التعليم عن بعد بين التطور التكنولوجي والإكراه التنزيلي
ط.د.عبد النبي فنان/جامعة ابن زهر، المغرب
Education sur le développement technologique et la coercition de téléchargement.
PhD student Abdenbi fennane /Ibn Zahra University, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 93 الصفحة 47.
ملخص:
تهدف هذه الدراسة إلى التعرف عن التعليم عن بعد وأهميته في تحقيق الأهداف والكفايات وما يتميز به عن التعليم الحضوري، وكذا تحديد بعض آليات التنزيل التي تتجلى في تأهيل الموارد البشرية وتوفير الوسائل الحديثة والشبكة العنكبوتية بالإضافة إلى إبراز بعض الإكراهات التي تعيق عملية التنزيل عن طريق توظيف البيداغوجية المناسبة وتطبيق البرامج والمناهج الدراسية، مع ذكر بعض الحلول والمقرحات للتقليل من تلك الإكراهات والصعوبات.
الكلمات المفتاحية: التعليم عن بعد، الإكراهات، التكنولوجية، البيداغوجية.
Abstract:
De l’étude à l’éducation, puis au développement de l’éducation, puis au développement de l’éducation par le développement de l’éducation, puis au développement dans le développement de l’éducation et de l’imprimerie. Pédagogique, parc, programmes et curricula, m rance quelques solutions et propositions pour réduire celles contraintes et le quotidien.
key words: Enseignement à distance, contraintes, technologie, éducation, pédagogie.
تقديم:
تعتبر التربية والتعليم من أهم الأمور والمهمات الأساسية التي اهتم بها الإسلام ودعا إليها، فكانت أول كلمة نزلت في القرآن الكريم تأمر بالقراءة والتعليم والتعلم، قال تعالى: “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ“[1]، وقد رفع الله العلماء في كل عصر وزمان، وفي كل مكان في الدنيا والآخرة، يقول الحق سبحانه تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ“[2] .
ومن هذا المنطلق فإن عملية التعليم هي عملية مستمرة في حياة الإنسان مادامت الأرض والسموات فهي سر وجوده في هذه الأرض ودليل تمييزه عن سائر الكائنات مهما اختلفت الأجناس، فلقد خلق الله الإنسان ووهب له عقلاً، فميزهُ به عن سائر المخلوقات؛ لذا كان لزاماً عليه أن يوسع مدارك هذا العقل، ليمتلك القدرة التي تساعده في تحصيل العلم والحفاظ على استمرارية تعلمه في كل زمان ومكان.
ومما يساعد على استمرارية التعليم والتعلم وتحقيق الأهداف المتوخاة منه والقدرات والكفايات، عمليةُ التعليم عن بعد، باعتبارها آلية من أهم الآليات التي تحافظ على ضمان الاستمرارية البيداغوجيا في ظل الأزمات، رغم الإكراهات والصعوبات، إذ تساعد المتعلّم في التحصيل المعرفي دون انقطاع بغض النظر عن الزمان والمكان، وفي تنمية القدرات والمهارات والحصول على البيانات، والمعلومات وتحقيق الأهداف والكفايات رغم بعد المسافات والفصل بين المتعلم والمدرس وقاعة الدروس والمحاضرات.
وتتم عملية التعليم عن بعد عن طريق استخدام جميع التقنيات الحديثة التي تعتمد بالأساس على الشبكة العنكبوتية من خلال استعمال الحاسوب وجميع الوسائط الإلكترونية الحديثة.
– إشكالية الدراسة:
لقد أدت الثورة التكنولوجية خلال هذا القرن إلى ابتكار العديد من الأساليب التعليمية المستخدمة عن طريق الانترنيت والوسائط التعليمية المختلفة[3]، ولا سيما في بداية الألفية الثالثة، بحيث أصبحت الحاجة إلى التعليم عن بعد ملحة؛ إذ أن أبرز الاتجاهات الحديثة- في التعليم ومظاهر التطور والتجديد التربوي – اعتبرت التعليم عن بعد شيئا أساسيا في المستقبل، وذلك من أجل الحفاظ على الحق في التعلم لكل فرد داخل المجتمع.
