مقترحات عملية لتعزيز الإحساس بالانتماء للمدرسة المغربية بوصفه مدخلا لتحقيق التفوق الدراسي
Practical proposals to enhance the sense of belonging to the Moroccan school as a gateway to achieving academic excellence
د.عمر شهبي/أكاديمية الرباط- سلا– القنيطرة، المغرب
Dr.Omar Chahbi /the Academy of Rabat – Sale – Kenitra / Morocco
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 88 الصفحة 77.
ملخص:
يتناول هذا المقال بعدا أساسيا في الممارسة التربوية، وهو البعد المتعلق بتعزيز الإحساس بالانتماء إلى جماعة القسم بوصفه أحد المداخل الأساسية لتحقيق التفوق الدراسي، ذلك أن القدرة على بناء علاقات إيجابية مع الأقران والمدرسين واستشعار الارتباط الوثيق بالوسط المدرسي والرضا التام عنه، من شأنه أن يجعل المتعلم أكثر استعدادا لاكتساب المعارف وتطوير مهارات الفهم والتحليل والاستنتاج، وكذا أكثر ميلا إلى الاستمتاع بوجوده داخل المدرسة. فمتى تحقق الشعور بالانتماء انتعشت فرص تكوين صداقات، وتراجعت نسب العنف، وحل التعاون والمساعدة محل التنافر والتباغض، وانسجمت جماعة القسم بالرغم من الاختلافات القائمة بين أفرادها.
لا يكتفي هذا المقال بالوصف والتحليل والتشخيص، وإنما يقترح عددا من الإجراءات والتدابير وكذا الطرق والأساليب التربوية، التي لا تستمد أهميتها من كونها أدوات لنقل المعارف والمهارات فحسب، وإنما لأنها صيغ كذلك لدمج المتعلم في واقع التربوي ومحيطه المدرسي، وآليات لتحفيزه على المشاركة الفاعلة في السيرورة التربوية من خلال الفعل والمبادرة والإبداع والاكتشاف.
الكلمات المفتاحية: الإحساس بالانتماء – التفوق الدراسي – المتعلم – المدرس – المدرسة المغربية.
Abstract:
This article deals with a basic dimension in educational practice, which is the dimension related to enhancing the sense of belonging to the department group as one of the basic entrances to achieving academic excellence, as it would make the learner more willing to acquire knowledge and develop skills of understanding, analysis and conclusion, as well as more inclined to enjoy his presence within The school.
This article is not limited to description, analysis and diagnosis, but rather proposes a number of procedures and measures as well as educational methods and methods, which derive their importance not only from being tools for transferring knowledge and skills, but also formulas for integrating the learner into the educational reality and his school environment, and mechanisms to push him to actively participate in The educational process through action, initiative, creativity and discovery.
Keywords: A sense of belonging – academic excellence – the learner – the teacher – the Moroccan school.
مقدمة:
إن تقوية الإحساس بالانتماء إلى المدرسة لدى المتعلمين المغاربة مدخل أساسي لتحقيق التفوق الدراسي. ولا يمكن أن يتحقق هذا الإحساس بالانتماء إلا إذا استشعر المتعلم تقديرا ذاتيا عاليا ورضا تاما عن وسطه المدرسي. وهذا ما يدعو كل الفاعلين في الحقل التربوي بالمغرب إلى تكثيف الجهود من أجل تنزيل كل الإجراءات والتدابير ومواكبة كل المبادرات والجهود الرامية إلى دعم اندماج المتعلمين في الوسط المدرسي وتحفيزهم على بناء علاقات اجتماعية سليمة وكذا إبراز مواهبهم وقدراتهم. غير أن هذه الغايات تصطدم بعدد من المعيقات التي ترتبط بطبيعة تمثل العملية التعليمية التعَلُّمية التي يتم فيها التركيز – في غالب الأحيان- على الذكاء والقدرات العقلية بوصفها محددات أساسية للتفوق الدراسي، في حين يتم إغفال الإحساس بالانتماء بوصفه أحد أهم العوامل المساهمة في تحقيق هذا التفوق. ذلك أن إعراض بعض المتعلمين عن الاهتمام بالتحصيل والدراسة وغياب الدافعية عند هؤلاء، لا يرتبط دوما بقدراتهم الذهنية أو المعرفية “المتواضعة”، بل قد يكون الأمر في الكثير من الأحيان مرتبطا بصعوبات يجدها هؤلاء المتعلمون على مستوى الانتماء لجماعة القسم أو الاندماج في الوسط المدرسي بكل مكوناته. ومن ثم فالمدرس بوصفه الفاعل الأساس في العملية التربوية مُطالب باستحضار الجوانب العلائقية في تخطيطه للعملية التعليمية وتصميمه للأنشطة التربوية وفق طرق وأساليب تعليمية تشتبك فيها الأبعاد المعرفية والمهارية بالإنسانية العلائقية.
إن هذا المقال يرنو إلى ملامسة قضية الإحساس بالانتماء للوسط المدرسي لدى المتعلمين المغاربة، انطلاقا من إشكالية جوهرية يمكن صياغة عناصرها على الشكل التالي: ما هي التدابير والطرق التربوية الكفيلة بتعزيز الانتماء إلى جماعة القسم باعتباره مدخلا أساسيا لتحقيق التفوق الدراسي؟ ما المقصود بالانتماء والتفوق الدراسي؟ ما هي الخصوصيات التي تتسم بها جماعة القسم ؟ إلى أي حد يسهم تجديد الممارسة التربوية واعتماد أساليب حديثة في تيسير اندماج التلاميذ في محيطهم المدرسي وتحسن تحصيلهم الدراسي؟
تنبع أهمية هذا المقال من كونه يتناول بُعد الانتماء بوصفه أحد العوامل المحددة للتفوق، والتي لا تحظى بقدر كاف من الدراسة، كما أننا لا نكتفي فيه بالوصف والتحليل والسؤال كما هو الشأن بالنسبة للعديد من الدراسات التي تنحو منحى التشخيص والتحليل دون أن تقدم مقترحات عملية أو بدائل قابلة للتطبيق. ولهذا سنركز في هذا المقال بالإضافة إلى الوصف والتحليل على اقتراح بعض التدابير العملية والطرق التربوية الكفيلة بتقوية روح الانتماء إلى جماعة القسم والوسط المدرسي عموما، وهو ما يجعل المتعلم أكثر استعدادا لاكتساب المعارف وتطوير مهارات الفهم والتحليل والاستنتاج، وكذا أكثر ميلا إلى الاستمتاع بوجوده داخل المدرسة وبمختلف الأنشطة التي تقام داخلها. وهو الأمر الذي قد ينأى به عن الانعزال أو النبذ أو النزوع نحو العنف أو الانقطاع عن الدراسة.
- إضاءات حول التفوق الدراسي
يأتي التفوق في اللغة بمعاني العلو والغلبة وإحراز النجاح والمنزلة العليا والشرف الأكبر، ففي لسان العرب: ” فاقَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ: عَلَاهُ وَغَلَبَهُ وفَضَلَهُ، وفاقَ الرَّجُلُ أَصْحَابَهُ يَفُوقهم أَيْ عَلَاهُمْ بِالشَّرَفِ (…) فُقْت فُلَانًا أَيْ صِرْتُ خَيْرًا مِنْهُ وَأَعْلَى وَأَشْرَفَ كَأَنَّكَ صِرْتَ فَوْقه فِي الْمَرْتَبَةِ؛ وَمِنْهُ الشَّيْءُ الفائقُ وَهُوَ الْجَيِّدُ الْخَالِصُ فِي نَوْعِهِ”[1]. وفي المعجم الوسيط:” تفوق على قومه فاقهم وترفع عَلَيْهِم”[2]، أما في معجم اللغة العربية المعاصرة:” تفوَّق على غيرِه: فاقه، فضَله، علاه في الشَّرف والمكانة “تفوَّق على أصدقائه/ أقرانه/ مُنافسه”، تفوَّق في عملِه: برَع فيه؛ أحرز نجاحًا فيه “تفوّق في مجاله/ علمه/ فنِّه”[3].
