نقد تلاعب الخطاب الكولونيالي
A critique of the manipulation of colonial discourse:
نبيل المكي، باحث بكلية اللغات والآداب والفنون، جامعة ابن طفيل/المغرب.
Nabil El mekki, Faculty of Languages, Letters and Arts, Ibn Tofail University, kenitra, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 77 الصفحة 27.
ملخص:
يهدف هذا البحث إلى إبراز تلاعبات الخطاب الكولونيالي الذي ركز على تمرير تمثيلات ثقافية عن الشرق، والتي استطاعت بدورها السيطرة على ردود أفعال الشعوب الشرقية ووصفهم بكونهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم بسبب بنياتهم الفكرية الضعيفة، فتقلد الغرب مسؤولية هذه المهمة، وأقنعهم بضرورة وجود قوة مهيمنة من أجل حمايتهم، وخلقَ ثقافة قوية وثقافة هشة، وتكوينا ثقافيا متحضرا وآخر همجيا، لجعل العلاقة بين الطرفين غير متكافئة. كما رصد البحث توسل الخطاب الكولونيالي بالأدب في تمرير منظوره الثقافي وترسيخ تمثيلاته وبسط هيمنته الشاملة على الشعوب الشرقية، إذ ظهرت استراتيجياته في التلاعب بمضامين النصوص الأدبية عن طريق اختيار كلمات وتعبيرات ذات تأثير قوي يَبْرُزُ عبرها المعنى أو يُضمَر.
كلمات مفتاحية: الخطاب الكولونيالي – النقد ما بعد الكولونيالية – التمثيل الثقافي – الهيمنة – القراءة الطباقية.Abstract:
This research aims to highlight the manipulations of the colonial discourse that focused on passing cultural representations about the Orient. These representations, in turn, managed to control the peoples of the Orient’s reactions and described them as being unable to represent themselves because of their weak intellectual constructs. Thus, the Occident assumed responsibility for this mission and convinced the Orient about the need for a hegemonic power to protect it; it created a strong culture and a fragile one, and a civilized cultural construct and an uncivilized/barbaric one to make the relationship between the two parties unequal. This research also monitored how the colonial discourse used literature to pass its cultural perspective, consolidate its representations, and extend its complete hegemony over the peoples of the Orient. The strategies of the colonial discourse appeared in manipulating the contents of literary texts by choosing strongly influencing words and expressions through which the meaning is stated explicitly or implicitly.
Keywords: colonial discourse – postcolonial criticism – cultural representation – hegemony – contrapuntal reading.
مدخل
يشكل التلاعب إحدى الممارسات الخطابية الاجتماعية للمجموعات المهيمنة، الرامية إلى استمرار سلطتها عبر طرائق عدة، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: الإقناع وتقديم المعلومات، والتعليم والتوجيه، وغيرها من الممارسات الاجتماعية الهادفة إلى التأثير في معارف المتلقين ومعتقداتهم وأفعالهم. وقد تلاعب الخطاب الكولونيالي بشكل واضح لما انتهج سبيلا يتغيى تسهيل فهم المعلومات التي تناسب تطلعاته، وعسر إمكانية فهم المعلومات التي لا تصب في مصالحه أو تشوش عليه، كما ارتكز على أنماط التلاعب المبنية على خبايا الذاكرة؛ لفهم الخطاب بالنحو الذي يخدم مصالحه، وهكذا أثارت عملية التلاعب مخاوف أخلاقية ومعرفية واجتماعية وخطابية؛ من خلال تحيزها وعرقلتها غير المشروعة لفهم الخطاب واستيعابه.
وعلى أننا نهتم في الورقة البحثية بتفكيك الخطاب الكولونيالي، فإننا نجده تَبَنَّى أطروحة تقوم على تشويه صورة الشرق وتزييف واقعه؛ لإنتاج نظرية ثقافية خلال فترة الاستعمار، يعمل خطابها على تضليل المتلقي (الجماهير) وإغوائه، فهو ينبنِي أساسا على الخداع والتنكر والتزييف والتلاعب؛ وتشكلت عبره صورة نمطية قدحية تتغيىَّ الهيمنة والسيطرة على الشرق عبر آليات التلاعب الخطابي، ولكي تترسخ التمثيلات الثقافية الموروثة عن الشرق، وتصَيِّره تابعا دوما، وظفت الإمبراطوريات الكولونيالية سردياتها: أعمالا أدبية، وكتابات سياسية، ونصوصا صحفية، وكتبَ رحلات، ودراساتٍ دينيةً ولغويةً، وبالتالي فإن منظورها ليس بريئا من العنف والتلاعب؛ لتَخَفِّيهِ وراء قناع ينبغي تمزيقه للكشف عما يتدثّر به من أبنية سلطوية. والواقع إن افتراءات الخطاب الكولونيالي آلت إلى التحكم في التمثيلات الاجتماعية المشتركة للشعوب المستعمَرة، فسيطرت بدورها على ردود أفعالهم في كثير من الاتجاهات لمدة طويلة نسبيا، وحالما تأثرت آراؤهم وتوجهاتهم بقضية ما من قبيل: شرق متخلف وغرب متحضر، لم يعد الخطاب الكولونيالي في حاجة بعدها إلى أي محاولات تلاعبية جديدة للتضليل حتى يتصرف الشرقيون وفق طروحاته الاستتباعية؛ ذلك أن عبرها يتم تعميم المواقف للتأثير في العقول والمخيلات.
ومن التلاعبات التي قام بها الخطاب الكولونيالي إخضاعه المجتمعات المستعمرة، وإقناعها بضرورة وجود قوة مهيمنة، وإضفاء الشرعية على تدخلها، وتمرير تشريعات أو إجراءات تفرض قيودا صارمة على الحقوق المدنية والحريات، ويمثل التلاعب – في هذا الحال – نمطا من أنماط سوء توظيف السلطة؛ لكونه يهدف إلى إقناع المستعمَرِين بأنَّ هذه التدابير أو الإجراءات يتم الأخذ بها من أجل حمايتهم،[1] في حين أنها – في الواقع – تصب في مصالح المتلاعِبين أنفسهم، لطمس معالم الاستغلال ونهب الخيرات، فكان دافعهم الأساس حسب سارد جوزيف كونراد في روايته قلب الظلام يتحدد في كونهم: ”يعملون لتأسيس إمبراطورية ما وراء البحار؛ لتحصيل مبالغ طائلة عن طريق الأعمال التجارية”،[2] والعمل على استئصال الفكر المعادي لهم؛ فعملت هذه الجماعات المهيمنة/ المستعمِرة، على أن تبقى المعرفة العامة مضللة، وسمحت فقط بتمرير المعرفة الجزئية، أو الخاطئة، أو المتحيزة.
ويرى فان دايك أن النخب الكولونيالية – عبر سبلها المتعددة- تسرب خطابها، إذ ”نجد أن هناك كثيرا من القيود السياقية توضع على المشتركين وأدوارهم وعلاقاتهم وإدراكهم وأفعالهم ومعارفهم وأهدافهم”[3]، ومن ذلك ليست البنى النصية هي ما يجعلنا نعد الخطاب تلاعبيا، بل عناصره السياقية الخاصة بالمنوطين به، إذ تظهر استراتيجيات الخطاب الكولونيالي في صورة استراتيجيات دلالية، تركز على التلاعب بمضامين النصوص، فيتم تأكيد المعاني الدلالية المفضلة أو تجاهلها بآليات الخطاب المعتادة، ويحدث ذلك عن طريق اختيار كلمات وتعبيرات ذات تأثير قوي، يبرز عبرها المعنى أو يختفي ويُتجاهَل، ولا شك أن الخطابات الكولونيالية التي لقنتها الذوات الكولونيالية لأجيال عديدة أثناء الحكم الإمبريالي، ظلت منحصرة في الاهتمام بالتراثات المعتمَدة المرتبِطة بالمركز الأوروبي البعيد، وبسبب الوظائف المفترض أن يؤديها الأدب شغل وضعية مائزة داخل الفصول الدراسية، حيث كان الهدف من دراسته تحضير ”civilise” الطلبة الأصليين، بأن يبث فيهم الذائقة والقيم الكولونيالية دون اعتبار لمقتضيات السياق المحلي.
وعلى أن الأدب (السرد) يعمل على تشكيل عالم متخيل متماسك، تتساوق داخله الأهواء والتحيزات، وخلق تكوينات عقدية يشكلها الحاضر بتعقيداته والماضي بتجلياته وخفاياه، تتبدى في فهم الحاضر للماضي وكيفية تأويله، وتنسج منه حكايات تتبلور في تكوين تاريخ الذات لنفسها وللعالم، وتوجيه سلوك الآخرين وتنميط تصورهم لأنفسهم وللآخرين، بحسبها حقيقة ثابتة تاريخيا، ولا شك أن التأويل ليس هو ما تعنيه النصوص، وإنما ما يُصنع بالنصوص لتحمل معنى له بعد سياسي.[4] وقد اكتسب تداول المؤلفات الكولونيالية داخل الثقافة قوة لها هيمنتها وفعاليتها عبر التاريخ الإمبراطوري؛ هذه القوة مازالت تبسط رداء تسلطها في المستعمرات السابقة كافة: في الهند وكندا وأستراليا، وجنوب أفريقيا ونيوزيلاندا وجزر الهند الغربية، حيث اكتست هذه الأعمال شهرة عظيمة وانتشارا واسعا واهتماما كبيرا، وعلى هذا الأساس عملت الصناعة الخطابية الكولونيالية – في تأثيرها على الخطابات النقدية، وثقافة المجتمعات التابعة – على نحو يدعم أفكارا وقيما وأنساقا معرفية تعد غريبة على المتلقين، ومن ثم ارتبطت بهم ارتباطا لا وظيفة له سوى دعم مصالح الإمبريالية والمصالح السياسية للحكام.
