جودة التعليم العالي في ظل التحول الرقمي: الفرص والإمكانات
Quality of higher education in the era of digital transformation: Opportunities and potentials
د. عمر شهبي/ أكاديمية الرباط، سلا- القنيطرة، المملكة المغربية
Dr. Omar Chahbi / the Academy of Rabat – Sale – Kenitra / Kingdom of Morocco
مقال منشور مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 95 الصفحة 31.
Abstract:
This academic article addresses the topic of the quality of higher education in relation to the digital transformation in the field of education. This has resulted in an educational technological system commonly known as e-learning, digital education, distance learning, or also referred to as educational technology as a modern educational trend based on investing in the achievements of digital development. This article aims to highlight the theoretical references that have addressed the concepts of quality, digitization, and digital education, as well as to uncover the numerous opportunities and vast potentials that educational technology offers to enhance the quality of higher education in particular. This includes providing opportunities for instant and productive interaction, easy and smooth access to knowledge, as well as organizing and absorbing it according to self-learning processes that enhance independence and support the directions aimed at promoting self-learning and lifelong learning, as essential features for individuals of the 21st century.
Keywords: Quality – higher education – digital transformation – e-learning.
ملخص:
يعالج هذا المقال الأكاديمي موضوع جودة التعليم العالي في علاقتها بالتحول الرقمي في حقل التربية والتعليم، والذي أثمر منظومة تكنولوجية تعليمية صار يصطلح عليها بالتعليم الإلكتروني أو التعليم الرقمي أو التعليم عن بعد، أو يعبر عنها كذلك بمصطلح تكنولوجيا التعليم بوصفها نزعة تربوية حديثة ترتكز على استثمار منجزات التطور التكنولوجي والرقمي. ويرنو هذا المقال، بالإضافة إلى تسليط الضوء على المرجعيات النظرية التي تناولت مفاهيم الجودة والرقمنة والتعليم الرقمي، إلى الكشف عن الفرص المتعددة والإمكانات الهائلة التي يتيحها استثمار تكنولوجيا التعليم في الرفع من جودة التعليم العالي على الخصوص، وذلك بما يوفره من إمكانيات للتفاعل الآني والمثمر، وكذا الوصول السهل والسلس للمعرفة، والاشتغال عليها وتنظيمها واستيعابها وفق سيرورات تَعلُّمية ذاتية، تعزز الاستقلالية وتدعم التوجهات الرامية إلى تكريس التعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة، باعتبارها ملامح أساسية لإنسان ومواطن القرن الواحد والعشرين.
الكلمات المفتاحية: الجودة – التعليم العالي – التحول الرقمي – التعليم الإلكتروني .
مقدمة :
لا شيء ثابت إلا التحول، مقولة تختزل بشكل مكثف تصورا عاما مفاده أن التغير بشكل عام هو سنة الله في الكون وأنه أمر محتوم وجب على الإنسان استيعاب أبعاده ومحاولة التلاؤم معه بما يحقق مصالحه. ومن يتأمل عالمنا اليوم يجد أن ثمة تغيرات هيكلية وتحولات جوهرية طرأت على العالم وحياة الناس ونظرتهم إلى الكون، وهي تحولات لم تقتصر على مجال دون آخر.
ولئن كان ميدان التعليم من أهم مجالات الفعل الإنساني لارتباطه ببناء العقل وصياغة الفكر والوجدان، فقد ناله ما نال المجالات الأخرى من تغير سواء على مستوى المضامين أو المقاربات والطرق التربوية والأساليب البيداغوجية، ذلك أنه م يعد اليوم ثمة بد من الانخراط في العصر الراهن ومستجداته، لاسيما فيما يتعلق بتكنولوجيا التعليم التي باتت حاجة ملحة بل وخيارا استراتيجيا فرضته التوجهات الحالية لجعل التعليم غير مرتبط بالزمان أو المكان، وكذا الحاجة إلى التعلم المرن أو التعلم الذاتي أو التعلم مدى الحياة، وهي أنماط لا يمكن تفعيلها إلا بالتعلم الرقمي، الذي من شأن اعتماده أن يوفر للعملية التعلُّمية عددا من الفرص والإمكانات.
تكنولوجيا التعليم أو التعليم الرقمي أو التعليم الإلكتروني أو التعليم عن بعد، كلها أسماء لوافد جديد على حقل التربية والتعليم، الذي ظل لردح من الزمن مؤطرا بطريقة تقليدية في التدريس، تقتضي التفاعل بين المعلم والمتعلم حضوريا داخل الفضاء المدرسي أو الجامعي، هذا الوافد الجديد الذي فرض نفسه اليوم بوصفه خيارا تعليميا حديثا يعد من أهم الموضوعات المطروحة على الساحة التعليمية الجامعية، إذ يعتبره كثيرون أحد أهم المداخل التي يمكن اعتمادها من تحسين جودة التكوين الجامعي والرفع من كفاءة هيئة التدريس، وذلك من خلال الاستفادة مما تتيحه التقنيات الرقمية الجديدة، من تطبيقات وبرمجيات وأدوات حديثة كفيلة بمساعدة الطالب الجامعي على استيعاب المقررات والبرامج التربوية والانخراط الفاعل في البحث العلمي وإثرائه، وهو الأمر الذي يمكنه من ضمان وتحقيق طموحه الدراسي والمهني.
تنبع أهمية الرقمنة في التعليم العالي من المكانة التي صارت تحظى بها في مختلف مناحي الحياة العامة والدراسية والمهنية، ولهذا فقد سعينا إلى مقاربة الإشكالية المتعلقة بأثر الرقمنة على جودة التعليم العالي – وما يقتضيه ذلك من حديث عن إشكالية تعريف الجودة ومعاييرها- من خلال اعتماد منهج وصفي تحليلي أتاح لنا الوقوف على إيجابيات الرقمنة في التعليم العالي وفوائدها، ذلك أن إتقان المهارات الرقمية لا يمَكن الأساتذة من التحكم في جودة العملية التدريسية فحسب، بل هو اليوم شرط أساسي كذلك لإعداد المواطن في القرن الحادي والعشرين؛ لما لذلك من فوائد عديدة تسهم في اكتساب المهارات المعرفية والحياتية اللازمة للعيش في المجتمع الرقمي والاندماج في الوسط المهني، وبالتالي المساهمة في التنمية الشاملة للمجتمع، وهي أحد أهم وظائف المؤسسة الجامعية.
- إضاءة تعريفية لمفهوم الجودة
إن أول خطوة يقتضيها البحث عن ملامح مفهوم ما وتجلية مختلف المعاني التي تشتبك به، هي تناول البعد اللغوي، بما هو بعد أساسي يؤثر ولاشك في صياغة الدلالة الاصطلاحية ويطبعها بميسمه، وهكذا تحيل لفظة الجودة في اللغة على نقيض الرداءة أو على الجيد والحَسن والمتقَن من القول والعمل، يقول ابن منظور: “الجَيِّد: نَقِيضُ الرَّدِيءِ (….) وَجَادَ الشيءُ جُودة وجَوْدة أَي صَارَ جيِّداً، (…) وَقَدْ جَادَ جَوْدة وأَجاد: أَتى بالجَيِّد مِنَ الْقَوْلِ أَو الْفِعْلِ”[1]. وفي معجم اللغة العربية المعاصرة:”جادَ، يَجود، جَوْدةً وجُودةً، فهو جَيِّد، وجادَ العَمَلُ: حسُن، علا مستواه (العمل في غاية الجودة والإتقان- جاد المتاعُ: صار جيدًا نفيسًا)، وجادَ الرَّجُلُ: أتى بالحسن من القول أو الفعل “شخصٌ جيِّد”[2].
يتبدى من خلال تناول الدلالة اللغوية أن جودة الشيء تتحدد من خلال سمات ومواصفات تميزه، فتنفي عنه الرداءة وتخلع عليه ثوب الحسن أو الإتقان أو الجودة، ولعل هذه المعاني تحضر في الدلالة الاصطلاحية لمفهوم الجودة الذي انبثق في عالم الاقتصاد والإنتاج والأعمال، إذ يرى فيليب كروسبي (Philip Crosby) أن الجودة هي”المطابقة مع المواصفات”[3]، وبهذا فالمنتَج لا يحوز صفة الجودة إلا إذا تحققت فيه عدد من المواصفات بناء على انضباطه لمعايير ينتج عن تبنيها تحقيق الأهداف المنشودة من طرف المؤسسة.
