التربية البدنية والرياضية ودورها في التقليل من ظاهرة العنف المدرسي لدى المتعلم المراهق: دراسة نفسية اجتماعية
The role of physical education and sports in the fight against school violence among adolescent students. Social psychological study
الطالب الباحث هشام الدقوني/جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب
Research student Hicham EDDAQOUNI/Université mohamed, Rabat, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 94 الصفحة 31.
Abstract:
This research aims to study the degree of influence of physical education and sports and their effectiveness in combating the phenomenon of school violence. The research also aims to demonstrate the essential role of physical education in training these students on values, and protecting them against all forms of delinquency that can hinder their educational path.
The majority of the students taking part in this study are convinced of the primordial role of physical education sessions in the fight against all forms of school violence. The participants have also emphasized the importance of these sessions in the education on social values given through practical instances.
Keys words: physical education and sport, school violence, Adolescence.
ملخص:
تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على درجة تأثير مادة التربية البدنية والرياضية وفعاليتها في التقليل من ظاهرة العنف المدرسي بجميع أشكاله، المادية واللفظية والمعنوية، كما تتوخى تبيين مساهمة مادة التربية البدنية والرياضية في تربية المتعلمين الذين يعيشون مرحلة المراهقة، بالعمل على زرع مجموعة من القيم المجتمعية، مع الوقوف على وفي نفس الوقت وقايتهم من مجموعة من الآفات التي قد تكون سببا في تعثر مشوارهم الدراسي.
وتساهم حصص التربية البدنية والرياضية بدرجة كبيرة في التقليل من ظاهرة العنف المدرسي بجميع أشكاله، كما تساهم أيضا بشكل فعال في الارتقاء بسلوك المتعلمين وتربيتهم على مجموعة من القيم الأخلاقية التي يتشبعون بها وتنمّي لديهم من خلال تفاعلهم مع مواقف عملية داخل هذه الحصص.
الكلمات المفتاحية: التربية البدنية والرياضية، العنف المدرسي، المراهقة.
- 1. مقدمة :
أضحت المدرسة المغربية اليوم محط انتقادات واسعة، على إثر التحولات العميقة التي عرفتها في السنين الأخيرة والتي جعلت جميع المهتمين بحقل التربية والتكوين يتوجهون بالبحث والسؤال عن الدور الحقيقي الذي يمكن أن تضطلع به في خضم انتشار مجموعة من السلوكات، التي تتنافى مع الغايات والأهداف النبيلة التي وجدت من أجلها. بحيث نجد على سبيل المثال تنامي مجموعة من الظواهر السلبية داخل الوسط المدرسي وفي جنباته من قبيل: التدخين، المخدرات، العنف، والغش… والذي لا شك أن تزايدها واستفحالها يهدد بناء مدرسة قوي جديرة بالثقة من لدن المجتمع، وقادرة على تكوين مواطنين صالحين قادرين بدورهم على الاندماج بسهولة في محيطهم السوسيو اقتصادي والثقافي بشكل عام.
و بالرغم من أن مقتضيات وأهداف الميثاق الوطني للتربية و التكوين، ومن خلال الوثائق الرسمية التي تؤطر عملية التربية و التكوين في المجال التربوي تدعو إلى الانتباه إلى خطورة هذه الظواهر و محاولة التصدي لها، بتبني مقاربات متنوعة منها المقاربة الزجرية، إلا أن هذه المقاربات و البرامج التي تم إعدادها لم تسهم بالشكل الكافي في إيقاف شرارتها الأولى، مما جعلها تعرف تناسلا كبيرا، صارت معه تمتد لتشمل كل الحواضر و البوادي إلى درجة أن الطرق التي تمارس بها باتت موحدة بين جل المتعلمين، إذ تحولت المدرسة من مكان للتربية على القيم إلى فضاء لتنامي ظواهر منحرفة، أمام هذا الوضع الراهن لابد من العمل في إطار مقاربة تشاركية تتجاوز كل المقاربات الأحادية، تدعو كافة المتدخلين من إداريين و تربويين و منسقي مواد و أساتذة من جهة و الفاعلين الاجتماعيين من جهة أخرى، يكون هدفها هو إخراج نماذج تربوية متكاملة و منبثقة من تخصصات مختلفة من أجل التخفيف تدريجيا من هذه السلوكات المنحرفة على أمل إقصائها نهائيا داخل الوسط المدرسي، وبهذا ستساهم المدرسة في تنمية السلوك المدني لدى المتعلمين وتشبعهم بتحقيق القيم الكبرى للمواطنة الكاملة، والذي من شأنه إكساب المتعلم مناعة حقيقية ضد كل أشكال العنف و كل السلوكات السلبية التي تسربت للأسف إلى المؤسسة التربوية، و بالتالي اضطلاع المدرسة المغربية بدورها كرافعة للإصلاح المجتمعي و قاطرة لإعداد مستقبل أفضل للناشئة.
وسعيا منا لمواكبة هذه الدينامية الجديدة في الإصلاح وإعادة الاعتبار للمدرسة المغربية المكانة التي من أجلها وجدت والتصدي لهذه الظواهر السلبية التي أصبحت تشكل عبأ عليها وتحد من فعاليتها، وسعيها نحو تحقيق الجودة في العملية التعليمية التعلمية، سنحاول من خلال هذه الدراسة إبراز الدور والأثر الإيجابي لمادة التربية البدنية ومساهمتها في الوقاية والتخفيف من ظاهرة العنف المدرسي كظاهرة عرفت انتشارا واسعا داخل المؤسسات التربوية في السنوات الأخيرة، بحيث تعتبر التربية البدنية مادة مدرسية إلزامية تجعل من البعد الحس- حركي كمدخل لها لتنمية شخصية المتعلم وجعلها تنمو على مستوى الأبعاد الأخرى معرفيا ووجدانيا واجتماعيا، من خلال اقتراح مجموعة من الأنشطة الرياضية الهادفة كدعامة لها في تمرير مجموعة من المواقف والقيم المقبولة اجتماعيا، على اعتبار أن النشاط الحركي يعد أحد الوسائل الرئيسية لتعلم السلوك واكتساب الاتجاهات والمهارات والقيم التي يرمي إليها المجتمع، ولهذا فجل التربويين ينظرون للحركة والأنشطة الحركية كخبرات واليات جد مؤثرة في التنشئة الاجتماعية.
- سياق الدراسة :
ارتبطت ظاهرة العنف بالإنسان من القدم، وقد حاولت العديد من النظريات مقاربة وفهم هذه الظاهرة للوقوف على مسبباتها والعواقب التي قد تترتب عنها، فنجد المقاربة البيولوجية، المقاربة العصبية النفسية، المقاربة السوسيولوجية، بالإضافة إلى المقاربة الأنثروبولوجية وغيرها من المقاربات…ومن خلال هذه الدراسة ارتأينا أن نقارب هذه الظاهرة مقاربة نسقية تركيبية نظرا لكون العنف المدرسي يعتبر بدوره ظاهرة مركبة ومتجددة داخل الوسط المدرسي، ومن بين الإشكاليات السوسيوتربوية، بحيث إذا أراد أي باحث التعرف على هذه الظاهرة ومحاولة ملامسة جوانبها الخفية إلا وجد أنه عمل شاق ولا يخلو من تشابك خيوطه وعوامله المركبة، فنجد هناك عوامل متعددة ومتنوعة تنتفي بينها الحواجز إلى درجة أنه يصعب ترتيبها وتجميعها ضمن وحدات متمايزة يسهل الفصل بينها.
بداخل هذه العوامل توجد متغيرات هي الأخرى متعددة ومتنوعة يصعب التحكم في درجة التأثير البيني فيما بينها، فعلى سبيل المثال: هناك عوامل ذات صلة بالظروف النفسية و الاجتماعية، حيث أن الموقع الذي توجد فيه المؤسسة يلعب دورا مهما في تفشي ظاهرة العنف المدرسي من عدمها، فغالبا ما تكون الظاهرة جد متفشية في المؤسسات التي يكون غالبية تلامذتها ينحدرون من مناطق معزولة وأحياء سكنية مهمشة، وينتمون إلى أسر فقيرة تعاني الأمية والحرمان والقهر والإحباط النفسي كلها متغيرات تؤثر وتتأثر وتتفاعل فيما بينها لتجعل أبناء هذه الأسر أكثر عرضة لاضطرابات نفسية تجعلهم غير متوافقين ذاتيا واجتماعيا مع محيطهم الخارجي، وتعزز لديهم في نفس الوقت انفعالات ومشاعر مليئة بالحقد والكره والغضب والحسد اتجاه الآخرين وهي انفعالات ومشاعر تتحول في معظم الحالات إلى سلوكات عدوانية.
