تأثيرات الصراعات الداخلية الاثيوبية وأزمة سد النهضة على مصر والسودان
( قراءة في واقع التنمية واتجاهاتها 2020-2021)
The Effects of the Internal Ethiopian Conflicts and the Renaissance Dam Crisis on Egypt and Sudan
(Reading in the reality of development and its trends 2020-2022)
أ.د. أحمد عبد الدايم محمد حسين (كلية الدراسات الافريقية العليا – جامعة القاهرة )
Prof. Ahmed Abd El Dayem Mohammed Hussein (Faculty of African Postgraduate Studies – Cairo University)
ورقة منشورة في كتاب أعمال الملتقى تداعيات الأزمات الدولية الراهنة على الوطن العربي الصفحة 13.
Abstract:
The idea of the research revolves around a fundamental point, which is the impact of the Tigray war and the Ethiopian Renaissance Dam crisis on Egypt and Sudan, and how an internal conflict in a country can extend its impact to neighboring countries, and the extent to which a country can employ its internal conflicts to freeze the Renaissance Dam negotiations, and thus disrupt access to Legal and binding agreement. The problem of the research is represented in a questionnaire about the nature of the impact of the Tigray war on the suspension of the Renaissance Dam negotiations and on the development trends in Egypt and Sudan. Testing the hypothesis that what is happening in the conflict in Ethiopia is related to the negotiations of the Renaissance Dam, or at least serves the Ethiopian goals in disrupting the negotiation and not reaching a legal and binding agreement. The directions of development work in Egypt and Sudan are related to all these matters, and in some areas, they are a direct result of them. In this context, the paper can be divided into four main Axes: The First Axis – the reality of the internal Ethiopian conflict and its parties and the problem of the Renaissance Dam 2020-2022. The Second Axis – the Effects of the Ethiopian Conflict and the freezing of negotiations on the reality of development in Egypt. The Third Axis – the Effects of the Ethiopian conflict and the freezing of negotiations on development work in Sudan. The Fourth Axis – the future of the Ethiopian conflict and the Renaissance Dam negotiations.
Keywords: Tigray war – Egypt – Sudan – Ethiopia – Renaissance Dam – Development
الملخص:
تدور فكرة البحث حول نقطة جوهرية وهى تأثير حرب تجراي وازمة سد النهضة الإثيوبي على مصر والسودان، وكيف يمكن لصراع داخلي في دولة أن يمتد أثره لدول مجاورة، ومدى امكانية ان تقوم دولة بتوظيف صراعاتها الداخلية فى تجميد مفاوضات سد النهضة، وبالتالي تعطيل الوصول الى اتفاق قانونى وملزم. وتتمثل اشكالية البحث فى استبيان طبيعة تأثير حرب تجراي على توقف مفاوضات سد النهضة وفى اتجاهات التنمية في مصر والسودان. مختبرة فرضية مؤداها أن ما يحدث من صراع فى اثيوبيا هو مرتبط بمفاوضات سد النهضة، او على الاقل يخدم على الاهداف الاثيوبية فى تعطيل التفاوض وعدم الوصول الى اتفاق قانوني وملزم. وان توجهات اعمال التنمية في مصر والسودان مرتبطة بكل تلك الامور، وفى بعض المجالات تعد نتيجة مباشرة لها. وفى هذا الإطار يمكن تقسيم الورقة إلى أربعة محاور رئيسية: المحور الأول- واقع الصراع الداخلي الأثيوبي وأطرافه ومشكلة سد النهضة2020-2021.المحور الثاني –تأثيرات الصراع الإثيوبي وتجميد المفاوضات على واقع التنمية في مصر. المحور الثالث- تأثيرات الصراع الإثيوبي وتجميد المفاوضات على اعمال التنمية في السودان. المحور الرابع- مستقبل الصراع الأثيوبي ومفاوضات سد النهضة.
الكلمات المفتاحية: حرب تجراي- مصر- السودان- اثيوبيا- سد النهضة-التنمية
المقدمة:
بدأت عملية الصراع الداخلي في إثيوبيا سياسيا في البداية بين حكومة ابى احمد وجبهة تحرير تجراي، لكنها انتهت الى حرب داخلية مستعرة في نوفمبر 2020. ومنذ ذلك الحين وحتى أواخر يناير 2022 وهى سجال بين الطرفين، تارة تذهب الكفة لجبهة تحرير تجراي وتحالفاتها، فيقتربون من حصار اديس ابابا نفسها كما حدث فى نوفمبر 2021، وتارة تعود الكفة للحكومة الاثيوبية، فتتراجع الجبهة الى مناطقها في اقليم تجراي كما حدث في ديسمبر 2021 الى ان تنتهى بانتهاء القتال بينهما في اواخر يناير 2022. وفى كل مراحلها يتم ربطها بتجميد مفاوضات سد النهضة، والتي أصبحت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بين الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا. ومن هذا المنطلق تحاول الورقة أن تستكشف طبيعة هذا الصراع الذى كانت له نتائجه السيئة على خطط التنمية الجارية فى مصر والسودان. فالحرب الداخلية الإثيوبية أوقفت كل مخططات التنمية داخل اثيوبيا نفسها، واثرت على شعوبها المحلية، ما بين قتيل ومشرد ونازح، كما أثرت على جوارها الإقليمي في كل من مصر والسودان. فلا تفاوض حول سد النهضة بين مصر والسودان من جهة، واثيوبيا من جهة أخرى، ولا إيقاف لعمليات النزوح الجماعي التي تجتاح السودان من كافة الجهات. وبالتالي انفقت مصر على تبطين الترع وتحلية المياه مليارات الجنيهات تجنبا لتأثيرات السد، وفيما يتعلق بالسودان فقد تأثر بأعداد اللاجئين الكبيرة في شرق السودان، وصاحبها تأثير الملء الأول والثاني والثالث خلال الفترة من 2020-2021.
وفيما يتعلق بالدراسات السابقة فغالبية ما كتب عن هذه الصراعات الداخلية كان عبارة عن مقالات صحفية سواء باللغة العربية او الانجليزية، لكن تأتى دراسة المركز الديمقراطي العربي حول أثر الصراع الداخلي الإثيوبي بين السلطة المركزية وجبهة تحرير التجراي على الاستقرار السياسي الإثيوبي، لتغطى الشق الداخلي للحرب حتى سنة 2021، دون ان تهتم برصد التأثيرات على اعمال التنمية فى اثيوبيا نفسها، او مصر والسودان. وتتمثل اشكالية البحث فى استبيان طبيعة تأثير حرب تجراي على توقف مفاوضات سد النهضة وفى اتجاهات التنمية فى مصر والسودان. مختبرة فرضية مؤداها أن ما يحدث من صراع في اثيوبيا هو مرتبط بمفاوضات سد النهضة، او على الاقل يخدم على الاهداف الاثيوبية فى تعطيل التفاوض وعدم الوصول الى اتفاق قانوني وملزم. وان توجهات اعمال التنمية في مصر والسودان مرتبطة بكل تلك الامور، وفى بعض المجالات تعد نتيجة مباشرة لها. هذا، وقد استخدم الباحث المنهج السلوكي والتاريخي وتحليل النظم فى قراءة المراحل الانتقالية التي تمر بها الدول الثلاث، للتعرف على ابرز التحديات التى تواجهها، وقراءة الظاهرة السياسية وتفاعلاتها مع البيئة المحيطة. وفى هذا السياق تهدف الورقة لأمرين: أولهما، التعرف على طبيعة الصراع الداخلي الإثيوبي وتأثيرات تجميد مفاوضات سد النهضة على مصر والسودان. ثانيهما، رصد النتائج الواقعة والمحتملة على عمليات التنمية فى كل من مصر والسودان. وفى هذا الإطار يمكن تقسيم الورقة إلى أربعة محاور رئيسية:
المحور الأول– واقع الصراع الداخلي الإثيوبي وأطرافه ومشكلة سد النهضة2020-2021.
المحور الثاني –تأثيرات الصراع الإثيوبي وتجميد المفاوضات على واقع التنمية فى مصر.
المحور الثالث– تأثيرات الصراع الإثيوبي وتجميد المفاوضات على اعمال التنمية فى السودان.
المحور الرابع- مستقبل الصراع الأثيوبي ومفاوضات سد النهضة.
المحور الأول- واقع الصراع الداخلي الأثيوبي وأطرافه ومشكلة سد النهضة 2020-2021:-
يستهدف هذا المحور بالأساس قراءة الصراع الإثيوبي الداخلي، ودور الاثنية والقبلية في إذكاء هذا الصراع وتأجيجه، ورصد العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في هذا الصراع وتأثيرها على الاستقرار السياسي والاجتماعي في إثيوبيا. وما اذا كانت طبيعة الصراع قد خلقت تغييرا فى النخبة السياسية التي قادت اثيوبيا فى الماضي واختلافها عن الحاضر، خاصة وأن أيدى هذه النخبة موجودة فى هذا الصراع. وهل يرتبط الصراع الداخلي بالإصلاحات السياسية التي أجراها ابى احمد ورؤيته الجديدة للتحول الديمقراطي فقط؟ أم أن التنمية التي حققتها اثيوبيا طيلة عقود ثلاث من حكم الجبهة الثورية قد غطت على الصراع الظاهر فوق السطح، وأن نيران الحرب كانت تشتعل خلف الرماد. فمن نواح عدة وصلت اثيوبيا لأن تكون أحد الاقتصادات الأسرع نموًا في إفريقيا. وأن هناك مأساة حدثت حينما تراجعت إلى الأنماط القديمة. وأبرمت الحكومة اتفاقية مبدئية مع برنامج الغذاء العالمي للسماح بالمساعدات الإنسانية. ومع ان هذا الأمر كان بداية جيدة، لكن مع عدم متابعة الحكومة وإبطائها، وفى ظل وجود عوائق بيروقراطية كثيرة، تراجعت هذه الخطوة. بل كانت هناك حاجة إلى مزيد من الجهود لحل الأسئلة الأعمق التي يطرحها دستور إثيوبيا الفيدرالي العرقي. فقد كان حلفاء آبي أحمد يرون أن وثيقة عام 1995 هي “الخطيئة الأصلية”. ومع ذلك، فإن الكثيرين في إثيوبيا حرصوا تحت دافع الاستقلال الإقليمي، وحفاظا على هوياتهم القومية المنفصلة، لأن يعترفوا بأن الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي قد أشرفت على دولة بوليسية ما يقرب من 30 عامًا ، لكنها مع ذلك أحدثت تطورًا سريعًا. ورغم أن قادتها غضبوا من فقدانهم السلطة، لكنهم رأوا بأن مشاكل إثيوبيا كانت تتعمق أكثر بدون حوار وطني أوسع، وأن التوترات التي اندلعت في تجراي ستندلع في أماكن آخري([1]). بل إن احتجاجات الأورومو التي اندلعت في عام 2015 ضد الحكومة، كانت بسبب نزاع بين مواطنين غالبيتهم من عرقية أورومو والحكومة، حول ملكية بعض الأراضي، فاتسعت رقعة المظاهرات لتشمل المطالبة بالحقوق السياسية وحقوق الإنسان، وأدت لمقتل المئات واعتقال الآلاف. وأجبرت المظاهرات الائتلاف الحاكم في نهاية المطاف على استبدال رئيس الوزراء هايلي مريام ديسالين بأبي أحمد، الذي ينتمي إلى عرقية الأورومو، في أبريل من عام 2018. وكان جيش تحرير أورومو لسنوات عديدة هو الجناح المسلح لجبهة تحرير أورومو، لكنه انفصل عنها فى نفس التاريخ السابق، رافضا اتفاقية السلام التي أبرمتها جبهة تحرير أورومو مع الحكومة الإثيوبية الفيدرالية([2]). وحين تولى أبي احمد منصبه بعد مظاهرات ضخمة ضد حكمها القمعي، تراجعت بعدها التظاهرات، الى أن قامت جبهة تحرير تيجراي بالتمرد على القوات الحكومية عام 2020 بعد خلاف كبير مع أبي أحمد بشأن إصلاحاته([3]).
وقد أشعلت 3 قرارات نيران الغضب لدى جبهة تحرير شعب تيجراي، وهي تقارب أبي مع إريتريا عدوهم اللدود، وتشكيل حزب جديد ليحل محل ائتلاف يقوم على أساس عرقي، وتأجيل الانتخابات العامة. ومن جانبها، قالت الحكومة بأن قوات تيجراي هي التي أشعلت فتيل الصراع عندما هاجمت قوات اتحادية متمركزة في الإقليم. كما قام أبي أحمد بخطوات سريعة لدفع السياسة الاثيوبية في اتجاه أكثر ليبرالية، وحلّ تحالف الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الأثيوبية، وأنشأ حزبا جديداً سماه حزب الازدهار. وتجاوزت جبهة تحرير شعب التيجراي الخط الأحمر عندما أجرت انتخابات إقليمية في سبتمبر2020. ولم تأذن الحكومة الفيدرالية بهذه الانتخابات ولم يكن حزب الازدهار قادراً على خوض المنافسة فيها. في حين رأت الجبهة بأنه كان من المقرر إجراء الانتخابات الوطنية في وقت سابق من العام، وأنها أجلت مراراً وتكراراً، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى وباء كوفيد 19، وأن ولاية الحكومة قد انتهت دون موعد محدد لإجراء الاقتراع. وبأن حكومتهم هي الحكومة الإقليمية الوحيدة التي حظيت حينها بتفويض من الناخبين([4]).
