التوجيه المدرسي والمهني والجامعي: إكراهات سوسيوثقافية لبناء المشروع الشخصي للمتعلم
Educational guidance: Sociocultural compulsions to construct the learner’s personal project
د. سعدي عبد الرحمان/ مستشار في التوجيه التربوي، أكاديمية فاس-مكناس، المغرب
Saadi Abderrahmane/ educational guidance counselor, the Academy of Fes-Meknes, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 91 الصفحة 23.
ملخص :
يحاول هذا المقال القيام بمقاربة سوسيولوجية للمشروع الشخصي للمتعلم المعتمد كأساس للتوجيه التربوي، وبشكل أدق محاولة الوقوف عند أهمية العوامل السوسيوثقافية في سيرورة بناء المشروع الشخصي للمتعلم، لا نسعى من ذلك إلى إلغاء أهمية الدور المحوري للبعد السيكولوجي في بناء المشروع الشخصي، وإنما نهدف بالمقابل إلى تأكيد هذه الأهمية لكن ضمن نطاق التأثيرات التي قد تنتج عن السياقات الاجتماعية والثقافية التي ينتمي إليها الفرد المعني بالمشروع الشخصي.
الكلمات المفتاحية: المشروع الشخصي، التوجيه، السياق السوسيوثقافي، بناء الذات، مشروع حياة.
Abstract:
This article attempts to take a sociological approach to the learner’s personal project approved as a basis for educational guidance, and more precisely an attempt to identify the importance of sociocultural factors in the process of constructing the personal project of student. We do not seek from this to cancel the importance of the pivotal role of the psychological dimension in building the personal project, but we aim to confirm this importance, but within the scope of the effects that may result from the social and cultural contexts to which the individual concerned with the personal project belongs.
Key words: personal project, guidance, sociocultural context, self-construction, life project.
مقدمة :
ساهمت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية في إعادة توجيه التمثلات الاجتماعية بزيادة الطلب على التربية والتوجيه من جهة، ومكن تطور الأبحاث السيكولوجية والسوسيولوجية من إحداث تغيير في النظريات المرتبطة بالتوجيه، من حيث الموضوع، من جهة أخرى، حيث تم الانتقال من نموذج ميكانيكي تمركز على تصنيف المتعلّمين تبعا لاستعداداتهم (التي يتم تقويمها بالأداء المدرسي)، إلى نموذج “تربوي” أفرد مكانة خاصة للفكرة القائلة بقابلية الفرد للتربية من اجل بناء مسار مدرسي ومهني خاص، حيث مهدت الأفكار الليبرالية بعد الحرب العالمية الثانية وخلال فترة الستينات لإحداث تغييرات عميقة جعلت الاهتمام يرتكز على الفرد باعتباره مستقلا ومبدعا وقادرا على بلورة اختياراته، وأصبح يُنظر للاستعدادات الفردية كمكتسبات اجتماعية قابلة للتطور وحُظي التوجيه التكويني بأهمية كبيرة باعتباره ” يُسهل التحديد الذاتي للأفراد وقدراتهم على التكيف مع عالم الشغل بانخراط واعي في التحولات التقنية والاجتماعية التي يفرضها التقدم”[1].
في هذا الإطار برز المشروع كمفهوم حديث وسمة مميزة للحياة المعاصرة، ولم تمنع بدايته في القطاع الصناعي من انتقاله إلى مختلف ميادين الحياة الفردية والجماعية، فقد أضحى يمثل “الأداة الناجعة لتقويم إمكانيات الأشخاص الذاتية وتوقع آفاق واحتمالات نجاحهم المستقبلي”[2]، إن تعدد المجالات والسياقات التي يحيل اليها وكذلك غزارة الادبيات التي تناولته، تمثل في الواقع شهادة تعبر عن قوة وأهمية المفهوم وتعقده بل وهشاشته أحيانا.
لم يبقى المجال التربوي المغربي في منأى عن هذه التطورات، فمنذ بداية القرن الجاري عرفت النصوص المنظمة لهذا القطاع حضورا قويا لمفهوم المشروع من خلال مفاهيم أساسية كمشروع المؤسسة وبيداغوجيا المشروع، والمشروع التربوي، والمشروع الشخصي…إلى غير ذلك، حيث أصبح مفهوم المشروع لا سيما المشروع الشخصي يحتل مكانة مركزية في السياسة والتفكير التربويين، وأُريد له أن يحتل ذات المكانة في الممارسات التربوية بمستوياتها الابتدائي والثانوي والجامعي، وأضحت مساعدة وتمكين كل متعلم من بناء مشروع شخصي معيارا مركزيا يحدد بموجبه مدى نجاعة عمل المؤسسة المدرسية في القيام بمهامها التربوية، لذلك تجد المدرسة نفسها أمام ضرورة تعبئة شركائها وكافة الفاعلين التربويين للمساهمة الفعالة من أجل مساعدة المتعلم على بناء مشروع شخصي يستطيع من خلاله بناء شخصيته وهويته وكذلك الملاءمة مع الحاجيات الاقتصادية والمهنية للمجتمع [3].
ما يستفاد منه أن المشروع الشخصي للمتعلم وفقا لهذا المنظور يركز على أهمية المسؤولية الشخصية لهذا الأخير على مساره الدراسي وفي مواجهة التحديات والإكراهات الخارجية التي قد يفرضها المحيط، أي أن المتعلم لم يعد مجرد متلقي، وإنما أضحى كباقي المتدخلين فاعلا ومبدعا ومخرجا لمشروعه الشخصي ومسؤولا عنه في ظل عالم سمته الأساسية التحول واللايقين، وقد يعني ذلك مما يعنيه أن هناك نقلا للإكراهات الخاصة بالأجهزة التنظيمية والمؤسساتية إلى مستوى ضيق ضمن المجال الخاص للمتعلم الذي ينبغي تحمل كل المسؤولية بهذا الشأن[4].
بعد تناول مفهوم التوجيه باعتباره مساعدة المتعلم على بناء مشروعه الشخصي، سنقدم مفهوم المشروع الشخصي عند المتعلم وشروط بنائه، وبعد ذلك سنتطرق للإكراهات السوسيوثقافية التي قد تعيق الاختيارات الحرة للمتعلم في بناء مشروعه الشخصي، وفي الأخير سنعرض بشكل موجز لتصور أكثر شمولية ينظر للتوجيه كبناء ذاتي للحياة.
- التوجيه التربوي: من ثنائية الشخصية-الوظيفة إلى بناء المشروع الشخصي :
لقد انطلق الاشتغال بالتوجيه عامة بداية القرن الماضي في ظرفية اتسمت بالاستقرار وقابلية التنبؤ بالأحداث المستقبلية، حيث ارتكز آنذاك على أساس وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وكان هذا النهج الوظيفي يربط كل فرد بالخبرة المتوفرة لديه.
وخلال الستينات، انتقل التوجيه من ذاك النمط القائم على مبدأي التشخيص والتنبؤ إلى شكل جديد يحتل فيه الاختيار عند الفاعل مكانة أساسية، وتلا ذلك بداية السبعينات ظهور تيار سيكولوجي بكندا شيَّد التوجيه على أساس تربوي، وأفرد مكانة مركزية للمشروع وأهمية كبيرة لاتخاذ القرار، لا تعتبر سيكولوجية المشروع هذه، الفرد فاعلا فحسب بل مؤسسا فعليا لمشرعه الشخصي في عالم يتسم بالتغير وغياب الاستقرار، فهو مطالب كفاعل باكتشاف والوعي بذاته وبمحيطه، وجمع المعلومات ومعالجتها، ثم بناء على ذلك اتخاذ قرارات مناسبة، وبفرنسا تم قانونيا تكريس العمل بالمشروع الشخصي سنة 1989، حيث جاء في مرسوم لوزارة التربية الوطنية الفرنسية “ينبغي أن يتم توجيه الشباب عن طريق سيرورة بناء المشروع”[5].
