سميائيات الثقافة:بداياتها، مفهومها، موضوعها، وأبعادها التطبيقية
Semiotics of culture: its beginnings, concept, subject, and applied dimensions
د. ابراهيم مهديوي/ جامعة ابن طفيل، القنيطرة، المملكة المغربية
Dr. Bahim MEHDIOUI/ Ibn Tofail University, Kenitra, Kingdom of Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 77 الصفحة 63.
ملخص:تعنى هذه المقالة بمناقشة سميائيات الثقافة من حيث: تاريخُ تشكّلها، ومفهومها، وموضوعها، وأبعادها التحليلية، ومبادئُها الرئيسة. لهذه الغاية، رصدت هذه المقالة مجموع الجهود العلمية التي أسهمت في بناء مقاربة سميائية عامة للثقافة، وحددت المقصود بالسميائيات الثقافية وموضوعها، وعرضت لآفاقها العلمية وقدراتها التحليلية في التعاطي مع جوانب مختلفة من الثقافات، ولخصت أبرز الأسس العلمية والمنهجية التي ينبني عليها التحليل الثقافي عند مدرسة تارتو موسكو. وقد خلصت هذه الورقة إلى بيان أن سميائيات الثقافة فرع من السميائيات يختص بدراسة الثقافة بغرض تحليل مستوياتها الخِطابية التي لا تنفك من دائرة المعنى، وأن تشكّلها رافقه تراكم معرفي ومنهجي كبيرَيْن أُدمِجا في مقاربة ثقافية تأويلية جديدة صاغتها مدرسة تارتو موسكو.
كلمات مفتاحية: السميائيات، الثقافة، التأويل، التحليل الثقافي، مدرسة تارتو موسكو.Abstract:
This article is concerned with discussing the semiotics of culture in terms of: its formation history, concept, subject, analytical dimensions and basic principles. To this end, this article monitored the total scientific efforts that contributed to building a general semiotic approach to culture, and defined what is meant by cultural semiotics and its subject, presented its scientific horizons and analytical capabilities in dealing with different aspects of cultures, and summarized the most prominent scientific and methodological foundations upon which cultural analysis isbuilt at the Tartu–Moscow School (TMS). This paper concluded by showing that the semiotics of culture is a branch of semiotics concerned with the study of culture for the purpose of analyzing its discursive levels that are inseparable from the circle of meaning, and that its formation was accompanied by a great cognitive and methodological accumulation that was incorporated into a new interpretive cultural approach formulated by Tartu–Moscow School.
Keywords: Semiotics, culture, interpretation, cultural analysis, Tartu–Moscow School.
مقدمة
تطمح سميائيات الثقافة إلى إعادة اكتشاف الكون الثقافي من حيث هو أنساق علامات وظيفية مختلفة، فهي تفترض أن الفضاء الإنساني فضاء لحركية أشكال رمزية تتوسط بالضرورة مجموع ممارساتنا الاجتماعية. لذلك، فهي لا تَنْفَصِلُ عن سيرورة الدلالة والإبلاغ؛ فجميعها “حوامل دلالية” لمعلومات ثقافية ورسائل اجتماعية، وهو ما أفضى إلى أن يكون هذا الفرع من السميائيات مُهْتَمًّا بدراسة الثقافة بصفتها أَنْسَاقًا دلالية، وموضوعاتٍ تواصليةً. وهي دراسة تتوسل المقاربة التأويلية من أجل تجاوز الجمالي والنفعي والمباشر والأصلي في الظاهرة المدروسة.
لقد كانت غاية هذه المدرسة السميائية تأسيسيّةً بامتياز؛ تجلّت في إدخال إبدال منهجي جديد قادر على احتواء المعطيات الثقافية جميعها بصفتها أنساق علامات. للإشارة، لم تكن مدرسة تارتو موسكو المدرسة الوحيدة التي اهتمت بدراسة موضوعات ثقافية وَفْق مقاربة سميائية،إذ نجد سيميولوجيا سوسير التي اختصت بتحليل العلامات داخل سيرورة المجتمع، و”شارل سندرس بورس” الذي نظر إلى كل شيء في الوجود من منظور سميائي، ومن ثم عُدّ سِمْيَائِيًّا تَدَاوُلِيًّا إلى جانب “شارل موريس”، وأعمال “رولان بارت” ودراساته للمطبخ، والموضة، واللباس، والإشهار، والمدينة، والرياضة؛ فكلها مكونات ثقافية رامِزة، وجهود “أمبرتو إيكو” وإسهاماته ضمن مشروع سميائي ثقافي تأويلي استثمر جل التصورات السميائية السابقة عليه.لقد شكلت هذه التصورات السميائية كافة- من بين أخرى- منطلقات علمية لمدرسة تارتو موسكو السميائية من أجل بناء اتجاه سميائي ثقافي متكامل يدرس الثقافة بصفتها نَسَقًا سِمْيائيًّا عامًّا يحتوي على أنساق سميائية فرعية هي مكوناتها المادية وغير المادية، واللفظية وغير اللفظية؛ فمن شأن تأويل هذه الأخيرة أن يقود إلى تحصيل فَهْم أفضل للإنسان، والفضاء، والزمن، وبناء صورة حول العالم، بالنظر إلى أن اللغة والثقافة (الفنون) موارد تُعبّأ بالمعارف، والقيم، والمعتقدات، والانفعالات، إلخ؛ إنها تمثل أنماط علامات ثقافية متنوعة الأشكال والصيغ واللغات قادرة على إنتاج خطابات دالة على الهوية.
ترصد هذه المقالة تاريخ ظهور سميائيات الثقافية ابتداء من “فيرديناند دي سوسير” إلى غاية مدرسة تارتو موسكو، مؤكدين أن مناهج سميائيِّين مختلفين تجسد مفاتيح لفكّ شفرات الظاهرة الثقافية، وهو الدافع الرئيس الذي قاد “يوري لوتمان”، و”بوريس أوسبنسكي”، و”فياتشيسلاف إيفانوف”، و”فلاديمير طوبوروف”، و”ألكسندر بياتيغورسكي” إلى العودة لأصول علمية متعددة التخصصات مساعدة على تحليل الظاهرة الثقافية، ومن ثم إعادة ربط الجسور المعرفية مع تراث علمي مهم أثبت جدواه التحليلية في إظهار البنيات العميقة لظواهر عديدة، وذلك ابتغاء إدخال برنامج تحليلي وتأويلي جديد يأخذ بعين المراعاة خصوصيات الموضوع الثقافي.
من هذا المنطلق، تجيب هذه الورقة العلمية عن أسئلة محورية هي الموالية: ما السياق العلمي والتاريخي المرافِق لتشكّل سميائيات الثقافة؟ وما مفهومها؟ وما موضوعها؟ وما أبعادها التطبيقية؟ وما أهم أسسها التي ارتكزت عليها مدرسة تارتو موسكو؟
- نظرة عن نشأة السميائيات الثقافية
تتطلع السميائيات إلى البحث عن المعنى، وتفسير مسالك أو كيفيات إنتاجه وتلقيه. بكلمات أُخَر: إنها تروم البحث في السيرورات المفضية إلى اشتغال أيّ شيء بصفته علامة تعوّض علامات ديناميكية تحتمل إمكانات دلالية منفتحة يفترضها فِعْل التأويل السياقي. لذلك، يمكننا القول: إن السميوزيس موضوعٌ للتحليل السميائي، لا العلامة معزولة؛ والسبب أنها لا تشير منفردة سوى إلى ذاتها، وأبعادها المباشرة والنفعية، وهذه المرتبة من المعاني لا تهمّ محلِّلي الخطاب، ولا تُقبل إلا من حيث كونُها خطوة أولى لمسيرات تأويلية وقرائية مشروطة بحدود تداولية مخصوصة، فلا ينبغي لنا التوقف عندها، ولا اتخاذها منتهى للعملية التدليلية.
تعد التجربة الإنسانية مَوضُوعًا للدرس السميائي عند سميائيِّين أمثال: “فيرديناند دي سوسير”، و”شارل سندرس بورس”، و”رولان بارت”، “وأمبرتو إيكو”، و”يوري لوتمان”، و”إميل بنفنيست”، و”مارسيل دانسيي”. فقد عدّ هؤلاء الوجود الثقافي كونا سميائيا لحركية السميوزيس، فهو كوْن للمعنى والتواصل بالأساس؛ ذلك أن اللغة، والأسطورة، واللباس، والتشكيل، والمعمار، والموسيقى، والسينما، وغيرها أنساقٌ ثقافية واجتماعية وثيقة الصلة بالهوية والذاكرة التاريخية للوسط الإنساني المعني؛ لأن خاصية “الإيحاء” (Connotation)، أو “التمثيل” (Representation) هي ما مكّن السميائيات من تجميع هذه الإنتاجات الثقافية، وإدماجها ضمن دائرة السميائيات التأويلية.
من ناحية أخرى، أسهمَ تطور النظرية السميائية في توسيع دائرة اشتغال البحث السميائي، وتطبيق مفاهيمه وأدواته الإجرائية من أجل تأويل موضوعات سميائية غير إنسانية؛ كأنْ نتحدث عن “البيوسميائيات”، أو “سميائيات الأحياء”، أو “سميائيات الكائن الحي”، فكلها ترجمات للمصطلح الإنجليزي (Biosemiotics) الذي يعود على تلك الدراسة العامة للسميوزيس في فرع معرفي من البيولوجيا والسميائيات يتغيا تفسير سيرورة الحياة داخل الكون الطبيعي. تشير البيوسيميائيات إلى “النظرية التي تستلهم منهجيًّا النموذج السميائي للغة من أجل استثماره في فهم السيرورة التواصلية للحياة”[1]. وهذا معناه أن الظاهرة السميائية واقعة دلالية عامة تشمل الأنظمة البيولوجية، والأنساق السوسيوثقافية والتاريخية.