وظلت الجبهة قوة مؤثرة في السياسة الإثيوبية حتى عام 2019 عندما شكل أبي أحمد، ائتلافاً جديداً رفضت جبهة تحرير تيجراي أن تكون جزءا منه. وظلت المجموعة في السلطة في تيجراي حتى سبتمبر2020. حينما تحدت حكومة أبي أحمد بإجراء انتخابات على الرغم من تأجيل الانتخابات على الصعيد الإثيوبي ككل بسبب وباء فيروس كورونا. وبعد شهرين من ذلك شنت قوات الجبهة هجوماً على قاعدة محلية للجيش الإثيوبي. وردا على ذلك شنت الحكومة الفيدرالية هجوماً عسكرياً كبيراً على تيجراي. فبعد عقود من الاستقرار النسبي اندلع القتال في نوفمبر 2020 بين قوات من حكومة إقليم تيجراي والحكومة الفيدرالية ([5]). حيث شنت أديس أبابا حملة عسكرية في 4 نوفمبر 2020 ضد الجبهة ، كرد على هجماتها على القوات الحكومية الفيدرالية في ميكيل عاصمة تيجراى، حيث أطلق أبي أحمد عملية “لإنفاذ القانون” تضمنت ضربات جوية وبرية. وبينما أعلنت الحكومة بعدها انتهاء الحرب، كشف الصراع عن صدوع عرقية، مع استمرار ورود أنباء عن وقوع هجمات في أجزاء اخرى من إثيوبيا، وصاحبها توجه عشرات الآلاف من اللاجئين عبر الحدود إلى السودان وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية من قبل المانحين الدوليين، بسبب نوبات العنف التي كانت تعوقها([6]). ومع أن تصرفات جبهة تجراي كانت تقول بارتفاع مستوى الإحباط بينهم ولم يعد لديهم القوة والقدرة والوقت لتكثيف الحروب في المنطقة، وانه لم يتبق أمام المجلس العسكري في تجراي سوى وقت قصير للغاية ليتم أسره”([7])، وأنه بعد ثلاثة أشهر من بدء القوات الإثيوبية قتال الجبهة، إلا أن منطقة تجراي أصبحت مع مقاومتها للضربات الحكومية في وضع يائس. حيث نزح مئات الآلاف من الناس إلى خارج اثيوبيا، وواجه الكثيرون المجاعة، وأصبح الطعام شحيحًا ويستغل في تجنيد الناس للحرب ([8]).
ولتبيان أطراف الصراع ومشاكلهم واسبابها، سنجد أن منطقة تيجراي نفسها ليست جديدة في مسالة الصراعات، كونها موطن 7 ملايين شخص من أصل 122 مليون نسمة عدد سكان إثيوبيا. وأبناء تيجراي هم ثالث أكبر مجموعة عرقية في البلاد بعد الأورومو والأمهرة. حيث تنقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات إقليمية على أسس عرقية، تتمتع كل واحدة منها بالحكم الذاتي إلى حد كبير، ولكن مع وجود مؤسسات مركزية داخل كل اقليم. حيث تتمتع ولايات إثيوبيا بالحق في تقرير مصيرها. وكان السبب وراء هذه الروح الإقليمية هو إيجاد ضمانات في العملية الديمقراطية، ففي حال انهيار الديمقراطية في حكومة المركز، يُمكن للإقليم أن يختار الطريق الذي يناسبه. ولم يطالب بذلك سكان تيجراي فحسب، بل قادة الجماعات الأخرى المهمشة تاريخياً أيضاً، بما فيها الأورومو، وهي أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا. وإذا كان العديد من الأورومو والجماعات العرقية الأخرى في جنوب إثيوبيا قد استاؤوا من الهيمنة السياسية لجبهة تحرير شعب تيجراي، لكنهم كانوا جميعاً يعتزون بقوانين الحكم الذاتي في الدستور. وبصفة عامة، كان وراء النزاع السياسي صراعات ومنافسات قائمة منذ زمن، بين أكثر من 80 مجموعة عرقية في إثيوبيا. ويرى كثير من زعماء المناطق في إصلاحات أبي احمد الديمقراطية فرصة للاستحواذ على نصيب أكبر من السلطة لصالح جماعاتهم ([9]).
وظهرت ملامح الصراع الداخلي الإثيوبي واضحة فى تغطية فاينانشيال تايمز للصراع في إثيوبيا فى 9 نوفمبر 2020، فقد عبرت افتتاحيتها بأن إثيوبيا تخاطر بأن تصبح يوغوسلافيا جديدة. وقالت في 1 ديسمبر بأن الحكومة الإثيوبية فقدت السيطرة على قواتها المسلحة بنسبة كبيرة([10]). فقد حدث قتل وتذبيح فى شمال أمهرة، بل ترِك آخرون في العراء، واستمرت أسبوعا بين جبهة تيجراي والقوات الحكومية المدعومة من قبل قوات الأمهرة شبه العسكرية. تلك المعركة التى قاتل فيها مقاتلو التيجراى من داخل منازل الأهالي، وتم قصفهم من قبل الجيش الإثيوبي من سفوح احدى الجبال القريبة. وبرر قادة التيجراى ذلك، بأنهم فعلوا ما فعلوا لإجبار أبي أحمد على الجلوس على طاولة المفاوضات. لكن البعض تحدث عن الانتقام، حيث تسببت الحرب في دمار في تيجراي. ونُهبت المدن، واصبحت المنطقة تحت الحصار والجوع([11]). ومع أن الاتحاد الأفريقي تدخل برعاية جمهورية جنوب افريقيا رئيس الاتحاد الأفريقي عام 2020، محاولًا حل الازمة([12])، إلا أنها استمرت مشتعلة حتى بداية عام 2022.
وتهدد التحالف بين الجماعتين، الأمهرة والتيجراى، بتعميق الصراع الدائر في شمال إثيوبيا والذي أجبر مليوني شخص على النزوح من ديارهم، وترك أكثر من 5 ملايين شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية([13]). وقامت جبهة تيجراي بعمل محاولات للوصول إلى الحدود مع جيبوتي، كونها تعرف بأن إثيوبيا غير ساحلية، وميناء جيبوتي هو شريان الحياة الاقتصادية لها، وأنها إذا ما سيطرت على الطريق المؤدي إلى الحدود، لأصيب الاقتصاد الإثيوبي بالركود، وتوقف وصول البضائع إلى أديس أبابا، ولكانت فرصة سقوط العاصمة بيد الجبهة أكبر([14]). ولهذا حذر الصليب الأحمر الإثيوبي من أن 80% من منطقة تيجراي والمصابة بالنزاع منكوبة ومعزولة تمامًا عن المساعدات الإنسانية. وقدر الصليب الأحمر أن حوالي 3.8 مليون من حوالي ستة ملايين شخص هناك، بحاجة ماسة إلى المساعدة، في حين لا تحتوي المستشفيات في تيجراي على أي أدوية ولا يملك الأطباء حتى طعامًا لأنفسهم. وان الناس في تيجراي كانوا بحاجة إلى المواد الغذائية وغير الغذائية والمياه والصرف الصحي والإمدادات الطبية والعيادات المتنقلة. وقدموا دعوة لجميع الأطراف المعنية لمنحهم وصولاً آمنًا وبدون عوائق لتلك المناطق، وأن يحترموا فرقهم وأطباءهم ومرافقهم وعمالهم الصحيين ([15]).
وراح مقاتلوا التيجراي في شمال يقاتلون ضد القوات الموالية للحكومة في منطقة عفر المجاورة إثيوبيا فى نهاية الثلث الثاني من يناير 2021. حيث تمكنوا من فتح جبهة جديدة في الحرب بعد ثمانية أشهر من الصراع. بهدف طرد القوات المتحالفة مع الحكومة من المناطق الأخرى التي تقاتل بجانب القوات الفيدرالية الإثيوبية. فتوسع الصراع خارج حدود تيجراي مما زاد من مخاوف التصعيد والحرب الطويلة. حيث أدت موجات العنف في جميع أنحاء البلاد والقتال في تيجراي والدعوات إلى الاستقلال بشمال إثيوبيا إلى تفاقم المخاوف من أن الحرب يمكن أن تمزق الدولة التي يبلغ عدد سكانها 114 مليون نسمة، وبأنها ستصبح كيوغوسلافيا السابقة. فقد سيطر مقاتلوا التيجراى على أجزاء من عفر، وأجبرت الهجمات أكثر من 54 ألف شخص على ترك منازلهم، لكن لم تنجح جبهة تيجراى في إيقاف خط السكة الحديد والطريق من جيبوتي إلى إثيوبيا ([16]).
وكانت القوى الخارجية مهتمة بهذا الصراع بشكل كبير، ففي 22 أكتوبر 2021 وبعد جلسة استماع لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي بشأن قرار مجلس النواب رقم 445، أصدر المجلس المدني الإثيوبي الأمريكي بيانا فشلوا فيه في تحميل جبهة تحرير تيجراي المسؤولية الكاملة. ورفض الضغط والسماح بتدفق المساعدة الإنسانية، ورفض اعتبارها جماعة إرهابية لم تقبل وقف إطلاق النار من جانب الحكومة. والأكثر من ذلك، واصلت القتال الذي امتد إلى منطقة عفر ومنطقة أمهرة([17]). بل وقع الأفارقة حول العالم على رسالة مفتوحة تطالب الاتحاد الأفريقي بالتوسط في الحرب في إثيوبيا. واتفق المحللون على ضرورة التدخل لإنهاء إراقة الدماء ومنع حدوث أزمة لاجئين كبيرة، وإنهاء الصراع في منطقة تيجراي الإثيوبية. وأن عدم القدرة على منع هذا الصراع هو فشل لأفريقيا ككل، نتيجة أزمة اللاجئين التي لم يشهدها العالم من قبل. وفى هذا السياق سحبت أديس أبابا القوات التي كانت تساعد في محاربة منظمة الشباب في الصومال. محذرًين من أن التفكك المحتمل لإثيوبيا سيعني أن العالم سيشهد أزمة لاجئين لا مثيل لها. وأن الصراع امتد بالفعل إلى السودان. لكن الغريب في الأمر أن الفصائل المتحاربة كانت غير راغبة في إنهاء الصراع. بل اتهمت جبهة تحرير تيجراي الاتحاد الأفريقي بالتحيز لأبي احمد، إذ لم يتم مساعدة الطرفين في الاعتراف بأنه لا يوجد حل عسكري لما هو في الأساس مشكلة سياسية. بل أبعدت الدول الأفريقية، بدعم من روسيا والصين من تناول القضية من قبل مجلس الأمن الدولي([18]).وأعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على الجيش والحزب الحاكم في إريتريا، وكذلك مختلف الأفراد والكيانات في الدولة الأفريقية، لدورهم في الصراع في إثيوبيا، حيث يساهمون في أعمال العنف وتقويض الاستقرار، وسلامة الدولة الإثيوبية بكارثة إنسانية. ونتيجة لذلك نددت واشنطن بأن الجيش الإرتيري يعمل في شمال إثيوبيا وسط تقارير عديدة عن نهب واعتداءات جنسية وقتل للمدنيين وحصار للمساعدات الإنسانية. حيث كانت ترى أن وجود إريتريا المزعزع للاستقرار في إثيوبيا سيطيل أمد الصراع، ويشكل عقبة كبيرة أمام وقف الأعمال العدائية ويهدد سلامة الدولة الإثيوبية([19]).
وحين أسفر القتال الدامي بين القوات الفيدرالية الإثيوبية والحكومة الإقليمية لجبهة تحرير تيجراي في 18 نوفمبر 2020 عن مقتل المئات من العسكريين والمدنيين، تصاعدت مخاوف المجتمع الدولي من أن تصاعد الصراع سيؤدى إلى حرب أهلية، وسيهدد الأمن الإقليمي في القرن الأفريقي([20]). وفي نوفمبر 2021 كشف تقرير الأمم المتحدة عن انتهاكات حقوق الإنسان في منطقة تيجراي الشمالية بإثيوبيا، وأن جميع الأطراف الداخلة فى النزاع قد ارتكبت انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب([21]). وظهر فى 23 فبراير 2022 تحقيق الأمم المتحدة، فذكر بأن الحرب قد تسببت في مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، وخلص التحقيق إلى أن جميع أطراف النزاع قد ارتكبت فظائع، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي ([22]).
