الجغرافيا والهدف من تدريسها: دراسة في مدركات الأساتذة المتدربين بسلك تكوين التعليم الابتدائي بالمغرب
Geography and the objective of its teaching: a study of the perceptions of teachers trained in the formation of primary education in Morocco
سعيد كمتي، أستاذ باحث، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بني ملال خنيفرة، المغرب
Said Kemti, Regional Center for Education and Training Professions, Beni Mellal-Khenifra, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 87 الصفحة 83.
Abstract:
This article presents the results of a study about the perceptions of primary trainee teacher’s when they access to the center of professions of education and training in Morocco. The study focuses on researching their perceptions held of geography as a school subject discipline in the curricula approved by the Ministry of National Education and Sports in different cycles of education, and to understanding the purposes of teaching geography. For this purpose, these teachers were asked to provide information’s on their qualifications, as well as their perceptions of the current curricula of geography in the primary school. A nominal group exercise which explored trainees test was also conducted to explore the trainees understanding for the purposes of teaching geography and the skills that they considered they brought to the teaching of the subject discipline. The results indicate that the trainees had a perception -orientated for general information’s about discipline and they did not appear to fully appreciate the breadth of the subject and the purpose of its teaching.
Keywords: geography; perceptions; trainee teacher’s, curricula, teaching.
ملخص:
يقدم هذا المقال نتائج دراسة حول المدركات السائدة عن الجغرافيا لدى الأساتذة المتدربين عند ولوجهم مسلك تكوين أساتذة التعليم الابتدائي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالمغرب، إذ ينكب على البحث في مدركاتهم حول الجغرافيا باعتبارها مادة مدرسة في المناهج المعتمدة من قبل وزارة التربية الوطنية والرياضة في مختلف الأسلاك التعليمية، ثم للتعرف على الهدف من تدريسها، لهذا الغرض طلب من هؤلاء الأساتذة تقديم معلومات عن مؤهلاتهم، وكذا مدركاتهم حول المناهج الدراسية الحالية للجغرافيا في السلك الابتدائية، كما تم القيام باختبار اسمي جماعي لاستكشاف فهم المتدربين لأغراض تدريس الجغرافيا والمهارات التي تعمل على بنائها عند تدريسها، تشير النتائج إلى أن المتدربين لديهم تصور موجه نحو المعلومات العامة والإخبارية عن الجغرافيا كما أنهم ليسوا على دراية كافية في استيعاب الغاية من تدريسها.
الكلمات المفتاحيّة: الجغرافيا؛ المدركات؛ تكوين المدرسين، المناهج، التدريس.
يستمد التكوين الحالي في مادة الجغرافيا بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين منطلقاته من مرجعيتها التربوية والإبستمولوجية والديداكتيكية، إذ تشير العديد من الوثائق الرسمية إلى الأهمية التي تكتسيها المادة في اكتشاف المفاهيم والنظم التي تنطبق على البيئة الطبيعية والاجتماعية، ثم بالنظر إلى وظيفتها الأساسية في التنشئة الاجتماعية للمتعلمين، وفي الوعي بالقضايا المجالية، بالإضافة إلى دورها المفصلي في تمكين المتعلمين من أدوات التحليل والتفكير في الشأن المحلي والجهوي والوطني ثم العالمي، فالجغرافيا لم تعد مجرد مادة للحفظ، يتعين على المتعلم حفظها، وتذكر المعطيات الخاصة بأسماء الدول والمدن والأنهار والمعطيات الإحصائية…، بل أضحت منهجا للتفكير المجالي في مختلق القضايا المتعلقة بالتنمية والإعداد والتهيئة الترابية، وهي أيضا من بين المواد الأساسية التي تسهم في ترسيخ الهوية الوطنية في كل أبعادها ومشاربها الثقافية، وفي تشكيل الوعي بأهمية التنمية المستدامة.