هناك أيضا عامل يتعلق بالظروف التربوية التي تحيط بالمجال المدرسي، وهي بدورها ظروف تشمل مجموعة من المتغيرات التي تؤثر إيجابا أو سلبا في خلق جو يسوده التعاون والانضباط والاحترام المتبادل بين مكونات العملية التعليمية التعلمية، منها توفر المؤسسة على المرافق الصحية الضرورية، الأسلوب التعليمي المتبع من طرف المدرس ومدى قدرته على خلق فضاء من التواصل و التفاهم مع تلامذته وإدراكه لحاجياتهم ومراعاة فروقهم الفردية وتجنب السلوكات العنيفة اتجاههم، فكلها متغيرات قد تؤثر بشكل أو بآخر في ظهور السلوكات العنيفة لدى المتعلمين، زد على ذلك أن المؤسسة التعليمية تشكل نسقا منفتحا على المحيط الخارجي أي على أنساق أخرى: اجتماعية واقتصادية وبيئية، تجعل من ظاهرة العنف ومسبباتها تتميز بحركية يصعب معها وضع الأصبع على سبب واحد موحد من الأسباب وادعاء أنه هو الوحيد أو الرئيسي والأسباب الأخرى فقط مجرد عوامل وأسباب ثانوية وتابعة لهذا السبب الرئيسي، بل توجد كلها في وضعية تأثير وتأثر وتفاعل مستمر وهي أيضا مختلفة ومتغيرة في الزمان والمكان لدرجة أنه لا يمكن الجزم بأن الظاهرة يمكن القضاء عليها واجتثاثها خلال فترة قصيرة، بل هو عمل مضن ويتطلب استراتيجية طويلة الأمد وممتدة في الزمان، حيث نجد أن بعض المؤسسات التربوية متأثرة أكثر من غيرها بهذه الظاهرة تبعا لكل هذه المحددات والمتغيرات التي سبق الإشارة إليها، وهذا ما يضفي على ظاهرة العنف المدرسي طابع الدينامية والتغير والتعدد والاختلاف.
تعتبر مادة التربية البدنية والرياضية من وجهة نظر بيداغوجية مادة تعليمية إلزامية وجزء لا يتجزأ من التربية العامة في جميع أسلاك التعليم، ترمي إلى إعداد الفرد للحياة وتوفر له الظروف المناسبة للنمو من كافة الجوانب الجسمية والعقلية والاجتماعية والتربوية، فمن الناحية الجسمية تقوي العضلات وتنشط جميع الأنظمة الجسمية، ومن الناحية العقلية تساعد على تطوير القدرات العقلية والوجدانية، كما تجنب الفرد العقد النفسية التي غالبا ما تسبب له صعوبات واضطرابات نفسية، ومن الجانب الاجتماعي فهي تتيح للفرد فرصة الاحتكاك مع الغير، مما يؤدي به إلى ربط علاقات والتفاعل بشتى أنواعه داخل جماعات صغيرة، أما من الناحية التربوية فهي تؤدي إلى اكتساب مهارات حركية ومعارف مرتبطة بها، كما أنها تعدل التصرفات السلبية، فمن خلال هذه الأهداف المزمع أن تضطلع بها مادة التربية البدنية سنحاول من خلال دراستنا هذه التركيز على العلاقة بين ممارسة مادة التربية البدنية وتهذيب السلوك العدواني، وإبراز مدى قدرة المادة على إدماج الفرد في محيطه الخارجي وتمكينه من النجاح في التفاعل الإيجابي مع هذا المحيط، في جو تعمّه الحرية وتحمل المسؤولية وتفادي كل السلوكات السلبية التي قد تشوش وتقطع صلة هذا الفرد مع محيطه وقد تدخله أيضا في بعض الأحيان في صراعات معه. وفي إطار نظرتنا التكاملية مع باقي المكونات التربوية الأخرى للنسق، تظل مادة التربية البدنية غير قادرة لوحدها على إعادة التوازن لهذا النسق من دون مساهمة مواد أخرى.
- للدراسة :
أ – التربية البدنية والرياضية:
تعرف التربية البدنية على أنها مادة مدرسية كسائر المواد الأخرى تعنى بتمرير مجموعة من المعارف، والمبادئ والقواعد المنبثقة من الثقافة المحلية أو الكونية، على أساس التمييز بين الجوهر الثقافي المكون من القيم والمعارف الأساسية المرتبطة بالنشاط الحركي والأشكال الثقافية التي يتم تمرير هذه المعارف من خلالها متمثلة في مختلف الأنشطة الرياضية [1]، فهي فضاء يتمكن من خلاله المتعلم من اكتساب مهارات بدنية وعقلية واجتماعية على أساس إمكاناته الذاتية، وبالتالي فالتربية البدنية تتخذ من الحركة مدخلا لها لتنمية جميع الجوانب الأخرى من شخصية الفرد سواء تعلق الأمر بالجانب المعرفي، أو الوجداني أو الاجتماعي العلائقي.
ب – السلوك العدواني:
يدل مفهوم العدوانية في معناه الضيق على سلوك عدائي هدام لفرد غير متكيف وذو طبع سيء، أما في معناه العام، فهو يصف دينامية شخص في طور تأكيد ذاته[2]، وتعرفه الباحثة سوسن شاكر مجيد بأنه سلوك مقصود يستهدف إلحاق الضرر، أو الأذى بالغير وقد ينتج عن العدوان أذى يصيب إنسانا أو حيوانا، كما قد ينتج عنه تحطيم للأشياء أو الممتلكات[3].إذن فهو عبارة عن سلوك ينتج عنه أذى، وله أنماط مختلفة حيث أنه يتخذ أشكالا متعددة عدوان جسدي فعلي أو لفظي أو رمزي.
ج – المراهقة:
تعتبر المراهقة مرحلة وسطى بين الطفولة والرشد، وهي الفترة الأكثر تأثيرا في نمو شخصية الفرد ونضجها، نظرا لمختلف أنواع التغيرات الجسمية والعقلية والانفعالية التي يعيشها المراهق في هذه السن [4]، وهي المرحلة التي يمر بها المتمدرس في مرحلة الثانوي التأهيلي، ولعل هذه التحولات والتغيرات التي تحدث لدى المراهق في هذه الفترة ما يجعله يدخل في سيرورة إثبات الذات وصراعه مع محيطه الخارجي لتحقيق ذلك.
- 4. قيم التربية البدنية والرياضية وغاياتها :
يعرف روكيش ميلتون القيم على أنها عبارة عن تصورات من شأنها أن تفضي إلى سلوك تفضيلي، كما أنها تعتبر بمثابة معايير للاختيار من بين البدائل السلوكية المتاحة للفرد في موقف ما، ومن ثم فإن احتضان الفرد لقيم ،معينة يعني توقع ممارسته لأنشطة سلوكية تتسق مع تلك القيم ،”فالقيم محدد ومرشد للسلوك وهي التي توجه اختياراتنا من بين بدائل السلوك في المواقف المختلفة وتحدد لنا نوع السلوك المرغوب فيه في موقف ما توجد فيه عدة بدائل سلوكية كما يرى بأن التعدد في مجالات الحياة والسلوك يؤدي إلى تعدد في نظم القيم الموجهة لسلوك الفرد. و يعرفها أيضا أحمد بدري على أنها أحكام مكتسبة من الظروف الاجتماعية ينشأ عليها الفرد ويحكم بها ، وتحدد مجالات تفكيره، تحدد سلوكه وتؤثر في تعلمه كما يرى بأن القيم الاجتماعية تعني الصفات التي يفضلها أو يرغب فيها الناس في ثقافة معينة ، وتتخذ صفة العمومية بالنسبة لجميع الأفراد لما تصبح من موجهات السلوك أو تعتبر أهدافا له”[5]، وعليه تعتبر القيم هي كل شيء متوافق عليه على أنه صحيح وجميل وجيد حسب معايير شخصية أو اجتماعية تعتبر بدورها مرجعا ومبادئ أخلاقية مشتركة.
وفي هذا الصدد يدعو الميثاق الوطني للتربية والتكوين، النظام التعليمي لأن يصبح فضاء لاكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية وفرصة لمواصلة التعلم[6]، حيث تلعب فيه المدرسة دور الوسيط بين المجتمع وأفراده، هذا الدور يجعل الناشئة تتشبع بالقيم المجتمعية وصولا إلى باقي القيم الإنسانية، و يقوي علاقات مجتمعية متينة، كما يحارب جميع الظواهر السلبية التي تنخر المجتمعات وتخرب شبابها مثل المخدرات العنف، التغذية، السيئة، وعدم مزاولة الأنشطة الرياضية، وفي هذا الصدد، تعتبر التربية البدنية جزء من هذه المنظومة لها خصوصيتها التي تميزها عن باقي المواد الأخرى، والتي تجعل من الحركة مدخلا لها للتربية على القيم وتهذيب السلوك واكتساب معارف جديدة متعلقة بمجالات الصحة ونوعية الحياة والبيئة، وفي هذا السياق هناك رأيان مختلفان، إذ أن الرأي الأول يقول بأن برمجة الأنشطة الرياضية داخل المدرسة دون إجراء أي تعديل ديداكتيكي عليها ستمكن حتما من نقل القيم التي يرمي إليها المجتمع نظرا لأن أي نشاط رياضي هو نشاط غني في حد ذاته بقيم التعاون، المنافسة النزيهة، الاحترام والتفاهم المتبادلين والتواصل وغيرها من القيم التي يسعى أي مجتمع لأن يغرسها في نفوس أفراده، وهناك الرأي الثاني الذي يدعو إلى ضرورة التدخل الديداكتيكي لإجراء التغييرات الضرورية وجعل أي نشاط رياضي يتماشى ومواصفات ومتطلبات الفئة التي يستهدفها وجعل القيم التي يتضمنها بصفة مضمرة أكثر بروزا وأثرا في التعلم.
