم التي تقترب أحيانا من السّير المنقبيّة في ذيل البشائر لحسين خوجة والحلل السّندسيّة للوزير السراج أغرقت مدحا لذكر فضائل الباي مشيّد المدارس ومحلّي الزّوايا وهازم الأعداء وناشر العلم والعدل ومحيي المواسم والأعياد.
لقد كان التّأليف و”رجال القلم” محلّ تجاذب بين رجال السّلطة، ولذا لحق الكتاب الطّمس والإتلاف وهو حال الجزء الرّابع من “الحُلل السُّندسيّة”، وإعادة النّسخ وهو ما كان من أمر “المنن على مختصر القدوري” بطلب من أبناء حسين بن عليّ بعد استرجاع عرش أبيهم، ومحاولة الاستقطاب ومثاله تحويل وجهة محمد سعادة من مفتي الباي حسين بن عليّ إلى مقرّظ للباي الجديد عليّ باشا، ليكون ذلك ردّا على الفتوى السّابقة بتنحيته عن ولاية العهد، لقد عرف رجال القلم آليّات الإبعاد والاحتواء والأمر والعنف نفيا وسجنا وقتلا، ليكونوا أداة طيّعة بين يدي صاحب السّلطة.
قائمة المصادر والمراجع:
1-المخطوطات:
- برتقيز (يوسف)، المنن على مختصر القدوري أبي الحسن، مخط د.ك.و بتونس 14725 -14726- 14727 -14728 ورقم 16652 و 5161.
- برتقيز (يوسف)، هداية الصّبيان، مخط د. ك. و بتونس ضمن مجموع 924 (ورقة 15 ب إلى 26 أ).
- برناز (أحمد)، إعلام الأعيان بتخفيفات الشرع عن العبيد والصّبيان، مخط د.ك. و بتونس أرقام: 6242- 4569- 3885.
- سعادة (محمد)، قرّة العين وقمع ذي المين بنشر فضائل الملك حسين، مخط د.ك. و بتونس 7129- 21730.
2-المطبوعة:
- برناز (أحمد)، الشّهب المُخرقة لمن ادّعى الاجتهاد لولا انقطاعه من أهل المَخرقة، تحقيق وتقديم الطّاهر المعموريّ، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط 1، 1990.
- بيرم الثّاني (محمد)، التّعريف بنسب الأسرة البيرميّة، تقديم وتحقيق لضو بسيسة، نقوش عربية، تونس، 2010.
- بيرم الثّاني (محمد)، شرح الشّيخ بيرم الثّاني على نظمه في المفتين الحنفيّة بتونس المحميّة، تحقيق محمّد الزّاهي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1999.
- خوجة (حسين)، ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، تحقيق الطّاهر المعموري، الدّار العربيّة للكتاب، تونس، 1975.
- السّعداوي (أحمد)، تونس زمن حسين بن عليّ وعليّ باشا 1705- 1756 وثائق أوقاف من العهد الحسينيّ، دراسة وتحقيق، كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة ومخبر الآثار والعمارة المغاربيّة، مجمّع الأطرش للكتاب المختصّ، تونس، 2015.
- ابن عبد العزيز (حمّودة)، الكتاب الباشي: قسم السّيرة، تحقيق محمد ماضور، الدّار التونسيّة للنّشر، تونس، 1970.
- الوزير السّرّاج (محمد بن محمد الأندلسيّ)، الحلل السّندسيّة في الأخبار التّونسيّة، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، 1984.
- ابن يوسف (الصغيّر)، المشرع الملكيّ في سلطنة أولاد عليّ تركي، تقديم وتحقيق د. أحمد الطّويلي، المطبعة العصريّة، تونس، ط1، 1998، ج1 و2008، ج2.
3-المراجع:
- البشروش (توفيق)، الوليّ الصّالح والأمير، ترجمة المؤلّف، دار سيماترا، تونس، 2013.
