المجتمع والمعنى: مدخل إلى السميائيات الاجتماعية
Society and Meaning: An Introduction to Social Semiotics
د. ابراهيم مهديوي – د. محمد هموش (جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المغرب)
Dr. Brahim Mehdioui/Dr. Mhammed Hamouche Ibn Tofail University, Kenitra/ Kingdom of Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 96 الصفحة 17.
ملخص :
تقدم هذه المقالة تعريفا بالسميائيات الاجتماعية من حيث المفهومُ، والموضوع، والأبعاد التحليلية، والتكامل المعرفي، لذلك حددنا هذا الفرع من السميائيات بصفته تأويلا اجتماعيا لكيفيات استعمال الأفراد لمواردهم السميائية من أجل التعبير عن معانٍ ضمنية في السياق، وناقشنا بعض أبعاده التطبيقية التي تشمل الأنساق الاجتماعية برمتها، ورصدنا أبرز المعارف والأصول النظرية المدمَجة في التحليل السميائي الاجتماعي، وقد خلصت هذه المقالة إلى تأكيد أن السميائيات الاجتماعية شكل من أشكال النقد والتأويل الاجتماعيَّيْن الذي يروم فحص الممارسات الاجتماعية التي يستعملها أفراد المجتمع بصفتها موارد لبناء المعاني من أجل توصيل معلومات ما، والتلميح إلى أشياء كامِنة في السياق الاجتماعي، مما يعني أنه لا تأويل لأي سيمياء اجتماعي بمعزل عن سيرورة فضائه الاجتماعي.
الكلمات المفتاحية: سميائيات اجتماعية، سيمياء اجتماعي، مورد سميائي، معنى اجتماعي، سياق.
Abstract:
This article provides a definition of social semiotics in terms of concept, subject, analytical dimensions, and cognitive integration. Therefore, we identified this branch of semiotics as a social interpretation of how individuals use their semiotic resources in order to express implicit meanings in the context, we discussed some of its applied dimensions that include entire social systems, and we monitored the most important knowledge and theoretical assets incorporated in the social semiotic analysis. This article concludes that social semiotics is a form of social criticism and interpretation that aims to examine the social practices used by members of society as resources to construct meanings in order to communicate information, and to hint at latent things in the social context. Which means that there is no interpretation of any social semiotic in isolation from the process of its social space.
Keywords: Social semiotics, social semiotic, semiotic resource, social meaning, context.
مقدمة :
تُعرَّف السميائيات (Semiotics) بأنها علم العلامات العام، وهي تُصنَّف ضمن علوم المعنى التي تُعنى بدراسة السميوزيس في الفضاء السميائي، وقد نجح البحث السميائي المعاصر في توحيد مجموعة من الموضوعات المتباينة في خانة “الإيحاء” (Connotation) بصفتها أنساق علامات؛ بحجة أن دراسة أي نسق سميائي تقود إلى بناء معانٍ إضافية ثانوية هي من صلب العرف والتوافق الاجتماعيَّيْن، لقد سعت السميائيات عبر تطوّرها التاريخي إلى صَوْغ نظرية عامة في تحليل خطاب العلامات، ومع ذلك فإنه تبلورت اتجاهات سميائية متعاقبة هدفت إلى تحليل طرائق تمثيل الأفراد للمعاني في أنماط علامات مختلفة، وبالنظر إلى تباين طبائع هذه العلامات- اصطناعية، ولسانية، وفنية، وثقافية- واختلاف كيفيات انتظام أنساق علاماتها الفرعية (المسرح مقارنة مع التشكيل)، فقد واكب الدرس السميائي هذه الملامح الفارِقة من خلال بناء “سميائيات خاصة” تهتمّ بدراسة كل نسق علامي على حدة حسب قواعده (نَحْوُ العلامة)، وملامحه المميِّزة، فَصِرنا نتحدث عن سميائيات للصورة، وسميائيات للسرد، وسميائيات للمسرح، وسميائيات للعمارة، وسميائيات للفيلم، إلخ، وتختلف هذه الفروع السميائية في أسسها النظرية، ومفاهيمها الواصفة، وروادها المؤسِّسِين، وموضوعاتها التحليلية (أنواع العلامات)، لكن يظل الهدف الأساس دراسة مسالك بناء المعنى في النسق السميائي المعني.
وقد أسهمت دينامية الأبحاث والدراسات التي تشهدها السميائيات في ظهور مدارس سميائية جديدة قاسمها المشترك أنها “سميائيات موسَّعة”، وخصِّيصتها البارزة أنها “متعددة التخصصات” (Multidisciplinarity) يمكن الاستناد إلى أدواتها الإجرائية من أجل تأويل أشكال مختلفة من العلامات، نذكر من ذلك “سميائيات الثقافة” (Semiotics of Culture) بقيادة “أمبرتو إيكو” (Umberto Eco) في إيطاليا، وبزعامة مدرسة تارتو موسكو (Tartu-Moscow School) في روسيا، فهذه المدرسة السميائية الأخيرة جعلت من الثقافة موضوعا رئيسا للسميائيات، لِتُبيِّن- من جهة- أن الثقافة نسق سميائي عام يتشكل من أنساق علامات فرعية وظيفية مختلفة، وتُظهِر- من جهة أخرى- أن أية ثقافية إنسانية سيرورة مركبة من النصوص الثقافية التي تتمثل وظيفتها في تصريف القيم، والتعبير عن الهوية، وبناء الذاكرة المشتركة، وأن مهمة السميائيات ماثلةٌ في دراسة هذا التعالق الوظيفي لهذه الأنساق والنصوص، ومعالجة التدرج والبناء الهرمي في اللغات الثقافية أيضا، ثم إن مفاهيمها المحورية مثل: النصية، والنسق المنمذج الثانوي، والكون السميائي، ونسق العلامات، يمكن استثمارها في تفسير اشتغال أنساق سميائية مختلفة كالمسرح، والصورة، والعمارة.
علاوة على ذلك، تطلعت “السميائيات الاجتماعية” (Social Semiotics) إلى أن تكون أحد أشكال النقد الاجتماعي الذي يهدف إلى تأويل أنساق علامات المجتمع، فقد كان هدفها دراسة موارد بناء المعاني في الحياة اليومية؛ ذلك أنّ أيّ مجتمع بناءٌ سميائي بالدرجة الأولى؛ فاللغة سيمياء اجتماعي، وكذلك الممارسات الاجتماعية كافة، إذ يستعمل أفراد كل مجتمع موارد سميائية فريدة لإنجاز أغراضهم الاجتماعية وتحقيق أهدافهم التواصلية، وذلك من خلال التعبير عن المعاني بشكل غير مباشر في السياق الاجتماعي، لذلك لا يمكن للممارسة التأويلية أن تفصل هذه الوسائط الاجتماعية التواصلية عن سياقها الاجتماعي والثقافي والتاريخي. ويمكن توضيح هذا الطابع الشمولي للتحليل السميائي الاجتماعي بمفاهيمه السميائية الواصفة أيضا؛ ذلك أن مفاهيم كالمورد السميائي، والسيمياء الاجتماعي، والنسق الاجتماعي، والسياق، يمكن أن يُستنَد إليها في تأويل ممارسات اجتماعية متباينة لفظية وغير لفظية.
من هذا المنطلق، تراهن هذه المقالة على التعريف بأحد الاتجاهات السميائية المعاصرة؛ يتعلق الأمر بالسميائيات ذات المنظور الاجتماعي، وذلك من خلال عرض مفهومها ومناقشته، وتحديد موضوعها، ورصد مفاهيمها المحورية، وتوضيح تداخلها المعرفي، لذلك فإن هذه الورقة العلمية ستجيب عن الأسئلة المركزية الموالية: ما الحاجة إلى السميائيات بصورة عامة؟ وما المقصود بالسميائيات الاجتماعية؟ وما مفاهيمها السميائية الواصِفة؟ وما آفاقها التحليلية؟ وكيف نُوضِّح تفاعلها المعرفي؟
- ما السميائيات؟
تعد السميائيات “دراسةً للعلامات، إنها تختص بالكيفيات التي نُمثِّلُ بها عالمنا لأنفسنا والآخرين، فهي مَسْعًى إنسانيّ، إذ يمكن للإنسان التواصل لفظيا أو غير لفظي، فيستعمل العلامات، أو الرموز، أو الصوت، أو الوسائل المصاحبة للغة لتوصيل الرسالة، إذْ تهتم السميائيات بإنتاج المعنى وتأويله، ويتجلى مبدأها الأساس في أنّ المعنى ينتج عن تداول الأحداث والأفعال والموضوعات التي تشتغل بوصفها علامات في علاقتها بعلامات أُخَر، تُكوِّن العلاقة التي توجد بين علامة وأخرى نسقَ علاماتٍ”[1].
إن موضوع السميائيات هو “السميوزس” (Semiosis) الذي يعني دراسة أنساق العلامات مُدمجَة داخل سيرورتها الاجتماعية وبنائها الثقافي وعمقها التاريخي والذاكري، فهو لا يُختَزل في تحليل العلامة منفردة أو في ذاتها، لكن في علاقاتها بعلامات أخريات، لقد أنتج الإنسان العلامات- بصفته حيوانا رمزيا بلغة “إرنست كاسيرر” (Ernst Cassirer)- ليجعلها وسائط إلزامية للتواصل مع الآخر، وتمثيل العالم وتكثيفه في أشكال رمزية، وقد اتخذَت هذه العلامات هيئات، وأشكالا، وصيغا، ولغات متنوعة: لسانية، وأدبية، وفنية، وإعلامية، وغيرها، وهي مصنَّعات ثقافية (Artefacts) “تدل”، و”ترْمُز”، و”تُمثِّل”، و”تُوحي” برسائل غير مباشرة لا تنفصل عن الهوية، فمع تعدد وتنوع أنساق العلامات الاجتماعية، ستكون مهمة التحليل السميائي بناء معاني هذه العلامات استنادا إلى السنن الثقافية المتصِلة بقوانين الفضاء السميائي وقواعده، بالنظر إلى اعتباطيتها إذا استعرنا مصطلحية “فيرديناند دي سوسير” (Ferdinand de Saussure) في السيميولوجيا (Semiology)؛ والسبب أن كل علامة “حامل دلالي”، و”ذاكرة” (Memory) تُكثِّف أبعادا دلالية، وتضمِّن جوانب تواصلية.