وإذا أخذنا في الاعتبار تأثير الخطاب الكولونيالي الذي يعمل من خلال الأدب على تكريس قيم اجتماعية – ثقافية خاصة تحت ستار الحقيقة الكونية لماَ اندهشنا لجهد الكتَّاب المستعمَرين (ما بعد الكولونياليين) لإعادة تناول الكلاسيكية الأوروبية؛ واستثمارها في إطار أكثر محلية وتجريدها من سلطتها وأصالتها المفترضة، إذ تَسِمُ هيلين تيفين هذا المشروع ” بالخطاب النقيض للتراث المعتمد، وهي عملية يقوم بموجبها الكاتب ما بعد الكولونيالي بتعرية وتفكيك القناعات الأساسية التي يتبناها نص معين وذلك من خلال إيجاد نص نقيض [ينهل] من الدوال المميزة للنص الأصلي مع تغيير بنيات القوة التي يقوم عليها هذا النص”.[5] واستنادا إلى هذه المعطيات يستدعي نقد تلاعب الخطاب الكولونيالي تحليلا واعيا لأنظمة العلامات المتعددة، وإتاحة طرائق هي بمثابة رد فعل على أشكال الهيمنة الإمبريالية التي لازالت تتجلى في العالم،[6] ويَنصُّ استخدام هذه الاستراتيجيات على إنزال قراءة صالحة لتأويل عدد من الخطابات، وتفكيك تلاعبات الفكر الإمبريالي وممارسات حكوماته. إذن كيف يعمل النقد ما بعد الكولونيالي على تفكيك تلاعبات الخطاب الكولونيالي تفكيكا تندحر معه التمثيلات الثقافية والهيمنة النابعة من ذلك وينصف المجتمعات المستعمَرة؟
- نقدُ تلاعبِ الخطاب الكولونيالي وتشكيلِ التمثيل الثقافي
ليس هناك تمثيل للآخرين لا يضطر إلى اللجوء إلى خطاب قوي، تتجسد غايته الوحيدة في إقناع الممثَّلِين بدونيتهم وتخلفهم وجهلهم، وإقناعهم بأن ثقافة الممثِّلين(المستعمِرين)هي الثقافة الكونية الأسمى، لكن كيف يتم إقناع هؤلاء بدونيتهم وإيهام الذات بفوقيتها وتفوقها؟ وجوابا عن ذلك نقول: لما كانت الثقافة تسعى إلى تمثيل آخر خارجي عنها، عملت على تمثيل الآخرين قصد تشكيل الهوية والحرص على استقلالها وتفردها، ولا مناص من أن تشكيل هذه الهوية يستلزم رسم الحدود الفاصلة بينها وبين هويات الآخرين، ولا شك أن المساحة التي تتشكل فيها الهويات بمثابة مناطق اعتباطية متاحة للجميع، لكن نظرة الجماعات المختلفة لذاتها وللآخرين هو ما فرض النفوذ على منطقة دون أخرى، وجعل الباب مفتوحا لتوسعات مستقبلية،[7] ولما مارست-هذه الجماعات- عملا متميزا، اكتسبت القدرة على إنتاج الخطابات، مع الحرص على ألا توزعها إلا من خلال عمليات مضبوطة صرف، من قبيل: جماعات الخطباء والمنشدين والصحفيين والكتاب والتربويين وغيرهم، وساهم هذا الأمر في إقناع الممثَلين بدونيتهم ”عن طريق الاستعمال المستمر للوجوه البلاغية والاستعارات، مثل السخرية، والالتباس، والمفارقة، والمبالغة، وذلك في حقول التمثيل المختلفة، ودون أن يتنبه أحد إلى مجازية هذه التمثيلات”.[8]
ولا يجادل اثنان في مسألة استضمار الخطاب الأدبي (السرد – الشعر) خصائص ثقافة معينة، تمثل طائفة إنسانية ما، واعتبارا لذلك كان همُّ الدراسات الثقافية عند مساءلة النصوص، هو النفاذ إلى التكوينات الثقافية التي تختزنها النصوص، وفي هذا المقام يصير لزاما استحضار مواقف الناقد الفلسطيني إدوارد سعيد، خصوصا في كتابه الاستشراق، ”الذي يميز بين إيجابية لا واعية يدعوها الاستشراق الكامن، وبين المعارف والآراء عن الشرق مما يدعوه الاستشراق الظاهر”[9]، وعُنِي إدوارد سعيد بمحاولة استقراء حدود التمثيل الموجه نحو الشرق، وهو ما يتضح عبر اسم الكتاب، فهو يرى أن التمثيل الخارجي خاضع لصورة من الصور الكولونيالية البديهية التي تقول: إنه لو كان الشرق يستطيع تمثيل نفسه لفَعَل، لكنه مادام لا يستطيع ذلك، فليقُمْ هذا التمثيل بالمهمة من أجل الغرب. إذن ما حدود صدق هذا التمثيل وعلميته؟
بما أن المواقف والخطابات قدْحية في تمثيلها ونظرتها إلى الشعوب الشرقية، أصر إدوارد سعيد على كشف الحقائق واستغوار بواطن هذه الخطابات الثقافية الأحادية المستهدِفة للشرق، والنظر في مدى علميتها، والعمل على خلخلة تماسكها باعتبارها خطابات تبادلية مكَرَّسَة، فيقول: في ما ”يجرى تداوله بين الناس في الخطاب الثقافي والمبادلات داخل ثقافة من الثقافات ليس حقيقة بل صورة تمثيلية، وأظن أننا لسنا بحاجة إلى أن نبين من جديد أن اللغة نفسها نظام بالغ التنظيم والتشفير،”[10] توظف ميكانيزمات كثيرة للتواصل وتمرير الأفكار والتمثلات، وفي معالجة هذا الطرح، تجاوز إدوارد سعيد التنقيب في مواقف العلماء، ولجان الاستخبارات، وأصحاب المهام العسكرية في البلدان المحتلة، بل فحص أيضا ” أعمالا أدبية، وكتابات سياسية، ونصوصا صحفية، وكتب رحلات، ودراسات دينية ولغوية”،[11] ولفت النظر إلى سبل دراسة ثقافات الشعوب الأخرى اعتمادا على رؤية بريئة تتجاوز الصور النمطية، ودعا إلى إعادة التفكير في مشكلة المعرفة والسلطة برمتها باعتبارها مشكلة مركبة.
ويتضح أن السياسة الكولونيالية المتحكمة في مواقع الثقافة، وتفرض تصوراتها على أهل الشرق المُهمَشين، لتكريس مبدأ الاحتكار والظفر بالسلطة، وجعلهم خانعين تلاؤما مع مشاريعها الفكرية، ووفقا لذلك يمكننا الحديث عن السيطرة الثقافية التي امتدت عبر السياسات الإمبريالية التوسعية منذ القرن التاسع عشر، وخلقت ثقافة قوية وأخرى هشة، وتكوينا ثقافيا متحضرا وآخر همجيا، الأمر الذي جعل العلاقة بين الأطراف غير متكافئة، ولعل هذا ما نستحضره من خلال وصف بلفور وكرومر – كما جاء عند إدوارد سعيد – للعلاقة القائمة بين الشرق والغرب، باعتبارها علاقة بين شريك قوي وآخر ضعيف، لقد مثلهما بلفور وكورمر بأوصاف كثيرة، نذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر: أن ”الشرقي غير عقلاني، وفاسد(ضال)، ومثل الطفل ومتخلف؛ ومن ثم فإن الأوربي عقلاني، وفاضل، وناضج، وسوي.”[12] ولا شك أن هذه الصور المنوطة بالطرفين غير متكافئة، خصوصا أن النظرة أحادية، وموجهة مِنْ طرف نحو آخر، فكان من الأحق أن يمثل الشرقي نفسه، كما فعل نظيره الغربي، وعلى هذا الأساس اكتسب الشرقي هويته من خلال هذه التعريفات القاصرة، المستوحاة من الجهود القائمة على العلم والمعرفة المبذولة من الضفة الغربية، ولم يكتسبها عبر جهود أبنائه وبحوثهم، ولهذا كان من الأجدر نقد تصورات الغرب عن الشرق في الخطاب الاستشراقي، وكشف تلاعباته وصوره المختلقة.