- زيعور (عليّ)، الكرامة الصّوفيّة والحلم: القطاع اللاّواعي في الذّات العربيّة، دار الأندلس، بيروت، 1994.
- عبد السّلام (أحمد)، المؤرّخون التّونسيّون في القرون 17 و18 و19: رسالة في تاريخ الثّقافة، ترجمة عبد الرزّاق الحليوي وأحمد عبد السّلام، المجمع التّونسيّ للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة، قرطاج، 1993.
- كوثراني (وجيه)، السّلطة والمجتمع والعمل السّياسيّ: من تاريخ الولاية العثمانيّة في بلاد الشّام، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 1988.
- عبد اللّطيف (كمال)، في تشريح أصول الاستبداد: قراءة في نظام الآداب السّلطانيّة، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، 1999.
- المريمي (محمد)، إباضيّة جزيرة جربة خلال العصر الحديث، كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة ودار الجنوب للنّشر، تونس، 2005.
4-الأعمال الجامعيّة:
- التّائب (منصف)، بلاط باردو في عهد حسين بن عليّ 1705-1735، شهادة الكفاءة في البحث، إشراف د. محمد الهادي الشّريف، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، تونس، 1990.
- شيخة (جمعة)، تحقيق مفاتح النّصر في التّعريف بعلماء العصر للعياضي الباجي، شهادة الكفاءة في البحث، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة 9أفريل، تونس، 1971.
5-المعاجم:
- بنبين (أحمد شوقي) والطّوبي (مصطفى)، مصطلحات الكتاب العربيّ المخطوط (معجم كوديكولوجيّ)، الخزانة الحسنيّة بالرّباط، ط 5 مزيدة ومنقّحة، 1440 هـ/2020م.
6- المقالات والبحوث:
- السّعداوي (محمد إبراهيم)، “القيروان قاعدة الصفّ الحسينيّ من خريف عام1735م إلى نهاية سنة 1736م”، التّنوير (مجلّة علميّة محكّمة يصدرها المعهد العالي لأصول الدّين جامعة الزّيتونة- تونس)، العـ12ـدد، السّنة 1431 هـ/2009-2010م، صص291-345.
- السّلاّمي (صدق)، “مأسسة جامع الزّيتونة ونظام التّدريس قبل إصلاحات القرن التّاسع عشر”، كرّاسات فريقيا (مجلّة علميّة محكّمة تصدر عن المعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بجندوبة)، العدد 2، 2022.
- اللّواتي (محمد)، “معطيات جديدة حول مخطوط قرّة العين لمحمد سعادة”، ضمن: التراث المكتوب، جمع د. فتحي جرّاي، المعهد الوطنيّ للتّراث، تونس، 2017.
- الهيلة (محمد الحبيب)، “مفاتح النّصر في التّعريف بعلماء العصر”، النّشرة العلميّة للكليّة الزّيتونيّة، العدد4، السّنة4، تونس، 1976-1977م.
- الهيلة (محمد الحبيب)، “المادّة التّاريخيّة من كتاب قرّة العين لمحمد سعادة”، المجلّة التّاريخيّة المغاربيّة، السّنة الثّامنة، العــ23ـ 24ــدد، نوفمبر 1981.
7- باللّغات الأجنبيّة:
Berguaoui Sami, « Des Turcs aux Hanafiyya, La construction d’une catégorie « métisse » à Tunis aux XVIIe et XVIIIe siècles » in www.cairn. info, Editions de l’EHESS, 29-5- 2015.
Bargaoui (S), «Débats identitaires et logiques territoriales: L’administration de la justice malikite à Tunis à l’époque moderne», Studia Islamica, no. 97, 2003, pp 121-153.
Chérif (M.H) , Pouvoir et société dans la Tunisie de H’usayn Bin Ali 1705-1740, Publications de l’Université de Tunis, 1984, 2 Tome.
Chérif (M.H) , Hommes et religion et pouvoir dans la Tunisie de l’époque moderne, Annales, Economies, Sociétés, Civilisation, 35 é année, N 3-4 , 1980, pp 580-597.