- أهداف التربية البدنية والرياضية :
تهدف التربية البدنية كمادة مدرسية إلزامية أساسا إلى إكساب المتعلم نموا متوازنا بدنيا، نفسيا، عقليا واجتماعيا فهي كغيرها من المواد المدرسية ترمي وتستهدف الغايات التربوية الكبرى التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية وهي كالآتي :
- ترسيخ الهوية المغربية الحضارية والوعي بتنوع وتفاعل وتكامل روافدها.
- الانفتاح على مكاسب ومنجزات الحضارة الإنسانية المعاصرة.
- تكريس حب الوطن وتعزيز الرغبة في خدمته.
- تكريس حب المعرفة وطلب العلم والبحث والاستكشاف.
- المساهمة في تطوير العلوم والتكنولوجيا الجديدة.
- تنمية الوعي بالواجبات والحقوق.
- التربية على المواطنة وممارسة الديمقراطية.
- التشبع بروح الحوار والتسامح وقبول الاختلاف.
- ترسيخ قيم المعاصرة والحداثة.
- التمكن من التواصل بمختلف أشكاله وأساليبه.
- التفتح على التكوين المهني المستمر.
- تنمية الذوق الجمالي والإنتاج الفني والتكوين الحرفي في مجالات الفنون والتقنيات.
- تنمية القدرة على المشاركة الإيجابية في الشأن المحلي والوطني.
فهذه الغايات كلها تعبر عن مجموعة القيم التي تعبر بدورها عن مجموعة من المواصفات الفلسفية، الثقافية ، السياسية، والاقتصادية لدى مجتمع ما، وقد لا حظ كل من رفاييل لوكا و ميشيل بيار أن هذه الغايات والقيم تستهدف أساسا تنمية روح المواطنة، الاستقلال الذاتي، تحمل المسؤولية والتكفير النقدي[7]، بحيث انه منذ اضطلاع مادة التربية البدنية بجانب المواد الدراسية الأخرى بمهمة المساهمة في بلوغ هذه الغايات والمرامي التي يسعى إليها النظام التربوي ككل، وباعتبار خصوصيتها التي تتخذ من الحركة والنشاط البدني مدخلا لها، جعلتها هذه الخصوصية تحتل مكانة متميزة على مستوى أي مؤسسة تربوية.
لقد صنف الباحثان رفاييل لوكا و ميشيل بيار أهداف التربية البدنية إلى ثلاثة أصناف:
- أولا تنمية القدرات المرتبطة بالسلوك الحركي والانفعالي:
وتهم تنمية القدرات البدنية، كالسرعة والقوة والجلد، والتنسيق الحركي، والتوازن والمرونة العضلية المفصلية، كما تستهدف تطوير إمكانيات المتعلم المتعلقة بمعالجة المعلومات والتموقع في الفضاء والزمان من خلال مجموعة من العمليات الذهنية كالتحديد، الانتقاء، واستعمال المعطيات الأجود الكفيلة بمساعدة المتعلم على اتخاذ القرار المناسب وأيضا تنمية الجانب العلائقي مع الآخرين والتحكم في مشاعره وأحاسيسه خصوصا في الوضعيات الصعبة، إذن فهي أهداف تهم أساسا تنمية موارد المتعلم البدنية والانفعالية.
- ثانيا تنمية كفايات ومعارف خاصة بالأنشطة البدنية والرياضية والفنية:
بعد أن ثم الاعتراف بالرياضة كظاهرة ثقافية في ستينيات القرن الماضي، أخذت التربية البدنية كمادة مدرسية على عاتقها إدماج هذه الأنشطة الرياضية الثقافية في محيط المؤسسة التربوية وذلك بمزاولتها فعليا لاكتساب كفايات ومعارف متعلقة بها، ويكون بذلك هذا الهدف مركز على اكتساب معارف ثقافية رياضية.
- ثالثا التزود بمعارف متعلقة بمجالات الصحة والحياة:
وانطلاقا من مبدأ إعداد متعلم اليوم إلى حياة المستقبل وذلك لمواجهة وضعيات مشكلة متعلقة بالنشاط البدني للفرد كالوقاية ضد الحوادث الصحية، وحسن تدبير الحياة الرياضية للفرد وامتلاك ملكة نقد رياضي سليم فيمكن القول أنها أهداف تهم الجانب المنهجي والسلوك الموجه نحو حسن تدبير الحياة البدنية للمتعلم.
أما في السياق التعليمي المغربي، فقد اعتبرت التوجيهات التربوية الخاصة بمادة التربية البدنية والصادرة سنة 2007، أن مادة التربية البدنية، مادة تعليمية إلزامية وجزء لا يتجزأ من التربية العامة في جميع أسلاك التعليم، وهي مادة دراسية تساهم من خلال مزاولة الأنشطة البدنية والرياضية في تنمية مؤهلات المتعلم، كما تتوخى إكسابه مهارات بدنية مصحوبة بالمعارف المرتبطة بها قصد تعويده على الاهتمام بصحته وبجودة الحياة وجعله قادرا على التكيف مع بيئات مختلفة طوال حياته[8].
وتتمثل أهم أهداف التربية البدنية والرياضية في اكتساب المتعلم لما يلي:
- المهارات الحركية وتنمية القدرات الإدراكية والحركية الأساسية.
- المعارف المتعلقة بمجالات الصحة ونوعية الحياة والبيئة.
- اكتساب المواقف المرتبطة بأخلاقيات الرياضية والتنافس الشريف والقدرة على الاستقلالية وتحمل المسؤولية.
- حاجات المتعلم المراهق :
يحتاج المتعلم في هذه المرحلة من النمو (15- 18 سنة) إلى ما يلي[9]:
- تنمية العلاقات الاجتماعية.
- تقمص أدوار مختلفة مبنية على العمل والحياة الاجتماعية.
- العمل مع الآخرين عبر الاحتكاك والمقارنة.
- نشاط أكثر حرية وأكثر دينامية.
- النشاط والتنظيم داخل الفرق.
- فرص التعبير عن الذات.
- تنويع الأنشطة وعدم تكرارها بانتقاء النشاط الترويحي الملائم ومزاولته مدى الحياة.
- حسن توظيف المجهودات البدنية.
- التوجه إلى التخصص الرياضي.
- معرفة كيفية الملاحظة والتقويم.
- معرفة القوانين والإنجازات الرياضية.
أما بالنسبة لمواصفات الخروج للمتعلم بسلك التعليم الثانوي التأهيلي الخاصة بالتربية البدنية والرياضية، فهي التمكن من معارف منهجية وعملية تساهم في إغناء التربية الصحية والاجتماعية والثقافية من خلال ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية وذلك:
- بتعميق وعيه بالأثر الايجابي للنشاط الحركي والرياضي على الصحة والعمل على تحويله إلى ممارسة مستديمة ومنتظمة.
- بتطوير مكتسباته من كفاءات الأنشطة الحركية والرياضية والفنية الأساسية ذات الصلة بالمحيط المدرسي المحلي والجهوي.
- بتمكينه من انتقاء نشاط رياضي ومزاولته مدى الحياة.
نستخلص مما سبق الأهمية القصوى التي تحتلها مادة التربية البدنية والرياضية كمادة دراسية إلزامية لها منافع تربوية مهمة، تعنى بتكوين الأفراد تكوينا شاملا لجميع أبعاد شخصيته النفسية والحسية الحركية والمعرفية، من خلال التفاعل مع وضعيات حركية تتطلب منه تجنيد وتوظيف جميع طاقاته النفسية والبدنية والمعرفية في آن واحد. وهي تتميز عن باقي المواد الأخرى كونها تجعل من الجانب الحركي للمتعلم مدخلا لها للوصول إلى باقي الجوانب الأخرى وهو ما يجعلها أكثر متعة وحماسا بالنسبة للمتعلم أثناء ممارستها. فهل هي فعلا أكثر تأثيرا بالنسبة لتلاميذ مرحلة المراهقة خصوصا وأنها المرحلة الأكثر صعوبة بالنسبة للمتعلمين.
- تعريف المراهقة:
يمكن تقسيم حياة الإنسان عموما إلى مراحل نمو تتميز بخصائص وصفات تميز كل مرحلة على حدة، هذا لا يعني أن هناك إجماع على تقسيم دقيق بين مجموعة من العلماء المتخصصين وذلك بسبب تداخل مراحل النمو و ارتباطها ببعض الأسباب المؤثرة فيه كالبيئة والوراثة هذا يجعل تحديد كل مرحلة من مراحل الطفولة وكذلك كل مرحلة من مراحل المراهقة من الصعوبة بما كان، فعلى سبيل المثال هناك طفولة مبكرة وطفولة متوسطة وطفولة متأخرة ونفس الشيء بالنسبة للمراهقة (سلامة 2006- 350)، وما يهمنا هنا هو مرحلة المراهقة نظرا لتزامنها مع مرحلة الثانوي التأهيلي أي ما بين 15 و 18 سنة، فغالبا ما يتم اعتبار هذه المرحلة مجرد مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد، إلا أنها تعتبر مرحلة قائمة بذاتها لها عقليتها وأصالتها وخصائصها[10].
