التكرار في القرآن الكريم : المفهوم والأثر
Repetition in the Noble Qur’an: Concept and Impact
يونس عتيق الله، طالب دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط- المغرب
Doctorate student, Faculty of Letters and Human Sciences, University Mohamed 5, Rabat, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 78 الصفحة 41.
ملخص:
يأتي هذا المقال في سياق تبيان الغنى اللغوي والبلاغي للقرآن، وفي هذا الإطار يعتبر التكرار واحدا من الظواهر المميزة لهذا النص، إذ إن وروده يساهم في إنماء المعنى وليس مجرد زيادة أو إطناب، فالتكرار القرآني ليس مملا، بل هو فرصة حقيقية لفهم المعاني والغايات، وتذوق مظاهر الجلال والجمال من خلال إعادة اللفظ أو المعنى أو هما معا. ومن آثار التكرار في القرآن: (التذكير، التأكيد، التقرير، البرهنة على الإعجاز، التنبيه )، وهي آثار إلى جانب أخرى تعد مدعاة إلى التصديق بجزالة لغة القرآن وشجاعتها، وقد يأتي التكرار فيه موصولا أو مفصولا تبعا لمواقع الألفاظ والعبارات المكررة، بالإضافة إلى أنه يؤدي وظيفتين: دينية تتعلق بالسلوك والاعتقاد وأخرى أدبية تؤكد المعاني في معرض البيان، مما يؤكد على أن القرآن كتاب دين وأدب.
الكلمات المفاتيح: التكرار، التلقي، السياق، الظواهر البلاغية
Abstract:
This article comes in the context of demonstrating the linguistic and rhetorical richness of the Qur’an. In this regard, repetition is one of the distinctive features of this text, and its presence contributes to the development of meaning and not just as an addition, or redundancy. Repetition in the Qur’an is not boring, it is instead a real opportunity to grasp the meanings and ends, and to taste the majestic and beautiful manifestations in it, through repeating the word or the meaning or both. And some of the reasons behind repetition in the Qur’an are: (reminding, confirming, reporting, proving the miracle, and alert), and these reasons, in addition to others, are indicators to believe in the eloquence and courage of its language. Repetition in the Qur’an may come connected or separated according to the locations of repeated words and phrases. Moreover, it performs two functions: a religious one related to behavior and belief, and a literary one that asserts the meanings in the statement, confirming that the Qur’an is a book of religion and literature.
Key words: Repetition – Reception – Context – Rhetorical manifestations.
تقديم:
يعد القرآن الكريم مصدرا غنيا بالظواهر البلاغية التي تمنحه تميزا خاصا عن غيره من الكتب، فالبنية القرآنية لها نظامها الخاص الذي يتجاوز المتعارف عليه لدى الأدباء والكتاب، وهي بنية متجددة تساير الزمن وتتعالى عن العلل والأخطاء ، مما يؤكد استمراريتها وحياتها، “وَكَذَٰلِك أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِّنَ اَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِے مَا اَلْكِتَٰبُ وَلَا اَلِايمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورا نَّهْدِے بِهِۦ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِے إِلَىٰ صِرَٰط مُّسْتَقِيم49”[1] ،فإذا كان القرآن روحا، فإن التعامل معه يتجاوز منطق العقل، ومنه وجب تجاوز دعاوى المغالبين وشبهات التجني على القرآن، فعلى كل منتقد يتصيد الثغرات أن يدرك أن كلام الله فوق كلام البشر، فهو صفة من صفاته، ما دام الكلام صفة من صفات المتكلم. ومن بين الظواهر التي تثير الاهتمام بهذا الخصوص، ظاهرة التكرار، وهي ظاهرة كثيرا ما تبدو مستقبحة في الأعمال الأدبية، لما توحي إليه من حشو أو إطناب، إلا أن خصوصية النص القرآني تضفي عليها تميزا فريدا يدفع عنها كل تطاول يمس بالبنية اللغوية للقرآن. فأين تبرز تجليات هذا التميز؟ وكيف يصير للتكرار بعد جمالي يتناغم مع السياق القرآني نزولا وتلقيا؟
– المبحث الأول: مفهوم التكرار
إن ظاهرة التكرار لم ترد في القرآن بغير موجب، وإنما هي آلية بلاغية لإغناء معانيه، وتحقيق غاياته، فما تكرر شيء إلا وأتى بعائدة جديدة، إذ إن الأمر لا يتعلق بمجرد الإعادة، وإنما هو زيادة تؤسس لنمو المعنى، فحينما نقرأ في سورة البقرة قوله تعالى: ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اِجْعَلْ هَٰذَا بَلَداً اٰمِنًا”[2] ثم نصادف في سورة إبراهيم قوله سبحانه: ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اِجْعَلْ هَٰذَا البَلَدَ اٰمِنًا”[3]، فإن تكرار الآية في سورتين يحمل غنى معرفيا مهما، ” فإبراهيم عليه السلام ” سأل في الأول: أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمنا “[4].إن الأمر لا يتعلق بتكرار، بقدر ما هو إنماء للمعاني وفق المقامات وأسباب النزول، الشيء الذي تبرز معه قوة اللغة العربية وقدرتها على التفاعل مع مختلف المواقف عبر دقائق لغوية تظهر غناها وشجاعتها، ولعل ” ابن جني ” تذوق هذا المعنى فجعل بابا من أبواب كتابه ( الخصائص) في شجاعة العربية[5].
لقد تكررت قصص قرآنية عدة على امتداد القرآن، وهو تكرار له دلالاته، فعلى سبيل الذكر، فإن قصة آدم عليه السلام، التي وردت في سور قرآنية مختلفة[6]، تحمل مع كل ورود جِدَّة في المعنى، فإذا كانت سورة البقرة قد حملت الهيكل العام للقصة، فإن باقي السور تطرقت إلى إشارات خاصة توحي بدلالات تفصيلة معينة، كإثبات هوية كل من آدم وإبليس بوصفهما بطلي القصة: ” قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذَ اَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْر مِّنْهُ خَلَقْتَنِے مِن نّار وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِين”[7] ، بعد ذلك يتم توضيح هاته الهوية توضيحا أكبر في سورة أخرى بتأكيد بشرية آدم و انتماء إبليس لعالم الجن: ” اِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّے خَٰلِقُ بَشَرا مِّن طِين ” [8]، ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ اِسْجُدُواْ لِأدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ اَلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنَ اَمْرِ رَبِّهِۦ” [9]، كما أنه من الملاحظ أن الأمر لم يتوقف عند حدود الانتماء أو مادة التكوين، بل تجاوزه إلى بعض التفصيل لتتأكد الماهية، فلم يطلق لفظي الطين والنار إطلاقا عاما، و إنما وردا بصيغة التخصيص، فالطين قوامه صلصل من حمإ مسنون، و النار نار السموم: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا اَلِانسَٰنَ مِن صَلْصَٰل مِّنْ حَمَإ مَّسْنُون 26 وَالْجَانَّ خَلَقْنَٰهُ مِن قَبْلُ مِن نّارِ اِلسَّمُومِ 27 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّے خَٰلِقٌ بَشَرا مِّن صَلْصَٰل مِّنْ حَمَإ مَّسْنُون 28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِے فَقَعُواْ لَهُ ۥسَٰجِدِينَ 29 “[10]. إن الأمر لا يتعلق بإطناب أو حشو، بل هو تجدد للمعاني وفق معطيات أخرى، فمع كل عرض جديد لهاته القصة أو لغيرها من القصص المتكررة في القرآن، خصوصية ومشهد، و لا مجال بذلك للنظر إلى تكرار القصص نظرة سلبية تجعله مجرد لغو في الكلام.
ويعد وجود ظاهرة التكرار في القرآن أمرا دالا على انتمائه إلى البيئة التي نزل فيها، فقد ” خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها ” [11]، و لم تكن سياقاته خارجة عن معهود كلامها، لذلك نجد فيه من الظواهر البلاغية على تنوعها ما زخر به اللسان العربي، ويعتبر التكرار أحدها، و لا أدل على ذلك من الشعر الذي يعد ديوان العرب، فهو لم يخل من تكرار، بل يعتبر من الخاصيات الملازمة له، إذ نكاد نجزم أنه من مكوناته الأساسية، فلغة الشعر لغة تكرارية تتشكل من خلالها الصورة الرئيسية للبيت الشعري، ويتجلى ذلك خاصة في الوزن و القافية.
لذلك لا يمكن أن يخلو القرآن الكريم من الصور التكرارية، فلا ينبغي ” ترك التكرار في الموضع الذي يقتضيه، وتدعو الحاجة إليه فيه، بإزاء تكلف الزيادة في وقت الحاجة إلى الحذف والاختصار، وإنما يحتاج إليه ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها ويخاف بتركه وقوع الغلط و النسيان فيها والاستهانة بقدرها “[12].
إن التكرار في القرآن جاء متعدد المواطن و متنوع الصور، فإذا تم تكرار القصص، فقد تم أيضا تكرار بعض الأخبار والأنباء، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم ” يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء و القصص مثناة و مكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم، و قصة عيسى إلى قوم، و قصة نوح إلى قوم، و قصة لوط إلى قوم، فأراد الله بلطفه و رحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض و يلقيها في كل سمع، و يثبتها في كل قلب، و يزيد الحاضرين في الإفهام و التحذير” [13]، فالتكرار في القرآن له مقاصده الأساسية التي تهدف إفهام و تكوين المتلقي من خلال التذكير و التأكيد و التقرير و غيرها من أسباب وروده، و هو بذلك ” لا يغير أي أمر في الموضوع الذي يتكرر، إلا أنه يغير شيئا في الروح الذي يتأمله” [14]، و منه نستشف دلالة العرب في تعاملهم مع ظاهرة التكرار، فقد استعملوه تبيانا للتشوق و الحنين، فالمرتجى كثير الذكر، و في ذلك نجد مالك بن الريب في قصيدته التي يرثي بها نفسه، و هو يتشوق إلى وطنه يقول[15]:
فَلَيْتَ الْغَضَا لَمْ يَقْطَعِ الرَّكْبُ عَرْضَهُ /// وَلَيْتَ الْغَضَا مَاشَى الرِّكَابَ لَيَالَيَا
لَقَدْ كَانَ فِي أَهْلِ الْغَضَا لَوْ دَنَا الْغَضَا /// مَزَارٌ وَلَكِنَّ الْغَضَا لَيْسَ دَانِيا
فتكرار كلمة ” غضا “[16] ليس زيادة أو حشوا بقدر ما هو حديث الروح المشبع بالتشوق للوطن و مسقط الرأس. و على ذات الوزان سار القرآن في كثير من الآيات، إذ لما كانت الحسنات غاية ما يتمناه المؤمن و يتوق إلى بلوغه، تكرر ذكرها في الآية الواحدة بشكل واضح،” وَمِنْهُم مَّنْ يَّقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِے اِلدُّنْيا حَسَنَة وَفِے اِلَاخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ اَلنّارِ 199″[17].