وعلى هذا الأساس، فإن “الدراسة العامة للسميوزيس تندرج اليوم ضمن البيوسميائيات، في حين أن دراسة سميوزيس الإنسان، في سياقات ثقافية محددة، تتأطر بَدَلًا من ذلك ضمن السميائيات الثقافية. فبصفته عِلْمًا ثقافيًّا، أثبتَ الاختصاص الأخير أنه مناسب بشكل خاص بِعدِّه إِطَارًا لتحليل العلامات والنصوص ودلالات الممارسات المستعمَلة داخل المجتمع”[2]. وعلى هذا، ستكون مهمة سميائيِّي الثقافة تحليل موضوعات سميائية لفظية وغير لفظية، والتعاطي معها”بوصفها شبكة من أنساق العلامات المتداخلة”[3]. لقد أكد “أمبرتو إيكو” أن السميائيات “ثقافية بطبيعتها: وظيفتها وفوائدها سميائية بوصفها تخصّصًا ثقافيا”[4] يحلّل طرائق إنتاج المعاني وتبادلها داخل الحياة الثقافية، وهو ما أهّلها لتكُون “شَكْلًا من أشكال النقد الاجتماعي، ومن ثم فهي أحد الأشكال العديدة للممارسات الاجتماعية”[5].
رصدًا للسياق التاريخي والعلمي والمعرفي لظهور السميائيات الثقافية، تَبَيَّن لنا بعد قراءة فاحصة للمصادر والدراسات والأبحاث المختصة في سميائيات الثقافة عند مدرسة تارتو موسكو، أن هنالك صعوبة في تحديد فترة ظهور هذا الحقل المعرفي. لكن أغلبها يُقِرُّ باستفادتها من “التراث العلمي لأواخر أعوام العشرينيات والبدايات المبكرة للثلاثينيات؛ فهو تراث شكّل الخطوات الأولى لوضع الأساس العلمي للنظرية السميائية الحديثة بشكل عام، ولنظرية في سميائيات الثقافة بشكل خاص، وقد اتضح هذا الأمر بجلاء في أعمال رائدة لأعضاء حلقة براغ على وجه الخصوص. (…) إن منجزات الباحثين الروس والتشيك، الذين اندمجوا عام 1926، لم تضع فقط أسس اللسانيات البنيوية ودراسة اللغة الطبيعية بوصفها نَسَقًا من العلامات، وإنما أسهمت، كذلك، في وضع سميائيات أنساق أخرى، وكذا نظرية العلاقات المتبادلة للأنساق”[6]. يمكن تفسير هذا الاستثمار المعرفي بالحضور الصريح والضمني لأفكار ومفاهيم “فيرديناند دي سوسير”، و”شارل سندرس بورس”، و”ميخائيل باختين”، و”رومان جاكبسون”، وغيرهم؛ لقد استثمر “يوري لوتمان” وزملاؤه في مدرسة تارتو موسكو السميائية هذه الدراسات من أجل صَوْغِ إبدال منهجي جديد لتأويل النصوص الثقافية.
في السياق ذاته، لخّص “بيتير طوروب” مراحل نشأة سميائيات الثقافة في قوله: نشأت “سميائيات الثقافة منذ فترة انتشار الأفكار بعد وفاة بورس (1914) ودي سوسير (1913). وتمثلت المرحلة الثانية في بناء نظريات عامة للغة (بُهْلر، وهيلمسليف، وحلقة براغ، وتشومسكي)، والأدب (بروب، وتينيانوف، وباختين)، والثقافة (مالينوفسكي، ووايث، وكاسيرر، وجيرتز). أما المرحلة الثالثة فقد تميزت بتطور متعدد الاختصاصات لمجالات مختلفة في العلوم الإنسانية (ليفي ستراوس، وبارت، وتودوروف، وكريستيفا، وَويينر، وإيكو، ولوتمان، …إلخ)، ثم السميائيات (موريس، وكوخ، وَوِينر، وبورطيس وينر). إذ يمكن لطموحات هؤلاء وتطلعاتهم أن تكون جميعها مناهج لفهم الظاهرة الثقافية”[7].
بالإضافة إلى ذلك، يرى “رولاند بوسنير” أن ظهور السميائيات الثقافية مرتبط بما قدمه “إرنست كاسيرر” الذي اقترح أن نسمي: اللغة، والأسطورة، وباقي الفنون أَشْكالًا رمزية تُمثِّل إلى الخبرات، والمعارف، والمعتقدات، والقيم، والانفعالات، بمعنى أنها أشكال ترمِّز للثقافيّ، والاجتماعيّ، والتاريخيّ، والأهوائيّ (الهوية بصورة عامة) في أشكال منمذجة متنوعة متعددة الصيغ والأشكال واللغات، وأن هذه الأشكال الرمزية هي المسؤولة عن البناء الرمزي للثقافة بصفتها نَسِيجًا سِمْيائِيًّا في نهاية المطاف، لذلك ستكون عملية التعرّف (Recognize) على هذه الأنساق الثقافية المنمذجة وتأويلها مقيَّدة بالسياق الثقافي الذي ولّدها وروّجها. نفهم من ذلك أن فلسفة الأشكال الرمزية عند “إرنست كاسيرر” أدوات تأويلية لفهْم أشكال التوسّط الإلزامي الثقافي، لذلك فإن تأويل دلالات هذه الأنشطة الثقافية والممارسات الاجتماعية رهن تفاعل المؤوّل مع هذه الشبكة من العلامات الثقافية التي تشكل الثقافة؛ لكونها “تُقَدِّمُ مِفْتَاحًا لأشكال التصور الإنساني”[8]، مع ضرورة استحضار المعلومات السياقية الضرورية للنشاط التأويلي.
توثيقًا للبدايات الأولى لتأسيس اتجاه سميائي ثقافي صريح، نذكر أنه صدر عام (1973) البيان الجماعي: “أطروحات حول الدراسة السميائية للثقافات” (Theses on the semiotic study of cultures)، كُتِب بقيادة “يوري لوتمان” وزملائه في موسكو؛ يتعلق الأمر بكلٍّ من: “ياشسلاف إيفانوف”، و”فلاديمير طوبوروف”، و”أليكسندر بياتيغورسكي”، و”بوريس أوسبنسكي”. لقد “كان هذا البيان بمثابة ولادة حقيقية للحقل البحثي الذي يسمّى: سميائيات الثقافة. إن العمل المكثّف ابتداء من عام (1960) حول المقاربة السميائية لدراسة النصوص الأدبية وأنواع أخرى من النصوص الثقافية، بالإضافة إلى النقاشات التي دارت بالمدارس الصيفية لسميائيات تارتو في “كارايكو”؛ كلها قادت إلى تكوين فهْم لإمكانية مقاربة الثقافة مقاربة متكاملة من منظور سميائي؛ تتميز، هذه المقاربة، بتوظيف مصطلح سميائيات الثقافة الذي بدأ استعماله منذ عام (1970). وقد صاغ لوتمان بشكل صريح في مقدمة المدرسة الصيفية الرابعة حول السميائيات التي جرت بِتَارْتُو وكارايكو في غشت (1970) مهام سميائيات الثقافة، وذلك باستعماله لاسم هذا الحقل. في العام نفسه، استعمل لوتمان وأوسبنسكي هذا المصطلح لكن بشكل مجرد في المؤتمر المنعقد في “تبليسي”. يليه مقالهما في هذا الموضوع عام (1971)”[9].
اقترح “يوري لوتمان” عام (1973) إعداد صياغة جماعية لأهم مبادئ وأسس سميائيات الثقافة. تعود فكرة تدوين هذه الأطروحات له. “جُمع النص عندما اجتمعت المجموعة في شقة أوسبنسكي بموسكو. ضَمَّ هذا النص المؤلفِّين الأعضاء المؤسِّسِين لمدرسة تارتو- موسكو السميائية، وَهُمْ: لوتمان، وإيفانوف، وبياتيغورسكي، وأوسبنسكي، وطوبوروف. كان لوتمان يريد أن يضيف رومان جاكبسون كذلك، الذي كان يشتغل آنذاك في معهد “ماساتشوستس” للتكنولوجيا، لكن ليس مُؤَكَّدًا ما إذا كانت هذه الرسالة وصلت إليه. حُرِّرَت أطروحات المؤتمر الدولي السابع للسلافيين الذي انعقد عام (1970) في وارسو. كانت عملية الكتابة سريعة إلى حدّ ما- كان يتعين على أوسبنسكي أخْذها إلى وارسو”[10].
تلقى باحثون متعددون هذه الأطروحات، وانتقلت إلى بُلْدَان مثل بولندا وهولندا، وتُرجِمت عن الإنجليزية إلى لغات كثيرة، نذكر من ذلك ترجمتها إلى اللغة الفرنسية عام (1973)، واللغة الإيطالية عام (1976)، واللغة الألمانية عام (1986)، واللغة الإستونية عام (1998)، واللغة البرتغالية عام (2003)، واللغة الإسبانية عام (2006). كما نُظِّمت لاحقا المدرسة الصيفية لسميائيات تارتو لعام (2013) التي انعقدت مرة أخرى في كارايكو؛ وذلك من أجل تطوير البحث في سميائيات الثقافة، اخْتِيرَ لها عنوان: “التواصل الذاتي في الأنساق السميائية: أربعون سنة بعد أطروحات حول الدراسة السميائية للثقافات”[11].
يُستخلص مما ذكر أنّ نشر “أطروحات حول الدراسة السميائية للثقافات” اتّسم بظهور شيئين جديدين هما التاليَّين: “ظهور مدرسة جديدة في التحليل السميائي في الساحة الدولية تحمل اسم: مدرسة تارتو موسكو[12]، وهذا هو الجديد الأول، أما الجديد الثاني فتمثل في انبثاق اختصاص جديد يُدعى: سميائيات الثقافة. للإشارة، تُستعمَل في الكتابات الدولية ثلاثة مصطلحات بالتناوب هي: موسكو- تارتو، وتارتو- موسكو، ومدرسة تارتو. أوّل هذه المصطلحات صحيح من الناحية الزمنية؛ فقد انعقد أول مؤتمر في السميائيات في الاتحاد السوفياتي بموسكو عام (1962)، يليه انعقاد المدارس الصيفية قرب تارتو عام (1964). فيما يتعلق بالمصطلح الآخر فهو صحيح من الناحية التنظيمية، إذ شهد تأسيس مؤسسة بقيادة الأستاذ يوري لوتمان من جامعة تارتو، فأصبحت شعبة الأدب الروسي بالجامعة نفسها مَرْكَزًا للمدرسة”[13].