أما في الاصطلاح، فالتفوق حسب مكتب التربية الأمريكي يحيل على “تلك القدرة العالیة عند الفرد الذي تمكنه من القیام بأداء متمیز والذي یحتاج إلى خدمات أو برامج تربویة خاصة فوق ما یقدم عادة في البرامج المدرسیة العادیة”[4]، وتعرف الجمعیة الوطنیة لدراسة التربیة المتفوق بأنه “الشخص الذي يستطيع أن یحصل على تحصیل مرموق أو فائق في أي میدان من المیادین التي تقررها الجماعة، وعرف هافجهرست Havighurst كذلك “المتفوقين بأنهم الأفراد الذین أثبتوا تفوقا في الأداء وفي أي مجال من المجالات المقبولة اجتماعیة”[5].
يبدو من خلال هذه التعريفات التي يعكس ظاهرها ائتلافا واتفاقا نسبيا، أنها تنطوي على منظورين متمايزين؛ الأول يربط التفوق بالقدرة وهي ذلك الاستعداد الداخلي المرتبط بعوامل فطرية وعقلية ونفسية، أما الثاني، فيركز على الأداء أي أن التفوق لا يسمى كذلك إلا إذا ظهر على مستوى الإنجاز بتحصيل المراتب المتقدمة أو النتائج المتميزة في ميدان من ميادين، ولهذا فإننا نرى أن التفوق لا يمكن ربطه بمستوى واحد، وإنما هو نتاج تفاعل القدرات الذاتية العقلية والنفسية والمحيط الاجتماعي، مما ينعكس إيجابا على مستوى الإنجاز وتحقيق النتائج المتميزة.
ولعل تعريفات التفوق الدراسي لا تبتعد كثيرا عن المعاني التي تشير إليها لفظة التفوق، إذ يعني التفوق الدراسي لدى الكثير من الدارسين “التفوق التحصيلي والذي يعني مستويات تحصيلية مرتفعة عن المتوقع من الاستعداد للدراسة”[6]، وهنا يظهر التفوق بمثابة قدرة على تحقيق نتائج دراسية تفوق المستوى العادي الملاحَظ عند أغلب الطلاب، مما يؤشر على مستوى مرتفع من الذكاء والقدرة على التحليل والفهم والاستيعاب وغيرها من القدرات الذهنية.
إن المتفوق كما ترى ناديا هايل، هو ذلك “الطالب الذي يرتفع في إنجازه أو تحصيله الدراسي بمقدار ملحوظ فوق الأكثرية أو المتوسطين من أقرانه، أي إذا زادت نسبة التحصيل عن 90 في المائة، وبذلك فهو أعلى من الطلبة في التحصيل الأكاديمي “[7]، وينسجم هذا التصور مع رؤية صالح حسن الداهري لما يسميه بالتفوق التحصيلي الذي يعني به “الامتياز في التحصيل، بحيث تؤهل الفرد مجموع درجاته لأن يكون من أفضل زملائه، ويبدو هنا أن المحك للتفوق التحصيلي هو حصيلة أداء الفرد في الامتحانات”[8]، ويرى كل من (حسين قورة 1968) و(شابلف 1971) و(حسين كامل 1973) “أن التفوق الدراسي هو الإنجاز التحصيلي للطالب في مادة دراسية أو التفوق في مهارة أو مجموعة من المهارات، ويقدر بالدرجات طبقا للاختبارات الموضوعية المقننة أو غيرها من وسائل التقويم”[9].
يبدو إذن أن التفوق الدراسي وإن كان مبدؤه قدرات ذهنية عالية تتصل بموهبة أو عبقرية أو ذكاء، إلا أنه يقاس بما يتم إنجازه على مستوى التحصيل الدراسي في الاختبارات أو التمكن من المهارات، أي أن التفوق الدراسي يقاس بالدرجات المرتفعة التي يحققها الطالب، والتي ما هي إلا تَمَظهُر لعدد من العوامل والمحددات، فالتفوق يستلزم بالضرورة توفر الطالب على سمات عقلية ونفسية معينة تؤهله لتحقيق أداء جيد والعمل بكفاءة إزاء الوضعيات المدرسية، وهنا نشير بالأساس إلى التوفر على قدر معين من الذكاء يمَكن الطالب من القيام بعدد من العمليات العقلية كالتحليل والتفكيك والتأويل والاستنتاج، فضلا عن الدافعية للتعلم، وهي بمثابة شعلة تتوقد في دواخل التلميذ لتحفزه على العطاء و تدفعه إلى استنفار كافة قدراته ومواهبه من أجل تحقيق أعلى المراتب وأرفع الدرجات.
وإذا كانت القدرات العقلية والعوامل الذاتية تكتسي أهمية بالغة فيما يخص تفوق التلميذ دراسيا إلا أن ثمة عوامل محددة كذلك تؤثر سلبا أو إيجابا على النتائج الدراسية والأداء التحصيلي، هذه العوامل المرتبط بالبيئة المحيطة بالمتعلم، سوء البيئة الأسرية التي توفر له إمكانية تفجير قدراته العقلية وطاقاته الإبداعية، وذلك من خلال اعتماد أساليب تربوية تقوم على التشجيع والحوار والثقة والعطف والدعم النفسي، ثم البيئة المدرسية التي تمارس أدوار جوهرية وحاسمة في حياة المتعلم الدراسية وخصوصا نتائجه التحصيلية، إذ تمثل الحاضنة التربوية الثانية بعد الأسرة، ومن هنا تنبع أهميتها القصوى وفق الكثير من الدراسات والأبحاث، كدراسة كل من “هولترمان Holterman وبراون Brown التي توصلت إلى نتائج تفيد بوجود علاقة موجبة ودالة إحصائيا بين اتجاهات الطلبة نحو إدارة مدرستهم، ومدرسيهم والمواد الدراسية، والزملاء، ومستوى تحصيلهم الدراسي”[10].
إن التلميذ المتفوق دراسيا هو ذاك الذي لديه علاقة إيجابية بالوسط المدرسي، ونعني بذلك التوافق والتواؤم مع مكونات هذا الوسط، من منهاج دراسي وطاقم إداري وتربوي ثم جماعة القسم أو جماعة الأقران، وهكذا فكلما كان المتعلم يحس بانتماء قوي لوسطه المدرسي بما يعنيه ذلك من احتواء وتقبل ودعم وتوافق، كلما كان أكثر استعدادا للتفوق والعطاء والتميز، وهذا دون أن نغفل بطبيعة الحال العوامل المؤثرة الأخرى المرتبطة بالقدرات الذاتية وسمات الوسط الأسري، والتي لا يمكن إنكار أهميتها البالغة، غير أننا نرى من جهة أخرى أن عدم التواؤم مع الوسط المدرسي، بما يعنيه ذلك من انعزال للمتعلم وصعوبة الاندماج والتقبل أو توتر على مستوى علاقته بأقرانه وزملائه أو أساتذته، قد تكون عوامل محددة في انخفاض تحصيل المتعلم دراسيا وتراجعه أدائه التربوي، وفي المقابل قد يكون لتعزيز انتماء المتعلم لوسط المدرسي أثر طيب على مستواه الدراسي ودرجاته، وقدرته على اكتساب المعارف والمهارات اللازمة.
2.إلماعة حول مفهوم الانتماء
تحيل لفظة الانتماء في اللغة إلى معاني الصعود والارتفاع والانضمام والانتساب، يقول ابن منظور في لسان العرب:” نَمَيْتُه إِلَى أَبيه نَمْياً ونُمِيًّا وأَنْمَيْتُه: عَزَوته وَنَسَبْتُهُ، وانْتَمَى هُوَ إِلَيْهِ: انْتَسَبَ، وَفُلَانٌ يَنْمِي إِلَى حسَبٍ ويَنْتمِي: يَرْتَفِعُ إِلَيْهِ، وَفِي الْحَدِيثِ: مَن ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبيه أَو انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ أَي انْتَسَبَ إِلَيْهِمْ وَمَالَ وَصَارَ مَعْرُوفًا بِهِمْ(…) وَيُقَالُ: انْتَمَى فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ إِذَا ارْتَفَعَ إِلَيْهِ فِي النَّسَبِ، ونَمَاه جَدُّه إِذَا رَفع إِلَيْهِ نَسَبَهُ”[11]، وفي معجم اللغة العربية المعاصرة:” انتمى الشَّخصُ إلى الجبل: صعِده “يهوى انتماء المرتفعات”، انتمى إلى كذا: انتسب واعتزى “انتمى إلى حزب: انتسب وانضمّ إليه”[12].