يُعتمد التكرار كذلك في رسم مظاهر الجلال والجمال تشويقا للمتلقي وإثارة له، ومثاله قوله تعالى:” مَّثَلُ اُلْجَنَّةِ اِلتِے وُعِدَ اَلْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَٰر مِّن مَّاءٍ غَيْرِ ءَاسِن وَأَنْهَٰر مِّن لَّبَن لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَٰر مِّنْ خَمْر لَّذَّة لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنْهَٰر مِّنْ عَسَل مُّصَفّى “[18]، فإحداث التشويق، وإرادته، من أسباب التكرار في القرآن الكريم، وهو ما يؤسس لهاته الظاهرة البلاغية الراسخة في بناء المتن القرآني، تكوينا للمتلقي و تربية له، فلم يرد التكرار لمجرد التكرار أو نافلة للقول، وإنما بناء على مسببات تهدف تحقيق أغراض معينة.
– المبحث الثاني: أثر التكرار في التذكير والتأكيد والتقرير
أ- أثره في التذكير:
ما دام الإنسان سريع النسيان، والوقائع تتشابه أحيانا، فإن التذكير كان أمرا لازما، إذ تنزل الآية أو الكلمة مرتين أو أكثر كلما حدث سببها، تذكيرا بها أو تقديرا لقيمتها، لذلك يدخل تكرير القصص والأخبار في القرآن ضمن هذا الباب، يقول تعالى: ” وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ اُلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ “[19]. والأمر نفسه عند ذكر النعم ،” فكلما ذكر فصلا من فصول النعم جدد إقرارهم به واقتضاءهم الشكر عليه ” [20]، وكذلك عند ذكر الوعيد، إذ نلاحظ في سورة المرسلات تكرار ذكر أحوال يوم القيامة وأهوالها، ربطا للمتلقي بتلك المشاهد التي تجعله أكثر التزاما بأوامر الله ونواهيه،” فقدم الوعيد فيها و جدد القول عند ذكر كل حال من أحوالها لتكون أبلغ في القرآن و أوكد لإقامة الحجة و الإعذار “[21].
ب- أثره في التأكيد:
إذا كان الإيجاز في اللفظ من الظواهر المطلوبة بلاغيا في النظم، فإن التكرار في القرآن لا يتنافى مع الجزالة في بناء متنه، إذ إن الإعادة محمودة مادامت تفيد التأكيد، ” و قد يقول القائل في كلامه: و الله لا أفعله ثم والله لا أفعله، إذا أراد التوكيد و حسم الأطماع من أن يفعله، كما يقول: و الله أفعله، بإضمار ( لا ) إذا أراد الاختصار ” [22]، قال الله عز و جل: ” كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 3 ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 4″[23]، كما قال سبحانه: ” فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً 5 اِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْرا 6″[24].
إن التكرار استمرار للموقف الأول، تشديدا لمعناه و تثبيتا له، وما تعدد ذكر الآية الكريمة ” فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ” في سورة الرحمان إحدى و ثلاثون مرة إلا عنوان لذلك، ” فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد و المبالغة و التقرير” [25]، و هو حسن في مثل هذا، و مثاله قول الشاعر:
كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ /// كَمْ كَمْ وَكَمْ[26]
و قال آخر:
وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَّارَتِهِ زُرْهُ/// وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَ زُرِ [27]
فالقرآن ” نزل بلسان القوم، وعلى مذاهبهم، و من مذاهبهم التكرار، إرادة للتوكيد و الإفهام”[28]، و هو بذلك لم يخرج على معهود العرب، بل تجاوزه إلى ما تقتضيه قدسية الوحي.
ت- أثره في التقرير:
إذا كانت الغاية من القرآن تثبيت معانيه و أحكامه، و تقريرها في النفوس، فإن أسلوبه خادم لذلك، و عليه نلاحظ أن التكرار من آليات إحداث هذا التقرير، بل ” و فائدته العظمى، و قد قيل: الكلام إذا تكرر تقرر “[29] ، فللتكرار في القرآن ارتباط بتقرير الدلالات والمعاني في ذهن وقلب المتلقي، ” و حقيقته إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى، خشية تناسي الأول، لطول العهد به “[30]، كما اعتبر ابن قتيبة التقرير من أسباب التكرار، وتوقف عند ذلك في سورة الرحمن، إذ قال : ” وأما تكرار (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإنه عدَّد في هذه السورة نعماءه وذكر عباده آلاءه، و نبههم على قدرته ولطفه بخلقه، ثم أتبع ذكر كل خَلَّة وصفها بهذه الآية وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ليفهمهم النعم ويقررهم بها “[31].
وقد تعددت المواطن التي تفيد التقرير عبر ظاهرة التكرار، ” ومثل ذلك تكرار قوله تعالى: ( فهل من مدَّكِر ) في سورة اقتربت الساعة، أي هل من معتبر ومتعظ “[32]. فتكرار عبارات بعينها يقرر حكما سابقا، و لا يمكن اعتباره مجرد زيادة في ىالكلام أو قولا نشازا، ففي سورة الكهف تردد قول الخضر[33] لموسى:” قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِے صَبْرا”[34]، مخاطبا إياه، تقريرا لمبدأ الصبر قبل إصدار الأحكام، فعدم العلم بخبايا الأمور لا يمَكِّن من الفهم الحقيقي للمآلات، لهذا جاءت الآية اللاحقة تبيانا لذلك ” سَأُنَبِّئُكَ بِتَاوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً “[35].
المبحث الثالث: أثر التكرار في التنبيه والبرهنة على الإعجاز
أ- أثره في التنبيه:
إن المتلقي للقرآن الكريم يجد في التكرار ما يفيد التنبيه، ” وَقَالَ اَلذِے ءَامَنَ يَٰقَوْمِ اِتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ اَلرَّشَادِ 38 يَٰقَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ اِلْحَيَوٰةُ اُلدُّنْيا مَتَٰع وَإِنَّ اَلَاخِرَةَ هِيَ دَارُ اُلْقَرارِ 39 “[36]، فتكرير النداء جاء للتنبيه، بالإضافة إلى أن التنبيه ذاته يكون أحيانا للفت الانتباه قصد التعظيم والتهويل، أو استشعار الوعد والوعيد، لذلك نجد الزركشي يستشهد بالتكرار الوارد في سور الحاقة والقارعة و القدر، ليبين أن القرآن يستعمل التكرار في مقام التعظيم و التهويل [37] ، وبالنسبة للوعيد و التهديد، ساق الزركشي قوله تعالى: ” كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 3 ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 4″ [38]، وذِكر (ثم) في المكرر دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول، و فيه تنبيه على تكرر ذلك مرة بعد أخرى “[39].
ب- أثره في البرهنة على الإعجاز:
إذا كان القرآن الكريم معجزا في نظمه وفي مضمونه، فقد اتضح ذلك في أسلوبه، و في الظواهر البلاغية المنثورة على امتداده، و منها ظاهرة التكرار، وهو ما أشار إليه ابن فارس عند قوله: ” فأما تكرير الأنباء و القصص في كتاب الله جل ثناؤه فقد قيلت فيه وجوه، و أصح ما يقال فيه إن الله جل ثناؤه جعل هذا القرآن وعجْز القوم عن الإتيان بمثله آية لصحة نبوة محمد صلى الله عليه و سلم، ثم بين وأوضح الأمر في عجزهم بأن كرر ذكر القصة في مواضع إعلاما أنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأي نظم جاء وبأي عبارة عبَّر” [40]، وقد نحا الكثيرون نحو ابن فارس مؤكدين إعجاز تكرير الآيات و القصص و الأخبار في القرآن، إذ قال صاحب المغْني، القاضي أبو الحسن عبد الجبار الأسدآبادي بهذا الخصوص ” عند تأمل هذه القصص وقد أعيدت حالا بعد حال يعرف أهل الفصاحة ما يختص به القرآن من رتبة الفصاحة، لأن ظهور الفصاحة ومزيتها في القصة الواحدة إذا أعيدت أبلغ منها في القصص المتغاير ” [41]، فالتكرار يبرهن على إعجاز القرآن، إذ إن تكرار المعاني بألفاظ متعددة و ذكر القصة الواحدة بصيغ متنوعة، حقق عجز العرب عن مجاراته، و على سبيل الذكر تعتبر سورة ” الكافرون ” نموذجا للتكرار المعجز، ” هذا التكرار اختصار، و هو إعجاز، لأن الله نفى عن نبيه عبادة الأصنام في الماضي و الحال و الاستقبال، و نفى عن الكفار المذكورين عبادة الله في الأزمنة الثلاثة أيضا “[42].
إن هذه الآثار و غيرها، مدعاة إلى التصديق بجزالة لغة القرآن، فالتكرار فيه ليس مُمِلا، بقدر ما هو فرصة حقيقية لتذوق جلال القرآن و جماله معنى و أسلوبا.
وبالإضافة إلى ما سبق وفي ارتباط معه، يمكن الحديث في القرآن الكريم عن تكرار موصول وآخر مفصول، تتحكم فيهما مواقع الألفاظ أو العبارات المكررة، و مثاله بالنسبة للأول ” هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ 36″ [43]، فالتكرار هنا ورد في أول الآية، كما يمكن أن يرد في آخرها: ” كَلَّا إِذَا دُكَّتِ اِلَارْضُ دَكّا دَكّا 23 وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّا صَفّا 24″[44]، أو في آيتين متتابعتين ” فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً 5اِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْرا6 “[45]، “وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِـَٔانِيَة مِّن فِضَّة وَأَكْوَاب كَانَتْ قَوَارِيرا 15 قَوَارِيرا مِّن فِضَّة قَدَّرُوهَا تَقْدِيرا 16 “[46].