وقد تأكدت الحاجة إلى التعليم عن بعد بشكل كبير وملموس في مختلف بقاع العالم خلال جائحة كرونا؛ الشيء الذي تبين بأنه لا مفر منه وأنه هو المستقبل والأساس في العملية التعليمية التعلمية، لكن هل التعليم عن بعد يحل محل التعليم الحضوري في تحقيق الأهداف والغايات والكفايات؟.
وتتفرع عن هذا السؤال المحوري أسئلة من قبيل، ما المقصود بالتعليم عن بعد؟ وما هي أهميته ومميزاته وآليات التنزيل؟ وهل تواجه عملية التنزيل بعض الإكراهات؟ وما هي بعض الحلول المقترحة لتجاوز تلك الإكراهات.
- أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى التعريف بالتعليم عن بعد وأهميته في تنمية المهارات والقدرات لدى المتعلم، وإبراز بعض آليات التنزيل والإكراهات التي تواجهها، مع ذكر بعض الحلول والمقترحات لتجاوز تلك الإكراهات.
– منهج الدراسة:
تتم هذه الدراسة، وفق المنهج التاريخي والمنهج الوصفي التحليلي، وذلك عن طريق الحديث عن التعليم عن بعد من حيث التعريف وتاريخ بدء الاستخدام به وأهميته، ومن حيث إبراز بعض آليات التنزيل والإكراهات التي تواجهها، مع تقديم بعض الاقتراحات والحلول من أجل تجاوز تلك الإكراهات.
ومعالجة هذه النقاط تتم من خلال فصول ثلاثة، فالفصل الأول: يخصص للحديث عن التعليم عن بعد وأهمته وآليات التنزيل. والفصل الثاني: يخصص للحديث عن بعض الإكراهات التي تعيق عملية التنزيل. وأما الفصل الثالث: يتناول بعض الحلول والمقترحات لتجاوز تلك الإكراهات، ومفاصل ما تم إجماله يأتي وفق الآتي:
الفصل الأول: التعريف بالتعليم عن بعد وأهميته وآليات تنزيله.
أولا: التعريف بالتعليم عن بعد.
1_ ما هو التعليم عن بعد؛
يعتبر التعليم عملية يقوم بها المعلم عكس التعلم الذي يقوم به المتعلم، وعملية التعليم قد تكون حضورية ويسمى آنذاك بالتعليم الحضوري، وقد تكون عن بعد ويسمى آنذاك بالتعليم عن بعد ، وقد يمزج بينهما عن طريق التناوب فيسمى: “التعليم بالتناوب” كما حدث في المغرب أثناء مواجهة جائحة كورونا؛ إذ أصدرت وزارة التربية الوطنية إطارا وطنيا مرجعيا ينظم النمط التربوي القائم على التناوب بين التعليم الحضوري والتعلم الذاتي، وتقوم عملية التدريس بالتناوب على أساس تخصيص فترات للتعليم الحضوري، وأخرى للتعلم الذاتي، بشكل تناوبي(50 في المئة لكل واحد منهما) ويعتمد هذا النمط التربوي من التعليم على تقسيم كل قسم إلى فوجين، من أجل تسهيل عملية الرجوع إلى السير العادي للدراسة، كما أن هذا التقسم سيمكن من تحقيق التباعد الجسدي، ويقوم التعليم بالتناوب أيضا على توزيع استعمالات الزمن إلى شقين، فالأول تعليم حضوري، والثاني التعلم الذاتي بشكل تناوبي ومتساوي بين الأفواج، وتخصص الحصص في التعليم الحضوري للأنشطة التعليمية البنائية للتعلمات مع إعطاء توجيهات وإرشادات للمتعلمين في الحصة الحضورية حول كيفية التعامل مع باقي الأنشطة الواردة في الكتب المدرسية أو في الموارد الرقمية، فضلا عن تتبع إنجازات المتعلمين في حصص التعلم الذاتي وأنشطة التعلم الذاتي[4].
انطلاقا مما تقدم نخلص بأن التعليم الحضوري يتم في قاعة الدروس والمحاضرات بشكل مباشر ومتزامن في الوقت والمكان دون وجود فاصل بين الأستاذ والمتعلم، في حين أن التعليم عن بعد عكس ذلك.
ومن هنا جاء تعريف التعليم عن بعد على أنه “تعليم لا يتقيد بجدران ومقاعد دراسة وبنايات ثابتة أو قاعات دراسة تستوجب أن يكون الطالب وجها لوجه مع المعلم كما في الجامعات التقليدية”[5].