وفي أحدث التطورات على الأرض فى 30 يونيو 2021 استعاد المقاتلون من أبناء تيجراي عاصمة اقليمهم ميكيلي، حيث كانت تحت سيطرة الحكومة المركزية منذ نوفمبر2020، ولهذا سادت مظاهر الفرح شوارع المدينة في أعقاب دخول المقاتلين التيجراى إليها، بما يعنى وجود قبول محلى لجبهة تحرير تيجراى. وعبرت مجموعتان من الجماعات المسلحة ضد الحكومة الإثيوبية، بأنه تم تشكيل تحالف من فصائل تسعة مناهضة للحكومة فى 14 أغسطس2021، للضغط عليها من أجل انتقال سياسي في إثيوبيا، مما زاد من الضغوط على رئيس الوزراء آبي أحمد. ومع تقدم قوات المتمردين نحو العاصمة أديس أبابا، أكدت المجموعتان، وهما جيش تحرير أورومو وحركة آجاو الديمقراطية، أن الإعلان عن هذا التحالف حقيقي، وأن اسمه الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية، ويضم جبهة تحرير تيجراي، التي تقاتل حكومة أبي منذ نوفمبر 2020، وجيش تحرير أورومو الذى أكد تحالفه مع قوات جبهة تيجراي ضد الحكومة الإثيوبية ([23]). وتصاعدت حدة الصراع الداخلي في إثيوبيا، مع اقتراب جبهة تحرير تيجراي من السيطرة على العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وإعلان حكومة آبي أحمد حالة التعبئة العامة منذ أغسطس 2021؛ الأمر الذي أنذر بإطالة أمد الصراع الإثيوبي وتعقد أكبر في الأزمة الإثيوبية، بل وهدد وحدة الدولة الإثيوبية ذاتها، وفاقم من مجمل الأوضاع الاقتصادية في إثيوبيا. بحيث باتت التكلفة الاقتصادية للحرب كبيرة جدا، وكانت لها انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد الإثيوبي([24]).
وبعد أكثر من عام من الحرب في تيجراي، وفى 10 ديسمبر 2021، أصبحت الانقسامات العرقية في إثيوبيا أعمق من أي وقت مضى، مما جعل هناك صعوبة فى إحلال السلام بها. الأمر الذى دعا رئيس الوزراء أبي أحمد ليعلن فى نوفمبر 2021 حالة الطوارئ، ودعا المواطنين إلى حمل السلاح ضد مقاتلي التيجراي وحلفائهم من جيش تحرير أورومو. مشيرين بأنه بدوافع عرقية قد تطور الأمر من النهب والتعذيب إلى المذابح والاغتصاب الجماعي التي نفذتها جميع الأطراف المشاركة في نزاع تيجراي، بما في ذلك القوات الفيدرالية الإثيوبية، وقوات الدفاع الإرتيرية، وقوات أمهرة الخاصة، ومقاتلو جبهة تحرير تيجراي. ولما كانت إثيوبيا عبارة عن اتحاد فيدرالي هش من 11 منطقة عرقية، فكان تصاعد الصراعات العرقية يثير المخاوف من أن البلاد يمكن أن تتفكك بسرعة. فقد كان مستوى الكراهية ومستوى الاستقطاب شديد للغاية، وكان الوضع عنيفا ومنقسما على أسس طائفية عرقية، لدرجة أن فكرة بقاء إثيوبيا الموحدة بدت صعبة للغاية. بل شعر الأورومو، وهم أكبر مجموعة عرقية في البلاد، وتشكل نحو 35٪ من سكان إثيوبيا ، بالإهمال من قبل أبي أحمد، لانحيازه لنخب الأمهرة، حيث فقدوا أملهم فيه، باعتباره من بنى جلدتهم. الأمر الذى جعل الرجل ينشر قواته في أوروميا لإسكات المعارضين لفكرته حول إثيوبيا الموحدة، لكن حدث إنتهاك من قبل الجنود المرسلين ضد المدنيين من الأورومو. وفي ظل هذه الخلفية، حمل الجناح العسكري لجماعة أورومو السلاح، متحالفا مع مقاتلي التيجرانيين ضد أبي أحمد وهو من بنى جلدتهم([25]).
وتقوية للجيش الحكومي الفيدرالي المهزوم، ظهر أبي أحمد في مقاطع مصورة فى 16 ديسمبر 2021، وهو يرتدي الزي العسكري، ويسير عبر التضاريس الوعرة والجبلية، ويراقب الأفق بمنظار ويخاطب الجنود تحت ظلال الأشجار، رفعا للروح المعنوية لجنوده وترويجا سياسيا للرجل. وفى ظل هذا الحشد الكبير منيت جبهة تحرير تيجراي بانتكاسات ضخمة وكبيرة. مع أن مقاتليها كانوا يتواجدون قبل هذا التاريخ حول بلدة ديبري بيرهان، على بعد حوالي 130 كيلومترا، من العاصمة أديس أبابا ، قبل أن يجبروا على التراجع لمسافة 400 كيلومتر إلى ويلديا. وهذا يعني أن المتمردين فقدوا بلدات رئيسية على الطريق السريع A2 الذي يربط معقلهم في تيجراي بمقر الحكومة الفيدرالية ([26]).خاصة وأن اتجاه الوضع الأثيوبي كان نحو التصعيد ويجرى على مرمى ومسمع من المجتمع الدولي، وكانت له انعكاساته على التعبئة العامة والأجواء الداخلية بين القوميات، وانهيار الاقتصاد وإغلاق أبواب البعثات الدبلوماسية في الخارج، حيث اقتصر دور هذه البعثات على شخص السفير في أغلب السفارات، الأمر الذى جعل آبي أحمد يتهم الإعلام الداخلي والخارجي بالمؤامرة، وتزييف الحقائق ضد دولته، داعيا المواطنين الأثيوبيين بالانضمام إلى قوات الدفاع الوطني ووحدات القوات الخاصة والميليشيات بالتوجه إلى جبهة القتال ضد تيجراي([27]).وفى 22 يناير 2022 أكد مسؤول بارز في الجيش الحكومي الإثيوبي بأن اقليم تيجراي عاد جزءا من إثيوبيا، وأنه لن يوقفهم أحد عن اقتحام الإقليم، ومحو الأعداء”، داعيا المواطنين الإثيوبيين بألا يفترضوا أن الهدوء الذي ساد جبهات القتال يعني “أن الحرب قد انتهت”([28]). وبالتالي انتهت حرب تيجراى عمليا منذ هذا التاريخ بانتصار الحكومة الفيدرالية على المتمردين وفتح باب الحوار مع جبهة تحرير تيجراى، وهو الحوار الذى لم ينتج شيئا حتى وقت الانتهاء من كتابة هذه الورقة. والنهاية بتلك الطريقة السريعة ربما تشي لنهاية متفق عليها، خصوصا قبل عقد قمة الاتحاد الأفريقي وخشية الأطراف الاثيوبية أن تفقد أديس أبابا مكانتها في ظل مطالبات بنقل مقر الاتحاد الأفريقي إلى إحدى العواصم الأفريقية الأخرى. فمن المحتمل أن الحكومة قد فتحت خطًا سريًا مع الجبهة أنهى الحرب بهذه الطريقة العجيبة والسريعة.
أما مشكلة سد النهضة فهي مشكلة بدأت عمليا منذ سنة 2011 بشروع اثيوبيا في بناء سد النهضة على النيل الأزرق. ولما كان النيل الأزرق يمد بمعظم مياه نهر النيل مما يجعله حيويًا للمياه والطاقة والأمن الغذائي في دولتي المصب، مصر والسودان. ففي عام 2011، أعلنت الحكومة الإثيوبية عن بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على بعد 40 كيلومترًا من الحدود السودانية. وأنه سيكون السد الأكبر في إفريقيا وسابع أكبر سد في العالم ، وأنه سينتج 6000 ميجاوات من الكهرباء، ويبلغ حجم الخزان 74 مليار متر مكعب([29]). وهنا تكمن الأزمة، في ارتفاع السد وحجم التخزين ودون اتفاق مسبق بين اثيوبيا ودولتي المصب. وحين حدث جدال عقدت سلسلة من المفاوضات بين الاطراف الثلاث، اثيوبيا ومصر والسودان، كان من أهمها قرار اللجنة الثلاثية باختيار مكتب فرنسي للقيام ببعض الدراسات الهيدرولوجية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية الخاصة بتأثيرات سد النهضة بناء على توصيات لجنة الخبراء الدولية لعام 2013، ولم يتمكن المكتب الفرنسي من إجرائها. وعقد بعدها اتفاق مبادئ سنة 2015 لم تلتزم به اثيوبيا حيث استكملت عملية البناء ولم تجر أي دراسات. لكن بعد فشل مفاوضات واشنطن فبراير 2020 والتصريحات الاثيوبية بإجراء التخزين الأول بدون اتفاق، أرسلت مصر عدة خطابات الى مجلس الأمن أول مايو و 19 يونيو 2020. وذلك لإحاطة المجلس علما بتطورات سد النهضة ودعوة المجتمع الدولي لحث اثيوبيا بعدم فرض سياسة الأمر الواقع وعدم اتخاذ قرار أحادي والعودة لعقد اتفاق عادل يحقق مصالح الدول الثلاث. وناقش مجلس الأمن القضية في 29 يونيو 2020 مقررا دعمه لجهود الدول الثلاث والاتحاد الأفريقي في جلسة القمة المصغرة والدعوة الى استمرار المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وكذا التزام الأطراف الثلاثة بعدم اتخاذ أي تدابير تعرقل الوصول إلى حل عادل مع وقف التصعيد من جميع الأطراف. وكذا احترام القوانين والمعاهدات الدولية والالتزام بإعلان مبادئ سنة 2015، والتحلي بالصبر والمرونة للوصول الى حل وسط. غير أن اثيوبيا، وقامت بالتخزين الأول في يوليو 2020 لتخزين 5 مليار م3 بإرادة منفردة. ولم يحرك الاتحاد الأفريقي ساكنا لا في الملء الاول ولا في الملء الثاني عندما أحيلت له القضية مرة اخرى سنة 2021. ومع اقتراب موعد الملء الثالث لسد النهضة الإثيوبي في 11 يوليو 2022، بدت جهود حل الأزمة مجمدة في ظل غياب أي رد فعل من جانب الاتحاد الأفريقي، الوسيط الرسمي الوحيد بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعدم ظهور أي بوادر لاستئناف عملية التفاوض التي كانت آخر محطاتها في أبريل 2021([30]).
المحور الثاني –تأثيرات الصراع الاثيوبى وتجميد المفاوضات على واقع التنمية فى مصر:-
لاشك أن الصراع الداخلي الإثيوبي وتجميد مفاوضات سد النهضة كانت لها انعكاساتها على واقع التنمية في مصر وتوجهاتها. فمع أن مصر كانت بعيدة عن مسالة الصراع الداخلي الإثيوبي، حتى لا تتهم بأنها المحرضة على التوترات الداخلية، إلا أنها لم تسلم من قبل اثيوبيا بكونها طرفا فى إذكاء هذا الصراع. حيث التزمت مصر الصمت الاستراتيجي مع بداية الأزمة ولم تصدر أي موقف أو قرار بشأن الصراع، سواء بدعم أحد الأطراف أو الوساطة لتهدئة الصراع. ويرجع عدم اشتراكها في الصراع أو دعم أحد الأطراف؛ نظراً لحساسية الموقف بين القاهرة وأديس أبابا بسبب أزمة سد النهضة الإثيوبي، وبالتالي فإن أي اشتراك مصري في الصراع سيُفهم منه رسائل خاطئة، في ظل ترديد سلطات أديس أبابا أن ما يحدث هو مسألة داخلية متعلقة بسيادة القانون مع جماعة متمردة، وأنهم قادرون على التعامل معهم. واقتضت المصلحة المصرية تهدئة الصراع في الداخل الإثيوبي لأن زيادة حِدة الصراع سيؤثر بالطبع على منطقة القرن الإفريقي من الناحية السياسية، وأن تهدئة الصراع سيكون في صالح مصر؛ حيث قد يؤدي زيادة تدفق اللاجئين من ناحية الشمال إلى التأثير على الأمن القومي المصري، وأن استمرار الصراع قد يخلق بيئة مواتية تستغلها الجماعات الجهادية، وهذا ما لا تريده مصر في ظل تعزيز علاقاتها مع دول القارة السمراء([31]). فضلاً عن ضرر المستثمرين الخليجيين وتعطيل مشاريعهم فى اثيوبيا، وربما يلجئون مثلما اتجه المستثمرون المصريون لرفع قضايا على الحكومة الأثيوبية لتعطيل أعمالهم وخسارتهم المالية([32]). وعلى هذا كانت مصر بعيدة عن هذا الصراع ولا تتدخل فيه، فكل ما يشغلها هو سد النهضة والاتفاق حوله ولا يعنيها أي أمور أخرى. وحسب تصريح الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ بداية صراع الحكومة مع المعارضة عام 2016، “أن مصر لا تقوم بأي عمل تآمري ضد إثيوبيا، أو تقدم أي دعم للمعارضة الإثيوبية”([33]). وظلت هذه هي السياسة المصرية على طول الخط. فتكراره للتصريح بصيغة أخرى سنة 2018 حين قال “أقول للأشقاء في السودان وإثيوبيا إن مصر لا تتآمر ولا تتدخل في شئون أحد.. ونحن حريصون على علاقتنا الطيبة ويكفي ما شهدته المنطقة خلال الأعوام الماضية”([34]). وكرر ذات الشيء سنة 2021 ([35])، بما يشى ان مصر لم تتدخل أو تدير الصراع فى اثيوبيا لحساب مصالحها.