وأما عن التكرار المفصول، فيرد في السورة الواحدة، كما يمكن أن يكون في القرآن كله، فقد تكرر في سورة المرسلات قوله تعالى ” وَيْل يَوْمَئِذ لِّلْمُكَذِّبِينَ ” عشر مرات، كما تكرر في سورة الرحمان قوله تعالى ” فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ” إحدى و ثلاثون مرة. كما يمكن أن يتجاوز حدود السورة الواحدة، كالمعاني والأحداث التي تتضمنها قصص الأنبياء وغيرهم، و كذلك مشاهد العذاب والنعيم في الآخرة، ومشاهد يوم القيامة، وخلق السماوات والأرض وتعاقب الليل و النهار، كقوله سبحانه في سورة آل عمران: ” اِنَّ فِے خَلْقِ اِلسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ وَاخْتِلَٰفِ اِليْلِ وَالنَّهارِ لَآيَٰت لّأُوْلِے اِلَالْبَٰبِ 190 ” [47]، و قوله أيضا في سور أخرى: “إِنَّ فِے اِخْتِلَٰفِ اِليْلِ وَالنَّهارِ وَمَا خَلَقَ اَللَّهُ فِے اِلسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ لَآيَٰت لِّقَوْم يَتَّقُونَ 6” [48]، ” وَهُوَ اَلذِے يُحْيِ ۦوَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَٰفُ اُليْلِ وَالنَّهارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ 81 “[49]، فتكرار الأحداث والقصص في السور المختلفة، يصاحبه أحيانا اختلاف في الصيغ أو المفردات، و هو تكرار له أهدافه و مقاصده، وإن كان هناك من لا يعتبره تكرارا، و إنما يسميه بـ: ” التكامل القصصي في القرآن الكريم “[50].
إن التكرار القرآني ” يؤدي وظيفتين: أولهما دينية، و ثانيهما أدبية “[51]، و تتعلق الوظيفة الدينية ” بتقرير المكرر وتوكيده و إظهار العناية به ليكون في السلوك أمثل و للاعتقاد أبين، أما الناحية الأدبية فإن دور التكرار فيها متعدد و إن كان الهدف منه في جميع مواضعه يؤدي إلى تأكيد المعاني و إبرازها في معرض الوضوح و البيان” [52]، كل ذلك تؤكده الآيات التي تضمنت هذه الظاهرة، فالقرآن من هذا المنطلق كتاب دين و كتاب أدب، و هو حمّالة روح اللغة العربية، لذلك فالتكرار فيه، إطناب مفيد، و لا علاقة له بالتطويل المذموم الأقرب إلى الحشو المستقبح و المذموم.
يدور التكرار بين اللفظ و المعنى، و هما أمران استأثرا باهتمام البلاغيين، فمنهم من ” تحدث عن التكرير بوصفه جنسا عاليا يندرج تحته نوعان، أحدهما: تكرير لفظي، و سماه بالمشاكلة، و الثاني: تكرير معنوي يجسد إعادة المعنى، و سماه بالمناسبة “[53]. و لم يخرج ابن الأثير عن هذا الطرح و إن كان قد جمع بين اللفظ و المعنى في قسم واحد، إذ قسم التكرار إلى قسمين كبيرين، ” أحدهما يوجد في اللفظ و المعنى، و الآخر يوجد في المعنى دون اللفظ “[54]، و بالنسبة للقسم الأول، فإن تكرار اللفظ و المعنى لا يحمل الغرض نفسه، باعتبار أن لكل كلمة في القرآن مكانتها التي يحددها الغرض منها، ” وَإِذْ يَعِدُكُمُ اُللَّهُ إِحْدَى اَلطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَ الَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ اِلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اُللَّهُ أَنْ يُّحِقَّ اَلْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقْطَعَ دَابِرَ اَلْكٰفِرِينَ 7 لِيُحِقَّ اَلْحَقَّ وَيُبْطِلَ اَلْبَٰطِلَ وَلَوْ كَرِهَ اَلْمُجْرِمُون8″ [55]، نصادف هنا تكريرا في اللفظ و المعنى، و هو قوله تعالى: ( يحق الحق) و ( ليحق الحق )، وفيه اختلاف في المقصود، ” و ذاك أن الأول تمييز بين الإرادتين، و الثاني بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها، و أنه ما نصرهم و خذل أولئك إلا لهذا الغرض”[56]، و في هذا الباب أيضا يقول تعالى: ” قُلِ اِنِّيَ أُمِرْتُ أَنَ اَعْبُدَ اَللَّهَ مُخْلِصا لَّهُ اُلدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنَ اَكُونَ أَوَّلَ اَلْمُسْلِمِينَ 12 قُلِ اِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّے عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم 13 قُلِ اِللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصا لَّهُۥ دِينِےۖ فَاعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ”[57]، هناك تكرار تمثله الآيتان: ” قُلِ اِنِّيَ أُمِرْتُ أَنَ اَعْبُدَ اَللَّهَ مُخْلِصا لَّهُ اُلدِّينَ ” و قوله: ” قُلِ اِللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصا لَّهُۥ دِينِے “، فالأمر يتعلق بغرضين اثنين، إخبار بأن أمر العبادة تلقاه من الله مع الإخلاص في دينه، و إخبار بأن المقصود بالعبادة هو الله سبحانه دون سواه، ” و لدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة في الثاني، و أخره في الأول، لأن الكلام أولا وقع في الفعل نفسه ، و ثانيا فيمن يفعل الفعل من أجله، و لذلك رتب عليه ( فاعبدوا ما شئتم من دونه) “[58].
و يمكن أن ينحصر الغرض من التكرار في إثبات معنى واحد إما تنبيها أو تعجبا أو تقريرا أو غير ذلك مما سبقت الإشارة إليه في أسباب ورود التكرار في القرآن، كقوله تعالى: ” فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ 19 ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ 20″ [59]و قوله سبحانه: ” أَوْلىٰ لَكَ فَأَوْلىٰ 33 ثُمَّ أَوْلىٰ لَكَ فَأَوْلىٰ34″[60]، فالمعنى المحمول من التكرار يفيد التقرير و التأكيد، كقولنا: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، فوحدانية الله تتجسد في ” لا إله إلا الله ” كما تتجسد في ” وحده لا شريك له “، فالمعنى لم يتغير، لكن الغرض القائم هو الإثبات.
و من الجدير بالذكر أن هناك آيات تتكرر فيها بعض الألفاظ، لكن ليس هناك إجماع على اعتبارها من قبيل التكرار، و ذلك مذهب ابن الأثير، إذ يقول ” و لربما أدخل في التكرير من هذا النوع ما ليس منه، وهو موضع لم ينبه عليه أيضا أحد سواي ” [61]، و منه قوله تعالى: ” ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُور رَّحِيم “[62]، لقد ذُكرت (إن ربك) مرتين، وبينهما فاصل، لذلك نجد ابن الأثير يقول : ” وأمعنت نظري فيها فرأيتها خارجة عن حكم التكرير” [63]، و سبب ذلك عنده، ” أنه أطال الفصل من الكلام، و كان أوله يفتقر إلى تمام لا يفهم إلا به، فالأولى في باب الفصاحة أن يعاد لفظ الأول مرة ثانية، ليكون مقارنا لتمام الفصل، كي لا يجيء الكلام منثورا، لاسيما في إن و أخواتها ” [64]، فهو يرى في ذات المقام أن ورود ( إن ) و بين اسمها و خبرها فسحة طويلة من الكلام، يجعل إعادتها أحسن في حكم البلاغة و الفصاحة، و من قول ابن الأثير نفهم أن التكرار ليس هو الإعادة، بل لكل ما تكرر دلالة وروده.
وبخصوص القسم الثاني من التكرار، و المتعلق بتكرار المعنى دون اللفظ، فهو متعدد الوجود في القرآن الكريم، و مثاله: ” قُلُ اُدْعُواْ اُللَّهَ أَوُ اُدْعُواْ اُلرَّحْمَٰنَ أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ اُلَاسْمَاءُ اُلْحُسْنى”[65]، إن الدعوة بقول ” يا الله ” كالدعوة بقول ” يا رحمان “، فبأي اسم يُدعى فإن المدعو رب واحد. وقوله تعالى: ” يَٰأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ مِنَ اَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُور رَّحِيم “[66]، العفو و الصفح والمغفرة ألفاظ تحيل على معنى واحد، و إيرادها مجتمعة دلالة على قيمة العفو عن الولد و الزوج.
إن تكرار اللفظ في القرآن الكريم يتعلق في الغالب بتكرار حرف أو اسم أو فعل أو جملة، تبعا لما يقتضيه السياق القرآني، فالحرف نحو: ” فَفِےاِلْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا” [67]، و الاسم نحو: ” اِلْقَارِعَةُ مَا اَلْقَارِعَةُ 1 وَمَا أَدْريٰكَ مَا اَلْقَارِعَةُ 2 ” [68]، و الفعل نحو: ” فَمَهِّلِ اِلْكٰفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدا ” [69]، و الجملة نحو: ” فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً 5اِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْرا 6 “[70].
و في ارتباط بما تعارف عليه العرب في لغتهم، يتعدد وجود كثير من الظواهر البلاغية في المتن القرآني، من بينها التجنيس الذي يعد ظاهرة تكرارية تندرج تحت ما سمي بالتكرير اللفظي[71]، و هو أحد نوعي التكرير كما تمت الإشارة إليه آنفا، و من أمثلته قوله تعالى: “وَجِئْتُكَ مِن سَبَإِ بِنَبَإ يَقِينٍ ” [72]، و قوله كذلك:”وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ”[73].
ويدخل في إطار التجنيس، ما يعرف بالزيادة و النقص، ” والجرجاني يسميه التجنيس الناقص، و من صوره الجزئية قول أبي تمام:
يَمُدُّونَ مِنْ أَيْدٍ عَوَاصٍ عَوَاصِمٍ /// تَصُولُ بِأَسْيَافٍ قَوَاضٍ قَوَاضِبِ “[74]
فعواص و عواصم، و كذا قواض و قواضب، سواء، إلا أن هناك زيادة ” الميم ” في الأول، و زيادة ” الباء ” في الثاني، و مثاله في القرآن الكريم، قوله تعالى: ” فَمَهِّلِ اِلْكٰفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدا “[75].