ومن خلال هذا التعريف يتبين بأن التعليم عن بعد يتميز بعدم التواصل المباشر والكلي بين الأستاذ والمتعلم داخل الفصل، بحيث أنه يتم فيه تقديم المواد التعليمية عبر الأقسام الافتراضية من خلال استخدام وسائل التواصل الحديثة، ويتكون التعليم عن بعد من ثلاث مكونات أساسية وهي:
1-المعلم، باعتباره المؤطر المباشر للعملية التعليمية والساهر على تنفيذها سواء حضوري أو عن بعد.
2- المتعلم، باعتباره المحور الأساس في العملية التعلمية.
3- المحتوى التعليمي، باعتباره محل التعاقد البيداغوجي والديداكتيكي بين أطراف العملية[6].
وعليه فالتعليم عن بعد هو تعليم يجعل الطالب يعتمد على نفسه، الشيء الذي يساعده ويمكنه بشكل أساسي من متابعة دراسته الجامعية في مختلف بقاع العالم بأقل تكلفة مادية، على اعتبار أن فلسفة التعليم عن بعد هي في الأساس مبنية على مبدأ المرونة والمساواة في التعليم وتقريب الفضاء التعليمي إلى المتعلم، تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص لجميع المتعلمين والمتعلمات في كل مكان[7].
ومن هنا فالتعليم عن بعد هو: تعليم يتميز بكونه يتم بطريقة، قد تكون متزامنة في الفصل الدراسي، وقد تكون غير متزامنة؛ أي دون الالتزام بمكان محدد بين الأستاذ والمتعلم؛ إذ يكون الاعتماد في التعليم عن بعد على التعلم الذاتي بشكل أكبر[8]، وذلك لأن التعليم عن بعد هو تعليم مبنيٌّ على أساس إيصال المعرفة والمهارات والمواد التعليمية إلى المتعلّم عبر وسائط وأساليب تقنية حديثة مختلفة ومتنوعة، بحیث يكون المتعلّم بعيدًا ومنفصلًا عن المعلّم، على اعتبار أن التعليم عن بعد ما هو إلّا تفاعلات تعليمية يكون فيها المعلّم والمتعلّم منفصِلَیْنِ عن بعضهما زمانيّا أو مكانيًا أو كلاهما معًا[9].
2– لمحة تاريخية عن التعليم عن بعد.
إن التعليم عن بعد ليس وليد اليوم، بل ظهر عبر مراحل في أزمنة متقدمة بأشكال مختلفة، فقد رصد تقرير اليونسكو(2002) بيان التطور التاريخي للتعليم عن بعد في أربعة مراحل؛ أنظمة المراسلة، وتعتمد على المواد المطبوعة والإرشادات المصاحبة من وسائل سمعية وبصرية بجعل البريد العادي وسيلة للتواصل بين طرفي العملية التعليمية التعلمية من معلم ومتعلم، ثم أنظمة التلفزيون والراديو، فضلا عن أنظمة الوسائط المتعددة: النصوص والأصوات والأشرطة والحاسوب وكذلك الأنظمة التي تعتمد على الشبكة العنكبوتية[10].
وقد بدأ الاستخدام بالتعليم عن بعد في بريطانيا سنة 1858م بجامعة لندن عن طريق التعليم بالمراسلة وكذلك سنة 1892م بجامعة وسكنش، ثم تطور عبر بلدان العالم ك: مصر من العرب[11].
ومن هذا المنطلق فإن التعليم عن بعد ليس نوعا واحدا بل هو أنواع حسب كل مرحلة من مراحل ظهوره وتطوره ،كما أنه يختلف من بلد إلى بلد آخر؛ نتيجة المؤهلات والقدرات المادية والبيداغوجية التي يتمتع به كل بلد، ورغم هذا التطور والظهور للتعليم عن بعد بشكل مبكر، إلا أنه لم يظهر له مصطلح رسمي إلا في سنة 1982م، وذلك عندما أرادات اليونسكو أن تغير اسم الهيئة العلمية للتربية بالمراسلة إلى اسم جديد يضم الهيئة العالمية للتربية عن بعد[12].
ومن هنا نستشف بأن التعليم عن بعد ليس شيئا جديدا على الساحة التربوية، بل هو تعليم قديم، وكان يعتمد على الوسائل المتاحة لدى كل بلد، ثم بدأ يتطور تدريجيا بعد ظهور وتطور الوسائل التكنولوجية والأنظمة التي تعتمد على الشبكة العنكبوتية.