Lewis, Bernard, Le langage politique de l’islam, Paris, Gallimard, 1988.
Repp, R.C, The Mufti of Istanbul ; A study in the development of ottoman learned hierarchy, Oxford, U .K, Ithaca press, 1986.
Weber (M), Economie et société, Trad. J. Freund et autres, Paris, Plon,1971.
[1]– Chérif (M.H.), Pouvoir et société dans la Tunisie de H’usayn Bin Ali 1705-1740, Publications de l’Université de Tunis, 1984, 2 Tome.
[2]– ينسب إليه تأليف في النّحو هو “دفع الملمّ عن قراءة التّسهيل بجلب المهمّ ممّا يقع به التّحصيل” منه نسخ بدار الكتب الوطنيّة بتونس أرقام 5188 و5189 و12360. وحبّس عليّ باشا على مدارسه كتبا كثيرة. انظر: السّعداوي (أحمد)، تونس زمن حسين بن عليّ وعليّ باشا 1705- 1756 وثائق أوقاف من العهد الحسينيّ، دراسة وتحقيق، كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة ومخبر الآثار والعمارة المغاربيّة، مجمّع الأطرش للكتاب المختصّ، تونس، 2015، المكتبات: الكتب المحبّسة على المدرسة الباشيّة الكائنة بحوانيت عاشور، ص 465- 489 والكتب المحبّسة على المحكمة الشّرعيّة من تونس المحميّة ص 489- 492 والكتب المحبّسة على المحكمة الشّرعيّة بباردو المحميّة، ص 492- 493.
[3]– التّائب (منصف)، بلاط باردو في عهد حسين بن عليّ 1705-1735، شهادة الكفاءة في البحث، إشراف د. محمد الهادي الشّريف، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، تونس، 1990، ص 38 وما بعدها. وقد أورد أسماء عدد كبير من الفاعلين لم يرد ذكرهم في المصادر التّاريخيّة وذلك بالتّعويل على الدّفاتر الأرشيفيّة.
[4]– سنذكر هذه الكتابات تباعا في ثنايا البحث.
[5]– ذكره: ابن يوسف (الصغيّر)، المَشرع الملكيّ في سلطنة أولاد عليّ تركي، تقديم وتحقيق د. أحمد الطّويلي، المطبعة العصريّة، تونس، ط1، 1998، ج1، ص 306-309.
[6]-الوزير السّرّاج (أبو عبد الله محمد بن محمد الأندلسي)، الحُلل السُّندُسِيّة في الأخبار التُّونسيّة، تحقيق محمد الحبيب الهيلة، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، 1984، ج3، ص133.
انظر بحثنا: السّلاّمي (صدق)، “مأسسة جامع الزّيتونة ونظام التّدريس قبل إصلاحات القرن التّاسع عشر”، كرّاسات فريقيا (المعهد العالي للعلوم الإنسانيّة بجندوبة)، العدد 2، 2022، صص 121-146.
[7]-ابن يوسف، المشرع…، ج1، ص 83 [استفتاء أهل الشّريعة] ثمّ: ص 84-92. “مَثَلٌ ضَرَبَه القاضي شعيب” وهو مثال يمكن أن ندرجه في باب نصائح الملوك.
[8]– وهو ما نقرؤه في المصادر التّاريخيّة. انظر أيضا:
Chérif M.H , Hommes et religion et pouvoir dans la Tunisie de l’époque moderne, Annales, Economies, Sociétés, Civilisation, 35 é année, N 3-4 , 1980, pp 580-597.
[9]– ابن يوسف، المشرع…، ج 1، ص52.
[10]– م، س، ج 1، ص 53 (كذا ورد الشاهد). ملاحظة: تغلب العاميّة على نصّ المشرع الملكيّ، ونورد الشّواهد كما هي في الأصل.
[11]– م، س، ج 1، ص54.
[12]– م، س، ج 1، ص56.