المراهقة، لغويا، يقال راهق الغلام، أي قارب الحلم ويقال أيضا : راهق الغلام الحلم، ويقال: صلى الظهر مراهقا، مدانيا للفوات، والمراهقة هي الفترة من بلوغ الحلم إلى سن الرشد[11]، والمراهقة تحديدا هي مجموع التغيرات النفسية والجسدية والاجتماعية التي تحصل بين نهاية الطفولة الثالثة (12-13 سنة) وسن الرشد (18-19 سنة) فهي مسيرة باتجاه النضج العاطفي والذهني والجسمي والاجتماعي والجنسي، وهي ما سماها روسو بالولادة الثانية، وهناك مرادفات قريبة من مفهوم المراهقة وجب التمييز فيما بينها: البلوغ وتستعمل هذه اللفظة لدلالة على الأبعاد الفيزيولوجية والجسمية والصفات الجنسية الثانوية على اعتبار أن المراهقة تركز على الأبعاد النفسية (التكييف مع الذات). الشباب تركز اللفظة على الجوانب الاجتماعية (المكيف مع المحيط).
- المراهق والتفاعلات داخل الوسط المدرسي:
يعتبر الوسط المدرسي، مؤسسة من المؤسسات الاجتماعية التي سبق الإشارة إليها، لها معاييرها ومبادئها وأساليبها الخاصة، الشيء الذي يستدعي المراهق للتكيف معها ومحاولة الاندماج في هذه المنظومة والتي غالبا ما يكون التوافق معها شيئا مرهقا بالنسبة له، هذا التوافق المنشود بين المراهق ووسطه المدرسي يلعب دورا هاما في تحديد معالم مستقبله الاجتماعي والمهني وبلورة شخصيته وتكوينها تكوينا رصينا في المستقبل فمن الطبيعي أن متطلبات التكيف مع البيئة المدرسية ستختلف باختلاف مستويات النظام المدرسي، حيث أن متطلبات التعليم الأساسي تختلف تماما عن متطلبات التعليم الثانوي وفقا لكل مرحلة نمائية وخصائصها المختلفة، وإن ما يمز هذه الفترة بالأساس عن فترة الطفولة هو بحث المراهق عن استقلاليته وإثباته لذاته وإبراز كينونته المستقلة، وسعيا منه نحو تحقيق هذه الغاية يحدث الاصطدام بين كينونة تسعى إلى الحرية والاعتراف ومنظومة مثقلة بالقواعد ومعايير السلوك، تجعل المراهق مطالبا لبذل أقصى جهوده لتحقيق أفضل تلاؤم مع متطلبات هذا الواقع الجديد بالنسبة إليه، في الواقع يجب أن يكون المجهود من كلا الطرفين سعيا نحو تحقيق هذا التوافق، و منه تحقيق شخصية قوية مستقلة قادرة على تحقيق مردود دراسي جيد، تستجيب المؤسسة التربوية خلالها للحاجيات والخصائص النمائية لهذه الفترة التي يمر منها المراهق، ويحصل من خلالها التكامل والتوازن لا التعارض والتنافر، ومن ثمّ تتيح هذه المؤسسة :
- فرص التدريب على الاستقلال الذاتي عن طريق تكرار فرص الاعتماد على النفس في حل مشاكل مختلفة تواجهه.
- تتيح للمراهق أيضا فرص الاحتكاك بمشاكل مختلفة داخل الفصل الدراسي، وهي شبيهة بالمشاكل العلائقية التي ستواجهه مستقبلا داخل الأسرة أو المجتمع، وتعطيه أيضا فرصا لبناء الهوية الذاتية والهوية الثقافية من خلال المناقشات التي يشارك فيها داخل الفصل الدراسي، أمام مدرسه ومع زملائه ويبني ذاته ويحقق هويته ويعمق الإحساس بالوعي بها مما يشكل أثرا إيجابيا في نضجه وتطوره.
- تتيح هذه المؤسسة التربوية فضاء لبناء نسقه الفكري، مما يساعده على اكتساب أرقى العمليات العقلية من افتراض واستنباط وتقييم تطور تفكيره بنفسه، كما تساعده على استدماج مجموعة من القوانين والمبادئ وتساعده على الاندماج في الوسط الاجتماعي العام للراشدين مستقبلا.
وبناء على ذلك يكتسب المراهق مهارات وقدرات ويتدرب على أساليب السلوك النظامي داخل هذه المنظومة المدرسية مما سيساهم في بناء شخصية في مختلف أبعادها الجسمية والنفسية والاجتماعية والأخلاقية، وهذا البناء المتوازن سيمنح المراهق تدريجيا جميع الأشياء المختلفة التي يتفاعل معها في عالمه الخاص معنى ودلالة[12]. وعموما يمكن القول أن بنية المؤسسة التربوية المكونة من المدرسين وزملاء الدراسة والبعد التنظيمي المؤسسي للمدرسة يشكل مجموعه عاملا طبيعيا يمكنه أن يساعد على النمو الاجتماعي والعاطفي للمراهق، وفيما يلي سنقوم بتحليل العلاقات التي قد تربط المراهق بوسطه المدرسي.
أ – خصائص العلاقة بين المتعلم المراهق والمدرّس:
يعتبر مفهوم العلاقة التربوية مفهوما جد واسع كما حدده بوستيك M.POSTIC فهي “مجموع العلاقات الاجتماعية التي تتكون بين المربي والأفراد الذين يربيهم للسعي نحو تحقيق الأهداف التربوية داخل بنية مؤسسية معينة، علاقات ذات خصائص معرفية وعاطفية محددة، تعيش استمرارا ولها تاريخ[13]إذن فهي علاقة جد موسعة ولا تقتصر فقط على المدرس بل على كل مكونات المنظومة التربوية فيما بينها.
وفيما يخص علاقة المتعلم بالمدرسة فهي تتضمن ثلاثة جوانب متداخلة فيما بينها ومتبادلة التأثير والتأثر وفق مقاربة نسقية يتفاعل فيها المدرس مع المتعلم في مجال تربوي يمثله الفصل الدراسي وهذا الأخير يتفاعل بدوره داخل مجال أوسع وهو المؤسسة المدرسية بكل مكوناتها، وهذه العلاقة تنطلق من ميثاق مشترك يربط بين المدرس والمتعلم وهو البرامج والمقررات الدراسية، وأخيرا فإن هذه العلاقة ليست في حد ذاتها علاقة ثنائية وإنما يتأثر التواصل بينهما بمجال الفصل الدراسي الذي يشغله عدد كبير من المتعلمين، لقد كانت هذه العلاقة محط دراسات ميدانية تناولتها بالوصف والتحليل، وقد ركزت معظمها على الخصائص والصفات التي يرغب المتعلم توفرها في المدرسة. ومن خلال قراءات متعددة يتضح لنا أن هناك صفات مطلوبة تشكل قاسما مشتركا بين جميع المتعلمين ويتمنون أن تتوفر في مدرسهم من قبيل: التفهم، التسامح والحزم.
ب – والأصدقاء وزملاء الدراسة :
تعتبر فترة المراهقة، مرحلة إقامة صداقات بين المراهقين بامتياز، ولا أحد يمكنه إنكار مثانة هذه الصداقة وعمقها، خصوصا في فترة يتوجه فيها المراهق للانفتاح على عالم خارجي بعيدا عن عالمه الأسري والمدرسي المعتاد، فالمراهقون والمراهقات يعطون أهمية قصوى لصداقتهم مع الغير في فترة مليئة بالأزمات بالنسبة إليهم، فترة قد يتعذر فيها على الجميع فهمه والإحساس بمشاكله إلا باللجوء إلى صديق حميم هو أيضا في نفس المرحلة قد يفهمه ويواسيه ويبحث معه عن حلول لمشاكله الطارئة فنادرا ما نلاحظ داخل فضاء المؤسسة التربوية مراهقا أو مراهقة منعزلا، لا يتحدث خلال فترة الاستراحة أو بعد نهاية الفصل الدراسي، مع صديق يمشيان جنبا إلى جنب يتشاركان هموم الدراسة وربما يتوسعان ويتبادلان أطراف الحديث ليشمل جميع مشاكل وهموم الحياة، لدرجة أنهما يصبحان نسخة طبقا للآخر في الملبس والمأكل وطريقة تسريح الشعر، شديد الولاء والمحبة و التقدير لبعضهم البعض. أمام هذه العلاقة الصلبة التي تربط بين هذه المجموعات من المراهقين جعلت بعض الباحثين يذهبون إلى القول بان المجتمع المعاصر يشهد انتقال السلطة من الآباء إلى جماعات المراهقين، هذه الأخيرة أصبحت تزود المراهق بالعديد من القيم والاتجاهات وأساليب التفكير ومقاييس الحكم على مختلف الموضوعات[14]، وتتجلى خطورة هذه المجموعات عندما تكون معتنقة لأفكار سلبية قد تؤثر على شخصية المراهق، وفي هذه الحالة تزداد صعوبة المؤسسات الأخرى ( الأسرة، المدرسة وجمعيات المجتمع المدني) في التأطير والإرشاد وتوجيه هؤلاء المراهقين باتجاه تجنب هذه المجموعات وعدم الاختلاط بها.
نخلص مما سبق أن علاقة المراهق بوسطه المدرسي هي علاقة نسقية تربطه بمجموع مكونات عناصر هذه المنظومة من مدرسين، أصدقاء، زملاء، أطر إدارية، مقررات وبرامج دراسية، تمنح هذه العلاقة درجة عالية عن التأثير والتأثر ودينامية متواصلة باتجاه بناء هذه الشخصية المستقلة والمتحملة للمسؤولية والتي يصبو إليها المراهق نفسه.