وبالمغرب حثت وثيقة الميثاق الوطني للتربية والتكوين في الدعامة السادسة على البعد التربوي في التوجيه باعتباره “جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين”[6]، كما دعت إلى ضرورة “مساعدة من يرغبون في ذلك على بلورة اختياراتهم في التوجيه ومشاريعهم الشخصية”[7]، وجاء في الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 بالرافعة الخامسة ضرورة “الاعتماد المبكر على التوجيه لمصاحبة المتعلم في بلورة مشروعه الشخصي من السلك الابتدائي إلى غاية التعليم العالي، وتعزيز التربية على الاختيار تأسيسا على استعدادات المتعلمين وميولهم وقدراتهم”[8].
ونجد بالقرار الوزاري 19-062 أن التوجيه المدرسي والمهني والجامعي هو المساعدة على التوجيه[9]، بهذا التعريف يكون هذا القرار قد فك الارتباط بما كان سائدا من قبل بكون التوجيه علاقة تربط شخصا مالكا لخبرة يقدم وصفات وحلول لمشاكل من جهة، بشخص آخر يمثل زبونا باحثا عن علاج آني من جهة أخرى، فالمساعدة كما جاءت بهذا القرار تحيل إلى وجود مساحة شاسعة لتدخلات المعني بالأمر نفسه كفاعل مسؤول بشأن ذاته ومستقبله، في حين أن مهمة الطرف الثاني في هذه العلاقة لا تتجاوز مهمة المرشد والمساعد، كما جاء بالمادة 5 التي تقول ” يُوضع المُستهدَف بها موضع الفاعل النشيط المسؤول عن اختياراته الدراسية والتكوينية والمهنية، وعن قراراته المترتبة عنها، ويقف تجاهه كل الفاعلين والمتدخلين في المجال موقف المرشد والمساعد على تحديد وترشيد هذه الاختيارات والقرارات”[10].
انطلاقا مما سبق ليس التوجيه علاقة ميكانيكية أحادية الجانب بين فاعل خبير وبين متلقي سلبي، وإنما أضحت المساعدة على التوجيه عبارة عن مقاربة تربوية ضمن سيرورة تمتد على مدى الحياة[11]، ولا تسعى إلى تقديم وصفات وحلول جاهزة لمشاكل المتعلم، بل تهدف بالمقابل إلى مواكبة هذا الأخير لإرساء استقلاليته في الاختيار وفي اتخاذ القرار، وتقوية مسؤولياته من أجل بناء مشروع شخصي يفضي به إلى الاندماج المهني، وبهذا الصدد تقول المادة 6 من ذات القرار “يهدف التوجيه المدرسي والمهني والجامعي إلى دعم نضج واستقلالية المتعلمين وتعزيز مسؤولياتهم عن بناء وتحقيق مشاريعهم الشخصية التي تعكس طموحاتهم المهنية المستقبلية”[12].
وعلى الرغم من دعوته إلى تبني المشروع الشخصي كأساس للتوجيه إلا أن مضمون المادتين السابقتين يظهر أنه إذا كان الهدف من التوجيه هو المساعدة على بناء مشروع شخصي، فإن غاية هذا الأخير لا تتعدى تمكين المتعلم من الاندماج على المستوى المهني دون إشارة إلى مشروع حياة بصفة عامة، كما تؤكده الفقرة 3 بالمادة 7 “فالمشروع الشخصي للمتعلم هي السيرورة التي ينخرط فيها المتعلم من أجل تحديد هدف مهني يطمح إلى تحقيقه، وتحديد المسارات الدراسية والتكوينية المؤدية اليه، وخطته الشخصية لبلوغه”[13]، وعليه فإن جميع التدخلات الداخلية (المواكبة التربوية، والإدارية، والتخصصية) والخارجية (الشركاء، الأسرة، المحيط…)، وكذلك مسؤولية المتعلم نفسه يجب أن تنصب في اتجاه كل ما من شأنه مساعدته على تحديد وترشيد الاختيارات والقرارات المناسبة لبلوغ حلمه المهني عبر مسار دراسي وتكويني في إطار مشروع الشخصي.
لقد أضحى التوجيه بصفة عامة سيرورة تربوية بامتياز تتمحور حول المتعلم باعتباره فاعلا أساسيا في بناء وتوجيه حياته عامة ومساره الدراسي والمهني خاصة، انطلاقا من قيامه ببلورة فعلية ومسؤولة لمشروعه الشخصي الذي ينبغي القيام به منذ بداية مشواره الدراسي ويستمر مدى حياته، فماذا يقصد بهذا المفهوم؟
- تعريف المشروع الشخصي :
لقد فرض المشروع نفسه بقوة على كافة مجالات الحياة لا سيما المجال التربوي، لكنه مع ذلك يعتبر مفهوما حديث الظهور بالمنظومة التربوية المغربية، لذلك فإن بيان مدلوله ووظيفته وأسس بنائه تحتاج إلى المزيد من البحث.
يعني المشروع في القاموس الإنجليزي تخطيط واقتراح، وتعهد أو عملية تتطلب مجهودا، كما يقصد أيضا الدفع والارتماء إلى الأمام، إضافة إلى ذلك يشير المشروع في اللغة الفرنسية إلى معنى القصدية للقيام بشيء ما[14]، وبهذه الدلالات، نستشف أن مفهوم المشروع يمتاز بالقوة لأنه يتضمن القصدية والفعل والاتجاه والهدف في المكان والزمان، كما أن البعدين الأول والأخير يجعلانه اليوم أكثر قربا وملاءمة لحياة الأفراد من المسار المهني المعمول به في السابق، ذلك أنه إذا كان كلا المفهومين يتجه نحو هدف معين، فإن مفهوم المسار المهني غالبا ما يحيل إلى مسارات منظمة اجتماعيا أصبحت حاليا تفقد تأثيرها في الحياة المهنية، فالتربية على سبيل المثال، كانت في السابق تُطوِّر لدى الفرد نمط حياة محدد لمسار مهني بعينه، في حين أنها تُصر اليوم على تنمية المهارات لدى الأفراد وهو ما يمكن تحقيقه عن طريق المشروع [15].
يشير المشروع بصفة عامة إلى “كل ما لدينا نية القيام به مستقبلا على المدى المتوسط”[16]، أو بعبارة أخرى تمثل ذهني واعي ومعبر عنه بوضعية في المستقبل، يعتقد الفرد أنه قادر على تنزيلها على أرض الواقع وجعلها حقيقة، والتي تدمج كل معارف الفرد حول ذاته وحول محيطه الخارجي[17].
لا يخرج النظام التربوي المغربي عن إطار التعريف السابق للمشروع الشخصي للمتعلم، حيث يحدده كـ”سيرورة ذاتية وداخلية للمتعلم، ذهنية ووجدانية ونفسية واجتماعية، مع إسقاطات مستقبلية لمساره الدراسي والمهني”[18]، انطلاقا من هذا التعريف يشير المشروع الشخصي للمتعلم إلى انخراط في المستقبل وتفتح على آفاقه وإسقاط للذات في مساره من خلال تحديد هدف مهني يتطلب تحقيقه تحديد مسار دراسي أو تكويني يؤدي إليه، وذلك طبعا وفق خطة يعتمدها الشخص لتحقيق هذه المقاصد المحددة عن طريق توقعها وتعبئة الوسائل اللازمة لبلوغها، أي “تمثل تنبؤي لنتيجة مستقبلية يستهدف منها الشخص تحقيق غاياته ومطامحه ورغباته وحاجاته”[19]، وتبعا لكل ما سبق يحيل المشروع الشخصي للمتعلم إلى عدة عناصر أساسية[20] كالآتي:
- وجود قصد أو نية قيام الفرد بفعل الذي يعني عزم الفرد الاختياري والمقصود للقيام بفعل، ومن ثم إلى إرادة الإنجاز، كما يحيل أيضا إلى تمثل الفرد للهدف الذي ينشد بلوغه.
- هناك هدف محدد يسعى الفرد إلى تحقيقه.
- يتوقع الفرد حامل المشروع مجموعة من الوسائل يستطيع بموجبها بلوغ أهدافه.
- يتم تحديد المشروع على شكل برنامج أنشطة متتالية سيتم بفضلها تنفيذ هذه الوسائل.