يُتِيح لنا هذا المنظور السميائي أنْ نَعُدّ إنتاجاتنا الثقافية أنماطًا تعبيرية مختلفة توفر إمكانات غير محصورة لإحداث عمليات تواصلية إما بكيفية لسانية، أو فنية، أو هما معا بصيغة مركبة ومعقدة (المسرح أنموذجا)، إذ لم “تعد اللغة الطبيعية وحدها تتيح لنا الوصول الكامل إلى معاني معظم الرسائل المعاصرة، التي يتم بناؤها الآن في عدة أوضاع: على الصفحات في وضع الكتابة والصورة؛ على الشاشات من خلال الأقراص المدمجة وعلى الويب؛ في الكلام، والموسيقى، والصورة- المتحركة أو الثابتة؛ في الإيماءة، واللون، ومسار الصوت، في مثل هذا النمط من النص، اللغة المتضمَّنة، حاملٌ جزئي للمعنى فقط”[2]، ومن ثم فقد جسّدت السميائيات تفكيرا جديدا يعيد النظر في مفهوم اللغة من خلال رصد مجموعة من الوسائط التي لها إمكانات تعبيرية، والتعرف على أشكال مختلفة للتمثيل والتواصل[3]، ذلك أن اللغة في التصور السميائي مفهوم رحبٌ يشمل الأنساق اللسانية والفنية والثقافية، غير أن كل موضوع تواصلي يتميز بمكونات وخصائص فريدة تحكم تعبيرية مفرداته بشكل مختلف من كون ثقافي إلى آخر، لذلك تكمن الحاجة إلى السميائيات في تنمية الوعي بمختلف أشكال اللغات، وأنماط التمثيل الإنساني، وكذا تجديد معرفتنا بالعالَم والإنسان، في هذا الإطار، يُوضِّح “أمبرتو إيكو” هذه الضرورة المعرفية والمنهجية للسميائيات حين عدّها “برنامجا بحثيًّا يدرس جميع العمليات الثقافية بوصفها عمليات تواصلية”[4]، مُبلوِرًا تعريفا مُتطوِّرا مُفاده: “تُعنى السميائيات بأي شيء يمكن أن يُتخذ بصفته علامة، إن العلامة أيّ شيء يمكن عدّه بديلا عن شيء آخر، ليس ضروريا أن يكون هذا الشيء الآخر موجودا أو في الواقع في مكان ما في الوقت الحالي حيث توجد علامة عليه، ومن ثم فإن السميائيات هي من حيث التخصص تدرس أي شيء يمكن استعماله في نظام الحياة”[5]، فما يميز سميائيات إيكو أنها سميائيات ثقافية تأويلية تُحلِّل الثقافة بصفتها نظاما تواصليا عاما، ومجموع مكوناتها اللفظية وغير اللفظية أنظمة تواصلية فرعية، وتظهر الحاجة إلى التأويل؛ لأن التواصل الثقافي ذي طبيعة نسقية يُواري المعنى خلف الأبعاد النفعية والبدَهية والمباشرة التي تمارس التضليل والتورية.
لقد استطاعت السميائيات بناء نظرية في تحليل الخطابات تراعي الملامح التركيبية لنسق العلامة، وكيفيات بناء معناه؛ ذلك أن تعقيد انتظام علامات الخطاب المسرحي، ليس التركيب ذاته التي تتخذه علامات الخطاب السردي، ولا الترتيب نفسه الذي تتخذه أنساق علامات اللباس، وهلم جرا.
إننا نناقش في هذه المقالة السميائيات الاجتماعية بصفتها فرعا من السميائيات يقترح أدوات تأويلية لتحليل الخطاب الاجتماعي، ويقترح إبدالا منهجيا لتأويله في السياق، إذ “توفر السميائيات الاجتماعية أصنافا تُطبَّق، على مستوى واحد، على جميع الأنماط بالتساوي، على الكلام كما الصورة، والإيماءة كما الموسيقى، والكتابة كما الموضوعات ثلاثية الأبعاد، وما إلى ذلك: أصناف مثل العلامة، أو النص، أو النوع/ الجندر (Gendre)، أو الخطاب، أو الاستعارة والقياس”[6].
- ما السميائيات الاجتماعية؟
بادئ ذي بدء، ظهرت السميائيات مع مُؤسِّسَيْن: أوّلهما اللساني “فيرديناند دي سوسير” الذي تكهن بعلم للسيميولوجيا “يدرس حياة العلامات داخل الحياة المجتمعية”[7]، وثانيهما الفيلسوف الأمريكي “شارل سندرس بورس” (Charles Sanders Peirce) الذي لم يكن بمقدوره دراسة أيّ شيء داخل التجربة الإنسانية إلا من وجهة نظر سميائية تأويلية، مُستعينًا بعلوم المنطق، والرياضيات، والفلسفة الظاهراتية عند “إمانويل كانط” (Immanuel Kant)؛ ابتغاء تأويل الوجود الإنساني.
لقد تنبأ “فيرديناند دي سوسير” بهذا العلم الجديد من داخل حقل اللسانيات، وقد أسهم في ذلك تحديده لموقع اللسان بصفته أرقى الأنساق السيميولوجية؛ فهو مؤوِّل ذاته، ومؤوّل جميع الأنساق السيميولوجية اللسانية وغير اللسانية، وهو- أيضا- المصفاة التي يحضر بواسطتها العالم في الذهن، وتُخزَّن وقائعه على شكل ذكريات (ذاكرتنا لسانية بطبيعتها)، إذ يذكر- في هذا الصدد- ما نصه: “إن اللسان نسق من العلامات المعبرة عن أفكار، ومن ثم فهو شبيه بالكتابة، وأبجدية الصم والبكم، والطقوس الرمزية، وأشكال الآداب (التأديب)، والإشارات العسكرية، وما إلى ذلك، هذه فقط أهم هذه الأنساق”[8]، وتتأسس العلامة اللسانية على مبدإ إحالي ثنائي يتشكل من دال (Signifier) يُجسِّد الصورة الصوتية السمعية التي تُمثِّلها الكلمة في اللغة، ومدلول (Signified) هو الصورة التصورية التي تجسد مفهوم الكلمة، وكلاهما من طبيعة نفسية، وتحكمهما علاقة اعتباطية مصدرها العرف والتوافق الاجتماعيان، ويُصطلَح على العلاقة بينهما: الدلالة (Signification).
في الاتجاه السيميوطيقي الأمريكي، أكسب “شارل سندرس بورس” التحليل السميائي أبعادا تحليلية موسَّعة نظرت إلى الوسط الإنساني بأنه فضاء لإنتاج العلامات وتداولها؛ فكل شيء داخله علامة حتى الإنسان مُنتِجها، ومُروِّجها، ومستهلكها، وقد قدّم هذا الفيلسوف والسميائي توصيفا ثلاثيا لبنية العلامة ينبني على مبدإ إحالي ثلاثي هو: أول يحيل على ثانٍ عبر ثالث، أيْ ماثول (Representamen) يحيل على موضوع (Object) عبر مؤوِّل (Interpretant)؛ فالماثول أداة للتمثيل، وهو الشكل الذي تتخذه العلامة، والموضوع هو ما تشير إليه العلامة من معارف، أو ما يقوم الماثول بتمثيله، أما المؤول فهو “عنصر التوسط الإلزامي الذي يسمح للماثول بالإحالة على موضوعه وفق شروط معينة”[9]، غير أن الطابع المميز لسميائيات بورس يجلى في أن تأويل العلامة يقود إلى توليد دلالات غير محصورة اصطلح عليها اسم: السميوزيس (Semiosis)، لكننا نلجأ إلى السياق لننتقي ما هو ملائم للفهم، وقد طوّر “شارل موريس” (Charles Morris) هذه النظرية عام (1938)، موزِّعًا السميائيات إلى ثلاثة أبعاد: تركيبي أو نحوي يدرس العلاقة بين العلامة وعلامات أخريات، ودلالي يكشف العلاقة بين العلامة وما تدل عليه، وتداولي يدرس العلاقة بين العلامة ومؤوليها أو مستعمليها، كما استثمر “أمبرتو إيكو” التصورات السميائية السابقة عليه، فأعاد قراءتها وفحصها، وعدّ السميائيات دراسة لأنساق الحياة الثقافية بصفتها موضوعات تواصلية، مُستنِدًا إلى مقاربة تأويلية هي الوجه التطبيقي للسميائيات.
لقد كان هذا التمهيد ضروريا للتعرف على جهود سميائيِّين معاصرِين بارزِين تعاملوا مع العلامة داخل الفضاء الإنساني، قبل الانتقال إلى الحديث عن السميائيات الاجتماعية، بالعودة إلى هذه الأخيرة، يوجد مصطلحان للتعبير عن الفرع السميائي المعنيّ بالتحليل السميائي للعلامات الاجتماعية وتأويلها، هما التاليان: “السوسيوسميائيات” (Sociosemiotics)، و”السميائيات الاجتماعية”، “يميل المصطلح الأول إلى أن يكون مُهَيْمِنًا في التقليد الأوربي على الرُّغم من أنه من المفارقات أن هذا الصدى يحاكي التقاليد الأنجلوفونية ذات الغالبية في السوسيولسانيات (Sociolinguistics)، بينما يرتبط المصطلح الثاني بالمنظور الأنجلو- أسترالي لهاليداي في دراسته للتواصل والعلامة”[10].
إن مصطلح “السميائيات الاجتماعية” قُدّم لأول مرة من قِبَل “مايكل هاليداي” (Michael Halliday) عام (1978) عندما درسَ اللغة بصفتها جزءا من البناء الدلالي الذي يكوِّن المجتمع، فقد نظر إليها بوصفها “سيمياءً اجتماعيا (Social Semiotic): اللغة في سياق الثقافة بِعدِّها نسقًا سميائيا”[11]، وقد ساعده الإطار المعرفي الذي تبنّاه ضمن “اللسانيات الوظيفية النسقية” (Systemic Functional Linguistics) على رصد الجوانب النسقية التي تُضمِرها اللغة، مُبْرِزًا أنها “مورد سميائي اجتماعي” (Social Semiotic Resource) يستعمله أفراد المجتمع لإنجاز أغراضهم من خلال التعبير بطريقة مُضمَرة عن المعاني في السياق، مؤكدا أنّ “اللغة لا يمكن فصلها عن المجتمع، فهو ينظر إليها بصفتها سيمياءً اجتماعيا في أية لغة، والوسائل التي يتفاعل بها الناس، يجب أن تؤخذ بعين المراعاة في سياق اجتماعي، إن اللغة والمجتمع مفهومٌ مُوحَّد ويحتاج إلى أن يكون مُدقَّقا بوصفه كُلًّا”[12].