بالإضافة إلى ظاهرة التقديم و التأخير التي طبعت تكرار بعض الآيات، كقوله تعالى: ” يَتْلُواْ عَلَيْهِمُۥ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ اُلْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِ ” [76]، و قوله في سورة أخرى: ” وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ اُلْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ[77]. وتلك صور تعدد ورودها في المتن القرآني كما تعدد ورودها أيضا في شعر العرب، فإذا كان القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين، فمن الطبيعي أن نلامس في لغته ما يتناسب و الشعر العربي الذي هو ديوان العرب.
و كما تم الحديث عن التجنيس، فللسجع حضوره في بعض آي القرآن بما يحمله من تكرار يضفي على النص مظهرا صوتيا موسيقيا خاصا كقوله تعالى: ” سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلَاعْلَي 1 اَلذِے خَلَقَ فَسَوّىٰ 2 وَالذِے قَدَّر فَهَدىٰ 3 وَالذِے أَخْرَجَ اَلْمَرْعىٰ 4 فَجَعَلَهُ غُثَاءً اَحْوىٰ 5 ” [78] إننا نلاحظ هنا تكرار الإيقاع الصوتي نفسه، مما يجعل المتلقي تستثيره موسيقى خاصة تناسب سياق الآيات.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن مما يجمِّل الشعر العربي أيضا، هناك التصريع، الذي هو اتفاق قافية الشطر الأول من البيت مع قافية القصيدة، كقول المتنبي:
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ /// وَ تَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
إذ نجد له أمثلة في كتاب الله كقوله تعالى: ” وَلَسْتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ”[79]، فالهاء بنفس الحركة الإعرابية تتكرر في مقطعي الآية.
لم يقتصر السياق القرآني على تكرار الألفاظ و المعاني، بل تجاوزها إلى تكرار النمط النحوي كالذي في قوله تعالى: “اَلذِے خَلَقَنِے فَهُوَ يَهْدِينِ 78 وَالذِے هُوَيُطْعِمُنِے وَيَسْقِينِ 79 وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 80 وَالذِے يُمِيتُنِے ثُمَّ يُحْيِينِ81 “[80].
الخاتمة:
إن الظاهرة اللغوية القرآنية، غنية بصور التكرار الذي لا يعد حشوا أو لغوا، بقدر ما هو أسلوب بلاغي يقتضيه السياق القرآني، فلا وجود لزيادة أو إطناب في هذا النص، إذ لكل لفظ من ألفاظه ضرورته و لزومه في تثبيت المعنى المراد إيصاله من خلال رسالة القرآن، وعلى كل قارئ أن يدرك ذلك ، فإنماء المعنى وإيصاله إلى المتلقي يحتاج إلى آليات عدة، كان التكرار أحدها، الشيء الذي يبرز معه سمو لغة هذا الخطاب الإلهي وجزالتها.
قائمة المصادر والمراجع:
– القرآن الكريم برواية الإمام ورش.
– أبو الحسن عبد الجبار الأسدآبادي ، المغني في أبواب التوحيد و العدل،ج: 16، ط:2، 1984م، ص: 397.
– أبو الحسين أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية و مسائلها و سنن العرب في كلامها، ط:1، 1418هـ/1997م، دار الكتب العلمية بيروت.
– أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تح: محمد علي البجاوي، ج: 2، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان
– أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، تفسير الكشاف، ط 3، 1430هـ/2009م، دار المعرفة بيروت.
– أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ط: 2، 1372هـ/1952م.
– أبو محمد القاسم السجل ماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ت: علال الغازي، ط: 1، 1401هـ/1980م، مكتبة المعارف/الرباط.
– أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، تح: السيد أحمد سقر، دار إحياء الكتب العربية.
– الخضر عبد من عباد الله الصالحين و أوليائه المقربين وقد أظهر الله على يديه هذه الكرامات و الأمور الغيبية تعليما للخلق فضل العبودية. محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج: 2، دار الفكر/بيروت.
– بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج: 3، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث/ القاهرة.
– ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، للرماني و الخطابي و عبد القاهر الجرجاني، ت: محمد خلف الله أحمد و محمد زغلول سلام، دار المعارف، ط:3.
– عبد الجواد محمد المحص، الجمال في القرآن الكريم مفهومه و مجالاته، 1426هـ/ 2005م.
– محمود حمدي زقزوق، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، ط:1، 1423هـ/2002م.
– ديوان مالك بن الريب / حياته و شعره، تح: الدكتور نوري حمودي القيسي، مجلة معهد المخطوطات العربية.
– ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ج: 3، تح: أحمد الحوفي و د.بدويطبانة، دار نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع.
– محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تح: أحمد شاكر، دار التراث، ط:2، 1979.
– محمود بن حمزة الكرماني، أسرار التكرار في القرآن ( البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة و البيان)، تح: عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة.
المراجع المترجمة:
– جيل دولوز، الاختلاف و التكرار، تر: وفاء شعبان، ط: 1، بيروت، 2009م.
– أ بو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، تفسير الكشاف، ط 3، 1430هـ/2009م، دار المعرفة بيروت، ص: 553.[4]
– أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تح: محمد علي البجاوي، ج: 2، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ص: 360.[5]
– سور: البقرة و آل عمران و الأعراف و الإسراء و الكهف و طه و ص و الحجر. [6]
– سورة الحجر، الآيات من: 26 إلى: 29.[10]
– محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تح: أحمد شاكر، دار التراث، ط:2، 1979،ص: 51.[11]
[12]– ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، للرماني و الخطابي و عبد القاهر الجرجاني، تح: محمد خلف الله أحمد و محمد زغلول سلام، دار المعارف، ط: 3، ص: 52.
– أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، تح السيد أحمد سقر، دار إحياء الكتب العربية، ص: 182.[13]
– جيل دولوز، الاختلاف و التكرار، تر: وفاء شعبان، ط: 1، بيروت، 2009م، ص: 165.[14]
– ديوان مالك بن الريب / حياته و شعره، تح: الدكتور نوري حمودي القيسي، مجلة معهد المخطوطات العربية، مج 15، ج: 1، ص: 88.[15]
– الغضا: شجر ينبت في الرمل، ولا يكون غضا إلا في الرمل.[16]
– سورة البقرة، الآية: 199.[17]
– ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص: 53.[20]
– تأويل مشكل القرآن، ص: 182.[22]
– سورة التكاثر، الآيتان: 3و4.[23]
– سورة الشرح، الآيتان: 5و6.[24]
– أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج: 17، ص: 159.[25]
– تأويل مشكل القرآن، ص: 182.[28]
– بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج: 3، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث/ القاهرة، ص: 10.[29]
– تأويل مشكل القرآن، ص185 و 186.[31]
[33]– الخضر عبد من عباد الله الصالحين و أوليائه المقربين وقد أظهر الله على يديه هذه الكرامات و الأمور الغيبية تعليما للخلق فضل العبودية. محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج: 2، دار الفكر/بيروت، ص:198.
– سورة الكهف، الآيات: 66،71،74.[34]
– سورة غافر، الآيتان: 38و39.[36]
– البرهان في علوم القرآن، ص: 17.[37]
– سورة التكاثر، الآيتان: 3و4.[38]
– البرهان في علوم القرآن، ص: 17.[39]
[40]– أبو الحسين أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية و مسائلها و سنن العرب في كلامها، ط:1، 1418هـ/1997م، دار الكتب العلمية بيروت، ص: 158.
– أبو الحسن عبد الجبار الأسدآبادي ، المغني في أبواب التوحيد و العدل،ج: 16، ط:2، 1984م، ص: 397.[41]
[42] – محمود بن حمزة الكرماني، أسرار التكرار في القرآن ( البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة و البيان)، تح: عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة، ص: 256.
– سورة المؤمنون، الآية: 36.[43]
– سورة الفجر، الآيتان: 23و24.[44]
– سورة الشرح، الآيتان: 5و6.[45]
– سورة: الإنسان، الآيتان: 15و16.[46]
– سورة: آل عمران، الآية: 190.[47]
– سورة المؤمنون، الآية: 81.[49]
– د. عبد الجواد محمد المحص، الجمال في القرآن الكريم مفهومه و مجالاته، 1426هـ/ 2005م، ص: 248.[50]
– د.محمود حمدي زقزوق، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، ط:1، 1423هـ/2002م، القاهرة، ص: 77.[51]
[53]– أبو محمد القاسم السجل ماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ت: علال الغازي، ط: 1، 1401هـ/1980م، مكتبة المعارف/الرباط، ص: 477و 478.
[54]– ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر،ج: 3، تح: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع، ص: 3.
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص: 5.[56]
– سورة الزمر، الآيتان: 12و13.[57]
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص: 6.[58]
– سورة المدثر، الآيتان: 19 و20.[59]
– سورة القيامة، الآيتان: 33و34.[60]
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص:16.[61]
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص:17.[63]
– سورة الإسراء، الآية: 109.[65]
– سورة التغابن، الآية: 14.[66]
– سورة القارعة، الآيتان: 1 و2.[68]
– سورة الشرح، الآيتان: 5و6.[70]
– المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ص: 477.[71]
– سورة الأنعام، الآية: 27.[73]
– المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ص: 486.[74]
– سورة البقرة، الآية: 128.[76]
– – سورة الأعلى، الآيات من: 1 إلى: .5[78]
– سورة البقرة، الآية: 266.[79]
– سورة الشعراء، الآيات من: 78 إلى: 81.[80]
التكرار في القرآن الكريم : المفهوم والأثر
Repetition in the Noble Qur’an: Concept and Impact
يونس عتيق الله، طالب دكتوراه، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط- المغرب
Doctorate student, Faculty of Letters and Human Sciences, University Mohamed 5, Rabat, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 78 الصفحة 41.