إن هذه التعريفات اللغوية تحمل في ثناياها بذور التعريف الاصطلاحي للانتماء، ذلك أنها تؤكد على معنى الانضمام أو الانتساب، وهو ما لا يمكن أن يتحقق دون استشعار الفرد أنه امتداد لمن ينتسب إليه أو جزء ركين من الجماعة أو المؤسسة، بمعنى أن الانتماء هو إحساس داخلي يتشكل نتيجة تفاعل عدد من العوامل النفسية والاجتماعية بالأساس، وهو ما يثمر عددا من النتائج على مستوى الإنجاز، ولعل تصورنا هذا يتماهى مع تعريف لويس فيليب بوشي وجوزيف موروز (Louis-Philippe Boucher et Joseph Morose) اللذان يعتبران فيه أن” الإحساس بالانتماء هو ما يستشعره الفرد إزاء الانتماء إلى مجموعة، أو منظمة أو مؤسسة، إنه الإحساس بالألفة إزاء المدرسة، الإحساس بأن للمرء قيمة وجدوى داخل المجموعة المتضامنة، وهذه هي معايير الإحساس بالانتماء، فكلما كان للفرد إحساس قوي بالانتماء للمجموعة كلما كان ميالا إلى تبني قيم المجموعة ومعاييرها وقواعدها السلوكية”[13]، إن تبني الفرد لقيم الجماعة ومعاييرها الأخلاقية وقواعدها السلوكية هو تعبير منه عن الانتماء للجماعة والارتباط بها، وكذا استعداده للإسهام في خدمة هذه المعايير والقواعد والحرص على عدم خرقها أو الخروج عنها.
ويتلخص الانتماء حسب كزن (xin) في كلمات وهي:”الارتباط والقدرة والإسهام، الارتباط يوضح أن التلاميذ يحتاجون إلى الارتباط ببعضهم من خلال التعاون، ومع المعلمين بحبهم وتشجيعهم للطلبة، وتشير القدرة إلى أن المعلمين لابد أن يساعدوا التلاميذ على الشعور بالقدرة عن طريق تعديل المهام والواجبات التي يعطيها المعلم لتزويد التلاميذ بخبرات التعلم الناجح، ويشير الإسهام إلى أن التلاميذ في حاجة إلى أن يسهموا في بعض الأنشطة المدرسية اللاصفية”[14].
يظهر من هذا التعريف أن الانتماء لا ينحصر في الإحساس الداخلي، بل لابد أن يكون له نتائج على المستوى الخارجي وهو ما يتبدى من مفهومي القدرة والإسهام؛ القدرة على مواجهة الوضعيات المشكلة والبحث عن حلول ملائمة لها، ثم الإسهام في مختلف الأنشطة الموازية التي تنظمها المؤسسة التعليمية، ومن ثم فالانتماء بهذا المعنى مرآة مجلوة لتأقلم المتعلم وتكيفه مع محيطه المدرسي والاجتماعي، إن الشعور بالانتماء والارتباط بالآخرين هو “حاجة نفسية أساسية ودافع إنساني جوهري، حيث ينمى هذا الشعور أو تلك الحاجة مجموعة من النتائج الإيجابية داخل الفرد، ومع إحباطها يعاني الأفراد مجموعة من النتائج السلبية مثل الضغط الانفعالي والنفسي والحزن، بينما يزيد الشعور بالانتماء وخاصًة داخل المدرسة من التكيف النفسي والاجتماعي”[15].
وإذا كان المرء في الغالب الأعم مجبرا على أن يكون عضوا في جماعة أو جماعات معينة، فإن هذا لا يعني أنه بالضرورة منتم إلى هذه الجماعات، فمفهوم الانتماء يختلف عن العضوية، إنه يجعل “الفرد لديه الرغبة في التفاعل والمشاركة مع أفراد الجماعة، كما يتضمن الانتماء في داخله ارتباط انفعاليا مع الجماعة، بالإضافة إلى علاقات الأخذ والعطاء بين الأفراد”[16].
إن لجماعة الأقران أدوار أساسية في تعزيز الانتماء لدى المتعلم، الذي قد ينجح في الاندماج والانخراط في الجماعة والانسجام مع أعضائها فيحس بأهميته وينزَعُ إلى إظهار تفوقه وإسهامه في محيطه والتأثير في الأشياء من حوله، وقد يتلقى عقابا بالنبذ أو ينعزل من تلقاء ذاته فتقل فاعليته وتضعف دافعية الاشتغال والعمل عليه، وهذا ما قد يؤثر سلبا على نتائجه وتحصيله الدراسي، وقد يصل الأمر إلى التسرب من المدرسة والانقطاع عن الدراسة.
- الانتماء إلى جماعة القسم
لعل من المهم التأكيد في البداية أن جماعة القسم هي تلك المجموعة التي يقودها المدرس وتتكون من المتعلمين الذين يدرسون في مستوى تعليمي واحد أو مستويات مختلفة كما هو الحال بالنسبة للقسم المشترك في التعليم الابتدائي، والناظر للوهلة الأولى إلى هذه الجماعة قد يعتقد أنها جماعة متجانسة مكونة من تلاميذ متشابهين، متقاربين في الغالب على مستوى السن، ينتمون إلى الجيل نفسه، ويمرون بالتجارب والخبرات نفسها، والحقيقة أن هذه النظرة هي خاطئة تماما، فتدبير جماعة القسم لهو من المهام التي تتطلب أولا الإقرار بأنها جماعة غير متجانسة، بل الأكثر من ذلك أن لكل تلميذ خصوصياته وتجاربه الخاصة التي تميزه عن أي تلميذ آخر في القسم.
إن من أبرز خصائص جماعة القسم، والتي قد تكون من بين العوامل المساعدة أو المعيقة لاندماج المتعلمين في جماعة القسم وإحساسهم بالانتماء، تلك الاختلافات التي تميز الأفراد (المتعلمين) المكونين لهذه الجماعة، وهي اختلافات نميز فيها بين ما هو معرفي، فالمتعلمون يختلفون على مستوى قدراتهم الفكرية والإدراكية ودرجة استيعابهم ووتيرة التعلم التي قد تكون سريعة لدى بعض المتعلمين ومتوسطة أو بطيئة لدى البعض الآخر.
ثم إن ثمة اختلافات سيكولوجية بين المتعلمين ترتبط بالأحداث والتجارب التي يمرون بها منذ الطفولة، وهذا ما قد يطبع نفسياتهم بسمات معينة قد تشكل حوافز على التعلم وجب تعزيزها واستثمارها، أو عراقيل تعيق عملية الاندماج في الوسط المدرسي وتصعب أو تبطئ عملية التعلم والاستيعاب واكتساب خبرات جديدة، ولعل هذه الاختلافات السيكولوجية تتصل كذلك بالاختلافات السيكو- أسرية لدى المتعلمين الذين ينتمون إلى أسر وإن كانت تتشابه على مستوى السمات العامة، إلا أنها تتسم بخصوصيات على مستوى طبيعة العلاقات القائمة بين أفرادها وكذا طرق التربية المنتهجة من لدن الوالدين واستراتيجيات تدبير الخلافات والأزمات، يضاف إلى هذه الاختلافات السيكو أسرية، اختلافات سوسيوثقافية ترتبط بالتمايز من حيث الأفكار ومنظومة القيم والمبادئ والتقاليد والعادات والطقوس والممارسات المتعلقة بالمتخيل الاجتماعي الذي يحفل بعدد من الصور والرموز والتمثلات والأنساق المتحكمة في الوعي والسلوك.
ولعل ما يميز أي جماعة كيفما كان نوعها بالرغم من كل الاختلافات الموجودة بين أفرادها، هو روح الانتماء التي تشكل رابطة خفية وحبلا قويا يعصم الجماعة من التفكك والتشرذم والانهيار، ويقوم الإحساس بالانتماء على “العلاقات الاجتماعية والوجدانية التي يقيمها الفرد مع محيطه”[17]، ومتى غاب الإحساس بالانتماء إلى الكيان نفسه تنفصم عرى العلاقات الاجتماعية ويحل النزاع والعنف محل التوافق والتراضي والتعايش، وهكذا فأغلب المتعلمين المغاربة – في الغالب – بالرغم من كل الاختلافات والتمايزات، “لديهم إحساس بالانتماء إلى جماعة القسم”[18]، لأن الإنسان بشكل عام اجتماعي بطبعه، وهذا ما يدفعه إلى البحث دوما عن الانخراط في جماعة معينة، ولأن التلميذ كذلك على وجه الخصوص قلما يرغب في أن يكون معزولا عن زملائه وأقرانه.