يصوغ الأفراد رسائل مختلفة لأداء أغراض معينة، ويُعبِّرون عنها بواسطة اللغة، فَمِنَ المعلوم أنه يمكنهم استعمال الموارد اللغوية للكشف عن تجربتهم الداخلية والخارجية حول العالم، فاللغة طريقة ووسيلة مهمة لنقل ما يحدث حولهم وداخلهم[13]، وإذا كان “رومان جاكبسون” (Roman Jakobson) قد أسس سابقا في مقالته الشهيرة “اللسانيات والشعرية”[14] لِسِتِّ وظائف محورية للغة هي: الوظيفة التعبيرية، والتأثيرية، والشعرية، والمرجعية، والحشوية، واللسانية الواصفة، فإن “هاليداي” حدد ثلاث وظائف واصفة للغة هي التالية: الوظيفة الفكرية (Ideational)، والوظيفية البين شخصية (Interpersonal)، والوظيفة النصية (Textual)، وهي وظائف متداخلة في كل مستويات اللغة، تتحقق الوظائف الثلاث للغة بأنساقها الفرعية الخاصة بها وتتألف بدورها من هذه الأنساق الفرعية: الانتقال (Transitivity)، والحالة المزاجية (Mood)، والتقييم (Evaluation)، والبنية الموضوعية (Thematic Structure)، وبنية المعلومات (Information Structure)، ونسق التماسك (Cohesion System)، إذْ تتعلق الوظيفة الواصفة الفكرية بالتفكير في محتوى الرسالة أو ما تقترحه من معلومات، وتُعنى الوظيفة الواصفة متعددة الشخوص بالتفاعل بين المتحدِّث والمرسل إليه الذي يعبِّران من خلاله عن مواقفهما وأحكامهما، أو يحاولان التأثير في مواقف الآخرين وتغيير أحكامهم، ويتم تفسير هذا المعنى البين شخصي في الجملة اللغوية على أنه تبادل مشترك يحدث بين طرفي الرسالة، بينما تختص الوظيفة الواصفة النصية بطريقة توليد النص، وكيفية الحصول على نص متماسك[15].
لقد تنبه “هاليداي” إلى أن إنتاج النصوص إنتاج مُراقَب من قبَل سلطة النحو، ونسق الثقافة؛ ذلك أن الكاتب الذي يُبدِع نصا مُتَّسِقًا فهو يُنتِج “تمثيلًا” (Representation)؛ لأن البنية اللسانية قادرة على التلميح إلى أشياء تتجاوز بنيته الشكلية السطحية: التوبيخ، والتحذير، والاحتجاج، وتعزيز الانتماء، إلخ، ومن ثم، سيصير النص تكثيفا دلاليا يحتاج تأويله إلى الإلمام بالظروف الاجتماعية (المقام)، والسياق، وانفعالات الكاتب، إلخ. والمراد من ذلك أن الوظائف الواصفة للغة تُحدِّد النص بصفته تعبيرًا عن رسالة من ناحية أولى، وخطابًا موجَّهًا من مُخاطِب إلى مُخاطَب يسعى إلى إحداث حوار ينتهي بإنجاز فعل التأثير من ناحية ثانية، وبنيةً متماسكة الوحدات اللغوية من ناحية ثالثة.
وقد لخص “طومبسون” (Thompson) هذه الأنواع الثلاثة من الوظائف الواصفة للمعنى على النحو التالي: “نستعمل اللغة للتحدث عن تجربتنا للعالم، بما في ذلك العوالم الموجودة في أذهاننا، لوصف الأحداث والوضعيات والكائنات المشاركة فيها؛ نستعمل اللغة أيضًا للتفاعل مع الآخرين، وإنشاء علاقات معهم والحفاظ عليها، والتأثير في سلوكهم، والتعبير عن وجهة نظرنا الخاصة حول الأشياء في العالم، وإثارتها أو تغييرها؛ أخيرًا، عند استعمال اللغة، نُنظِّم رسائلنا بطرائق تشير إلى مدى ملاءمتها للرسائل الأخرى من حولها ومع السياق الأوسع الذي نتحدث أو نكتب فيه”[16].
تفسيرًا لذلك، ناقش “هالداي” التغييرات التي تلحق موضات الكلام، وعدّها تغييرات في الدلالات أيضا؛ لأن أية موضة كلامية جديدة أسلوبٌ دلالي متطوِّر؛ والسبب أن كل طريقة في الكلام تعبير ضمني عن طريقة اجتماعية مخصوصة في إيصال المعاني وإبلاغها التي لا يمكن أن تُفكَّ شفراتها دون الرجوع إلى سياقها، يذكر “هاليداي”- في هذا الإطار- ما نصه: “من غير المُرجَّح أنْ يظل جزء من النسق الدلالي معزولا تماما عن الآخر؛ عندما يتم توليد معانٍ جديدة على نطاق واسع، يجب أن تتوقع بعض التغييرات في “موضات الحديث”، ليس واضحا كيف حدث ذلك؛ لكن من المؤكد أنه لا يكفي تأويل التجديد بأنه تغيير في الموضوع، تتضمن التغييرات التي يتم إحداثها بهذه الكيفية أنواعا من المشاركين من الوسائط، وعلاقات المشاركين، وجميع مكونات النسق الدلالي، يتم إحداث التغيير الدلالي من خلال وسيط البنية الاجتماعية، الأسلوب الدلالي وظيفةٌ من العلاقات الاجتماعية وأنواع الحالات الناتجة عن البنية الاجتماعية، إذا تغيّرت فذلك ليس بسبب ما يتحدث عنه الناس الآن بل بسبب من يتحدثون، وفي أية ظروف، من خلال وسائل الإعلام وما إلى ذلك. سيتم فهْم تحول الموضة في الحديث بشكل أفضل بالرجوع إلى أنماط التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية المتغيّرة بدلا من البحث عن رابط مباشر بين اللغة والثقافة المادية”[17].
يمكننا الآن أن نستوعب أن جهود “هاليداي” تُؤسِّس لنظرية في التأويل الاجتماعي للغة والمعنى، وذلك من خلال التركيز على ما يمكن أن تؤديه اللغة من معانٍ غير تصريحية في سياق اجتماعي ما، فكلما تغيّر سياق المجتمع تغيّرت وسائط اللغة، وتبدّلت طرائق التعبير عن المعنى في السياق، لذلك، فقد شكّل السياق في مشروعه مفهوما محوريا استثمر عمَل “مالينوفكسي” (Malinowski) الذي تحدث عن “سياق الموقف” (Context of Situation) بما هو مجموع الأفعال التي تحدث عندما يتحدث المشاركون ويتفاعلون فيما بينهم، وإسهام “جون روبرت فيرث” (John Rupert Firth) الذي تعامل مع الموقف بصفته سياقا لغويا تتداخل فيه عوامل سياقية كالمشاركين في الموقف، وأفعالهم، وبعض خصائص الموقف، وآثار الفعل اللفظي (التوبيخ، أو التحذير، أو الإرشاد، أو التهديد، أو الالتماس، إلخ)[18]، لقد تطوّرَ السياق من “السياق في ذاته”- أيْ اللغة في ذاتها- إلى “السياق المركب” المنفَتِح على عوامل زمانية، ومكانية، وتاريخية، وثقافية، واجتماعية، وعلاقة المخاطَب بالمخاطِب، وحالاتهما النفسية والانفعالية والمزاجية، ونوعية وسائط التواصل، إلخ، ومعنى هذا أنه كلما تغيّر سياق الكون الثقافي تغيرت قواعد التواصل وقوانينه؛ بدليل أن كل فضاء اجتماعي يمتلك لغات لسانية وثقافية تتميز بخصائصها التركيبية والصوتية والأسلوبية والموضوعية التي يستعملها أعضاؤه لتحقيق أغراضهم وإنجازها من خلال التعبير عن المعاني في السياق، فهي طرائق لتمثيل المعنى في السياق الاجتماعي، وفي الآن ذاته هي وسائل للتفاعل، والاندماج، والتعايش، وتحقيق الوحدة، والانسجام، والتكامل، والتماسك على المستوى الاجتماعي، وتنظيم المجتمع، لذلك يُتطلَّبُ أن يمتلك المرء سننا لغوية وثقافية مشتركة قبل بدء التواصل داخل أيّ كون سميائي، أيْ ضرورة امتلاكه خبرات وتجارب سابقة تُسهِّل التحاور، ومن ثم تُحصِّل الفهْم، بهذه الكيفية، يمكن توضيح أهمية السياق في التأويل الاجتماعي للغة والمعنى.