ملخص:
يأتي هذا المقال في سياق تبيان الغنى اللغوي والبلاغي للقرآن، وفي هذا الإطار يعتبر التكرار واحدا من الظواهر المميزة لهذا النص، إذ إن وروده يساهم في إنماء المعنى وليس مجرد زيادة أو إطناب، فالتكرار القرآني ليس مملا، بل هو فرصة حقيقية لفهم المعاني والغايات، وتذوق مظاهر الجلال والجمال من خلال إعادة اللفظ أو المعنى أو هما معا. ومن آثار التكرار في القرآن: (التذكير، التأكيد، التقرير، البرهنة على الإعجاز، التنبيه )، وهي آثار إلى جانب أخرى تعد مدعاة إلى التصديق بجزالة لغة القرآن وشجاعتها، وقد يأتي التكرار فيه موصولا أو مفصولا تبعا لمواقع الألفاظ والعبارات المكررة، بالإضافة إلى أنه يؤدي وظيفتين: دينية تتعلق بالسلوك والاعتقاد وأخرى أدبية تؤكد المعاني في معرض البيان، مما يؤكد على أن القرآن كتاب دين وأدب.
الكلمات المفاتيح: التكرار، التلقي، السياق، الظواهر البلاغية
Abstract:
This article comes in the context of demonstrating the linguistic and rhetorical richness of the Qur’an. In this regard, repetition is one of the distinctive features of this text, and its presence contributes to the development of meaning and not just as an addition, or redundancy. Repetition in the Qur’an is not boring, it is instead a real opportunity to grasp the meanings and ends, and to taste the majestic and beautiful manifestations in it, through repeating the word or the meaning or both. And some of the reasons behind repetition in the Qur’an are: (reminding, confirming, reporting, proving the miracle, and alert), and these reasons, in addition to others, are indicators to believe in the eloquence and courage of its language. Repetition in the Qur’an may come connected or separated according to the locations of repeated words and phrases. Moreover, it performs two functions: a religious one related to behavior and belief, and a literary one that asserts the meanings in the statement, confirming that the Qur’an is a book of religion and literature.
Key words: Repetition – Reception – Context – Rhetorical manifestations.
تقديم:
يعد القرآن الكريم مصدرا غنيا بالظواهر البلاغية التي تمنحه تميزا خاصا عن غيره من الكتب، فالبنية القرآنية لها نظامها الخاص الذي يتجاوز المتعارف عليه لدى الأدباء والكتاب، وهي بنية متجددة تساير الزمن وتتعالى عن العلل والأخطاء ، مما يؤكد استمراريتها وحياتها، “وَكَذَٰلِك أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِّنَ اَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِے مَا اَلْكِتَٰبُ وَلَا اَلِايمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلْنَٰهُ نُورا نَّهْدِے بِهِۦ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِے إِلَىٰ صِرَٰط مُّسْتَقِيم49”[1] ،فإذا كان القرآن روحا، فإن التعامل معه يتجاوز منطق العقل، ومنه وجب تجاوز دعاوى المغالبين وشبهات التجني على القرآن، فعلى كل منتقد يتصيد الثغرات أن يدرك أن كلام الله فوق كلام البشر، فهو صفة من صفاته، ما دام الكلام صفة من صفات المتكلم. ومن بين الظواهر التي تثير الاهتمام بهذا الخصوص، ظاهرة التكرار، وهي ظاهرة كثيرا ما تبدو مستقبحة في الأعمال الأدبية، لما توحي إليه من حشو أو إطناب، إلا أن خصوصية النص القرآني تضفي عليها تميزا فريدا يدفع عنها كل تطاول يمس بالبنية اللغوية للقرآن. فأين تبرز تجليات هذا التميز؟ وكيف يصير للتكرار بعد جمالي يتناغم مع السياق القرآني نزولا وتلقيا؟
– المبحث الأول: مفهوم التكرار
إن ظاهرة التكرار لم ترد في القرآن بغير موجب، وإنما هي آلية بلاغية لإغناء معانيه، وتحقيق غاياته، فما تكرر شيء إلا وأتى بعائدة جديدة، إذ إن الأمر لا يتعلق بمجرد الإعادة، وإنما هو زيادة تؤسس لنمو المعنى، فحينما نقرأ في سورة البقرة قوله تعالى: ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اِجْعَلْ هَٰذَا بَلَداً اٰمِنًا”[2] ثم نصادف في سورة إبراهيم قوله سبحانه: ” وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اِجْعَلْ هَٰذَا البَلَدَ اٰمِنًا”[3]، فإن تكرار الآية في سورتين يحمل غنى معرفيا مهما، ” فإبراهيم عليه السلام ” سأل في الأول: أن يجعله من جملة البلاد التي يأمن أهلها ولا يخافون، وفي الثاني أن يخرجه من صفة كان عليها من الخوف إلى ضدها من الأمن، كأنه قال: هو بلد مخوف فاجعله آمنا “[4].إن الأمر لا يتعلق بتكرار، بقدر ما هو إنماء للمعاني وفق المقامات وأسباب النزول، الشيء الذي تبرز معه قوة اللغة العربية وقدرتها على التفاعل مع مختلف المواقف عبر دقائق لغوية تظهر غناها وشجاعتها، ولعل ” ابن جني ” تذوق هذا المعنى فجعل بابا من أبواب كتابه ( الخصائص) في شجاعة العربية[5].
لقد تكررت قصص قرآنية عدة على امتداد القرآن، وهو تكرار له دلالاته، فعلى سبيل الذكر، فإن قصة آدم عليه السلام، التي وردت في سور قرآنية مختلفة[6]، تحمل مع كل ورود جِدَّة في المعنى، فإذا كانت سورة البقرة قد حملت الهيكل العام للقصة، فإن باقي السور تطرقت إلى إشارات خاصة توحي بدلالات تفصيلة معينة، كإثبات هوية كل من آدم وإبليس بوصفهما بطلي القصة: ” قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذَ اَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْر مِّنْهُ خَلَقْتَنِے مِن نّار وَخَلَقْتَهُۥ مِن طِين”[7] ، بعد ذلك يتم توضيح هاته الهوية توضيحا أكبر في سورة أخرى بتأكيد بشرية آدم و انتماء إبليس لعالم الجن: ” اِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّے خَٰلِقُ بَشَرا مِّن طِين ” [8]، ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ اِسْجُدُواْ لِأدَمَ فَسَجَدُواْ إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ اَلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنَ اَمْرِ رَبِّهِۦ” [9]، كما أنه من الملاحظ أن الأمر لم يتوقف عند حدود الانتماء أو مادة التكوين، بل تجاوزه إلى بعض التفصيل لتتأكد الماهية، فلم يطلق لفظي الطين والنار إطلاقا عاما، و إنما وردا بصيغة التخصيص، فالطين قوامه صلصل من حمإ مسنون، و النار نار السموم: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا اَلِانسَٰنَ مِن صَلْصَٰل مِّنْ حَمَإ مَّسْنُون 26 وَالْجَانَّ خَلَقْنَٰهُ مِن قَبْلُ مِن نّارِ اِلسَّمُومِ 27 وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّے خَٰلِقٌ بَشَرا مِّن صَلْصَٰل مِّنْ حَمَإ مَّسْنُون 28 فَإِذَا سَوَّيْتُهُۥ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِے فَقَعُواْ لَهُ ۥسَٰجِدِينَ 29 “[10]. إن الأمر لا يتعلق بإطناب أو حشو، بل هو تجدد للمعاني وفق معطيات أخرى، فمع كل عرض جديد لهاته القصة أو لغيرها من القصص المتكررة في القرآن، خصوصية ومشهد، و لا مجال بذلك للنظر إلى تكرار القصص نظرة سلبية تجعله مجرد لغو في الكلام.
ويعد وجود ظاهرة التكرار في القرآن أمرا دالا على انتمائه إلى البيئة التي نزل فيها، فقد ” خاطب الله بكتابه العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها ” [11]، و لم تكن سياقاته خارجة عن معهود كلامها، لذلك نجد فيه من الظواهر البلاغية على تنوعها ما زخر به اللسان العربي، ويعتبر التكرار أحدها، و لا أدل على ذلك من الشعر الذي يعد ديوان العرب، فهو لم يخل من تكرار، بل يعتبر من الخاصيات الملازمة له، إذ نكاد نجزم أنه من مكوناته الأساسية، فلغة الشعر لغة تكرارية تتشكل من خلالها الصورة الرئيسية للبيت الشعري، ويتجلى ذلك خاصة في الوزن و القافية.
لذلك لا يمكن أن يخلو القرآن الكريم من الصور التكرارية، فلا ينبغي ” ترك التكرار في الموضع الذي يقتضيه، وتدعو الحاجة إليه فيه، بإزاء تكلف الزيادة في وقت الحاجة إلى الحذف والاختصار، وإنما يحتاج إليه ويحسن استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها ويخاف بتركه وقوع الغلط و النسيان فيها والاستهانة بقدرها “[12].
إن التكرار في القرآن جاء متعدد المواطن و متنوع الصور، فإذا تم تكرار القصص، فقد تم أيضا تكرار بعض الأخبار والأنباء، إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم ” يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة، فلو لم تكن الأنباء و القصص مثناة و مكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم، و قصة عيسى إلى قوم، و قصة نوح إلى قوم، و قصة لوط إلى قوم، فأراد الله بلطفه و رحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض و يلقيها في كل سمع، و يثبتها في كل قلب، و يزيد الحاضرين في الإفهام و التحذير” [13]، فالتكرار في القرآن له مقاصده الأساسية التي تهدف إفهام و تكوين المتلقي من خلال التذكير و التأكيد و التقرير و غيرها من أسباب وروده، و هو بذلك ” لا يغير أي أمر في الموضوع الذي يتكرر، إلا أنه يغير شيئا في الروح الذي يتأمله” [14]، و منه نستشف دلالة العرب في تعاملهم مع ظاهرة التكرار، فقد استعملوه تبيانا للتشوق و الحنين، فالمرتجى كثير الذكر، و في ذلك نجد مالك بن الريب في قصيدته التي يرثي بها نفسه، و هو يتشوق إلى وطنه يقول[15]:
فَلَيْتَ الْغَضَا لَمْ يَقْطَعِ الرَّكْبُ عَرْضَهُ /// وَلَيْتَ الْغَضَا مَاشَى الرِّكَابَ لَيَالَيَا
لَقَدْ كَانَ فِي أَهْلِ الْغَضَا لَوْ دَنَا الْغَضَا /// مَزَارٌ وَلَكِنَّ الْغَضَا لَيْسَ دَانِيا
فتكرار كلمة ” غضا “[16] ليس زيادة أو حشوا بقدر ما هو حديث الروح المشبع بالتشوق للوطن و مسقط الرأس. و على ذات الوزان سار القرآن في كثير من الآيات، إذ لما كانت الحسنات غاية ما يتمناه المؤمن و يتوق إلى بلوغه، تكرر ذكرها في الآية الواحدة بشكل واضح،” وَمِنْهُم مَّنْ يَّقُولُ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِے اِلدُّنْيا حَسَنَة وَفِے اِلَاخِرَةِ حَسَنَة وَقِنَا عَذَابَ اَلنّارِ 199″[17].