وإذا كان كروسبي Crosby يركز على مواصفات المنتوج، فإن إيشيكاوا(Ishikawa) يربط الجودة برضا الزبون وإشباع حاجاته ورغباته، ذلك أنه يُعَرف الجودة بأنها “القابلية لإشباع الزّبون”[4]، وهو ما يعني كذلك أن هذا التعريف يركز على منظور الزبون أو المستفيد من المنتوج، من منطلق المواءمة مع استعمالاته واستخداماته، وفي هذا السياق أيضا يسير جوزيف جوران (Joseph Juran) الذي يعرف الجودة على أنها “مدى ملاءمة المنتج للاستخدام”[5] ، أي مدى قدرة هذا المنتوج على الاستجابة لما يريده الزبون،
غير أن ثمة من يعتبر أن الجودة هي نتاج تكامل بين مواصفات المنتوج أو الخدمة من جهة، ورغبات الزبون وتطلعاته أو رغبات المؤسسة من جهة أخرى، إذ يعرفها فيشر (Fisher) بأنها:”درجة التألق والتميز وكون خصائص أو بعض خصائص المنتج ممتازة عند مقارنتها مع المعايير الموضوعة من منظور المنظمة أو من منظور المستفيد /الزّبون”[6].
وينسجم هذا التعريف مع منظور المعهد الأمريكي للمعايير الذي يعتبر أن الجودة هي: “جملة السمات والخصائص للمنتوج أو الخدمة، التي تجعله قادرا على الوفاء باحتياجات معينة”[7]، كما يتواءم مع رؤية أرماند فيغانباوم Armand Feigenbaum للجودة باعتبارها: “الناتج الكلي للمنتَج جراء دمج خصائص نشاطات التّسويق والهندسة والتّصنيع والصّيانة والتي تمكّن من تلبية حاجات ورغبات الزّبون”[8]، ويظهر هنا أن تحقيق الجودة هو ثمرة سيرورة من العمليات المرتبطة بالتسويق وما يتطلبه ذلك من دراسة وتقييم لمستوى الجودة المرغوبة من الزبناء، ثم الهندسة التي تتولى تحديد الخصائص الواجب توفرها في المنتوج بناء على خلاصات وتقييمات إدارة التسويق، لتعمل وحدات التصنيع والإنتاج على تطبيق المعايير المحددة أثناء عملية تصنيع المنتوج.
إلماعة حول الجودة في التعليم العالي
لقد شكلت المفاهيم المرتبطة بالجودة، والتي نشأت وتبلورت في المنظومة الصناعية والإنتاجية، قاعدة اعتمدت عليها الدراسات التي سعت إلى تحسين المنتوج التعليمي ومخرجات العملية التعليمية في مؤسسات التعليم العالي، بما يعنيه ذلك من رفع لمستوى الأداء بما يمكن من التوفر على خريجين لديهم ما يكفي من المعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج والتنافس في المجالات العملية والمهنية.
وتختلف التصورات بخصوص ماهية الجودة في التعليم العالي تبعا لتنوع المنطلقات الفكرية والتصورية، ذلك أن ثمة من يركز على المناهج والمضامين ومرجعيات التكوين في المؤسسة الجامعية والتي من شأنها أن تحقق تطلعات الطالب المهنية، إذ ترى حليمة قادري ونصيرة بن نابي أن الجودة تتحدد في التعليم بمدى” قدرة الجامعة على الاهتمام ببناء مرجعيات لتكوين الطالب بطريقة تضمن مرونة عالية لمساره الدراسي والمهني، وحتى يكون قادرا على استيعاب المقررات والبرامج التربوية بما يتماشى وأهدافها المسطرة بإكسابهم أنماط فكرية وسلوكية، والتي تمكنه من ضمان وتحقيق طموحه المهني”[9].
يظهر وفق هذا التصور أن الهدف الأساس من العملية التعليمية في المؤسسة الجامعية يتمثل في تلبية طموحات الطالب ورغباته واحتياجاته، غير أن ما يلحظ هنا هو التركيز على رضا المستفيدين من الدراسة والتكوين الجامعيين وإغفال الرهانات والغايات المتعلقة بالتنمية الشاملة للمجتمع ومتطلباته، وهكذا فجودة التعليم العالي وفق منظور أحمد أبو فارة هي: “مجموعة من الخصائص والصفات الإجمالية التي ينبغي أن تتوفر في الخدمة التعليمية بحيث تكون هذه الخدمة قادرة على تأهيل الطالب وتزويده بالمعرفة والمهارات والخبرات أثناء سنوات الدراسة العالية، وإعداده في جو جامعي متميز قادر على تحقيق أهدافه، وأهداف المشتغلين، وأهداف المجتمع التنموية”[10].
ويبدو واضحا هنا النزوع نحو الموازنة بين مطالب المتدخلين والمعنيين بالتعليم الجامعي، إذ تتحقق الجودة وفق هذا المنظور من خلال انسجام مُدخلات النظام التعليمي الجامعي المتعلقة برهانات المؤسسة الجامعية وغاياتها وطبيعة المضامين والمناهج والوسائل، ثم المخرجات التي تتصل باحتياجات الطالب ومتطلباته ورهانات المجتمع في التنمية والتطور، ذلك أن جودة المنتوج التعليمي تقاس بمدى توفر الخريجين من الطلبة على المهارات والمعارف والكفاءات اللازمة التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم وتلبي احتياجات المجتمع وسوق الشغل.
ويجمِل رمزي سلامة في كتابه (ضمان الجودة في الجامعات العربية) مختلف المقاربات التي تناولت الجودة في التعليم العالي في أربعة مداخل، يقوم أولها على ربط الجودة بفكرة التميز لدى بعض مؤسسات التعليم العالي التي تركز على اعتبارات معينة متعلقة بالولوج إليها من قبيل شروط اختيار الطلبة وقبولهم، وخصوصيات المضامين والمقررات والامتحانات التي يخضع لها الطلبة، أما المدخل الثاني فيعمل على المواءمة مع الغايات بالتركيز على أهداف وغايات المؤسسة، غير أن ما يُعاب عليه هو عدم الأخذ بعين الاعتبار وجهة وجهة نظر المستفيدين من التّعليم العالي سواء كانوا طلبة، أو أصحاب مؤسسات التشغيل، أو حكومات وسائر أصحاب الشأن المعنيين من المجتمع ككل.
ويركز المدخل الثالث على تقييم الغايات والأهداف لقياس مدى ملاءمتها مع الاحتياجات المجتمعية، وتقييم العمليات من وجهة نظر الطلبة وتوسيع نطاق التّقييم ليشمل جودة المخرجات ومدى ملاءمتها لاحتياجات سوق العمل، أما المدخل الرابع فينظر إلى الجودة من منظار تأمين معايير الحد الأدنى، ويتميز هذا المدخل عن بقية المداخل الأخرى، من جهة، بأنه يعتمد على سلسلة من المعايير المحددة مسبقا بشكل واضح والواجب احترامها؛ ومن جهة ثانية، يقضي هذا المدخل بأن تجرى عمليات ضمان الجودة تحت إشراف جهات خارجية مستقلة عن مؤسسة التّعليم العالي لتأمين الثقة المجتمعية في هذه العمليات وبنتائجها[11].
إن جودة التعليم العالي في تصورنا هي خاصية تضمن الفعالية والكفاءة التي تفضي إلى تحقيق التميز والتفوق ، وهي لا تتحقق إلا باجتماع وتناغم عدد من العوامل التي تنتظم ضمن ثلاثة محاور؛ يتعلق أولها بجودة مُدخلات العملية التعليمية والتكوينية والبحثية، والتي تشمل تكوين الأستاذ وكفاءته، وجودة التكوين الذي تلقاه الطالب من قبل ومكتسباته السابقة، ثم جودة المناهج والبرامج والبنية التحتية بما فيها من تجهيزات ووسائل، أما المحور الثاني فيرتبط بجودة السيرورة التعليمية والتكوينية والبحثية والتي تتأسس بالضرورة على جودة المدخلات وحسن استثمارها، ثم المحور الثالث الذي يتصل بمخرجات العملية التعليمة والتكوينية والبحثية، والتي تشمل تقويم جودة المنتج التعليمي، وهو في هذه الحالة يتعلق بالطالب الذي يتم قياس مُخرجات تعلمه وفق لمعايير الجودة الداخلية المتعلقة بأهداف النظام التعليمي العالي، ومعايير الجودة الخارجية المرتبطة بمتطلبات سوق العمل وحاجيات المجتمع في الاقتصاد والتكنولوجيا وغيرها من مجالات المعرفة الإنسانية.
- إلماعة على معايير جودة التعليم العالي
يواجه التعليم العالي في الدول النامية على الخصوص تحديات متنوعة، ولعل أهمها تحدي الجودة، وذلك بالنظر إلى التطور السريع الذي تشهده حقول المعرفة الإنسانية وكذا متطلبات مجتمع المعرفة، وحاجيات وتوقعات سوق الشغل المتعلقة بكفاءات ومهارات الأفراد، فمؤسسات التعليم العالي اليوم ليست مجرد فضاءات لاكتساب معارف ومهارات تعين الطالب على القيام بوظيفة معينة مستقبلا، بل هي فاعل مركزي في تطوير المعرفة وتحقيق التنمية المجتمعية المنشودة.