ج – تطور ميولات ومواقف المراهق:
أكد أحمد أوزي أن الباحث جزل A.Gisellقام بتتبع ودراسة ميول المراهقين واهتماماتهم خلال هذه الفترة بكثير من الدقة في كتاب القيم ” المراهق من 10 الى 16″ وقد لاحظ الباحث جيزل أن الرياضة تكتسي أهمية كبرى في سن الثانية عشر وإن كان التفوق والبروز فيها لا يتم بعد، والذين لا يملون إلى مزاولة أنشطة رياضية قد تظهر لديهم ميولات نحو المطالعة القصصية والحكايات المتعلقة بالمغامرات المليئة بالغرائب والأعاجيب، وقد أكد هذا الباحث أن ميولات المراهقين الذكور تبدأ تتبلور في هذه المرحلة عكس الإناث اللواتي لا تزال ميولاتهم جد متغيرة، ومع سن 14 تنمو لدا المراهق القدرات الجسمية أكثر ويحس بالرغبة في اختبارها، فتبدأ ملامح الأبطال الرياضيين تتشكل خصوصا إذا وجدت العناية والتوجيه المناسب، أما بالنسبة للإناث فتظهر لديهن الرغبة في التواصل مع الغير. خصوصا باستعمال وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف والحاسوب، واعتبر “جيزل” أن سن الخامسة عشر هو سن ارتداء الميول، بحيث لا تظهر لدى المراهق ميولات جديدة بقدر ما يحافظ على الميولات نفسها ويسعى إلى تعميقها، كما لاحظ الباحث أن في هذه السن تظهر لدى المراهق علامات الاسترخاء والاستسلام للراحة، والشعور بنهك جسمي، يظهر من خلاله المراهق خلال هذه الفترة عداء اتجاه المدرسة وقد يؤدي ذلك عند بعضهم إلى إحداث الرغبة بمغادرة المدرسة نظرا لعدم توافقهم مع محيطهم شخصيا واجتماعيا، أما أحمد أوزي فقد نبه بناء على الدراسة التي قام بها مندوسP. Mendousse في كتابه عن وصف نفسية المراهق l’âme de l’adolescentأن الظواهر الطبيعية تؤثر بدورها على المراهقين في هذه الفترة، تأثيرا لا يخاطب العقل فقط، وإنما يخاطب الجانب العاطفي الجمالي من شخصية المراهق. “إنما العالم الخارجي يمارس على المراهقين تأثيرا وجدانيا وأخلاقيا وليس تأثيرا عقليا”[15].وعموما خلال هذه الفترة ينقص الاهتمام بمزاولة الأنشطة الرياضية بصفة منتظمة، وتقتصر مزاولة هذه الأنشطة على وقت الفراغ بصفة متقطعة كما تميل إلى التخصص في نوع واحد ككرة القدم أو كرة السلة ونظرا لميولات واتجاهات الفرد في تحقيق سعادته ووجوده مستقبلا باعتبارها أحد وسائل التعبير عن الذات وتفجير طاقاتها الخلاقة ينبغي أن تلعب المؤسسة التربوية دور إبرازها وتشجيعها بالإضافة إلى مرافقتها عبر مجموعة من الأنشطة الموجهة نحو تطويرها وترشيدها حتى تتحقق أهدافها السامية.
9.العنف والسلوك العدواني :
أصبحت ظاهرة العنف والسلوكات العدوانية تشكل جزءا لا يتجزأ من الحياة الإنسانية بل وأصبحت ظاهرة مألوفة في كل زمان ومكان كثيرة المشاهدة في الأفلام والمسلسلات والأخبار التي نشاهدها عبر قنوات العالم، ومع ذلك لا أحد ينكر درجة الإحباط والاشمئزاز الذي تخلفه في نفوسنا نظرا لبشاعة مخلفاتها والنتائج التي تترتب عنها. ليصبح اليوم العيش في سلام وطمأنينة مطلبا أساسيا ومطمحا غاليا للإنسانية على وجه الأرض التي عانت ما عانته من حروب وقتل وتعذيب على مر التاريخ. إن ظاهرة العنف أصبحت ظاهرة ممتدة طولا وعرضا في جميع مستويات ومؤسسات التنظيم البشرى، فحتى المؤسسات التربوية التي تعنى أساسا بتربية أطفالها وشبابها وتهذيب سلوكهم وجعله يتوافق وقيم مجتمعاتهم، بالإضافة إلى السهر على استدماج قواعد السلوك المدني رغبة منها في تيسير اندماجهم وتكيفهم في وسطهم الاجتماعي، لم تسلم مع كامل الأسف من هذه السلوكات العدوانية التي تدفعنا إلى طرح مجموعة التساؤلات حول مكامن الخلل وذلك لوصف العلاج المناسب، نظرا لما تحمله هذه الظاهرة من أثر سلبي وتشويش على تحقيق الغايات التي وجدت من أجلها هذه المؤسسات المجتمعية.
أ – مفهوم العنف:
العنف لغة من فعل عنف به، وعليه عنف عنفا، وعنافة أي أخذه بشدة وقوة، وعنف لامه وعيره فهو عنيف، ونقول اعتنف الأمر أي أخذه بعنف، و اعتنف الشيء، كرهه يقال اعتنف الطعام[16].
ويعرفه إريك ديباربيو على أنه كل ما يحدث لشخص ويعتبره هذا الأخير على أنه سلوك عنيف، وفي الواقع لا يوجد نوع واحد من العنف بل هناك أشكال متعددة يمكن ترتيبها وفق شكلين، شكل مرئي واضح كالصراخ والضرب وشكل غير مرئي أو يبدو كذلك من الخارج [17]، وقد حدده مصطفى حجازي في كتابه سيكولوجية الإنسان المقهور على “أنه الوسيلة الأخيرة في يد الإنسان للإفلات من مأزقه ومن خطر الاندثار الداخلي الذي يتضمنه هذا المأزق”، فهو يعتبر السلاح الأخير لإعادة شيء من الاعتبار المفقود إلى الذات من خلال التصدي مباشرة أو مداورة للعوامل التي يعتبرها مسؤولة عن ذلك التبخيس الوجودي الذي حل به، ويصبح آنذاك لغة التخاطب الأخيرة الممكنة مع الواقع ومع الآخرين حين يحس المرء بالعجز عن إيصال صوته بوسائل الحوار العادي وحين تترسخ القناعة لديه بالفشل في إقناعهم بالاعتراف بكيانه وقيمته[18]، والعنف هو الوسيلة الأكثر شيوعا لتجنب العدوانية التي تدين الذات الفاشلة من خلال توجيه هذه العدوانية إلى الخارج، وكلما تجاوزت حدود الاحتمال الشخصي، فهو الوجه الأخر للإرهاب والقهر اللذين يفرضان على الإنسان لاسيما في المجتمع المتخلف، ويعرف العنف على أنه نهاية المطاف سلوك عدواني مستمر، فهو يمكن اعتباره آخر وسيلة للتعبير عن النزوات العدوانية، ومن هنا يظهر لنا الفرق بين العدوان والعنف، فهذا الأخير له طابع مادي بحث، في حين أن العدوان يشمل المظاهر المادية والمعنوية معا [19]، إذن فالعنف يعتبر أقصى درجات السلوك العدواني، وينبعث منه، بحيث لا يوجد عنف بدون شعور مسبق بالعدوان، فهو بمثابة وسيلة يتم التعبير بواسطتها عن العدوان [20] وهو أقصى درجات هذا التعبير.
وما يمكن استنتاجه من هذا التحديد الأخير أن العنف يتجاوز العدوانية من حيث الدرجة ويمكن أن يتخذ أشكالا سلوكية متعددة ، فقد وصفها مصطفى حجازي على أنها سلوكات تنخر في الوجود الإنساني لاسيما المقهور منه، وهي عبء وتهديد للتوازن النفسي و دافع للإقدام على بعض تصرفات تدمير الذات وكدفاع وانتفاضة ضد التهديدات التي تأتي من الخارج [21].
ب – مظاهر وتجليات العنف:
بالنسبة لمظاهر العنف، فإننا نجد العدوانية تنخر وجود الإنسان ولاسيما المقهور منه، فهي تعتبر عبئا وتهديدا للتوازن النفسي، ودافعا للإقدام على بعض تصرفات تدمير الذات كدفاع وانتفاضة ضد التهديدات التي تأتي من الخارج[22]، وقد أشارت الباحثة سناء محمد سليمان [23] إلى عدة أنواع من العنف :
v العنف الأسري:
ويتمثل في العديد من الصور ومنها:
- العنف ضد المرأة والطفل.
- الإساءة للطفل أو استغلاله.
- الاعتداءات الجنسية.
- الخلافات بين الآباء والأبناء.
- الخلافات بين الأقارب والعائلات.
v العنف الاجتماعي وهو كالآتي:
- الخلافات مع جماعة الرفاق.
- الخلافات مع الأخرين في البيئة الاجتماعية.
- الخلافات بين العائلات.
v العنف السياسي ويتمثل في:
- الأزمات والصراعات السياسية.