وحينما نتحدث عن التمثيل الكامن في عوالم النصوص العلمية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية واللغوية، فإن هذا التمثيل الذي يشكل وعيا سياسيا مبثوثا داخلها، يصير منهجا لمخاطبة القارئ واحتواء الشرق، ثم تمثيله في نهاية الأمر والتحدث باسمه، ولا ضير أن هذا التمثيل لا ينشأ من فراغ، فكل كاتب عن الشرق يتخذ لنفسه معرفة سابقة بالشرق من لون ما يرجع إليها، ويكتنز السرد الروائي الغربي بهذه الاشتباكات التمثيلية المهمِّشة أشكالَ الآخر العرقية والثقافية، كما هو الشأن مع رواية اللا- أخلاقي للكاتب الفرنسي أندريه جيد؛ حيث يكابد الآخرُ الجزائري سوء التمثيل فهو ”يبدو متوحشا”،[13] ” يضرب حصانه بوحشية جنونية”[14]، عكس الأوروبي الذي يصوره السرد بكونه إنسانا متحضرا راقي السلوك، وحسبك ما وُصف به شارل في علاقته بالحصان: ”وقف شارل في منتصف الدائرة يتجنب في كل دورة أي قفزة مفاجئة، ويروح يهدئه بكلمة، ويمسك سوطا في يده لم يستخدمه، بدا كل شيء طبيعيا في حركاته وشبابه وبهجته، فجأة لم أعرف كيف امتطى الحيوان، كان يعرف ببطء حركاته، ثم يتوقف، داعبه خفيفا، … يلمس شعره ضاحكا ويطيل مداعبته”.[15] ويتبدى سوء التمثيل في أقصاه عبر مشهد سردي يصوره جوزيف كونراد في وصف بعض الزنوج إذ يقول: ”لقد كان عنق كل واحد منهم مطوقا بطوق حديدي، وكانوا جميعا موثقين بسلسلة تترنح عقدها وتتمايل بين هؤلاء الزنوج وبالتناغم مع إيقاع الخشخشة”.[16] فهذا الواقع تم افتراضه مسبقا والإعداد له بحكمة بالغة، كي يكون نمطا حياتيا اعتياديا ومصيريا لهذه الفئة المفعول بها، وينسجم مع الحقيقة التي اختط مسارَها الكولونياليُّ. ولا مناص من أن هذا التمثيل يدعو إلى الحفاظ على هذه الصور الثقافية المنقوشة في الذاكرة تكريسا واستمرارا لخضوع التابع، وقد أشار كونراد إلى ذلك في نصه قلب الظلام من خلال ملفوظه القائل: ”أبصرت زنجيا وراء هذه المجموعة غير المدربة، كنتاج للقوى العالمية الجديدة، كان يمشي على مهل يحمل البندقية من وسطها يرتدي بدلة نظامية ينقصها زر، وعندما يلمح رجلا أبيض، يجتاز الممر، يرفع سلاحه حتى كتفه بخفة ونشاط”،[17] واعتبر كونراد هذا الزنجي المراقب تلميذا للقوى الاستعمارية – وصنعة لها ونتاجا – التي تستملي استمرار الفوارق بين المستعمِر والمستعمَر، وعلى هذا الأساس أرست الإمبراطوريات الاستعمارية معالم هذا التمثيل الثقافي ووظفته في سردياتها، بغية ترسخ تلك المنظورات عن الشرق، وتصيره تابعا دوما، وهو ما أكدته رسائل من بلاد بربري للأب بواريه، والأحمر والأسود لستاندال.[18]
ولا شك أن أي موضوع تتبناه النصوص يمكن أن يقرأ أو يؤول بوصفه تمثيلا للأنساق الثقافة المنسربة في قرار الاعتقادات والقيم والتراتبيات والقوانين، وتضم هذه النصوص كل الفنون والممارسات والمؤسسات والظواهر الثقافية: مثل الأعمال الأدبية، وطقوس الزواج، والسجون… وغيرها، حيث إن ”كل حركة أو فعل أو ممارسة أو هيئة أو مؤسسة أو تقليد أو عرف، يمكن قراءته بوصفه نصا ثقافيا”.[19] ووفقا لهذه المعطيات لم يعد ممكنا التمييز بين التمثيلات الأدبية والتمثيلات الثقافية بذريعة أن التمثيل الأدبي خيالي ووجداني وتعبيري وذاتي، والتمثيلات الثقافية واقعية وحقيقية وعلمية وجماعية، فالنص الأدبي ليس معزولا عن النص الثقافي العام، والتمثيل الأدبي يمثل الواقع في الوقت الذي يعبر عن عالم خيالي، وهو الطرح الذي قدمه إدوارد سعيد عبر مفهومه دنيوية النصوص، حيث يؤكد العلاقة القائمة بين “النصوص والوقائع الوجودية للحياة البشرية والسياسية والمجتمعات والأحداث”[20].
وبما أن النصوص الأدبية (السردية) – باعتبارها محور اهتمامنا – أحداث ثقافية في اتصال خاص بالمكان والزمان، فإنها ببساطة تسهم إسهاما بليغا في تحققها بفضل قوة الخطاب الثقافي-الأدبي، فضلا عن كونها تتحول إلى ظاهرة عنصرية قدحية بفعل تلاعبات الخطاب الكولونيالي من جهة، ومن جهة أخرى فإن التمثيل الأدبي الكولونيالي لم يكن بعيدا عن الصور التي شكلها التمثيل الثقافي عن الزنوج وإسهامه في تعزيزها، فهو استعان بها في بناء كثير من مفارقاته.[21] والحاصل إن تمثيل الأفارقة عند جوزيف كونراد في روايته المشهورة قلب الظلام تمثيلٌ ليس من تجارب كونراد الشخصية، بل إنه تمثيل تَحصَّلَ عن طريق معرفته بالموروث الشعبي وقراءته لكتابات عن أفريقيا، وشكل السرد بهذا حركة في فضاء وارتحالا خارج حدود الذات الثقافية، ومواجهة مع الآخر المختلف ثقافيا، واكتسابا لحضوره البارز في تمثيل الآخر الذي يقع خارج حدود الذات ثقافيا وجغرافيا، وهو تمثيل ما كان له أن يتم إلا بمساعدة التوسعات والأسفار التي سمحت باستحضار الآخر في مجال التمثيل السردي، وفي المقابل فإن على الباحث ألا يتجاهل دور التمثيلات السردية للآخر في خلق انطباع لدى القراء والجمهور بكون هذا العالم – بأقطاره وبشره وحيوانه وجميع مخلوقاته-ملك أيديهم، وطوع أمرهم.[22]
وعلى أن المرويات السردية لا تلقى الدعم من المتخيل الثقافي غير التخييلي فحسب، فإنها أسهمت في تشكيل هذا المتخيل وتعزيز سلطته ونفوذه؛ ذلك أن سلطة هذا المتخيل لا ترتبط بعمل القوة الاجتماعية وأنظمة الحكم فقط، بل تلعب دورا مهما في دعم هذه السلطة، وفي هذا السياق حاجج إدوارد سعيد بطرحه الذي يفيد أن معرفة الشرق السردية لا يمكن أن تكون بريئة أو موضوعية لأن الذين أنتجوها كانوا بالضرورة مطوقين بالتاريخ والعلاقات الاستعمارية. وقد أدى هذا الخرق لموضوعية الخطاب وعلميته إلى توصل البحث المضاد إلى اكتشاف كيفية عمل السلطة، من خلال اللغة والأدب والمؤسسات الثقافية الضابطة لحياتنا اليومية والتي تبعدنا عن فهم السلطة الاستعمارية، كما يظهر كيفية عملها من خلال اختلاق أبنية فكرية كانت ظاهرة في الإنتاج الفني والأدبي لخلق الدراسات الاستشراقية، فضلا عن اعتبار الخطاب الكولونيالي عن الشرق رؤية سياسية، أنشأت بنيته ثنائية ضدية بين المألوف (أوروبا، الغرب، ونحن) والغريب (المشرق، والشرق، وهم). والمنبلج أن هذا التعارض بين (غرب – شرق) مهم في تصور أوروبا لذاتها، فإذا كان المستعمَرون بربريين وشهوانيين وكسولين، فإن أوروبا هي الحضارة بعينها وشهوانيتها الجنسية مسيطر عليها، وإذا كان الشرق يعرف بالسكون فأوروبا متطورة. هذا الجدال بين الذات والآخر كان له تأثير هائل في نقد ما بعد الاستعمار الأفريقي والأمريكي المحلي (الهنود الحمر) وشعوب أخرى غير أوروبية.
وقد شكل تحليل الخطاب الاستعماري حسب آنيا لومبا نقطة مساءلة لفروع المعرفة في الغرب وادعاءاتها،[23] فروع المعرفة التي تذكر منها: الأعمال الفنية، والسنيما، والمنظومات العلمية، والمتاحف، والمؤسسات التعليمية، والاعلانات، وممارسات الطب النفسي، والجيولوجيا، لكشف ادعاءات الموضوعية والبراءة المزعومة في العلوم الغربية، ويورط هذا الأمر علوما اجتماعية وإنسانية تأسست على نحو تقليدي: الأنثروبولوجيا وفقه اللغة وتاريخ الفن والتاريخ والدراسات الثقافية والاقتصادية والدراسات الأدبية، وارتكزت الخطابات الكولونيالية في أحكامها على هذه العلوم أيضا التي ادعت أن الشعوب غير الأوروبية كانت متخلفة عن منتجات الحضارة الغربية، لكن تشويهها بسبب الانحياز الثقافي، وفصلها غير المتقن للحقيقة، أعاق قدرتها على سبر ومعرفة الأيديولوجيات التي كونت جوهر الثقافة الغربية.