وإذا كان الاتجاه اللساني النفسي والمعرفي يروم معالجة السيرورات الذهنية المصاحِبة لعمليتي إنتاج (التحدث) وتلقي اللغة (الفهم)، والاتجاه البنيوي يسعى إلى دراسة العلاقات الشكلية بين الوحدات اللسانية بمعزل عن عواملها الدلالية ومُوجِّهاتها التداولية فوق النصية، إذ يظل الغرض الأساس لهذا الاتجاه وصف اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتها؛ لكونها نسقا مغلقا لا تستدعي دراسته أيّ معطى خارجي، فإن الاتجاه اللساني الوظيفي النسقي يرى أن الوحدات اللغوية وسائط تواصلية مرتبطة بعوامل دلالية وتداولية، وظروف مقامية مهمة وحاسمة في عملية التأويل، ذلك أن اللسان ليس النسق الوحيد المعتمَد في التواصل؛ قد نتواصل بالوشم، والاحتفالات، واللباس، والموسيقى، وكل واحد من هذه الأنساق التعبيرية يمتلك لغة لها مفردات وخصائص؛ والشاهد على ذلك أن مفهوم اللغة صار مفهوما سميائيا يَعُدُّ كل “نسق يهدف في النهاية إلى إقامة تواصل بين شخصين أو أكثر لغةً”[19]. لذلك، إذا خاطَبَنا فردٌ ما مُستعمِلًا وحدات لسانية متَّسقة ومنظَّمة يجب أن نعيَ أن خطابه عبارة عن “إمكان”، أو “انتقاء”- حضور بلغة “فيرديناند دي سوسير”- من بين احتمالات تواصلية عديدة يمكن أن يوظفها لتوصيل المعنى النسقي الذي يقصده، فهو قد اختار مفردات لغوية بعينها، واصطفى الطريقة اللغوية المجدية التي يراها فاعلة في قول ما يريده وإبلاغه ضمنيا؛ إذ يمكنه أن يُضمِّن اللغة “ما يمكن أن يفعله”، أو “ما يمكن أن يعنيه” بكيفية مشفرة، فلكي نفهم وظائف اللغة بشكل جيد، يجب علينا الخروج من اللغة، والنظر إلى اللغة نفسها على أنها تحقيق لشيء ما بعدها، الذي، بكلمات “هاليدي”، يشير إلى ما “يمكننا فعله”، أو السلوك المحتمل (Behavior Potential)، أو المعنى الممكن (Meanings Potential)، لذلك من الضروري اكتشاف وتأويل معنى اللغة في السياق الاجتماعي من منظور اجتماعي[20]، إن الفكرة الجوهرية التي يمكننا استخلاصها من النظرية النسقية عند “هاليداي” ماثلةٌ في أن “اللغة يُنظر إليها على أنها سيمياء اجتماعي، مما يعني “كيف يستعمل الناس اللغة مع بعضهم البعض في إنجاز الحياة الاجتماعية اليومية”[21].
يتعاطى التأويل السميائي الاجتماعي عند “هاليداي” مع مختلف الأنشطة الاجتماعية والممارسات والنصوص واللغات الثقافية التي اكتسبناها بفعل التنشئة الاجتماعية والاحتكاك الثقافي؛ لأن الثقافة نسيج علامي، و”مجموعة من النصوص التي تكوّن ذاكرة جمعية غير موروثة”[22] بيولوجيا، إذا استعرنا أطروحات مدرسة تارتو موسكو السميائية، وينبغي أن نكون على بيّنة من أن اللغة اللسانية لا تشكل سوى حلقة من سيرورة مركبة ومعقدة من النصوص واللغات التي تتوسط سلوكاتنا وتصرفاتنا وعلاقاتنا ضمن نسق سميائي عام تمثله الثقافة. فقد تغيرت الخطاطة التواصلية داخل فضائنا السميائي، إذ تحولت عكسيا من: “لغة- نص- حوار، إلى: وضعية حوارية- حوار حقيقي- نص- لغة”[23]، ويُستفاد من ذلك أن الوضعية التواصلية أسبق من أية لغة كيفما كانت في الوجود، بل إنها تسبق- أيضا- الحوار الفعلي والحقيقي نفسه: “تسبق الوضعية الحوارية كُلًّا من الحوار الحقيقي بل وحتى وجود اللغة، ومن ثم، فإن النص لا يخلق سياقه الخاص به وفقط، ولكن لغته الخاصة كذلك”[24]، ومن ثم فحجم المعلومات التي تُوصِلُه لغة ما في سياق معين، لا يمكن أن تنجح فيه لغة أخرى في سياق اجتماعي آخر، ويدل هذا على أن السياق (اللغوي، والثقافي) ينتقي الوسيط اللغوي المناسب لإبلاغ المعاني المقصودة، لقد بلورَ “يوري لوتمان” (Juri Lotman) الكون السميائي بصفته “فضاء للمعنى، وبشكل أدق، يعد الكون السميائي سلسلة متواصلة يصبح فيها للحياة معنى، (…) ذلك أنه لا يمكن أن تكون هنالك أية علامة أو لغة معزولة أو وظائف منفردة خارج إطار ما تحدد سيرورة الفضاء الثقافي”[25]، لذلك لا يمكن أن “تكتسب العلامة معناها إلا بوصفها جزءا من فضاء أوسع لنسق العلامات، إذ تشتغل اللغة فقط في تعالق مع باقي اللغات وبذلك، فإن الفضاء السميائي فضاءٌ حيث تنشأ العلامات، وتصبح اللغات فعّالة، وحيث أيضا يمكن بناء المعنى، وتبادله ونقله”[26]، فكل شيء داخل فضائنا الاجتماعي علامة ولغة، وككل العلامات لا يمكن فهْم وظائفها النسقية إلا بتأويلها في السياق الذي يوفره هذا الفضاء، وهو تصور سميائي ثقافي يدعم أطروحة “هاليداي” المذكورة.
وعلى هذا، فمن أجل تمثّل جيد للغة من منظور سوسيوسميائي، “يجب فحصها ضمن إطار سميائي اجتماعي، أو كما يضعها “هاليداي” في واقع اجتماعي (أو “الثقافة”) هو في حد ذاته صرح للمعاني- بناء سميائي، وَفْق هذا المنظور، تعد اللغة أحد الأنساق السميائية التي تشكل الثقافة؛ فهي نسق مُميَّز من حيث إنه يشتغل أيضا بصفته نسقا لترميز العديد من الأنساق الأخرى، هذا بمصطلحات مختصرة المقصود بصياغة “اللغة بوصفها سيمياء اجتماعيا”، إنه يعني تأويل اللغة في سياق سوسيوثقافي، إذ تُؤوَّل فيه الثقافة نفسها بمصطلحات سميائية- بصفتها نسق معلومات”[27]، وقد تطورت النظرية السميائية الاجتماعية مع كل من “هودج” (Hodge) و”كريس” (Kress)[28]؛ وذلك من خلال تحديدهما لهذا الفرع السميائي بكونه دراسة للسميوزيس، أي تحليلا لاستعمالات الأنساق السميائية في الحياة الاجتماعية، وهو حقل يعنى بتحليل إنتاج وتلقي وتداول المعنى في مجموعة من الأشكال والنصوص والممارسات السميائية التي تُتّخذ بصفتها وسائط للتواصل، ومن ثم سيدرس أنواع الأنساق السميائية الإنسانية، لكونها اجتماعيةً في ظروفها ومحتواها[29].
يظهر أنّ السميائيات الاجتماعية في أطروحات “هاليداي” و”هودج” و”كريس” “حقل يتناول كيفية استعمال الرسائل وتبادلها في مجموعات اجتماعية معينة، فقد ظهرت السميائيات الاجتماعية لتأويل الأبعاد الاجتماعية للمعنى وسلطة العمليات الإنسانية للدلالة والتأويل في تشكيل الأفراد والمجتمعات، إن البحث عن السميائيات الاجتماعية وسيلةٌ للإنسان من أجل فهْم حياته، ويظن “كريس” (2010)[30] أن المعنى يتولد في البيئات الاجتماعية ومن خلال التفاعل الاجتماعي، إذ تستعمل الأبناك الممارسات الاجتماعية لتوصيل المعاني إلى زبنائها ضمن البنية الاجتماعية للمصاريف، وتستعمل مجموعة متنوعة من المواد السميائية لاشتغال العلامات في مواقف ملموسة، ويذكر “فان ليوين” (2005)[31] أن السميائيات الاجتماعية مقاربة تركز على كيفية تطبيق الناس لاستعمال الموارد السميائية في مجالاتهم الخاصة، وحيث يمارسون ممارسات اجتماعية بعينها”[32]، ويُذكِّرُنا هذا التصور بالعمل الذي قام به “رولان بارت” (Roland Barthes) في كتابه “الأساطير” (Mythology) (1957)[33]، إذ يُعَدُّ هذا العمل من الأمثلة المبكِّرة التي تُمثِّل بدايات وخطوات أولى لبدء التفكير في ما سيسمى لاحقا بالسميائيات الاجتماعية، فقد درس صفحات الطبخ لمجلة (Elle)، والتصوير، والنشاط الانتخابي، والرياضة، والمدينة، إلخ. (…) ولعل المسألة المهمة بالنسبة للسميائيِّين الاجتماعيين تتجسد في دراسة علاقة الممارسات الدالة على مجموع القوى المهيمنة أو الإيديولوجيا[34].
بالإضافة إلى ذلك، نجد من بين التعريفات التي قُدِّمت للسميائيات الاجتماعية ما ذكره “لاغوبولوس” (Lagopoulos) و”غوتديينير” (Gottdiener) (1986)[35] بأنها تحدد بكونها “تحليلا ماديّا لإيديولوجيا الحياة اليومية”[36]، إذ يُفتَرض في التحليل السميائي الاجتماعي أن يتعامل مع مختلف الأنشطة الاجتماعية اللفظية وغير اللفظية بصفتها أنساقا ثقافية واجتماعية وتاريخية وإيديولوجية موغِلة في النشاط الاجتماعي اليومي برمته، ويُحلِّل أبعاد الهيمنة والسلطة، لهذا تشير السميائيات الاجتماعية إلى الطبيعة العامة للمعنى، لقد صيغت بكيفية تُشبِه النقد الاجتماعي (Sociocriticism)، لذلك لا يمكن للسميائيات الاجتماعية إلا أن تشير إلى فحصٍ اجتماعي لعلامات المجتمع[37].
مما تقدم يتبين أن السميائيات الاجتماعية أو “سوسيولوجيا السميائيات” (Sociology of Semiotics) تدرس “الكيفية التي يُنظِّم بها مجتمع معين إنتاج، وتوزيع، وتلقي جميع أنواع العلامات، في سياق المماثلة، تركز “سوسيولوجيا الأدب” على الشبكات العامة لإنتاج، وتوزيع وتلقي جميع الأعمال الأدبية في الماضي، مع ذلك كان متوقَّعًا أن تكشف سوسيولوجيا الأدب الجيل الاجتماعي لأعمال أدبية معينة، وتكشف كيفيةَ تأثر مواضيعها وأشكالها الخاصة بالعوامل الاجتماعية المحددة تاريخيا عادة ما يطلق على هذه العملية “الفحص النقدي” لمحتوى الكتب بدلا من أن تسمى كما تُتَداول حاليا “النقد الاجتماعي”، بالكيفية ذاتها سيشير مصطلح السوسيوسميائيات إلى هنا ليس فقط إلى “سوسيولوجيا عامة للعلامات” لكن أيضا، وأساسا، إلى الفحص الاجتماعي للعوامل التي تحدد التغيرات في وظيفة، وطبيعة، ومعنى مجموعات معينة من العلامات، وستكون هذه المجموعة المعينة من العلامات، في هذه الحالة، نسقًا من العلامات التي تشتغل داخل أيّ نسق سميائي”[38].