ولهذا فمسؤولية تدعيم وتقوية روح الانتماء إلى جماعة القسم تقع على عاتق المؤسسة التعليمية وأطرها التربوية والإدارية لاسيما المدرس، لأنه أكثر احتكاكا بالمتعلمين من غيره، وأيضا بالنظر إلى طبيعة العلاقة التربوية التي تربطه بهم، فمن واجب المدرس أن يحرص على بناء المتعلمين لعلاقات إيجابية بينهم تسهم في تلبية الحاجة إلى الانتماء وتعزز الشعور بالألفة والأمان، فكلما كانت “العلاقات إيجابية أدى ذلك إلى زيادة الشعور بالانتماء إلى المجتمع المدرسي”[19]، ومتى تحقق الشعور بالانتماء انتعشت فرص تكوين صداقات، وتراجعت نسب العنف، وحل التعاون والمساعدة محل التنافر والتباغض، وانسجمت جماعة القسم بالرغم من الاختلافات القائمة بين أفرادها، إذ أن تدعيم روح الانتماء لا يعني إلغاء التمايزات وإعدامها أو خنقها، وإنما يعني القدرة على تقبل الاختلافات وتوجيهها إلى الوجهة الصحيحة، أي التكامل والتعاون بدل التنازع والتنافر، ولعل هذا هو المطلوب من المدرسة عموما، فمتعلم اليوم الذي يستطيع التأقلم مع جماعة الأقران والزملاء، ويبني علاقات إيجابية مع محيطه، ويتقبل الاختلافات النفسية والاجتماعية والفكرية، هو مواطن الغد الذي نرجو أن يكتسب عددا من المعارف والمهارات والقدرات التي ستسعفه في خدمة وطنه وتنميته، وذلك من خلال بناء علاقات إيجابية مع المواطنين الآخرين تقوم على أساس التعاون والتكامل واحترام الآخر وتقبل الاختلاف دون إقصاء ولا تمييز، ولا يمكن أن يتحقق ذلك بتلاميذ منبوذين من لدن زملائهم داخل القسم أو المدرسة، ذلك أن هؤلاء “يتعرضون لمخاطر متزايدة من السلوكيات المنحرفة والتحصيل الضعيف، وكراهية وتجنب المدرسة، كما أنهم أكثر ميلًا للتصرفات العدوانية وتقدير الذات المنخفض وشعور بالاكتئاب والحزن النفسي”[20].
إن تقوية روح الانتماء إلى جماعة القسم والوسط المدرسي عموما، تجعل المتعلم أكثر استعدادا لاكتساب المعارف وتطوير مهارات الفهم والتحليل والاستنتاج وكذا أكثر ميلا إلى الاستمتاع بوجوده داخل المدرسة وبمختلف الأنشطة التي تقام داخلها، وهو الأمر الذي قد ينأى به عن الانعزال أو النبذ أو النزوع نحو التنمر أو العنف.
- مقترحات عملية لتعزيز انتماء المتعلم لمحيطه المدرسي
لا تستقيم أمور جماعة ما دون وجود قائد أو مشرف تناط به مهمة قيادة الجماعة واتخاذ القرار والسهر على حسن سير شؤونها، وفي الحالة التعليمية، فالقائد والموجه والمنشط هو المدرس، ذلك أنه هو الذي يخطط للعملية التعليمية التعلُّمية، ويسهر على تدبير الاختلافات القائمة بين المتعلمين ويحرص على بلورتهم لعلاقات اجتماعية سليمة، غير أن هذا لا يمكن أن يتحقق إذا كان هذا المدرس نفسه يستشعر نفورا من المدرسة أو الممارسة التعليمية، فشعور المتعلمين بالانتماء ينمو “كلما كان المعلمون يشعرون بالانتماء، حيث أكد مديرو المدارس على أن المعلمين لابد أن يشعروا بالانتماء حتى يستطيعوا بدورهم مساعدة طلابهم على الشعور بالانتماء”[21]، هذا الشعور بالانتماء لدى المدرس والمتعلم هو الذي سيدفعهما إلى إقامة تواصل بيداغوجي مثمر يتأسس على علاقة فعالة ديمقراطية يحضر فيها البعد التشاركي القائم على التعاون والتفاعل الجماعي لكن دون تخلي المدرس عن دوره في القيادة والتوجيه والتخطيط، ولهذا يرى روجيه موكيلي “بأنه لا يمكننا الحديث عن تواصل بيداغوجي، ما لم تتوفر الإرادة في إقامة علاقة فعالة بين المرسل والمتلقي، وهذا الضرب من التواصل، هو تشارك ذهني وتفاهم متبادل ونشاط اجتماعي يتأسس على علاقات اجتماعية، وإن شئت قلت على علاقات إنسانية”[22].
4.1 التعاقد البيداغوجي
ولعل من أفضل الآليات التي تسهم في بناء علاقة تواصلية إنسانية وناجعة بين المدرس والمتعلمين، هي آلية التعاقد البيداغوجي، وتعرِّف الباحثة جانين فيلو (J Filoux) فكرة التعاقد بأنها “مجموع المعايير التي تنظم العلاقات بين المدرس ومجموعة الفصل، ورغم كون بعض هذه المعايير مصرحا بها، وهو ما يسمح للمتعلمين بمعرفة ماذا ينتظر منهم مدرسوهم، إلا أن أغلبها يظل ضمنيا”[23].
يمَكِّن التعاقد البيداغوجي المدرسَ من تدبير جماعة القسم دون السقوط في النموذج المتمركز حول المدرس أي النموذج الاستبدادي، كما يتيح للمتعلمين العمل والتواصل والتفاعل في أجواء سليمة، بعيدا عن الشعور بالقهر والإكراه، مادام أن القواعد المتضمنة في العقد البيداغوجي هي قواعد متفق عليها أفرزتها الإرادة الجماعية، وهذا من شأنه أن يحسن العلاقات التواصلية ويحقق للعملية التعليمية التعلُّمية ظروفا ملائمة، ويوفر شروطا أفضل من أجل تحقيق المتعلمين للتفوق.
إن الغاية من التعاقد البيداغوجي هو توفير بيئة تربوية ملائمة تَتَشيد فيها العلاقة بين المدرس ومتعلميه وكذا العلاقات بينهم على أساس الحوار والتفاهم والتفاعل الإيجابي، أي ترتيب الأوضاع البيداغوجية حول النموذج الديمقراطي بتعبير لورنس كورنو (L. Cornu) وألان فرنيو (A. Vergnioux) في كتابهما (الخطاب الديداكتيكي، أسئلته ورهاناته)[24].
ومن ثم فالمدرس مُطالَب بالتدبير الفعال لجماعة القسم، تدبيرا يقوم على التخطيط الأمثل للأنشطة التربوية باستحضار خصوصيات المتعلمين الاجتماعية والمعرفية والثقافية والإدراكية، هذا التخطيط الذي يتأسس على رؤية حديثة تتجاوز الأساليب التقليدية التي كانت تتسم باحتكار المدرس للمعرفة واعتبار التلميذ وعاء فارغا ينبغي شحنه بالمعلومات ومطالبته باسترجاعها كما هي في وقت لاحق، وبالتالي تقييد حرية المتعلم وقدرته على التفكير والإبداع والتساؤل وجعله عالة على الأستاذ، لا يستطيع التعلم أو اكتساب المعرفة ذاتيا.
إن تدبير جماعة القسم لن يكون فعالا وذا جدوى إلا إذا انخرط المتعلم بشكل تام في العملية التربوية واكتسب القدرة على التعلم (أي تعلم التعلم)، وذلك من خلال التعامل الأمثل وحسن التصرف إزاء وضعيات تعرِض له، تتطلب منه تعبئة وتنظيم موارد المعرفية ومهاراته وقدراته المنهجية والتحليلية والتعاون مع الآخر أحيانا في إطار عمل تشاركي، ولهذا فالمدرس بوصفه قائدا لجماعة القسم مطالب بتجديد ممارساته التربوية لتواكب التحولات المجتمعية التي ترخي بظلالها على حقل التربية، وذلك من خلال اعتماد أساليب جديدة ومبتكرة ترمي إلى إدماج المتعلمين في سيرورة تعليمية يستطيع من خلالها التعلم بمعية الآخر، وأيضا أن يعتمد على ذاته فيتعلم في المدرسة وخارجها مدى الحياة.