وعلاوة على ذلك، لا يتطلب المشروع البحث وتحديد الوسائل اللازمة للانتقال من القصد إلى الفعل فحسب، بل هو كذلك في حاجة ماسة إلى ضرورة وضع استراتيجية حقيقية لهذا الانتقال في إطار زمان ومكان محددين تعتمد على الخصائص المميزة للمشروع وعلى الشروط المنهجية اللازمة لتنفيذه.
- خصائص المشروع الشخصي للمتعلم :
عَدَّد الباحثان يونغ و فلاش[21] مجموعة من الخصائص المميزة للمشروع الشخصي للمتعلم، منها على سبيل المثال ما يلي:
- يفترض المشروع أفعالا[22] أو سلسلة متتالية من الأفعال تتميز بكونها ليست قصيرة المدى كالفعل، ولا طويلة المدى كالمسار الذي يمتد مدى الحياة، فالمشروع منظور متوسط المدى ومرتبط بالموارد الضرورية لإنجازه، ومن ثم فهو قابل للتغير والتطور لكونه ليس سجينا للمعايير والأدوار والاتفاقات.
- لا يتحدد المشروع ضمن نطاق المجال المهني فقط، بل إنه أقل ارتباطا بالمؤسسة من المسار، ويتسع تطبيقه إلى مختلف مجالات الحياة، إنه يمثل مفهوما أساسيا لفك ارتبطا التوجيه بالجانب المهني، كما يعد أكثر ملاءمة للتغيرات والتطورات السريعة التي تميز عالم الشغل والطابع الكوني والمعلوماتي للاقتصاد.
- إن المشروع هو بناء اجتماعي، لأن طبيعته العلائقية هي خاصيته الأكثر تجليا.
- لا يتم التحكم تماما في المشروع، فعملية الإسقاط التي يخضع لها تجعله مفتوحا على تدخلات ومساهمات مستقبلية.
- يعد المشروع طريقة لتنظيم تجاربنا الماضية وتوقع تجاربنا المستقبلية في الوقت ذاته.
- الشروط المنهجية للمشروع الشخصي :
أورد ووش Wach [23] أن أعمال عالم النفس الاجتماعي Jean-Pierre Boutinet تتضمن أربعة شروط ضرورية لمنهجية المشروع كالآتي:
- ينبغي أن يكون المشروع كليا :
تحمل منهجية المشروع في طياتها ضرورة الكلية أو الشمولية، وذلك لأن الفرد هو ذاته من يتحمل مسؤولية المشروع خلال كل مراحله، أي من لحظة التصور إلى مرحلة التنزيل والإنجاز، ويعني ذلك من جهة أن أهداف المشروع ليست خارجية، وإنما هي في الواقع أهداف الفرد نفسه، وأنه مؤلف مشروعه أي هو المقرر والمسؤول عنه، ويشير من جهة أخرى إلى أن كل فرد حامل لمشروع يتميز بكثرة نشاطه وقوة المواجهة، وأكثر مناعة من غيره ضد المخاطر المحتملة، كما يستطيع النجاح في الحياة الاجتماعية من يتحمل المسؤولية فيما يتعرض له.
- يقتضي المشروع تدبير المعقد واللايقين :
إن السمة الأساسية للمشروع هي أنه متعدد الحلول، ومن ثم فإن الفرد، باعتباره مؤلفا وفاعلا في المشروع، مُطالب بوضع عدة سيناريوهات محتملة، ما يفرض عليه بطبيعة الحال التحلي بالمرونة والأخذ بعين الاعتبار تعقد ولايقين الوضعية والتفكير كذلك في عدة حلول باستعمال معايير مختلفة في الوقت نفسه ، ينبغي إذن على الفرد استبعاد منطق الحتمية والعمل بدل ذلك على امتلاك قدرة اللعب على مخططات عدة.
- ينبغي أن يفضي إلى حلول فريدة :
لا تستدعي منهجية المشروع أن يكون الفرد مؤلفا لمشروعه فحسب، بل تقتضي كذلك أن يتمتع بروح الإبداع والابتكار والتجديد، لان الامر لا يتعلق بوضعية مألوفة وإنما بوضعية غير مسبوقة في حاجة إلى جواب فريد، لذلك فإن بناء مشروع يتطلب من الفرد الانطلاق من عناصر ونماذج خارجة، لكن لا يعني ذلك إعادة انتاج نماذج سابقة وإنما الاستعانة بها فقط من اجل بلورة وبناء مشروع خاص، بحيث لا توجد هناك وصفة قبلية لكيفية بناء مشروع، ونشير أيضا إلى فكرة بالغة الأهمية مفادها أن جودة هذه النماذج مرتبطة بمختلف أوساط التنشئة الاجتماعية لا سيما المدرسة.
- لا يمكن بناء مشروع إلا في بيئة مفتوحة :
يحتاج المشروع بطبيعته إلى بيئة خصبة ومتفتحة تسمح باستكشاف الإمكانيات المتاحة وإحداث تغييرات، لأن المشروع يتطلب التحلي بالتفاؤل وانطلاقته تستدعي تقدير احتمال تحقيق ولو بعض من الإنجازات.
نخلص مما جاء سابقا، أن التصور الراهن للتوجيه باعتباره سيرورة تربوية تضع المتعلم كفاعل أساسي يتحمل مسؤولية تأليف وبناء مشروعه الشخصي خلال كل مراحله، أي من لحظة التصور إلى مرحلة الانجاز، ويعتبر أهداف المشروع الشخصي تجسيدا لطموحات المتعلم واستعداداته ورغباته هو نفسه، غير أنه مقابل ما سبق يحتاج المشروع بطبيعته إلى بيئة ثقافية واجتماعية تتميز بالخصوبة والانفتاح على المحيط الخارجي بما يسمح باستكشاف الإمكانيات المتاحة وإحداث تغييرات أيضا، ذلك أن عملية الإسقاط التي يخضع لها المشروع الشخصي، كما ورد أعلاه تجعله مفتوحا على تدخلات ومساهمات مستقبلية عديدة ومختلفة، إن المشروع بصفة عامة كما جاء أعلاه هو بناء اجتماعي، لأن طبيعته العلائقية هي خاصيته الأكثر تجليا، من هذا المنطلق يمكن البحث في الإكراهات السوسيوثقافية التي قد تعيق بناء المشروع الشخصي عند المتعلم.
- المشروع الشخصي: أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية
- هشاشة الشغل: انكماش لحرية الاختيار
عرف العالم حسب السوسيولوجي الفرنسي سيرج بوغام، منذ سبعينات القرن الماضي انفجارا واسعا للعمل الهش الذي شمل قسما جد مهم من السكان، ولا يعزى ذلك إلى نتائج الأزمة التي سادت آنذاك فحسب، بل يرجع أيضا إلى دوافع اقتصادية وسياسية تتمثل في زيادة مرونة اليد العاملة وتقليص نسب البطالة[24]، وحيث تشير إلى التفاقم المادي والرمزي لعدد متزايد من الأُجراء، فالهشاشة أصبحت بذلك نمطا للاندماج في سوق الشغل، كما تمثل واحدا من الدواليب الضرورية لاشتغال نظام الإنتاج[25].
ولما كان العمل لدى السوسيولوجي الفرنسي إيميل دوركايم يمثل أساسا للاندماج الاجتماعي، نظرا لما كان يتيحه من إمكانيات لتحقيق الحماية والاعتراف الاجتماعيين لدى الأفراد، فإن سمة اليوم على العكس من ذلك، عند سيرج بوغام هي انعدام الأمن (اللأمن) الناتج عن تفشي الوظائف الهشة بشكل مضاعف وغياب الاستقرار في الشغل التي تظهر مثلا في: 1) شغل محدود الزمن، بمعنى إرساء لا أمن بنيوي للشغل 2) تواتر متزايد للعمل بالعقد، أي زيادة المرونة في العمل وغياب الاستمرار، 3) البحث المستمر لتقليص تكاليف الإنتاج، ما يولِّد غياب الأمن والاستقرار في الشغل لدى الأجراء[26].