وعلى هذا، انشغلت مصر بقضاياها التنموية الداخلية، فحققت حسب تقرير البنك الدولي إصلاحات فى الاقتصاد الكلي، مما ساعدها فى استقرار الاقتصاد في السنوات الأخيرة، واتاح لها دخول أزمة COVID-19 بحسابات مالية محسنة، ومستوى وافر نسبيًا من الاحتياطيات الأجنبية. وكذا ساعدت إصلاحات قطاع الطاقة على تعزيز كل من إمدادات الكهرباء وصادرات الغاز، وفتحت سوق الطاقة للنشاط الخاص، وحفزت الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة. وتم تسجيل نمو حقيقي بنسبة 5.65٪ في السنة المالية 2018/2019 وانخفض إلى 3.6٪ في السنة المالية 2019/2020 ونحو 3.3٪ في السنة المالية 2020/2021 (1 يوليو 2020 – 30 يونيو 2021) ([36]).وتستهدف مصر معدل نمو 5.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنة المالية 2022-2023، والارتفاع التدريجي إلى 6 في المائة في 2024-2025([37]). لكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف اثرت عملية الصراع الداخلي الاثيوبية وتجميد مفاوضات سد النهضة على أعمال التنمية في مصر. فاستمرار الوضع القائم بين الفرقاء الإثيوبيين، لا غالب ولا مغلوب، لتتجمد مفاوضات السد، بينما تتواصل أعمال البناء به، وفي كل الأحوال يظل السد ورقة سياسية بأيدي المجموعات العرقية، بوصفه مشروعًا يوِّحد الفسيفساء العرقية، ما قد يعني مزيدًا من التشدد”([38])، وكل ذلك أثر على طبيعة المفاوضات ومستقبلها.
ومع تلميح البعض بوقوف مصر خلف تأجيج النزاع الداخلي الإثيوبي، إلا أن تأكيدات أخرى، تقول بأن مصر قد تتأثر اقتصاديا من تبعات حرب أهلية في إثيوبيا. حيث اعتقد البعض بأن مصر من أكبر المستفيدين من اندلاع حرب أهلية في إثيوبيا، وألمحوا إلى دور مخابراتي فعال للقاهرة، أسهم في اشتعال الموقف في إقليم تيجراي. مع أن مشروع السدّ يكاد يكون نقطة الإجماع الوحيدة بين المكونات السياسية والعرقية الاثيوبية، وسند الشرعية الأساسي في بلد ممزق يتلمس طريقه لسدّ احتياجات مواطنيه. وبدأ مشروع السد قضية دولة تبحث عن التماسك الداخلي بقدر ما هو ضرورة للتنمية. لكن لم يكن المشروع ضمانة نهائية للتماسك الداخلي، وبالتالي لم يكن التعنت في المفاوضات مانعا لاشتعال الحرب الأهلية. حيث تعرضت السودان، جارة إثيوبيا، لموجة كبيرة من اللاجئين المدنيين والعسكريين زادت عن 20 ألف شخص في الأيام الأولى للصراع. وهو ما يعدّ إشارة أولية للاحتمالات التي سيؤثر بها نزاع تيجراي، على المنظومة العربية”، وبالتالي على مصر من جراء هؤلاء النازحين. بل إن الصراع قد يجرّ السودان لأتون هذه الحرب لطبيعته الخاصة، وحالة التدفق الراهن للاجئين الإثيوبيين، ولهذا لم يتعاف السودان من وقع كارثة السيول والفيضانات التي ضربته في خريف عام 2020، وهو بحاجة ماسة لمساعدات حقيقية من المجتمع الدولي والوقوف بجانبه للوفاء بهذه المهمة الإنسانية الجليلة لمجموعات اللاجئين المتزايدة”([39]). وبالتالي فإن دخول السودان في حرب مع اثيوبيا بسبب الصراع الإثيوبي او بسبب مشكلة الحدود في منطقة الفشقة، قد يجر مصر إلى دخول هذا الحرب وإلى هجرة المزيد من السودانيين إلى مصر. فضلًا عن ان الحالة الاقتصادية المتردية في السودان قد اضطرت الكثيرين إلى ترك بلدهم والانتقال الى مصر ريثما تستقر اوضاع السودان ويعود لحالته الطبيعية. ولعل المناورات العسكرية التي تشارك فيها الجيش المصري والسوداني([40])، يبين بأن هذه التكلفة هى من نتيجة هذا الصراع والتجميد.
وحالة الصراع وما صاحبها من تجميد لمفاوضات سد النهضة، جعل مصر تذهب بالقضية لمجلس الامن الدولي لثلاث مرات، تطالب باتفاقية ملزمة قانونًا بشأن تدفقات النيل الازرق، وتطالب إثيوبيا بالإفراج عن كميات معينة من المياه لتعبئة نهر النيل، خاصة في حالة حدوث جفاف ، بمجرد تشغيل السد. وتقول إثيوبيا إنها تفضل الاتفاق على مبادئ توجيهية لا تحمل مثل هذا الإكراه القانوني([41]).وعلى الرغم من أن السد يمكن أن يمنح المنطقة دفعة اقتصادية كبيرة، إلا أن المسؤولين في الدول الثلاث فشلوا في إبرام اتفاق حول كيفية تشغيله. بل إن الحكومة المصرية فكرت في قصف السد. خشية من أن يخنق السد مياه النيل الواهبة للحياة فيها. ولديها سبب وجيه للقلق، وهو أن حوالي 95٪ من المياه التي يستهلكها 105 مليون نسمة في البلاد مأخوذة من النهر. وأن السدود السابقة على نهر النيل غيرت الفيضانات وتدفق الرواسب التي تعتمد عليها الدولة في زراعة المحاصيل الغذائية ([42]).
وواقع الأمر على التنمية هو ان مخاوف كبيرة قد أثيرت بشأن تأثير هذا المشروع الضخم على دولتي المصب بسبب التغيرات المتوقعة في كمية ونوعية المياه. وتم نشر دراسات مختلفة حول التأثيرات المحتملة لهذا السد عليهما. ومع ذلك، فقد ركزت هذه الدراسات عادةً على جانب واحد من التأثير، وهو الطاقة المائية والمشاريع الزراعية واستخدام المياه([43]). وكان من الصعب تقييم التأثير الدقيق للسد على دولتى المصب فى البداية. حيث أشارت بعض الدراسات إلى أن مصر قد تفقد ما يقرب من نصف حصتها من المياه إذا ملأت إثيوبيا الخزان على مدى ثلاث سنوات([44]).
وبالنظر للمساحات المزروعة فى مصر عام 2021 سنجد أنها اقتربت من رقم قياسي غير مسبوق يقترب من الـ 11 مليون فدان بعد تكملة المشروعات القومية الكبرى التي بدأت نهاية التسعينات وهى توشكي وشرق العوينات وترعة السلام. حيث تقدر مساحتها بحوالي 1.3 مليون فدان مع توفر احتياجاتها المائية من نهر النيل بنسبة 80%، والباقي يعتمد على المياه الجوفية غير المتجددة في شرق العوينات. وفي السنوات الأخيرة بدأت مرحلة زراعية جديدة لزراعة 1.5 مليون فدان تعتمد على مياه النيل بنسبة 20% في توشكي وسيناء، وعلى المياه الجوفية غير المتجددة بنسبة 80% في مناطق عديدة بالصحراء الغربية مثل شرق العوينات والواحات الخارجة والداخلة والفرافرة والبحرية، والمغرة وغرب المنيا وسيناء، وهذا يعد استهلاكا للمخزون الجوفي غير المتجدد، وفى هذا السياق نصح البعض بضرورة الاستفادة من تجربة السعودية المؤلمة في سبعينات القرن العشرين في استنزاف مخزونها الجوفي بحوالي 300 مليار متر مكعب من مياه جوفية لم تعوض لإنتاج القمح بتكلفة أربعة أضعاف السعر العالمي. وحديثاً رأينا التجربة المصرية في مشروع مستقبل مصر “الدلتا الجديدة” الذى يستهدف زراعة مليون فدان فى مرحلته الأولى، معتمداً على معالجة مياه الصرف الزراعي من محطة الحمام التي يتم إنشائها مع جزء من المياه الجوفية. فتم تصدير 5.6 مليون طن منتجات زراعية عام 2021 بعائد حوالى 2.4 مليار دولار، وهذا لا يعادل كمية المياه التي تم استخدامها لزراعة هذه المحاصيل، والتي تقدر بأكثر من 6 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى تكاليف التقاوي والأسمدة والمبيدات والعمالة والشحن. ومن ثم فإن محاولة الدولة ايجاد بدائل لسد النهضة وتأثيراته، ومحاولتها سد الفجوة الغذائية عن طريق التوسع الزراعي الرأسي والأفقي، وتقليل استيراد المحاصيل الرئيسية مثل القمح، ولكن ليس بالضرورة أن نكتفى ذاتياً بكل احتياجاتنا الغذائية، فالأهم هو أن يكون لديها الدخل الكافي عن طريق تنمية الصادرات المصرية خاصة الصناعية، وتطوير الخريطة الزراعية وصادراتها وتحويلها إلى منتجات زراعية مصنعة للاستفادة من القيمة المضافة. خاصة، وأن تصدير الخامات الزراعية يعد خسارة مائية كبيرة وعائد محدود، كون غالبيتها محاصيل رخيصة مثل الموالح والبطاطس وبنجر العلف. وكان فى إمكانها التركيز على السلع التي تستطيع إنتاجها بكفاءة عالية وعائد كبير، وتشتري من الدول الأخرى السلع الرخيصة التي تحتاجها على أساس مقارنة الميزة النسبية([45]). وبالتالي فإن تكلفة سد النهضة للمحافظة على التنمية المصرية كبيرة ومرتفعة.
وإذا دخلنا مباشرة إلى أضرار التخزين لوجدنا بأنها متعددة ومكلفة أيضًا، وأن هناك فرق كبير بين وجود أضرار تعمل الدولة على عدم وصولها إلى المواطن المصري، وعدم وجود أضرار على الاطلاق. حيث تقوم الدولة على ترشيد الاستهلاك، وانفاق عشرات المليارات من الجنيهات على مشروعات تطوير الري والزراعة، وإعادة استخدام المياه، وتبطين الترع وغيرها، حتى تحافظ على احتياطي مائي جيد فى السد العالي يضمن الأمن المائي للمواطنين، وهو ما جعلها تنفق المليارات من الجنيهات. وفى هذا السياق تنقسم أضرار التخزين المائي في اثيوبيا إلى عدة اضرار طبقا لاحد الخبراء: أولها، أضرار مائية واقتصادية، فأي كمية مياه تخزن في سد النهضة قليلة أو كبيرة، عام 2022 أو الأعوام القادمة هي مياه مصرية-سودانية، وهى الخسارة الأولى المباشرة، والتي لو استغلت في الزراعة لجاءت بعائد اقتصادي قدره مليار دولار لكل مليار متر مكعب. مضيفا اليها تحديد مساحة الأرز بحوالي 1.1 مليون فدان، ومصر بحاجة لزيادة المساحة، والتكاليف الباهظة بعشرات المليارات من الجنيهات فى إنشاء محطات معالجة المياه لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، وتبطين الترع، وتطوير الري الحقلي، والتوسع في الصوب الزراعية وغيرها. ثانيها، أضرار سياسية. حيث تتمثل فى استمرار اثيوبيا لفرض سياسة الأمر الواقع باتخاذ قرارات أحادية وخرقها للمرة الرابعة للاتفاقيات الموقعة بين مصر واثيوبيا، اتفاقيات 1891، 1902، 1906، 1925، 1993، والأعراف الدولية، واعلان مبادئ سد النهضة 2015، وتوصيات القمم المصغرة للاتحاد الأفريقي، وأخيراً الاعلان الرئاسي لمجلس الأمن سبتمبر 2021، بعد التخزين الأول (1-21 يوليو 2020) والثاني (4-18 يوليو 2021) وتشغيل التوربين رقم 10 فى 20 فبراير 2022، وقد تستمر بنفس الأسلوب عند إنشاء سدود أخرى، وأيضا مزيد من التوتر في العلاقات بين السودان ومصر من جهة، واثيوبيا من جهة أخرى. وقد تشجع الطريقة الاثيوبية دول منابع النيل الأخرى في اتباع نفس الاسلوب عند انشاء سدود على روافد نهر النيل. حرج المسئولين في مصر والسودان أمام شعبيهما([46]).