4.2 العمل بالمجموعات/ العمل التشاركي
وإذا كانت طريقة الحوار الجماعي اليوم هي عصب الممارسة التعليمية في أغلب المدارس المغربية، فإن ثمة حاجة ملحة لتنويع الطرق التعليمية من أجل إدماج أكبر عدد من المتعلمين في سيرورة التعلم، وهذا لا يعني أن طريقة الحوار الجماعي متجاوزة أو أنه وجب التخلي عنها نهائيا، بل القصد أن المدرس مطالَب بتكييف الطرق التعليمية مع المحتويات والمضامين، إذ ثمة بعض المهارات والدروس التي لا تصلح لها طريقة الحوار الجماعي، فيكون لزاما على المدرس اعتماد طرق أخرى، ومن بينها على سبيل المثال العمل بالمجموعات أو العمل التشاركي.
تعد طريقة العمل التشاركي من أكثر الطرق التعليمية نجاعة إذا تم تدبيرها بشكل ملائم تُراعَى فيه عدد من الشروط والمواصفات، إذ ليس الهدف منها أن يكتسب التلميذ معارف أو مهارات فحسب، وإنما بناؤها بمعية الآخر بنفَس تشاركي تهيمين عليه روح التعاون والدعم، وهذا ما يسهم في تقوية الروابط الوجدانية والإنسانية بين المتعلمين، ومن ثم تعزيز انتمائهم إلى جماعة القسم.
غير أن تحقيق هذه الأهداف يستلزم من المدرس الحرص على التخطيط الأمثل بالإضافة إلى صبر وأناة حتى يكتسب المتعلمون القدرة على العمل بشكل جماعي وتجاوز العديد من الصعوبات التي قد تطرأ في بدايات الاشتغال بهذه الطريقة، وهي صعوبات مرتبطة بمشكلات تواصلية قد تحدث بين المتعلمين أو بعض السلوكيات الأخرى من قبيل الاتكالية والاستئثار بالرأي والقرار أو ظهور تكتلات صغرى داخل المجموعة أو نبذ طرف أو أطراف أخرى منتمية للمجموعة، كل هذه المشكلات تستلزم من المدرس أن يهيئ قبلا الشروط الملائمة لنجاح العمل التشاركي بتوضيح المطلوب من المتعلمين – وهو إنجاز العمل جماعيا، وهذا يعني مشاركة كل أفراد المجموعة – ثم القيام بمراقبة دقيقة للمجموعة من خلال الجلوس مع المتعلمين أثناء إنجازهم للأعمال.
ولكي تنجح طريقة العمل التشاركي لابد من استحضار عدد من الشروط قبل وأثناء إنجاز العمل، ومن الشروط القبلية أن يُسمح للمتعلمين بتحمل مسؤولية تشكيل المجموعات، وتقسيم الأدوار والمسؤوليات داخل المجموعة وعدم ترك الأمر عرضة للفوضوية أو العشوائية، ذلك أن أي مجموعة لابد وأن تتوفر على مُقَرِّر يتولى كتابة العمل وتنظيمه وتهييئه للعرض، ثم مُقَدِّم للعمل يتحمل مسؤولية تقديم العمل المُنجَز بعد إنهائه أمام باقي المتعلمين الآخرين، ثم مسيِّر للأشغال يتولى تنظيم إنجاز العمل وتوزيع الكلمة والحرص على النظام داخل المجموعة وعلى مشاركة الجميع بدون استثناء في النقاش واتخاذ القرار، ولعل مشاركة الجميع في الحوار والبحث عن الأجوبة هي من أهم الشروط الواجب الحرص عليها أثناء إنجاز العمل، وهذا يستلزم من المتعلمين التعاون والإنصات لبعضهم البعض وإشراك الجميع، ومن المدرس أن يراقب تحقق هذه المسلكيات أثناء إنجاز العمل وتوجيه المتعلمين عند الحاجة.
يحقق العمل بالمجموعات أو العمل التشاركي عددا من الغايات التربوية التي لا تنحصر في اكتساب معارف معينة، وإنما تشمل الجوانب العلائقية، لاسيما اندماج المتعلمين داخل الجماعة واكتساب مهارات التواصل مع الآخر والعمل التعاوني وتنسيق الجهود خدمة لهدف واحد، ولهذا فمن المطلوب أثناء مرحلة تقويم العمل أن يتم قياس تحقق الأهداف الإجرائية من العمل التعاوني، وهي أهداف لا تتعلق فقط بإنجاز المطلوب وإنما بالطريقة والكيفية التي تم بها هذا الإنجاز، فمهارات الإنصات للآخر واحترامه وتوزيع الكلمة بشكل عادل ومشاركة الجميع هي عناصر لابد من استحضارها في عملية التقويم، ثم إنه إذا كانت ثمة ملاحظات بشأن العمل المقدَّم ينبغي أن توجه للمجموعة بوصفها كيانا واحدا لا أن توجه لكل فرد على حدة، وذلك حتى يكتسب المتعلمون روح المسؤولية الجماعية، ولكي لا ينتفض عضو أو أعضاء من المجموعة في وجه زميل لهم ويتم تحميله مسؤولية “التقصير”.
4.3 التعلم باللعِب:
إذا كان من الصعب تطبيق طريقة العمل بالمجموعات مع بعض المتعلمين في المدرسة الابتدائية، خاصة في السنوات الأولى من الدراسة، فإن “التعلم باللعب” من بين الطرق التي قد تصلح لهؤلاء كما تصلح لمتعلمين في مستويات عليا، إذ أن اللعب ليس ممارسة طفولية فحسب، وهو ليس حكرا على سن معين، لأنه يحقق الإمتاع للإنسان بشكل عام.
ويُعرَّف اللعب من لدن دانييل ماركيز ((Danielle Marquis وجيل شامبرلن (Gilles Chamberland) ولويزيت لافوا (Louisette Lavoie) بأنه “تفاعل بين المتعلمين في نشاط مصطنع يَخْضَعونَ فيه لقواعد ويُوَجَّهونَ لتحقيق هدف معين”[25]، ويظهر من هذا التعريف أن طريقة التعلم باللعب ترتكز على ثلاثة مقومات أساسية وهي: التفاعل بوصفه جوهر عملية اللعب التي تقوم على التواصل والتنافس وإثبات الذات، هذا التفاعل أو اللعب الذي قد يتم بين أفراد بحيث يلعب كل فرد منفردا، كما قد يتم بين مجموعات تواجه بعضها رغبة في التفوق والفوز.
اللَّعِب ممارسة محببة، قريبة من النفس بغض النظر عن السن وذلك لأنها تحقق الإمتاع، ولهذا يلاحظ أغلب المدرسين أن المتعلمين يفضلون هذه الطريقة المحَفِّزة، وإلى جانب التحفيز تحقق طريقة التعليم باللعب عدد من الغايات والمقاصد التربوية، ذلك أنها تتيح للمتعلم حرية أكبر ومساحة للفعل والمبادرة مادام أن المتعلمين في أغلب الأحيان يدبرون عملية اللعب دون الاستعانة بالمدرس الذي يكتفي بدور المنشط وأحيانا الحكم، وهو الأمر الذي يعزز استقلالية المتعلم وينمي شخصيته، ولأن بعض اللُّعب لا تستدعي دوما المهارة، بل قد يحضر فيها قدر من الحظ، فبعض المتعلمين ممن لديهم قدرات معرفية أو مهارات أقل من نظرائهم يستطيعون تحقيق الفوز، وهذا ما يعد تثمينا وتشجيعا لهؤلاء قد ينعكس إيجابا على تحصيلهم الدراسي وعلاقاتهم الاجتماعية بنظرائهم.