[13]– م، س، ج 1، ص 56. (كذا ورد الشّاهد في الأصل).
[14]– لهذا العمل تحقيقان:
شيخة (جمعة)، تحقيق مفاتح النّصر في التّعريف بعلماء العصر للعياضي الباجي، شهادة الكفاءة في البحث، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة 9أفريل، تونس، 1971تحت عدد1776.
الهيلة (محمد الحبيب)، “مفاتح النّصر في التّعريف بعلماء العصر”، النّشرة العلميّة للكليّة الزّيتونيّة، العدد4، السّنة4، تونس، 1976-1977م.
[15]– ابن يوسف، المشرع، ج1، ص 56. يذكر صاحب المشرع مكتبة عليّ باشا وتفنّنه في استجلاب الكتب وولعه بفنون التّذهيب والتّفضيض. غير أنّ هذه المكتبة نهبت وبدّدت مع مقتله.
[16]– م، س، ج1، ص 66- ص 85- ص92. وابن يوسف (الصغيّر)، المشرع الملكيّ في سلطنة أولاد عليّ تركيّ، تقديم وتحقيق أحمد الطّويلي، المطبعة العصريّة، تونس، 2008، ج2، ص194.
[17]-السّعداوي (محمد إبراهيم)، “القيروان قاعدة الصفّ الحسينيّ من خريف عام1735م إلى نهاية سنة 1736م”، التّنوير (مجلّة علميّة محكّمة يصدرها المعهد العالي لأصول الدّين جامعة الزّيتونة- تونس)، العـ12ـدد، السّنة 1431 هـ/2009-2010م، صص291-345.
[18]– ابن يوسف، المشرع، ج1، ص66 وص67.
[19]– م، س، ص92.
[20]– M. Weber, Economie et société, Trad. J. Freund et autres, Paris, Plon,1971, p 219.
[21]– وهي تحوير صوتي لأصول تعود إلى البرتغال.
[22]– انظر ما ذكره ابن يوسف، المشرع …، ج1، ص 293-306.
[23]– انظر نماذج منها في: ابن يوسف، المشرع…، ج1، ص 293-306. (متّصلة بالإمام يوسف برتقيز).
[24]– التّائب، بلاط باردو…، ص 40.
[25]– مخط د.ك.و بتونس 924 ضمن مجموع بدءًا من ورقة 15 ب إلى 26 أ، وأوراقها مختلفة عن بقيّة أوراق المخطوط.
[26]-مخط د.ك.و بتونس 941 وتضمّ إثر الشّرح منظومة في قواعد الفقه على المذهب الحنفيّ لأحمد المعروف بالبهلول. ولم يرد فيها تاريخ النّسخ.
[27]– مخط د.ك.و بتونس في أربعة أسفار14725-14726- 14727 -14728 ورقم 16652 ورقم 5161.
[28]– راجع مقدمة مخطوط المنن على مختصر القدوري أبي الحسن، وما ذكره ابن يوسف، المشرع…، ج1، ص 297.
[29]– برتقيز، المنن…، مخط د.ك.و بتونس 14725، و1 ب.
[30]– التّصدير: بداية الكتاب إلى حدّ الصّلاة على النبيّ (Préfixation). بنبين (أحمد شوقي) والطّوبي (مصطفى)، مصطلحات الكتاب العربيّ المخطوط (معجم كوديكولوجيّ)، الخزانة الحسنيّة بالرّباط، ط 5 مزيدة ومنقّحة، 1440 هـ/2020م، ص 103.
[31]– بيرم الثّاني (محمد)، شرح الشّيخ بيرم الثّاني على نظمه في المفتين الحنفيّة بتونس المحميّة، تحقيق محمّد الزّاهي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1999، صص83-84.
[32]– المشرع…، م، س، ج 1، ص 297- 298.
[33]– المسوّدة: الشّكل الأوّليّ للكتاب المليء بالمحو والتّشطيب والاضطراب وما إلى ذلك (Brouillon)، مصطلحات الكتاب العربيّ المخطوط…، م، س، ص 429.