ولهذا فجودة التعليم العالي لا تتعلق بمدى قدرة المؤسسات الجامعية على تحقيق الأهداف المرتبطة بالبحث والتدريس فحسب، وإنما تقاس كذلك بمدى تأثيرها في المنظومة الاقتصادية وكذا مساهمتها في النموذج التنموي الوطني، ولتحقيق هذه الغايات تعمد السلطات الحكومية المكلفة بالتعليم العالي والبحث العلمي إلى إصدار وثائق أو تقارير رسمية تحدد مختلف معايير الجودة المنشودة، والتي تتعلق في غالب الأحيان بالمواصفات والمقاييس المرتبطة بجودة الخدمة التعليمية والتكوينية والبحثية المقدمة من لدن المؤسسات الجامعية، ومواصفات الخريجين، ونتائج تحصيلهم الدراسي، وكذا المهارات والكفايات المكتسبة عبر مختلف مراحل التكوين الجامعي.
وقد تعددت التصنيفات لمعايير الجودة تبعا لاختلاف توجهات الهيئات المعنية بوضع إطار لمعايير الجودة وكذا تنوع أراء الدارسين ومشاربهم والفكرية، هذه التصنيفات التي تأتلف في عناصر وقد تختلف في أخرى. فإذا كان صالح ناصر عليمات يرى أن الجودة ترتبط بعدد من العناصر وهي: “عضو هيئة التدريس والطالب والمناهج الدراسية والبرامج التعليمية وتقويم الطالب والإمكانيات المادية والعلاقة مع المجتمع وتقويم الأداء والإدارة”[12]، فإن سوسن شاكر الجبلي تعتبر أن الجودة تتعلق أساسا ” بجودة هيئة التدريس والطلبة والمناهج الدراسية والإمكانات المادية والنظام الإداري والعلاقة مع المجتمع والاستقلالية والمسؤولية والتقويم”[13]، وتتحدد الجودة في منظور الهيئة اليابانية لاعتماد الجامعاتJapan Accreditation University Association – JUAA بناء على العناصر الآتية: ” الرسالة والغايات، الأهداف، هيكيلة البحث والتعليم، أعضاء هيئة التدريس وهيكلية الكليات والبرامج، التدريس والنواتج، قبول الطلبة، خدمات الطلبة، البيئة التربوية والبحثية، التعاون الاجتماعي والمساهمة المجتمعية، شؤون الإدارة والمال، نظام الجودة الداخلي”[14].
وللكشف عن معايير الجودة كما تعتمدها بعض المؤسسات الرسمية المختصة بقطاع التعليم العالي، سنعرض لنموذجين اثنين؛ يتعلق الأول بتقرير حول جودة التعليم العالي، أصدرته وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا بإقليم الكيبيك-كندا، تحت عنوان (الدفتر الموضوعاتي: جودة التعليم العالي في الكيبيك)، أما النموذج الثاني، فيتمثل في مرجع لتقييم وضمان جودة التعليم العالي حول معايير الجودة، أصدرته الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب.
وتتحدد جودة التعليم العالي بإقليم الكيبيك بحسب التقرير الكندي تبعا للمعايير والمؤشرات الآتية [15]:
- تحقيق المؤسسات للأهداف المنشودة فيما يتعلق برسالتها التدريسية: وتُستخدم في أغلب الأحيان مؤشرات من قبيل معدل التخرج، لتحديد ما إذا كانت الجامعة تحقق أهدافها أم لا.
- تحسين التعليم من كفاءة الأفراد: وترتبط الجودة هنا بالتعلم ونتائج الطلاب، فمستوى الكفاءة الذي حققوه يشهد على الجودة من وجهة نظر القيمة المضافة.
- تشجيع التدريس على التميز: وتظهر الجودة هنا من خلال الموقع النسبي للمؤسسات في مختلف التصنيفات الوطنية أو الدولية. ويعتبر الاعتراف بالدبلومات وعدد الشراكات الجامعية أو الاتجاهات البحثية المشتركة والتواجد في قائمة الجوائز، مؤشرات على التميز في التدريس من بين أمور أخرى.
ولأن الحفاظ على جودة التعليم العالي وتحسينها – وفق الدفتر الموضوعاتي – هو رصيد استراتيجي لمجتمعات المعرفة مثل الكيبيك، فمن الضروري الحرص على أن يعمل نظام التعليم العالي على النحو الأمثل ويضمن جودة التكوين. ومن ثم فتحقيق الجودة يستدعي العمل على تحسين المناحي الآتية:
• الحضور المنتظم للأساتذة في جميع الأسلاك التعليمية.
• التوازن في مساهمة الأساتذة والمكلفين بالدروس.
• الصلة بين التدريس والبحث وخدمة المجتمع.
•الحركية الطلابية بين المؤسسات الجامعية الوطنية والدولية.
• إعداد الطلاب لحياة ما بعد الجامعة، وإدماجهم الاجتماعي والمهني، ومساهمتهم الفكرية في مجتمع أكثر استنارة وأكثر ممارسة للنقد.
وإذا انتقلنا إلى التجربة المغربية، فالاهتمام بوضع معايير محددة للجودة أسفر عن عمل متميز تمثل في إصدار مرجع وطني لتقييم جودة التعليم العالي، وهو ثمرة تعاون بين الخبراء الجامعيين المغاربة والخبراء الأوربيين، هذا المرجع الذي أتى في سياق مشروع المواكبة التقنية المدعم من الاتحاد الأوربي، وفي إطار الوضع المتقدم للمغرب بالنسبة للاتحاد الأوربي، وهو نتاج كذلك لمشاركة فاعلة من قبل العديد من الهيئات والمؤسسات العمومية والخاصة المعنية بالتعليم العالي، لقد وُضع هذا المرجع سواء من حيث الشكل أو المضمون لكي يتم اعتماده وتبنيه من أجل إجراء التقييمات الداخلية والخارجية لمختلف مؤسسات التعليم المغربية العمومية والخصوصية، وتم تصميم هذا المرجع وفق خمسة مجالات، تضم خمسة عشر حقلا للاشتغال، تحتوي على ثمانية وثلاثين مرجعا، مقسمة إلى مائة وستة وأربعين معيارا.
يضم المجال الأول المعنون بالحكامة وتدبير وظائف الدعم حقول: حكامة المؤسسة ثم سياسة وتدبير ضمان الجودة، وكذا نظام الإعلام والتواصل، أم المجال الثاني الموسوم بالتكوين، فينطوي على حقل تصميم وعرض التكوينات وحقل تخطيط التكوينات وتنظيمها وتنفيذها وتقييمها، ثم حقل التجديد البيداغوجي، ويتضمن المجال الثالث المعني بالبحث العلمي حقول: سياسة البحث العلمي وتنظيمها، و التعاون العلمي، ثم إنتاج وتثمين البحث العلمي، وكذا تقييم البحث العلمي، ويتعلق المجال الرابع بمواكبة الطلاب والحياة الطلابية، ويضم الحقول المتعلقة بقبول الطلاب وتوجيههم، وكذا الحياة الطلابية والأنشطة الجامعية الموازية، ثم تتبع الخريجين وتوظيفهم، أما المجال الخامس والأخير، فيتمحور حول خدمات المؤسسة الجامعية إزاء المجتمع[16].
بعد استعراض معايير الجودة في التعليم العالي، سواء من خلال بعض الكتابات والدراسات أو الوثائق الرسمية في المغرب وكندا، يظهر أن الجودة في التعليم عموما وفي التعليم العالي على وجه الخصوص هي توليفة تنسخ خيوطها انطلاقا من جودة تصميم العملية التعليمية، وجودة تدبير ها ثم جودة مخرجاتها، أي أن هذه العملية ينبغي تصميمها وفق مجموعة من المعايير المحددة، ثم تدبيرها وإدارتها وفق معايير معلنة وواضحة، وذلك للحصول على مُنتج تعليمي تتحقق فيه المواصفات والمعايير المتوقعة والمطلوبة سواء داخليا أي المعايير المتعلقة بجودة التكوين، أو خارجيا بما يعنيه ذلك من علاقة مع المجتمع وسوق الشغل.