إن التعلم باللعب من أكثر الأساليب التعليمية فعالية إذا أُحسن تدبيرها وتوفير شروط نجاحها، ذلك أنها تستدعي توفير الوسائل والأدوات المستعملة في اللعبة، ثم البحث عن اللعب أو تصميمها من لدن المدرس، مع العلم أنها مهمة ليست باليسيرة وتتطلب منه مجهودا ذهنيا وبحثيا إضافيا، وتقتضي هذه الطريقة كذلك ملاءمة اللُّعب مع المحتويات التعليمية بإدماجها (أي المحتويات التعليمية) ضمن فقراتها بطريقة سلسة، وكذا الحرص على تحقيق التوازن بين الحظ والمهارة، حتى لا تتحول حصة التعلم باللعب إلى حصة ترفيه واستمتاع وترويح عن النفس فقط، بدل أن تكون لحظة تكوين وبناء للمعارف وتنمية للحس الاجتماعي لدى المتعلم وتدعيم لانتمائه للمجموعة، فأغلب اللُّعب – حسب جيل شامبرلان (Gilles Chamberland) وجي بروفوست (Guy Provost)- “تقتضي تفاعلات بين العديد من المتعلمين وهي تضعهم في وضعيات يحسون فيها بالحاجة إلى التعبير عن الفرح أو الإحباط مع زملائهم، ولهذا فهي تعزز الإحساس بالانتماء إلى الجماعة.[26]“
لا شك أن تنزيل بيداغوجيا اللعب من برجها النظري لتغدو جزءا من الممارسة الصفية اليومية، أمر ليس بالهين سواء بالنسبة للمدرس أو المتعلمين، لأنها تقتضي تصميما محكما وتخطيطا صارما وتحديدا واضحا للأهداف والغايات، كما أن تطبيق هذا الأسلوب التربوي قد يصطدم ببعض المشكلات من قبيل التمثلات الراسخة في أذهان المتعلمين عن اللَّعب بوصفه مناسبة للترفيه و”هدر الوقت”، أو النزاعات والمشاحنات التي قد تحدث أثناء اللعب أو الصراخ والضجيج الذي قد يسببه المتعلمون داخل الفصل أو خارجه، أو غيرها من المشكلات التي قد يفرزها تطبيق هذا الأسلوب التعليمي، ومن ثم فالمدرس مطالب باستحضار كل العوائق التي قد تعترض حسن سير العمل بطريقة التعلم باللعب، والتركيز على البعد المتعلق بالانضباط مع المتعلمين بوصفه الضامن لتحقق الأهداف والغايات المرجوة من هذه الطريقة التربوية، وقد يلجأ المدرس إذا لاحظ بعض الاختلالات المتعلقة بالانضباط إلى التلويح بالتخلي عن هذه الطريقة أو تطبيق ذلك أحيانا كنوع من العقاب، وهو الأمر الذي قد يدفع غير المنضبطين إلى مراجعة سلوكياتهم، لاسيما وأن طريقة التعلم باللعب من الأساليب المفضلة لدى المتعلمين.
4.4 المحاكاة (Simulation)
وهي من الطرق التربوية الفعالة التي تحفز المتعلم على التواصل مع المدرس وزملائه في القسم، وتسهم في تيسير اندماجه داخل الجماعة، ولها على آثار إيجابية على تعلماته وشخصيته، وتعرف من قِبل دانييل ماركيز ((Danielle Marquis وجيل شامبرلان (Gilles Chamberland) ولويزيت لافوا (Louisette Lavoie) بأنها:” إعادة إنتاج لوضعية تمثل نموذجا مبسطا للواقع لكنه دقيق في الآن نفسه”[27]، فالمتعلم لا يُطلب منه في إطار المحاكاة أن ينقل الوضعية الواقعية بكل تفاصيلها، بل المطلوب هو نقل العناصر الأساسية والدقيقة المرتبطة بطبيعة المعرفة أو المهارة أو المواقف المراد اكتسابها، ومن ثم فالغاية ليست هي التبسيط في حد ذاته، وإنما هي المساعدة على تيسير عملية فهم واستيعاب وتحليل ووصف بعض السلوكيات والوقائع والظواهر السائدة في عالنا الواقعي.
إن المحاكاة تستند على نموذج واقعي يشكل المنطلق والأساس الذي يعتمد عليه كل من المدرس والمتعلم، وقد ميز جيل شامبرلان (Gilles Chamberland) وجي بروفوست (Guy Provost) بين ثلاث فئات كبرى للمحاكاة: “محاكاة/ شخص أو ما نسميه بالمحاكاة البشرية، والتي لا يتدخل فيها إلا الأشخاص، وتُستعمل بالأساس في التعليم، وتتشكل من نماذج مأخوذة من الواقع الاجتماعي الذي يتفاعل فيه الناس، أما محاكاة \ الآلة، فتشمل استعمال الحاسوب في سياق بحثي، انطلاقا من نماذج رياضياتية، نستعمل الحاسوب من أجل دراسة أثر عدد من المتغيرات على النظام المراد محاكاته، إذ تمكن هذه المحاكاة على سبيل المثال من دراسة آثار ارتفاع عدد السكان على الموارد الغذائية المتوفرة أو على استهلاك الطاقة، الحاسوب إذن هو العنصر الرئيسي في هذا النوع من المحاكاة، وهناك النوع الثالث من المحاكاة وهو محاكاة ( شخص/ آلة) أو ما نطلق عليه تسمية المحاكاة المعلوماتية والتي تستند إلى النوعين السابقين، ذلك أن الحاسوب يُستعمل بوصفه أداة مُعِينَةً على اتخاذ القرار من خلال الحسابات التي يمكنه القيام بها، أو بنك المعلومات التي يوفرها للأشخاص الذين يوجهون سير عملية المحاكاة، وهذا النوع يستعمل في الغالب في علوم الإدارة”[28].
إن هذه الأنواع الثلاثة في تصورنا تصلح للاستعمال والاستثمار في السياق المدرسي، إذ يمكن للمتعلم أن يستعمل المحاكاة البشرية إذا تعلق الأمر ببعض الظواهر والقضايا الإنسانية، وله أن يستعمل المحاكاة الحاسوبية أو المعلوماتية إذا كانت المعارف والمهارات والمضامين المراد نقلها إلى المتعلم تستدعي هذا النوع من المحاكاة لاسيما بالنسبة لبعض التخصصات العلمية والتقنية والاقتصادية، وهذا ما يستدعي توفير الوسائل وأدوات الاشتغال بما في ذلك البرامج والتطبيقات المتخصصة التي تعين المتعلمين على القيام بالمحاكاة الحاسوبية لظواهر علمية أو تقنية أو اقتصادية.
تحقق المحاكاة للمتعلم عددا من المنافع، إذ تتيح له المشاركة في بناء التعلمات من موقع الفاعل لا الملاحظ السلبي، وهو ما يسمح له بفهم أعمق واستيعاب أكبر، وذلك من خلال استنفار المعارف والمهارات المكتسبة ووضعها تحت مجهر التجربة، مما قد يكشف عن بعض الصعوبات والإشكالات والأخطاء التي يعمَل المتعلم على تجاوزها وتصحيحها، ولأن محاكاة وضعية واقعية لاسيما في إطار المحاكاة البشرية تستدعي العمل في إطار مجموعات، فإن المتعلمين يجدون أنفسهم مطالبين باستنفار عدد من المهارات التنظيمية كالإعداد والتنسيق، وكذا التواصلية كالتفاوض والإقناع والمشاركة الوجدانية، ومن ثم تغدو المحاكاة وسيلة أساسية لتقوية الروابط الإنسانية وتعزيز اندماج المتعلمين وانتمائهم لجماعة القسم، وأداة فعالة لتيسير الفهم والاستيعاب والتمكن من الكفايات والمهارات.
4.5 مقترحات متعلقة بالغلاف الزمني والدعم البيداغوجي والأنشطة الموازية والتربية البدنية:
إن الصيغ والأساليب التربوية التي نقترحها في هذا المقال تستمد أهميتها من كونها أدوات لنقل المعارف والمهارات، ووسائل لدفع المتعلم إلى المشاركة الفاعلة في السيرورة التربوية من خلال الفعل والمبادرة والإبداع والاكتشاف، وهي فضلا عن كل هذا صيغ لدمج المتعلم في واقع التربوي ومحيطه المدرسي، ولعل تنزيل هذه المقترحات من لدن المدرس باعتباره الفاعل الأساس والموجه والمنشط، هي مهمة جسيمة تستدعي تحفيزه أيضا والاهتمام بأوضاعه الاجتماعية والنفسية، كما تقتضي عددا من التدابير الأخرى التي تتأسس على مقاربة جديدة تهدف إلى استعادة المدرسة لدورها كفضاء للتحصيل والتفتح واستنبات القيم في نفوس الناشئة، ونشير في هذا الصدد باقتضاب إلى بعض هذه التدابير:
- التخفيف من الحصة الزمنية المخصصة لتدريس المواد بالتركيز على المعارف والكفايات الأساسية، ذلك أن الاهتمام وجب أن ينصب أساسا على المعارف والموارد التي سيحتاجها المتعلم من أجل تنمية الكفاية الأساسية. فالهدف الأساس من العملية التعليمية التعلُّمية في تصورنا يتمثل في إكساب المتعلم القدرة على الفعل في مواجهة الوضعيات المشكلة، لا حشو ذهنه بعدد المعلومات والمعارف التي لا يستطيع استنفارها واستثمارها في حل المشكلات التي تواجهه.