نستخلص من ذلك أن مفهوم الهشاشة يشير إلى وجود علاقة هيمنة بالمعنى الذي يقضي أن تنمية وتطور الفرد يخضعان لقرار الأخر، ذلك أن وجود الفرد في وضعية هشاشة يجعله في وضعية تتسم بغياب الاختيار وضعف هامش التصرف الذاتي[27]، ومن هذا المنطلق لا يستند الفرد عامة والمتعلم بصفة خاصة في انخراطه في مشروع شخصي على تمثلاته فحسب، بل يخضع كذلك لتأثير ات اجتماعية متعددة، فكيف ذلك؟
- التأثير الاجتماعي على التمثلات والكفايات الفردية :
انطلق أولفيي Olivier من فكرة مفادها أن التربية على التوجيه عرفت تطورات كبيرة خلال سنوات السبعينات من القرن الماضي، وذلك في سياق اتسم أولا بأهمية دور المدرسة في التنشئة وتربية الشباب، وثانيا بأولوية النجاح الفردي الذي يجعل الفرد المسؤول المباشر عن بنائه الشخصي، وثالثا بحصول تحولات عميقة في تنظيم الشغل جعلت ارتباط مناصب الشغل بالكفايات الفردية[28]، لذلك أضحت كفايات الاختيار والتوجيه، حسبه، كفايات مفتاح ينبغي امتلاكها خلال التعليم الالزامي لكي يصبح كل فرد على مدى حياته قادرا على تحليل وضعية وتعبئة موارده للتكيف وتغيير مهنة أو منطقة، غير أنه مع ذلك عَدَّدَ عوامل أخرى مسؤولة عن اختيارات التوجيه والمسار الدراسي للمتعلم منها كفاياته الفردية وكفاياته المكتسبة، والأسرة والمحيط وسياق التعلم، والأصل الاجتماعي والاثني، فخلال المسار الدراسي، يتمتع الأصل الاجتماعي، حسب الباحث، بأهمية كبيرة في :
1) تفييئ الناس، إذ يُهيأ الطفل للاستفادة من وضعه الاجتماعي بالمدرسة.
2) إرساء اللا مساواة الاجتماعية كآليات للنجاح ترفع من قيمة الطفل المدرسية، وكاستراتيجيات اجتماعية خلال اختيارات التوجيه تحفز بقوة مساره الدراسي.
ومن ثم ليس غريبا أن يحتد التنافس حول المساعي نحو التفرد والاختلاف (اختيار أفضل المدارس، وأفضل المدرسين…)، لأن من شأن ذلك التأثير على المصير المدرسي للمتعلم، فالتمدرس مثلا في بيئة مدرسية صعبة ستَحُد من تطور الكفايات الفردية للمتعلمين وتؤثر سلبا عليها[29].
في ذات الإطار، اعتبر ووشwach أن ضعف الإعلام عند الشباب يولد لديهم قوالب جاهزة وتصلب في التمثلات حول مسالك التكوين والمهن، ذلك أن تكوين مشروع عند هذه الفئة مرتبط بمفهومين أساسيين هما: التأثير الاجتماعي والهابتوس، إن التمثلات المهنية مرتبطة بنظام اهتمامات أو مصالح محددة من طرف شخصية الفرد وحسب وضعه الاجتماعي، فمِثلها مثل التمثلات المدرسية كلها تمثلات اجتماعية، بمعنى معارف مختلفة مُعدَّلة عن طريق علاقات اجتماعية ومُحيَّنة في وضعيات خاصة[30].
فإذا كانت التمثلات ترتبط بالفرد، فإنها تبقى على الدوام خاضعة لتأثيرات اجتماعية، كما جاء في نموذج Huteau (1982)، يقول ووش (wach)، لسيرورة بناء التمثلات الذي يفترض فيه أن إنجاز المشروع الشخصي هو في الواقع عبارة عن مقارنة بين تمثل الذات وتمثل المهن انطلاقا من حقيقة اجتماعية وعاطفية خاصة بالفرد، ومن ثم لا تتكون التمثلات من معارف فحسب، بل تتشكل أيضا من معتقدات، بمعنى أنها ليست نتاج معرفي محض، وإنما هي كذلك عاطفية واجتماعية[31]، أي تتولد جمْعِيّا (بلغة إميل دوركايم) وتخضع لتأثيرات اجتماعية (عند موسكوفيشي) أو لهابتوس (عند بورديو)، هذا الهابتوس الذي يجعل البعض يفكر تلقائيا أن يصبح دبلوماسيا والبعض الآخر أن يشتغل كمساعدي رعاية الأطفال[32].
بناء على ما سبق قد لا يستطيع العديد من المتعلمين بناء مشروع شخصي ليس جراء نظرته السلبية حول ذاته فحسب، بل كذلك بسبب عسر حياته الأسرية أو الاجتماعية أو المدرسية، فتأثير هذه الأخيرة بحصر المتعلمين مثلا في خانة المتعثرين دراسيا متجاهلة وجودهم كشباب خارجها، تكون قد زجت بهم في وضعيات يواجهون فيها صعوبات في بناء تمثلات متنوعة حول الذات[33].
في ذات السياق يشير أوليفيي[34] إلى نموذج للباحث Holland يصف فيه الأشخاص تبعا لبيئاتهم والتفاعلات الناتجة عنها، ومن ثم اعتماد ذلك في تفسير سلوكاتهم المهنية، ليس الاختيار المهني بالنسبة لهذا الباحث مسألة شخصية فحسب، بل يقوم أيضا على عناصر سوسيولوجية أخرى أهمها تاريخ الأفراد وأصولهم الاجتماعية والسياق الاجتماعي ونظرتهم إلى الحياة وطريقة ارتباطهم بالكون، يتأسس نموذج Holland، على مبدأين أساسين: يشير الأول إلى أن اختيارات الأفراد المهنية vocationnelle هي تعابير شخصية، ويعتبر الثاني بأن الأعضاء في كل جماعة مهنية يتقاسمون سمات مشتركة، فعلاوة على شخصيته، يستند الفرد في اختياراته على تاريخه الشخصي، فالبراميترات الخاصة الملازمة لبعض المهن تجذب الأفراد الذين يتقاسمون سمات مشتركة مع هذه الجماعة المهنية مؤسسين بذلك لمناخ عمل يعكس تلك الجماعة[35].
وبالتالي يستفاد مما جاء آنفا أنه في التوجيه لسنا بصدد عملية ميكانيكية يتم بموجبها إعداد الأفراد لمهن محددة بعينها، وإنما ينبغي أن نفهم التوجيه كسيرورة تربوية تمكن المتعلم عبر مشروعه الشخصي من بناء الذات وهوياته المتعددة، لمواجهة الحياة بكل تعقيداتها وتقلباتها، ضمن إطار من التفاعلات سواء مع المحيط حيث يساهم الأفراد بموجبها في تطور السياق الذي يعيشون فيه أو مع الذات بقيام الفرد بتنظيم سلوكه وإدراك الآخرين من خلال شمات ذهنية وثيقة الارتباط بجماعته أو فئته الاجتماعية.
- تكوين المشروع الشخصي: بين رهان الاسرة ودور المدرسة :
يلعب مستوى طموحات الأسر دورا بالغ الأهمية في تحديد المسار الدراسي والمهني للمتعلمين، ويمكن الإشارة بهذا الصدد إلى بعدين أساسيين ذا تأثير كبير فيما يخص التوجيه المدرسي والمهني عامة وبناء المشروع الشخصي بصفة خاصة: الأصل الاجتماعي للمتعلم وانتقائية المدرسة، فنادرا ما تحظى رغبات المتعلم ولا مشروعه الشخصي بأية أهمية في عملية التوجيه، وإنما تخضع بالمقابل إلى ضغوطات تمارسها أسر المتعلّمين أحيانا وإلى أهداف خاصة بالمؤسسة المدرسية أحيانا أخرى، حيث يُعتمد في اختيار التوجيه ببعض المؤسسات استنادا على “معايير مدرسية ولا تحظى رغبات الأسر بأهمية، في حين تمارس طلبات الأسر بمؤسسات أخرى تأثيرا واضحا على التوجيه، إلى درجة أنه يصبح من الأهمية بمكان معرفة طلب الأسرة على حساب القيمة المدرسية للمتعلم للحسم في توجيهه”[36].