وعلى هذا، استغرقت السميائيات الثقافية زهاء أربعين سَنة لبناء مدرسة سميائية ثقافية منذ نهاية العشرينيات والبدايات المبكّرة للثلاثينيات إلى حدود انعقاد الندوة الدولية عام (1962) بموسكو التي ناقشت موضوع أنساق العلامات في اللغة والأدب والثقافة، وقد عُدّت هذه الأخيرة تمهيدًا لانطلاق تعاون علمي مشترك بين موسكو وتارتو تُوِّج ببناء إدخال برمجي في العلوم الدولية من قبَل مدرسة تارتو موسكو عام (1973)، التي وضعت الأساس العلمي لاختصاص معرفي مستقل سمي: سميائيات الثقافة، يعنى “بدراسة التعالق الوظيفي لأنساق العلامات المختلفة”[14]. يقصد بهذا أن “يوري لوتمان” وشركاءه بمدرسة تارتو موسكو السميائية حددوا لهذا الفرع السميائي موضوعه الرئيس، وقدموا مفاهيم سميائية جديدة لوصفه وتفسيره، وصاغوا نماذج تحليلية وتأويلية لفكّ شفراته، وهي أمور سنوضّحها في أثناء مناقشتنا مفهوم السميائيات الثقافية وموضوعها.
ثبت لدينا أن أعمال مدرسة تارتو موسكو كوَّنت دعائم جوهرية في تاريخ سميائيات الثقافة من الناحية العلمية والتنظيمية. يمكننا التأكيد أن مهمة هذه المدرسة السميائية المذكورة كانت “تتجسد في إعادة بناء التقاليد وإعادة خلق روابط مع المنسي والطابوهات (الممنوعات) الثقافية[15] والإنجازات العلمية في العقود الأولى من القرن العشرين. لقد بذل أعضاء مدرسة تارتو موسكو السميائية جهدًا لتجميع كل الاتجاهات الحاسمة للتفكير النظري في العلوم الإنسانية: يراعي النقد الأدبي السميائي- البنيوي تجارب المدارس الأدبية السابقة، لكن لديها، مع ذلك، طابعها المميز. لقد نشأت في بيئة تلك الثورة العلمية التي ميزت منتصف القرن العشرين، وارتبطت بأفكار ومنهجية اللسانيات البنيوية، والسميائيات، ونظرية المعلومات (التواصل)، والسيبيرنيطيقا”[16]. وهي معطيات سيتم بيانُها على نحو أفضل في أثناء الحديث عن علاقة السميائيات الثقافية بصفتها نظرية في تحليل أنساق العلامات (لغة واصفة)، والثقافة بعدِّها موضوعا للوصف والتأويل.
إنها صيغة أخرى للقول: إن سميائيات الثقافة عند مدرسة تارتو موسكو سميائياتٌ للتراث العلمي الثقافي؛ ذلك أنها أدمجت مفاهيم بنيوية، ولسانية، وأنثروبولوجيا، وشكلانية، وتاريخية، وسيميولوجية، وحوارية، إلخ. لقد سعت هذه المدرسة السميائية إلى أن تكون مُبتكِرة من حيث: الموضوعُ، والمنهجية التحليلية. إن أول “سمة مميزة لسميائيات الثقافة هي أنها في هذا الكون السميائي، حاولت أن تكون مبتكرة سواء على مستوى الموضوع أو الوصف البنيوي، وكذا في تقديم طرائق جديدة لتحديد الموضوع الثقافي للدراسة، وكذلك في تحديد ورصد لغات جديدة للوصف (وليس فقط لغة كلية) بغرض إجراء تحليل ثقافي. نتيجة لكلّ هذا، فإن ظهور السميائيات الثقافية يعني إدخال منهجية جديدة كذلك”[17].
يمكن تسويغ هذا التأسيس العلمي والتنظيمي بمجموعة من المقالات التي نشرتها مدرسة تارتو موسكو السميائية في مجلة “دراسات أنساق العلامة”[18]، وكذا مجموعة من الملخصات، وأطروحات المدارس الصيفية التي كانت تنعقد في تارتو وكاريكو من أجل صوْغ إطار نظري رصين. “كان أول عمل نشره لوتمان في سلسلة “دراسات أنساق العلامات” يتمثل في “محاضرات حول الشعرية البنيوية”. وقد نصّت المقدمة على ضرورة اقتراب الدراسات التقليدية في العلوم الإنسانية من التقدم المعاصر في حقول معرفية أخرى. كما تمّ التأكيد أن ظهور علوم جديدة من قبيل: السيبرنيطيقا، وعلوم المعلومات، والسميائيات، وغيرها، قد فتح آفاقا جديدة لإدراك جديد وفهْم مُتغيِّر في العلوم كافة. بإنشاء هذه المجلة، فإنه من المفترض أن يتم توحيد جهود الأدباء واللغويين، وكذا الرياضيين من أجل الإسهام في حل المشاكل المشتركة”[19].
أما العدد الثاني من المجلة السميائية المذكورة، “فقد كان عبارة عن مجموعة من الأوراق البحثية، عُرِض معظمها في المدرسة الصيفية الأولى (غشت 1964) ونُشرت في عام (1965). وقد تمّتْ الإشارة في المقدمة الافتتاحية لهذا العدد من مجلة تارتو موسكو، إلى أن المشاركين ركّزوا على مجموعة من الإسهامات العلمية التي درست نسق العلامة دراسة بسيطة نسبيا بوصفها بدايات لحركة علمية ستحقق النتائج المرجوة في المراحل اللاحقة، يتعلق الأمر بخلق نماذج وظيفية معقدة للظاهرة الفنية”[20]. وقد فتح هذا العدد آفاقا علمية للتعاطي مع الظاهرة الفنية من زاوية سميائية، وهو الأمر الذي تُسوِّغه الأعمال اللاحقة لــ: “يوري لوتمان” في موضوع بناء المعنى في النصوص الفنية، وأنساق النمذجة الثانوية (الشعر، والفيلم، وغيرهما). وقد توالت لاحقا أبحاث مجلة تارتو موسكو في هذا المجال من أجل تفريد الدرس السميائي الثقافي من حيث: الموضوع، والمنهج.
- السميائيات الثقافية: مفهومها، موضوعها، وامتداداتها التطبيقية
أفضى تحرير الأوراق البحثية للمؤتمر الدولي السابع للسلافيِّين المنعقد عام (1970) على شاكلة أطروحات جماعية عام (1973) إلى إرساء أسس الدرس السميائي الثقافي على المستوى التنظيمي والعلمي. يقصد بهذا أن تدوين هذه المداخلات العلمية ونشرها كان غَرَضًا منهجيا ومعرفيا؛ تجسد في تأسيس اتجاه سميائي ثقافي عُرِف باسم: مدرسة تارتو موسكو السميائية، يمتد تاريخيا ليشمل التراث العلمي والثقافي للنظريات اللسانية والأدبية والسيميولوجية التي أسهمت في التفكير في موضوع الثقافة، وبناء فرع سميائي ستكون مهمته تعميق البحث السميائي في العلامات الثقافية.
بالعودة إلى البيان الجماعي، حُدِّدت سميائيات الثقافة بكونها “العلم الذي يدرس العلاقة الوظيفية بين أنساق العلامات المختلفة”[21]. ذلك أن الثقافة، وفق هذا التصور السميائي، نسق سميائي عام تُشكِّله أنساق فرعية (Subsystems) مهمتها التعبير عن هوية الفضاء الثقافي، وتصريف قيمه ومعارفه ومعتقداته بلغات ثقافية متنوعة (اللغات الطبيعية، واللغات الفنية)، وأن سميائيات الثقافة هي المعنية بالتحليل الثقافي لنصوص الثقافة، وكشف مستوياتها الخِطابية، وإظهار أنساقها المضمرة.
طمحت السميائيات الثقافية إلى تقديم تفسير جديد لموضوع الثقافة، لذلك اهتمت “بفحص ودراسة التفاعل بين الأنساق السميائية المختلفة، والتفاوت الداخلي في فضاء سميائي ما، مع الحاجة إلى التعدد اللغوي والثقافي والسميائي”[22]. لقد ركزت مدرسة تارتو موسكو على فكرة محورية تتعلق بالبحث في “البنية الهرمية لِلُغات الثقافة على أساس أنها تمتلك مستويات فرعية جعلتها نَسَقًا لبنيات هرمية. تمتاز كل ثقافة بعلاقة فريدة بين أنساق العلامات الدالة عليها. ومن ثم، فإنه من المهم في حالة دراسة أية ثقافة فَهْم تطورها التاريخي، كما قال لوتمان في إحدى مذكراته: بالنسبة لي، لا أستطيع وضع حد فاصل فحيثما ينتهي الوصف التاريخي تبدأ السميائيات”[23].
لم يكتفِ سميائيو الثقافة بوصف الأبعاد المباشرة والنفعية والجمالية للمكونات الثقافية داخل الوسط الإنساني، بل تطلعوا إلى تفسيرها في ضوء نظرية أنساق العلامات في السميائيات المعاصرة، ومن ثم النظر إليها بأنها علامات، ونصوص، وخطابات تتجاوز مستوياتها الأولية لتدل على موضوعات أكثر عمقا وتطورا، معارف تضمينية لصيقة جدا بالهوية بشكل عام. لقد تحدث “أمبرتو إيكو” عن هذه الخاصية النسقية حين وصف الثقافة بأنها”نسقُ أنساقِ العلامات”[24]؛ والسبب أن الثقافة كون للتنوع الثقافي واللغوي والسميائي (الدلالي)، وهو ملمح جوهري افترضه ذلك “التنوع والترابط والتعالق بين أنساق العلامات التي تتحقق على مستويات تكنولوجية واجتماعية واقتصادية وتعبيرية وإيديولوجية. في الواقع، تشمل سميائيات الثقافة أيّ سلوك تواصلي ثقافي: هادف، ومشترك، ومنظّم، ودينامي”[25]. ربما كان هذا التفسير الذي قُدّم للثقافة، في ضوء إلى نظرية أنساق العلامات، الدافع الرئيس إلى تسمية المجلة العلمية الناطقة باسم مدرسة تارتو موسكو بـِــــ: “دراسات أنساق العلامات”.