- تخصيص غلاف زمني لأنشطة الدعم البيداغوجي، فأسابيع الدعم والتثبيت العامة والخاصة ليست كافية في تصورنا لتجاوز الاختلالات والنقائص في تعلُّمات التلاميذ المتعثرين، الذين ينبغي أن يستفيدوا من حصص إضافية تُخصَّص لدعم الموارد المكتسبة خلال أسابيع إرساء الموارد، وكذا الاشتغال على وضعيات إدماجية تستهدف إقدار المتعلم على استحضار ودمج موارده وقدراته من أجل حل الوضعيات التعليمية التعلُّمية، ولعل هذه التدابير المقترحة المتعلقة بتخصيص حصص للدعم البيداغوجي يشرف عليها أستاذ متفرغ من شأنها أن تسهم في دعم المبادرات والمجهودات المبذولة من أجل محاربة التأخر والفشل الدراسيين وبالتالي المساهمة في الحد من الهدر المدرسي.
- إذا كان المقترح المتعلق بجعل الدعم البيداغوجي مهمة مستقلة يتولى القيام بها أستاذ متفرغ، هو في نظرنا اليوم ضرورة، فإن تطوير أنشطة التفتح الذاتي (أو ما يسمى بالأنشطة الموازية أو الأنشطة اللامنهجية) وتكليف إطار تربوي بها، هو أمر بالغ الأهمية، فالمدرسة المغربية اليوم مطالبة بخلع ذلك الثوب التقليدي باعتبارها فضاء للتعلم والتحصيل فحسب، لتتحول إلى مكان تتفتق فيها القدرات، وتظهر فيه الإمكانيات، وتبرز فيها مواهب المتعلمين والمتعلمات الذين لا يجدر بنا أن نميز بينهم على أساس الذكاء المعرفي فحسب، ذلك أن من المتعلمين – وفق ما تؤكد عليه نظرية الذكاءات المتعددة- من يمتلك ذكاء معرفيا ومنهم من يمتلك ذكاء لغويا أو منطقيا رياضياتيا أو موسيقيا أو غيره من الذكاءات، غير أنه لا يمكن الكشف عن هذه الذكاءات وتعزيزها إلا بتوفير بنية تربوية داخل المدرسة المغربية قادرة على احتضان المواهب وتنميتها وتأطيرها وتوجيهها في الاتجاه الصحيح.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن تدريس التربية البدنية بالمدرسة الابتدائية العمومية المغربية يواجه صعوبات جمة ترتبط أساسا بالتكوين الأساس للأساتذة الذين لا يستفيدون من تكوين متين في هذه المادة بالنظر إلى تعدد المواد وتشعب التخصصات في التعليم الابتدائي، ثم غياب بنية تحتية رياضية في المدارس الابتدائية لاسيما المدارس القروية التي يتم إحداثها في أماكن نائية، ولهذا وجب على الدولة ممثلة في وزارة التربية الوطنية إيلاء مادة التربية البدنية الأهمية نفسها التي توليها لباقي المواد، لما لهذه المادة من أدوار تربوية هامة وآثار إيجابية على صحة المتعلم الجسدية والنفسية وعلاقاته الاجتماعية.
إن كل هذه التدابير المقترحة التي لا تنحصر داخل أسوار الفصل فحسب، كفيلة بتقوية إحساس المتعلم بالانتماء، وهذا من شأنه أن يرفع من منسوب ثقته بنفسه وبالآخر وبالمؤسسة التعليمية، ويدفعه إلى بذل الجهود من أجل التعلم وكذا الارتباط بمؤسسته وعدم مغادرتها رغم المعيقات التي قد تواجهه أثناء رحلة التعلم، ذلك أن التلاميذ – كما يشير إلى ذلك – تقرير Pisa الصادر عن الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي- “يتعلمون بشكل أفضل إذا كانت جودة المناخ الدراسي مرتفعة بما في ذلك من تقدير وتحفيز”[29].
إن الهدف من الأنشطة البيداغوجية وأنشطة الدعم التربوي وكذا الأنشطة الموازية، هو الحد من الإحساس بالعزلة والاغتراب أو الإقصاء الذي قد يتسرب إلى نفوس المتعلمين، مما يكون سببا في التأخر والفشل الدراسيين وكذا الهدر المدرسي، وقد أكدت الدراسات أن “بعض المتعلمين لديهم إحساس أقوى بالانتماء بالمقارنة من نظرائهم، هذا الإحساس الذي يرتبط بمناخ الانضباط والمشاركة في الأنشطة الموازية المدرسية، ودعم المدرسين، وكذا الأمن داخل الوسط المدرسي”[30].
لا ينبغي النظر إلى قضية الإحساس بالانتماء إلى الوسط المدرسي باعتبارها ترفا فكريا أو قضية هامشية، بل هي معضلة لها تداعيات بعيدة مدى مرتبطة بمواصفات مواطن الغد الذي يُنتظر منه المساهمة في الإصلاح والبناء والانخراط في الجهد الجماعي من أجل الارتقاء بهذا الوطن إلى مصاف الدول المتقدمة، ولن يتأتى هذا المبتغى بمواطنين منعزلين وناقمين، وفاقدين للإحساس بالانتماء إلى هذا الوطن والاستعداد من أجل التضحية في سبيله. إن الإحساس بالانتماء له تداعيات عاجلة مرتبطة أساسا بالتحصيل والنجاح الدراسيين، إذ لا يمكن أن ننتظر من متعلم – بشكل عام – يعاني من صعوبات جمة على مستوى الاندماج داخل وسطه المدرسي أن يكون أداؤه أفضل على مستوى التحصيل الدراسي، وهذا ما يؤكد عليه تقرير Pisa، ذلك أن “ثمة علاقة إيجابية بين الإحساس بالانتماء إلى المدرسة والنجاح الدراسي، فالمراهقون الذين يحسون بأنهم جزء لا يتجزأ من جماعة القسم هم الأكثر تحفيزا داخل الوسط المدرسي، والأقدر على تحقيق أفضل النتائج الدراسية، بالمقارنة مع أولئك المتعلمين الذين لديهم إحساس أضعف بالانتماء”[31].
خاتمة :
إن العمل من أجل الرفع من نسب النجاح الدراسي ومحاربة الفشل والهدر الدراسيين، لا ينبغي أن ينصب فحسب على المناهج والبرامج وتكوين الأساتذة، بل لابد من الأخذ بعين الاعتبار تلك الصعوبات التي يجدها بعض المتعلمين في التأقلم مع فضاء المؤسسة التعليمية والاندماج ضمن نسيج جماعة القسم، هذه الصعوبات التي تؤثر سلبا على سيرهم الدراسي إذا لم يتم مواكبة هؤلاء المتعلمين وتأطيرهم ومساعدتهم على تجاوز العقبات التي تحول دون إحساسهم بانتماء قوي يشدهم إلى مؤسستهم ونظرائهم من المتعلمين الآخرين، ولا غرو أن المؤسسات الرسمية بوصفها المسؤولة عن تطبيق السياسة التعليمة مدعوة إلى التفكير في أفضل السبل الكفيلة بتيسير اندماج التلاميذ في محيطهم المدرسي، ولعل من أهمها في نظرنا إحداث خلية للدعم النفسي والاجتماعي في كل مؤسسة تعليمية يشرف عليها متخصصون تلقوا تكوينا عاليا في فهم وتفسير ومعالجة مختلف الاضطرابات والاختلالات التي قد تظهر على سلوكيات المتعلمين، وذلك بالتعاون والتشاور بطبيعة الحال مع مختلف الفاعلين التربويين في المؤسسة وعلى رأسهم المدرس الذي ينبغي أن يجد في هؤلاء الأطر التربوية عونا وسندا له على أداء مهمته، التي تقتضي منه كذلك أن يكون متحمسا ومنفتحا ومستعدا للتعاون والتنسيق مع باقي الأطراف، لأن الهدف الذي يسعى إليه الجميع هو صياغة شخصية ووعي وفكر مواطن مسلح بالمعارف والمهارات والقدرات اللازمة التي تمكنه من تحقيق أفضل الإنجازات، وذلك لما في صالحه الذاتي وصالح وطنه.