يبدو من الطرح السابق أنه لا قيمة لظروف المتعلم المدرسية إلا إذا كان هذا الأخير لا يحظى بدعم واضح من قبل الأسرة، أي حينما يكون مصيره متروكا له أو لفائدة المدرسة التي تتولى التصرف بهذا الشأن، وحينها يتم اللجوء أحيانا إلى مواصفاته المدرسية أو إلى ما قد يعتبرونه مشروعه الشخصي للحسم في عملية توجيهه، فسياق التمدرس لا يؤخذ “بعين الاعتبار في التوجيه إلا بالنسبة للمتعلمين المنحدرين من أوساط شعبية خاصة، أي أنه لا يصبح ذا أهمية إلا عند تحليل التمايزات الاجتماعية للمسارات المدرسية”[37].
إن هذا الحضور القوي للمدرسة والأسرة في عملية التوجيه عامة وبناء المشروع الشخصي بصفة خاصة عند المتعلم لا ينفي بالمقابل أن قبول واستدخال منطق المشروع الشخصي هما في الأساس مسألتين وثيقتا الارتباط بطبيعة النمط الثقافي السائد بالمحيط الاسري والمدرسي للمتعلم.
- بناء المشروع الشخصي: الحاجة إلى نمط ثقافي جديد :
في مقاربته للمشروع الشخصي، ينطلق برنود Perrnoud [38] من فكرة مؤداها أن تكوين مشروع يفترض وجود علاقة خاصة بالعالم، حيث أنه على الرغم من وجود أهداف وغايات لدى الكائن الإنساني إلا أن هذه الأخيرة ليست سمة كل الثقافات، فالقدرة على بناء مشروع، كالعلاقة بالمعرفة، مسألة ثقافية بامتياز وليس نمطا كونيا للعلاقة بالعالم إن “المشروع كقطيعة، كإسقاط في المستقبل، كإبداع هو سمة تميز المجتمعات التي ابدعت وابتكرت فكرة التقدم والتنمية والتخطيط”[39]، ظهر بالموازاة مع ميلاد الرأسمالية وتثمين التطور الاقتصادي، في حين أن الأهم في المجتمعات التقليدية هو بقاء الأمور على عادتها واستقرار نظامها، وفي المقابل “يستدعي العيش عبر مشاريع غياب الاشباع باستمرار، ووجود لا توازن ونقص ينبغي تغطيتهما”[40].
وإذا كانت هذه العلاقة بالعالم هي المهيمنة في المجتمعات المتقدمة، إلى درجة أن عدم توفر الفرد على مشروع شخصي يعد علامة على عدم نضجه بعد، فإن فكرة المشروع تقتصر بالمقابل على النخبة في المجتمعات التقليدية، ما يستفاد منه أن هذه العلاقة ليست معيارا، وإنما هي نمط للعيش من بين أنماط أخرى مختلفة، فالاختلافات “شاسعة داخل كل مجتمع، وبين الطبقات الاجتماعية وبين الأسر، وأن جميع الكائنات الإنسانية لا تحدد هويتها بمشاريعها، ولا تبني مشاريع لكي تمنح معنى لحياتها”[41].
تعتبر الحياة في الوقت الحالي، مشروعا ولا تجد معنى لها إلا في المشروع، غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن جميع الأسر لا تعيش طبقا لهذا النموذج ولا تقوم بنقله تلقائيا إلى أبنائها لاسيما بالمجتمع التقليدي، ويعزى إلى عاملي السلطان والواقعية[42]، فمن جهة ترتبط القدرة على بناء مشروع بالسلطان بهذه المجتمعات، بمعنى لا يستمد المشروع هنا معناه ودلالته إلا من خلال امتلاك الفرد للقدرة والإمكانات والوسائل الكافية للتأثير على الواقع، ويعتبر المشروع من جهة أخرى هدفا واقعيا قابلا للتحقق عن طريق المثابرة والاجتهاد، أي يمكن العمل من أجله بكل نشاط في حالة كان هناك سلطان على الأشياء والأحداث والناس، ونضرب مثالا على ذلك كالآتي: إذا قال ابن مسؤول أو إطار، سأصبح طبيبا في المستقبل أو مدير شركة، فإنه ليس على يقين من ذلك لكنه يمتلك إمكانات ونقط قوة واستراتيجية و…الخ قد تسمح له بذلك، في حين إذا قال ابن عامل بسيط سأكون ربّ شركة في المستقبل فإنه دون شك سيكون أضحوكة أقرانه[43].
بالإضافة إلى ذلك نشير أن الطفل يقاد مبكرا في بعض الطبقات الاجتماعية إلى الاستئناس بالمشاريع، حيث يستمد هويته ومعنى وجوده وقوة شخصيته وتقديره من المشاريع التي يستطيع بناءها وتطويرها، في حين أنه في أسر أخرى لا يتلقى الطفل خلال تنشئته الأسرية أي شيء من ذلك، إذ يقال للطفل لا تحلم ولا تنظر بعيدا حتى لا تسقط من الأعلى.
انطلاقا مما سبق يبدو أن المدرسة كما يؤكد بيرنودPerrenoud تستقبل فئتين من المتعلّمين: أما الأولى فهي تمتلك تأهيلا واستعدادا مسبقا للعمل بالمشروع قبل ولوج المدرسة، وهي على وعي تام بأن بناء مشروع يتطلب تعبئة كفايات اجتماعية ومهارات وهوية وقوة، ويمتلكون القدرة على تصور مشاريع والسلاسة في المرور إلى الفعل وحل المشاكل إلى غير ذلك، والفئة الثانية غير مُرخَّص لها للتعبير عن طموحاتها ولا تؤهلها تنشئتها الاجتماعية للتفكير كفاعلين وكمبدعي مشاريع بسبب رفض تحويل وتغيير علاقتها بالعالم، وبالتالي لا يمكن مساعدة هذه الفئة الأخيرة من المتعلّمين على بناء مشاريع خاصة ذات طبيعة مثالية إلا عن طريق تغيير علاقتها شيئا فشيئا بالآخرين وبالعالم، أي تغيير ثقافتها وهويتها ونمط حياتها[44].
- التوجيه: بناء مسار حياة قائم على المشروع الشخصي للمتعلم :
ترتكز النظرية النسقية على مفهوم النسق الذي تقوم من خلاله بتوضيح العلاقات التفاعلية بين عدد من المتغيرات ذات التأثير على تطور المسار المهني للفرد، ويتم التمييز في هذا النموذج بين المحتوى والسيرورة حيث يحاول من خلال الأول توضيح المتغيرات المرتبطة بالفرد والسياق باعتبارها ذات تأثير مهم على تطور المسار، ويهتم الثاني بالتفاعلات بين المكونات الداخلية للفاعل (المهارات، الشخصية، الكفايات…) وبين مكونات السياق[45]، يعبَّر عن هذا النموذج بخطاطة يحتل الفرد مركزها باعتباره نسقا فرعيا يحتوي عناصر داخلية (مفهوم الذات، معرفة عالم الشغل، التكوين، الكفايات…) يؤثر من خلالها على محيطه الخارجي، ثم يرتبط به نسق فرعي عبارة عن سياق اجتماعي ينخرط من خلاله في تفاعلات مع باقي الفاعلين بمعنى مع انساق فرعية أخرى (الأسرة، الأقران، الشركة، المدرسة…)، وتتميز هذه الأنساق بطابعها المتغير في الزمن، كما أن التفاعلات داخل وبين هذه الأنساق ليست خطية وغير سببية، بل هي تراجعية من طبيعتها ومتعددة الأبعاد وتحيل إلى ماضي وحاضر ومستقبل الفرد[46].
في ذات السياق، أوْلى باندورا Bandura من جهة أولى بالغ الأهمية للتفاعل بين العوامل الشخصية والبيئة والسلوك ولخاصية التغيير في حياة الفرد، فعلاوة على طموحاتهم وآفاقهم المتغيرة في الزمن تؤثر الأنساق الاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد على طرق بناء وتنظيم وتقييم حيواتهم، ومن جهة ثانية استبعد فكرة اختزال الحياة الفردية وقولبتها في إطار مراحل محددة سلفا “إن التغيرات النفس-اجتماعية التي تحدث فجأة في الزمن ليست مراحل قهرية لا محيد للجميع من تخطيها لأنها جزء من سلسلة نمائية محددة من قبل”[47]، ومن جهة أخرى اعتبر أن هناك مقابل ذلك مسارات متعددة في حياة الأفراد ويرتبط نجاح كل واحد في تخطي دورات الحياة بفعاليته الذاتية[48] أو مشاعر الفعالية الشخصية للفرد وكذلك بسياقات زمنية ومكانية[49].