يمكننا إدراك أنّ مهمة السميائيات الثقافية ماثلة في “فهم التقاليد، وإدراك طريقة اشتغال أنساق العلامات، التي تشكّل العالم الإنساني”[26]. إنها تسمح لنا بكشف أشكال التوسط، وتحليل كيفيات التواصل ونقل المعلومات، وإظهار طرائق التعبير عن الانتماء للهوية بلغات ثقافية متنوعة، ومراقبة مختلف أنماط السلط والرغبات والإكراهات التي تبدو ممارسات بدَهية في حياتنا اليومية.لقد كان السؤال الرئيس في الدرس السميائي الثقافي يتجسد في “مشكلة توليد المعنى. فما نسميه توليد المعنى في سميائيات الثقافة عند لوتمان هو قدرة الثقافة ككل وأجزائها، أيضا، على إنتاج نصوص جديدة، بحيث لا يمكن التنبؤ بها”[27]، باستثناء النصوص الأسطورية التي تمتلك نسبة عالية على التوقع، على حدّ تعبير “يوري لوتمان”. بتعبير آخر: تتسم الموضوعات الثقافية بسمة الإبداعية الدلالية، أو التوليد الدلالي غير المحصور؛ والسبب ارتباط عملية بناء المعنى بمحاور رئيسة متعاضدة هي: القارئ، والنص الثقافي، والسياق. إن الثقافة نسق للأنساق؛ فكل عنصر قادر على الاشتغال بصفته علامة. لذلك، يصعب التنبؤ بطبيعة المعلومات والرسائل الجديدة بسبب ارتباطها الشديد بموسوعة القارئ، وسياق التأويل؛ فكل قراءة نافذة على إمكانات تأويلية غير محدودة نظريا على الأقل، ليظل السياق كابحا دلاليا مُوجِّها للعملية ككل. وهو ملمح جوهري مميّز للأنساق السميائية الثقافية عن الأنساق السميائية الاصطناعية التي تمتاز بأحادية القراءة والتأويل (إشارات الطريق، ولغة الرياضيات، وغيرهما).
لقد “استُعمِل مصطلح السميائيات الثقافية منذ أن اقترح “إرنست كاسيرر” (1923- 1929) وصف أنواع معينة من أنساق العلامات بوصفها أشكالا رمزية، وأن هذه الأشكال الرمزية هي ما يُكوّن ثقافة أيّ مجتمع. إن السميائيات الثقافية اختصاص فرعي من السميائيات، والذي يجعل الثقافة موضوعا له. فوَفْقًا لكاسيرر، تضطلع سميائيات الثقافة بمهمّتين هما:
أولا، دراسة أنساق العلامات في ثقافة ما (بالمعنى الذي قدمه “هيردر” وتايلور) مقارنة مع ما تساهم الثقافة في بنائه؛
ثانيا، دراسة الثقافات بوصفها أنساق علامات مع ما يرتبط من مزايا وعيوب يكشفها فرد ما ينتمي إلى ثقافة معينة”[28].
إن سميائيات الثقافة تختص بدراسة أنساق العلامات، وتأويلها في سياقها السوسيوثقافي والتاريخي.لئن كان هذا الفرع السميائي معنيّ بدراسة تعالق أنساق العلامات ووظائفها، فقد تساءل “رولاند بوسنر” عن كيفيات اشتغالها في أسئلة محورية هي الموالية:
(أ)- “كيف تشتغل العلامة، وأنساق العلامات في ثقافة ما مقارنة مع العلامات غير الثقافية (أي الطبيعية)؟
(ب)- كيف نُؤوِّل العلامات الثقافية مع العلامات الطبيعية؟
(ج)- ما أنواع العلاقات التي تربط الثقافات المختلفة بعضها عن بعض داخل الكون السميائي؟
(د)- كيف ينشأ التغير الثقافي؟”[29].
يستفاد مما تقدم أن السميائيات الثقافية فرع من السميائيات، أو إن شئنا القول: نظرية في تحليل أنساق العلامات الثقافية، ودراسة وظائفها الدلالية والتواصلية داخل الفضاء الثقافي.بهذه الكيفية، تصبح “السميائيات الثقافية بمثابة أداة للتحليل المعقد للثقافة وأيضا لربط التجارب المكتسبة من دراسات تخصّصات أخرى للثقافة. إن التطور التخصّصي للسميائيات الثقافية هو في الآن نفسه تطور ونمو متعدد التخصّصات بين الثقافة والإنسانية، من ناحية، وبين تخصصات مختلفة لدارسة الثقافة، من ناحية أخرى”[30].
يمكن توضيح مفهوم سميائيات الثقافة بطرائق مختلفة: “أولا، بوصفها تشير إلى أداة منهجية يمكن الاعتراف بها بشكل متزامن في اختصاصات مختلفة ضمن العلوم الإنسانية المعاصرة. يمكن عدّها، ثانيا، مفهوما يُمثّل تنوّع مقاربات ومناهج التحليل التي تطول مختلف أشكال الثقافة وأنساقها بوصفها موضوع بحث في النظرية السميائية والسميائيات التطبيقية. ثالثا، بوصفها أحد التخصصات الفرعية للسميائيات ودراسات الثقافة. في هذه الحالة الأخيرة، تمتلك سميائيات الثقافة نظرة شمولية للثقافة وملامح تدل على التخصص”[31].
إن العمارة، واللباس، والمسرح، والتشكيل، وغيرها من النصوص الثقافية، موضوعات للتحليل السميائي الثقافي، ودلالاتها كامنة في التداول، فهي وليدة سميوزيس متعاضدة تأخذ في الحسبان أن أيّ نسق علامي جزء من بناء اجتماعي ما، وسيرورة ثقافية معينة، وعمق ذاكري مخصوص، وذلك ما جعل معانيها الثانوية (التضمينية) وحدات ثقافية تختلف شحناتها الدلالية باختلاف قوانين الكون السميائي الذي يحتضنها. لذلك، يصعب تأويل هذه الأنساق الثقافية بشكل مفصول عن حياتها الاجتماعية. وعلى هذا الأساس، يمكن أن يستند محلِّلو الخطاب إلى سميائيات الثقافة ابتغاء دراسة: “الثقافة والترجمة، واللغة والثقافة في التواصل البين- ثقافي، واللسانيات الثقافية، واللغة والثقافة والهوية، واللغة والمخطوطات الثقافية، واللغة والثقافة والمعرفة الفضائية (المكانية)، والزمن والفضاء (زمن الفضاء)، والاستعارات والخرائط والاندماجات، واللغة والجنس والسياق”[32]، والفضاء والسلطة والهوية، والعمارة والمعنى والهوية، والسرد، والشعر، إلخ.
تُظهر هذه الموضوعات كافة أن سميائيات الثقافة نظرية موسَّعة في تأويل الأنساق الثقافية، وتلك سمة استدعتها الطبيعة الشمولية لموضوع الثقافة. في هذا الصدد، “ناقش بياتيغورسكي عام (1994)، وهو أحد مُؤسِّسي مدرسة تارتو موسكو، الأسباب التي أدت بمدرسة تارتو موسكو إلى دراسة الثقافة في قوله: إن المنهج الكلّي يفترض موضوعا كليا وحتما سيكون هذا الموضوع الكلي هو الثقافة. يظن بياتيغورسكي أن الدافع الرئيس هو الثقافة الروسية: كنا نظن أننا كتبنا حول أو عن الثقافة من وجهة نظر خارجية، لكنها قادتنا إلى الداخل. (…) بعد ذلك تم تحديد المنهج الذي أدى إلى تحديد طبيعة الموضوع (ليس فقط “كيف أفهم الثقافة” ولكن كيف تفهم الثقافة الواحدة الثقافات الأخريات ونفسها كذلك)”[33].
راهنت مدرسة تارتو موسكو على الدراسة العلمية لموضوع الثقافة الذي تندرج ضمنه مجموع الأفعال، وال سلوكيات ، والأحداث، والوقائع، والصور، والممارسات الإنسانية. لذلك، فلا إمكان للتعاطي مع هذا الكلّ إلا بمقاربة كلية كذلك؛ ذلك أن دراسة أية ثقافة ليست تحليلا نوعيا في ذاته- على الرّغم من توافرٍ حتميٍّ لملامح جوهرية مميِّزة في كل ثقافة- وإنما المساعدة على صوْغ إبدال منهجي للتعامل مع النصوص الثقافية، وفَهْم تطورها التاريخي، واستخلاص خصائص تساهم في تصنيف الثقافات وتنميطها. لقد تطلبت “دراسة الثقافة مناهج جديدة للبحث، ومن ثم فإن دراسة أية ثقافة فهي تعني العلم نفسه. من هنا يتضح أن الثقافة الروسية، والثقافة الإستونية، والثقافة الصّينية كلها ثقافات ذات قيمة متساوية من ناحية الدراسة العلمية، وتمتلك كل واحدة منها تصنيفا يساعدها على إدراك الثقافات الإنسانية وفهمها. إذ يمكن للعلم العام للثقافة من خلال هذا النوع من المقاربة والدراسة أن يتطور نتيجة اعتماد معايير علمية لا ترى في ثقافة أفضل مرتبة من الثقافات الأُخَر، بقدر ما يَهمّها نتائج البحث المتمثلة في الطرائق التي يعتمدها أفرادها في فَهْمِهِم وتقطيعهم للعالم، وبناء تصوراتهم ورؤيتهم حوله”[34].
يعد البرنامج التحليلي والتأويلي الذي صاغته مدرسة تارتو موسكو السميائية مقاربة منهجية موسَّعة تتماشى ورحابة الموضوع الثقافي. لقد سعى هذا الاتجاه السميائي إلى إدخال منهجية جديدة في التحليل الثقافي للممارسات الإنسانية تنبني بالأساس على استثمار أفكار باحثين ومدارس اهتمت بالتفكير في الثقافة من وجهات نظر مختلفة ومتكاملة، فأدمجت- بعد تحوير، وتعديل، وتكييف- مفاهيم في التاريخ، واللسانيات البنيوية، والبنيوية في الأدب، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والتواصل، والشعرية، والشكلانية، والحوارية، إلخ. إن متأمّل، وفاحص دراسات “يوري لوتمان”[35] على وجه التحديد، يلحظ حضور أفكار باحثين متنوعين في مشروعه السميائي، وهو ما يؤكد “الطبيعة الإدماجية”[36] في سميائياته الثقافية.