وإذا أخذنا بالرأي القائل بتقهقر الشرق وتخلفه، فتجب الإشارة إلى أنه كان يعاني في مرحلة تاريخية ما، وهذا لا يعني أنه لم تكن للشرق حضارة من قبل، فلا يجب إنكار أن للشرق تنويرا وصل شعاعه إلى الحضارة الغربية، وعلى هذا الأساس لا يمكننا الحكم أو حصر تاريخ حضارة ما في فترة زمنية، شهدت ركودا فكريا أو ثقافيا أو اقتصاديا، لأن كل الحضارات عرفت ازدهارا في فترات معينة من تاريخها وانتكاسا في فترات أخرى، وهو الأمر الذي استغلته الإمبريالية، والباب الذي وجدته مفتوحا للنفاذ عبره للتأصيل لقاعدة التخلف الشرقي، وما كان تسويقها لهذه الأفكار عبر خطاباتها، إلا بغية التفاوض للسيطرة على المجتمعات الشرقية لا غير. وكان من الأوجه المهمة لتلاعب الخطابات الإمبريالية الكولونيالية جمع وترتيب المعلومات حول الأراضي والشعوب التي زارتها القوى الاستعمارية وأخضعتها لها فيما بعد، ولم تكن المغامرات الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر إلى آسيا وأمريكا وأفريقيا تمثل أول الصدامات بين الأوروبيين واللا أوروبيين، لكن كتابات هذه الفترة كانت تدل على طريقة جديدة في التفكير، حول هاتين الفئتين وتقديمهما في حقيقة الأمر على أنهما ثنائيتان متناقضتان، وشكلت كتابة الرحلات وسيلة مهمة لإنتاج مفاهيم أوروبا المختلفة حول ذاتها من خلال علاقتها مع شيء أصبح بالإمكان تسميته بقية العالم.[24] وفي هذا الجانب أخفت هذه الرحلات مدى استفادتها واستنارتها من الفكر الشرقي، وتناست فترات ازدهار هذه الحضارات ولم تركز إلا على فترة زمنية معينة من تاريخها للتلاعب بعقول أصحابها، وتزور حقائق تاريخها في تغافل مقصود، إذ كيف يمكننا الحكم على تاريخ البلدان – بالتقهقر– اعتمادا على فترة تاريخية شهدت انهيارا في بعض المجالات؟ وقد وسَّع الاستعمار الصدام بين هذه البلدان والبلدان الأوروبية الاستعمارية، منتجا بذلك سيلا من الصور والأفكار على مستوى لا مثيل له، فالأوروبيون الذين سافروا إلى الخارج حملوا معهم بعض الصور السابقة للناس الذين كان من المتوقع أن يلتقوا بهم، واقتضت الصدامات الفعلية استمرارية تلك الصور وإعادة تشكيلها – لأن الأفكار السابقة حول نقص اللاأوروبيين قدمت تبريرا للمستعمرات الأوروبية والممارسات التجارية والبعثات الدينية والنشاطات العسكرية – من أجل مواءمة الصور للممارسات الاستعمارية.
وبسبب هذا الصور المختلقة تمكن الخطاب الكولونيالي من فرض هيمنته واستغلال البلدان الشرقية، إذ لا ريب أن المستعمِرِين ”استعملوا بصورة متزايدة مصطلح آكل لحوم البشر، وعزوا ممارسة أكل لحوم البشر لأولئك الأصلانيين في داخل بلدان الكاريبي والمكسيك الذين كانوا معارضين للحكم الاستعماري، والذين لم يشهد بينهم حقيقة أي أكل للحوم البشر”[25]، ذلك أن فكرة أكل لحوم البشر طبقت لتبرير الممارسات الاستعمارية الوحشية، ونمثل لذلك بمقطع سردي لكونراد، يقول فيه: ”وقع اختيارنا على بعض هؤلاء الرجال لينضموا إلى طاقم البحارة – كان عددهم خمسة من آكلي لحوم البشر، يستطيع المرء أن يتعامل معهم بسهولة وأنا ممتن لهم، وفوق ذلك كله فإنهم لم يأكلوا بعضهم البعض أمامي، فقد أحضروا معهم طعاما من لحم فرس البحر كان فاسدا، وقد اخترقت أنفي رائحة المنطقة المتوحشة الغامضة”.[26] وإذا كان دوبراي قدم صورة عن قاطني أمريكا باعتبارها قارة جديدة، واستحضر صورة رجل رأسه مرسوما بين كتفيه، فإن عطيل في مسرحية شكسبير – يخبرنا أنه في أسفاره قد رأى رجالا تنمو رؤوسهم تحت أكتافهم، وإذا أمكن اعتبار هذه الصورة في مسرحية عطيل عملا خياليا قصصيا، فإنها تعد لدى دوبراي حقيقة ملحوظة، وبالتالي إن هذه التصورات باعتبارها خطابات تظل بعيدة عن الموضوعية -وقد أكد نص كونراد السالف الذكر ذلك- ومتورطة بعمق في بناء أساليب عنصرية تحفز على التفكير في الكائنات البشرية والفوارق بينها.
ويتضح جليا أن الخطاب الأدبي لعب دورا حيويا في إيصال صدى الخطابات الاستعمارية، آخذين في الاعتبار أن النصوص الأدبية شبكة معقدة من اللغات والإشارات يمكن تعريفها على أنها مواقع منتجة للأيديولوجية وتفاعلاتها، وتنتشر في المجتمع ليس بسبب ميزتها الداخلية فحسب، بل لأنها تشكل جزءا من مؤسسات أخرى كالسوق والنظام التربوي، فهي تمتلك حضورا وقوة نستشعر تأثيرها على العالم، وقائمة في ملتقى العلاقات التاريخية والفلسفية والاجتماعية، ومن خلال هذه المؤسسات تلعب هذه النصوص دورا مهما في بناء سلطة ثقافية للمستعمرين، وتلعب أيضا دورا رئيسيا في محاولة إخفاء قيم غربية عن السكان الأصليين وبناء الثقافة الأوروبية كثقافة أعلى ومقياس للقيم الإنسانية وبذلك تحافظ على التحكم الاستعماري، وفي هذا الصدد تعتبر جاوري فيسواناثان أن الأعمال الأدبية الإنجليزية تشكل قناعا للاستغلال المادي والاقتصادي، وتعد شكلا فاعلا في السيطرة السياسية، والتحكم في رقاب المضطهدين، ولا يعني ذلك أنها أداة تستخدمها السلطة، بل إنها مجال لانبثاقها وممارستها والتنافس عليها، ولذلك كانت الخطابات لا تقول فعلا ما تريد، لأنها معرضة دوما لأشكال الغزو والمراقبة والتنكر والخداع والانتهاك والتحول والانعطاف والتشظي والتبعثر.[27] ولا جدال في ”أن معظم عمليات التلاعب تحدث في النص […]؛ لأن الذين يتم التلاعب بهم هم بشر، ويحدث هذا – عادة – عن طريق التلاعب بعقولهم”[28]. والواقع أنّه لا يمكننا الوقوف والاكتفاء بمضامين خطابات الاستعمار ومعانيها كما تظهر في وعي منتجيها، وكما تظهر على سطح تلك الخطابات، بل يتعين علينا أن نتجاوز ذلك إلى الحفر عما يختفي خلف إنتاجها، وأوجب ذلك كشف الحجب وهتك الأسرار وتمزيق الأقنعة التي أخفتها المصالح والرغبات والغرائز المتصارعة من أجل السيطرة والسيادة، والبحث عن كيفية إسهام التصورات والتمثيلات الثقافية في الهيمنة على الشعوب المضطهدة.
2 ـ مساءلة تلاعب الخطاب الكولونيالي والهيمنة
إن للخطاب الكولونيالي دورا كبيرا في الهيمنة التي يمارسها أصحابها على المتحدث وصحة خطابه وتوزيعه، فهؤلاء يكتسبون السلطة عبر معرفتهم بالطبقة التي يريدون السيطرة عليها وخطابها، مما جعلنا نؤمن بإمكانية امتلاك مجموعة من الناس للسلطة؛ لخلق منظور عالٍ إذا ما امتلكوا المعرفة، إذا اعتبرنا أن التلاعب هو إحدى الممارسات الخطابية الاجتماعية للمجموعات المهيمنة التي ترمي إلى استمرار سلطتها، حيث يمكن لهذه المجموعات المهيمنة القيام بذلك بطرائق عدّة: كالإقناع وتقديم المعلومات والتعليم والتوجيه وغيرها من الممارسات الاجتماعية الأخرى، التي ترمي إلى التأثير في معارف المتلقين ومعتقداتهم وسلوكهم.
إذن: هل يمكن للتلاعب أن يكتسب الشرعية؟ والجواب: إن التلاعب في الخطاب غير مشروع؛ لأنه يقوم بانتهاك الحقوق الإنسانية أو الاجتماعية لأولئك الذين يتلاعب بهم،[29] وإذا رغبت المجموعات أو المؤسسات المهيمنة في تسهيل فهم المعلومات التي تتناسب مع مصالحها، وعرقلة فهم المعلومات التي لا تصب في مصالحها وتشويشها (والعكس صحيح بالنسبة إلى المثقفين)؛ فإنها عادة تعتمد على أنماط التلاعب المرتكزة على معلومات الذاكرة المؤقتة بالنحو الذي يخدم مصالحها، وبهذه الطريقة تثير عملية التلاعب مخاوف أخلاقية ومعرفية واجتماعية وخطابية، لأنها تنشأ وتقوم على الانحياز والعرقلة غير المشروعة لفهم الخطاب واستيعابه.[30] وقد فرض التلاعب بالخطاب مسألة السيطرة على التمثيلات الاجتماعية لمجموعات من الناس؛ لأن المعتقدات الاجتماعية تقوم بالسيطرة على ما يفعله الناس ويقولونه في كثير من الاتجاهات لمدة طويلة نسبيا، وحالما تتأثر آراء الناس واتجاهاتهم بكونهم تابعين للإنسان الأبيض؛ لأنه أكثر أناقة وأشد فطنة، لا يحتاج بعدها هذا الإنسان الأبيض إلى أيِّ محاولات تلاعبية جديدة؛ لتحفيزهم على التصرف وفقا لهذه الآراء، فمصلحة الجماعات المهيمنة تتمظهر في بقاء المعرفة العامة مضللة، والسماح بذيوع المعرفة الجزئية أو الخاطئة أو المتحيزة فحسب.