إن تأويل العلامة في علاقتها بالسياق الاجتماعي مغزاه دراستها في علاقتها بعلامات اجتماعية أُخَر داخل الكون الاجتماعي المعني، و”تبرهن الفرضية المركزية لهذا النقد على أن الأبعاد الاجتماعية للأنساق السميائية لا يمكن دِرايَتُها في حل، إذ تُظهِر السميائيات السائدة (Mainstream Semiotics) البنيات والشفرات، عوضًا عن التركيز على الوظائف والاستعمالات الاجتماعية للأنساق السميائية، والعلاقات المتداخلة المعقدة للنسق السميائي في الممارسات الاجتماعية وجميع العوامل التي توفر الحافز، وأصولها وتلقيها، وشكلها ومضمونها، إنها تُشدِّد على النسق والمنتَج، بدلا من المتكلمين والكتاب أو غيرهما من المشاركين في النشاط السميائي بوصفهم متفاعلِين ومشاركين بطرائق متنوعة في سياقات اجتماعية صحيحة”[39].
بناء على ما سبق مناقشته، يمكننا أن نستخلص بعض الملامح المميِّزة للسميائيات الاجتماعية نقدِّمها في النقاط التالية:
- “كما هو الشأن بالنسبة للسانيات، يتغير التركيز من “الجملة” إلى “النص” و”سياقه”، ومن “النحو” إلى “الخطاب”، لذلك يتحول التركيز في السميائيات الاجتماعية من “العلامة” إلى طريقة استعمال الناس “للموارد السميائية” لتوليد إنتاجات تواصلية وأحداث وتأويلها- وهو أيضا شكل من أشكال الإنتاج السميائي- في سياق مواقف اجتماعية وممارسات محددة؛
- بدلًا من بناء حسابات (Accounts) مُنفصِلة لمختلف الأنماط السميائية- سميائيات الصورة، وسميائيات الموسيقى، وما إلى ذلك- تقارن السميائيات الاجتماعية وتقابل الأنواع السميائية، إذ تكشف ما هو مشترك بينها وما هو مختلف أيضا، كما تُبيِّن كيفية دمجها في الإنتاجات الثقافية والأحداث المتعددة؛
- عوضًا عن وصف الأنماط السميائية كما لو أن لها خصائص جوهرية أو منهجيات مُتأصِّلة أو قوانين، تركز السميائيات الاجتماعية على كيفية تنظيم الناس لاستعمال الموارد السميائية- مرة أخرى، في سياق ممارسات ومؤسسات اجتماعية محددة، بطرائق مختلفة وبدرجات متفاوتة؛
- وأخيرًا، تعد السميائيات الاجتماعية في حد ذاتها ممارسة أيضا، مُوجَّهة إلى الملاحظة والتحليل، لفتح أعيننا وحواسنا الأخرى من أجل إغناءٍ وتعقيدِ إنتاج وتأويلٍ سميائي، والتدخل الاجتماعي، لاكتشاف موارد سميائية جديدة وطرائق حديثة لاستعمال الموارد السميائية الموجودة”[40].
إن السميائيات الاجتماعية إضافة نظرية وتطبيقية إلى حقل السميائيات وتحليل الخطابات، فقد وفر هذا الفرع من السميائيات “افتراضات عامة حول المجتمع والمعنى”[41]؛ إذ رأت إلى المجتمع بأنه حقل لاشتغال السميوزيس الاجتماعي (Social Semiosis)، وفضاء سميائي حيث تتفاعل أنساق علامات اجتماعية وظيفية متباينة تسمى: موارد سميائية.
- الموردُ السميائي مفهومٌ محوري في السميائيات الاجتماعية
وفّرت النظرية السميائية الاجتماعية إبدالا منهجيا لتأويل الوظائف النسقية للممارسات الاجتماعية، وكشف دلالاتها الإضافية الثانوية، وإبراز الأبعاد الاجتماعية للمعنى الكامِنة في استعمالاتها الضمنية في الحياة الاجتماعية، وتسمى هذه الموضوعات اللفظية وغير اللفظية التي يستهدفها التحليل السميائي الاجتماعي: موارد سميائية، لقد نشأ هذا المصطلح في عمل “هاليداي” (1978)، مؤكدا أن “القواعد اللغوية ليست رموزا، وليست قواعد لإنتاج جمل صحيحة، وإنما موارد لبناء المعاني”[42]؛ فعندما “نركز انتباهنا على عمليات التفاعل الإنساني (…)، نجد الأفراد يستعملون بشكل إبداعي مواردهم الخاصة بالمعنى، ويعدِّلون باستمرار هذه الموارد في العملية، من هنا في تأويل اللغة، فإن المفهوم التنظيمي الذي نحتاج إليه ليس بنية بل نسقا، فقد كانت اللسانيات الحديثة مرتبطة بالبنية (بما إن البنية هي ما تصفه القواعد)، فمن خلال مفهوم النسق يمكننا تمثيل اللغة بصفتها موردًا”[43]. لذلك، يجب أن نركز على الدلالات الاجتماعية لمواردنا السميائية التواصلية، مع رصد الظروف المقامية والعوامل السياقية المختلفة المؤثرة في بناء المعنى؛ وذلك من أجل كشف ما يقوله الناس، وما يقصدونه من استعمالهم للنصوص واللغات في وضعيات الحياة اليومية؛ لأن كل قول ليس إلا طريقة واحدة لتمثيل المعنى، من بين طرائق تمثيلية أخرى يوفرها اللباس والوشم وغيرهما، وبناء على ذلك، يُمكِّننا النسق من تأويل النسق اللساني، الذي يساعد بعد ذلك على تفسيره، والسياق الاجتماعي، ومن خلاله إلى النسق الاجتماعي[44]، والمراد من ذلك أن اعتماد مفهوم النسق إجرائيا نقلنا من اللغة البنية إلى اللغة النسق أو السيمياء، بمعنى من البناء الشكلي للغة ووصف قواعدها إلى التأويل الاجتماعي للغة وتحليل الأبعاد النسقية للمعاني التي هي من صلب التوافق والعرف الاجتماعيَّيْن.
فَلِكَيْ يُؤوَّل أيّ قول بصفته نسقا اجتماعيا ينبغي للقارئ ربطه بقوانين فضائه الاجتماعي؛ ذلك أن كل قول تعبيرٌ مُشفَّر من جهة، وتجسيدٌ لطريقة مخصوصة في إبلاغ المعاني الضمنية في السياق من جهة أخرى؛ لأنه كلما تغيّر سياق الحياة الاجتماعية تغيّرت وسائط التواصل وطرائقه وقواعده، وتبدّلت كيفيات التمثيل أيضا، وهذا معناه أن المورد السميائي يشير إلى أية لغة تمنح إمكانات سميائية واحتمالات دلالية مصدرها سياق الثقافة والمجتمع والتاريخ، ويمكن- أيضا- استعماله لأغراض تواصلية في الحياة اليومية، إن هذه “الإنتاجات الثقافية والأحداث التي نستعملها للتواصل، سواء تم إنتاجها فيزيولوجيا- مع أجهزتنا الصوتية؛ باستعمال العضلات التي نستعملها لإنشاء تعبيرات وإيماءات الوجه، إلخ- أو عن طريق التقنيات- باستعمال القلم والحبر والورق؛ مع أجهزة الحاسوب والبرمجيات، مع الأقمشة والمقص وآلات الخياطة، وما إلى ذلك، وتقليديا كانت تسمى “علامات”[45].
يشير مصطلح المورد السميائي إلى مختلف أشكال النصوص والممارسات والخطابات التي تتغير من موقف تخاطبي إلى آخر، المستعمَلة من أجل التعبير النسقي عن رسائل في السياق، غير أن القضية المهمة في السميائيات الاجتماعية تتجلى في التركيز على تفاعلات وارتباطات المعاني النصية لهذه الموارد السميائية واستعمالاتها في مجالات محددة من الممارسة الاجتماعية والحياة الثقافية، بمعنى أنها تؤوِّل أيّ نسق اجتماعي في علاقته بسياق فضائه الاجتماعي؛ ذلك أن السميائيات الاجتماعية تظل نظريةً مختصة بدراسة وتحليل ممارساتِ بناء المعنى الاجتماعي، ومن ثم يعود مصطلح “السيمياء الاجتماعي” على أية نظرية سميائية أو لسانية تتخذ من العلامة بكافة تنويعاتها موضوعها الرئيس أو الوحيد، لهذا تطمح السميائيات الاجتماعية إلى أن تكون ناقدةً، أيْ شكلا من أشكال التأمل الذاتي والنقد والتحليل الاجتماعيَّيْن لديناميات هذه الممارسات وحركيتها وأدوارها الفاعلة في سيرورة الدلالة والتواصل، أيْ إثبات صلتها الوثيقة بعملية بناء المعنى الاجتماعي[46]، ذلك أن المجتمع بناء سميائي يتشكل من أنساق علامات لسانية وغير لسانية لا تخرج عن دائرة عامة هي: “الهوية”، إذْ إننا “نتناقل هويتنا الاجتماعية من خلال العمل الذي نقوم به، والطريقة التي نتحدث بها، والملابس التي نرتديها، وتسريحة الشعر، وعاداتنا للأكل، وبيئتنا وممتلكاتنا المحلية، وتدبيرنا لوقت الفراغ، ووسائط سفرنا، وهكذا دواليك. تُستعمَل اللغة بمثابة علامة رئيسة على الهوية الاجتماعية”[47]، فكل لغة- كيفما كانت طبيعة أنساقها- نسق عاكس (Reflective)، وخلفية (Background) تُضمِر الاجتماعي، والثقافي، والتاريخي، والقِيمِيّ. و”يعتمد السلوك الظاهر الذي يتم الكشف عنه في الملامح الثقافية على السلوك الضمني الذي تُوجِّهه البنيات المعرفية مثل خطاطات الصور، والقيم، والمخططات السلوكية، إلخ، وهكذا فإن الهدف من فَهْم الثقافات وَصْفُها بأنها أنساقٌ للمعرفة، وأنساقُ علامات متداخلة سميائيا، وأنساقٌ عاكسةٌ”[48].