تتشكل مسارات الحياة حسب هذا التصور من خلال التفاعل المتبادل بين العوامل الشخصية ومختلف التأثيرات البيئية، ولذلك لا تمثل هذه الأخيرة وحدة ظرفية تقف وراء تدبير مسار حياة فرد سلبي، وإنما يتعلق الأمر بمتوالية من المعاملاتles transactions يلعب الفرد خلالها دورا تتشكل بموجبه مسارات نمائه الشخصي، ما يفيد بأن حياة الفرد ليست مسارا وحيدا عبارة عن مراحل واضحة المعالم ومحددة بشكل مسبق نتيجة عامل البيئة، ولكن الأمر على العكس من ذلك يتعلق بمسارات حياة تتضمن قسطا مهما من العشوائية بمعنى يمتطي الأفراد مسارات حياة جديدة تنتجها ظروف مفاجئة ليسوا عاجزين أمامها، لأنه يمكنهم باعتبارهم فاعلين في الحياة استثمار مواردهم الشخصية (مهاراتهم، فعالياتهم الذاتية، ميولاتهم…) لاغتنام الفرص المتاحة[50].
ومن جهته اعتمد السوسيولوجي الفرنسي دوبارDubar في تحليله لمسارات الحياة عن الأفراد على تحديد المعاني التي يحيل اليها مفهوم الهوية، ويتعلق الأمر بالتمييز بين منظورين مختلفين لهذا المفهوم: أما الأول فيسميه بالهوية للذات أو الهوية السردية identité biographique، حيث يعتبر الفرد فاعلا يعرف نفسه بنفسه أي أنه يقوم ببناء أو إعادة بناء ذاتي لنفسه، فالهوية في هذه الحالة تعد عموما نتاج عملية لغوية وشكلا سرديا يشير إلى مختلف الطرق التي من خلالها يحاول الأفراد إعادة الاعتبار لمساراتهم (المدرسية، الأسرية، المهنية…) باعتماد سرديات الحياة لأجل تبرير موقف معين أو توقع مستقبل محتمل، والمنظور الثاني يطلق عليه دوبار اسم الهوية للغير، ويشير إلى التحديد الاجتماعي للهوية، حيث تولى في هذه الحالة أهمية بالغة لتحديد هوية الفرد في فضاء اجتماعي معين أو هوية الفرد من وجهة نظر الغير (سواء كان هذا غير الشخصية ذات أهمية، أو كان عاما ومؤسساتيا)، يقوم هذا التمييز على أساس قطبية نظرية للتنشئة الاجتماعية يقابل فيها بين اتجاه سيكولوجي أو جوهراني يستند إلى فرضية الذات كحقيقة جوهرية قائمة الوجود وكوحدة مستقلة تشترط الهوية وتحددها كقدر محتوم، وبين منظور سوسيولوجي أو نسبي عكسي يختزل الذات ومن ثم الهوية السردية إلى وهم يخفي أهمية الأدوار الاجتماعية ويعتبر بالمقابل أن الأطر الاجتماعية والفئات الاجتماعية (مستوى دراسي، فئات مهنية، وضعية ثقافية…) التي يتم استيعابها طيلة دورة الحياة هي مصدر الهويات الفردية، وبالتالي فإن المسار الاجتماعي هو الذي يحدد الهوية الذاتية[51].
في مقابل هذه الثنائية القطبية، حاولت وجهة نظر ثالثة ذات طابع سوسيولوجي أن تتموقع بين الصيغتين السابقتين ويتعلق الأمر بوجهة النظر العلائقية التي تحاول نسج علاقات بين المسارات الذاتية وبين التصنيفات الاجتماعية المؤسساتية، وتشهد كل من مدرسة شيكاغو والمدرسة الفرنسية على هذا التوجه، فقد جعل رواد الأولى من الملفات الشخصية، ولا سيما المواد السردية معطيات سوسيولوجية بالغة الأهمية لبلوغ السيرورات الاجتماعية الأكثر هيكلة، كما كرّسوا جهودا مضنية لإقامة روابط بين الأطر الاجتماعية (جماعات المنحرفين مثلا) وبين المسارات الفردية على أساس أن التفاعلات والمعاملات[52] (les transactions) والمفاوضات (التأثيرات المتبادلة بين الأفراد من جهة والمؤسسات من جهة أخرى) تشكل الخلفية الأساسية لبناء الهويات، كما حذت الأبحاث بفرنسا أيضا نفس المنحى باعتماد مقاربات بهدف بناء علاقات تربط بين المسارات الفردية وتصنيفات اجتماعية (فئات عمرية، مستويات دراسية، فئات مهنية…)، وبصفة عامة تشكل هذه الخطوات محاولات ترمي إلى إقامة جسور علائقية بين المسارات الذاتية وعوالم معاشة منظمة حول فئات اجتماعية مصدرها السير الذاتية التي يصطلح عليها بالأطر الهوياتية[53].
وعلى غرار ما سبق عبر كيشاغد Guichard عن المشكل الاجتماعي الذي يتناوله التوجيه بالسؤال الآتي: كيف يمكن للفرد أن يوجه حياته إلى الأفضل في المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه؟ ثم صاغه علميا بالتساؤل عن العوامل السيكولوجية والسوسيولوجية التي تشكل أساس بناء الذات على مدى الحياة، ما يبين من خلاله أن بناء الذات هي الغاية الأساسية من التوجيه، وأن هذا البناء لا يقتصر على جانب دون غيره من جوانب الحياة المتعددة (كمساعدة الفرد على بناء مشروع شخصي يحقق اندماجه المهني حصريا)، كما أنه يتميز بالاستمرارية على مدى الحياة ولا يتوقف امتداده على مرحلة زمنية محددة، إضافة إلى ذلك ينفي مفهوم بناء الذات التصور النمائي للذات وفق مسار خطي كسلسلة من مراحل دقيقة وقهرية لا يسمح القفز على إحداها للمرور إلى المرحلة الموالية[54].
إن بناء الذات حسب هذا المنظور عبارة عن سيرورة بناء وإعادة بناء تمتد على مدى الحياة كمسارات متعددة مرتبطة بسياقات زمكانية، ويحتل فيها البعد الإنساني بالغ الأهمية، ذلك أنه إذا كان هذا الأخير يستند على حالات ذهنية وسيرورات فكرية كونية تميز النوع الإنساني، فإنه تحدث أيضا في سياق مجتمع إنساني محدد يشكل إطارا محددا يسمح بجعل الفرد إنسانا أو بالتشكل كإنسان[55].
يظهر مما سبق أن هناك ضرورة لإعادة النظر في أنماط التوجيه الحالية، وذلك لأن فرضياتها المركزية المتمثلة في توقع واستقرار المسار ومراحله لا يمكن تحيينها في ظل المناخ السوسيواقتصادي والثقافي الحالي الذي يتسم بدينامية وتغير سريعين، فالسلوك والمواقف الفردية لا ترتبط بالفرد فحسب، بل هي كذلك نتاج البيئة التي يعيش فيها، لذلك من الأهمية بمكان إعداد نماذج جديدة من شأنها الأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات وما نتج عنها من قبيل المرونة الإنسانية والتكيف والتكوين مدى الحياة، بناء على ذلك فعوض التوجيه المدرسي والمهني، من المناسب الحديث عن مسارات حياة، حيث يقوم كل فرد داخلها ببناء حياته آخذا بعين الاعتبار مشاريعه الخاصة[56].