ولا يرتبط مفهوم التلاعب بالسلطة -الهيمنة فقط، بل بسوء توظيفها أيضا، وبنحو أكثر تحديدا، ينطوي التلاعب على نفوذ غير الشرعي عن طريق الخطاب، فهو يمكِّن الآخرين من الإيمان بأفكار تصب في مصلحة المتلاعِب المسيطِر، وتكون ضد المصالح المفضلة للمتلاعَب بهم، ويتطلب تحليل هذا البعد من السلطة توضيح نوع السيطرة التي يمارسها الفاعلون الاجتماعيون أو بعض المجموعات الاجتماعية على مجموعات أو مجتمعات أخرى، ولما افترضنا – أيضا – أن هذه السلطة هي سيطرة على العقل واستحواذ على معتقدات مُتَلَقِّيها، فإنها من ثم تسيطر بنحو غير مباشر على سلوكهم وأفعالهم التي تعتمد على المعتقدات المتلاعَب به. والواقع أن الهيمنة تغطي -على نحو متساو – شتى أنواع الإساءة التواصلية للسلطة التي تحظى باهتمام خاص من محللي الخطاب النقدي، مثل: التلاعب، أو التلقين، أو التضليل، وقد يتبادر إلى الذهن عدد من أمثلة الهيمنة الأخرى (غير الخطابية) تتمظهر في التجارب اليومية والقصص والتقارير الإخبارية،[31] وقد ظهرت استراتيجيات خطاب التلاعب العامة في صورة استراتيجيات دلالية إلى حد كبير، تجسدت في تركيزها على التلاعب بمضمون النص، ومع ذلك يمكن تأكيد هذه المعاني الدلالية المفضلة أو تجاهلها بآليات الخطاب المعتادة، ويحدث ذلك عن طريق إبراز المعنى أو تجاهله، واختيار كلمات وتعبيرات ذات تأثير قوي، وعبر التلاعب بمعلومات ظاهرة وتضمين أخرى، وتنطبق السيطرة على عقول الذين يتحكم بهم وبمعرفتهم وآرائهم واتجاهاتهم وأيديولوجياتهم، وكذلك تمثيلاتهم الشخصية والاجتماعية، لذلك يؤثر الخطاب القوي – بصورة غير مباشرة – في الخطابات الأخرى التي تصب في منفعة من هم في السلطة وتخدم مصلحتهم.[32]
ولا مندوحة في أن تشكل الخطاب الكولونيالي يحكمه التناقض، ويتجلى هذا التناقض من جهة أولى في الصورة المثالية التي يشكلها، وينبغي ”تجريدها وتخليصها من الحضور العرضي العالق للتناقضات، ومن أشكالها المكشوفة”[33]، ويتمظهر من جهة ثانية في ”الصورة الاختبارية [للخطاب] التي تتقمصها التناقضات والتي يلزم القضاء على ارتباطها المظهري، قصد استكشافها من جديد في فجائيتها وعنفها”[34]، فالخطاب درب يمضي من تناقض إلى آخر؛ وإذا كان يفسح المجال لظهور تناقضات نلحظها، فلأنه يخضع لتناقض يخفيه، ويقتضي نقد الخطاب الكولونيالي كشف هذه التناقضات وفضح لعبتها، وإبراز كيفية إفصاح لخطاب عنها أو سترها، ”واختراق المألوف وزعزعة البداهات والقناعات، على اعتبار الخطاب ممارسة لها أشكالها الخصوصية من الترابط والتتابع، وساحة للفعل والصراع والرغبة، وفضاء للانتشار والتواتر والتوزع مما يجعله مسرحا للاستثمار”[35]، الواقع الذي فرض البحث عن شروط تكونها وقوانين بنائها وعلاقات توزعها وكيفية عملها.
والحاصل أن الخطابات الكولونيالية -بوصفها استراتيجيات- تنتج داخل عالم استعماري عبر صراع القوة، فالقوة والسلطة يتم الوصول إليهما بواسطة الخطاب في المجالات كلها، باعتباره عنفا ”نمارسه على الأشياء، أما دعاوي الموضوعية التي تقال لحساب خطابات معينة، فهي دعاوي زائفة دائما؛ إذ ليس هناك خطابات صادقة، بالمعنى المطلق، بل إن كل ما هنالك خطابات قوية بدرجة أو بأخرى”،[36] وهكذا؛ فالبحث عن المغايرة والاختلاف والتجاوز والرد، وعي عميق بالتحولات الجذرية التي تعمل على تبيين كيفية انسلال الحقيقة من الخطأ، واستيقاظ الوعي من سباته الطويل، وانتصاب الأشكال الجديدة بالتدريج، لتقدم لنا مشاهد جديدة في حياتنا بحسبها نتائج للوعي المشكل، فقدمت قراءة بديلة مضادة. ولما تطلع الخطاب الكولونيالي للهيمنة على الفئات المضطهدة، فإنه وظف جملة من الأساليب والآليات تمت عبرها الهيمنة، نذكر منها على سبيل التمثيل: التأثير والتحكم والإقناع، وفرض ضربٍ من اللغة، وإنجاز الكتابة الأدبية والتاريخية، حيث ساهمت هذه الميكانيزمات متواشجة في تشكيل أنظمة فرضت اختيار البنى الفكرية للطبقة المسيطرة وأرست عوالمها، ومن البداهة أن أي مجتمع تعددت طبقاته (مستعمِرة – مستعمَرة) يستضمر أشكالا ثقافية معينة تغلبت على غيرها، كما الحال مع الأفكار المتمتعة بنفوذ أكبر من غيرها.
إن اللغة/ الخطاب في الحقيقة جملة من الأحداث المتناسقة والمتماسكة إلى حد ما بصورة عضوية، بحيث إن كل موجود ناطق، له لغةٌ شخصية خاصة به، أي نمط من التفكير والشعور خاص به، وثقافةٌ -باعتبارها مؤسسة باختلاف درجاتها –توحد عددا كثيرا من الأفراد الموزعين على طبقات عديدة، مما جعل المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي ينتج مفهوم الكائن المدني؛ وعيا منه بخطورة المؤسسات الإيديولوجية، حصرا من: الجيش إلى الإعلام، فَدَرسَها في مختلف صورها، لكونها تحبط حركات المقاومة والتمرد، وتخلق أساطير حديثة تغذي أحلام الجماهير، وتستبدل الأهداف والرغبات بديلا زائفا.[37] ولا شك أن النظام الاستعماري عمل على ضمان استمراره وتجديد طرق سيطرته على الجماهير، اعتمادا على وسيلتي القمع والإقناع، وعلى هذا الأساس ساهم خطابه في تشكيل مفهوم الهيمنة، بما يمثله من بناء اجتماعي ودرامي قادر على لعب دور مادي في خلق التاريخ الاجتماعي للعالم، فلا يتقرر التاريخ بناءً على القدر؛ لأنه يتأثر بالأفكار لا بالاقتصاد وحده، فلا مناص من وجود وعي سياسي مبثوث في النصوص العلمية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية واللغوية، ويدعم إدوارد سعيد هذا الطرح بقوله: إن السياسة الإمبريالية الاستعمارية: ” تؤثر في إنتاج الأدب والدراسة الأدبية والنظرية الاجتماعية وكتابة التاريخ ولا يعني أن ذلك يحط من قدر الثقافة أو يهينها، فالعكس هو الصحيح، وكل ما أرمي إليه هو القول بأننا سوف يزداد تفهمنا لظاهرة استمرار ودوام مذهب الهيمنة […] عندما ندرك أن القيود الداخلية التي تفرضها على الكتاب والمفكرين كانت مثمرة ولم تكن في ذاتها تعوقهم عن الإنتاج”،[38] ويرمي إدوارد سعيد إلى أن الهيمنة كانت مثمرة، واستهدفت مفهومه الموسوم بالنقد الطباقي، الكاشف عن الطبيعة الإيديولوجية للمقاومة، حيث أعان هذا المفهوم إدوارد سعيد في دراسة الروايات التاريخية والإمبريالية، وأكسبه القدرة على فهم نظرية السلطة السياسية والصيرورات الثورية، ودورها في صناعة التاريخ، وتقدم هذه النظرة للتاريخ نقدا للتغيير الثقافي كما طرحته الكولونيالية وتفنيدا لمفهوم السرد أحادي الخطية.