تنبني جودة التعليم العالي في تصورنا على عدد من المعايير الجوهرية المرتبطة أساسا بالتكوين الجامعي الذي يجب صياغته وتقديمه وفق شروط أهمها التلاؤم مع المعايير الوطنية والدولية، والحرص على تهيئة الظروف التي تضمن نجاعة العملية التعليمية، سواء تعلق الأمر بهيئة التدريس وتحفيزها وتعزيز مهاراتها وقدراتها التدريسية لاسيما فيما يتعلق بالتقنيات المستعملة في التعليم الرقمي، ثم الشروط المتصلة بالبنية التحتية، أي الفضاء الجامعي بكل مكوناته، وكذا توفير الوسائل اللازمة المساعدة لهيئة التدريس وأيضا الطلبة، ويشمل ذلك الكتب والمراجع والموارد الرقمية، إن المؤسسة الجامعية التي ترنو إلى تحقيق الجودة هي تلك المؤسسة التي تستطيع توفير حاضنة إيجابية وداعمة للتميز والبحث والابتكار، بما يلبي أهداف المؤسسة من جهة، ويستجيب لتوقعات وانتظارات البيئة المهنية من جهة ثانية.
- جودة التعليم العالي في ظل التحول الرقمي
لم يعد يُنظر اليوم إلى الممارسة التعليمية في الجامعة بمعزل عن التحولات الهائلة التي طرأت على عالمنا ولاسيما حضور الرقمنة التي أضحت من لوازم الاشتغال التي لا مناص منها، ومعيارا أساسيا من معايير الجودة وتقييم المنظومة التعليمية، ذلك أنه لم يعد مقبولا اليوم أن تظل الجامعة بعيدة عن هذا الانفجار الرقمي الذي اكتسح معظم مجالات النشاط والحياة الإنسانين، إلى درجة أن الحدود بين العالم الواقعي والعالم الرقمي أو الافتراضي لم تعد واضحة بما فيه الكفاية، وذلك بالنظر إلى التداخل بين هذين العالمين والتفاعل الحاصل بينها. إن الإقرار بأهمية الرقمنة وضرورة استثمارها من أجل تطوير الممارسة التعليمية في التعليم العالي يستدعي الوقوف عند المنافع التي قد تجنيها منظومة التعليم العالي من رقمنة العملية التعليمية التي ظلت ردحا طويلا من الزمن مؤطرة بعلاقة مباشرة وتفاعلية بين الأستاذ والطالب، وأساليب بيداغوجية تنبني على البعد الحضوري في العملية التعليمية.
3.1 إلماعات حول مفاهيم الرقمنة والتعلم الرقمي والتعليم عن بعد
لقد صار جليا اليوم أن الممارسة التعليمية في ثوبها التقليدي تواجه تحديات كبرى غير مسبوقة مرتبطة بتحولات تكنولوجية ومعرفية جوهرية، نجم عنها انبثاق أشكل جديدة من التعليم، اتخذت تسميات متعددة من قبيل التعليم الرقمي والتعليم الافتراضي والتعليم عن بعد وغيرها من الأنماط التي تلتقي جميعها في حضور الرقمنة بوصفها المرتكز الأساس، وهو الأمر الذي يستدعي الوقوف قليلا عند هذا المفهوم.
فالرقمنة بصورة عامة كما يعرفها محمد فتحي عبد الهادي هي:” عملية نقل أو تحويل البيانات إلى شكل رقمي آلي، وفي نظم المعلومات عادة ما يشار إلى الرقمنة بالمعالجة بواسطة الحاسب على أنها تحويل النص المطبوع أو الصور إلى إشارات ثنائية باستخدام وسيلة آلية، وفي الاتصالات بالمسح الضوئي لإمكان عرض النتيجة على شاشة الحاسب عن بعد، وفي علم المكتبات والمعلومات يقصد بالرقمنة عملية إنشاء نصوص رقمية من الوثائق التناظرية [17].
يظهر إذن أن الرقمنة تقوم أساسا على استثمار الحاسوب في تحويل مختلف البيانات والنصوص والوثائق والموارد من صورتها الأصلية إلى صورة رقمية، ومعالجتها آليا باستعمال ما تتيحه تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي من إمكانيات معلوماتية وحاسوبية متطورة، كما تشمل الرقمنة كذلك تداول المضامين والمحتويات الرقمية وتبادلها عن طريق استعمال مختلف البرمجيات والتطبيقات التي تستثمر شبكة الانترنت، ولعل هذه التحولات التي مست مختلف مجالات الفعل الإنساني لم تستثن التعليم بشكل عام والتعليم العالي على وجه الخصوص، ذلك أن الرقمنة في التعليم العلي تتمثل وفق عبد الباقي عبد المنعم أبو زيد في ” كل ما يستخدم في عملية التعليم والتعلم من تقنيات المعلومات والاتصالات، والتي تستخدم بهدف تخزين، معالجة، استرجاع ونقل المعلومات من مكان لآخر، فهي تعمل على تطويره وتجويده بجميع الوسائل الحديثة كالحاسب الآلي وبرمجياته، شبكة الانترنت، قواعد البيانات، الموسوعات، الدوريات، المواقع التعليمية، البريد الالكتروني، البريد الصوتي، التخاطب الكتابي والصوتي، المؤتمرات المرئية، الفصول الدراسية الافتراضية “[18].
لقد نجم عن رقمنة التعليم، أي توظيف التكنولوجيا الحديثة في تخطيط العملية التعليمة وتدبيرها، ظهور مفاهيم جديدة تحيل على أنماط تعليمية رقمية، من قبيل مفهوم التعلم الرقمي الذي يُعرَّف – وفق إياد ألطف- بأنه ” تعلم يعتمد على استخدام تقنية المعلومات والاتصال، أي الانفتاح المطلق على الوسائل الرقمية بكافة أنواعها وأشكالها، لذا لابد من الأخذ بعين الاعتبار الأهداف التي نسعى لها من أجل خدمة العملية التعليمية التعلُّمية”[19] .
إن التعلم الرقمي كما يبدو من خلال هذا التعريف يقوم على استبدال فضاء الفصل الدراسي بمكوناته البشرية والمادية، بفضاء افتراضي يستثمر منجزات تكنولوجيا الاتصال والتواصل التي تتيح التلاقي والاجتماع بالرغم من التباعد المكاني والجسدي، أي تعويض التدريس الحضوري الذي يتم تحت سقف الفصل بتعليم عند يتم عن طريق استعمال وسائط إلكترونية.
وإذا كانت تعريفات مفهوم التعلم عن بعد متعددة، فإن تجمع على المعطى المتعلق بتوظيف الوسائل التكنولوجية الرقمية في التواصل مع متعلم بعيد مكانيا عن المدرس، فالتعليم عن بعد وفق الباحث حسن بلحياح هو: “نظام لإيصال المعرفة لمتعلم بعيد عن المؤسسة التعليمية إما عن طريق المطبوعات أو الملفات الإلكترونية أو التلفاز أو وسائل التكنولوجيا أو عبر الإنترنت” [20]، وتسير الباحثة سعاد اليوسفي في الاتجاه نفسه حينما تؤكد أن هذا النمط من التعليم (عن بعد) “يعتمد مجموعة من التقنيات كالتعليم الإلكتروني والتعليم بالإنترنيت والتعليم الافتراضي وغيرها، وكل ذلك وفق طرائق تعليمية ملائمة “[21].
يتضح من خلال ما تقدم أن التعلم عن بعد، بما هو تعلم رقمي يتم بعيدا عن الفصل الدراسي، هو نمط من التعليم يحضر فيه المكون التكنولوجي المرتبط بكل الأدوات التقنية الرقمية التي تستثمر من أجل التعلم أو الاتصال والتواصل كالحاسب الآلي واللوحات الإلكترونية وشبكة الإنترنت وغيرها من الأدوات الأخرى. وينضاف هذا المكون التكنولوجي إلى مكونات وأقطاب العملية التعليمية الأخرى وهي المعلم والمتعلم ثم المعرفة، وهذا ما يطرح بعض التحديات على مستوى ملاءمة العملية التعليمية مع المعطيات الرقمية والأبعاد البيداغوجية، وذلك بما يمكن من الاستفادة من هذه التكنولوجيا الحديثة في تطوير التعليم بفضل ما تتيحه من إمكانات وفرص، وعلى رأسها إمكانية تجاوز بعض الإكراهات التي تعترض العملية التعليمية التقليدية من قبيل إكراهات ضيق الزمان وتباعد المكان أحيانا.
3.2 التحول الرقمي: الفرص والإمكانات
تتيح الرقمنة إمكانية تحويل النصوص والصورة والصوت ومختلف البيانات إلى موارد رقمية، ومن ثم معالجتها وتخزينها أو مشاركتها وتداولها متى كانت الحاجة إلى ذلك، وهكذا يمكن للرقمنة أن تكون وسيلة فعالة لربح الوقت والجهد، وذلك من خلال الاستعاضة عن استعمال الكتابة الورقية بإنجاز الأعمال والتمارين والتقارير وكتابة الدروس عن طريق استثمار الحواسيب والأجهزة اللوحية،” فعندما يحصل كل طالب على جميع المواد عبر الإنترنت سيكون قادرا على معالجتها في الوقت المتاح والعمل بشكل تفاعلي، والتي ستزيل عمليا أي نتائج سلبية مترتبة على الغياب عن الجامعة”[22].