خلاصة القول، إن الانتقال في التوجيه من المسار المهني إلى مسار حياة عند المتعلم لهو أمر في غاية الأهمية نظرا للتطورات السريعة التي تشهدها مختلف مناحي الحياة الإنسانية المعاصرة، لكن من الجدير في هذا الإطار أن نذكر بأن مفهوم تطور مسار حياة لا يرتبط بالفرد والتحولات الحاصلة في عالم الشغل فحسب، بل يتعلق أيضا بتحولات المحيط السوسيوثقافي للفرد، لأنه لا يمكن فهم هذ الأخير ولا عالم الشغل دون استحضار سياق التطور الإنساني بشكل أوسع، ذلك لأن بناء الفرد لحياته يتم ضمن الأدوار والمهام التي يتحملها خلال مراحل حياته بكل ما يطبعها من تغيرات وفترات انتقالية مهمة.
خاتمة :
لم يبقى ميدان التوجيه عامة في منأى عن التحولات السريعة التي تلحق باستمرار مختلف مناحي الحياة المعاصرة، ولما كانت الغاية منه إعداد الأفراد لشغل مناصب مهنية محددة تبعا لشخصياتهم، فإنه أصبح ينظر إليه اليوم باعتباره سيرورة تربوية تهدف إلى تعزيز مسؤولية المتعلم عن بناء وتحقيق مشروعه الشخصي.
لم يعد المتعلم بموجب ذلك مجرد متلقي أو زبون في حاجة للاستشارة، وإنما أضحى فاعلا تعود إليه مسؤولية تأليف وبناء مشروعه الشخصي، فهذا الأخير ليس إملاء خارجيا وإنما عبارة عن هدف وثيق الارتباط بطموحات ورغبات وكفايات واستعدادات المتعلم الشخصية.
وبالتالي إنه لا من شك أن المسؤولية الكاملة للمشروع الشخصي تقع على المتعلم شخصيا، لكن من الجدير بالذكر أن المشروع الشخصي لا يرتبط بالفرد فقط، بل هو في الواقع بناء اجتماعي بامتياز، حيث تتدخل في تأليفه وبنائه، إلى جانب الخصائص الفردية، جملة من العوامل ذات الطابع الاجتماعي والثقافي التي أصبح من الضروري مراعاتها وإيلائها بالغ الأهمية في هذا الإطار، لا سيما أن منطق التوجيه يروم اليوم الدفع بالمتعلم ألا ينشغل بالمجال المهني بشكل حصري، وإنما إلى جعله بصدد بناء مسار حياة حيث تتقاطع عوامل مختلفة المشارب وتتعدد ضمن هذا المسار مهام متنوعة ليس المشروع المهني سوى جزء منها، وأدوار مختلفة يتحمل مسؤوليتها طيلة مراحل حياته المتقلبة باستمرار.
قائمة المراجع :
- أحرشاو، الغالي، « المشروع الشخصي للمتعلم : مقاربة سيكولوجية »، مجلة الطفولة العربية، no مج، 11، ع، 42، مارس 2010 (2010): ص 107-115. http://search.shamaa.org/FullRecord?ID=63178.
- المملكة المغربية، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المغرب، « من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء (رؤية استراتيجية للاصلاح 2015-2030)»، 2015. https://www.csefrs.ma/wp-content/uploads/2017/09/Vision_VF_Ar.pdf.
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، « القرار الوزاري رقم 062.19 بشأن التوجيه المدرسي والمهني »، 2019.
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الميثاق الوطني للتربية والتكوين»، 1999.
- A. Young, Richard, et Ladislas Valach. « La notion de projet en psychologie de l’orientation ». L’orientation scolaire et professionnelle, no 35/4 (15 décembre 2006): 495‑509. https://doi.org/10.4000/osp.1168.
- Bandura, Albert, Nancy Betz, Steven D. Brown, Robert W. Lent, et Frank Pajares. Les adolescents : leur sentiment d efficacité personnelle et leur choix de carrière. Martin Rochette. Canada: Septembre Editeur, 2009.
- Biémar, Sandrine, Marie-Christelle Philippe, et Marc Romainville. « L’injonction au projet : paradoxale et infondée ?. Approche longitudinale du choix d’études supérieures ». L’orientation scolaire et professionnelle, no 32/1 (1 mars 2003): 31‑51. https://doi.org/10.4000/osp.3167.
- Dubar, Claude. « Trajectoires sociales et formes identitaires. Clarifications conceptuelles et méthodologiques ». Sociétés Contemporaines 29, no 1 (1998): 73‑85. https://doi.org/10.3406/socco.1998.1842.
- Gilardi, Brice. « Serge Paugam, Le salarié de la précarité. Les nouvelles formes de l’intégration professionnelle ». Lectures, 7 mars 2008. http://journals.openedition.org/lectures/546.
- Guichard, Jean. « Se faire soi ». L’orientation scolaire et professionnelle, no 33/4 (15 décembre 2004): 499‑533. https://doi.org/10.4000/osp.226.
- Hélardot, Valentine. « Précarisation du travail et de l’emploi : quelles résonances dans la construction des expériences sociales ? » Empan no 60, no 4 (2005): 30‑37. https://www.cairn.info/revue-empan-2005-4-page-30.htm.
- Obajtek, Sylvain, et Francis Danvers. « L’approche éducative en orientation à l’Université en France : évolutions politiques, idéologiques et pédagogiques ». Formation et profession 22, no 1 (2014). https://doi.org/10.18162/fp.2014.59.
- Olivier, Dulu. « Approche structurale de la compétence à s’orienter: proposition d’un modèle général, hiérarchique, dynamique et multivarié. » Conservatoire national des arts et metiers- CNAM, 2014.Français.NNT:2014CNAM0949, 2014. https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-01159637.
- Olivier, Meunier. « VERS DE NOUVELLES MODALITES DE L’ORIENTATION SCOLAIRE EN FRANCE ET AILLEURS », 2008. http://espritcritique.uiz.ac.ma/publications/1201/esp1201article05.pdf.
- Paul, Cécile, et Mariane Frenay. « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement secondaire qualifiant, concept prometteur ou nouveau défi jeté à l’égalité ». De l’école au marché du travail: l’égalité des chances en question. Berne: Peter Lang, 2008. https://sites.uclouvain.be/ages/Socio/DelUniversite/ProjetPersonnelEleveDefi11_2007.pdf.
- Perrenoud, Philippe. « Le projet personnel de l’élève, une fiction ? », 2001. https://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_2001/2001_20.html.
- Savickas, Mark L., Laura Nota, Jérôme Rossier, Jean-Pierre Dauwalder, Maria Eduarda Duarte, Jean Guichard, Salvatore Soresi, Raoul Van Esbroeck, Annelies E. M. van Vianen, et Christine Bigeon. « Construire sa vie (Life designing) : un paradigme pour l’orientation au 21e siècle ». L’orientation scolaire et professionnelle, no 39/1 (15 mars 2010): 5‑39. https://doi.org/10.4000/osp.2401.
- Vergnereau, Véronique. « S. Paugam. Le salarié de la précarité.. Paris : PUF. » L’orientation scolaire et professionnelle, no 30/3 (18 juillet 2001). http://journals.openedition.org/osp/5170.
- Wach, Monique. « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu ». Nouveaux c@hiers de la recherche en éducation 3, no 1 (1996): 133. https://doi.org/10.7202/1017455ar.
[1] Léon, 1957, p.131 cité par Sylvain Obajtek et Francis Danvers, « L’approche éducative en orientation à l’Université en France : évolutions politiques, idéologiques et pédagogiques », Formation et profession 22, no 1 (2014): P.3, https://doi.org/10.18162/fp.2014.59.
[2] الغالي أحرشاو، « المشروع الشخصي للمتعلم : مقاربة سيكولوجية »، مجلة الطفولة العربية، no مج. 11، ع. 42، مارس 2010، ص.1. http://search.shamaa.org/FullRecord?ID=63178.
[3] أحرشاو,، ص.1.
[4] Cécile Paul et Mariane Frenay, « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement secondaire qualifiant, concept prometteur ou nouveau défi jeté à l’égalité », De l’école au marché du travail: l’égalité des chances en question. Berne: Peter Lang, 2008, p.1, https://sites.uclouvain.be/ages/Socio/DelUniversite/ProjetPersonnelEleveDefi11_2007.pdf.
[5] Monique Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », Nouveaux c@hiers de la recherche en éducation 3, no 1 (1996), p.135, https://doi.org/10.7202/1017455ar.