استدعى التحليل السميائي للثقافة- بصفتها ظاهرة مركبة ومعقدة يتعاضد فيها ما هو اجتماعيّ، وتاريخيّ، ومعرفيّ، وقِيمِيّ، وأهوائيّ، ولغويّ، ونفسيّ، إلخ- أنْ نحددها بكونها أَنْسَاقًا دلالية، وموضوعات تواصلية. لقد تطلّب هذا البناء الهرمي المتنوع لبنية الثقافة صَوْغ منهجية إجرائية تأخذ بعين المراعاة كل ما قُدِّم في دراسات الثقافة. لا تزال هذه الأخيرة الموضوع البحثي التقليدي المفضّل في كثير من الأوساط العلمية استنادا إلى نظريات ومناهج متباينة. لذلك، فإن “الاختلافات والنقاشات حول الثقافة ومجموع القضايا المتعلقة بها من قبيل: ما الثقافة؟ وكيف يمكننا دراستها؟ وما دور الباحث في دراستها؟ هي بمثابة أفضل دليل على دينامية هذا الموضوع البحثي. لكن مهْما كانت التأويلات المتنوعة للثقافة وطبقاتها المتعددة، فإن عددا من سمات الثقافة تميل إلى أن تكون موجودة في أغلب الآراء العلمية عندما يتعلق الأمر بجوهر الثقافة أو تأويلٍ أعمقَ لمكوناتها. يبدو أن إحدى هذه القضايا هي قضية التاريخ، أو بمعنى آخر، التغير الثقافي في علاقته بالزمن”[37].
إن فهْم التطور التاريخي لأية ثقافة إجراء ضروري دراسة أيّ ثقافة وتأويلها، على حد تعبير “يوري لوتمان” وزملائه بمدرسة تارتو موسكو السميائية. يُوفِّر التاريخ ذاكرة للأحداث، والصور، والوقائع، وكافة المعلومات الضرورية التي تكوّن ذاكرة للنص الثقافي في سياقه الزماني والمكاني، بالنظر إلى أن الدلالات وليدة التداول الاجتماعي. فإذا كان التحليل الثقافي يستهدف تأويل النصوص الثقافية اللفظية وغير اللفظية، فمن الضروري أن نتنبّه إلى “وجود علاقات وارتباطات تاريخية بين أنساق هذه العلامات. إن هذا التصور لموضوع البحث في سميائيات الثقافة يحوِّل هذه الأخيرة إلى سميائيات للتاريخ الثقافي. يمكن التأكيد على الجانب السميائي للتاريخ الثقافي من خلال إمكان دعم تطوير سميائيات الثقافة وفق طريقتين: أولا، تمتلك سميائيات الثقافة إمكان إجراء بحث عميق للنصوص بوصفها وسائط بين الجمهور والتقاليد الثقافية. ثانيا، يمكن توظيف سميائيات الثقافية بوصفها سميائيات للتاريخ الثقافي من الناحية الإجرائية بغرض تأسيس نظرية جديدة للثقافة”[38]. بكلمات مغايرة: تروم السميائيات الثقافية تجاوز الوصف التاريخي إلى التأويل السميائي؛ وذلك من خلال تعميق معرفتنا بأشكال التعبير والمحتوى المضمرة في الاستعمالات الضمنية داخل حياتنا اليومية، ويمكن لهذا النوع من الدراسات أن يُعِين الباحثين على تمثّل الأبعاد الدلالية المتعددة التي تكثّفها الموضوعات التاريخية، وتختزلها بصفتها ذاكرة.
تتداخل السميائيات الثقافية مع الموارد التاريخية. فقد لاحظ “يوري لوتمان” “في كتابه الأول عن السميائيات وجود علاقات محددة بين التاريخ والنص في إطار منهجية جديدة. وقد أعرب لوتمان عن أمله في أن يفهم طبيعة بنية النص الفني التي من شأنها تسهيل ظهور طرائق بحثية جديدة قادرة على تحليل البنية المعقدة والمركبة للتاريخ الثقافي للإنسانية. في إطار علاقة سميائيات الثقافة بالتاريخ، يكتب لوتمان ما نصه: لقد تغيّرت السميائيات خلال العقود الماضية. كان أحد إنجازاتها طَوال مسارها الصّعب الانضمامُ إلى التاريخ. إن إدراك التاريخ أصبح سِمْيائيًّا، واكتسب التفكير السميائي ملامح تاريخية. […] إن المقاربة السميائية تطمح إلى تجنب هذا التوقف التقليدي للعملية التاريخية”[39]. إن “السميائيات الثقافية والتاريخ (الثقافي) كَانَا مرتبطَيْن بمفاهيم مدرسة تارتو- موسكو”[40]، وهو ما يمكن تسويغه بمناقشة قضايا من قبيل: الذاكرة الثقافية، والثقافة بصفتها ذاكرة غير موروثة، والهوية الثقافية، ودياكرونية الثقافة، وذاكرة النص، وما إلى ذلك. لقد عَبَّرَ “يوري لوتمان” عن تواشج التاريخيّ بالسميائيّ في إحدى مذكراته بالقول: “بالنسبة لي، لا أضع حدا فاصلا، فحيثما ينتهي الوصف التاريخي تبدأ السميائيات”[41]. وهذا معناه أنهيوضح “الكيفية التي تنتمي بها السميائيات الثقافية إلى الدراسات التاريخية”[42].
إن المشروع السميائي لِلُوتمان تأليف بين الاستراتيجية السميائية، والتاريخية الثقافية، وهو أظهره- بجلاء- تصوره للكون السميائي (1984): “لا أستطيع رسم حد فاصل فحيثما ينتهي وصفٌ تاريخي بالنسبة لي، تبدأ السميائيات. لا يوجد تقابل ولا فجوة. بالنسبة لي، هذان المجالان مترابطان عميقا. من المهم أن تأخذ ذلك بعين المراعاة لأن الحركة السميائية بدأت مع رفض الدراسات التاريخية. كانت الحاجة إلى التخلِّي عن الدراسة التاريخية للعودة إليها فيما بعد”[43]. إن الدلالة وحدةٌ ثقافية تتلوّن بتلوّن السياقات التداولية، والمعطيات السياقية ضرورية لرصد التغيرات الثقافية التي تحدث في المجتمعات، وتؤثر في دلالات العلامات؛ لأن هذه الأخيرة جزء من سيرورة أيّ مجتمع، تتجذّر النصوص الثقافية في أعماق ذاكرة المجتمع، وتحتل موقعا مهما في سجله التاريخي والحضاري. لذلك، فإن العودة إلى الدراسات التاريخية أملتها ضوابط منهجية في العملية التأويلية.
لاقت اللسانيات البنيوية اهتماما كبيرا من قبل مدرسة تارتو موسكو السميائية. لقد أكد “فيرديناند دي سوسير” فيما مضى “أن علم اللغة الحديث سيكون ذات يوم، جزءا من علم للعلامات شامل، وهو علم سيدرس عملية إنتاج المعنى في الثقافة والمجتمع. لقد بدا في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، أن هذه النبوءة ستتحقق، حين اتخذت البنيوية الفرنسية من علم اللغة نموذجا لإعادة بناء علم الأنثروبولوجيا، والماركسية، والتحليل النفسي، والدراسات النقدية والثقافية. وقد ساعد هذا في تقديم ما يمهد لحركة سيميوطيقية دولية. إن وضع الدراسات الأدبية ضمن علم للعلامات أوسع، لم يَبْدُ مجرّد مشروع ممكن، بل أمر محبّذ؛ فهو مفتاح يبعث الحياة في الدراسات الأدبية، وفي الوقت نفسه مفتاح لتأكيد مكانتها المحورية في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية”[44].
بالإضافة إلى ذلك، أثرت أفكار بنيويين آخرين مثل “رومان جاكبسون” في سميائيات تارتو موسكو، وبخاصة مفهومه للتقابل الذي حضر على شكل ثنائيات ثقافية ضدية من قبيل: المركز والهامش، والنحن والآخرون، والنص واللا نص، والداخل والخارج، وغيرها من المفاهيم التي تحمل ملامح وسمات “مثنوية” تشير إلى قيمتين: الأولى إيجابية (الثقافة)، والثانية سَلْبِية (الثقافة المضادة). مما يعني أن أيّ نسق في الكون الثقافي يحمل سمة إيجابية وأخرى سلبية تتغير بتغير موقع الملاحِظ. كما اطلع “يوري لوتمان” على المخطط التواصلي لجاكبسون، فتوصّل إلى أنه نموذج محدود يقتصر على تفسير عمليات التواصل في الأنساق السميائية الاصطناعية؛ لكونه لا يمتلك أية قدرة على احتواء الإبداعية الدلالية المميزة للظواهر الثقافية، وهو ما دفعه إلى صوْغ نموذج تواصلي جسّده مفهوم الكون السميائي.
استدعت كونية موضوع الثقافة أن تقرأ مدرسة تارتو موسكو التراث الشكلاني الروسي. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه “رافق ظهور مدرسة تارتو موسكو السميائية نشر مجموعة من الأعمال التاريخية المتميّزة التي كتبها تينيانوف وميخائيل باختين وآخرون، في الثلث الأول من القرن العشرين، ولكنّها ظلّت منسية لفترة طويلة. وفي إطار إعادة إحياء هذا الأرشيف وهذه الذاكرة التاريخية تم إدخال قسم للمنشورات الأرشيفية في مجلة “دراسات أنساق العلامات”، وهي المجلة الناطقة باسم مدرسة تارتو موسكو السميائية، حيث قامت هذه المجلة بنشر العديد من المخطوطات التي طالها النسيان أو تلك التي تم اكتشافها في الأرشيف. ويمكن القول إن دمج تراث الشكلانيين الروس وباختين وغيرهم في المفاهيم الجديدة لسميائيات الثقافة، وبالتالي استعادة الاستمرارية لتطوير البحوث، كان أحد المبادئ والرهانات الأساسية لمدرسة تارتو- موسكو السميائية”[45].