- الحروب.
v العنف الإعلامي: ويتمثل في:
- ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية حول مواضيع عن العنف،
- المشاهدة الفعلية لأحداث العنف.
v العنف من خلال المهنة أو العمل:
- الخلافات بين العاملين.
- العراك بين الموظفين، ورؤسائهم في العمل.
- العنف من خلال الحوادث والأزمات والكوارث الإنسانية والطبيعية.
- العنف الرياضي:
- شغب الملاعب.
- إيذاء الآخرين والاعتداء عليهم.
- التخريب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.
v العنف المدرسي ويتمثل في:
- تسلط المعلمين واستخدام العقاب البدني في التعامل مع المتعلمين.
- الخلافات مع المعلمين.
- الخلافات، والشجار والعنف الطلابي.
- التمرد على أنظمة المدرسة.
- إثارة الشغب والفوضى مما يعيق سير العملية التربوية.
- الترويج للعقاقير المسكرة أو المواد المخدرة او مواد المؤثرات العقلية.
وهناك مظاهر أخرى للعنف والسلوك العدواني بشكل عام تتمثل فيما يلي[24]:
v العنف الجسدي:
ويعرف على أنه استخدام للقوة الجسدية بشكل متعمد اتجاه الآخرين من أجل إيذائهم، وإلحاق أضرار جسمية بهم، ويتم استعماله أيضا كوسيلة للعقاب بغرض إحداث آلام وأوجاع، مما قد يسبب بالموازاة مع هذه المعاناة، معاناة أخرى نفسية، ومن الأمثلة الرامية لاستخدام العنف الجسدي هناك: الضرب، الحرق، الكي بالنار والركل بالأرجل، واللكم والحرق، وإطلاق النار والدفع والطعن والقرص…
v العنف النفسي:
ويحدث هذا العنف من خلال إحداث أضرار نفسية للفرد، وقد تحدث تلك الأفعال على يد شخص، أو مجموعة من الأشخاص الذين يمتلكون القوة، والسيطرة، ويعتبر فرض الآراء على الآخرين بالقوة هو أيضا نوع من أنواع العنف النفسي، ومن الأمثلة أيضا، رفض وعدم قبول الفرد، الإهانة، التخويف، التهديد، العزلة، الاستغلال، البرود العاطفي الصراخ، توجيه التهديد، كسر الأمتعة والممتلكات أو التهديد بفعل العنف والتحرش.
وهناك أيضا بعض السلوكات التي لا يعيرها الكبار أي انتباه وتشكل في حد ذاتها عنفا على نفسية الفرد كاللامبالاة، وعدم الاكتراث بشؤونه الخاصة ومشاركة همومه، بل أكثر من ذلك إهانته وعزله، ويعرف الإهمال بالنسبة للفرد على أنه وسيلة يتم استخدامها من طرف الكبار للمعاقبة تارة وقد تكون عفوية تارة أخرى وهي عدم تلبية رغبات الفرد الأساسية لفترة مستمرة من الوقت، ويمكن تصنيف الإهمال الى صنفين: إهمال مقصود وإهمال غير مقصود.
v العنف اللفظي:
ويعتبر القاسم المشترك بين كل اللغات الإنسانية حيث يتمثل العنف اللفظي أساسا في الكلام البذيء: كالسب، والشتم، ويكون الغرض منه التقليل من كرامة الأفراد، أو منعهم من ممارسة الحق الطبيعي بحرمان الفرد من التعبير عن أفكاره بحرية أو إجباره على تبني أفكار الآخرين بالقوة، واستعمال عبارات التحقير والإهانة والإهمال…
ج – العنف المدرسي:
ونظرا لصلة هذا النوع بموضوع دراستنا، سنتناوله بالدراسة والتحليل والوقوف على جميع أشكاله وتجلياته داخل المؤسسة التربوية، فقد أصبحت هذه الظاهرة من الظواهر الملفتة للنظر خصوصا في السنوات الأخيرة، ومع استعمال أحدث تقنيات التواصل نلاحظ استفحالا مهولا لهذه الظاهرة وانتشارها في الوسط المدرسي، والذي من المفروض أن يتسم بالانضباط والنظام واحترام آداب السلوك والامتثال للقوانين التي تفرضها المؤسسة التربوية، فهذه الأخيرة كانت إلى وقت قريب تتمتع بقدسية و إجلال كبيرين، يسودها جو من الاحترام والتقدير لواهب العلم والمعرفة، و يشعر خلالها المتعلم بنوع من الخشوع و الرهبة واحترام المكان الذي يتردد عليه لاكتساب هذه المعرفة إلا أن الملاحظ اليوم، المدرسة المغربية تعرف مظاهر متعددة من العنف والصراع بين المتعلمين والأساتذة، وهو واقع يخدش طابعها القدسي، بل أكثر من ذلك أصبحت مسرحا لكثير من أعمال العنف والشغب[25]، وعموما فالعنف المدرسي ليس وليد الساعة، لكنه أصبح اليوم ظاهرة منتشرة تكاد تمس معظم المؤسسات التربوية المغربية، ويمكن تحديده حسب موضوع دراستنا بكونه كل تصرف ناتج عن تلميذ اتجاه آخر، ويؤدي هذا العنف إلى إلحاق الأذى بالآخرين، وقد يكون هذا الأذى عبارة عن أذى جسمي أو نفسي أو مادي.
إذن ما هي العوامل المولدة للعنف المدرسي؟
تعتبر هذه العوامل متعددة فمنها:
v عوامل اجتماعية:
يلعب الموقع الذي توجد فيه المؤسسة التربوية دورا مهما في تفشي ظاهرة العنف المدرسي من عدمها، فغالبا ما تكون الظاهرة جد متفشية في المؤسسات التي يكون غالبية تلامذتها ينحدرون من مناطق معزولة وأحياء سكنية مهمشة وهذا يعكس بجلاء الدور الذي تعلبه الظروف الاجتماعية في دفع المتعلم على الإقدام على ممارسة فعل العنف داخل المدرسة، ففي ظل أسرة فقيرة تعاني من الأمية والحرمان والقهر و الإحباط النفسي، كلها عوامل تجعل من أبناء هذه الأسر أكثر عرضة لاضطرابات ذاتية ، غير متوافقين ذاتيا واجتماعيا ونفسيا مع محيطهم الخارجي وتعزز لديهم انفعالات ومشاعر مليئة بالحقد والكره والغضب والحسد اتجاه الآخرين، وهي انفعالات ومشاعر تتحول في معظم الحالات إلى سلوكات عدوانية، خصوصا عندما تأتي هذه الانفعالات والمشاعر كردة فعل نتيجة موقف أحسوا معه الإذلال أو المهانة أو الاحتقار من أي شخص كيفما كان، وبالتالي فالبناء النفسي و الاجتماعي لهؤلاء الأفراد يجب أن يتسم بالعناية المركزة، وأن يسلك مبدأ التعاون والتكامل بين مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية وفي مقدمتها الأسرة و المدرسة.
v عوامل نفسية:
إن ما تم التطرق إليه من عوامل اجتماعية غالبا ما يتم التأصيل إليها اعتمادا على كل ما هو نفسي من تولد انفعالات ومشاعر التي تأتي كردة فعل اتجاه مواقف اجتماعية، و يقول سيغموند فرويد في هذا الصدد “إن الشخص الذي سيجد نفسه متفوقا في القوة سيسعى لفرض سيطرته بالعنف وتتكرر اللعبة الى ما لا نهاية ، لذلك لا بد من وضع تركيبات لتوقع مخاطر التمرد، والإشراف على تنفيذ إجراءات العنف المشروعة”[26]. هذا يعني أن مسألة وراثة العنف أو بشكل أعم السلوك العدواني أمر غير وارد، بل أن ما قد يصدر عن المتعلم من سلوك عدواني يخضع لعلاقة تأثير وتأثر بالمحيط الخارجي وبتفاعل كبير مع البيئة الجغرافية والاجتماعية التي يعيش المتعلم في كنفها، ذلك ان المؤسسة التربوية تشكل نسقا منفتحا على المحيط الخارجي أي على أنساق أخرى، اجتماعية واقتصادية وبيئية…. فالوسط المعيشي لهؤلاء المتعلمين هو المحدد الأساسي لشخصيتهم، فالجينات لا تخلق أشخاصا لهم استعداد للعنف أو أي سلوك عدواني، وكل منا قد يمارس فعل العنف بدرجة أو بأخرى في يوم من الأيام، فإذا كانت درجة العنف في الحدود المعقولة كان الإنسان سويا يتمتع بالصحة النفسية وإن كان العكس فيمكن القول أن هذا الشخص قد يعاني من اضطرابات نفسية. إن أفضل طريقة للتعامل مع الانفعالات القوية هي الوعي بها ومواجهتها، لأن معظم السلوكات العدوانية تتولد عن الانفعالات التي يتعرض لها الشخص في حياته اليومية، لهذا يعتبر الغضب يعتبر من الانفعالات المرتبطة بظاهرة العنف خصوصا في مرحلة المراهقة.
v عوامل تربوية:
تعتبر العوامل التي تحيط بالظروف التربوية في المجال المدرسي من العوامل المؤثر في ظاهرة العنف بالمدرسة، وتظم مجموعة من المتغيرات التي تؤثر إيجابا أو سلبا في خلق جو يسوده التعاون والانضباط والاحترام المتبادل بين مكونات العملية التعليمية التعلمية، منها توفر المؤسسة على الموافق الصحية الضرورية ، الأسلوب التعليمي المتبع من طرف المدرس ومدى قدرته على خلق فضاء من التوصل والتفاهم مع تلامذته وإدراكه لحاجياتهم ومراعاة فروقهم الفردية وتجنب الإتيان بالسلوكات العنيفة اتجاههم، فكلها متغيرات قد تؤثر بشكل أو بأخر في ظهور السلوكات العنيفة لدى المتعلمين فكل هذه العوامل تجعل من ظاهرة العنف ومسبباتها تتميز بحركية يصعب معها وضع الأصبع على سبب واحد وموحد من العوامل وادعاء أنه هو الوحيد أو الرئيسي والأسباب الأخرى فقط مجرد عوامل وأسباب ثانوية وتابعة وتوجد كلها في وضعية تأثير وتأثر وتفاعل مستمر لدرجة أنه لا يمكن الجزم بانها ظاهرة يمكن القضاء عليها واجتثاثها خلال فترة قصيرة بل الأمر يتطلب استراتيجية طويلة الأمد.