قائمة المصادر والمراجع :
- باللغة العربية
- الكتب:
- ابن منظور جمال الدين، لسان العرب، دار صادر – بيروت، ط.3، سنة 1414 هـ.
- أحمد مختار عبد الحميد وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، ط.1، سنة 1429 هـ\ 2008 م.
- الداهري صالح حسن أحمد، سیكولوجیة الإرشاد النفسي المدرسي – أسالیبه ونظریاته، ط.1، دار صفاء للنشر والتوزیع، عمان، سنة 2008.
- عبد الرحمان سيد سليمان وصفاء غازي أحمد، المتفوقون عقليا ( خصائصهم – اكتشافهم- تربيتهم- مشكلاتهم)، مكتبة زهراء الشرق، مصر، سنة 2001.
- لمعان مصطفى الجلالي، التحصيل الدراسي، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط.1، سنة 2011.
- لورنس كورنو، ألان فرنيو، الخطاب الديداكتيكي، أسئلته ورهاناته، ترجمة عبد اللطيف المودني وعزالدين الخطابي، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، سنة 2003.
- مجمع اللغة العربية بالقاهرة ( إبراهيم مصطفى – أحمد الزيات- حامد عبد القادر – محمد النجار)، دار الدعوة.
- موكييلي روجي، التواصل البيداغوجي، ضمن جاكوبسون، مونان، موكييلي، هابرماس وآخرون، التواصل، نظريات ومقاربات، ترجمة عزالدين الخطابي وزهور حوتي، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، سنة2007 .
- ناديا هايل سرور، مدخل إلى تربية المتميزين والموهوبين، ط.2، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، سنة 2002.
- الدوريات والمجلات:
- حداد عفاف شكري، الخصائص السلوكیة للطلبة المتمیزین، مجلة مركز البحوث التربویة، العدد الخامس عشر، السنة الثامنة، قطر، سنة 1999.
- باللغات الأجنبية:
- الكتب:
- Chamberland G, Provost G (1996), Jeu – simulation et jeu de rôle, presses de l’université du Québec
- Jeanine F, (1974) Du contrat pédagogique. Paris, Dunod.
- Rapport national PISA 2018, Décembre 2021, Instance Nationale d’Évaluation auprès du Conseil Supérieur de l’Éducation, de la Formation et de la Recherche Scientifique. Sous la direction de Rahma Bourqia, et la contribution de Amina Benbiga, Fatima Berahou, Sanaa Cheddadi.
- الدوريات والمجلات:
- Bear, G. O., Gaskins, J. B., & Chen, f. (2011). Delaware school climat survey student: its factor structure can current validity and reliability. Journal of school psychology, Vol (49).
- Booker, K. G. (2007), Likness, comfort, and tolerance: examining African American Adolescents sense of school belonging. The Urban Review, Vol.39, No.3.
- Galliher, R. V, Rostosky, S. S, & Hughes, H. K. (2004). School belonging, self esteem and depressive symptoms in adolescent: An Examination of sex, Sexual Attraction status and urbanicity. Journal of youth and adolescence, Vol (33), No(3).
- Louis-Philippe Boucher et Joseph Morose. (1990), Responsabilisation et appartenance, la dynamique d’un projet éducatif. Revue des sciences de l’éducation, 16 (3).
- Parker, E. C. (2010). Exploring student experiences of belonging within an urban high school choral en semble: an action research study. Journal of Music Education Research, Vol (12). No(4).
- Xin, M. (2003). Sens of Belonging to Schools: can schools make a difference? Journal of Educational Research, Vol (96), No(6).
[1] ابن منظور جمال الدين، لسان العرب، ( مادة: فوق)، دار صادر – بيروت، ط.3، سنة 1414 هـ، الجزء: 10، ص316.
[2] مجمع اللغة العربية بالقاهرة ( إبراهيم مصطفى – أحمد الزيات- حامد عبد القادر – محمد النجار)، دار الدعوة، الجزء الثاني، ص.706
[3] أحمد مختار عبد الحميد وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، ط.1، سنة 1429 هـ\ 2008 م، الجزء الجزء الثالث ص1754.
[4] حداد عفاف شكري، الخصائص السلوكیة للطلبة المتمیزین، مجلة مركز البحوث التربویة، العدد الخامس عشر، السنة الثامنة، قطر، سنة 1999، ص48.
[5] عبد الرحمان سيد سليمان وصفاء غازي أحمد، المتفوقون عقليا ( خصائصهم – اكتشافهم- تربيتهم- مشكلاتهم)، مكتبة زهراء الشرق، مصر، سنة 2001، ص17.
[6] لمعان مصطفى الجلالي، التحصيل الدراسي، دار المسيرة للنشر والتوزيع، عمان، ط.1، سنة 2011، ص73.
[7] ناديا هايل سرور، مدخل إلى تربية المتميزين والموهوبين، ط.2، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عمان، سنة 2002، ص 16.
[8] الداهري صالح حسن أحمد، سیكولوجیة الإرشاد النفسي المدرسي -أسالیبه ونظریاته، ط.1، دار صفاء للنشر والتوزیع، عمان، سنة 2008، ص 227.
[9] المرجع نفسه، ص 12.
[10] لمعان مصطفى الجلالي، التحصيل الدراسي، مرجع سابق، ص94 و99.
[11] ابن منظور جمال الدين، لسان العرب، ( مادة: نمو)، الجزء: 15، مصدر سابق، ص342.
[12] أحمد مختار عبد الحميد وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، الجزء:3، مرجع سابق، ص2289.
[13] Louis-Philippe Boucher et Joseph Morose. (1990), Responsabilisation et appartenance, la dynamique d’un projet éducatif. Revue des sciences de l’éducation, 16 (3), p415-431.
[14] Xin, M. (2003). Sens of Belonging to Schools: can schools make a difference? Journal of Educational Research, Vol (96), No(6), p341.
[15] Galliher, R. V, Rostosky, S. S., & Hughes, H. K. (2004). School belonging, self esteem and depressive symptoms in adolescent: An Examination of sex, Sexual Attraction status and urbanicity. Journal of youth and adolescence, Vol (33), No(3), P236.
[16] Parker, E. C. (2010). Exploring student experiences of belonging within an urban high school choral en semble: an action research study. Journal of Music Education Research, Vol (12). No(4), p430.
[17] Rapport national PISA 2018, Décembre 2021, Instance Nationale d’Évaluation auprès du Conseil Supérieur de l’Éducation, de la Formation et de la Recherche Scientifique. Sous la direction de Rahma Bourqia, et la contribution d’Amina Benbiga, Fatima Berahou, Sanaa Cheddadi., p109.
[18] Ibid, p110.
[19] Booker, K. G. (2007), Likness, comfort, and tolerance: examining African American Adolescents sense of school belonging. The Urban Review, Vol.39, No.3, P32.
[20] Bear G. O., Gaskins, J. B., & Chen, f. (2011). Delaware school climat survey student: its factor structure can current validity and reliability. Journal of school psychology, Vol(49), p160.
[21] Xin, M. Sens of Belonging to Schools: can schools make a difference? Op. Cit . p341.
[22] روجي موكييلي، التواصل البيداغوجي، ضمن جاكوبسون، مونان، موكييلي، هابرماس وآخرون، التواصل، نظريات ومقاربات، ترجمة عزالدين الخطابي وزهور حوتي، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، سنة2007 ، ص246.
[23] Jeanine F, (1974) Du contrat pédagogique. Paris, Dunod, P4.
[24] لورنس كورنو، ألان فرنيو، الخطاب الديداكتيكي، أسئلته ورهاناته، ترجمة عبد اللطيف المودني وعزالدين الخطابي، منشورات عالم التربية، الدار البيضاء، سنة 2003، ص67.
[25] Chamberland G, Provost G (1996), Jeu simulation et jeu de rôle, presses de l’université du Québec, p31.
[26] Chamberland G, Provost G (1996), Jeu simulation et jeu de rôle, Op cit, p 44..
[27] Ibid, p55.
[28] Chamberland G, Provost G (1996), Jeu simulation et jeu de rôle, Op cit, p57- 58.
[29] Rapport national PISA 2018, Décembre 2021, Instance Nationale d’Évaluation auprès du Conseil Supérieur de l’Éducation, de la Formation et de la Recherche Scientifique, Op cit, p112.
[30] Ibid, p111.
[31] Ibid, p112.