علاوة على ذلك، قدم “كلود ليفي ستروس” في الأنثروبولوجيا البنيوية خدمات جليلة لسميائيات الثقافة؛ وذلك من خلال دراسته للأسطورة بالمجتمعات البدائية، مؤكد أن هذا النسق تعبير ثقافي يختزل رؤية مخصوصة حول العالم. لقد راكمت الأنثروبولوجيا عبر تاريخها دراسات مهمة فحصت الممارسات والأنشطة الإنسانية ابتغاء تطوير الدرس الأنثروبولوجي، وبناء إطار منهجي للتعاطي مع عالَم الإنسان من منظور تأويلي. وقد مكّن هذا الوضع “الأنثروبولوجيا من دراسة الأشياء المرئية وغير المرئية قصد إظهار البنيات الخفية في الظاهرة المدروسة. مما يجعل الأنثروبولوجيا تجاور حقل السميائيات وتتحاور معه. إنها أنثروبولوجيا تطمح لأن تكون علما سميائيا وتجعل البحث عن المعنى وجهتها الأولى والرئيسية”[46].وهي حالة من التفاعل المعرفي عبّر عنه “أمبرتو إيكو” بقوله: “إن السميائيات (…) هي الشكل العلمي الذي تتخذه الأنثروبولوجيا”[47].
لقد حرص “يوري لوتمان” وباقي أعضاء مدرسة تارتو موسكو السميائية على العودة إلى الأصول العلمية من أجل قراءة عميقة تراعي مجموع ما كُتِب عن موضوع الثقافة في حقول معرفية متنوعة. لقد كانت فكرة تجسير العلوم والمعارف والنظريات حاضرة بقوة في أطروحاتهم وكتاباتهم، لا فقط بين العلوم الإنسانية والاجتماعية، بل حتى العلوم الحقة كالفيزياء والجيولوجيا والبيولوجيا؛ خاصة حينما جعل منها “يوري لوتمان” منطلقات معرفية لتفسير سيرورات المعنى والتواصل داخل الكون السميائي، مماثَلة لمفهوم الكون الحيوي عند “فلاديمير فيرناديسكي”[48]. لقد أكد “يوري لوتمان” في أكثر من موضع ضرورة اقتراب الإنسانيات والاجتماعيات من التقدم المعاصر في حقول معرفية أخرى “للقضاء على المقابلة والفصل بين العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانية”[49]؛ لكونه يمنح إمكانات جديدة لإدراك جديد وفهْم مُتغيِّر في العلوم كافة، ويوحّد جهود باحثين متعدِّدي الاختصاصات أفقا للمشاركة في مناقشة ومعالجة مشاكل مشتركة.
وعلى هذا الأساس، فقد سَلَكَ “يوري لوتمان” وباقي أعضاء مدرسة تارتو موسكو السميائية إجراء علميا يجعل من أية ثقافة إنسانية (شعبية، أو عامة، أو خاصة) موضوعا للتحليل الثقافي، فبهذه الكيفية وحدها يمكن تكثيف الجهود، والمساهمة في تطوير الدراسات الثقافية بعامة والسميائيات الثقافية بخاصة، بالنظر إلى أن مراد التحليل الثقافي تأويل الأنشطة الإنسانية بغرض تحقيق فهْم أفضل للإنسان، والزمن، والفضاء، والعالم. لئن كانت الوقائع الإنسانية تمارس التورية، ولا تنفصل عن إنتاج الخطاب، وممارسة السلطة والإكراه والرغبة، فستكون المقاربة التأويلية المفتاح الأساس لفكّ شفراتها، والتعرف على طبقاتها الدلالية الثاوية خلف غطاء النفعيّ، والجماليّ، والأوليّ، والصريح. لهذه الغاية، بلورت مدرسة تارتو موسكو السميائية نظرية سميائية لتأويل الظاهرة الثقافية، تنبني على مبادئ جوهرية شكلت دعائم مهمة في تحليل الثقافات.
3. الأطروحات الأساس في سميائيات الثقافة
اِنْبَتْ سميائيات الثقافة عند مدرسة تارتو موسكو على عدّة مبادئ كوَّنَتْ دعائم مهمة في التحليل السميائي للثقافات. لقد قدَّمت هذه المدرسة منطلقات علمية رصينة لدراسة الثقافة وتأويلها انطلاقا من نظرية أنساق العلامات، ترى إلى اللغة والأدب والثقافة بأنها أنساق علامات وظيفية غير متجانسة تبني فضاءنا السميائي. في هذا السياق، يمكن تقديم أهم هذه الأسس في النقاط الجوهرية الموالية:
(أ)- الثقافة موضوع للسميائيات: ينبغي للثقافة، حسب “يوري لوتمان” وزملائه بمدرسة تارتو موسكو السميائية، أن تُدرَس وفق مقاربة رمزية تعد أساس البحث في هذا الموضوع الثقافي وتأويله؛
(ب)- الثقافة أنساق علامات وظيفية مختلفة: تنتظم “جميع أنواع العلامات (لغة، وصور، وإيماءات، وما إلى ذلك) بوصفها أنساقا، تشتغل فقط في انسجام تام، ومتعاضدة بَعْضُها بَعْضًا”[50]. نَفْهَم من هذا أنّ الثقافة نسق عام لأنساق سميائية فرعية هي عناصرها المتنوعة والمتعددة (اللفظية، وغير اللفظية، والمادية، وغير المادية)؛
(ج)- الثقافة كلٌّ دينامي لا متجانس (مختلف) ومُوحَّد: “في دراسة الثقافة، إن الافتراض الأول هو أن جميع الأنشطة والممارسات الإنسانية التي تُعنى بمعالجة، وتبادل، وتخزين المعلومات تمتلك وَحْدة معينة. إن أنساق العلامات المفردة، رُغم أنها تفترض مسبقا وجود بنيات مُنظَّمة بشكل محايث، فإنها تشتغل فقط في وحْدة، مدعومة من بَعْضِها بَعضًا. فأنساق العلامات لا تمتلك أية آلية تمكنها من العمل والاشتغال في عزلة بمفردها. (…) يجب علينا أن نعترف بوجود مقاربة تُمكّن من فحص كل جوانب سميائيات الثقافة، بحيث تدرس العلاقة الوظيفية لأنساق العلامات المختلفة. فمن وجهة النظر هذه، ستكون الدراسة منصبة على البنية الهرمية لِلُغات الثقافة، وتصنيف الأكوان السميائية فيما بينها، وكذا الحالات التي تتداخل فيها هذه الأكوان أو تكُون مجرد حدود بعضها إلى بعض”[51]، وستكون السميوزيس آلية للربط بين هذه الأنساق السميائية الفرعية المختلفة داخل النسق السميائي العام؛
(د)- الثقافة بناء هرمي متدرج: تحدد الثقافة من منظور مدرسة تارتو موسكو بكونها “طبقات متداخلة من الأنساق السميائية الخاصة، ومجموعةً من النصوص وثلّةً من الوظائف المرتبطة بها، أو هي آلية لتوليد هذه النصوص”[52]؛
(ه)- الثقافة فضاء دينامي وحركي: تعامل أعضاء مدرسة تارتو موسكو السميائية مع الثقافة وَفْق مقاربتين: “المقاربة الأولى داخلية (Emic)، تجعل الثقافة موضوعا للوصف في ذاتها كما اللسانيات والأنثروبولوجيا، وهي بذلك فضاء ثقافي مُنظَّم وسليم، في مقابل فضاء غير ثقافي حيث يسود الجهل والعدوان والفوضى والاضطرابات. بينما الثانية خارجية (Etic)، تجعل الثقافة لغة واصفة وموضوعا للوصف على السواء، وفق ما تقتضيه نظرية المعلومات والتواصل في الكون السميائي عند لوتمان. سيتم النظر إلى الفضاء الخارج ثقافي في ضوء المقاربة الثانية على أنه كون غير سميائي، لكن، مع ذلك، تستدعي دينامية الثقافة وحركيتها اتصالات وتبادلات بين الفضاء الداخلي والفضاء الخارجي، بحكم أن الثقافة لا توجد من خلال التقابل بين الأكوان الداخلية والخارجية فحسب، لكن، أيضا، من خلال الانتقال من كون إلى آخر، فهي لا تحارب الفوضى الخارجية فحسب، بل تخلقها باستمرار لحاجتها إليها”[53]، وهي وضعية تفسرها عمليات التوسّع الثقافي، والاندماج، والتلاقح الثقافي، والتحولات الثقافية الناجمة عن تأثيرات داخلية وأخرى خارجية؛
(و)- النص بِعدِّه وحدةً منهجية مركزية في التحليل السميائي: “إن المفهوم الأساس والعنصر الأولي، والوحدة الرئيسة للثقافة، هو النص، الذي، على الرُّغم من ذلك، لا يُلغي مفهوم “العلامة”. لا يقتصر النص على ما هو لغوي وكفى، بل يشمل أيّ نوع من الوسائط الحاملة لمعنى والمؤدية لدور وظيفي (النص، وفقا لمدرسة تارتو موسكو السميائية، هو ما تحققت فيه سمتان: الحمولة الدلالية بوصفه نسقا دلاليا، والوظيفة التواصلية بصفته شكلا تواصليا)”[54]؛
(ز)- حضور البعدَيْن التزامني والدياكروني في دراسة الثقافة: إن “الدياكرونية ليست كما تصورها كلود ليفي ستراوش. يمكن تفسير حضور البعد الدياكروني انطلاقا من تداخل مجموعة من الأزمنة المختلفة في رصد كل كون سميائي. أما التزامنية؛ فتعود على تلك المستويات الدنيا أو الأنساق الفرعية بتعبير رواد مدرسة تارتو موسكو السميائية”[55]؛
(ح)- الثقافة مجال للوحدة والتنوع: تعد الثقافة، من جهة، فضاء للتعدد اللغوي والثقافي والسميائي، بالنظر إلى توافر أنساق علامات وظيفية مختلفة، ومن جهة أخرى، فضاءً للوحدة والنظام والانسجام والتماسك بفضل تفاعل الأجزاء فيما بينها (التواصل الداخلي)، وتكامل الأجزاء كافة مع الكل الثقافي كذلك (مبدأ التماثل الثقافي)؛
(ط)- النمذجة السميائية سيرورة تدليلية وتأويلية: ميَّزت مدرسة تارتو موسكو السميائية بين الأنساق المنمذجة الأولية (Primary modeling systems) التي تمثلها مجموع اللغات الطبيعية، والأنساق المنمذجة الثانوية (Secondary modeling systems) التي تجسدها الفنون والثقافة، وتُبنى هذه الأخيرة على أساس الأولى؛ إما بكيفية مباشرة كما هو الحال في الأدب، أو بطريقة موازية كما هو الحال في الموسيقى والرسم وغيرهما. تعبّر النمذجة السميائية (Semiotic Modeling) في السميائيات الثقافية عن عملية مركزية في السميائيات بعامة؛ يتعلق الأمر بالسيرورة المفضية إلى إنتاج ما لا حصر له من الدلالات، نظريا على الأقل. إذ تمكّن الأنساق المنمذجة الأولية من وصف العلامة، وتعيينها، وتسميتها، وتحديد إحالتها المرجعية، بينما تنزاح هذه العلامة في سياق الثقافة والتاريخ والفنون عن معارفها الصريحة والمباشرة ووجودها الأولي، لتعانق سمة الإبداعية الدلالية التي تميز أنساق النمذجة الثانوية كافة؛
(ي)- التمييز بين نمطين من العلامات: علامات لغوية طبيعية منفصلة، وعلامات أيقونية متصلة. في الحالة الأولى، يتجسد النص بوصفه متوالية من العلامات؛ لكنه، مع ذلك، لا يمكن توزيعه إلى علامات منفصلة بل فقط إلى سمات مميزة. في الحالة الثانية، يمكن أن ندرك المدينة بصفتها صورة مستمرة تسرد ذاكرة جمعية ومعلومات ثقافية واجتماعية بواسطة أنساق بصرية تتعاضد فيما بينها لتبني كلًّا دالا على موضوع متكامل ومنسجم. غير أنه يمكن، في أحايين كثيرة، الجمع بين الصّنفَين معا ضمن نسق سميائي واحد كما هو الحال في الخطاب المسرحي الذي تنتظم داخله أنساق علامات لسانية وغير لسانية بكيفية معقدة تستدعيها طبيعة الإرسالية المسرحية.