ولا ريب أن الكتاباتِ الأوروبيةَ عن إفريقيا والهند وبعض مناطق الشرق الأقصى التي ترتبت عنها إنشاءات تصورية شكلت جزءا من مجمل الجهود الأوروبية، لحكم هذه البلدان النائية عنها، واللافت للنظر في هذه الإنشاءات هو الصور المشوهة والمزيفة التي تشد انتباه القارئ باستمرار في أوصافها للشرق. ويضمن خطاب الثقافة المهيمنة احتكاره للتمثيل الرسمي للآخرين، ”بواسطة التلاعب بالرأي العام، بهدف نيل الرضا المنتظم للكتل الجماهيرية”[39]، ويصون ثقافته من أن تكون موضوعا لأي تمثيل آخر، فالتمثيل هو من نصيب الأقليات والمهمشين والخاضعين كالسود، والنساء، والفقراء، والأطفال، أما ذوات الرجال الأقوياء البيض فهي منبع التمثيل، وأكبر من أن تمثل أو يكتب عنها؛ لأن التمثيل لا ينتعش إلا إذا كان موضوعه هو الآخر بوصفه الكائن العاجز والفاقد القدرة على التمثيل، والذي تمارس عليه علاقات القوة والهيمنة،[40] وتمادى الخطاب الكولونيالي المهيمن في إنتاج تمثيل انتقاصي للثقافات الخاضعة والمنضوية تحت لوائه، بحيث يناط بهذا التمثيل مسؤولية إبقاء المهيمن مهيمنا، والخاضع خاضعا، عن طريق اعتناق الجماهير لقيم وأفكار تخدم -في الواقع- مصالح القِوى التي تحكمها. ومما يؤكد عنجهية الخطاب الكولونيالي قول كونراد: ”نحن الغربيين سنقرر من هو المواطن الأصلاني الجيد ومن هو السيئ؛ لأن الأصلانيين جميعهم لا يملكون وجودا كافيا إلا بفضل اعترافنا بهم، فنحن خلقناهم، ونحن علمناهم أن ينطقوا ويفكروا، وحين يتمردون، فإنهم ببساطة يؤكدون سلامة رأينا بأنهم أطفال أغبياء استغفلهم بعض أسيادهم الغربيين”[41]، فضلا عن أن الأمريكيين يشعرون بنفس هذه الأحاسيس إزاء جيرانهم الجنوبيين، ولعل هذا الأمر يكشف ما تلفع به هؤلاء من ضغائن، ويكشف منظورهم المتعالي واللا-إنساني المشبع بروح العنصرية والتفوقية والاستغلال الاقتصادي والعرقي، ونستحضر في هذا السياق ما تلفظ به تشارلي مارلو في رواية قلب الظلام: ”إن احتلال الأرض والذي يعني غالبا سلبها من أولئك الذين يختلفون عنا في البشرة، أو الذين يملكون أنوفا أكثر انبساطا من أنوفنا”،[42] ومن ذلك فهو يشرعن عملية الاستيلاء، ويقر بالاختلاف الظاهر على ملامح الوجه بين الزنوج والبيض، وهذا الاختلاف هو الموجب في نظرهم لأن يعامل الشرق والزنوج بهذه الطريقة المشينة اللاأخلاقية التي لا تمت للإنسانية بصلة.
لقد كان من المحتم على الخطاب الكولونيالي أن يبادر -أثناء تشكيل عالمه التابع والخاضع- إلى إسقاط تمثيلات، إذا أخذنا في الاعتبار مسألة عدم تمكن المستعمَر من إيجاد أوصاف تليق به، فكان محتما من وجهة نظر كولونيالية أن يتكلم عنه شخص ما، أو ينوب عنه بما أنه مُعْدَم الحضور. وعلى أنه لم يكن ممكنا للكولونيالية أن توجد على الإطلاق إلا من خلال وجود مقابلة ثنائية ينقسم معها العالم، فإنه تم التأسيس المتدرج للإمبراطورية بالاعتماد على العلاقة الهرمية الثابتة بوجود المستعمَر بوصفه الآخر الدوني بالنسبة للثقافة المستعمِرة، وهكذا فوجود فكرة الهمجي كان ممكنا فقط، إذا كان هناك وجود لمفهوم المتحضر ليعارضها، ونذكر في هذا المقام ما قاله سارد كونراد عن القبطان فري سلفن: “كان الأكثر رقة وهدوء من أي مخلوق يمشي على قدمين […]فقد قدم إلى هنا منذ سنتين وكان يلتزم بقيم نبيلة وسامية، ولربما شعر بأنه بحاجة إلى أن يثبت وجوده بطريقة أو بأخرى، ولهذا السبب انقضَّ على الزنجي العجوز بلا شفقة في حين كان يراقبه العديد من أتباعه مصعوقين، إلى أن تقدم منه رجل سمعت فيما بعد أنه ابن شيخ القرية، وقد سيطر عليه الشعور بالبأس ليصبح أسير اندفاع متهور لدى سماعه صراخ الرجل العجوز، فحاول أن يطعن الرجل الأبيض برمحه، ولقد تمكن بالفعل وبسهولة من إصابة الموقع القائم بين عظام الكتف”.[43] لقد تلاعب هذا الخطاب بالملفوظات قصد تبخيس قدر الإنسان الزنجي والإساءة إليه، إلا أن قراءة ثانيةً تصيِّرُنا نرى مساوئ الرجل الأبيض -رغم ادعائه نشر الفضيلة والقيم السامية – وعيوبه ونفضح خبثه، في الوقت الذي كان الرجل الزنجي الطاعن بالرمح يدافع عن والده ويضمن حمايته، وإذا ما اعتبرناه يوظف الحربة والسيف فإن الأبيض أيضا يستخدم السيف والرصاص والسحل حين يعتدي ويطغى.
وعلى الرغم من رفع كونراد شأن الإنسان الأبيض والاعتداد بثقافته وسلوكه من خلال سارده مارلو الذي يقول: “التقيت – قرب البنايات – رجلا أبيضا أذهلني مظهره الأنيق، فهو حسن الهندام إلى درجة اعتقدت معها للوهلة الأولى أنه ضرب من الرؤيا، فاندفعت أتأمل ياقته العالية، لأبصر طرفي الكمين باللون الأبيض، وسترة مصنوعة من الألبكا وبنطال ثلجي، وربطة عنق فاتحة اللون، ناهيك عن جزمة أنيقة، ولكنه لا يرتدي قبعة، مسترسل الشعر … لقد كان مدهشا”،[44] فإننا نهتبل الفرصة أيضا لكشف خبث الغربيين وهمجيتهم عبر قول مارلو: “كانت السفينة الحربية تطلق النار على القارة بأكملها وهي منتصبة على امتداد الأرض الخاوية تطلق في كل مكان، في السماء وفي المياه، لتبدو لغزا غامضا، وما كان من مسوغ لسلوكها هذا، وانطلقت النيران كشعلة مضيئة […] لتمضي فجأة ثم تتلاشى وتصبح أثرا بعد عين، حتى القليل من الدخان الأبيض توارى عن الأنظار..حيث تنطوي هذه العملية الحربية، بالواقع على مس من الجنون والحماقة القصوى، وهي تنطوي على مشهد هزلي كئيب، وكدليل على ذلك قال لي أحد البحارة بنبرة يعلوها الجد: يوجد مخيم للسكان الأصليين، الذين سماهم أعداء إنهم مختبئون في مكان ما هناك”[45]. ولعل رؤية ثاقبة النظر لهذا المقطع تجعل الباحث متعثرا في استيعاب خطاب التحضير ونشر الوعي الذي تنشده القوى الاستعمارية في هذه المجتمعات، ومقتنعا بأنه مجرد شعار واهٍ، بكونها استوطنت بهدف النهب والتدمير والاعتداء والقتل، واعتبار الآخر عدوا، إذ كيف يعقل للإنسان أن يرقي عدوه بدل أن يكرس خضوعه؟ كما يتمظهر للمتفحص في هذا المقام قوة الآخر الحربية، وضعف المضطهَد الذي لا يملك وسائل المجابهة، حيث إن هذا العالم عالم خاضع كليا للغرب، عالم لا تؤدي فيه المعارضة للغرب إلا إلى تأكيد قوته الخبيثة الماكرة، قصد تكوين عقول الناشئة وإيهامهم بقدرهم المحتوم واستحالة تغيير واقعهم، فضلا عن اكتساح فضائهم الجغرافي واستعماره استغلالا لخيراته، فالقوة الكولونيالية قوة مدمرة تنتج سيطرة وهيمنة لا مناص من أن تؤمن بتفوقها ورسالتها الإلهية أو التحضيرية، ومن ذلك كان من الطبيعي ألا يعتبر المتحكِّم/المسيطِر الضعيفَ ندا له ويعامله بإجلال، ويؤمن بأنه ينتمي إلى الحيز ذاته من الوجود الذي ينتمي هو إليه.
ونطرح إشكالية مهمة في هذا الباب، تتعلق بانطباعات جوزيف كونراد عن إفريقيا المستندة بشكل حتمي إلى مخزون المأثورات الشعبية والكتابات عن أفريقيا، وما يقدمه في رواية قلب الظلام -التي استحضرنا بعض المقاطع منها -حصيلة انطباعاته عن تلك النصوص المتفاعلة تفاعلا خلّاقا ينضاف إلى ما للسرد من أعراف. وأن يقال عن هذا المزيج الخارق الثراء يعكس إفريقيا أو تجاربها هو قول خاطئ، ومضلل بالتأكيد، فما لدينا في قلب الظلام – هو عمل ذو تأثير ضخم استفز العديد من القراءات والصور – هو إفريقيا مسيسة ومشبعة عقديا لخدمة أغراض المستعمِر.