وإذا كان من الضروري التشديد على أن التعليم الرقمي بالرغم من أهميته البالغة، إلا أنه لا يملك أن يكون بديلا للتعليم النظامي، غير أنه قد يوفر عددا من الإمكانات التي لم تكن متاحة من قبل، وخاصة إمكانية تلقي بعض المضامين دون الحاجة إلى الحضور الفعلي إلى المؤسسة الجامعية، ثم سهولة تواصل الطلبة فيما بينهم وتفاعلهم المثمر مع بعضهم من خلال منتديات النقاش ومختلف وسائط التواصل الاجتماعي، وأيضا سهولة التواصل مع الأساتذة الذين بإمكانهم تأطير الطلبة وتتبع أعمالهم وفحصها سواء من خلال تطبيقات التواصل الفورية أو عن طريق البريد الإلكتروني.
إن الطابع التزامني للتعليم التقليدي قد لا يتناسب مع بعض الطلبة ممن يحتاجون إلى زمن أطول من أجل التركيز والفهم والاستيعاب، ولهذا تتيح لهم الموارد الرقمية المتوفرة في منصات التعلم الرقمية المختلفة إمكانية الاشتغال على المادة المعرفية وتنظيمها وتخصيص وقت أطول لاستيعاب بعض المضامين الدراسية، والاستعانة إذا أمكن بمتخصصين يقدمون الإيضاحات والشروحات سواء في مواقع متخصصة أو بعض وسائط التواصل الاجتماعي، كما تمكن الموارد الرقمية بعض الطلبة من استيعاب أفضل وتحكم أكبر من المادة المعرفية، لاسيما إذا كانت تتوفر فيها معايير التنظيم المحكم والتنسيق الجيد، الذي يركز على العناصر الهامة، وقد يجد بعض الطلبة ضالتهم في التعليم الرقمي خصوصا أولئك الذين يجدون صعوبات في التواصل المباشر والحضوري مع الأستاذ أو الطلبة، إذ يمكنهم هذا النمط من التعليم من المشاركة والنقاش والتفاعل دون “خوف” أو “خجل” أو “قلق”، وهكذا تسهم تكنولوجيا التعليم في تفريق التعلمات بما يتناسب مع خصائص المتعلم ووتيرة تعلمه.
لقد أسهم تطور تكنولوجيا التعليم اليوم في توفير قاعدة من المنصات التعليمية الرقمية التي تتيح من جهة أجرى، إمكانية إجراء بعض الاختبارات والتقييمات إلكترونيا، كما توفر أدوات لتحليل نتائجها ودراستها وذلك من أجل وضع خطط الدعم المناسبة، وهذا الخيار قد يكون مناسبا جدا بالنسبة لبعض الحالات التي يتعذر عليها الحضور الفعلي – الدائم أو الظرفي- من أجل اجتياز التقييمات الإشهادية.
قد تكون تكنولوجيا التعليم كذلك حلا لبعض المشكلات التي لا زال يتخبط فيها التعليم العالي في بعض البلدان النامية، خاصة مشكل العرض التربوي الجامعي سواء أ تعلق الأمر باختلال التوزيع المجالي للمؤسسات الجامعية على امتداد التراب الوطني، أم بمشكل الازدحام في المدرجات والفصول الجامعية، وهكذا يمكن للطالب متابعة تعلماته من خلال استثمار الشبكات الإلكترونية أو المنصات التعليمية المتخصصة، وهو ما يطرح كذلك تحدي توفير الشروط التربوية والإلكترونية والإدارية اللازمة من أجل نجاح هذا الخيار التربوي.
إن التعليم الرقمي من المداخل الأساسية التي من شأنها إصلاح التعليم التقليدي وتجديد الممارسة التربوية من خلال إمكانات التكوين التي يتيحها لساكنة ما فتئت تزداد تعدادا وتنوعا، ذلك أن التكنولوجيات بإمكانها “أن تحسن من عمليات التدريس والتعليم، عبر تسهيل إصلاح الأنماط التعليمية التقليدية، وتحسين نوعية النتائج والتعلم، والمساعدة على اكتساب الكفاءات النوعية، ودعم التعلم مدى الحياة learning long life وتحسين التدبير المؤسسي”[23].
بيد أن الاستفادة من كل الإمكانات الهائلة التي تتيحها تكنولوجيا التعليم اليوم يستدعي تجديدا على مستوى الرؤية الناظمة الثاوية خلف مشاريع استنبات التعلم الرقمي في المنظومات التربوية للدول النامية، ذلك أنه لا ينبغي النظر إليه بوصفه وسيلة لتيسير نقل المضامين والمحتويات التعليمية إلى الطلبة فحسب، وهو الأمر يجعل العملية برمتها لا تعدو أن تكون استبدالا للقنوات التقليدية في التلقين والتدريس بقنوات “حديثة” تتكئ على منجزات تكنولوجيا المعلوميات، بل المطلوب اليوم تطوير المنظومات التربوية بأن تستدمج تكنولوجيا التعليم بوصفها بيئة جديدة للتعلم والتكوين، لا مجرد أدوات تعوض الأدوات التقليدية المستخدمة في التعلم، كأن يتم تعويض القلم بالحاسوب، والكتاب باللوحة الإلكترونية، والدرس الحضوري بدرس يُلقى عن بعد عن طريق تطبيق إلكتروني أو منصة للتعلم.
3.3 نحو تعليم رقمي فعال يسهم في تحقيق الجودة
تحقق رقمنة التعليم عددا من الفوائد سواء بالنسبة للطالب أو الأستاذ أو العملية التعلُّمية برمتها، لكنها في النهاية ليست إلا تحسينا وتيسيرا لها في أفضل الأحوال، في حين أن التحول إلى تعليم رقمي فعال يستلزم النأي عن اعتبار تكنولوجيا التعليم مجرد أدوات مُعينة على التعليم أو التعلم، بل مسارا تعليميا مُنتِجا للمعرفة وللفكر النقدي؛ مسار يتأسس على التناغم بين مكونات الفعل البيداغوجي (الأستاذ/الطالب/المعرفة) وتكنولوجيا التعليم، بما يحقق التواصل والتفاعل المثمِريْين ويعزز الاستقلالية الذاتية للمتعلم.
ولعل استخدام الرقمنة في الحقل التربوي في البداية بوصفها آليات لتعويض الطرق والأساليب والأدوات القديمة هو أمر طبيعي، ذلك أن التعامل مع المخترعات الحديثة يتوخى في العادة تيسير المهام الاعتيادية، فقد ذكر “مارشال مكلوهان (1995) بأن محتوى أية بيئة جديدة يكون دائما في بداية الأمر نفس محتوى البيئة القديمة، ولذلك كان أول استخدام للسينما في تسجيل المسرحيات، وأول استخدام للإنترنت كان في البريد الإلكتروني، وكذلك فإن أول استخدام للشبكة في الحقل التعليمي كان في نشر المادة التعليمية (المحاضرات) واستبدالها بالمناهج الورقية”[24].
وتقوم المحاضرات، وهي الطريقة التدريسية الشائعة في جامعاتنا المغربية بالخصوص، أساسا على نقل المعلومات والمعارف والمضامين إلى المتلقي (الطالب) بشكل عمودي، دون أن يكون لهذا المتعلم في أغلب الأحيان دور بارز سواء من خلال الإسهام في بناء الحصة أو التفاعل النقدي مع ما يعرض عليه، باستثناء بعض الأساتذة ممن تتسع صدورهم للاستفسار أو التفاعل أو النقاش، وهؤلاء إن وُجدوا، فهم لا يمثلون إلا حالات نادرة تؤكد الصبغة التقليدية التي لا زالت تطبع الممارسة التعليمية في التعليم العالي المغربي خصوصا وفي الدول النامية على وجه العموم.
ولأن البيئة الجديدة في البدء تصطبغ في الغالب بسمات البيئة القديمة نفسها ، فقد أعادت المقاربات المعتمدة في رقمنة التعليم العالي إنتاج الممارسات البيداغوجية نفسها، والمتمثلة في اعتماد أسلوب المحاضرة العمودي المباشر بالرغم من تغير ظروف الممارسة التربوية وأدواتها، ونعني بذلك الانتقال من التعليم الحضوري في المدرج أو الفصل إلى تعليم عن بعد يستثمر المستحدثات الجديدة في تكنولوجيا التعليم.