المبيّضة هي نسخة المؤلّف الّتي صحّحها ونقّحها وهذّبها وارتضاها وأذاعها في النّاس (L’autographe ou l’original) م، س، ص 400.
[34]– انظر ترجمته في: خوجة (حسين)، ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، تحقيق الطّاهر المعموري، الدّار العربيّة للكتاب، تونس، 1975، ص 140- 143.
[35]– دار الكتب الوطنيّة بتونس في ثلاث نسخ، 6242 – 4569 – 3885.
[36]– برناز (أحمد)، إعلام الأعيان بتخفيفات الشرع عن العبيد والصّبيان، مخط د.ك. و 6242، ورقة 1ب.
[37]– عبد السّلام (أحمد)، المؤرّخون التّونسيّون في القرون 17 و18 و19: رسالة في تاريخ الثّقافة، ترجمة عبد الرزّاق الحليوي وأحمد عبد السّلام، المجمع التّونسيّ للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة، قرطاج، 1993. رأى أنّ الخصم المذكور هو حسين أفندي الحنفيّ.
[38]-برناز (أحمد)، الشّهب المُخرقة لمن ادّعى الاجتهاد لولا انقطاعه من أهل المَخرقة، تحقيق وتقديم الطّاهر المعموريّ، دار الغرب الإسلاميّ، بيروت، ط 1، 1990، ص364.
[39]– خوجة، ذيل…، ص 130- 132؛ السرّاج، الحلل…، ج 3، ص 301- 302.
[40]– المريمي (محمد)، إباضيّة جزيرة جربة خلال العصر الحديث، كليّة الآداب والفنون والإنسانيّات بمنّوبة ودار الجنوب للنّشر، تونس، 2005، ص303 وصص317-325 (الفصل الثّاني: دخول المالكيّة إلى جربة وتطوّراتها).
[41]-يعتبر أحمد برناز من أبناء التّرك، وكذلك البيارمة الّذين عدّوا أشرافا من جهة الأمّ. وتسمّى هذه الطائفة النّاتجة عن تزاوج عرقيّ بــ”كوروغلي”. انظر: بيرم الثّاني (محمد)، التّعريف بنسب الأسرة البيرميّة، تقديم وتحقيق لضو بسيسة، نقوش عربية، تونس، 2010.
Berguaoui Sami, « Des Turcs aux Hanafiyya ,La construction d’une catégorie « métisse » à Tunis aux XVIIe et XVIIIe siècles » in www.cairn. info, Editions de l’EHESS, 29-5- 2015.
[42]– ابن يوسف، المشرع…، فصل: ذكر بعوث العلماء من تونس مرّة أخرى إلى أهل جبل وسلات، ج 1، صص 107- 113.
[43]– عنوان المخطوط د.ك.و بتونس رقم 7129 أتمّه أواخر شهر محرّم سنة 1136 هـ/ أكتوبر 1723م.
[44]– عنوان المخطوط د.ك.و بتونس رقم 21730، لم يرد في حرد المتن تاريخ الفراغ منه وحسب ما ورد من إشارات تاريخيّة ببناء المدرسة والجامع والتّربة الملاصقة لهما بالصبّاغين يعود تمام الكتاب في 1139 هـ/ 1727م.
[45]-سعادة، قرّة العين…، مخط د. ك.و بتونس، رقم 21730، ورقة 6 وجه.
[46]– وهي مقاطع حذفت في النّسخة 21730 من قرّة العين. راجع:
اللّواتي (محمد)، “معطيات جديدة حول مخطوط قرّة العين لمحمد سعادة”، ضمن: التراث المكتوب، جمع د. فتحي جرّاي، المعهد الوطنيّ للتّراث، تونس، 2017.