وانطلاقا من هذا المنظور افترض إدوارد سعيد أن الإنتاج والإبداع الإمبريالي كان لا بد أن يكون نقيا، إنساني المنظور، مناضلا من أجل القيم والحرية والعدالة، غير أنه لم يكن كذلك، لقد صعقته تلاعباته بغتة. والحقيقة أن التاريخ الإنساني كله لم يكن كذلك، فالإمبريالية والاستعمار مدعمان ومعززان، بل وكانا مفروضين أيضا من قبل تشكيلات عقدية تتوهم أن الشعوب يستهويها الخضوع للسيطرة، واستنادا إلى ذلك إن معرفتها تختلق تمثيلا واحدا للعالم من بين تمثيلات أخرى عديدة ممكنة، يتخذ موقفا يتصل بحقل ما، وهذا الموقف يتدخل في تحديد ما يمكنه رؤيته، وما يمكن تقديمه كنتيجة، وتوجد دائما مواقف أخرى يبدو الواقع من خلالها مختلفا ومغايرا.[46]
ولا شك أن الضغط الذي يولده تلاعب الخطاب الكولونيالي من خلال تمثيلاته القدحية المتعددة والمترعة بالسيطرة، من قبيل: ” الزنجي ليس شأنه شأن الأبيض”،[47] في ظل جو يطفح بغياب الاستقرار ومليء بالصراع، وبفعل وجود فوران داخلي تعيشه الذات المضطهدة، حمَلت نفسها على الكفاح للتخلص من عبء الاستعمار وموروثه الذهني وتلاعب خطابه، ولا يتأتى ذلك إلا بعد قتال حاسم يخوضه الطرفان المتنازعان، حيث إن تفكيك نظام مجتمع مترسخ ومتحكم لا يمكن تغييره وتحطيم حواجزه إلا عبر الاستعداد للعنف قبل زمن طويل؛ وبالتالي فإن العالم لا يمكن تبديله إلا بالتعرض للعنف، فالعالم الاستعماري لم يتوانَ عن إحباط كل العمليات التي قام بها أفراد الشعوب المستعمَرة، وإنهاك تطلعاتهم وإخماد ”كل محاولات العنف والتحرر، لأنه عندهم لا يجوز الشك في أن كل محاولة لتحطيم الاضطهاد الاستعماري بالقوة إنما هو سلوك يأس، سلوك انتحار”[48]. عبر هذا الخطاب الموجه للشعوب والتلاعب بعقولها تظل خاضعة لقدرها الحتمي المصنوع من قبل الإنسان الأبيض؛ لضمان استمرار سيادة عرقه الأبيض وامتلاك السلطة والقوة ليثبت أحقيته في الحكم، وتملكه التاريخي للنفوذ، وفي هذا السياق يطرح كونراد في روايته صورة عميقة لتأكيد حقيقة هذا الطرح يقول فيها: ” كان الأولى لهذا العبد أن يلازم ضفة النهر ويصفق بيديه ويحدث برجليه إيقاعات رقصة متوحشة بدلا من ممارسة عمل شاق محشو بالمعلومات المتطورة، لقد كان مقيدا لأنه تلقى ثقافة لا بأس بها وما كان قد عرفه”[49]، وارتكازا على هذا المنظور تحددت صورة الشرقي عندهم بكونه ساذجا لا قدرة له على العمل الفكري، فاقدا روح المبادرة لا مهارات له غير العمل بيديه، لذلك وجب السيطرة عليه وتسييره ومراقبه فعله، ووجب توزيع المهام لخدمة الحضارة كل من موقعه، وعبر ما يتقنه، ”فليفعل كل واحد العمل الذي خلق من أجله، وكل شيء سيكون على ما يرام”[50]، ومن خلال هذه الأوصاف طبعا، تم الحض على ضرورة تعليمه وتقويم أفكاره من طرف الغرب تقويما يخدم هذا الأخير، ويزيد من تخوم الفوارق بين الطرفين.
وتستمر سلاسل تلاعب الخطاب الكولونيالي، فينزع بطبيعة الحال إلى استبعاد المقولات المتعلقة باستغلال الموارد المملوكة للمستعمر، والمكانة السياسية التي تكتسبها القوى المستعمِرة، وأهمية توسيع الإمبراطورية بالنسبة للسياسة الداخلية في الدولة المستعمِرة، ويخفي هذه المنافع في مقولات تدور حول دونية المستعمَر، وطبيعة عرقه البدائية، والوضاعة الهمجية التي تسم سلوكه، وبالتالي كانت مهمة القوة الاستعمارية أن تعيد خلق نفسها في المجتمع الكولونيالي، وتنعش اقتصادها من خلال التجارة والإدارة والتطوير الثقافي والأخلاقي، ولعل هذا ما عبر عنه مارلو عندما وصف أشخاص مكاتب إحدى الشركات الكولونيالية بكونهم ”يعملون لتأسيس إمبراطورية ما وراء البحار لتحصيل مبالغ طائلة عن طريق الأعمال التجارية”.[51]
وقد بلغت قوة التلاعبات الكولونيالية عتاها، لدرجة استبلاد المستعمرين وجعلهم لا يدركون في الغالب المخاتلة التي تنطوي عليها المواقف الإمبريالية، إذ إن الخطاب الكولونيالي شكَّل ذهنيتهم تشكيلا لا يمكن معه الشكوى أو رفض عناء المعاملة القاسية والعقوبات المجحفة، أو حتى تصور أن الأشخاص الذين يصدرونها غريبي الأطوار،[52] كما حددهم بكونهم يجهلون تاريخهم وهويتهم، وتنال السذاجة منهم، ويؤكد “كونراد” ذلك عبر نصه الواصف للزنوج: ”لا أظن أن أيا منهم يملك فكرة واضحة تتعلق بالزمن كما امتلكناه نحن، منذ عصور لا تحصى ولا زالوا ينتمون إلى الصور البدائية، وهم لا يملكون تجربة بالوراثة كي تفيدهم بحقيقتهم الراهنة، ولقد تم الاتفاق وبالتأكيد، استنادا إلى كتابة على قطع من الورق وفقا لقانون هزلي، لم يطرحه أي كان على نفسه”.[53]
جنت على نفسها براقش الاستعمار حينما تمادت في عنفها وقمعها وتلاعب خطابها، فكان الغرب يرى أنه لا سبيل إلى إفهام الشعب الخاضع إلا بالقوة والعنف، وتمادى في استغلاله ونهبه لخيرات المستعمَر المضطهد، وطمس معالم هويته وتاريخه؛ لأنه يشكل النفي الآخر للهوية، واستمرار هيمنتها عبر خطابها القائل إن: ”حقبة ما قبل الاستعمار [هي] سجن ما قبل الحضارة”[54]، وأن التقدم والحضارة لم يأتيا إلا مع الاستعمار، وأن هذه الشعوب متخلفة وهمجية، لا تاريخ لها ولا هوية، وكانت عبارة عن جماعات قبلية متفرقة، ويعمل كونراد على ترسيخ هذه الأفكار عبر استحضاره جملة من الصور من قبيل: ”كان عددهم خمسة من آكلي لحوم البشر، يستطيع المرء أن يتعامل معهم بسهولة وأنا ممتن لهم، وفوق ذلك كله فإنهم لم يأكلوا بعضهم البعض أمامي، فقد أحضروا معهم طعاما من لحم فرس البحر كان فاسدا، وقد اخترقت أنفي رائحة المنطقة المتوحشة الغامضة”.[55] ويقول أيضا: “ظهرت عند زاوية المنزل فجأة جماعة من الرجال، تماما كما لو أنهم خرجوا من باطن الأرض، مشوا متراصين وكأنهم كتلة واحدة يحملون نقالة مرتخية الصنع بوسطهم … تدفقت أنهار من الكائنات البشرية بطريقة سحرية، كانت بشرية عارية وبأيديها رماح وأقواس وتروس بنظرات متوحشة وحركات همجية”.[56] وقد تمكن الخطاب الاستعماري من إذكاء روح التفرقة داخل المجتمعات، حتى تستمر الهيمنة ويتعسر تشكيل كثلة جماهيرية موحدة قادرة على المجابهة وخلق سبل للمقاومة، هذه التوغلات والاضطهادات والقيم الغربية المضللة للحقيقة والسالبة للحرية والأرض، جعلت الجماهير المستعمَرة تسخر منها وتصر على التخلص منها والتعبير عن نفسها بالقوة التي استوحتها من المستعمِر نفسِهِ، ووعت أن ذلك يشكل الطريق الأوحد التي يجب سلكها إذا أرادت أن تتحرر وتغير المحمولات الفكرية التي يتمثلها الآخر. لقد كان هم المستعمِر أن يجعل أحلام المستعمَر في معانقة الحرية -الجغرافية والثقافية-مستحيلة، فما كان من المستعمَر إلا أن قاوم – مقاومة مسلحة فكرية-واستحضر كل الآليات الكائنة لإبادة المستعمِر رغبة في التحرر ونفى التصورات الخاطئة الناشئة مع الخطابات الكولونيالية وتجاوزها، وأثبت طبعا رؤيتها القاصرة المزيفة للحقائق أكثر مما تنصفها.
خاتمة
هكذا إذن؛ وعبر الآنف، استطعنا أن نبرز:
– عمل الخطاب الكولونيالي على إقناع الشعوب المستعمرة بوجود قوة مهيمنة يجب الانصياع لها، ويعد هذا الأمر نمطا من أنماط تلاعب الخطاب الكولونيالي لكونه يسعى إلى بقاء معرفة الشرقي بنفسه معرفة خاطئة واستئصال الفكر المعادي له.
– ارتكاز الخطاب الكولونيالي على الأدب لتكريس تمثيلاته الواهية عن الشرق وتمرير قيم اجتماعية وثقافية تستقر في الوعي الجمعي، وتتبنى مواقف مجحفة في حق الإنسان الشرقي ووعيه.
– استغلال الإيديولوجيات الكولونيالية السائدة وبسط رداء الهيمنة على الشعوب الخاضعة وإقناعها في مرحلة من مراحل تاريخها، بحتمية مصيرها المنبرز في تبعيتها للغرب، ذلك أن الأدب أحداث ثقافية في اتصال خاص بالمكان والزمان وليس معزولا عن الثقافة، فالتمثيل الأدبي يمثل الواقع في الوقت الذي يعبر عن عالم خيالي، وهو ما عبر عنه إدوارد سعيد عبر مفهومه: دنيوية النصوص.
– اعتبار السرد ارتحالاً خارج حدود الذات الثقافية ومواجهةً مع الآخر المختلف ثقافيا، واكتسابا لحضوره البارز في تمثيل الآخر، الواقع خارج حدود الذات ثقافيا وجغرافيا. ومنه، فإن على المرء ألا يتجاهل دور التمثيلات السردية للآخر في خلق انطباع لدى القراء.