خاتمة
اهتمت هذه المقالة بمناقشة الاتجاه الثقافي في السميائيات ابتداء من “فيرديناند دي سوسير” إلى غاية تأسيس مدرسة تارتو موسكو، وهو غرض معرفي ومنهجي تطلع إلى رصد السياق العلمي والتاريخي الذي أسهم في بناء مدرسة سميائية في التحليل الثقافي بقيادة “يوري لوتمان” وآخرين. وقد بيّنت هذه الورقة أن مدرسة تارتو موسكو السميائية أدمجت دراسات متعددة التخصصات في مشروع سميائي ثقافي متكامل يروم تأويل موضوع الثقافة في ضوء إبدال منهجي جديد.
قائمة المصادر والمراجع
المراجع العربية:
- حسيب الكوش، البيوسيميائيات، من الطاقة إلى المعنى، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2019.
- عبد الله بريمي، السميائيات الثقافية: مفاهيمها وآليات اشتغالها- المدخل إلى نظرية يوري لوتمان السميائية، كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2018.
المراجع المترجَمة:
- إرنست كاسيرر، اللغة والأسطورة، ترجمة: سعيد الغانمي، هيئة أبي ظبي للثقافة والتراث، كلمة، الطبعة الأولى، 2009.
- أمبرتو إيكو، العلامة، تحليل المفهوم وتاريخه، ترجمة: سعيد بنكَراد، مراجعة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2007.
- جوناثان كلر، مطاردة العلامات: علم العلامات، والأدب، والتفكيك، ترجمة: خيرى دومة، المركز القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، العدد 2997، الطبعة الأولى، 2018.
المصادر والمراجع الأجنبية:
- Alexandros Lagopoulos, Karin Boklund-Lagopoulou, Semiotics, culture and space, sign systems studies, Issue: 42 (4), 2014, CEEOL Copyright 2018, online: http://dx.org/10.12697/SSS.2014.42.4.02.
- Anna Maria Lorusso, cultural semiotics: for a cultural perspective in semiotics, series: semiotics and popular culture, Palgrave Macmillan, New York, first published, 2015.
- Anna Redel Cabak, An Inquiry into cultural semiotics: Germaine de Stael’s Autobiographical travel accounts, Lund university, division of semiotics, 2007.
- Bronwen Martin and Felizitas Ringham, Key terms in semiotics CASSELL, London and New York, first published, 2000.
- Irene Portis Winner and Thomas G. Winner, the semiotics of cultural texts, semiotica 18/2, Mouton publishers, 1976.
- Juri Lotman, culture and explosion, edited by: Marina Grishakova, translated by: Wilma Glark, Walter de Gruyter, Berlin, 2009.
- Juri Lotman, Vjacheslav Ivanov, Pjatigorskij Alexksandar, Toporov Vladimir, Uspenskij Boris, Theses on the semiotic study of cultures (As applied to Slavic texts), Tartu semiotics library, issue: 13/2013, CEEOL Copyright 2018, online: https//www.ceeol.com/search/article-detail?id=256999.
- Marcel Danesi, Semiotics of media and culture, In: The Routledge companion to semiotics, edited by Paul Cobley, Routledge, first published, 2010.
- Peeter Torop and Silvi Salupere, On the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of the Tartu- Moscow school, Tartu semiotics library, Issue: 13/ 2013, CEEOL Copyright 2018, Online: https://www.ceeol.com/search/article-detail؟id=257001.
- Peeter Torop, cultural semiotics, In: the Routledge Handbook of language and culture, edited by: Farzad Sharifian, Routledge, London and New York, first published, 2015.
- Peeter Torop, Semiotics of cultural history, Sign Systems Studies, Issue: 45 (3/4), 2017, CEEOL Copyright 2018, Online: https://doi.org/10.12697/SSS.2017.45.3-4.07.
- PILSHCHIKOV Igor, urban semiotics: the city as cultural- historical phenomenon, ACTA Universitatis Tallinnsis, Tallinn University Press, 2015.
- Roland Posner, Basic tasks of cultural semiotics, series: A, general and theorical, paper N: 580, reproduced by LAUD Linguistic Agency, university of Duisburg- Essem, 2004, Online: http://www.linse.uni-due.de/linse/laud/index.htnl.
- Silvi Salupere, Peeter Torop, on the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of Tartu- Moscow School, In: Beginnings of the semiotics of culture, eds. By: Silvi Salupere, Peeter Torop, Kalevi Kull, Copyright University of Tartu Press, Tartu, Estonia, 2013, online: http://www.ut.ee/SOSE/tsl.html.
- Thomas G. Winner, Some fundamental concepts leading to a semiotics of culture: An historicaloverview, In: semiotics of culture, Edited by: WINNER Irene Portis and UMIKER-SEBEOK Jean, Semiotica, Volume: 27 (1/ 3), Great Britain, 1979.
- Toras Boyko, Describing the past: Tartu- Moscow School ideas on story, historiography, and the historian’s Craft, Sign Systems Studies, Issue: 2- 3/ 2015, Online: http://dx.doi.org/10.12697/SSS.2015.43.3-3.08.
- Yuri Lotman, the semiotics of culture and the concept of a text, Soviet Psychology, 1988, published online: 19/12/2014, http://dx.doi.org/10.2753/RPO1061-0405260352.
- Yuri Lotman, Universe of the mind, A semiotic theory of culture, Introduction by: Umberto Eco, translated by: Ann Shukman, I.B. Taouris Publishers and CO. Ltd, London- New York, 1990.
[1]– حسيب الكوش، البيوسيميائيات، من الطاقة إلى المعنى، دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2019، ص: 16.
[2]– Marcel Danesi, Semiotics of media and culture, In: The Routledge companion to semiotics, edited by Paul Cobley, Routledge, first published, 2010, p: 135.
[3]– Ibid.
[4]– Anna Maria Lorusso, cultural semiotics: for a cultural perspective in semiotics, series: semiotics and popular culture, Palgrave Macmillan, New York, first published, 2015, p: 117.
[5]– Ibid.
[6]– Thomas G. Winner, Some fundamental concepts leading to a semiotics of culture: An historicaloverview, In: semiotics of culture, Edited by: WINNER Irene Portis and UMIKER-SEBEOK Jean, Semiotica, Volume: 27 (1/ 3), Great Britain, 1979, p: 75.
[7]– Peeter Torop, cultural semiotics, In: the Routledge Handbook of language and culture, edited by: Farzad Sharifian, Routledge, London and New York, first published, 2015, p: 170.
[8]– إرنست كاسيرر، اللغة والأسطورة، ترجمة: سعيد الغانمي، هيئة أبي ظبي للثقافة والتراث، كلمة، الطبعة الأولى، 2009، ص: 10.
[9]– Silvi Salupere, Peeter Torop, on the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of Tartu- Moscow School, In: Beginnings of the semiotics of culture, eds. By: Silvi Salupere, Peeter Torop, Kalevi Kull, Copyright University of Tartu Press, Tartu, Estonia, 2013, p: 5, online: http://www.ut.ee/SOSE/tsl.html, accessed 05/01/2018, At 16:38.
[10]– Ibid.
[11]– Ibid, p: 6.