تعتبر الجغرافيا مادة دراسية أساسية، ترافق المتعلمين في مختلف أسلاك التعليم المدرسي، انطلاقا بالمرحلة الابتدائية، ثم بسلك الثانوي الإعدادي وصولا إلى السلك الثانوي التأهيلي في مختلف شعب العلوم والآداب والعلوم الإنسانية، وهي أيضا من بين المواد التي يختبر فيها المتعلمون والمتعلمات في الامتحانات الإشهادية الخاصة بنيل شهادة البكالوريا جهويا ووطنيا.
لقد أشار المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي لسنة 2021 إلى أن مكون الجغرافيا يعمل على زيادة وعي المتعلم والمتعلمة بمحيطه الطبيعي والاجتماعي في إطار التفاعل معه، وأكد أيضا على أن التطرق إلى مفاهيم الجغرافيا في وضعيات مختلفة غايته جعل المتعلم يتموضع في محيطه من خلال استثمار الخرائط وتعرف المعطيات الطبيعية والبشرية والاقتصادية لوطنه والوعي بالمشاكل التي يعاني منها محيطه قصد التفاعل الإيجابي معه من خلال فهم أكثر دقة للمؤهلات والمشاكل واقتراح الحلول المناسبة.
وفي هذا الإطار تعد الجغرافيا، باعتبارها أحد مكونات الاجتماعيات، موضوع تكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بالنسبة لأساتذة سلك التعليم الابتدائي، إذ يتم تخصيص عدة مجزوءات في هذا الصدد تحدد ملامح كفايات تخرج الأساتذة المتدربين وأيضا متطلبات ومستلزمات التكوين الخاصة بالمادة.
وفي الواقع إنه رغم أهمية التكوين المعتمد في المادة، إلا أنه يطرح العديد من الإشكالات المتصلة بتوظيف أساتذة لديهم خلفية معرفية محدودة أو معدومة حول الجغرافيا[1]، أضف إلى ذلك أنهم لا يحصلون على التدريب الكافي أثناء التكوين نظرا لضعف الغلاف الزمني المخصص للمادة، كرس هذا الواقع مدركات متنوعة حول المادة، تتمحور حول اعتبارها مادة للاستئناس، أو عبارة عن ثقافة عامة، بالإضافة إلى ضعف الوعي بأهميتها في بناء الفكر النقدي والمجالي لدى المتعلمين والمتعلمات، وتسلط هذه النتيجة الضوء على ضعف اهتمام الأساتذة عموما بالعلوم الإنسانية في المرحلة الابتدائية، وخاصة بمادة الجغرافيا.
- إشكالية الدراسة:
تطرح هذه الدراسة إشكالية متصلة بمدركات الأساتذة المتدربين بسلك التعليم الابتدائي حول الجغرافيا في علاقتها بالتكوين الذي يتلقونه بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين الخاص بالمادة، وتثير بالتحليل والدرس تلك الصورة النمطية المشكلة حول الجغرافيا، والتمثلات المشكلة حولها وما يترتب عنه من تكريس لممارسات ديداكتيكية وبيداغوجية لا تحقق الغاية من اعتمادها في المنهاج الدراسي بالمرحلة الابتدائية، وفي هذا الإطار تطرح المدركات السائدة عن الجغرافيا عدة تساؤلات متصلة بالمعرفة المتحصلة حولها والهدف من تدريسها، أضف ذلك القضايا المتعلقة بالهوية المهنية والمهارات والمؤهلات التي من المفترض أن تتوفر في الأساتذة المتدربين قصد تدرس الجغرافيا.
- فرضيات الدراسة:
- يشكل الأساتذة صورة غير دقيقة حول موضوع الجغرافيا والغاية من تدريسها.
- تعكس مدركات الأساتذة المتدربين عدم تمكنهم من المعرفة الجغرافيا.
- تبين المدركات ضعف الاهتمام في التعليم الابتدائي عموما بالعلوم الإنسانية وخاصة الجغرافيا.
- الممارسة البيداغوجية والديداكتيكية تفرض التمكن من المعرفة الجغرافيا لتحقيق أهداف المنهاج التعليمي.