ثالثها، أضرار اجتماعية، فتعدد التخزين أو التشغيل دون اتفاق يؤدى إلى غضب المواطن المصري من التصرفات الاثيوبية الاحادية ويزيد الاحتقان بين الشعبين، خاصة بمضي اثيوبيا فى سياسة فرض الأمر الواقع. رابعها، أضرار بيئية، فزيادة الفاقد من البخر مع اتساع سطح البحيرة، وكذلك التسرب فى الصخور المحيطة لخزان السد من خلال التشققات والفراغات، وزيادة الحمل الناتج من وزن السدين، الرئيسي والمكمل (أجمالي 75 مليون طن) والمياه والطمي على الأرض المتشققة، مما يزيد من استعدادها لحدوث الزلازل بجانب نشاط الاخدود الإفريقي العظيم الذى يعتبر أكبر فالق على يابس الكرة الأرضية، ويشكل أنشط المناطق الزلزالية والبركانية فى أفريقيا، كله أمر مقلق. وكذلك فإن تحلل الأشجار الغارقة فى مياه البحيرة وتأثيرها على نوعية المياه سيؤدى الى إحداث تغير فى التنوع البيولوجي للمنطقة وغرق بعض المناطق التعدينية وانتقال بعض العناصر الثقيلة مثل الرصاص والنحاس واليورانيوم والمنجنيز فى المياه، والى تغير محلى في المناخ لإقليم بنى شنقول من حيث درجة الحرارة والأمطار([47]). وعلى هذا فإن تأثير الصراع وتجميد المفاوضات يفاقم المشكلة، ويضاعف تكلفة التنمية فى مصر ويزيد من أعبائها.
المحور الثالث- تأثيرات الصراع الإثيوبي وتجميد المفاوضات على أعمال التنمية فى السودان:-
التزمت السودان منذ بداية الصراع الداخلي الإثيوبي موقفاً داعماً لآبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي. وذلك نتيجة للتقارب الذي حدث بين البلدين بعد التغيير السياسي عام 2018. حيث انتهجت السودان تلك السياسة لاحتواء الأزمة والقضاء على تمرد التيجراي. وتمثل ذلك في الغلق الكامل للحدود بين ولاية كسلا وإقليم التيجراي لضمان منع تسلل أي مساعدات لجبهة تحرير التيجراي، وكذلك حاولت السودان بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الوساطة من أجل إنهاء الصراع. ولكن باءت كل المحاولات بالفشل. ولهذا جاء الموقف السوداني بطريقة مضادة، فنتيجة لما قامت به الحكومة المركزية الاثيوبية بعمليات عسكرية في إقليم التيجراي؛ تدفق العديد من اللاجئين من إقليم التيجراي إلى السودان مما اضطر السودان لإعادة فتح الحدود. وظهرت توقعات بانتقال الصراع الإثيوبي لولايات شرق السودان نظراً لقرب الحدود، وبسبب دعم الحكومة السودانية للحكومة المركزية الإثيوبية، كانت هناك إمكانية لإثارة حفيظة بعض القبائل في شرق السودان، وخاصة قبيلة بني عامر التي تربطها صلة قرابة مع إقليم التيجراي، واحتمالية تعزيز الانقسامات الداخلية بين شركاء الحكم في السودان. لكن حدث تغير ملحوظ في الموقف السوداني من دعم الحكومة الإثيوبية إلى العداء المباشر؛ نظراً للصراع بين الدولتين على الحدود بل تعرض الجيش السوداني للهجوم من قِبل الجيش الإثيوبي والميليشيات الأمهرية اثناء قيامه بدوريات على الحدود بين السودان وإقليم التيجراي، وحدث التقارب المصري السوداني ضد إثيوبيا عام 2020 ([48]).وبطبيعة الحال فإن هذا الانتقال العشوائي لأعداد كبيرة من اللاجئين الاثيوبيين فى شرق السودان، ومع تدهور الحالة الاقتصادية داخل السودان نفسها، قد عطلت من امكانية التنمية فى تلك المنطقة وفاقمت من مشاكلها.
وشكلت مطالب السودان بشأن نزاعها الحدودي مع اثيوبيا استعداء لحلفائها من الأمهرة الذين يعتبرون هذه المنطقة المتنازع عليها أرضًا للأجداد، كتلك التي سيطرت عليها الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي وضمتها لإقليمها في تسعينيات القرن الماضي([49]). وطبقا لما أوردته جريدة الفاينانشيال تايم، راح حوالي 50،000 لاجئا يبحثون عن مأوى في مخيم أم راكوبا ومواقع أخرى عبر الحدود في السودان. وخلال الأسبوع الأول من النزاع، حسب الجريدة، كان يتوافد حوالي 4000 لاجئ يوميًا على السودان، مما أجبر السلطات المحلية على إعادة فتح أم راكوبا. وتم إنشاء المخيم في الأصل خلال المجاعة الإثيوبية في أوائل الثمانينيات والتي قتل فيها ما يقدر بمليون شخص. وتم إغلاق المنشأة في أوائل عام 2000 بعد نهاية الحرب الإريترية الإثيوبية. مما جعل المنسق الإقليمي لمفوضية اللاجئين السودانية يصرح بأن بلاده بحاجة إلى دعم كبير للتعامل مع الوضع. ومع استمرار وصول 500-800 لاجئ يوميًا، توقعت الوكالات الإنسانية أن يتجاوز العدد 100000 في الأشهر المقبلة. وهو اكبر عدد يتدفق بهذا الحجم الكبير إلى شرق السودان منذ أكثر من 20 عاماً”([50]). مما أثر على الحالة الاقتصادية فى شرق السودان وضاعف من مشكلاتها وتعطل بنود مسار اتفاق شرق السودان مع الحكومة ومشاكل نظارات البجا، وهذا التعطل فى المسار مرتبط بتداعيات الحرب الأهلية في إثيوبيا([51]).
وواقع التنمية مرتبط بظروف السودان السياسية والاقتصادية أكثر مما هو مرتبط بظروف الصراع الداخلي الإثيوبي. لكن حين وقع الملء الأول والثاني لسد النهضة حدث ارتباك في تشغيل السدود السودانية، فكان لذلك تأثير كبير على عملية التنمية داخل السودان. وفى هذا السياق يشير أحد الخبراء، بأنه حدثت قلة فى الانتاجية الزراعية نتيجة حجز الطمي في سد النهضة، وارتفاع منسوب المياه الجوفية، وزيادة التكلفة الانتاجية للمحاصيل الزراعية للتوسع في استخدام الأسمدة. وبالنسبة لإثيوبيا تم غرق مزيد من الأراضي الزراعية وبعض المناطق التعدينية، وناهيك عن عدم القدرة على توزيع الكهرباء عن طريق مصر لآسيا وأوروبا نتيجة التوتر وعدم الاتفاق. وايضا حدثت أضرار اجتماعية داخل السودان، ابرزها هجرة مزيد من سكان بنى شنقول، بعضهم اتجهوا نحو السودان الذى يعانى من ظروف اقتصادية صعبة بعد اسقاط حكم البشير. وايضا حدث اختلاف فى نمط حياة بعض المزارعين السودانيين الذى تعودوا على الزراعة الفيضية البسيطة غير المكلفة من فيضان النيل الأزرق على الجانبين في الأراضي المنخفضة والمنبسطة بمساحات كبيرة، حيث كانت هذه الأراضي تظل مغمورة بالمياه، فتتشبع بالرطوبة اللازمة لإنتاج المحاصيل الزراعية، ولمزيد من المياه يتم غلق مداخلها لتبقى بالمنخفضات أطول فترة ممكنة لزيادة تشبع التربة، وقد تصل مساحة هذه الأراضي حول النيل الأزرق فى السودان إلى حوالى مليون فدان، فيها يتم ترسيب الطمي وغسل التربة سنوياً بمياه الفيضان مما يجعلها على درجة عالية من الخصوبة، وسوف يحتاج هؤلاء المزارعون مستقبلا إلى حفر ترع للري وانشاء شبكات ري مكلفة، والتأقلم اجتماعيا واقتصاديا مع الظروف الجديدة ([52]).وتم اجراء دراسة حول تأثير تشغيل السد على المجالات البيئية والاجتماعية والاقتصادية في السودان. فأظهرت النتائج أن تنظيم المياه وتقليل الرواسب سينعكس إيجاباً على السودان، حيث أنه سيمكن من التوسع في المشاريع الزراعية وزيادة إنتاج الطاقة الكهرومائية والسيطرة على الفيضانات. وتوقعت حدوث بعض الآثار السلبية خلال مرحلة الحجز نتيجة انخفاض مستوى المياه والتغيير في خصائص النهر التي ستؤثر بشكل كبير على البيئة والمجتمع في اتجاه مجرى النهر. وبينت أن سلامة السد هي أكبر تهديد لأمن السودان، حيث سيكون لحالة فشل السد عواقب وخيمة على البلاد. وخلصت الدراسة إلى أن زيادة التعاون بين دول النيل الشرقي ستقلل من الآثار السلبية لسد النهضة وتزيد من فوائده الإجمالية مما يؤدي في النهاية إلى الاستدامة والسلام والرفاهية لهذه الدول. ويحتاج السودان أيضًا إلى اتخاذ تدابير لاستيعاب ظروف التدفق الجديدة بما في ذلك إعادة تشغيل السدود السودانية واستراتيجيات التخفيف من الآثار السلبية المحتملة ([53]).وتوافقاً مصريًا سودانيًا حول مفاوضات سد النهضة وعملية الملء والتشغيل([54]).
وفيما يتعلق بالصراع وأثره داخل السودان، فإنه إذا لم يكن السودان وأجهزته ومخابراته وجيشه منتبها لطبيعة الصراع داخل أثيوبيا وتطوراته وتداعياته، فإنه سينعكس بشكل كبير على الوضع الداخلي بالسودان، بغض النظر عن التأثيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاني منها جراء هذا الصراع. بل ان بروز دولة جديدة في تيجراى، مع تنامى رغبة الاستقلال، بجوار اثيوبيا، سيصاحب ذلك توتر ومشاكل. فعلاقة كل واحدة مع السودان على حدة، ستتنامى هذا التوتر، وربما يحدث التصعيد أكثر فأكثر نتيجة لارتباط هذا الملف بملفات الحدود. وهناك دعوة المثقفين الأفارقة في 29 أغسطس 2021م لضرورة الحوار السياسي في أثيوبيا باعتبار أن الوضع على حافة الانهيار، وقبول الأطراف المتنازعة بالوساطة في إطار الهيئة الحكومية للتنمية في شرق افريقيا “إيجاد” والاتحاد الأفريقي بدعم من المجتمع الدولي، سيقود إلى حل المسألة، خاصة وأن الرفض لهذا الحوار والوساطة سيعمق من الجراحات الداخلية والإقليمية، وسيزيد من تدفقات اللاجئين في دول الجوار الأفريقي والأسيوي، فضلاً عن ضرر المستثمرين الخليجيين وتعطيل مشاريعهم([55]).
ومن الناحية الأخرى استفاد السودان بطريقة غير مباشرة من انشغال الجيش الأثيوبي بالصراع الداخلي فاستعاد أراضيه الحدودية في الفشقة، غير أن رئيس الوزراء السوداني أقر بأن ما يحدث في إثيوبيا من صراع سيؤثر على الأمن القومي بالمنطقة، ونشاط الحركات المتطرفة مثل حركة الشباب الصومالية وموجات النزوح واللاجئين على دول الجوار، واستضافة السودان لأكثر من 70 ألف لاجئ من إقليم التيجراي رغم الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها. وان انفصال إقليم التيجراي سيقود إلى تفتت أثيوبيا، في ظل تصاعد النزعات الانفصالية من قوميات الأورومو والأقليات الصومالية والعفر وشعوب الجنوب وبني شنقول وغيرهم، وأصبح أبناء التيغراي الأعلى صوتا في المطالبة بإقامة دولة منفصلة([56]). وشكل هذا النزاع ضغطًا أمنيًا على الحدود الإثيوبية السودانية، وذلك للطبيعة الجغرافية المتقاربة لإقليم تيجراى الإثيوبي وولاية كسلا السودانية، وهو الأمر الذى دفع الخرطوم إلى التوجه لإغلاق حدود ولايتي القضارف وكسلا الأقرب لإثيوبيا. وبرزت حالات للنزوح والضغط على الحدود السودانية بصورة كبيرة، وهو ما يُشكل بدوره عبئًا كبيرًا على الجانب السوداني الذى يعانى من ركود اقتصادي([57]).