إن مفهوم المورد السميائي مفهومٌ رحب يستوعب مختلف أشكال التمثيل الثقافي؛ فجميعها نصوص ثقافية إذا استعرنا مصطلحية “يوري لوتمان” وباقي أعضاء مدرسة تارتو موسكو السميائية الثقافية؛ بحجة أن الوجود الثقافي برمته مُشكَّل من مجموعة من النصوص الثقافية المتداخلة التي تبني الهوية، وتُصرِّف القيم، وتحفظ الذاكرة الجمعية، ذلك أن النص الثقافي في سميائيات الثقافة مفهومٌ مُوسَّع- مثل المورد السميائي- يشمل أيّ نسق “يمتلك معنى تاما ووظيفة متكاملة أيضا، (…) لهذا يُعدّ العنصر الرئيس (الوحدة الأساس) للثقافة”[49]، ثم إن تأويل هذه النصوص الثقافية مرتبط- أيضا- بسياقها داخل فضائها الثقافي والاجتماعي؛ لأن الممارسة التأويلية لأيّ نص “خارج السياق أشبه بمستودع من المعلومات الثابتة التي تدل على ذاتها وغير قادرة على إنتاج معلومات جديدة، أما في إطار سياقه فيعني أنه آلية تشتغل وتعيد إنتاج نفسها باستمرار، وتُغيّر من ملامحها، وتُولِّد معلومات جديدة”[50]، والمقصود بهذا أن أيّ نص من نصوص الثقافة “له القدرة على ربط علاقات معقدة مع السياق الثقافي والفاعلين الثقافيين، فهو مرتبط بالفاعلية الذهنية والذاكرة الثقافية”[51]؛ لكونه يُمثِّل “القاعدة” و”القانون” الذي ينتقي الدلالات، ويحد من التأويل، فمثلما يمكن لأفراد معيَّنِين المشاركة في لعب لعبة معينة بمجرد فَهْمِهِمْ لقوانينها التنظيمية التي تضبطها، بالنظر إلى كونها قواعد نسقية تُمكِّنهم من التواصل فيما بينهم وفهْم بعضهم البعض داخل نسق اللعبة المعنية، بالكيفية ذاتها تُصبِح “السنن” أو “الشفرة” المفتاحَ الأساس للعمل السميائي كافة؛ مفتاحًا لفهْم كيف يبني الناس المعنى من خلال ممارساتهم، وأنشطتهم الاجتماعية والثقافية، ويتواصلون من خلالها[52].
من هنا تكمن أهمية السميائيات الاجتماعية في فحص أية ممارسة اجتماعية بصفتها سيمياءً اجتماعيا، وعلى هذا الأساس، يمكن أن تُشكِّل مجموعة من الوقائع الاجتماعية آفاقا تطبيقية للتحليل السميائي الاجتماعي هي بمثابة تحديات سميائية اجتماعية، لذلك يمكن للمقاربة السوسيوسميائية أن تناقش تحديات آنية ومستقبلية استدعتها التحولات الثقافية والتغيرات الاجتماعية المتسارعة، نذكر من ذلك على سبيل المثال لا العدّ: التحدي التكنولوجي، والتحدي الغذائي، والتحدي الصحي، والتحدي الحقوقي، والتحدي الأمني، والتحدي العمراني، وتحديات أخرى متصلة بقضايا الإرهاب، والتنمية المستدامة، والإعلام، فما يميز هذه التحديات كافة؛ أنها “ذات طابع عالمي تخترق الحدود بين الدول وتؤثر في الهويات الوطنية”[53]، وتولِّد تغييرات جذرية على مستوى العلاقات الاجتماعية، والقيم، ومختلف مناحي الحياة، إذ يمكن للسميائيات- إلى جانب علوم إنسانية واجتماعية أخرى- أن تكون أداة معرفية لمقاومة البَدَهي والنفعي، وعدسة أو منظارا يرصد الرمزي والاستعاري.
- السميائيات الاجتماعية وتجسير المعارف وتكاملها
ثَبَتَ مما سبق أن السميائيات الاجتماعية فرع من السميائيات يُعنى بدراسة موارد بناء المعنى، فليست غايتها تحليل بنية اللغات أو وصف قواعدها، وإنما تأويل ما يقصده الأفراد من استعمالهم لموارد لغوية متعددة، وما يُصرِّفونه ضمنيا في السياق.
إن مبدأ التكامل المعرفي سمة بارزة في العلوم الإنسانية والاجتماعية بعامة والسميائيات الاجتماعية تحديدا؛ فقد أحدثت هذه الأخيرة تجسيرا معرفيا مع: الأنثروبولوجيا التأويلية، وفلسفة الأشكال الرمزية، وسميائيات الثقافة، وعلم الاجتماع، والتداوليات، وسيميولوجيا “فيرديناند دي سوسير” و”رولان بارت”، وسيميوطيقا “شارل سندرس بورس”، والسميائيات التداولية لــ: “شارل موريس”، واللسانيات الاجتماعية، إلخ، مما جعلها توصف بأنها “ليست نظرية “خالصة”، ولا حقلا قائما بذاته، بل ينشأ من تلقاء نفسه عندما يتم تطبيقه على حالات محددة ومشاكل خاصة، يتطلب دائما غَمْرَ (Immersing) نفسه لا فقط بالمفاهيم والمناهج السميائية لكن أيضا في بعض المجالات الأخرى، (…) ويعد هذا النوع من التخصصات المتداخلة (Interdisciplinarity) ملمحا رئيسا للغاية في السميائيات الاجتماعية”[54]، ويمكن مناقشة هذا المعطى كما يلي:
تمكنت الأنثروبولوجيا الثقافية (Cultural Anthropology) في أوروبا من الانخراط في دراسة الثقافة، وتحديد مكوناتها، وتفسيرها، وفي إطار التعامل مع محتوى الثقافة ضمن التحليل السميائي المعاصر، “يصعبُ تَجَنُّبُ التعليق على تطور الأنثروبولوجيا الثقافية خلال القرن العشرين، إذ يرتبط توسيع نطاق الأنثروبولوجيا الثقافية بالطريقة التي حددت السميائيات الاجتماعية موضوعها (وكذلك، سميائيات منتصف القرن العشرين، بعامة)، فقد كانت للأنثروبولوجيا الثقافية الأوربية جذورا في علم الاجتماع وسيميولوجيا سوسير التي كشفت عنها الأنثروبولوجيا البنيوية، علاوة على ذلك، فمبادئ السيميولوجيا، والبنيوية، والشكلانية واضحة في التطور الموازي لسميائيات الثقافة، ذلك أن السيميولوجيا مهمة لكل من الأنثروبولوجيا البنيوية، ولسميائيات الثقافة، لأنها قامت بتوجيه دراسات الثقافة نحو تحليل أنساق العلامة بوصفها أنساقا اجتماعية معرفية، وقد أفضى الإلحاح المتزايد تدريجيا على وصف الظواهر الثقافية بوصفها نتيجة لأنساق العلامات الاجتماعية المفردة (أو المشتركة) إلى ازدهار المدارس في التحليل الثقافي المرتبط بالاتجاهات المعرفية في الأنثروبولوجيا الثقافية، وهكذا كانت هنالك حركة ثابتة منذ أواخر القرن التاسع عشر لوصف الثقافات بصفتها مجموعات من الإنتاجات الثقافية المنظَّمة وفقا للأنماط الثقافية نحو تأويل الثقافات بوصفها أنساقا إيديولوجية، وهذا معناه أن الثقافات لم تعد “تُصنَع” فقط على مستوى الوصف، بل من خلال تنظيم العلاقات بين الظواهر الثقافية في الخطاب العلمي”[55]، إذْ لم يعد المعيار البدَهي، أو النفعي، أو العمَلي مُحدِّدًا رئيسا لتحليل الثقافة، لكن نوقشت بصفتها أنساقا اجتماعية ثقافية تمثّل الإدراك الاجتماعي والمعرفي والإيديولوجي والفكري للعيش في بيئات معينة[56].
في السياق ذاته، تعامل الأنثروبولوجي “كليفورد جيرتز” (Clifford Geertz) مع الثقافة من وجهة نظر تأويلية، يذكر: “مفهوم الثقافة الذي أتبنّاه، والذي أستعمله في مقالاتي بوصفه دليلا للبرهنة والتوضيح، مفهوم سميائي بالأساس، أظن مع ماكس فيبر أن الإنسان حيوان معلّق في شبكات من المعاني التي نسجها بنفسه، وأظن أن الثقافة هي هذه الشبكات، وتحليل هذه الشبكات لن يكون علما تجريبيا يبحث عن قانون، وإنما تحليل تأويلي يبحث عن دلالة ما”[57]، ذلك أن أهم ما يُفرِّد الإنسان- حسبه- قدرته على إنتاج العلامات التوسطية، وتسميتها، وتحديد وظائفها، وتداولها اجتماعيا بعد التوافق حولها، وتغييرها أيضا، بالنظر إلى ملكته اللغوية الباطنية، إذ لا يمكن للتحليل الأنثروبولوجي أن يصف القواعد والقوانين المنظِّمة للعناصر المشكلة للبنية الثقافية، لكن يتعين عليه أن يؤوِّل الثقافة بصفتها نسيجا من المعاني، لذلك يمكن أن نعد “أنثروبولوجيا جيرتز” انتقالا معرفيا ومنهجيا من الوصف البنيوي للثقافة إلى تأويل الثقافات.
لم تَغِبْ الفلسفة- بدورها- عن السميائيات الاجتماعية؛ والشاهد على ذلك التحليل الذي قُدِّم للثقافة بصفتها “أشكالا رمزية” (Symbolic Forms)، على حد تعبير “إرنست كاسيرر”، إن فلسفة كاسيرر تتأسس على فكرة رئيسة مؤداها أن الإنسان حيوان رمزي، وأن مجموع مُصنَّعاته الثقافية أشكال رمزية توسطية يستعملها في وضعياته التواصلية اليومية بصفتها علامات، وتحسن الإشارة إلى أن هذه الفلسفة الرمزية لم تكن هدفا في ذاتها، وإنما وسيلة تأويلية تُعِين على فهْم مختلف الوقائع الإنسانية؛ بحجة أن تحصيل فهْم أفضل للمجتمع يتطلب تأويل أنساق علاماته؛ لكونها “تقدّم مفتاحا لأشكال التصور الإنساني”[58]، وفي الآن ذاته تستدعي الممارسة التأويلية التي تستهدف هذه الأنساق ربطها بسياقها الاجتماعي والثقافي والتاريخي.