وللعنف المدرسي عدة مظاهر وأشكال منها:
- من تلميذ لتلميذ آخر. ونجد هذا الشكل من خلال الملاحظة اليومية نجد يتمظهر ويتخذ تمظهرات متعددة منها.
- الضرب: باليد، بالدفع، بأداة، بالقدم وعادة ما يكون الطفل المعتدى عليه ضعيفا لا يقدر على المواجهة.
- التخويف: ويكون عن طريق التهديد بالضرب المباشر لأنه أكثر منه قوة أو التهديد بالأصدقاء أو الأقارب.
- التحقير من الشأن لكونه غريبا عن المنطقة أو لأنه أضعف جسما أو لأنه يعاني مرضا أو إعاقة أو السمعة السيئة لأحد أقاربه.
- نعته بألقاب معينة لها علاقة بالجسم كالطول أو القصر أو غير ذلك أو لها علاقة بالأصل (قرية – قبيلة). السب والشتم.
- من الأستاذ أو الطاقم الإداري تجاه المتعلمين: وما هو ملاحظ في هذا الصنف ويتكرر داخل المؤسسة التربوية ما يسمى بالعقاب الجماعي عندما يقوم الاستاذ بعقاب جماعي للفصل سواء بالضرب أو الشتم بسبب إثارة الفوضى والشغب داخل الفصل الدراسي.
- الاستهزاء أو السخرية من تلميذ أو من مجموعة من المتعلمين.
- الاضطهاد.
- غياب الإنصاف في المعاملة.
- عدم السماح بمخالفته الرأي حتى ولو كان المتعلم على صواب.
- التهميش وعدم الاكتراث بمشاكله وهمومه.
- النظرة القاسية.
- التهديد المادي أو التهديد بالرسوب.
- إشعار المتعلم بالفشل الدائم.
- من المتعلمين تجاه الأساتذة وكل العاملين بالمؤسسة: ويتخذ بدوره نوعين عنف جسدي وعنف لفظي، ويعتبر أشد المظاهر تأثيرا في الوسط المدرسي وهو بدوره قد يحدث أوجاعا ومعاناة نفسية، وكأمثلة على ذلك : الحرق، أو الكي بالنار، رفس بالأرجل، خنق، ضرب بالأيدي أو الأدوات لأعضاء الجسم، دفع أو لطمات، هذا بالنسبة للعنف الجسدي أما بخصوص العنف اللفظي فقد يتخذ المتعلم من الآخرين (الأستاذ وزملائه العاملين بالمدرسة) مجالا للضحك والتسلية والاستهزاء بهم، وتزداد هذه السلوكات حدة خصوصا أمام رفاقه رغبة في إظهار تفوقه وتميزه لجذب الأنظار إليه، ويشمل العنف اللفظي السب والشتم أو التعبير بطريقة لفظية عن احتقار الآخرين أو توجيه الإهانة إليهم بالفحش والبذاءة في القول.
وعموما يمكن القول إن العنف المدرسي هو ظاهرة غير صحية تنتج عنها آثارا سلبية يشعر بها المتعلمون والآباء والمدرسون على حد سواء منها الأضرار الجسمانية والنفسية التي تمس المتعلمين والأساتذة وكل العاملين بالمؤسسة التربوية، كما أن التكاليف المادية لمواجهة الظاهرة تتزايد هي أيضا بشكل مطرد، وتمس أيضا هذه الظاهرة الأسر والمجتمع بشكل عام ومن مخلفاتها:
- تدمير ممتلكات المؤسسة وأبنيتها وتشويهها.
- زيادة نسبة الانحراف بين صفوف المتعلمين مثل تعاطي المخدرات، السرقة، النصب والاحتيال.
- الخروج عن سلطة الأسرة والمدرسة.
- الهدر المدرسي.
- الفشل الدراسي.
- زيادة نسبة الجهل والأمية.
وعليه نستخلص مما سبق تعدد صور التعبير عن العنف وأشكاله، بل هناك أيضا تداخلا فيما بينها، وتتحد كلها في غاية إلحاق الضرر والأذى بالمعتدى عليه سواء، كان هدفا في حد ذاته أو وسيلة لتحقيق شيء معين.
v التفسير البيولوجي للعنف
ارتبط الاتجاه البيولوجي في تفسير السلوك العنيف بالأبحاث التي قام بها الطبيب الإيطالي لومبروزو، وانطلق هذا الطبيب في أبحاث من تشريح جثت بعض أشهر المجرمين وذلك للوقوف على أهم الخصائص والصفات المورفولوجية لهذه الجثت، حيث لاحظ على سبيل المثال في مؤخرة جبهة المجرم فراغا مجوفا شبيها بذلك الموجود لدى القردة، الأمر الذي انتهى بلومبروزو إلى التقرير بأن المجرم وحشي بدائي، وهو قاطع طريق اشتهر بممارسة العنف في جنوب ايطاليا[27] وعلى ضوء هذه الأبحاث حدد هذا الطبيب مجموعة من الصفات الأخرى ومن بينها:
- عدم تناسق شكل الجمجمة.
- ضخامة الفكين.
- بروز عظام الخد.
- رقة الشفة العليا عن السفلي.
- كبر الأذنين، وكثافة الشعر.
وبعد ذلك قام لومبروزو بتطوير نظريته ليتحول المجرم من المجرم الوحشي البدائي إلى المجنون النفساني أو المتشنج العصبي عندما قام بدراسة حالة مجرم آخر وهو الجندي MISDEA حيث أرجع هذه المرة الجريمة إلى تشنجات عصبية تدفع إلى ارتكاب أفعال عنيفة [28]، وقد أضاف مجموعة من الصفات النفسية إلى تلك الصفات المورفولوجيا الأولى ومن بينها:
- ضعف الإحساس بالألم.
- الميل الى العدوان.
- انعدام شعور الخلق.
- قصر النظر والغرور.
كما ذهب لومبروزو إلى أبعد من ذلك عندما أراد أن يؤسس لنظريته، عندما قام بتفسير النسبة القليلة من العنف لدى الإناث مقارنة بحجم العنف الذي يرتكبه الذكور، وقد عزا ذلك لأسباب بيولوجية بحثة، حيث أرجع ندرة الإجرام بين النساء، إلى أنهن يظهرن علامات ارتدادية أكثر من الرجال، لأنهن ببساطة أقل تطورا من الرجال من حيث المركز التطوري والبعد عن أصولهن، و يشير هنا إلى أن مفهوم الردة ATAVISM هو كل ما هو مضاد للمجتمع، وكل ما هو جريمة، ما هو إلا مخلفات من المراحل التطورية الأولى للإنسان[29]، وقد سعت مجموعة من البيولوجيين منذ ستينات القرن الماضي إلى تفسير مظاهرة العنف من الناحية البيولوجية ووصفه على أنه شذوذ يصيب التركيبة الجينية أو الوراثية للإنسان، و اتخذت هذه الأبحاث منحى الكشف عن تكوين الكروموزومات لدى ذكور المجرمين وإناثهم، حيث توصلت إلى أن الزوج الثالث والعشرين من الصبغيات أو الكروموزومات وهو الزوج المتعلق بتحديد الجنس البشري، ويتكون لدى المرأة من صبغين متشابهين وكلاهما (X) ولدي الرجل من صبغين مختلفين أحدهما (X) والأخر (Y) وأفادت هذه الدراسات أن الأفراد الذين يتميزون بالعدوانية والذي اعتقلوا بسبب ارتكابهم شتى أنواع العنف تظهر لديهم في أغلب الأحيان حالات من الشذوذ في صبغياتهم الجنسية، ووجدوا أن زيادة (X) واحدة أو اثنين قد تسبب تخلفا عقليا، وفي المقابل زيادة (Y) واحدة قد يكون لها تأثير في الغرائز الإجرامية [30].