إن أسلوب المحاضرة التقليدي في التعليم العالي وفق الباحثيْن غاريسون Garissson وأندرسون Andersson يفتقد لبعد التفاعل أو الخطاب النقدي، الذي يسمح “بمشاركة الطلاب في وضع الأهداف واختيار المحتوى التعليمي، ويتطلب قدرة قوية على الحكم مهنيا على الأشياء، ولاسيما بوجود نوع من الاستقلال والحرية اللذين يمثلهما التعلم الإلكتروني”[25]، ويُلحظ هنا التركيز على مفهوم المشاركة الذي بغيابه تغيب الفاعلية والفعالية ويحضر الاستئثار والتسلط المعرفيين الذي لم يعد موائما لا لخصوصيات العصر ولا البنية الذهنية لشباب اليوم، ثم إن الحديث عن إسهام الطلبة في وضع الأهداف واختيار المحتويات التعليمية يحيل على أهمية مراعاة احتياجات الطلبة واستحضار متطلباتهم المعرفية والمهارية، والتي ترتبط في غالب الأحيان بمتطلبات سوق الشغل وحاجيات المجتمع.
يدل الإصرار على تبني صيغ عمودية تقليدية في التدريس- سواء حضوريا أو إلكترونيا – على أمرين اثنين؛ يرتبط أولهما في تصورنا بعدم القدرة على الخروج من شرنقة بنية ذهنية لا ترى ضرورة أو أهمية لمشاركة الآخر (الطالب) في بناء السيرورة المعرفية أو على الأقل التفاعل مع إشكالاتها وقضاياها، أما ثانيهما فيتعلق بعجز في التصور والتنزيل مرتبط بالغاية من توظيف الآليات الرقمية الجديدة في حقل التعليم والتكوين، ذلك أن استثمارها من أجل الحصول على المعارف والمعلومات فحسب لن يسهم في تطوير العملية التعليمية وتحسين جودة مخرجاتها، وقد أشار غاريسون وأندرسون إلى هذا الأمر، إذ يعتبران أن “معظم الأبحاث التي بحثت في استخدام التقنية لأهداف تعليمية لم تثبت فورقا جوهرية بين نتائج التعلم باستخدام الوسائل التقليدية أو الوسائل المتطورة تقنيا”[26]، ولهذا فتغيير قناة التواصل مع الطلبة دون الإقدام على تغييرات جوهرية على مستوى المقاربات البيداغوجية المعتمدة لن يسفر إلا على تيسير للوصول إلى المعرفة، لا يرقى إلا مفهوم التعلم الإلكتروني بما هو منظومة للتواصل والتفاعل الموصليْن إلى اكتساب القدرة على بناء المعرفة وعلى الإبداع والبحث والتعلم المستمر.
لم يعد التحدي اليوم الحصول على المعلومات، وإنما صار هذا الأمر متاحا في كل آن وحين، وبوفرة هائلة قد يستحيل معها الإلمام بكافة جوانب المبحث أو الموضوع أو القضية المبحوث عنها، بل ظهرت مؤخرا تطبيقات حديثة للذكاء الاصطناعي تتسم بالقدرة على التفاعل مع السائل أو “الباحث” واستيعاب المطلوب بدقة أكبر وصياغته في نصوص سلمية نسبيا، وهو الأمر الذي قد يكون له تبعات سلبية على جودة التعليم والتكوين وكذا الأمانة العلمية، وذلك باعتبار الإمكانات القوية التي يتيحها هذا الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد يدفع الطلبة إلى استثماره بصورة سيئة تؤثر سلبا على تكوينهم المعرفي وتمس بالأمانة العلمية بوصفها أهم ركائز البحث العلمي الرصين.
إن التحدي الأكبر اليوم لا يكمن في تطوير ظاهري وسطحي لممارسة تعليمية عتيقة وتقليدية في جوهرها، بل في تطوير نموذج تعليمي يتسم بتناغم على مستوى الأسلوب والجوهر، نموذج يؤسس لتفاعل نقدي يؤدي إلى اكتساب القدرة على التعلم، وذلك عن طريق صياغة بيئة تعلُّمية لا تركز فقط على المحتوى فحسب، بل على تمرير الطرق والكيفيات التي من خلالها يستطيع المتعلم تحليل هذا الكم الهائل من المعارف وتنظيمها والاستفادة، أي بصيغة أخرى التركيز على أساليب التعلم والبحث وكذا القدرات المتعلقة بالتحليل والنقد، وبهذا يسهم التعلم الإلكتروني بقسط وافر في تفوق الطلبة دراسيا وفي تيسير اندماجهم المهني في سوق الشغل، التي صار الولوج إليها يقتضي التمكن من الآليات والأدوات الإلكترونية الحديثة.
ولعل هذا هو المبتغى من التكوين الجامعي، الذي لا يرنو إلى نقل المعارف إلى الطالب فحسب، بل إكسابه القدرة على البحث والتعلم الذاتيين، ذلك أن النتيجة المبتغاة من التعليم وفق غاريسون وأندرسون هي “بناء بنى مترابطة للمعرفة تلائم عملية التعلم وليس مجرد استيعاب أجزاء مجزأة من المعلومات، أي لابد من إعداد الطلاب للتعلم بشكل مستمر، وهو الأمر الذي أصبح الصفة المميزة لعصر المعرفة “[27].
ولئن كانت إمكانيات التعلم الإلكتروني هائلة ومتعددة، فإنه قادر على الإسهام في بناء الشخصية المعرفية للطالب وتمكينه من كل الأدوات الكفيلة بجعله قادرا على تطوير الذات والتعلم مدى الحياة، وذلك لما يتيحه هذا النمط من التعلم من إمكانات التعلم المتزامن وغير المتزامن، وذلك من خلال منصات تعليمية مؤسساتية أو عامة، أو بفضل التواصل بين الطلبة والأساتذة عن طريق وسائل اتصال نصية وسمعية بصرية، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز النقاشات الأكاديمية المثمرة والرفع من فرص الاستفادة البينية، وذلك بما يحسن من جودة التعليم العالي.
إن استنبات منظومة تعليم إلكتروني فعال تسهم في الرفع من جودة التعليم العالي بالدول النامية، يقتضي تهيئة ظروف وشروط نجاح هذا المشروع البيداغوجي الكبير، وقد أشار في هذا الصدد الباحث خميس محمد عطية في كتابه عمليات تكنولوجيا التعليم إلى ما يسميه متطلبات التعليم الإلكتروني، ونجملها بتصرف فيما يلي:
- دراسة مواصفات التعلم الإلكتروني: وتحديد خصائصه وإمكاناته وفوائده وأهدافه، والمشكلات التي يسهم في حلها وحدوده ومعوقاته وإجراءات توظيفه وتنفيذه.
- دراسة جدوى توظيف التعلم الإلكتروني: وذلك للتأكد من العائد الاقتصادي والتعليمي له كمستحدث بالمقارنة بالطرائق التقليدية، أو بغيره من المستحدثات المماثلة ويتم ذلك قبل البدء في التخطيط لطي نوفر الوقت والجهد والمال إذا أثبتت الدراسة عدم جدواه.
- التخطيط الصحيح لتوظيف التعلم الإلكتروني: بحيث يكون شاملا لجميع العوامل التي تؤثر في التعلم الإلكتروني، كما يشمل وضع خطة تطبيقه على مراحل متدرجة وان يتضمن إشراك المعلمين، وكل من يهمهم الأمر في كل خطواته.
- توفير المناخ لتوظيف التعلم الإلكتروني: بمعنى تهيئة بنية النظام التعليمي القائم، وتغيير ما يلزم لقبول التعلم الإلكتروني، ووضع قواعد وأسس توظيفه والاستفادة منه، ورصد التمويل اللازم لتوظيف التعلم الإلكتروني.
- توفير الكفاءات البشرية التي يحتاجها توظيف التعلم الإلكتروني: وهم الأفراد الذين لديهم الخبرات والمهارات اللازمة لتطبيق المشروع وإدارته، وتوفير المتطلبات المادية اللازمة لتوظيف التعلم الإلكتروني؛ وتشمل البنية التحتية من أماكن وأثاثات وتجهيزات، وكل الأجهزة اللازمة للمؤسسة التعليمية.
- تجريب التعلم الإلكتروني قبل البدء من تطبيقه وتنفيذه ويتم ذلك على مراحل متعددة، تبدأ بالتجريب المصغر على عينات صغيرة، ثم التجريب الموسع على عينات أكبر، والاستفادة من نتائج التجارب السابقة في المؤسسات التعليمية وإجراء التعديل والتطوير والتنقيح اللازم.