وحين وقعت الحرب الأهلية بين الحكومة الفيدرالية ومنطقة تيجراي في نوفمبر 2020، اندلعت التوترات بين القوات السودانية وميليشيات من أمهرة ، وهي منطقة في إثيوبيا، حول الأراضي الزراعية المتنازع عليها. وتأكد بعدها من أن الاشتباكات العسكرية ستؤخر المحادثات حول السد أكثر من ذلك. لقد حاول الاتحاد الأفريقي بالفعل التوسط بشأن سد النهضة. وعلقت أمريكا بعض المساعدات لإثيوبيا في محاولة لدفعها نحو اتفاق داخلي ([58]).وفى احداث 30 يونيو 2021 واجهت اثيوبيا مواجهات عسكرية وأزمة إنسانية في إقليم تيجراي الشمالي. وكان للوضع هناك تداعيات خطيرة على مستقبل البلاد واثاراً خطيرة حتى على جيرانها، وقطع الاتصالات عن الإقليم منذ اندلاع الصراع هناك([59]). وما أن نسبة الفقراء كانت تقدر فى السودان عام 2019 حوالى 52.4 في المائة إذا ما تم اعتماد مؤشر الفقر متعدد الأبعاد، بحسب أحدث تقارير التنمية البشرية، الا أن النسبة تصاعده أكثر فى فترة الدراسة. بل بلغت نسبة التضخم حدود الـ 81.3% عام 2020. وصاعدًا فيما بعد([60]).بل ان ما قيل حول موازنة 2022 وبأنها تستهدف تحقيق نمو نسبته 1.4% وخفض التضخم إلى 202%([61])، ليؤكد بخطورة الاحالة الاقتصادية في السودان وتردى اعمال التنمية بصورة مخيفة ومفزعة. وما يفاقم الخطورة أكثر بأنه برغم انتهاء الصراح الداخلي فى اثيوبيا إلا أن مشكلة اللاجئين الإثيوبيين فى شرق السودان لازالت كما هي. وهو الأمر الذى له تأثيره الكبيرة على سوء الأوضاع الاقتصادية في شرق السودان، وعلى اعمال التنمية فى السودان عموما.
المحور الرابع- مستقبل الصراع الأثيوبي ومفاوضات سد النهضة وأثرهما على مصر والسودان:-
بعدما تعرضنا لطبيعة الصراع الداخلي الإثيوبي وتأثيراته المحلية والاقليمية، سنقوم بالتركيز على مستقبل الصراع في اثيوبيا وفرص انهائه ومهدداته والتحديات التي توجه الدول الثلاث، اثيوبيا ومصر والسودان. فعلى المستوى الأثيوبي، أوضح التقرير العالمي حول الأزمات الغذائية فى مايو 2022، أن إثيوبيا يسقط عليها 936 مليار م3 أمطار، وبها 12 نهر و 46 بحيرة، وحوالى150 مليون فدان أراضي خضراء زراعية ومراعى وغابات و 100 مليون رأس بقر وأغنام، ومع ذلك طبقا للتقرير فان 60% من السكان الذين شملتهم الدراسة يعيشون فى مشاكل غذائية، بين وضع كارثي (1%) وطوارئ (8%) وأزمة (21%) وضغوط (30)، و39% فقط هم الذين ليس لديهم مشاكل غذائية. مرجعا سبب تلك الأزمات الغذائية لعدم الاستقرار الأمني، وكذلك سوء استغلال الموارد الطبيعية من قبل حكومتها، وان ما حدث في إقليم التيجراى، حيث يواجه 5-10% من الأهالي، كارثة المجاعة الشديدة، و 88% المجاعة التي هي أشد من درجة الأزمة الغذائية. ويضيف التقرير بأن أكثر من 80 مجموعة عرقية تتطلع إلى الحياة الكريمة وتحقيق ما وعدت به الحكومة في حصولهم على مياه شرب نقية، وتوفير الغذاء والعيش فى وجود كهرباء. وأن هناك أكثر من 350 ألف نسمة يواجهون شبح المجاعة الشديدة وأكثر من 30% من السكان يواجهون أزمات غذائية ([62]). واعتقد أن تشجيع الحوار السياسي لإنهاء الصراع الداخلي الإثيوبي مع توفير الدعم المناسب للتحول الاقتصادي لإثيوبيا واحتياجاتها الإنسانية لا يقل أهمية عن أي وقت مضى. فتوقف أعمال التنمية داخل اثيوبيا نفسها، يستلزم من كافة الأطراف الجلوس على مائدة المفاوضات التي دعت لها الحكومة الاثيوبية لترميم ما جرى وإعادة الاعمار وجني الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لنموذج النمو الصناعي الذى كان قائما فى اثيوبيا قبل بدء الصراع([63]). لكن تشكيل لجان الحوار الوطني والخلافات بشأنها وعودة الحرب من جديد واحتدامها يجعل فرصة هذا الحوار معدومة الى حد ما. وأن الحوار الداخلي الإثيوبي ضرورة حتمية ومطلب مهم لنقل المسألة من دائرة الصراع الى دائرة الاستقرار للكتلة السياسية والاجتماعية والاثنية. كونه حاجة ماسة لعمل تنمية داخل اثيوبيا. فالسياسيون يجب أن يكون هدفهم ترقية المجتمع بشرط وجود شراكة حقيقية بين اطراف النزاع. وحتى يصل الحوار الى اهدافه لابد ان تحدث هناك تنازلات من جميع الاطراف للوصول إلى منطقة وسط بين الجميع. فتضييق مسافات الخلافات بينهم، سواء المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة والحكومة كان شيئا ضروريا. كون الصراع اذا عاد مرة اخرى فسوف تتمزق اثيوبيا وينتهى أمرها الى دولتين أو أكثر، وأن هذا التمزق سينسحب على الدول المجاورة فيمزقها. بشرط أن تكون لجنة الحوار المشكلة من قبل الحكومة والمعارضة، منفتحة ولا تدع الحوار ينتج حوارا جديدا، بل لابد أن تنتهى الى حوار مفصلي ونتائج ملموسة ترضى جميع الاطراف المتصارعة. ويمكن للدبلوماسية الشعبية بالمفهوم الاجتماعي، وليس بتعريفها السياسي، أن تلعب دورا في التواصل بين المجتمعات الداخلية الاثيوبية، لذا فان تواصل هذه الدبلوماسية ستصل بهذا المجتمع الى التعايش السلمى وصياغة التعاضد فى قالب تصيغ من خلاله مستقبل الدولة. وهنا وجب على منظمات المجتمع المدني أن تكون مساندة للحوار الوطني وتبرز الاشياء الايجابية وتتخطى السلبيات، ويكون لديها المام بما يحتاجه المواطن الإثيوبي كونها متواصلة مع الشارع الأثيوبي. والشراكة السياسية المفتوحة بين الجميع ستؤدى الى الازدهار والتنمية والحديث مرة اخرى عن التعليم والزراعة والاستثمار والتصنيع وغيره. وهذا الطرح مفيد لأطراف الازمة الداخلية الاثيوبية، ولكل من مصر والسودان، فالأخيرتان لا يعنيهما اشتعال الحروب الداخلية فى اثيوبيا، بقدر ما يعنيهم الاستقرار وحل ازمة السد وتفعيل مشروعات التنمية بين الدول الثلاث.
وربما يكون نجاح الحوار الوطني الإثيوبي فرصة جيدة لتوفير الاستقرار الإقليمي في الصومال وجيبوتي والسودان وكينيا واوغندا. ويعزز كل عناصر الحياة الكريمة داخل اثيوبيا وحواليها. ويمكن ان يصبح الحوار الوطني داخل اثيوبيا، فنجاحه سيكون بمثابة نموذج أفريقي لتعزيز مبدأ الاتحاد الأفريقي في تبنى الحلول الأفريقية للمشاكل الافريقية الداخلية، بدلا من استدعاء النماذج الاوربية المختلفة لحل مشاكل 90% من مشاكل اثيوبيا. فالتحول الديمقراطي الإثيوبي بشكل سلمى سيؤثر على غيره في المحيط الإقليمي، ويعد قاطرة للنماء لغيرها، خاصة في المناطق التي تعانى من التباعد السياسي والاقتصادي. بل ان ازمة الحرب الاوكرانية الاقتصادية وجوانبها الغذائية ستوجد حلولا لها داخل اثيوبيا والسودان من ناحية الامكانيات الزراعية والامن الغذائي لدول الجوار. وبالتالي اذا حقق الحوار الوطني التوافق فستكون هناك نقلة اجتماعية واقتصادية وتنموية مطلوبة، الأمر الذى يوفر لحزب الازدهار بقيادة ابى احمد ارضية جديدة للبناء السياسي. وأن هذا الاستقرار لا يجب تسويقه على أنه مرتبط بأطراف الصراع الداخلي فقط ومدى توافقهم حول سد النهضة، فمن الممكن ان يتم التفاهم بين الاطراف المتصارعة حول مستقبل المفاوضات مع مصر والسودان بشأن السد، وأن يصلوا الى الية توجب الدخول في مفاوضات تنتهى هذه المرة الى اتفاق قانوني ملزم ويقبل به اطراف الصراع الداخلي.
وعلى المستوى المصري، يمكن القول بأن مصر حينما افتتحت مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي باعتباره هو الدلتا الجديد، فضلا عن تجديد العمل في توشكي، كل ذلك كان يستهدف خلق مجتمعات عمرانية جديدة، وسد الفجوة الغذائية، وخلق فرص عمل، والاستفادة من مواردها المائية، والمحافظة على البيئة. وفى هذا السياق تحملت الدولة تكاليف باهظة باعتبار تلك المشروعات هي مشروعات استراتيجية. لكن الزراعة فى مصر اصبحت مكلفة للغاية وهناك صعوبة في الاستثمار الخاص بها. حيث تكلفت الدولة عشرات المليارات في عمل البنية التحتية([64]). وراهنت بعدم زيادة مساحة الأرز، وهو أمر خطأ، خاصة بعد تهديد بعض الدول المصدرة للغذاء بالتمهل في التصدير. فزيادة مساحة الارز سوف يشكل عبئاً على وزارة الري ولكنها تستطيع المضي فيها قدما، باعتبارها أعرق مدرسة ري فى العالم وتدير بكفاءة أكثر من 50 ألف كم أطوال ترع ومصارف. وفيما يخص موقفها من استمرار إثيوبيا في تصعيد تصريحاتها عام 2021 نحو التخزين الثاني، والذى جعل مصر تخاطب مجلس الأمن مرة ثانية، فنجحت الجهود المصرية والعربية في عقد جلسة ثانية بتاريخ 8 يوليو 2021 بحضور جميع الأعضاء، ولم يستطع اصدار أي قرار في حينها، لكن بعد مرور 69 يوماً وبالتحديد 15 سبتمبر 2021 أصدر بيانا رئاسيا قال فيه: “مجلس الأمن ليس جهة الاختصاص في النزاعات الفنية والإدارية حول مصادر المياه و الانهار”ودعا المجلس أطراف سد النهضة إلى استئناف المفاوضات، مشددا على ضرورة العودة إلى اتفاق المبادئ الموقع في 2015([65]). وبالتالي فإن الحديث حول الملء الثالث لسد النهضة، والذى بدأ في ١١ يوليو ٢٠٢٢ وقصره على مسائل فنية فقط، سواء في حجمه وطريقته ومستواه، ينسي ما وراء هذا الملء من أهداف سياسية، حيث تصر اثيوبيا على فرض سياسة الأمر الواقع على الجميع. وتسليم مصر بتجميد الموقف داخل الاتحاد الأفريقي، وقيام اثيوبيا بالملء الثالث سيجعل هناك صعوبة في إعادة طرحه من جديد على مجلس الأمن. بحجة أن الملء المنفرد في مراته الثلاث لم يضر بمصر أو السودان، وبالتالي وجب على الادارة المصرية استغلال هذا التجميد للمفاوضات من قبل اثيوبيا، والتذكير بعدم قدرة للاتحاد الأفريقي على إجبارها على الجلوس للتفاوض، وذلك لإعادة الموضوع لمجلس الأمن للمرة الثالثة من باب المسؤولية الدولية، ومن باب مساءلته للاتحاد الأفريقي عن ضعفه ونتائج مفاوضاته، وأن الأمر لا يقتصر على التطمين بأن الملء الثالث في أقصى حالته لن يتجاوز الخمسة ونصف مليار متر مكعب. وعلى الخارجية المصرية ان تظهر تحركاتها في الفترة المقبلة بثلاثة أوراق: أولها، توظيف ورقة تجميد المفاوضات داخل الاتحاد الأفريقي ووجوب مساءلته دوليا في هذا الأمر، كون الملف محال من قبل مجلس الأمن الدولي اليه.ثانيها، التحرك على مستوى مجلس الأمن ورفع الأمر من جديد له كحجة دولية جديدة على اثيوبيا. ثالثها، التنسيق مع السودان في هذا الملف، والاعتراض الرسمي على الملء المنفرد الثالث. لكن ما يخص ملف سد النهضة الإثيوبي خلال لقاء الرئيس الأمريكي بايدن بالرئيس عبدالفتاح السيسي على هامش قمة جدة الأمنية في 16 يوليو 2022 وبيانها الختامي لا يعدو عن كونه توافق مصري أمريكي حول هذا الملف تحديدا، منذ رعاية واشنطن للمحادثات التي استمرت مدة طويلة، ورفضت فى نهايتها اثيوبيا التوقيع على صيغة الاتفاق النهائي في فبراير ٢٠٢٠. إذ جدد الرئيس الأمريكي بايدن فى هذا اللقاء تأكّيده لدعم الولايات المتحدة للأمن المائي لمصر وضرورة إبرام تسوية دبلوماسية تحقق مصالح جميع الأطراف، وتساهم في أن تصبح المنطقة أكثر سلامًا وازدهارًا. وعلى هذا فإن التوافق الدبلوماسي المصري الأمريكي حول هذا الأمر لن يغير الموقف ويجعل من الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على اثيوبيا من أجل حلحلة المسألة والبدء في مفاوضات جمدتها اثيوبيا منذ العام الماضي. فلا يوجد جديد سيتغير فى الموقف الأمريكي وستظل اثيوبيا تفرض سياستها المنفردة في بدء الملء الثالث دون سماع لأحد([66]).