يُعتمد التكرار كذلك في رسم مظاهر الجلال والجمال تشويقا للمتلقي وإثارة له، ومثاله قوله تعالى:” مَّثَلُ اُلْجَنَّةِ اِلتِے وُعِدَ اَلْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَٰر مِّن مَّاءٍ غَيْرِ ءَاسِن وَأَنْهَٰر مِّن لَّبَن لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَٰر مِّنْ خَمْر لَّذَّة لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنْهَٰر مِّنْ عَسَل مُّصَفّى “[18]، فإحداث التشويق، وإرادته، من أسباب التكرار في القرآن الكريم، وهو ما يؤسس لهاته الظاهرة البلاغية الراسخة في بناء المتن القرآني، تكوينا للمتلقي و تربية له، فلم يرد التكرار لمجرد التكرار أو نافلة للقول، وإنما بناء على مسببات تهدف تحقيق أغراض معينة.
– المبحث الثاني: أثر التكرار في التذكير والتأكيد والتقرير
أ- أثره في التذكير:
ما دام الإنسان سريع النسيان، والوقائع تتشابه أحيانا، فإن التذكير كان أمرا لازما، إذ تنزل الآية أو الكلمة مرتين أو أكثر كلما حدث سببها، تذكيرا بها أو تقديرا لقيمتها، لذلك يدخل تكرير القصص والأخبار في القرآن ضمن هذا الباب، يقول تعالى: ” وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ اُلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ “[19]. والأمر نفسه عند ذكر النعم ،” فكلما ذكر فصلا من فصول النعم جدد إقرارهم به واقتضاءهم الشكر عليه ” [20]، وكذلك عند ذكر الوعيد، إذ نلاحظ في سورة المرسلات تكرار ذكر أحوال يوم القيامة وأهوالها، ربطا للمتلقي بتلك المشاهد التي تجعله أكثر التزاما بأوامر الله ونواهيه،” فقدم الوعيد فيها و جدد القول عند ذكر كل حال من أحوالها لتكون أبلغ في القرآن و أوكد لإقامة الحجة و الإعذار “[21].
ب- أثره في التأكيد:
إذا كان الإيجاز في اللفظ من الظواهر المطلوبة بلاغيا في النظم، فإن التكرار في القرآن لا يتنافى مع الجزالة في بناء متنه، إذ إن الإعادة محمودة مادامت تفيد التأكيد، ” و قد يقول القائل في كلامه: و الله لا أفعله ثم والله لا أفعله، إذا أراد التوكيد و حسم الأطماع من أن يفعله، كما يقول: و الله أفعله، بإضمار ( لا ) إذا أراد الاختصار ” [22]، قال الله عز و جل: ” كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 3 ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 4″[23]، كما قال سبحانه: ” فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً 5 اِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْرا 6″[24].
إن التكرار استمرار للموقف الأول، تشديدا لمعناه و تثبيتا له، وما تعدد ذكر الآية الكريمة ” فَبِأَيِّ ءَالَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ” في سورة الرحمان إحدى و ثلاثون مرة إلا عنوان لذلك، ” فالتكرير في هذه الآيات للتأكيد و المبالغة و التقرير” [25]، و هو حسن في مثل هذا، و مثاله قول الشاعر:
كَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ لَكُمْ /// كَمْ كَمْ وَكَمْ[26]
و قال آخر:
وَلَا تَمَلَّنَّ مِنْ زِيَّارَتِهِ زُرْهُ/// وَزُرْهُ وَزُرْ وَزُرْ وَ زُرِ [27]
فالقرآن ” نزل بلسان القوم، وعلى مذاهبهم، و من مذاهبهم التكرار، إرادة للتوكيد و الإفهام”[28]، و هو بذلك لم يخرج على معهود العرب، بل تجاوزه إلى ما تقتضيه قدسية الوحي.
ت- أثره في التقرير:
إذا كانت الغاية من القرآن تثبيت معانيه و أحكامه، و تقريرها في النفوس، فإن أسلوبه خادم لذلك، و عليه نلاحظ أن التكرار من آليات إحداث هذا التقرير، بل ” و فائدته العظمى، و قد قيل: الكلام إذا تكرر تقرر “[29] ، فللتكرار في القرآن ارتباط بتقرير الدلالات والمعاني في ذهن وقلب المتلقي، ” و حقيقته إعادة اللفظ أو مرادفه لتقرير معنى، خشية تناسي الأول، لطول العهد به “[30]، كما اعتبر ابن قتيبة التقرير من أسباب التكرار، وتوقف عند ذلك في سورة الرحمن، إذ قال : ” وأما تكرار (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فإنه عدَّد في هذه السورة نعماءه وذكر عباده آلاءه، و نبههم على قدرته ولطفه بخلقه، ثم أتبع ذكر كل خَلَّة وصفها بهذه الآية وجعلها فاصلة بين كل نعمتين ليفهمهم النعم ويقررهم بها “[31].
وقد تعددت المواطن التي تفيد التقرير عبر ظاهرة التكرار، ” ومثل ذلك تكرار قوله تعالى: ( فهل من مدَّكِر ) في سورة اقتربت الساعة، أي هل من معتبر ومتعظ “[32]. فتكرار عبارات بعينها يقرر حكما سابقا، و لا يمكن اعتباره مجرد زيادة في ىالكلام أو قولا نشازا، ففي سورة الكهف تردد قول الخضر[33] لموسى:” قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِے صَبْرا”[34]، مخاطبا إياه، تقريرا لمبدأ الصبر قبل إصدار الأحكام، فعدم العلم بخبايا الأمور لا يمَكِّن من الفهم الحقيقي للمآلات، لهذا جاءت الآية اللاحقة تبيانا لذلك ” سَأُنَبِّئُكَ بِتَاوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً “[35].
المبحث الثالث: أثر التكرار في التنبيه والبرهنة على الإعجاز
أ- أثره في التنبيه:
إن المتلقي للقرآن الكريم يجد في التكرار ما يفيد التنبيه، ” وَقَالَ اَلذِے ءَامَنَ يَٰقَوْمِ اِتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ اَلرَّشَادِ 38 يَٰقَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ اِلْحَيَوٰةُ اُلدُّنْيا مَتَٰع وَإِنَّ اَلَاخِرَةَ هِيَ دَارُ اُلْقَرارِ 39 “[36]، فتكرير النداء جاء للتنبيه، بالإضافة إلى أن التنبيه ذاته يكون أحيانا للفت الانتباه قصد التعظيم والتهويل، أو استشعار الوعد والوعيد، لذلك نجد الزركشي يستشهد بالتكرار الوارد في سور الحاقة والقارعة و القدر، ليبين أن القرآن يستعمل التكرار في مقام التعظيم و التهويل [37] ، وبالنسبة للوعيد و التهديد، ساق الزركشي قوله تعالى: ” كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 3 ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ 4″ [38]، وذِكر (ثم) في المكرر دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأول، و فيه تنبيه على تكرر ذلك مرة بعد أخرى “[39].
ب- أثره في البرهنة على الإعجاز:
إذا كان القرآن الكريم معجزا في نظمه وفي مضمونه، فقد اتضح ذلك في أسلوبه، و في الظواهر البلاغية المنثورة على امتداده، و منها ظاهرة التكرار، وهو ما أشار إليه ابن فارس عند قوله: ” فأما تكرير الأنباء و القصص في كتاب الله جل ثناؤه فقد قيلت فيه وجوه، و أصح ما يقال فيه إن الله جل ثناؤه جعل هذا القرآن وعجْز القوم عن الإتيان بمثله آية لصحة نبوة محمد صلى الله عليه و سلم، ثم بين وأوضح الأمر في عجزهم بأن كرر ذكر القصة في مواضع إعلاما أنهم عاجزون عن الإتيان بمثله بأي نظم جاء وبأي عبارة عبَّر” [40]، وقد نحا الكثيرون نحو ابن فارس مؤكدين إعجاز تكرير الآيات و القصص و الأخبار في القرآن، إذ قال صاحب المغْني، القاضي أبو الحسن عبد الجبار الأسدآبادي بهذا الخصوص ” عند تأمل هذه القصص وقد أعيدت حالا بعد حال يعرف أهل الفصاحة ما يختص به القرآن من رتبة الفصاحة، لأن ظهور الفصاحة ومزيتها في القصة الواحدة إذا أعيدت أبلغ منها في القصص المتغاير ” [41]، فالتكرار يبرهن على إعجاز القرآن، إذ إن تكرار المعاني بألفاظ متعددة و ذكر القصة الواحدة بصيغ متنوعة، حقق عجز العرب عن مجاراته، و على سبيل الذكر تعتبر سورة ” الكافرون ” نموذجا للتكرار المعجز، ” هذا التكرار اختصار، و هو إعجاز، لأن الله نفى عن نبيه عبادة الأصنام في الماضي و الحال و الاستقبال، و نفى عن الكفار المذكورين عبادة الله في الأزمنة الثلاثة أيضا “[42].
إن هذه الآثار و غيرها، مدعاة إلى التصديق بجزالة لغة القرآن، فالتكرار فيه ليس مُمِلا، بقدر ما هو فرصة حقيقية لتذوق جلال القرآن و جماله معنى و أسلوبا.
وبالإضافة إلى ما سبق وفي ارتباط معه، يمكن الحديث في القرآن الكريم عن تكرار موصول وآخر مفصول، تتحكم فيهما مواقع الألفاظ أو العبارات المكررة، و مثاله بالنسبة للأول ” هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ 36″ [43]، فالتكرار هنا ورد في أول الآية، كما يمكن أن يرد في آخرها: ” كَلَّا إِذَا دُكَّتِ اِلَارْضُ دَكّا دَكّا 23 وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّا صَفّا 24″[44]، أو في آيتين متتابعتين ” فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً 5اِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْرا6 “[45]، “وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِـَٔانِيَة مِّن فِضَّة وَأَكْوَاب كَانَتْ قَوَارِيرا 15 قَوَارِيرا مِّن فِضَّة قَدَّرُوهَا تَقْدِيرا 16 “[46].