- التدريب: ويشمل تدريب أفراد تطبيق التعلم الإلكتروني والقائمين على إدارته والمعلمين وغيرهم، وذلك قبل التطبيق وفي أثنائه، من خلال برامج الإعداد، والدورات التدريبية القصيرة والمكثفة والمتكررة، على أن تكون هذه التدريبات كافية وفعالة، وتتضمن موضوعات نظرية وعملية ويقوم بها خبراء و متخصصون.
وتشير الباحثة حياة قزادري من جهتها إلى شروط تحقيق الجودة في التعليم الإلكتروني ، والتي تصنفها إلى شروط تعليمية مرتبطة بالأهداف التعليمية والمحتوى التعليمي، وشروط أخرى مرتبطة بتقنية التكنولوجيا، ثم شروط تعليمية مرتبطة بالأهداف التعليمية والمحتوى التعليمي، وتتمثل هذه الشروط باقتضاب في: تصميم المؤسسات التعليمية الجامعية لمنظومة متكاملة للتعليم الإلكتروني وتوفير الميزانية اللازمة لذلك، ثم مراعاة معايير الجودة في مختلف مراحل تصميم البرامج والمقرر الإلكتروني، وكذا إدارة برامج التعليم الإلكتروني وفقا لمعايير الجودة، ودعم التعليم الذاتي وتمكين الطلبة من التحكم في نمو مستواهم التعليمي، ثم مراجعة سلامة إجراءات التقييم المستخدمة في برامج التعليم الإلكتروني، فضلا عن شروط تكنولوجية أخرى مرتبطة بالدعم التقني والتدريب على استخدام الأدوات التكنولوجية، وكذا توفير المكتبات الإلكترونية والكتب العلمية والمعبرة عن المعلومات الموثوق بها، وخدمات استشارية إدارية لمعالجة مختلف الصعوبات التي يمكن أن تنشأ خلال عملية التعليم وإيجاد الحلول لها[28].
إن أي توجه لإقرار تعليم إلكتروني لن يكون ذا أثر على الجودة إذا لم يتم الاشتغال على تحقق شروط أساسية تتصل أساسا بالبنية التحتية اللازمة لتفعيل التعليم الإلكتروني من قبيل تجهيز المؤسسات التعليمية بخدمات الإنترنت ومدها بالحواسيب وتيسير حصول الطلبة عليها، ثم إعداد المنصات التعليمية والبرامج والتطبيقات التربوية، ولا يمكن تصور نجاح التعلم والتعليم الإلكترونيين دون انخراط فاعل للطلبة في التواصل البيني والنقاش الأكاديمي، مع ما يقتضيه ذلك من انفتاح على مختلف الشركاء الاقتصاديين والمهنيين وغيرهم، ثم توفير البرامج التكوينية والتدريبية للأساتذة والطلبة، لتمكنيهم من القدرة على استخدام المنصات التعليمية ومختلف الأدوات الإلكترونية الكفيلة بالارتقاء بالفعل التعلُّمي، ومن شروط نجاح التعليم الإلكتروني كذلك القيام بالتقييمات اللازمة بصورة دورية للوقوف على مدى استفادة الطلبة من إمكانيات هذا النمط التعلُّمي الحديث، وكذا استجلاء مواطن الخلل من أجل معالجتها، ثم تمكين الطلبة من المواكبة التربوية والدعم التقني.
خاتمة :
لقد أضحى استثمار الرقمنة بكل ما تتيحه من إمكانيات تكنولوجية هائلة، بالنسبة للدول النامية ومن بينها المغرب على سبيل المثال، مدخلا أساسيا لتحقيق الجودة والرفع من الإنتاجية في كل القطاعات الاجتماعية والإنتاجية عموما، وفي التعليم العالي على وجه الخصوص، وهذا ما يؤكد عليه تقرير صادر عن مؤسسة دستورية مغربية، وهي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وردَ فيه أن ” الرقمنة تُعدُّ رافعةً حقيقيةً لتحقيق التحول وتسريع وتيرة التطور، وتساهم في الارتقاء بجودة التفاعل بين المرتفقين والإدارات، والرفع من الإنتاجية وتعزيز تنافسية الاقتصاد المغربي وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية “[29].
إن هذا التوجه إلى تعميم الرقمنة واستثمار إمكانيات الذكاء الاصطناعي، الذي يفصح عنه هذا التقرير لا يخص المغرب فقط، بل هو مسار انخرطت فيه العديد من البلدان التي تشكلت لديها قناعة بأهمية الرفع من القدرات وتجويد الموارد، من خلال توظيف تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، حيث شرعت في تخْصيص ميزانيات ضخمة في هذا المجال: المملكة العربية السعودية (20 مليار دولار بحلول 2030) وألمانيا ( 3 مليار يورو بحلول 2025) والدنمارك ( 160 مليون دولار بحلول 2025)[30].
ولعل هذا التوجه إلى تعزيز التحول الرقمي في التعليم العالي – وهو الميدان الذي يهمنا بالدرجة الأولى – يجد مرجعه بالأساس في الفرص الهائلة التي يتيحها التعلم الإلكتروني من أجل تحسين جودة العملية التعليمية ومسار البحث والتكوين، وذلك من خلال تعزيز التفاعل بين الطلبة والمدرسين عن طريق استخدام تطبيقات التواصل ومنتديات النقاش والتطبيقات المتخصصة في التعليم الرقمي التي تتيح إنشاء فصول دراسية افتراضية، كما تتيح الرقمنة من جهة أخرى تيسير الوصول إلى المصادر التعليمية والمراجع المعرفية المختلفة بسلاسة وسهولة، إذ تمكن شبكة الإنترنت عموم المستخدمين والطلبة على وجه الخصوص من الحصول على عدد من الكتب والمقالات الأكاديمية والأشرطة التعليمية في كافة المجالات والحقول المعرفية، هذه المصادر الرقمية التي من شأنها تقديم السند والعون للطلاب، قد تكون كذلك من بين أهم سبل استكمال التعلم وسد الثغرات المعرفية ومواصلة التعلم مدى الحياة.
قد يكون من الصعب حصر الآثار الإيجابية المتعددة للتعلم الإلكتروني، لكن يمكن القول إنه خيار استراتيجي يوفر إمكانيات هائلة للرفع من جودة التعليم العالي سواء على مستوى البحث والتكوين، أو تعزيز فرص التعلم الذاتي والتعلم مدى الحياة وتحقيق الاستقلالية، لكنه يطرح تحديات كثيرة متعلقة بالبنية التحتية والذهنية الثقافية والتدريب، ثم جوانب أخلاقية ومعرفية مرتبطة بالأصالة والأمانة العلمية، وهذا ما يقتضي استثمار الآليات الإلكترونية لرصد وتتبع الانتحال والسرقة الأدبية، وذلك بالموازاة مع التكوين الأكاديمي الذي يستدمج أبعاد الأمانة وأخلاقيات البحث العلمي الرصين، إلى جانب الأبعاد الأخرى المتعلقة بالمادة المعرفية والمقاربات والمناهج العلمية.
قائمة المصادر والمراجع :
باللغة العربية :
أحمد مختار عبد الحميد وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، ط.1، ج 1، سنة 2008.
ألطف إياد، اثر التعلم الرقمي باستخدام الأجهزة الذكية، مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية والنفسية، المجلد10 ، عدد 3، أبريل2019.
الأمين عدنان، قضايا النوعية في مؤسسات التعليم العالي في البلدان العربية، الكتاب السنوي الثامن للهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، بيروت لبنان، سنة 2014.
بلحياح حسن، رهانات التعليم عن بعد في المغرب، ضمن الدليل المعرفي لجائحة كوفيد – المعرفة والابتكار والخبرة في مواجهة وباء كوفيد، منشورات جامعة محمد الخامس بالرباط، 18 ذو القعدة 1441 هـ، الموافق 10 يوليو 2020 .
الجبلي سوسن شاكر، معايير الجودة الشاملة في الجامعات العربية، مؤتمر العلوم التربوية والنفسية تجديدات وتطبيقات مستقبلية، جامعة اليرموك بغداد، 22 – 23 تشرين الثاني، سنة 2005 .
أبو زيد عبد الباقي عبد المنعم، معوقات تكنولوجيا المعلومات والاتصال في مناهج المواد التجارية بالتعليم الثانوي، المؤتمر الدولي الأول حول استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال لتطوير التعليم قبل الجامعي، مصر، سنة 2007 .
سلامة رمزي، ضمان الجودة في الجامعات العربية، بيروت: الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، سنة2005 .
سوسن شاكر مجيد ومحمد عواد الزيادات، الجودة في التّعليم: دراسات تطبيقية، عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، سنة2008 .
طعيمة رشدي أحمد، الجودة الشاملة في التعليم بين مؤشرات التمييز ومعايير الاعتماد، الأسس والتطبيقات، دار المسيرة للنشر والتوزيع، الأردن، ط.1، سنة 2006 .