2- أهداف ومزايا التعليم عن بعد
إن التعليم عن بعد يكتسي أهمية كبيرة، ولا سيما إذا كان يستفيد منه مجموعة كبيرة من المتعلمين والمتعلمات سواء في العالم القروي أو الحضري على اختلاف ثقافتهم وأجناسهم، وأعمارهم، فهو تعليم يحقق مجموعة من الأهداف والكفايات؛ من ذلك الملاءمة بين المعلم والمتعلم، والمرونة في التعامل بين أقطاب العملية التعليمية التعلمية في حل المشاكل وتذليل الصعوبات وتعزيز المكتسبات واختيار الوقت المناسب حسب الرغبة والاختيار المشترك، وكذا التأثير والفاعلية والمقدرة ، على اعتبار أن عملية التعليم عن بعد لا تكلف المستفيد ماديا[13]، وذلك لكون استخدام التقنيات المرنة والملائمة قد تساعد بشكل كبير على: “رفع شعور وإحساس الطلاب بالمساواة في توزيع الفرص في العملية التعليمية، وكسر حاجز الخوف والقلق لديهم، وتمكينهم من التعبير عن أفكارهم والبحث عن الحقائق والمعلومات بوسائل أكثر وأجدى مما هو متبع في قاعات الدرس التقليدية”[14].
ومن هنا فإن التعليم عن بعد يتميز بميزات، من أهمها: الاعتماد على التعلم الذاتي، وعلى الإرشاد والتوجيه في مواجهة كل الإكراهات التي قد تحول دون الاستفادة من التعليم الحضوري؛ لكونه يعطي حرية للمتعلم في الاختيار متى وأين وكيف يتعلم، فضلا عن سعة الوقت والمكان، عكس التعليم الحضوري الذي يحدد فيه الزمان والمكان بشكل إلزامي للجميع[15].
وقد يعمل بالتعليم عن بعد من أجل التخفيف الناتج عن الاكتظاظ ولا سيما في التعليم الجامعي العالي الذي لا يتوقف أساسا على التعليم الحضوري، نتيجة تراكم المعارف وتعدد المهارات لدى الطلبة في التعليم الجامعي عكس تلامذة التعليم قبل الجامعي؛ لذلك لابد من التمييز عند الحديث عن التعليم عن بعد ومميزاته وأهميته، بين المراحل الابتدائية والثانوية (التي قد يكون تطبيق التعليم عن بعد فيها عائقا لمجوعة من المتعلمين والمتعلمات لسبب من الأسباب، كصعوبة توظيف الوسائل الديداكتيكية والبيداغوجيا) وبين المراحل في التعليم الجامعي التي قد تكون عكس ذلك.
وحسب الممارسة المهنية يتبين بأن التعليم عن بعد قد يكون أفضل في بعض الأحيان من التعليم الحضوري، لكن الأفضل والأنسب أن يكون المزج بين التعليمين في المرحلة الابتدائية والثانوية بشكل تكاملي، وفي المرحلة التعليمية الجامعة بشكل اختياري حسب الطلبة والإمكانات المتوفرة لديهم ومراعاة القدرات والمهارات واحترام مبدأ البيداغوجيا الفارقية؛ إذ أن كثيرا من المتعلمين قد لا يتلاءم مع التعليم عن بعد ولو في الجامعة، وخاصة في المراحل الأولى منها، ولذلك لا بد أن يراعى في تنزيله اختيارات الطالب المتعلم الذي يعتبر محور العملية التعليمية في كل المراحل التعليمية.
3- آليات التنزيل.
إن عملية التعليم عن البعد تتم عبر وسائل التعليم الإلكتروني عن طريق استخدام الإنترنت، والبريد الإلكتروني، وأجهزة الحاسوب وإنشاء أقسام افتراضية لتوفير بيئة تعليمية تعلمية تفاعلية متعددة المصادر والطرق دون الالتزام بمكان محدد[16].