ولعل الإخطار الإثيوبي المتأخر يوم 26 يوليو 2022 بالتخزين الثالث والاعتراض المصري المقدم لمجلس الأمن الدولي في 29 يوليو 2022 ورفضها التام لاستمرار إثيوبيا في التخزين ببحيرة سد النهضة بشكل أحادي، وبأنه يعد خرقا لاتفاق إعلان المبادئ 2015 وانتهاكاً صريحاً للاتفاقيات الدولية والبيان الرئاسي لمجلس الأمن 2021، وتوصيات القمم المصغرة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي 2020، وقواعد القانون والأعراف الدولية، يعد اعادة جديدة للملف لمجلس الأمن رغم تخليه عام 2021 عن قضية سد النهضة بإعادتها للاتحاد الأفريقي وإعلانه أنه غير متخصص بشئون المياه، وأن تلك الجلسة لا تعد سابقة لمناقشة قضايا المياه، مما يؤكد على أن العودة المصرية عام 2022 جاء لإثبات أن القضية ليست قضية مياه فقط، بل قضية تهدد الأمن والسلم فى المنطقة، وان قيام اثيوبيا بفرض سياسة الأمر الواقع يزيد من التوتر ويهدد أمن المنطقة، وأن الحفاظ على الأمن والسلم ومنع أي عمل قد يؤدى إلى تهديدهما من أهم مسئوليات مجلس الأمن وعليه تحملها([67]). وعلى هذا فإن المسار التنموي الداخلي يتوافق مع سياسة مصر في حل الموضوع من خلال التفاوض، وتمسكها بالأعراف والقوانين الدولية، وأن قضية التنمية رغم تكلفتها العالية في مصر، تفاديا لمخاطر سد النهضة، هي قضية جوهرية وخطة شاملة تريد الدولة تنفيذها على كافة الاصعدة.
وعلى المستوى السوداني، لا توجد اَلية لتفريغ السدود السودان استعدادا للملء الثالث، فسد الروصيرص على النيل الأزرق ويخزن 6 مليار م3، وسدى عطبرة وستيت ويخزنان 3.7 مليار م3، وسد خشم القربة (0.5 مليار م3)، بينما سد مروى وهو أكبر السدود السودانية (12.5 مليار م3) والأقرب إلى الحدود المصرية (حوالى 1000 كم)([68])، لم يتم تفريغهما خلال الملء الثالث لعدم التعاون الإثيوبي مع السودان بتبادل المعلومات من قبل. لكن حتما سيتم التفريغ مع اكتمال التخزين، كون التفريغ من سد النهضة ظل مستمراً من خلال بوابة التصرف الشرقية، 30 مليون م3يوميا، بالإضافة الى كمية قلية من تشغيل التوربين رقم 10، وتعمل اثيوبيا على تشغيل التوربين الثاني (رقم 9) بعدما تعثر تشغيله مع الأول في 20 فبراير 2022([69]). وعلى هذا تنصح الدراسة بضرورة التنسيق المصري السوداني فى ضرورة اخراج السودان من المأزق الاقتصادي، والتشاور المستمر حول ملف سد النهضة داخل مجلس الامن والاتحاد الأفريقي وفى كل الفعاليات، وفى وضع تصور لكل السيناريوهات المطروحة فى حالة تمسك اثيوبيا بموقفها.
خاتمة:
خلصت الدراسة الى النتائج التالية:
-أبرزت الدراسة أن الصراع الداخلي الإثيوبي تم توظيفه في ملف سد النهضة فى فرض سياسة الأمر الواقع والملء المنفرد بدون توقيع اتفاق قانوني وملزم، وأن الاتحاد الأفريقي لم يستطع أن يدفع المفاوضات بين الاطراف الثلاث بحجة انشغال اثيوبيا بهذا الصراع.
– أثبتت الدراسة أن الصراع الإثيوبي وتجميد مفاوضات السد قد عطلت كثير من اعمال التنمية فى السودان، سواء من خلال استقبال عشرات الالاف من اللاجئين وتوفير الطعام والكساء لهم، فضلا عن السيول والفيضانات ومشاكلهما، وسوء الاحوال الاقتصادية وانتكاسة السودان فى كل مؤشرات النمو الاقتصادي والتضخم وغيرها.
-أوضحت الدراسة أن الانفاق على اعمال التنمية فى مصر تضاعف عشرات المرات، خشية تأثير انقطاع المياه عن الناس، فلم تزرع الارز بقرار سياسي وفنى، فاثر ذلك فى الغذاء والتصدير، وتم تبطين الترع فكلفت المليارات، وتم تصدير القلق للفلاحين. فضلا عن تعطيل خطط تنموية لعدد من المناطق خوفا من عدم انتظام وجود مياه بنفس الكمية فى المستقبل. خاصة وان الضغوط الاقتصادية على السودان تسببت في نزوح الكثيرين منهم الى مصر.
التوصيات:
-توصى الدراسة بوجوب حل مشكلة الصراع الداخلي الإثيوبي واتفاق الاطراف حول اليات معينة والعودة الى نظام الفيدرالية السابق، كون المركزية التى يطرحها حزب الازدهار الاثيوبي قد خلقت كثير من التشتت والانقسام ولا سبيل الا بالتخلي عنها. وان الحوار السياسي الدائر فى اثيوبيا حول تهدئة الامور، وعدم عودة الحرب، لابد وان يرتبط بحل ازمة سد النهضة. كون كل اطراف النزاع السياسي الداخلي موجودين على مائدة مفاوضات واحدة، لذا لابد ان يتطرق الامر لتوافق ايضا حول سد النهضة وضرورة توقيع اتفاق حول تشغيل وملء وادارة السد بموافقة الجميع.
-توصى الدراسة، بأن يتم تفعيل صندوق التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث، وأن ستم الربط الكهربائي والسككي، وانشاء شبكة طرق طولية وعرضة تخدم التنمية بين الدول الثلاث. فالمجال مفتوح امام التكامل الاقتصادي والتنموي اذا توافرت الارادة السياسية. وأن تساهم مصر والسودان فى حل الازمة الداخلية الاثيوبية.
مصادر ومراجع الدراسة:
أولاً – الوثائق المنشورة:
- Ethiopia: Ethiopia’s spiraling conflict threatens regional stability, Asia News Monitor; Bangkok. 18 Nov 2020….
- U.S. House Foreign Affairs Committee Holds Hearing on Ethiopia’s Tigray Conflict: Ethiopian Diaspora Reacts: TPLF Surrender and Allow International Agencies to Oversee Peace, PR Newswire Association LLC Oct 22, 2021.
ثانيا-الدوريات العربية والمعربة:
- -أحمد عبد الدايم محمد حسين:- واقع التقارب المصري السوداني بعد اسقاط عمر البشير وفرص المستقبل، اعمال المؤتمر الدولي الذى عقده مركز بحوث الشرق الاوسط بعنوان التكامل الاقتصادي المصري السوداني بين الواقع والمأمول يوم 27 يوليو 2021.
ثالثا-الدوريات الاجنبية:
- The tragedy of Ethiopia’s conflict in Tigray: Only a national dialogue can truly heal the country’s divisions [Usa Region], The Financial Times Limited Feb 11, 2021.
- -Schipani, Andres: Ethiopia conflict stirs aid access concerns: Tigray crisis [Usa Region The Financial Times Limited Jan 22, 2021.
- The tragedy of Ethiopia’s conflict in Tigray: Only a national dialogue can truly heal the country’s divisions [Usa Region], The Financial Times Limited Feb 11, 2021.
- -Abiy is not to blame for starting Ethiopia’s conflict: Letters [Usa Region], The Financial Times Limited Apr 12, 2021.
- Both sides in Ethiopia’s conflict stand accused of war crimes: Bodies in the fields, The Economist Newspaper NA, Inc. Nov 5, 2021.
- Grand Renaissance Ethiopian Dam (GERD) negotiations resume, Cape Town: SyndiGate Media Inc. (Jul 7, 2020).
- Ethiopia: Ethiopia’s conflict-hit Tigray region is on the verge of a humanitarian disaster, Asia News Monitor; Bangkok [Bangkok]. 12 Feb 2021.
- Schipani, Andres: Fears grow of worsening Ethiopia conflict as new front opens: East Africa The Financial Times Limited Jan 22, 2021.
- Ethiopia: Global calls for mediation grow over Ethiopia’s conflict, Asia News Monitor; Bangkok. 02 Sep 2021…
- Ethiopia – US sanctions Eritrea’s army and ruling party for their role in Ethiopia’s conflict, Translated by Content Engine LLCCE Noticias Financieras, English ed.; Miami,12 Nov 2021.
- Ethiopia: Ethiopia’s spiraling conflict threatens regional stability, Asia News Monitor; Bangkok. 18 Nov 2020….
- Ethiopia: Ethiopia’s Tigray conflict marked by ‘extreme brutality,’ possible ‘war crimes’, Asia News Monitor; Bangkok [Bangkok]. 04 Nov 2021.
- Ethiopia: Ethiopia’s Tigray conflict: Rape as a weapon of war, Asia News Monitor; Bangkok. 23 Feb 2022.
- Ethiopia: Ethiopia’s Tigray conflict threatens to break country apart, Asia News Monitor; Bangkok. 10 Dec 2021.
- Why is the Grand Ethiopian Renaissance Dam contentious? The Economist explains, The Economist (Online. London (Feb 11, 2021.
رابعا-رسائل علمية:
- Elnour Mugahid:-The impact of the Grand Ethiopian Renaissances Dam on the Water-Energy-Food security nexus in Sudan,.Uppsala Universitet (Sweden) Publishing, Degree Year2019
- Schipani, Refugees escape Ethiopia’s brutal conflict with tales of atrocities: Humanitarian crisis feared as both sides accused of massacres in Tigray, The Financial Times Limited Dec 5, 2020.
خامسا-شبكة المعلومات الدولية:
- الصراع في تيغراي: تعرف على الجماعات المسلحة التي وحدت صفوفها ضد حكومة أبي أحمد، 14 أغسطس 2021، https://www.bbc.com/arabic/world-58199865
- فاروق تشوسيا: الصراع في إثيوبيا: كيف أوقف أبي أحمد تقدم مقاتلي تيغراي؟ ،بي بي سي نيوز، 16 ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/world-59666290
- Samar Bagouri:- How the war in Tigray is impacting Ethiopia’s economy/? https://futureuae.com/en/Home/Index/3/home. December 13,2021.
- ابراهيم عبدالمجيد:- لماذا غابت الوساطة الأفريقية عن أزمة سد النهضة؟ 9 يونيو 2022، الاندبندنت عربية، https://www.independentarabia.com/node/340016
- إسماعيل محمد على:- هل من أمل في توصل الاتحاد الأفريقي لتسوية بشأن سد النهضة؟، الأحد 11 يوليو 2021، https://www.independentarabia.com/node/240651
- المركز الديمقراطي العربي: أثر الصراع الداخلي الإثيوبي بين السلطة المركزية وجبهة تحرير التيجراي على الاستقرار السياسي الإثيوبي 2012 – 2021، 28 ابريل ، 2022https://democraticac.de/?p=81801.
- انعكاسات الصراع الأثيوبي الأثيوبي على دول الجوار الأفريقي الآسيوي، . https://www.sudanpost.info.