ولا نوافق الزّميل أنّ النّسخة 7129 مسوّدة والثّانية 21730 مبيّضة. فالتّزويق والتّذهيب في المخطوط رقم 7129 لا يمكن أن يكون تسويدا، ونرجّح أنّ النّسخة وقع التصرّف فيها في فترات بعديّة لأغراض ما. وهذا ما يفسّر الشّطب في المخطوط الأوّل وإضافات أخرى في المخطوط الثّاني. ونفضّل في هذا الصّدد استخدام مصطلح الإبرازة، وهي تعني الزّيادة والتّنقيح. انظر: إبرازة في: بنبين والطّوبي، مصطلحات الكتاب العربيّ المخطوط…، م، س، ص 14.
[47]– سعادة، قرّة العين…، مخط د. ك. و رقم 21730، ورقة 6 وجه.
[48]– قرّة العين، د. ك. و 21730، ورقة 6 وجه. والشّاهد تضمين لبيت جرير [البسيط]:
وَابْنَ اللَّبُونِ إِذَا مَا لُزَّ فِي قَرَنٍ | لَمْ يَسْتَطِعْ صَوْلَةَ البَزْلِ القَنَادِيسِ |
[49]– Bargaoui (S), «Débats identitaires et logiques territoriales: L’administration de la justice malikite à Tunis à l’époque moderne», Studia Islamica, no. 97, 2003, pp 121-153.
[50]– راجع هذه الأخبار في: د. الهيلة (محمد الحبيب)، “المادّة التّاريخيّة من كتاب قرّة العين لمحمد سعادة”، المجلّة التّاريخيّة المغاربيّة، السّنة الثّامنة، العـ23ـ 24ــدد، نوفمبر 1981، ص 379-406.
[51]– قرّة العين…، 21730، ورقة 2 ظهر.
[52]– Lewis, Bernard, Le langage politique de l’islam, Paris, Gallimard, 1988.
Repp, R.C, The Mufti of Istanbul ; A study in the development of ottoman learned hierarchy, Oxford, U .K, Ithaca press, 1986.
انظر التّحليل الّذي يقدّم حول مؤلّفات السّياسة الشّرعيّة وآداب نصائح الملوك في: عبد اللّطيف (كمال)، في تشريح أصول الاستبداد: قراءة في نظام الآداب السّلطانيّة، دار الطّليعة للطّباعة والنّشر، بيروت، 1999.
[53]– سعادة، قرّة العين….، 21730، ورقة 5 ظهر. والأبيات لمحمد سعادة قمنا بتحقيقها.
[54]– راجع ما يذكره: ابن عبد العزيز (حمودة)، الكتاب الباشي: قسم السّيرة، تحقيق محمد ماضور، الدّار التونسيّة للنّشر، تونس، 1970.
[55]– خوجة، ذيل…، ص 111.
[56]– مخط د.ك.و بتونس 4866 والنسخة فيها نقص. ومخط د.ك.و بتونس 41 مبتورة الآخر.
[57]– خوجة، ذيل…، ص 115.
[58]– م، س، ص 115. والشّعر للخنساء.
[59]– م، س، صص 115- 116.
[60]– م، س، ص 116.
[61]– خوجة، ذيل…، ص 116
[62]– السّرّاج، الحلل…، ج3، ص70.
[63]– م، س، ج 3، ص16-20.
[64]– كوثراني (وجيه)، السّلطة والمجتمع والعمل السّياسيّ: من تاريخ الولاية العثمانيّة في بلاد الشّام، مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت، 1988، ص 20.
[65]-السّرّاج، الحلل، ج3، ص 239.
[66]– م، س، ج3، ص 75.
[67]– م، س، ج3، ص 91.
[68]– انظر: البشروش (توفيق)، الوليّ الصّالح والأمير، ترجمة المؤلّف، دار سيماترا، تونس، 2013.
[69]– حول توظيف الأحلام وأبعادها انظر:
زيعور (عليّ)، الكرامة الصّوفيّة والحلم: القطاع اللاّواعي في الذّات العربيّة، دار الأندلس، بيروت، 1994.
[70]– السّرّاج، الحلل، ج3، ص 39.