[12]– نشأت مدرسة تارتو موسكو السميائية، كما يوحي بذلك اسمها، نتيجة ائتلاف جماعتين: “جماعة تارتو” التي كانت اهتماماتها أدبية ونقدية، و”جماعة موسكو” التي كانت اختصاصاتها لسانية. وقد انعقدت ندوة عام (1962) بعنوان: “حول أنساق العلامات في اللغة والأدب والثقافة”، تمحورت جُلّ المداخلات حول موضوع أنساق العلامات اللغوية، والفنية، والثقافية. صدرت لاحقا أعمال هذه الندوة، فاطَّلع عليها “يوري لوتمان”، وأبدى رغبته في التعاون المشترك مع جماعة موسكو. فانطلق التعاون المشترك بين الجماعتين في عدة أعمال تخص أنساق العلامات؛ فنُظِّمت لاحقا ندوات ولقاءات كثيرة بتنسيق ثنائي بين جامعة تارتو وجامعة موسكو، فكان ذلك التعاون إعلانا بميلاد مدرسة جديدة اسمها مدرسة “تارتو- موسكو” في سميائيات الثقافة عام 1973. إن “مدرسة تارتو موسكو، تأليف بين اثنين من أكثر مراكز الأبحاث السوفياتية أهمية، تأسست من قبل “يوري لوتمان” الذي عمل في جامعة تارتو، إستونيا. وبناء على تراثهم الرسمي، شارك باحثون من المدرسة، في حركة السميائيات البنيوية التي كانت تتطور في أوربا وأمريكا. وقد أصبحت أعمالهم تعرف باسم البنيوية السوفياتية، وعلى الرُّغم من ذلك، فإن السميائيات كانت ممتدة لتشمل السميائيات الثقافية، بتأثُّر شديد من سوسير، وهيلمسليف، وجاكبسون. تركز السميائيات السوفياتية على المعلومات والتواصل ونظرية الأنساق، وقد تم وُسّع مجال التحليل ليمتد، بصرف النظر عن اللغة والأدب، إلى التواصل غير اللفظي والبصري مثل الأسطورة والفولكلور والدين. وقد نُظر إلى الفن والثقافة بشكل عام على أنها أنساق منمذجة ثانوية، لأنها، وفقا ليوري لوتمان، مثل جميع الأنساق السميائية، التي تم بناؤها على أساس نموذج اللغة”. للتفصيل، يُنظَر:Bronwen Martin and Felizitas Ringham, Key terms in semiotics, CASSELL, London and New York, first published, 2000, p: 129.
[13]– Peeter Torop and Silvi Salupere, On the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of the Tartu- Moscow school, Tartu semiotics library, Issue: 13/ 2013, CEEOL Copyright 2018, p:15, Online: https://www.ceeol.com/search/article-detail؟id=257001, accessed 02/01/2018, At 13:30.
[14]– Peeter Torop, cultural semiotics, Op. Cit, p: 170.
[15]– يقصد بها أعمال الشكلانيين الروس الذين غيّروا معيار جودة الأدب من التعبير عن مضمون اشتراكي إلى التعبير عن الخصائص والمعايير الفنية التي تجعل من العمل الأدبي أدبا (الأدبية)، وهو ما فتح عليهم أبواب المنع والتضييق.
[16]– Peeter Torop, Semiotics of cultural history, Sign Systems Studies, Issue: 45 (3/4), 2017, CEEOL Copyright 2018, pp: 317- 318, Online: https://doi.org/10.12697/SSS.2017.45.3-4.07, accessed 17/01/2018, At 10:50.
[17]– Peeter Torop, cultural semiotics, Op. Cit, p: 170.
[18]– “دراسات أنساق العلامة” (Sign System Studies): أقدم مجلة مختصة بالسميائيات في العالم، يشار إليها اختصارا بـ: (SSS). وهي المجلة التي خُصِّصَت لنشر أعمال وأبحاث ودراسات مدرسة تارتو موسكو السميائية إسهاما في صوْغ إطار نظري لتأويل الثقافة بصفتها أنساق علامات وظيفية غير متجانسة (مختلفة).
[19]– Peeter Torop and Silvi Salupere, On the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of the Tartu- Moscow school, Op. Cit, p: 21.
[20]– Ibid, p: 22.
[21]– Juri Lotman, culture and explosion, edited by: Marina Grishakova, translated by: Wilma Glark, Walter de Gruyter, Berlin, 2009, p: xxviii.
[22]– Yuri Lotman, the semiotics of culture and the concept of a text, Soviet Psychology, 1988, pp: 52- 53, published online: 19/12/2014, http://dx.doi.org/10.2753/RPO1061-0405260352, accessed 30/11/2017, At 19:10.
[23]– Peeter Torop and Silvi Salupere, On the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of the Tartu- Moscow school, Op. Cit, p: 15.
[24]– أمبرتو إيكو، العلامة، تحليل المفهوم وتاريخه، ترجمة: سعيد بنكراد، مراجعة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2007، ص: 177.
[25]– Irene Portis Winner and Thomas G. Winner, the semiotics of cultural texts, semiotica 18/2, Mouton publishers, 1976, p: 102.
[26]– جوناثان كلر، مطاردة العلامات: علم العلامات، والأدب، والتفكيك، ترجمة: خيرى دومة، المركز القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، العدد 2997، الطبعة الأولى، 2018، ص: 15.
[27]– Juri Lotman, culture and explosion, Op. Cit, p: xxix.
[28]– Roland Posner, Basic tasks of cultural semiotics, series: A, general and theorical, paper N: 580, reproduced by LAUD Linguistic Agency, university of Duisburg- Essem, 2004, p: 1, Online: http://www.linse.uni-due.de/linse/laud/index.htnl, accessed 12/04/2017, At 15:45.
[29]– Roland Posner, Basic tasks of cultural semiotics, Op. Cit, p: 2.
[30]– Peeter Torop, cultural semiotics, Op. Cit, p: 179.
[31]– Ibid, p: 170.
[32]– Peeter Torop, cultural semiotics, Op. Cit, p: 179.
[33]– Peeter Torop and Silvi Salupere, On the beginnings of the semiotics of culture in the light of the theses of the Tartu- Moscow school, Op. Cit, pp: 20- 21.
[34]– Peeter Torop, cultural semiotics, Op. Cit, p: 171.
[35]– يصادف القارئ لكتب “يوري لوتمان” مبادئ علمية لتخصصات متنوعة ومتكاملة مُدمَجة ضمن مشروعه السميائي، نذكر من ذلك: “فيرديناند دي سوسير”، و”رومان جاكسبون”، والشكلانيين الروس، و”إميل بنفنيست”، و”أندري مارتيني”، و”ميخائيل باختين”، و”كلود ليفي ستروس”، و”إليابريغوجين”، و”فلاديمير فيرناديسكي”، إلخ.
[36]– “استعمل “كارل إيميرماخير” لأول مرة مصطلح “علم الثقافة الإدماجي” في مقالاته عن لوتمان باللغتين الألمانية والروسية”. وتعد هذه الصيغة مناسبة لسميائيات “يوري لوتمان” الواحد المتعدد. للتفصيل، ينظر: عبد الله بريمي، السميائيات الثقافية: مفاهيمها وآليات اشتغالها- المدخل إلى نظرية يوري لوتمان السميائية، كنوز المعرفة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2018، ص: 49.
[37]– Toras Boyko, Describing the past: Tartu- Moscow School ideas on story, historiography, and the historian’s Craft, Sign Systems Studies, Issue: 2- 3/ 2015, pp: 269- 270, Online: http://dx.doi.org/10.12697/SSS.2015.43.3-3.08, accessed 03/01/2018, At 17:15.
[38]– Peeter Torop, Semiotics of cultural history, Op. Cit, p: 317.
[39]– Ibid, p: 327.
[40]– Ibid, p: 328.
[41]– Peeter Torop, cultural semiotics, Op. Cit, p: 170.
[42]– Anna Redel Cabak, An Inquiry into cultural semiotics: Germaine de Stael’s Autobiographical travel accounts, Lund university, division of semiotics, 2007, p: 59.
[43]– PILSHCHIKOV Igor, urban semiotics: the city as cultural- historical phenomenon, ACTA Universitatis Tallinnsis, Tallinn University Press, 2015, p: 13.
[44]– جوناثان كلر، مطاردة العلامات: علم العلامات، والأدب، والتفكيك، مرجع سابق، ص: 13.
[45]– عبد الله بريمي، السميائيات الثقافية: مفاهيمها وآليات اشتغّالها، المدخل إلى نظرية يوري لوتمان السميائية، مرجع سابق، ص: 49- 50.
[46]– المرجع نفسه، ص: 53.
[47]– أمبرتو إيكو، العلامة، تحليل المفهوم وتاريخه، مرجع سابق، ص: 177.
[48]– صاغ “فلاديمير فيرناديسكي” الكون الحيوي (Biosphère) عام (1926) بوصفه فضاء حيث الحياة ممكنة انطلاقا من تفاعل أنظمته المختلفة التي تكوِّن بنية هرمية متفاوتة المستويات ومعقدة البناء، فلا إمكان لتصوره بصفته بيئة للحياة خارج هذه الحركية الديناميكية، فهي المسؤولة عن تماسكه، وانسجامه، ووحدته. أثار هذا التصور “يوري لوتمان”، فافترض أن الكون الثقافي يتأسس على سلسلة من الأنساق السميائية المتعالقة فيما بينها، والتي تبني فضاء سميائيا موحدا، ومتماسكا، ومنسجما نتيجة تواصلها الذاتي/ الداخلي. وقد صاغه بصفته فضاء للمعنى والتواصل حيث أنساق العلامات المختلفة وظيفية ومترابطة، ولا إمكان للحديث عن أية لغة، أو أيّ تواصل خارج هذه السيرورة الدلالية والتواصلية.
[49]– Yuri Lotman, Universe of the mind, A semiotic theory of culture, Introduction by: Umberto Eco, translated by: Ann Shukman, I.B. Taouris Publishers and CO. Ltd, London- New York, 1990, p: x.
[50]– Anna Redel Cabak, An Inquiry into cultural semiotics: Germaine de Stael’s autobiographical travel accounts, Op. Cit, p: 51.
[51]– Juri Lotman et al., Theses on the semiotic study of cultures (As applied to Slavic texts), Tartu semiotics library, issue: 13/2013, CEEOL Copyright 2018, p: 53, online: https//www.ceeol.com/search/article-detail?id=256999, accessed 12/02/2017, At 18:25.
[52]– Anna Redel Cabak, An Inquiry into cultural semiotics: Germaine de Stael’s autobiographical travel accounts, Op. Cit, pp: 51- 52.
[53]– Juri Lotman et al., Theses on the semiotic study of cultures (As applied to Slavic texts), Op. Cit, p: 54.
[54]– Alexandros Lagopoulos, Karin Boklund-Lagopoulou, Semiotics, culture and space, sign systems studies, Issue: 42 (4), 2014, CEEOL Copyright 2018, p: 438, online: http://dx.org/10.12697/SSS.2014.42.4.02, accessed 20/03/2018, At 12:05.
[55]– Ibid.