وعليه فعملية التعليم عن بعد تحتاج إلى مجموعة من العناصر التي تخول ربط الاتصال بين المعلم والمتعلم بطريقة متزامنة أو غير متزامنة، وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة، على اعتبار أنه يتم التركيز بالأساس على الشبكة العنكبوتية دون التقيد بزمان ولا بمكان مع تحديد الخيارات التقنية الحديثة لاستعمالها في العملية التعليمية التعلمية لدى الجميع حتى يتسنى لهم مواكبة العملية بشكل جيد ومرن دون انقطاع أو تعثر يمنع نجاح تلك العملية[17].
ومن هنا فإن عملية التنزيل هي عملية مرتبطة بالفاعل التربوي عموما، وبالفاعل التعليمي وبالوسائل الحديثة التكنولوجيا وبكل الموارد الرقمية بالأساس؛ إذ لا يمكن الحديث عن التعليم عن بعد دون توفر هذه الوسائل وما تتطلبه من معدات وأجهزة متنوعة.
ومن هذا المنطلق فإن عملية التعليم عن بعد تعتبر من الموضوعات التي ظهرت أهميتها بشكل كبير خلال جائحة كرونا؛ إذ فرضت نفسها على المنظومة التربوية في العالم دون استثناء حتى أصبح محور اهتمام كل المؤتمرات العالمية والندوات الدولية والوطنية والمحاضرات واللقاءات التربوية الرسمية وغير الرسمية وكل الفاعلين التربويين والشركاء والمجتمع، ولا سيما بعد أن تبين بشكل جلي على أن: “الانغماس في التكنولوجيا هو ما ينبغي أن تكون عليه الفصول في القرن الحادي والعشرين، حيث تكون الأدوات الرقمية هي الخيار المتاح دوما وليس مجرد حدث نخطط لإقامته بين الحين والآخر”[18].
انطلاقا من ذلك يستنتج بأن التعليمَ عن بعد أصبح- بالاعتماد على جميع الوسائط الإلكترونية ولاسيما الأنظمة التي تعتمد على الشبكة العنكبوتية- شيئًا أساسيا من أجل الحفاظ على استمرارية العملية التعليمية التعلمية؛ بغية تحقيق الأهداف المنشودة.
الفصل الثاني: ماهي الإكراهات التي تعيق آليات تنزيل التعليم عن بعد.
إن عملية التعليم عن بعد تعرف مجموعة من الإكراهات التي تعيق عملية التنزيل، ويمكن أن نميز بين نوعين من الإكراهات:
1-النوع الأول: إكراهات مادية، وهي إكراهات تتجلى في تفاوتات كبير بين الأسر داخل المجتمع، فهناك من ينتمي إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة، وهناك من ينتمي إلى الطبقة الغنية، الشيء الذي يؤكد على صعوبة تحقيق الكفايات والأهداف وتطبيق البرامج والمناهج بشكل سليم وصحيح كما تُطبق في الأقسام[19]، ومما يلحق بهذا الجانب ما يتعلق بالتكوين المستمر للفاعلين التربويين عموما والفاعل التعليمي خصوصا في تقنيات التكنولوجيا الحديثة وتوظيف الموارد الرقمية بمختلف أنواعها، وكذا المتعلمين والمتعلمات، مع توفير القاعات المجهزة.
2-النوع الثاني: إكراهات عملية بيداغوجية وهي إكراهات تتوقف على مدى خبرة الفاعل التعليمي في استعمال البيداغوجية الحديثة في ظل المقاربة بالكفايات وفي ظل التعليم بالقدوة التي تعتبر من أهم الأسس التربوية؛ لأن “من عوائق مهمة التربية هو انحصار التربية في الجانب التعليمي المعرفي فقط وإهمال الجانب السلوكي الأخلاقي التربوي مع العلم أن مفهوم التربية جامع لمجالات أساسية ثلاثة: المعارف، والسلوك، والقدرة على التدبير والتنظيم”[20] وذلك لأنه: “يؤدي إلى غياب التواصل التربوي وبالأخص التواصل البيداغوجي الصفي من تبادل المعلومات والأفكار بين أعضاء جماعة القسم في شكل حوار عمودي وأفقي”[21].
وعموما أن الصعوبات التي تواجه عملية التنزيل منها ما يرتبط بالعامل البشري( معلمين متعلمين) ومنها ما يرتبط بالعامل المادي (التكاليف- الأجهزة- البرمجيات- الاتصالات- البنية التكنولوجيا) [22].
الفصل الثالث: حلول ومقترحات من أجل تجاوز تلك الإكراهات أو التقليل منها ولو نسبيا.