استلهمت السميائيات الاجتماعية- أيضا- من المنجزات السميائية لمدرسة تارتو موسكو في السميائيات الثقافية أفقًا لتأويل المجتمع بعدِّه فضاء سميائيا لحركية أنساق العلامات، وقد أسهم نشر البيان الجماعي “أطروحات حول الدراسة السميائية للثقافات” عام (1973) في موسكو- بقيادة “يوري لوتمان”، و”فياتشسلاف إيفانوف” (Vyacheslav Ivanov)، و”فلاديمير طوبوروف” (Vladimir Toporov)، و”ألكسندر بياتيغورسكي” (Alexander Piatigorsky)، و”بوريس أوسبنسكي ” (Boris Uspenskij)- في ظهور شيئَيْن جديدَيْن: “ظهور مدرسة جديدة في التحليل السميائي في الساحة الدولية تحمل اسم: “مدرسة تارتو موسكو”، وهذا هو الجديد الأول، أما الجديد الثاني فتمثّل في انبثاق اختصاص جديد يُدعى سميائيات الثقافة”[59]، وقد نُوقِشت الثقافة من قبَل هذا الاتجاه السميائي الثقافي بصفتها نسقا سميائيا عاما يتشكل من أنساق سميائية فرعية وظيفية مختلفة مهمتها تصريف القيم، والتعبير عن الهوية، وبناء الذاكرة، وتنظيم المجتمع. لذلك حُدِّدت سميائيات الثقافة بكونها دراسة لأنساق دلالية وموضوعات تواصلية، وتتجلى وظيفتها في “دراسة التعالق الوظيفي لأنساق العلامات المختلفة”[60].
بالإضافة إلى ذلك، استمدت السميائيات الاجتماعية من علم الاجتماع (Sociology) ما يُعينها على بناء فكر نقدي يفحص دلالات ظواهر اجتماعية مختلفة (الجريمة، والانحراف، إلخ)، إذ “يمكن للسميائيات الاجتماعية أن تكون بمثابة مجموعة أدوات منهجية تمكن الباحثين من تحديد حدود أية دراسة للظواهر السوسيوثقافية وأنساق العلامات”[61].
كما قد تطلب فحص موارد بناء المعنى في الاتجاه السميائي الاجتماعي الانفتاح على التداولية (Pragmatics)؛ فهذه الأخيرة “فرع من فروع اللسانيات الذي يُعنى بالوظائف التواصلية للغة، خاصة فحص اللغة والتفاعل في السياق، يمكن التفكير في التداولية بأنها تندرج أو تتداخل مع حقول ونظريات أخرى مثل نظرية الفعل اللغوي، ونظرية السياسية، وتحليل المحادثة، واللسانيات الاجتماعية التفاعلية، إن التداولية معنية بالمعنى- كيف يفهم الأفراد اللغة، (…) تركز التداولية أكثر على كيفية إنجاز المعنى في سياقات معينة، من خلال مراعاة أشياء مثل كيف وأين وعندما يقال شيء ما، من يقوله، وما العلاقة بين المتحدث والمستمع، وكيف نفهم الاستعمالات الغامضة للغة، (…) ذلك أن معنى الكلام هو أكثر مما يقال بالفعل”[62]، ولا يبدو أن للتداولية هدفا حقيقيا للدراسة، لذلك فمن المنطقي التعامل معها على أنها “منظور” (Perspective) يركز على اختيار، وتنويع، وتكييف، مجموعة من الظواهر المتحالِفة معرفيا مع التداولية التي يجب فهْمها بصفتها منظورا متعدد التخصصات يشمل دراسة المعرفة، والمجتمع، والثقافة[63]، ويتبدى تكامل التداوليات مع السميائيات الاجتماعية في فكرة أن إنجاز اللغة- بمفهومها الموسَّع- يكون من أجل تحقيق أغراض تتجاوز ما يقال حرفيا: الالتماس، أو الإرشاد، أو الاحتجاج، إلخ.
خاتمة :
لقد كان الغرض من هذه المقالة تسليط الضوء على أحد اتجاهات السميائيات المعاصرة؛ إذ يتعلق الأمر بتقديم مدخل حول السميائيات الاجتماعية نُناقش فيه مفهومها، وموضوعها، وامتداداتها التطبيقية، وتداخلها المعرفي. وقد أكدت هذه الورقة أن هذا الفرع من السميائيات يختص بدراسة أنساق العلامات الاجتماعية في سياقها السوسيوثقافي والتاريخي، وهو مقاربة منهجية تمكننا من تحليل الموارد السميائية التي يستعملها أعضاء المجتمع من أجل إنتاج المعاني وإبلاغها ضمنيا.
انطلاقا مما سبق، يمكن استخلاص النتائج الآتية :
- السميائيات علم للمعنى يهتم بدراسة السميوزيس.
- السميائيات الاجتماعية فرع من السميائيات يعنى بدراسة السميوزيس الاجتماعي، أيْ تحليلٌ يَتَتَبّع الحركية المؤدية بأنساق العلامات الاجتماعية إلى أن تُعبِّر عن معانٍ مضمَرة في سياق الفضاء الاجتماعي المعني.
- السميائيات الاجتماعية مقاربة منهجية لتأويل كيفيات استعمال أفراد المجتمع لمواردهم السميائية من أجل بناء المعاني وتوصيل الرسائل في بنية اجتماعية مخصوصة.
- المورد السميائي تصوّرٌ رَحْب يشمل أيّ سيمياء اجتماعي لفظي أو غير لفظي.
- السميائيات الاجتماعية تخصص إدماجي يستثمر تراثا علميا وأصولا نظرية متكاملة من أجل كشف الرسالة المتوارية خلف النسق المعلَن.
قائمة المصادر والمراجع :
المراجع العربية :
- سعيد بنكَراد، السميائيات والتأويل: مدخل لسميائيات ش. س. بورس، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2005.
- عبد الله بريمي، السميائيات الثقافية: مفاهيمها وآليات اشتغالها، المدخل إلى نظرية يوري لوتمان السميائية، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2018.
المراجع المترجَمة :
- إرنست كاسيرر، اللغة والأسطورة، ترجمة: سعيد الغانمي، هيئة أبي ظبي للثقافة والتراث، كلمة، الطبعة الأولى، 2009.
المصادر والمراجع الأجنبية :
Aleksei Semenenko, The Texture of Culture: An Introduction to Yuri LOTMAN’s theory, series: Semiotics and Popular Culture, PALGRAVE MACMILLAN, United States, New York, First Published, 2012.
Amanda Janssen, Social Semiotic Multimodal Analysis of Discourse in Banking, In: Text- Based Research and Teaching, ed. P. Mickan and E. Lopez, Palgrave Macmillan, 2017, accessed 20/11/2020, Doi: 10.1057/978-1-137-59849-3_5.
Anna Maria Lorusso, Cultural Semiotics: for a Cultural Perspective in Semiotics, series: Semiotics and Popular Culture, Palgrave Macmillan, New York, first published, 2015.
Anti Randviir and Paul Cobley, Sociosemiotics, In : The Routledge companion to semiotics, Edited by: Paul COBLEY, Routledge, London and New York, First Published, 2010.
Bronwen Martin and Felizitas Ringham, key Terms in Semiotics, Continuum, New York, 2006.
Clifford Geertz, The Interpretation of Cultures, Basic Books, Inc, New York, 1973.
Daniel Chandler, Semiotics: The Basics, Second Edition, Routledge, London and New York, 2007.
Ferdinand De Saussure, Cours de Linguistique Générale, Publier par Charles Bailly et Albert Séchehaye avec la Collaboration de Albert Riedlinger, Edition Tullio de Mauro, Paris, Payot, 1972 (1916).
Franciscu Sedda, Semiotics of Culture (s): Basic Question and Concepts, In: International Handbook of Semiotics, Edited by Peter Percles Trifonas, Springer, New York- London, 2015.
Gunther Kress and Diane Mavers, Social Semiotics and Multimodal Text, In: The Research Methods in The Social Sciences, Edited: Brigdet SOMEKH and Cathy LEWIN, SAGE Publications, London, First Published, 2005.
Jean Alter, A Sociosemiotic Theory of Theatre, University of Pennsylvania Press, Unites States of America, 1990.
Juri Lotman et al., Theses on The Semiotic Study of Cultures (As Applied to Slavic Texts), Tartu Semiotics Library, Issue: 13/ 2013, CEEOL Copyright 2018, accessed 12/12/2017, Online: https://www.ceeol.com/search/article-detail؟id=256999.
Juri Lotman, The Structure of The Artistic Text, Translated From The Russian by: Ronald Vroon, NO. 7, ANN ARBROR, University of Michigan, 1977.
Juri Lotman, Universe of The Mind, A Semiotic Theory of Culture, Introduction by: Umberto Eco, Translated by: Ann Shukman, I.B. Taouris Publishers and CO. Ltd, London- New York, 1990.
Mark Gottdiener and Alexandros Lagopoulos, Introduction, In: The City and Sign: An Introduction to Urban Semiotics, M. Gottdiener and A. Lagopoulos (eds), 1986.
Michael Halliday, Language as Social Semiotic: The Social Interpretation of Language and Meaning, Edward Arnold Publishers, London, First Published, 1978.
Ming Liu, The Social Interpretation of Language and Meaning, Theory and Practice in Language Studies, Vol. 4, No. 6, June 2014, ACADEMY PUBLISHER Manufactured in Finland. doi:10.4304/tpls.4.6.1238-1242.
Mohammad Issa mehawesh, The Socio-semiotic Theory of Language and Translation: An Overview, International Journal of Humanities and Social Science, vol. 4, N: 8, June, 2014, accessed 20/12/2022, Online: www.ijhssnet.com.
Paul Baker and Sibonile Ellece, Key Terms in Discourse Analysis, Continuum International Publishing Group, London- New York, 2011.
Paul Cobley and Anti Randviir, Introduction: What is Sociosemiotics?, Semiotica, 173- 1/ 4, 2009, accessed 25/12/2022, Online: Doi10.1515/SEMI.2009.001, pp 1- 39.
Paul Thibault, Social Semiotic as Praxis: Text, Social Meaning, and Nabokov’s Ada, Theory and History of Literature, Volume 74, University of Minnesota Press, Minneapolis, Oxford, 1991.