- جمعة حمالله:- لا نتامر، المصري اليوم، 25-10-2016، https://www.almasryalyoum.com/news/details/1029014
- السيسي: مصر لا تتآمر ولا تتدخل بشؤون أحد ولن تحارب أشقاءها، 15 يناير 2018، سي ان ان بالعربية،https://arabic.cnn.com/middle-east/2018/01/15/sisi-sudan-remarks
- يوسف عفيفي:- خط أحمر وقلق مشروع.. تصريحات الرئيس السيسي بشأن سد النهضة، https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2021/7/15/2057171
- Egypt’s macroeconomic environment has shown resilience in the face of the COVID-19 shock, yet longstanding challenges persist,. https://www.worldbank.org/en/country/egypt/overview#1..
- Egypt targets growth rate of 5.7% in 2022/23, 6% in 24/25. https://www.egypttoday.com/Article/3/111571/Egypt-targets-growth-rate-of-5-7-in-2022-23..
- سد النهضة: ما تأثير الصراع في إثيوبيا على قضيته؟2 ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/59505446
- صراع تيغراي: من يقف وراء الوضع المشتعل في الإقليم الإثيوبي؟16 نوفمبر 2020، https://www.bbc.com/arabic/inthepress-54960125
- عباس شراقي:- استدامة المشروعات الزراعية الجديدة، 10 مارس 2022، https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10226719524833298&id=1204517905
- عباس شراقي:- إجمالى أضرار التخزين فى سد النهضة، 15 يوليو 2022، https://www.facebook.com/abbas.sharaky
- حمدي عبدالرحمن:- خيارات صعبة: حدود تأثير حرب التيجراي على أمن القرن الأفريقي، 24 نوفمبر 2020، https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item
- محمد جميل احمد:- شرق السودان وتداعيات الحرب الأهلية الإثيوبية، 14 مارس 2021، الاندبندنت العربية، https://www.independentarabia.com/node/202201
- بسنت فاروق:- صراع تيجراى.. انعكاسات على دول الجوار وتدخل تركى فى القرن الإفريقي، 17-11-2020، . https://www.mobtada.com/cases/
- -موازنة السودان 2022.. طموحات في طريق ضبابي، العين الاخبارية، 14 يناير 2022، https://al-ain.com/article/sudan-s-budget-2022-ambitions-on-an-unclear-path-
- Global Report on Food Crises – 2022, 4 May 2022, https://www.wfp.org/publications/global-report-food-crises-2022.
- Ethiopia’s conflict puts economic gains at risk: Letters, The Financial Times Limited Apr 12, 2021,p.24..
- https://www.facebook.com/profile.php?
- https://www.facebook.com/abbas.sharaky
- https://www.facebook.com/abbas.sharaky
- إيمان علي – محمد أبو عوض،، مشروع “مستقبل مصر” قاطرة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، https://www.youm7.com/story/2022/5/21
- مصر تشكو إثيوبيا لمجلس الأمن بسبب الملء الثالث لسد النهضة، https://www.alarabiya.net/arab-and-world/egypt/2022/07/29 .
- إنفوغرافيك.. سدود السودان بين الحقائق والأرقام، https://www.skynewsarabia.com/business/938301-%
(1) The tragedy of Ethiopia’s conflict in Tigray: Only a national dialogue can truly heal the country’s divisions [Usa Region], The Financial Times Limited Feb 11, 2021
(2) الصراع في تيغراي: تعرف على الجماعات المسلحة التي وحدت صفوفها ضد حكومة أبي أحمد، 14 أغسطس 2021، https://www.bbc.com/arabic/world-58199865
(3) فاروق تشوسيا:- الصراع في إثيوبيا: كيف أوقف أبي أحمد تقدم مقاتلي تيغراي؟ ،بي بي سي نيوز، 16 ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/world-59666290
(4) الصراع في تيغراي: المرجع السابق.
(6) Schipani, Andres: Ethiopia conflict stirs aid access concerns: Tigray crisis [Usa RegionThe Financial Times Limited Jan 22, 2021,p.4.
(7) Ethiopia: Ethiopia’s spiraling conflict threatens regional stability, Asia News Monitor; Bangkok. 18 Nov 2020….
(8) The tragedy of Ethiopia’s conflict in Tigray: Only a national dialogue can truly heal the country’s divisions [Usa Region], The Financial Times Limited Feb 11, 2021
(9) الصراع في تيغراي: المرجع السابق.
(10) Abiy is not to blame for starting Ethiopia’s conflict: Letters [Usa Region],The Financial Times Limited Apr 12, 2021,p.14
(11) Both sides in Ethiopia’s conflict stand accused of war crimes: Bodies in the fields, The Economist Newspaper NA, Inc. Nov 5, 2021
(12) Grand Renaissance Ethiopian Dam (GERD) negotiations resume, Cape Town: SyndiGate Media Inc. (Jul 7, 2020)
(13) الصراع في تيغراي: المرجع السابق.
(14) فاروق تشوسيا:- الصراع في إثيوبيا: كيف أوقف أبي أحمد تقدم مقاتلي تيغراي؟ ،بي بي سي نيوز، 16 ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/world-59666290
(15) Ethiopia: Ethiopia’s conflict-hit Tigray region is on the verge of a humanitarian disaster, Asia News Monitor; Bangkok [Bangkok]. 12 Feb 2021.
(16) Schipani, Andres: Fears grow of worsening Ethiopia conflict as new front opens: East Africa The Financial Times Limited Jan 22, 2021,p.6..
(17) U.S. House Foreign Affairs Committee Holds Hearing on Ethiopia’s Tigray Conflict: Ethiopian Diaspora Reacts: TPLF Surrender and Allow International Agencies to Oversee Peace, PR Newswire Association LLC Oct 22, 2021..
(18) Ethiopia: Global calls for mediation grow over Ethiopia’s conflict, Asia News Monitor; Bangkok. 02 Sep 2021…
(19) Ethiopia – US sanctions Eritrea’s army and ruling party for their role in Ethiopia’s conflict ,Translated by Content Engine LLCCE Noticias Financieras, English ed.; Miami,12 Nov 2021..
(20) Ethiopia: Ethiopia’s spiraling conflict threatens regional stability, Asia News Monitor; Bangkok. 18 Nov 2020….
(21) Ethiopia: Ethiopia’s Tigray conflict marked by ‘extreme brutality,’ possible ‘war crimes’, Asia News Monitor; Bangkok [Bangkok]. 04 Nov 2021.
(22) Ethiopia: Ethiopia’s Tigray conflict: Rape as a weapon of war, Asia News Monitor; Bangkok. 23 Feb 2022.
(23) الصراع في تيغراي: المرجع السابق.
(24) Samar Bagouri:- How the war in Tigray is impacting Ethiopia’s economy/? https://futureuae.com/en/Home/Index/3/home. December 13,2021.،
(25) Ethiopia: Ethiopia’s Tigray conflict threatens to break country apart, Asia News Monitor; Bangkok. 10 Dec 2021..
(26) فاروق تشوسيا:- المرجع السابق.
(27) انعكاسات الصراع الأثيوبي الأثيوبي على دول الجوار الأفريقي الآسيوي، . https://www.sudanpost.info.
(28 الصراع في إثيوبيا: القوات الحكومية تخطط لاقتحام عاصمة إقليم تيغراي بعد أسبوعين من الدعوة إلى مصالحة وطنية، 22 يناير 2022.
(29) Elnour Mugahid:-The impact of the Grand Ethiopian Renaissances Dam on the Water-Energy-Food security nexus in Sudan,.Uppsala Universitet (Sweden) Publishing, Degree Year2019.
(30) ابراهيم عبدالمجيد:- لماذا غابت الوساطة الأفريقية عن أزمة سد النهضة؟ 9 يونيو 2022، الاندبندنت عربية، https://www.independentarabia.com/node/340016 وكذلك ينظر اسماعيل محمد على:- هل من أمل في توصل الاتحاد الأفريقي لتسوية بشأن سد النهضة؟، الأحد 11 يوليو 2021، https://www.independentarabia.com/node/240651
(31). المركز الديمقراطى العربى: أثر الصراع الداخلي الإثيوبي بين السلطة المركزية وجبهة تحرير التيجراي على الإستقرار السياسي الإثيوبي 2012 – 2021، 28 ابريل ، 2022https://democraticac.de/?p=81801.
(32) انعكاسات الصراع الأثيوبي الأثيوبي على دول الجوار الأفريقي الآسيوي، . https://www.sudanpost.info.
(33) جمعة حمالله:- لا نتامر، المصرى اليوم، 25-10-2016، https://www.almasryalyoum.com/news/details/1029014
(34) السيسي: مصر لا تتآمر ولا تتدخل بشؤون أحد ولن تحارب أشقاءها، 15 يناير 2018، سى ان ان بالعربية،https://arabic.cnn.com/middle-east/2018/01/15/sisi-sudan-remarks
(35) يوسف عفيفى:- خط أحمر وقلق مشروع.. تصريحات الرئيس السيسي بشأن سد النهضة، https://www.masrawy.com/news/news_egypt/details/2021/7/15/2057171
(36) Egypt’s macroeconomic environment has shown resilience in the face of the COVID-19 shock, yet longstanding challenges persist,. https://www.worldbank.org/en/country/egypt/overview#1..
(37) Egypt targets growth rate of 5.7% in 2022/23, 6% in 24/25. https://www.egypttoday.com/Article/3/111571/Egypt-targets-growth-rate-of-5-7-in-2022-23..
(38) سد النهضة: ما تأثير الصراع في إثيوبيا على قضيته؟2 ديسمبر 2021، https://www.bbc.com/arabic/59505446
(39) صراع تيغراي: من يقف وراء الوضع المشتعل في الإقليم الإثيوبي؟16 نوفمبر 2020، https://www.bbc.com/arabic/inthepress-54960125
(40) أحمد عبدالدايم محمد حسين:- واقع التقارب المصرى السودانى بعد اسقاط عمر البشير وفرص المستقبل، اعمال المؤتمر الدولي الذى عقده مركز بحوث الشرق الاوسط بعنوان التكامل الاقتصادي المصري السوداني بين الواقع والمأمول يوم 27 يوليو 2021، ص ص متفرقات.
(41) Why is the Grand Ethiopian Renaissance Dam contentious?: The Economist explains,The Economist (Online. London (Feb 11, 2021
(44) Why is the Grand Ethiopian Renaissance :-Op.Cit.
(45) عباس شراقى:- استدامة المشروعات الزراعية الجديدة، 10 مارس 2022، https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10226719524833298&id=1204517905
(46) عباس شراقى:- إجمالى أضرار التخزين فى سد النهضة، 15 يوليو 2022، https://www.facebook.com/abbas.sharaky
(48) المركز الديمقراطى العربى:. المرجع السابق..
(49)حمدى عبدالرحمن:- خيارات صعبة: حدود تأثير حرب التيجراي على أمن القرن الأفريقي، 24 نوفمبر 2020، https://futureuae.com/ar/Mainpage/Item
(50) Schipani, Refugees escape Ethiopia’s brutal conflict with tales of atrocities: Humanitarian crisis feared as both sides accused of massacres in Tigray, The Financial Times Limited Dec 5, 2020
(51) محمد جميل احمد:- شرق السودان وتداعيات الحرب الأهلية الإثيوبية، 14 مارس 2021، الاندبندنت العربية، https://www.independentarabia.com/node/202201
(52) عباس شراقى:- إجمالى أضرار التخزين فى سد النهضة، 15 يوليو 2022، https://www.facebook.com/abbas.sharaky
(53) Elnour Mugahid:- :-Op.Cit..
(54) انعكاسات الصراع الأثيوبي الأثيوبي على دول الجوار الأفريقي الآسيوي، . https://www.sudanpost.info.
(57) بسنت فاروق:- صراع تيجراى.. انعكاسات على دول الجوار وتدخل تركى فى القرن الإفريقي، 17-11-2020، . https://www.mobtada.com/cases/
(58) Why is the Grand Ethiopian :-Op.Cit.
(59) الصراع في تيغراي: المرجع السابق..
(60) https://reliefweb.int/sites/reliefweb.int/files/resources/Sudan_2019_Humanitarian_Response_Plan.pdf
(61) موازنة السودان 2022.. طموحات في طريق ضبابي، العين الاخبارية، 14 يناير 2022، https://al-ain.com/article/sudan-s-budget-2022-ambitions-on-an-unclear-path
(62) Global Report on Food Crises – 2022, 4 May 2022, https://www.wfp.org/publications/global-report-food-crises-2022.
(63) Ethiopia’s conflict puts economic gains at risk: Letters,The Financial Times Limited Apr 12, 2021,p.24..
(64) إيمان علي – محمد أبو عوض،، مشروع “مستقبل مصر” قاطرة تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية، https://www.youm7.com/story/2022/5/21
(65) مصر تشكو إثيوبيا لمجلس الأمن بسبب الملء الثالث لسد النهضة، https://www.alarabiya.net/arab-and-world/egypt/2022/07/29 -.
(66) https://www.facebook.com/profile.php?
(67) https://www.facebook.com/abbas.sharaky
(68) إنفوغرافيك.. سدود السودان بين الحقائق والأرقام، https://www.skynewsarabia.com/business/938301-%