مما لاشك فيه أن بعض الدول قطعت شوطا كبيرا في عملية التعليم عن بعد وتطورت فيه بشكل كبير، الشيء الذي يقتضي الاستعانة بها من أجل إعطاء بعض الحلول والمقترحات لتجاوز تلك الإكراهات والتقليل منها ولو نسبيا، ومن تلك الاقتراحات والحلول ما يلي:
1- ضرورة الاستعانة بتجارب وخبرات بعض الدول المتقدمة في تفعيل التعليم عن بعد.
إن الاستعانة بتجارب بعض الدول المتقدمة تعتبر ضرورة في هذا المجال للاستفادة منها عن طريق تكوين المدرسين، وتنزيل برامج مرتبطة بإنتاج مواد ومضامين رقمية؛ لأن التوجه نحو توظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة هو توجه عام، ولاسيما في عصر تميز بالرقمنة، والتوجه نحو التعليم عن بعد؛ إذ يوجد بالخارج مجموعة من الدول الرائدة في هذا المجال ك: كندا وبلجيكا، بحيث توجد فيهما وفي غيرهما جامعات نشيطة في التعلم عن بعد؛ الشيء الذي يتطلب تدارك الأمر فورا وبسرعة وتكثيف الجهود.[23]
2_ توفير وتعزيز المجال التعليمي بالوسائل الحديثة في مختلف المؤسسات التعليمية.
فبعد الاستفادة من الدول ذات الخبرة والتجربة الرائدة في مجال التكنولوجيا في منظومة التربية والتعليم ينبغي تعزيز المجال التعليمي في مختلف المؤسسات التعليمية سواء العامة والخاصة عن طريق إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وإحداث مختبرات للابتكار وإنتاج الموارد الرقمية وتنويع طرق وأساليب التكوين ، وذلك عن طريق إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه مستقبلا كما نص على ذلك القانون الإطار بالنسبة للمغرب[24].
ومن هنا يتعين على المسؤولين في القطاع أن يعملوا بشكل كبير ودائم ومستمر ومسؤول على تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث في المنظومة التربوية، من خلال توفير كل الوسائل الحديثة التي تساعد على القيام بعملية التعليم عن بعد، مع الحرص أن تكون الاستفادة شاملة لكل الفئات سواء معلمين ومتعلمين ومؤطرين وإداريين وجميع الفاعلين التربويين، ضمانا لتكافؤ الفرص للجميع، بغض النظر عن الوسط الذي ينتمي إليه الفرد سواء كان قروي أو حضري، فالكل ينبغي أن تمنح له فرصة التعليم عن بعد.
ومن هذا المنطلق فإن ينبغي توفير الوسائل الإلكترونية بجميع أنواعها ؛إذ أصبحت ضرورية في العملية التعليمية التعلمية، سواء في التعليم الحضوري أو التعليم عن بعد، ولاسيما في هذا العصر الذي تميز بمجموعة من التحديات والتطورات التكنولوجيا بشكل غير سابق، على اعتبار أن الثورة التكنولوجيا أدت إلى ابتكار العديد من الأساليب التعليمية المستخدمة لتنزيل التعليم عن بعد، الشيء الذي فرض إعماله في مجال التدريس في مختلف المراحل التعليمية وخاصة الجامعية؛ إذ أصبح الاعتماد عليه كخطة بديلة في التدريس[25].
3- مساهمة الأسرة في تكوين أبنائها وبناتها لما لها من دور كبير.
تعتبر الأسرة من أبرز الأساسيات في تكوين الشخص وتربيته وتعليمه، ولاسيما عندما يتعلق الأمر بالتعليم عن بعد الذي يحتاج أيضا إلى التحضير المكتف وتزيد الطلبة والمتعلمين بجميع المواد والواجبات والمهمات التي يجب القيام بها، وهذا يتطلب من الأسر بذل مجهود كبير لمساعداتهم أبنائهم من الناحية الفنية والمنهجية والتعلمية، على اعتبار أن بعض المتعلمين لا يمتلكون الخبرة اللازمة أو القليل منها في نظام التعلم عن بعد بالإضافة إلى غياب الدافعية والفاعلية وسوء التخطيط والتنظيم[26].