– تجاوز مضامين خطابات الاستعمار ومعانيها كما تستبطن وعي منتجيها وتطفو على سطح تلك الخطابات، إضافة إلى الحفر عما يختفي خلف إنتاجها من بنيات نسقية عميقة.
بيبليوغرافيا
- المصادر الأجنبية المترجمة (نصان روائيان)
- جيد (أندريه)، اللا- أخلاقي، ترجمة: محمود قاسم، الدار المصرية اللبنانية، ط1\1994.
- كونراد (جوزيف)، قلب الظلام، ترجمة: حرب محمد شاهين، دار المصير، دمشق، 2004.
- المراجع باللغة العربية
- حيمر (عبد السلام)، في سوسيولوجيا الخطاب، من سوسيولوجيا التمثلات إلى سوسيولوجيا الفعل، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1\2008.
- العيادي (عبد العزيز)، ميشيل فوكو: المعرفة والسلطة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1/1994.
- كاظم(نادر)، تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيل العربي الوسيط: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1/2004.
- مجموعة من المؤلفين، غرامشي وقضايا المجتمع المدني، دار كنفان للدراسات والنشر، دمشق، ط1\1999.
- المراجع الأجنبية المترجمة
- بابا (هومي)، موقع الثقافة، ترجمة: ثائر ديب، المجلس الأعلى للثقافة، ط1/2004.
- بوشي (فريد)، إدوارد سعيد الأنسني الراديكالي في أصول الفكر ما بعد الكولونيالي، ترجمة: محمد الجرطي، صفحات للنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، ط1\2018.
- جيلبرت (هيلين)، تومكينز (جوان)، الدراما مابعد الكولونيالية: النظرية والممارسة، ترجمة: سامح فكري، أكاديمية الفنون المصرية، وزارة الثقافة، 2000.
- دايك (توين فان)، الخطاب والسلطة، ترجمة: غيداء العلي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1\2014.
- سعيد (إدوارد)، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، ط1/2006.
- سعيد (إدوارد)، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، لبنان، ط4\2014.
- سلدن (رامان)، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 1998.
- فانون (فرانز) معذبو الأرض، ترجمة: سامي الدروبي، جمال الأتاسي، مدارات للأبحاث والنشر، القاهرة، ط2\ 2015.
- فوكو (ميشيل)، حفريات المعرفة، ترجمة: سالم يفوت، المركز الثقافي الغربي، بيروت لبنان، الدار البيضاء، المغرب، ط3 منقحة،1987.
- كلارك (جي جي)، التنوير الآتي من الشرق: اللقاء بين الفكر الأسيوي والفكر الغربي، ترجمة: شوقي جلال، عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ديسمبر 2007.
- كلفارون (إيف)، إدوارد سعيد والانتفاضة الثقافية، ترجمة: محمد الجرطي، الراصد الوطني للنشر والقراءة، سليكي أخوين، طنجة، ط1\2016.
- لومبا (آنيا)، في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، ترجمة: محمد عبد الغني غنوم، دار الحوار للنشر والتوزيع، سوريا، ط1\2007.
- واليا (شيلي)، إدوارد سعيد وكتابة التاريخ، ترجمة وتقديم: أحمد خريس وناصر أبو الهيجاء، أزمنة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1\2007.
- يورغنسن (ماريان) وفيليبس (لويز)، تحليل الخطاب: النظرية والمنهج، ترجمة: شوقي يوعناني، هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، ط1\2019.
[1] – توين فان دايك، الخطاب والسلطة، ترجمة: غيداء العلي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1\2014، ص: 452.
[2] – جوزيف كونراد، قلب الظلام، ترجمة: حرب محمد شاهين، دار المصير، دمشق، 2004، ص: 17
[3] – توين فان دايك، الخطاب والسلطة، مرجع سابق، ص: 458.
[4] – هيلين جيلبرت وجوان تومكيىز، الدراما ما بعد الكولونيالية النظرية والممارسة، ترجمة: سامح فكري، أكاديمية الفنون المصرية، القاهرة، 2000، ص: 43-44.
[5] – هيلين جيلبرت وجوان تومكيىز، الدراما ما بعد الكولونيالية، مرجع سابق، ص: 22-23.
[6] – المرجع نفسه، ص: 19.
[7] – نادر كاظم، تمثيلات الآخر صورة السود في المتخيل العربي الوسيط، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1\2004، ص: 166-167.
[8] – المرجع نفسه، ص: 166.
[9] – هومي بابا، موقع الثقافة، ترجمة: ثائر ديب، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1/2004، ص:153.
[10] – إدوارد سعيد، الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، ترجمة: محمد عناني، رؤية للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1/2006، ص: 70-71.
[11] – المرجع نفسه، ص:73.
[12] – إدوارد سعيد، الاستشراق، مرجع سابق، ص: 96.
[13] – أندريه جيد، اللاأخلاقي، ترجمة: محمود قاسم، الدار المصرية اللبنانية، ط1\1994، ص: 147.
[14] – المصدر نفسه، ص: 57.
[15] – المصدر نفسه، ص: 74.
[16] – جوزيف كونراد، قلب الظلام، ترجمة: حرب محمد شاهين، دار المصير، دمشق، 2004، ص: 28.
[17] – جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 28.
[18] – اُنظر: إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ترجمة: كمال أبو ديب، دار الآداب، بيروت، لبنان، ط4\2014، ص: 164.
[19] – نادر كاظم، تمثيلات الآخر، مرجع سابق، ص: 297.
[20] – إيف كلفارون، إدوارد سعيد والانتفاضة الثقافية، ترجمة: محمد الجرطي، الراصد الوطني للنشر والقراءة، سليكي أخوين، طنجة، ط1\2016، ص: 53.
[21] – نادر كاظم، تمثيلات الآخر، مرجع سابق، ص: 301.
[22] – نادر كاظم، تمثيلات الآخر، مرجع سابق، ص: 306.
[23]– آنيا لومبا، في نظرية الاستعمار وما بعد الاستعمار الأدبية، ترجمة: محمد عبد الغني غيوم، دار الحوار للنشر، سوريا، ط1\2007، ص: 58.
[24] – آنيا لومبا، في نظرية الاستعمار، مرجع سابق، ص: 67.
[25] – المرجع نفسه، ص: 68.
[26] – جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 60.
[27] – عبد السلام حيمر، في سوسيولوجيا الخطاب، من سوسيولوجيا التمثلات إلى سوسيولوجيا الفعل، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط1\2008، ص: 228.
[28] – توين فان دايك، الخطاب والسلطة، مرجع سابق، ص: 429.
[29] – توين فان دايك، الخطاب والسلطة، مرجع سابق، ص: 436-437.
[30] – المرجع نفسه، ص: 440.
[31] – توين فان دايك، الخطاب والسلطة، مرجع سابق، ص: 60.
[32] – المرجع نفسه، ص: 45.
[33] – ميشيل فوكو، حفريات المعرفة، ترجمة: سالم يفوت، المركز الثقافي الغربي، بيروت لبنان، الدار البيضاء، المغرب، ط3 منقحة،1987، ص:140.
[34] – المرجع نفسه، ص: 140.
[35] – عبد العزيز العيادي، ميشيل فوكو: المعرفة والسلطة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1/1994، ص:20-21.
[36] – رامان سلدن، النظرية الأدبية المعاصرة، ترجمة: جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر، القاهرة، 1998، ص:156.
[37] – مجموعة مؤلفين، غرامشي وقضايا المجتمع المدني، دار كنفان للدراسات والنشر، ط1\ 1991، ص: 103.
[38] – إدوارد سعيد، الاستشراق، مرجع سابق، ص:61.
[39] – إيف كلفارون، إدوارد سعيد والانتفاضة الثقافية، مرجع سابق، ص: 124.
[40] – نادر كاظم، تمثيلات الآخر، مرجع سابق، ص: 452.
[41] – إدوارد سعيد، الثقافة والإمبريالية، ص: 63.
[42] – جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 12.
[43] – جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 16.
[44] – المصدر نفسه، ص: 32.
[45] – المصدر نفسه، ص: 25.
[46] – ماريان يورغنسن ولويز فيليبس، تحليل الخطاب: النظرية والمنهج، ترجمة: شوقي يوعناني، هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، ط1\2019، ص: 54.
[47] – هومي بابا، موقع الثقافة، مرجع سابق، ص: 103.
[48]– فرانز فانون، معذبو الأرض، ترجمة: سامي الدروبي، جمال الأتاسي، مدارات للأبحاث والنشر، ط2\2015، ص: 60.
[49]– جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 64.
[50]– فريد بوشي، إدوارد سعيد الأنسني الراديكالي في أصول الفكر ما بعد الكولونيالي، ترجمة: محمد الجرطي، صفحات للنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، ط1\2018، ص: 120.
[51]– جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 17.
[52]– بيل أشكروفيت، جاريت جريفيث، هيلين تيفين، دراسات ما بعد الكولونيالية المفاهيم الرئيسية، ترجمة: أحمد الروبي، أيمن حلمي، عاطف عثمان، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ط1\2010، ص: 102.
[53]– جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 71.
[54] – شيلي واليا، إدوارد سعيد وكتابة التاريخ، ترجمة وتقديم: أحمد خريس وناصر أبو الهيجاء، أزمنة للنشر والتوزيع، الأردن، ط1\2007، ص: 53.
[55] – جوزيف كونراد، قلب الظلام، مصدر سابق، ص: 60.
[56] – المصدر نفسه، ص: 104-105.