Peeter Torop and Silvi Salupere, On The Beginnings of The Semiotics of Culture in The Light of The Theses of The Tartu- Moscow school, Tartu semiotics library, Issue: 13/ 2013, CEEOL Copyright 2018, accessed 11/10/2019, Online: https://www.ceeol.com/search/article-detail؟id=257001.
Peeter Torop, Cultural Semiotics, In: The Routledge Handbook of Language and Culture, Edited by: Farzad SHARIFIAN, Routledge, London and New York, First Published, 2015.
Robert Hodge and Gunther Kress, Social Semiotics, Cornell University Press, Ithaca, New York, First Published, 1988.
Theo Van Leeuwen, Introducing Social Semiotics, Routledge, London and New York, First Published, 2005.
Umberto Eco, A Theory of Semiotics, Published by Arrangement with Bompiani, Milan, Indiana University Press, 1976.
Winfried Noth, Handbook of Semiotics, Indiana University Press, Bloomington and Indianapolis, 1990.
[1]– Mohammad Issa mehawesh, the socio-semiotic theory of language and translation: an overview, international journal of humanities and social science, vol. 4, N: 8, June, 2014, P 87, accessed 20/12/2022, online: www.ijhssnet.com.
[2]– Gunther Kress and Diane Mavers, Social semiotics and multimodal text, In: the research methods in the social sciences, edited: Brigdet SOMEKH and Cathy LEWIN, SAGE Publications, London, first published, 2005, P 172.
[3]– Ibid.
[4]– Winfried Noth, Handbook of semiotics, Indiana university press, Bloomington and Indianapolis, 1990, P 326.
[5]– Umberto Eco, A theory of semiotics, Published by arrangement with Bompiani, Milan, Indiana University Press, 1976, P 7.
[6]– Gunther Kress and Diane Mavers, Social semiotics and multimodal text, Op. Cit, P 172.
[7]– Ferdinand De Saussure, cours de linguistique générale, publier par Charles Bailly et Albert Séchehaye avec la collaboration de Albert Riedlinger, édition Tullio de Mauro, Paris, Payot, 1972 (1916), P 33.
[8]– Ibid.
[9]– سعيد بنكَراد، السميائيات والتأويل: مدخل لسميائيات ش. س. بورس، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2005، ص 88.
[10]– Paul Cobley and Anti Randviir, Introduction: what is Sociosemiotics? Semiotica, 173- 1/ 4, 2009, P 1, accessed 25/12/2022, online: Doi10.1515/SEMI.2009.001.
[11]– Michael Halliday, Language as social semiotic: the social interpretation of language and meaning, Edward Arnold Publishers, London, first published, 1978, P 191.
[12]– Mohammad Issa Mehawesh, the socio-semiotic theory of language and translation: an overview, Op. Cit, P 90.
[13]– Ming Liu, The Social Interpretation of Language and Meaning, Theory and Practice in Language Studies, Vol. 4, No. 6, June 2014, ACADEMY PUBLISHER Manufactured in Finland, P 1238, doi:10.4304/tpls.4.6.1238-1242.
[14]– قُدِّمت هذه المقالة في الأصل ضمن أعمال مؤتمر “الأسلوب” الذي انعقد بجامعة إنديانا ربيع (1958)، وقد تمت مراجعتها ونشرها في مؤلف “الأسلوب في اللغة”، تحرير: طوماس سيبوك، كامبريدج، ماساتشوس، مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، 1960. ثم أعيد نشرها لاحقا في الفصل السابع من القسم الأول “أسئلة النظرية الأدبية” ضمن كتاب “رومان جاكبسون” الموسوم بــ: “اللغة في الأدب” عام (1987).
[15]– Ming Liu, The Social Interpretation of Language and Meaning, Op. Cit, P 1238.
[16]– Ibid, P 1239.
[17]– Michael Halliday, Language as social semiotic: the social interpretation of language and meaning, Op. Cit, P 77.
[18]– Ming Liu, The Social Interpretation of Language and Meaning, Op. Cit, P 1239.
[19]– Juri Lotman, the structure of the artistic text, translated from the Russian by: Ronald Vroon, NO. 7, ANN ARBROR, university of Michigan, 1977, P 7.
[20]– Ming Liu, The Social Interpretation of Language and Meaning, Op. Cit, P 1240.
[21]– Ibid, P 1241.
[22]– Juri Lotman, universe of the mind, a semiotic theory of culture, Introduction by: Umberto Eco, translated by: Ann Shukman, I.B. Taouris Publishers and CO. Ltd, London- New York, 1990, P: xi.
[23]– Aleksei Semenenko, the texture of culture: An introduction to Yuri LOTMAN’s theory, series: semiotics and popular culture, PALGRAVE MACMILLAN, United States, New York, first published, 2012, P 113.
[24]– Ibid.
[25]– Franciscu Sedda, semiotics of culture (s): basic question and concepts, In: international handbook of semiotics, edited by Peter Percles Trifonas, Springer, New York- London, 2015, P 682.
[26]– Ibid.
[27]– Mohammad Issa Mehawesh, the socio-semiotic theory of language and translation: an overview, Op. Cit, P 90.
[28]– Robert Hodge and Gunther Kress, Social semiotics, Cambridge, Polity, 1988.
[29]– Mohammad Issa Mehawesh, the socio-semiotic theory of language and translation: an overview, Op. Cit, P 90.
[30]– Gunther Kress, Multimodality: A contemporary communication, Oxon: Routledge, 2010.
[31]– Theo Van Leeuwen, Introducing social semiotics. Oxon: Taylor and Francis, 2005.
[32]– Amanda Janssen, Social semiotic multimodal analysis of discourse in banking, In: text- based research and teaching, ed. P. Mickan and E. Lopez, Palgrave Macmillan, 2017, P 76, accessed 20/11/2020, Doi: 10.1057/978-1-137-59849-3_5.
[33]– Roland Barthes, mythologies, selected and translated from the French by ANNETTE LAVERS, the noonday press- New York, Seuil, Paris, 1957.
[34]– Bronwen Martin and Felizitas Ringham, key terms in semiotics, Continuum, New York, 2006, p 189.
[35]– Mark Gottdiener and Alexandros Lagopoulos, Introduction, In: the city and sign: An introduction to urban semiotics, M. Gottdiener and A. Lagopoulos (eds), 1986, PP 1- 22.
[36]– Anti Randviir and Paul Cobley, Sociosemiotics, In : the Routledge companion to semiotics, edited by: Paul COBLEY, Routledge, London and New York, first published, 2010, P 118.
[37]– Jean Alter, A sociosemiotic theory of theatre, University of Pennsylvania Press, Unites States of America, 1990, PP 12- 13.
[38]– Ibid, P 13.
[39]– Robert Hodge and Gunther Kress, Social semiotics, Cornell University Press, Ithaca, New York, first published, 1988, P 1.
[40]– Theo Van Leeuwen, Introducing social semiotics, Routledge, London and New York, first published, 2005, P: xi.
[41]– Robert Hodge and Gunther Kress, Social semiotics, Op, Cit, P 2.
[42]– Theo Van Leeuwen, Introducing social semiotics, Op. Cit, P 3.
[43]– Michael Halliday, Language as social semiotic: the social interpretation of language and meaning, Op. Cit, P 192.
[44]– Michael Halliday, Language as social semiotic: the social interpretation of language and meaning, Op. Cit, P 192.
[45]– Theo Van Leeuwen, Introducing social semiotics, Op. Cit, P 3.
[46]– Paul Thibault, Social semiotic as praxis: text, social meaning, and Nabokov’s Ada, theory and history of literature, volume 74, University of Minnesota Press, Minneapolis, Oxford, 1991, pp 6- 7.
[47]– Daniel Chandler, Semiotics: the basics, second edition, Routledge, London and New York, 2007, P 153.
[48]– Anti Randviir and Paul Cobley, Sociosemiotics, Op. Cit, P 123.
[49]– Juri Lotman et al., Theses on the semiotic study of cultures (As applied to Slavic texts), Tartu semiotics library, Issue: 13/ 2013, CEEOL Copyright 2018, PP 57- 58, accessed 12/12/2017, Online: https://www.ceeol.com/search/article-detail؟id=256999.
[50]– Anna Maria Lorusso, cultural semiotics: for a cultural perspective in semiotics, series: semiotics and popular culture, Palgrave Macmillan, New York, first published, 2015, PP 86- 87.
[51]– عبد الله بريمي، السميائيات الثقافية: مفاهيمها وآليات اشتغالها، المدخل إلى نظرية يوري لوتمان السميائية، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2018، ص 79.
[52]– Theo Van Leeuwen, Introducing social semiotics, Op. Cit, P 47.
[53]– عبد الله بريمي، السميائيات الثقافية: مفاهيمها وآليات اشتغالها، المدخل إلى نظرية يوري لوتمان السميائية، مرجع سابق، ص 36.
[54]– Theo Van Leeuwen, Introducing social semiotics, Op. Cit, P 1.
[55]– Paul Cobley and Anti Randviir, Introduction: what is Sociosemiotics?, Op. Cit, PP 8- 9.
[56]– Ibid, P 9.
[57]– Clifford Geertz, The interpretation of cultures, Basic books, Inc, New York, 1973, P 5.
[58]– إرنست كاسيرر، اللغة والأسطورة، ترجمة: سعيد الغانمي، هيئة أبي ظبي للثقافة والتراث، كلمة، الطبعة الأولى، 2009، ص 10.
[59]– Peeter Torop and Silvi Salupere, On the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of the Tartu- Moscow school, Tartu semiotics library, Issue: 13/ 2013, CEEOL Copyright 2018, P 15, accessed 11/10/2019, Online: https://www.ceeol.com/search/article-detail؟id=257001.
[60]– Peeter Torop, cultural semiotics, In: the Routledge Handbook of language and culture, edited by: Farzad SHARIFIAN, Routledge, London and New York, first published, 2015, P 170.
[61]– Paul Cobley and Anti Randviir, Introduction: what is Sociosemiotics?, Op. Cit, PP 14- 15.
[62]– Paul Baker and Sibonile Ellece, Key Terms in Discourse Analysis, Continuum International Publishing Group, London- New York, 2011, P 100.
[63] – Paul Cobley and Anti Randviir, Introduction: what is Sociosemiotics?, Op. Cit, P 19.