ومن هنا فعلى الأسرة أن توفي بجميع مسؤولياتها تجاه أبنائها وبناتها في العمل والدراسة من أجل ضمان نجاح العملية التعلمية، وتتجلى وظيفة الأسرة في القيام برعاية الأبناء ماديا ومعنويا والحرص على مراقبتهم أثناء المحاضرات وخلال وقت المؤتمرات والندوات الصوتية.
وعليه فمساهمة الأسرة في التعليم والتربية يبقى شيء أساسي في نجاح أي عملية تعلمية لأبنائهم وبناتهم، وهذا لا يعني أن يكون لجميع الأسر مؤهلات معرفية وبيداغوجية، وفنية تقنية ومهنية، بل يكفي أن تكون للأسرة رغبة في تعلم أبنائها وبناتها، والحس بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم ولو كانت أمية لا تقرأ ولا تكتب؛ إذ يكفي أن تدعم الأسر أبناءها وبناتها عن طريق الدعم العاطفي المتجلي في التشجيع والتحفيز والاهتمام الشامل بهم، وتوضيح المهام لهم بغية الوصول إلى الأهداف التي يرغبون في تحقيقها.
خاتمة:
إن اعتماد التعليم عن بعد يبقى رهينا بمدى توفر كل الإمكانات البشرية المؤهلة والمعدات والوسائط الإلكترونية الحديثة لكل الفئات المعنية، والبحث عن آليات ووسائل وطرق بيداغوجيا وديداكتيكية تواكب العملية التعليمية التعلمية في كل التحديات التي تعيشها الساحة التربوية، ومع توفر كل هذه الوسائل فإن التعليم الحضوري يبقى شيئا أساسيا لا يمكن الاستغناء عنه، لما له من دور إيجابي وهادف، ولذا تبقى عملية التعليم عن بعد في ظل بعض الإمكانيات المحدودة، عملية ذات طابع تكميلي من جهة إمكانية التعليم الحضوري، وذات طابع أساسي وضروري من جهة عدم إمكانية التعليم الحضوري في بعض الظروف القاهرة التي تحول دون القيام به في وقت من الأوقات، ورغم ذلك فيبقى السؤال المطروح حول مدى فعالية تنزيله على مختلف الفئات والمراحل التعليمية، فهل يمكن أن يحقق ما يحققه التعليم الحضوري من تحقيق الأهداف والغايات والكفايات سواء المعرفية والمهارية والوجدانية والتواصلية وغيرها من الكفايات والمهارات المتوخى تحقيقها من المنهاج التربوي العام والبرامج والمناهج الدراسة ومقاصد المواد بشكل خاص.
قائمة المصادر والمراجع:
- إدريس الخفاجي، محمد السامرائي الاتجاهات الحديثة في طرق التدريس، منشورات دار دجلة، الطبعة الأولى 2014.
- رحيمة عيساني، العولمة وحوار الحضارات والثقافات/ مجلة عالم التربية،.
- أفنان نظير دروزة، وقع التعلم المفتوح، مجلة اتحاد الجامعات العربية، الأردن عمان، 38/ 2001.
- التعليم المغربي عن بعد في زمن كورونا بين رهان نجاح التجربة وإكراهات التنزيل www.noonpresse.com
- العربي سليماني، المعين في التربية المطبعة الورقية الداوديات – مراكش، ط 8 سنة 2015.
- طارق عبد الرؤوف عامر، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع.
- عايد الشرهان، التعليم المفتوح والتعليم عن بعد في الوطن العربي نحو التطوير والإبداع ،الكويت.
- محمد عبد القادر العمري ،وسائل وتقنيات التعليم في عملية التعليم والتعلم جامعة اليرموك.
- دليل لصانعي ،التعليم عن بعد، مفهومه أدواته، وإستراتيجياته، السياسات في التعليم الأكاديمي والمهني والتقني، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، اليونيسكو 2020.
- محمد حمداوي النداء التربوي، مجلة تربوية عدد 13، السنة السابعة 2004.
- زيد القيق- آلاء الهدمي”الصعوبات التي وجهت معلمي المدارس في التعليم عن بعد أثناء جائحة كرونا” المجلة العربية للنشر العلمي العدد29 تاريخ الإصدار 2آذار 2021.
- القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في المادة 33.
- م.م جان سيريل فضل الله، واقع وآفاق التعليم عن بعد وأثره في التعليم في العراق، مركز بحوث السوق وحماية المستهلك/ جامعة بغداد، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعية، العدد الثالث والعشرون.