[6] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية, « الميثاق الوطني للتربية والتكوين », 1999, المادة 99.
[7] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية, المادة 101.
[8] المملكة المغربية، المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، المغرب، « من أجل مدرسة الانصاف والجودة والارتقاء (رؤية استراتيجية للإصلاح 2015-2030) », 2015, ص.13,https://www.csefrs.ma/wp-content/uploads/2017/09/Vision_VF_Ar.pdf.
[9] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، « القرار الوزاري رقم 062.19 بشأن التوجيه المدرسي والمهني», 07 septembre 2019, المادة 1.
[10] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، المادة 5.
[11] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، المادة 2.
[12] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، المادة 6.
[13] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، الفقرة 3، المادة 7.
[14] Richard A. Young et Ladislas Valach, « La notion de projet en psychologie de l’orientation », L’orientation scolaire et professionnelle, no 35/4 (15 décembre 2006), p.2 https://doi.org/10.4000/osp.1168.
[15] A. Young et Valach, p.2
[16]Bru & Not, (1991), p.327 cité par Paul et Frenay, « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement secondaire qualifiant, concept prometteur ou nouveau défi jeté à l’égalité », p.2.
[17] Sandrine Biémar, Marie-Christelle Philippe, et Marc Romainville, « L’injonction au projet : paradoxale et infondée ?. Approche longitudinale du choix d’études supérieures », L’orientation scolaire et professionnelle, no 32/1 (1 mars 2003): p.3, https://doi.org/10.4000/osp.3167.
[18] المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، « القرار الوزاري رقم 062.19 بشأن التوجيه المدرسي والمهني »، المادة 7.
[19] أحرشاو، « المشروع الشخصي للمتعلم »، ص. 2.
[20] Paul et Frenay, « Le projet personnel de l’élève dans l’enseignement secondaire qualifiant, concept prometteur ou nouveau défi jeté à l’égalité ». p.2
[21] A. Young et Valach, « La notion de projet en psychologie de l’orientation ». p.5
- [22] يعتبر الفعل مفتاح فهم الاشتغال الإنساني، فعلى الرغم من كونه فرديا إلا أن معظمها يعد اجتماعيا، كما أن هذه الأخيرة لا تقتصر على الأفعال المشتركة بين الأشخاص فحسب، بل تعد الأفعال الفردية كذلك اجتماعية لا سيما تلك التي تبنى وتدمج في شبكة اجتماعية. (مثال التوجيه الذي يعطي الانطباع بأنه فردي)A. Young et Valach, p.6.
[23] Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.p : 136-137
[24] Véronique Vergnereau, « S. Paugam. Le salarié de la précarité.. Paris : PUF. », L’orientation scolaire et professionnelle, no 30/3 (18 juillet 2001): p.1, http://journals.openedition.org/osp/5170.
[25] Brice Gilardi, « Serge Paugam, Le salarié de la précarité. Les nouvelles formes de l’intégration professionnelle », Lectures, 7 mars 2008, http://journals.openedition.org/lectures/546.
[26] Gilardi.
[27] Valentine Hélardot, « Précarisation du travail et de l’emploi : quelles résonances dans la construction des expériences sociales ? », Empan no 60, no 4 (2005): p.31, https://www.cairn.info/revue-empan-2005-4-page-30.htm.
[28] Meunier Olivier, « VERS DE NOUVELLES MODALITES DE L’ORIENTATION SCOLAIRE EN FRANCE ET AILLEURS », 2008, p.1, http://espritcritique.uiz.ac.ma/publications/1201/esp1201article05.pdf.
[29] Olivier, p.2
[30] Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.138
[31] يورد (wach, 1996) أمثلة على ذلك كالآتي:
فيما يتعلق بالأصل الاجتماعي: يصف الشباب المنحدر من أسر شعبية مهنة الالكتروني بأنها يدوية (profession manuel)، في حين أن نظرائهم المنحدرين من أسر ميسورة يصفونها بأنها مهنة علمية (profession scientifique) Wach, p.p: 140-141.
أما بخصوص المسالك: يثمن كل واحد مهنا مختلفة تبعا للحظوظ المتوفرة لديه لولوجها انطلاقا من المسلك الذي يوجد فيه (الصحافة مثلا يثمنها تلاميذ الادب أكثر من تلاميذ التكنولوجيا الصناعية).
وبالنسبة للنوع: يلاحظ أن الاناث يعطين الأولوية للمشاريع الأسرية أكثر من الأهداف المهنية Wach, p.141.
[32] Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.140
[33] Wach, p.141
[34] Dulu Olivier, « Approche structurale de la compétence à s’orienter : proposition d’un modèle général ,hiérarchique, dynamique et multivarié. » (France, Conservatoire national des arts et métiers- CNAM, 2014.Français.NNT:2014CNAM0949, 2014), p.37, https://tel.archives-ouvertes.fr/tel-01159637.
[35] Olivier, « Approche structurale de la compétence à s’orienter : proposition d’un modèle général, hiérarchique, dynamique et multivarié. »
[36]Duru et Mingat, 1987 cité par Wach, « Du diagnostic-pronostic à une psychopédagogie du projet et de l’aide à la décision – L’orientation scolaire et professionnelle comme aide à la réussite de l’individu », p.13.
[37]Duru-Bellat, 1989 cité par Wach, p.13.
[38] Philippe Perrenoud, « Le projet personnel de l’élève, une fiction ? », 2001, https://www.unige.ch/fapse/SSE/teachers/perrenoud/php_main/php_2001/2001_20.html.
[39] Perrenoud.
[40] Perrenoud.
[41] Perrenoud.
[42] Perrenoud.
[43] Perrenoud.
[44] Perrenoud.
[45] Olivier, « Approche structurale de la compétence à s’orienter: proposition d’un modèle général, hiérarchique, dynamique et multivarié. », p.40.
[46] Olivier, p.40.
[47] Albert Bandura et al., Les adolescents : leur sentiment d efficacité personnelle et leur choix de carrière, Martin Rochette (Canada: Septembre Editeur, 2009), p.11.
[48] تشير الفاعلية الذاتية إلى “معتقدات الفرد حول قدرته على أن ينجز بنجاح مهمة، تعلم، تحدي، تغيير ما يحفزه على الانخراط في الفعل والقيام بكل ما ينبغي لبلوعه”، وتتمثل مصادرها في: الإنجازات الادائية، والاقناع اللفظي، والخبرات البديلة، والحالة الفيزيولوجية Bandura et al., p.5..
[49] Bandura et al., p.11.
[50] Bandura et al., p.11.
[51] Claude Dubar, « Trajectoires sociales et formes identitaires. Clarifications conceptuelles et méthodologiques », Sociétés Contemporaines 29, no 1 (1998): p.74, https://doi.org/10.3406/socco.1998.1842.
[52] هناك صنفان من المعاملات المعتمدة لتوصيف الهوية السردية:
- “المعاملات العلائقية: هي عمليات لتعريف الذات في علاقة مع الغير، وهي عملية يدخل بموجبها الفرد في تفاعل مع الفاعلين ذوي دلالة في مجال معين[…] وتستند هذه المعاملات على التفاعلات والمحادثات وأحينا على الصراع مع الغير[…].
- – “المعاملات السردية: تصف العمليات التي يتوقع بموجبها الافراد مستقبلهم انطلاقا من ماضيهم […] من اجل بناء مستقبل محتمل، وتعتمد هذه المعاملات على السرديات الذاتية أو على الحوارات الداخلية”Jean Guichard, « Se faire soi », L’orientation scolaire et professionnelle, no 33/4 (15 décembre 2004): p.p: 5-6, https://doi.org/10.4000/osp.226.
[53] Dubar, « Trajectoires sociales et formes identitaires. Clarifications conceptuelles et méthodologiques », p.79.
[54] Guichard, « Se faire soi », p.1.
[55] Guichard, p.2.
[56] Mark L. Savickas et al., « Construire sa vie (Life designing) : un paradigme pour l’orientation au 21e siècle », L’orientation scolaire et professionnelle, no 39/1 (15 mars 2010): p.p: 4-5, https://doi.org/10.4000/osp.2401.