العزاوي محمد عبد الوهاب، إدارة الجودة الشاملة، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، سنة 2005 .
عليمات صالح ناصر، إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية – التطبيق ومقترحات التطوير، دار الشروق، عمان، ط.1، سنة 2004
غاريسون د ر، أندرسون تيري، التعلم الإلكتروني في القرن الحادي والعشرين، إطار عمل للبحث والتطبيق، نقله إلى العربية محمد رضوان الأبرش، مكتبة العبيكان، الرياض، المملكة العربية السعودية، سنة 1427 هـ / 2006 م
أبو فارة يوسف أحمد، واقع تطبيقات إدارة الجودة الشاملة في الجامعات الفلسطينية، المجلة الأردنية في إدارة الأعمال، المجلد الثاني، سنة2006
قادري حليمة ونصيرة بن نابي، إشكالية جودة التكوين في نظام ل.م.د من خلال تطبيق المرافقة البيداغوجية للطالب الجامعي، مجلة علوم الإنسان والمجتمع، العدد 23، جوان 2017
قزادري حياة، ضوابط ومعايير الجودة في التعليم الإلكتروني، مجلة التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، جامعة بني سويف، مجلد 7، عدد 13، ديسمبر 2019
المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب:
ü رأي تحت عنوان” نحو تحول رقمي مسؤول ومدمِج”، إحالة ذاتية رقم 2021\ 52، سنة 2021 .
تقرير بعنوان: المدرسة التكنولوجيات الجديدة والرهانات الثقافية، المغرب، سنة 2014.
محمد فتحي عبد الهادي، رقمنة الدوريات العربية – مشروع رقمنة الدوريات بدار الكتب المصرية نموذجا، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مجلد 17، عدد 2، نوفمبر 2011.
ابن منظور جمال الدين، لسان العرب، دار صادر – بيروت، ط.3، سنة 1414 هـ، جزء: 3.
اليوسفي سعاد، الممارسات الفضلى للتعليم عن بعد والاستجابة التفاعلية للطلاب، ضمن الدليل المعرفي لجائحة كوفيد – المعرفة والابتكار والخبرة في مواجهة وباء كوفيد، منشورات جامعة محمد الخامس بالرباط، 18 ذو القعدة 1441 هـ، الموافق 10 يوليو 2020 .
باللغات الأجنبية :
DETRIE Philippe, Conduire une Démarche Qualité, Paris: éditions d’organisation, 4 ème édition, 1998/ 2001
Cahier thématique: la qualité de l’enseignement supérieur au Québec, Bibliothèque et Archives nationales du Québec, mesrst
Machekhina, O. Digitalization of Education as a Trend of its Modernization and Reforming , Revista ESPACIOS, 38 (40) (2017).
Agence nationale d’éducation supérieur et de la recherche scientifique (MAROC, Critères de qualité – Révérenciel national d’évaluation et d’assurance qualité de l’enseignement supérieur, Janvier 2020 .
[1] ابن منظور جمال الدين، لسان العرب، (مادة: جود)، دار صادر – بيروت، ط.3، سنة 1414 هـ، جزء: 3، ص 135.
[2] أحمد مختار عبد الحميد وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، ط.1، ج 1، سنة 2008، ص 417.
[3] DETRIE Philippe, Conduire une Démarche Qualité, Paris: éditions d’organisation, 4 ème édition, 1998/ 2001, P20.
[4] Ibid, P20.
[5] Ibid, P20.
[6] سوسن شاكر مجيد ومحمد عواد الزيادات، الجودة في التّعليم: دراسات تطبيقية، عمان: دار صفاء للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، سنة2008 ، ص 113.
[7] طعيمة رشدي أحمد، الجودة الشاملة في التعليم بين مؤشرات التمييز ومعايير الاعتماد، الأسس والتطبيقات، دار المسيرة للنشر والتوزيع، الأردن، ط.1، سنة 2006 ، ص 21.
[8] العزاوي محمد عبد الوهاب، إدارة الجودة الشاملة، دار اليازوري للنشر والتوزيع، عمان، سنة 2005 ، ص 15.
[9] قادري حليمة ونصيرة بن نابي، إشكالية جودة التكوين في نظام ل.م.د من خلال تطبيق المرافقة البيداغوجية للطالب الجامعي، مجلة علوم الإنسان والمجتمع، العدد 23، جوان 2017، ص 362.
[10] أبو فارة يوسف أحمد، واقع تطبيقات إدارة الجودة الشاملة في الجامعات الفلسطينية، المجلة الأردنية في إدارة الأعمال، المجلد الثاني، سنة2006 ، ص 251.
[11] ينظر سلامة رمزي، ضمان الجودة في الجامعات العربية، بيروت: الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، سنة2005 ، ص 77.
[12] عليمات صالح ناصر، إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية – التطبيق ومقترحات التطوير، دار الشروق، عمان، ط.1، سنة 2004، ص 114.
[13] الجبلي سوسن شاكر، معايير الجودة الشاملة في الجامعات العربية، مؤتمر العلوم التربوية والنفسية تجديدات وتطبيقات مستقبلية، جامعة اليرموك بغداد، 22 – 23 تشرين الثاني، سنة 2005، ص 11.
[14] الأمين عدنان، قضايا النوعية في مؤسسات التعليم العالي في البلدان العربية، الكتاب السنوي الثامن للهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، بيروت لبنان، سنة 2014، ص 805.
[15] Cahier thématique: la qualité de l’enseignement supérieur au Québec, Bibliothèque et Archives nationales du Québec, mesrst, p.3
[16] للتعرف على مختلف المعايير المتضمنة في هذه الحقول، يرجى على الاطلاع على:
Critères de qualité – Révérenciel national d’évaluation et d’assurance qualité de l’enseignement supérieur, Agence nationale d’éducation supérieur et de la recherche scientifique (MAROC), Janvier 2020
[17] محمد فتحي عبد الهادي، رقمنة الدوريات العربية – مشروع رقمنة الدوريات بدار الكتب المصرية نموذجا، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية، مجلد 17، عدد 2، نوفمبر 2011 ، ص 2- 3.
[18] أبو زيد عبد الباقي عبد المنعم، معوقات تكنولوجيا المعلومات والاتصال في مناهج المواد التجارية بالتعليم الثانوي، المؤتمر الدولي الأول حول استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال لتطوير التعليم قبل الجامعي، مصر، سنة 2007 ، ص6.
[19] ألطف إياد، اثر التعلم الرقمي باستخدام الأجهزة الذكية، مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية والنفسية، المجلد10 ، عدد 3، أبريل2019، ص 282.
[20] بلحياح حسن، رهانات التعليم عن بعد في المغرب، ضمن الدليل المعرفي لجائحة كوفيد – المعرفة والابتكار والخبرة في مواجهة وباء كوفيد، منشورات جامعة محمد الخامس بالرباط، 18 ذو القعدة 1441 هـ، الموافق 10 يوليو 2020، ص 31.
[21] اليوسفي سعاد، الممارسات الفضلى للتعليم عن بعد والاستجابة التفاعلية للطلاب، ضمن الدليل المعرفي لجائحة كوفيد – المعرفة والابتكار والخبرة في مواجهة وباء كوفيد، منشورات جامعة محمد الخامس بالرباط، 18 ذو القعدة 1441 هـ، الموافق 10 يوليو 2020، ص 39.
[22] Machekhina, O. Digitalization of Education as a Trend of its Modernization and Reforming , Revista ESPACIOS, 38 (40), (2017), p27.
[23] المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تقرير بعنوان: المدرسة التكنولوجيات الجديدة والرهانات الثقافية، المغرب، سنة2014، ص 65.
[24] غاريسون د ر، أندرسون تيري، التعلم الإلكتروني في القرن الحادي والعشرين، إطار عمل للبحث والتطبيق، نقله إلى العربية محمد رضوان الأبرش، مكتبة العبيكان، الرياض، المملكة العربية السعودية، سنة 1427 هـ/ 2006 م ص 34.
[25] المرجع نفسه، ص 49.
[26] غاريسون د ر ، أندرسون تيري، التعلم الإلكتروني في القرن الحادي والعشرين، إطار عمل للبحث والتطبيق، مرجع سابق، ص 31.
[27] المرجع نفسه، ص 40.
[28] قزادري حياة، ضوابط ومعايير الجودة في التعليم الإلكتروني، مجلة التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، مجلد 7، عدد 13، ديسمبر 2019 ، جامعة بني سويف، ص 139-140.
[29] المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالمغرب، رأي تحت عنوان” نحو تحول رقمي مسؤول ومدمِج”، ص 9.
[30] المرجع نفسه، ص 17.