وأما عن التكرار المفصول، فيرد في السورة الواحدة، كما يمكن أن يكون في القرآن كله، فقد تكرر في سورة المرسلات قوله تعالى ” وَيْل يَوْمَئِذ لِّلْمُكَذِّبِينَ ” عشر مرات، كما تكرر في سورة الرحمان قوله تعالى ” فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان ” إحدى و ثلاثون مرة. كما يمكن أن يتجاوز حدود السورة الواحدة، كالمعاني والأحداث التي تتضمنها قصص الأنبياء وغيرهم، و كذلك مشاهد العذاب والنعيم في الآخرة، ومشاهد يوم القيامة، وخلق السماوات والأرض وتعاقب الليل و النهار، كقوله سبحانه في سورة آل عمران: ” اِنَّ فِے خَلْقِ اِلسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ وَاخْتِلَٰفِ اِليْلِ وَالنَّهارِ لَآيَٰت لّأُوْلِے اِلَالْبَٰبِ 190 ” [47]، و قوله أيضا في سور أخرى: “إِنَّ فِے اِخْتِلَٰفِ اِليْلِ وَالنَّهارِ وَمَا خَلَقَ اَللَّهُ فِے اِلسَّمَٰوَٰتِ وَالَارْضِ لَآيَٰت لِّقَوْم يَتَّقُونَ 6” [48]، ” وَهُوَ اَلذِے يُحْيِ ۦوَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَٰفُ اُليْلِ وَالنَّهارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ 81 “[49]، فتكرار الأحداث والقصص في السور المختلفة، يصاحبه أحيانا اختلاف في الصيغ أو المفردات، و هو تكرار له أهدافه و مقاصده، وإن كان هناك من لا يعتبره تكرارا، و إنما يسميه بـ: ” التكامل القصصي في القرآن الكريم “[50].
إن التكرار القرآني ” يؤدي وظيفتين: أولهما دينية، و ثانيهما أدبية “[51]، و تتعلق الوظيفة الدينية ” بتقرير المكرر وتوكيده و إظهار العناية به ليكون في السلوك أمثل و للاعتقاد أبين، أما الناحية الأدبية فإن دور التكرار فيها متعدد و إن كان الهدف منه في جميع مواضعه يؤدي إلى تأكيد المعاني و إبرازها في معرض الوضوح و البيان” [52]، كل ذلك تؤكده الآيات التي تضمنت هذه الظاهرة، فالقرآن من هذا المنطلق كتاب دين و كتاب أدب، و هو حمّالة روح اللغة العربية، لذلك فالتكرار فيه، إطناب مفيد، و لا علاقة له بالتطويل المذموم الأقرب إلى الحشو المستقبح و المذموم.
يدور التكرار بين اللفظ و المعنى، و هما أمران استأثرا باهتمام البلاغيين، فمنهم من ” تحدث عن التكرير بوصفه جنسا عاليا يندرج تحته نوعان، أحدهما: تكرير لفظي، و سماه بالمشاكلة، و الثاني: تكرير معنوي يجسد إعادة المعنى، و سماه بالمناسبة “[53]. و لم يخرج ابن الأثير عن هذا الطرح و إن كان قد جمع بين اللفظ و المعنى في قسم واحد، إذ قسم التكرار إلى قسمين كبيرين، ” أحدهما يوجد في اللفظ و المعنى، و الآخر يوجد في المعنى دون اللفظ “[54]، و بالنسبة للقسم الأول، فإن تكرار اللفظ و المعنى لا يحمل الغرض نفسه، باعتبار أن لكل كلمة في القرآن مكانتها التي يحددها الغرض منها، ” وَإِذْ يَعِدُكُمُ اُللَّهُ إِحْدَى اَلطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَ الَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ اِلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اُللَّهُ أَنْ يُّحِقَّ اَلْحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقْطَعَ دَابِرَ اَلْكٰفِرِينَ 7 لِيُحِقَّ اَلْحَقَّ وَيُبْطِلَ اَلْبَٰطِلَ وَلَوْ كَرِهَ اَلْمُجْرِمُون8″ [55]، نصادف هنا تكريرا في اللفظ و المعنى، و هو قوله تعالى: ( يحق الحق) و ( ليحق الحق )، وفيه اختلاف في المقصود، ” و ذاك أن الأول تمييز بين الإرادتين، و الثاني بيان لغرضه فيما فعل من اختيار ذات الشوكة على غيرها، و أنه ما نصرهم و خذل أولئك إلا لهذا الغرض”[56]، و في هذا الباب أيضا يقول تعالى: ” قُلِ اِنِّيَ أُمِرْتُ أَنَ اَعْبُدَ اَللَّهَ مُخْلِصا لَّهُ اُلدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنَ اَكُونَ أَوَّلَ اَلْمُسْلِمِينَ 12 قُلِ اِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّے عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم 13 قُلِ اِللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصا لَّهُۥ دِينِےۖ فَاعْبُدُواْ مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ”[57]، هناك تكرار تمثله الآيتان: ” قُلِ اِنِّيَ أُمِرْتُ أَنَ اَعْبُدَ اَللَّهَ مُخْلِصا لَّهُ اُلدِّينَ ” و قوله: ” قُلِ اِللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصا لَّهُۥ دِينِے “، فالأمر يتعلق بغرضين اثنين، إخبار بأن أمر العبادة تلقاه من الله مع الإخلاص في دينه، و إخبار بأن المقصود بالعبادة هو الله سبحانه دون سواه، ” و لدلالته على ذلك قدم المعبود على فعل العبادة في الثاني، و أخره في الأول، لأن الكلام أولا وقع في الفعل نفسه ، و ثانيا فيمن يفعل الفعل من أجله، و لذلك رتب عليه ( فاعبدوا ما شئتم من دونه) “[58].
و يمكن أن ينحصر الغرض من التكرار في إثبات معنى واحد إما تنبيها أو تعجبا أو تقريرا أو غير ذلك مما سبقت الإشارة إليه في أسباب ورود التكرار في القرآن، كقوله تعالى: ” فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ 19 ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ 20″ [59]و قوله سبحانه: ” أَوْلىٰ لَكَ فَأَوْلىٰ 33 ثُمَّ أَوْلىٰ لَكَ فَأَوْلىٰ34″[60]، فالمعنى المحمول من التكرار يفيد التقرير و التأكيد، كقولنا: ” لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، فوحدانية الله تتجسد في ” لا إله إلا الله ” كما تتجسد في ” وحده لا شريك له “، فالمعنى لم يتغير، لكن الغرض القائم هو الإثبات.
و من الجدير بالذكر أن هناك آيات تتكرر فيها بعض الألفاظ، لكن ليس هناك إجماع على اعتبارها من قبيل التكرار، و ذلك مذهب ابن الأثير، إذ يقول ” و لربما أدخل في التكرير من هذا النوع ما ليس منه، وهو موضع لم ينبه عليه أيضا أحد سواي ” [61]، و منه قوله تعالى: ” ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُور رَّحِيم “[62]، لقد ذُكرت (إن ربك) مرتين، وبينهما فاصل، لذلك نجد ابن الأثير يقول : ” وأمعنت نظري فيها فرأيتها خارجة عن حكم التكرير” [63]، و سبب ذلك عنده، ” أنه أطال الفصل من الكلام، و كان أوله يفتقر إلى تمام لا يفهم إلا به، فالأولى في باب الفصاحة أن يعاد لفظ الأول مرة ثانية، ليكون مقارنا لتمام الفصل، كي لا يجيء الكلام منثورا، لاسيما في إن و أخواتها ” [64]، فهو يرى في ذات المقام أن ورود ( إن ) و بين اسمها و خبرها فسحة طويلة من الكلام، يجعل إعادتها أحسن في حكم البلاغة و الفصاحة، و من قول ابن الأثير نفهم أن التكرار ليس هو الإعادة، بل لكل ما تكرر دلالة وروده.
وبخصوص القسم الثاني من التكرار، و المتعلق بتكرار المعنى دون اللفظ، فهو متعدد الوجود في القرآن الكريم، و مثاله: ” قُلُ اُدْعُواْ اُللَّهَ أَوُ اُدْعُواْ اُلرَّحْمَٰنَ أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ اُلَاسْمَاءُ اُلْحُسْنى”[65]، إن الدعوة بقول ” يا الله ” كالدعوة بقول ” يا رحمان “، فبأي اسم يُدعى فإن المدعو رب واحد. وقوله تعالى: ” يَٰأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ مِنَ اَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ اَللَّهَ غَفُور رَّحِيم “[66]، العفو و الصفح والمغفرة ألفاظ تحيل على معنى واحد، و إيرادها مجتمعة دلالة على قيمة العفو عن الولد و الزوج.
إن تكرار اللفظ في القرآن الكريم يتعلق في الغالب بتكرار حرف أو اسم أو فعل أو جملة، تبعا لما يقتضيه السياق القرآني، فالحرف نحو: ” فَفِےاِلْجَنَّةِ خَٰلِدِينَ فِيهَا” [67]، و الاسم نحو: ” اِلْقَارِعَةُ مَا اَلْقَارِعَةُ 1 وَمَا أَدْريٰكَ مَا اَلْقَارِعَةُ 2 ” [68]، و الفعل نحو: ” فَمَهِّلِ اِلْكٰفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدا ” [69]، و الجملة نحو: ” فَإِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْراً 5اِنَّ مَعَ اَلْعُسْرِ يُسْرا 6 “[70].
و في ارتباط بما تعارف عليه العرب في لغتهم، يتعدد وجود كثير من الظواهر البلاغية في المتن القرآني، من بينها التجنيس الذي يعد ظاهرة تكرارية تندرج تحت ما سمي بالتكرير اللفظي[71]، و هو أحد نوعي التكرير كما تمت الإشارة إليه آنفا، و من أمثلته قوله تعالى: “وَجِئْتُكَ مِن سَبَإِ بِنَبَإ يَقِينٍ ” [72]، و قوله كذلك:”وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْئَوْنَ عَنْهُ”[73].