- منهجية وأدوات الدراسة:
تقوم المنهجية المعتمدة في هذه الدراسة على منهجية البحث المختلط، وهي منهجية لإجراء البحوث التي تنطوي على جمع وتحليل ودمج البحوث الكمية (تجارب، دراسات استقصائية…) والبحوث النوعية، ويستخدم هذا المنهج عندما يوفر هذا التكامل فهما أفضلا لمشكلة البحث[2] من اعتماد أي منهج أحادي التحليل، سواء كان كميا أو نوعيا، فمنهجية البحث المختلط تتيح للباحث الوقوف عند مختلف أبعاد الموضوع المدروس، وتحليلها بشكل أفضل عما يحدث في البحوث الكمية أو النوعية[3].
وفي هذا الإطار، وارتباطا بموضوع الدراسة، فقد تم توظيف طرق بحث مختلطة استكشافية لرصد وتحليل تمثلات عينة من الأساتذة المتدربين في مسلك تكوين أساتذة مسلك التعليم الابتدائي خلال سنتي 2021 و2022. ولتحقيق هذا الغرض فقد تم تنظيم البحث الميداني عبر مرحلتين أساسيتين:
- المرحلة الأولى: خلالها تم جمع بيانات عامة حول المؤهلات الجغرافية للمتدربين، من خلال القيام بتقويم تشخيصي لهذه المؤهلات والقدرات، بالإضافة إلى تصوراتهم حول ما يمكن أن يدرسه المتعلمون والمتعلمات في مادة الجغرافيا، والمواضيع ذات الأفضلية التي يمكن أن تكون موضوع دروس ضمن المنهاج الدراسي، كما تم توجيه سؤال استكشافي للمتدربين حول تعريف الجغرافيا والمواضيع التي تهتم بدراستها.
- المرحلة الثانية: تم خلالها تقليص عينة البحث لتشمل مجموعة مصغرة من الأساتذة، أجريت معها عملية جماعية اسمية TGN[4]بغية استكشاف أغراض تدريس الجغرافيا في المرحلة الابتدائية والمهارات والقدرات التي تعمل الجغرافيا على بنائها وترسيخها لدى المتعلمين والمتعلمات.
فيما يخص بناء الاستمارة، فقد صممت بشكل منظم، وانكبت على البحث في المؤهلات الجغرافية للمبحوثين عند ولوجهم المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، كما تضمنت سؤالا مفتوحا حول المواضيع التي يعتقدون أن المنهاج المعتمد من قبل وزارة التربية الوطنية والرياضة يغطيها في سلك التعليم الابتدائي، واعتمادا على تقنية تحليل المحتوى، تم تجميع المواضيع المشابهة والمشتركة بين المبحوثين بغية تحليلها، وفي الأخير طلب من الأساتذة المتدربين ترتيب المواضيع المفضل تدريسها في المرحلة الابتدائية، كما رافق استخدام الاستمارة، توظيف المقابلة العفوية لاستنباط التمثلات المشكلة حول مادة الجغرافية.
- الإطار النظري لموضوع الدراسة:
لقد اهتم كل مارتن[5] و كاتلين[6] بالبحث في مدركات المدرسين المتدربين عن الجغرافيا في المرحلة الابتدائية، على الرغم من أنهما لم يهتما بدراسة وتحليل المواضيع المتصلة بطبيعتها والغرض من تدريسها، فقد ركزا على مدركات الطلبة الذين هم في طور التكوين من أجل تدريس الجغرافيا في المدارس الثانوية.
بالإضافة إلى الدراستين السابقتين، نذكر هنا الأبحاث التي أجرها بارات هاكين[7] مع الأساتذة المتدربين في المرحلة الثانوية بهدف رصد مدى تمكن المتدربين من المعرفة الجغرافية في بداية تكوينهم، ومن تمة النظر في تأثير ذلك على تكوينهم المهني، خلصت هذه الأبحاث إلى أن الإدراك حول الجغرافيا مستمد من إحساس المشاركين بالنظر إلى خبراتهم الشخصية واهتماماتهم وأيديولوجيتهم حول الموضوع[8]، كما تم تحديد العديد من وجهات النظر، تظهر الشعور بالانضباط لدى العديد من المبحوثين في المادة، سيما في الجوانب المتعلقة بموضوع البيئة، وتبين أن المشاركين في الدورة التكوينية، يعتبرون أنفسهم جغرافيون لهم أيديولوجية ومصالح مميزة[9].