وفيما يخص التفسير البيولوجي الحديث لظاهرة العنف، تعتبر النتائج التي توصل إليها فريق هولندي بالتعاون مع علماء من الولايات المتحدة دالة على الجانب البيولوجي الوراثي لظاهرة العنف، حيث اكتشف هذا الفريق صدفة أن الرجال في إحدى العائلات الهولندية قد ارتكبوا على مدى خمسة أجيال أعمال عنف، واغتصاب وإحراق ممتلكات، وتبين أن أولئك الرجال يعانون خللا جينيا جعل الأنزيم المسؤول عن تنظيم مستوى السيروتونين الذي تفرزه المراسلات العصبية عاجزا عن العمل، وإذا كانت الدقة والصرامة العلمية تفيد بعدم تعميم نتائج هذا البحث، وهو الأمر الذي ينتصر إليه ” هان برونر” عالم الوراثة الهولندي، وعضو فريق البحث السالف الذكر، فإن بعض الدراسات والأبحاث الحديثة تفسر العنف بوجود مورثات جينية تسبب إنتاج هومونات معينة أو تغير الإفرازات الهرمونية في الجسم قبل الولادة أو بعدها مباشرة [31].
وفي هذا الصدد تؤكد البيولوجية الأمريكية” كبت ماكبرنيت ” الأستاذة بجامعة شيكاغو الأمريكية أن البداية المبكرة للسلوك العدواني واستمراريته مرتبطة بوجود مستويات منخفضة من هرمون التوتر المسمى ” كورتيزول” في اللعاب، ووجود مستويات منخفضة من هذا الهرمون تشجع السلوك العدواني لدى الفرد في سن 7-12 سنة وأن الأطفال الذين يرتكبون سلوكات عنيفة وعدوانية ويتورطون في جرائم أحيانا، ليس لأن هناك خطأ في التربية، ولكن الأمر يتعلق بوجود مورثات جينية تسبب إنتاج هرمونات معينة أو تغير الإفراز الهرموني بشكل طبيعي [32].
د – أساليب الكشف عن السلوك العدواني:
يتم التعرف على الميولات العدوانية لدى الفرد مند مرحلة الطفولة من خلال عدة أساليب متنوعة منها: ملاحظة الطفل أثناء اللعب أو من خلال رسوماته أو القصص التي يقصها الطفل استجابة لسلسة من الصور التي تعرض عليه، وهي أشكال وأساليب تمكن الطفل من إسقاط انفعالاته وحالته العقلية والنفسية [33] وتعتبر هذه الفترة جد مؤثرة في حياة الفرد مستقبلا وتأثر سلوكه بمشاعر العنف، وتتكشف هذه الميولات العدوانية لدى المراهق فيما بعد، إما عن طريق ملاحظتهم أثناء ممارسة نشاط حر كاللعب في إطار نشاط رياضي، أو من خلال رسومات أو كتابات على الأبواب والجدران تعبر عن درجة العدوانية التي تكتنف نفسيته، ويتم أيضا تصريف هذه العدوانية في تكسير وتدمير ممتلكات الآخرين، وفي الصدد نفسه تستعمل عدة مقاييس علمية للكشف عن السلوك العدواني، كمقياس فيليب كارتروكين روسل ومقياس كراكوفي، وهي في أغلبها عبارة عن مجموعة من السلوكيات المعتادة لدى كل فرد، حيث يقوم بتحديد مدى درجة انطباقها مع شخصيته، ويتم بناء هذه المقاييس اعتمادا على أسس نظرية وعلمية ويعتبر المجال الرياضي أفضل المجالات للتعبير عن الانفعالات والتنفيس عنها.
خلاصة :
تعتبر المراهقة مرحلة حاسمة تمكن الفرد من الانتقال من الطفولة إلى النضج عبر مجموعة من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية والجسمية والتي يكون لها وقع مباشر على توافق المراهق مع ذاته أولا ومع مجتمعه ثانيا، مرحلة تتميز بعدم توازن الفرد أمام إكراهات محيطه الخارجي ومدى توافقها مع متطلباته الذاتية، يعيش معها حيرة ويكون فيها محتاجا لمرافقة و توجيه من جميع المؤسسات التي يتعامل ويتفاعل معها وذلك لأخذه الى بر الأمان، لأن توازنه و توافقه شخصيا واجتماعيا خلال هذه الفترة يشكل الحجر الأساس في تحديد مصيره مستقبلا، وهذه المرحلة من أكثر مراحل النمو التي تشكل خطرا وتأثيرا على حياة الفرد والتي يمكن أن تقوده إلى الانحراف إذا لم تتم مرافقته، مرافقة دقيقة تعترف بحاجياته وتهذبها بالشكل الذي يصل به إلى مرحلة النضج ممتلكا لشخصية متوازنة غير تلك التي تكون مبنية عل مجموعة من الانفعالات المولدة للسلوكات العدوانية.
واتضح لنا من خلال هذه الدراسة أن العنف والسلوك العدواني عامة هو سلوك مكتسب أثناء حياة الفرد بفعل العوامل البيئية والاجتماعية والتعليمية. وعلى الباحثين والمربين أن يقوموا بتقص الخبرة الحياتية السابقة للفرد وما تشمله من تركيبة حياته الوراثية والخلقية والأسرية والاجتماعية والتعلمية والتي تختلف من فرد لآخر حسب ظروف وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، ومعالجتها بالطرق التربوية السليمة مثل البرامج الحركية والتربية على القيم. وسنمر خلال الجزء الثاني من هذا البحث إلى الدراسة الميدانية وذلك من أجل استبيان دور هذه التجارب والبرامج الحركية من خلال مادة التربية البدنية في التخفيف من السلوكات العنيفة لدى تلاميذ المرحلة الثانوية التأهيلية.
قائمة المراجع:
- أوزي أحمد، المراهق والعلاقات المدرسية، الشركة المغربية للطباعة والنشر، الرباط، 1993.
- مديرية المناهج، الرباط، نونبر 2007.
- أكاديمية نانت، عدد6، 1991/1992.
- مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2004.
- وزارة التربية الوطنية، الرباط، أكتوبر1999.
EricDebarbieux, la violence dans la classe, ESF éditeur, paris,1990.
M. Postic,la relation éducative, paris PuF,1979.
Raphael Leca, Michel Billard : L’enseignement des activités physiques sportives et artistiques, ellipses édition, paris, 2005.
http://educapsy.com/blog/valeur-419.02/12/2019.16h16min.
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=304037&r=0.11/10/2019.10h29min.
[1]– المجلة الأكاديمية للأساتذة التربية البدنية، أكاديمية نانت عدد 6 1991/1992، ص8.
[2]-أحمد أوزي، المراهق والعلاقات المدرسية، منشورات مجلة علوم التربية ص 117.
[3]-http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=304037&r=0.11/10/2019.10h29min.
[4]– أحمد أوزي، مرجع سابق، ص16.
[5]– http://educapsy.com/blog/valeur-419.02/12/2019.16h16min.
[6]– الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وزارة التربية الوطنية، الرباط، أكتوبر1999، ص8.
[7]-Raphael Leca, Michel Billard : L’enseignement des activités physiques sportives et artistiques, ellipses édition, paris, 2005. P23.
[8]– التوجيهات التربوية لمادة التربية البدنيةوالرياضية،مديرية المناهج، الرباط، نونبر 2007، ص5.
[9]– المرجع نفسه، ص6.
[10]– عبد الغي الديدي، التحليل النفسي للمراهقة، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1995، ص7.
[11]– المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 2004، ص378.
[12]– أحمد أوزي، مرجع سابق، ص 96.
[13]– M.Postic, la relation éducative, paris PuF,1979, P 243.
[14] – أحمد أوزي: مرجع سابق، ص 114.
[15] – أحمد أوزي: مرجع سابق، ص 179.
-[16] المعجم الوسيط، مرجع سابق، ص631.
[17] – EricDebarbieux, la violence dans la classe, ESF éditeur, paris,1990, p 22.
1-مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، ط 9، الدار البيضاء،2005، ص 165.
[19]– محمد علي عمارة، برامج علاجية لخفض مستوى السلوك العدواني لدى المراهقين، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2008، ص 33.
[20]-مصطفى حدية، قضايا في علم النفس الاجتماعي، منشورات المجلة المغربية لعلم النفس، 2013، ص 173.
[21]– مصطفى حجازي، مرجع سابق، ص167.
[22]– مصطفى حجازي، مرجع سابق، ص 167.
6- سناء محمد سليمان، مشكلة العنف والعدوان لدى الأطفال والشباب بين الخير والشر… الصواب والخطأ، عالم الكتب، ط 1، القاهرة،2008،ص21.
[24]-محمد علي قطب الشمهري، وفاء محمد عبد الجواد: عدوان الأطفال، مكتبة العبيكان، ط 2، الرياض،2000ص 21.
[25]– أحمد أوزي، مرجع سابق، ص 123.
[26]– سيغموند فرويد، أفكار لأزمنة الحرب والموت. ترجمة سمير كرم، دار الطليعة للطباعة والنشر، ط 2، 1981ص46.
[27]-عبد الله عبد الغني غانم، جرائم العنف وسبل المواجهة، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الطبعة الأولى، الرياض، 2004،ص 66.
[28]– عبد الله عبد الغني غانم، المرجع نفسه، ص 66.
[29]– عبد الله عبد الغني غانم، المرجع نفسه، ص 67.
[30]– عبد الله عبد الغني غانم، المرجع نفسه، ص 70.
[31]– عبد الله عبدالغني غانم، المرجع نفسه، ص 71.
[32]– أحمد معد، العنف لدى الإنسان، تقرير لبحث نيل دكتوراه، كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، الرباط ،2001 ص 20.
[33]– نهى محسن ضاحي، دراسة سابقة ص 78.