ويدخل في إطار التجنيس، ما يعرف بالزيادة و النقص، ” والجرجاني يسميه التجنيس الناقص، و من صوره الجزئية قول أبي تمام:
يَمُدُّونَ مِنْ أَيْدٍ عَوَاصٍ عَوَاصِمٍ /// تَصُولُ بِأَسْيَافٍ قَوَاضٍ قَوَاضِبِ “[74]
فعواص و عواصم، و كذا قواض و قواضب، سواء، إلا أن هناك زيادة ” الميم ” في الأول، و زيادة ” الباء ” في الثاني، و مثاله في القرآن الكريم، قوله تعالى: ” فَمَهِّلِ اِلْكٰفِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدا “[75].
بالإضافة إلى ظاهرة التقديم و التأخير التي طبعت تكرار بعض الآيات، كقوله تعالى: ” يَتْلُواْ عَلَيْهِمُۥ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ اُلْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِ ” [76]، و قوله في سورة أخرى: ” وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ اُلْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ[77]. وتلك صور تعدد ورودها في المتن القرآني كما تعدد ورودها أيضا في شعر العرب، فإذا كان القرآن الكريم قد نزل بلسان عربي مبين، فمن الطبيعي أن نلامس في لغته ما يتناسب و الشعر العربي الذي هو ديوان العرب.
و كما تم الحديث عن التجنيس، فللسجع حضوره في بعض آي القرآن بما يحمله من تكرار يضفي على النص مظهرا صوتيا موسيقيا خاصا كقوله تعالى: ” سَبِّحِ اِسْمَ رَبِّكَ اَلَاعْلَي 1 اَلذِے خَلَقَ فَسَوّىٰ 2 وَالذِے قَدَّر فَهَدىٰ 3 وَالذِے أَخْرَجَ اَلْمَرْعىٰ 4 فَجَعَلَهُ غُثَاءً اَحْوىٰ 5 ” [78] إننا نلاحظ هنا تكرار الإيقاع الصوتي نفسه، مما يجعل المتلقي تستثيره موسيقى خاصة تناسب سياق الآيات.
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، فإن مما يجمِّل الشعر العربي أيضا، هناك التصريع، الذي هو اتفاق قافية الشطر الأول من البيت مع قافية القصيدة، كقول المتنبي:
عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ /// وَ تَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
إذ نجد له أمثلة في كتاب الله كقوله تعالى: ” وَلَسْتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ”[79]، فالهاء بنفس الحركة الإعرابية تتكرر في مقطعي الآية.
لم يقتصر السياق القرآني على تكرار الألفاظ و المعاني، بل تجاوزها إلى تكرار النمط النحوي كالذي في قوله تعالى: “اَلذِے خَلَقَنِے فَهُوَ يَهْدِينِ 78 وَالذِے هُوَيُطْعِمُنِے وَيَسْقِينِ 79 وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ 80 وَالذِے يُمِيتُنِے ثُمَّ يُحْيِينِ81 “[80].
الخاتمة:
إن الظاهرة اللغوية القرآنية، غنية بصور التكرار الذي لا يعد حشوا أو لغوا، بقدر ما هو أسلوب بلاغي يقتضيه السياق القرآني، فلا وجود لزيادة أو إطناب في هذا النص، إذ لكل لفظ من ألفاظه ضرورته و لزومه في تثبيت المعنى المراد إيصاله من خلال رسالة القرآن، وعلى كل قارئ أن يدرك ذلك ، فإنماء المعنى وإيصاله إلى المتلقي يحتاج إلى آليات عدة، كان التكرار أحدها، الشيء الذي يبرز معه سمو لغة هذا الخطاب الإلهي وجزالتها.
قائمة المصادر والمراجع:
– القرآن الكريم برواية الإمام ورش.
– أبو الحسن عبد الجبار الأسدآبادي ، المغني في أبواب التوحيد و العدل،ج: 16، ط:2، 1984م، ص: 397.
– أبو الحسين أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية و مسائلها و سنن العرب في كلامها، ط:1، 1418هـ/1997م، دار الكتب العلمية بيروت.
– أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تح: محمد علي البجاوي، ج: 2، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان
– أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، تفسير الكشاف، ط 3، 1430هـ/2009م، دار المعرفة بيروت.
– أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ط: 2، 1372هـ/1952م.
– أبو محمد القاسم السجل ماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ت: علال الغازي، ط: 1، 1401هـ/1980م، مكتبة المعارف/الرباط.
– أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، تح: السيد أحمد سقر، دار إحياء الكتب العربية.
– الخضر عبد من عباد الله الصالحين و أوليائه المقربين وقد أظهر الله على يديه هذه الكرامات و الأمور الغيبية تعليما للخلق فضل العبودية. محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج: 2، دار الفكر/بيروت.
– بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج: 3، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث/ القاهرة.
– ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، للرماني و الخطابي و عبد القاهر الجرجاني، ت: محمد خلف الله أحمد و محمد زغلول سلام، دار المعارف، ط:3.
– عبد الجواد محمد المحص، الجمال في القرآن الكريم مفهومه و مجالاته، 1426هـ/ 2005م.
– محمود حمدي زقزوق، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، ط:1، 1423هـ/2002م.
– ديوان مالك بن الريب / حياته و شعره، تح: الدكتور نوري حمودي القيسي، مجلة معهد المخطوطات العربية.
– ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ج: 3، تح: أحمد الحوفي و د.بدويطبانة، دار نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع.
– محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تح: أحمد شاكر، دار التراث، ط:2، 1979.
– محمود بن حمزة الكرماني، أسرار التكرار في القرآن ( البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة و البيان)، تح: عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة.
المراجع المترجمة:
– جيل دولوز، الاختلاف و التكرار، تر: وفاء شعبان، ط: 1، بيروت، 2009م.
– أ بو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، تفسير الكشاف، ط 3، 1430هـ/2009م، دار المعرفة بيروت، ص: 553.[4]
– أبو الفتح عثمان بن جني، الخصائص، تح: محمد علي البجاوي، ج: 2، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ص: 360.[5]
– سور: البقرة و آل عمران و الأعراف و الإسراء و الكهف و طه و ص و الحجر. [6]
– سورة الحجر، الآيات من: 26 إلى: 29.[10]
– محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تح: أحمد شاكر، دار التراث، ط:2، 1979،ص: 51.[11]
[12]– ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، للرماني و الخطابي و عبد القاهر الجرجاني، تح: محمد خلف الله أحمد و محمد زغلول سلام، دار المعارف، ط: 3، ص: 52.
– أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، تح السيد أحمد سقر، دار إحياء الكتب العربية، ص: 182.[13]
– جيل دولوز، الاختلاف و التكرار، تر: وفاء شعبان، ط: 1، بيروت، 2009م، ص: 165.[14]
– ديوان مالك بن الريب / حياته و شعره، تح: الدكتور نوري حمودي القيسي، مجلة معهد المخطوطات العربية، مج 15، ج: 1، ص: 88.[15]
– الغضا: شجر ينبت في الرمل، ولا يكون غضا إلا في الرمل.[16]
– سورة البقرة، الآية: 199.[17]
– ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، ص: 53.[20]
– تأويل مشكل القرآن، ص: 182.[22]
– سورة التكاثر، الآيتان: 3و4.[23]
– سورة الشرح، الآيتان: 5و6.[24]
– أبو عبد الله محمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج: 17، ص: 159.[25]
– تأويل مشكل القرآن، ص: 182.[28]
– بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، ج: 3، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث/ القاهرة، ص: 10.[29]
– تأويل مشكل القرآن، ص185 و 186.[31]
[33]– الخضر عبد من عباد الله الصالحين و أوليائه المقربين وقد أظهر الله على يديه هذه الكرامات و الأمور الغيبية تعليما للخلق فضل العبودية. محمد علي الصابوني، صفوة التفاسير، ج: 2، دار الفكر/بيروت، ص:198.
– سورة الكهف، الآيات: 66،71،74.[34]
– سورة غافر، الآيتان: 38و39.[36]
– البرهان في علوم القرآن، ص: 17.[37]
– سورة التكاثر، الآيتان: 3و4.[38]
– البرهان في علوم القرآن، ص: 17.[39]
[40]– أبو الحسين أحمد بن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية و مسائلها و سنن العرب في كلامها، ط:1، 1418هـ/1997م، دار الكتب العلمية بيروت، ص: 158.
– أبو الحسن عبد الجبار الأسدآبادي ، المغني في أبواب التوحيد و العدل،ج: 16، ط:2، 1984م، ص: 397.[41]
[42] – محمود بن حمزة الكرماني، أسرار التكرار في القرآن ( البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة و البيان)، تح: عبد القادر أحمد عطا، دار الفضيلة، ص: 256.
– سورة المؤمنون، الآية: 36.[43]
– سورة الفجر، الآيتان: 23و24.[44]
– سورة الشرح، الآيتان: 5و6.[45]
– سورة: الإنسان، الآيتان: 15و16.[46]
– سورة: آل عمران، الآية: 190.[47]
– سورة المؤمنون، الآية: 81.[49]
– د. عبد الجواد محمد المحص، الجمال في القرآن الكريم مفهومه و مجالاته، 1426هـ/ 2005م، ص: 248.[50]
– د.محمود حمدي زقزوق، حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، ط:1، 1423هـ/2002م، القاهرة، ص: 77.[51]
[53]– أبو محمد القاسم السجل ماسي، المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ت: علال الغازي، ط: 1، 1401هـ/1980م، مكتبة المعارف/الرباط، ص: 477و 478.
[54]– ضياء الدين بن الأثير، المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر،ج: 3، تح: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، دار نهضة مصر للطباعة و النشر و التوزيع، ص: 3.
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص: 5.[56]
– سورة الزمر، الآيتان: 12و13.[57]
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص: 6.[58]
– سورة المدثر، الآيتان: 19 و20.[59]
– سورة القيامة، الآيتان: 33و34.[60]
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص:16.[61]
– المثل السائر في أدب الكاتب و الشاعر، ص:17.[63]
– سورة الإسراء، الآية: 109.[65]
– سورة التغابن، الآية: 14.[66]
– سورة القارعة، الآيتان: 1 و2.[68]
– سورة الشرح، الآيتان: 5و6.[70]
– المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ص: 477.[71]
– سورة الأنعام، الآية: 27.[73]
– المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، ص: 486.[74]
– سورة البقرة، الآية: 128.[76]
– – سورة الأعلى، الآيات من: 1 إلى: .5[78]