- مايكل فيشر، استراتيجيات التعلم الرقمي ، ترجمة: محمد بلال الجيوسي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 2016 .
- وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الإطار المرجعي للنمط التربوي القائم على التناوب بين التعليم الحضوري والتعلم الذاتي، يوليوز 2020، المغرب.
[1] سورة العلق، الآية 1-5.
[2] سورة المجادلة، الآية 11.
[3] رحيمة عيسان العولمة وحوار الحضارات والثقافات/ مجلة عالم التربية، ص 496 .
[4] وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، الإطار المرجعي للنمط التربوي القائم على التناوب بين التعليم الحضوري والتعلم الذاتي، يوليوز 2020م. ص4-6.
[5] أفنان نظير دروزة مجلة اتحاد الجامعات العربية، الأردن عمان، 38/ 2001م .120/ وقع التعلم المفتوح.
[6] عايد الشرهان التعليم المفتوح والتعليم عن بعد في الوطن العربي: نحو التطوير والإبداع، دولة الكويت ص 2.
[7] محمد عبد القادر العمري وسائل وتقنيات التعليم في عملية التعليم والتعلم جامعة اليرموك، ص 52.
[8] محمد عبد القادر العمري وسائل وتقنيات التعليم في عملية التعليم والتعلم جامعة اليرموك، ص 50.
[9] دليل لصانعي التعليم عن بعد، مفهومه أدواته، واستراتيجياته، السياسات في التعليم الأكاديمي والمهني والتقني، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، اليونيسكو 2020 ص 14 .
[10] م.م جان سيريل فضل الله، واقع وآفاق التعليم عن بعد وأثره في التعليم في العراق، مركز بحوث السوق وحماية المستهلك/ جامعة بغداد، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعية، العدد الثالث والعشرون، ص 8-10.
[11] طارق عبد الرؤوف عامر، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، ص 13 .
[12] طارق عبد الرؤوف عامر، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، ص 13 .
[13] إدريس الخفاجي، محمد السامرائي، الاتجاهات الحديثة في طرق التدريس ، منشورات دار دجلة، الطبعة الأولى، 2014، ص 99- 100.
[14] إدريس الخفاجي، محمد السامرائي، الاتجاهات الحديثة في طرق التدريس، منشورات دار دجلة، الطبعة الأولى، 2014، ص 103.
[15] طارق عبد الرؤوف عامر، التعليم عن بعد والتعليم المفتوح، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، ص4 .
[16] محمد عبد القادر العمري، وسائل وتقنيات التعليم في عملية التعليم والتعلم، جامعة اليرموك، ص 50.
[17] م.م جان سيريل فضل الله واقع وآفاق التعليم عن بعد وأثره في التعليم في العراق، مركز بحوث السوق وحماية المستهلك/ جامعة بغداد، مجلة كلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعية، العدد الثالث والعشرون، ص14.
[18] مايكل فيشر، استراتيجيات التعلم الرقمي، ترجمة: محمد بلال الجيوسي، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 2016 ، ص 12.
[19] التعليم المغربي عن بعد في زمن كورونا بين رهان نجاح التجربة وإكراهات التنزيل: بتصرف www.noonpresse.com
[20] محمد حمداوي النداء التربوي، مجلة تربوية عدد 13، السنة السابعة 2004، ص 15.
[21] العربي اسليماني، المعين في التربية المطبعة الورقية الداوديات- مراكش، ط 8 سنة 2015 ، ص 308.
[22] زيد القيق- آلاء الهدمي” الصعوبات التي وجهت معلمي المدارس في التعليم عن بعد أثناء جائحة كرونا” المجلة العربية للنشر العلمي العدد 29 تاريخ الإصدار 2آذار 2021، ص 350.
[23] التعليم المغربي عن بعد في زمن كورونا بين رهان نجاح التجربة وإكراهات التنزيلwww.noonpresse.com ›.
[24] القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في المادة 33.
[25] رحيمة عيساني العولمة وحوار الحضارات والثقافات/ مجلة عالم التربية، ص 496.
[26] زيد القيق- آلاء الهدمي: “الصعوبات التي وجهت معلمي المدارس في التعليم عن بعد أثناء جائحة كرونا” المجلة العربية للنشر العلمي العدد29 تاريخ الإصدار 2 آذار 2021، ص 350.