وعلى الرغم من أهمية النتائج المتوصل إليها في هذا الإطار، إلا أنها تتناقض مع الممارسة المهنية للأساتذة عندما يقومون بتدريس المادة، وهذا يتعارض هذه مع النتائج التي تفيد، من خلال مدركات المدرسين، أن هناك اقتناع جغرافي حول المادة، ويرى بارات هاكين أن هذه النتائج تتفق مع ما توصل إليه كالدير هيد [10]في كون المعلمين الذين خضعوا للتأهيل حديثا لديهم بعض المشاكل المتعلقة بالثقة في النفس ويعتمدون بشكل كبير على الممارسات المرصودة أو الملاحظة بدلا من أفكارهم الخاصة.
وفي نفس الإطار انكب والفورد[11] على دراسة هذا الموضوع عندما أجرى بحثا مع المتدربين المتخصصين في الجغرافيا في المرحلة الثانوية للدراسات العليا في بداية دوراتهم التكوينية على مدار أربع سنوات بين عامي 1990 و1994، بحيث طُلب من كل طالب تقديم تعريف قصير لكلمة “الجغرافيا”، ثم عمل على تصنيف المعطيات وتحليلها وعليه، خلص والفورد إلى رفض التصنيفات التي ركزت على خصائص الكلمات والعبارات المستخدمة في تحليل النتائج، وخلص إلى أنها لا تسمح باكتشاف “المواقف المختلفة للمشاركين في البحث وإلقاء الضوء عليها”[12]، وكان من نتائج هذه الدراسة أنه على الرغم من الحضور القوي للتحليل المكاني الإيجابي في مدركات الطلبة، إلا أن نسبة كبيرة منهم يصيغون تعريفاتهم للموضوع بطريقة صعبة، وفي هذا الصدد دعا إلى إجراء مزيد من البحث في الطريقة التي تؤثر بها التصورات الفلسفية والسلوكية على مدرسي الجغرافيا المحتملين على تعليمهم اللاحق وقراراتهم اللاحقة في مجال سياسة المناهج الدراسية”[13]، كما تساءل عما إذا كان الخريجون من خارج الجغرافيا سيتبنون وجهات نظر مماثلة أم لا.
وعلى خلاف دراسة والفورد، فقد اتجه مارتن نحو دراسة عينة من المتدربين في المدارس الابتدائية، وفي هذا الإطار ركز على التعاريف التي أعطها المدرسون المتدربون للجغرافيا، إذ درس العلاقة بينها والأساليب المعتمدة في تدريسها، تمثلت أهم النتائج التي خلصت إليها هذه الدراسة في أن العديد من المتدربين كانت آراؤهم محدودة حول المادة، وبينت الترابط التقليدي بين الشقين الطبيعي والبشري، أظهرت أيضا المقارنة بين خرجي الجغرافيا وغيرهم، أن العديد من المتدربين لهم وجهات نظر ضيقة حول المادة، بحيث كانت هناك مجموعة صغيرة لم تكن مدركاتها حول الجغرافيا أكثر تفصيلاً مما كانت عليه عند غير الجغرافيين.
وهكذا يبدو أن دراسة صورة الجغرافيا عند المتدربين والخطط اللاحقة التي أنتجوها من أجل تدريسها، توضح أن “الخبرة في موضوع ما لا تعني الخبرة كمدرس للموضوع”[14]، بالإضافة إلى ذلك، فقد توصل إلى أن الطلبة يحملون صورتين حول الموضوع، وهما الجغرافيا باعتبارها مادة تخصصية والتربية الجغرافية، ويبدو أن النتائج المستخلصة من هذا البحث تشير إلى أن الأفكار المتعلقة بالتربية الجغرافية لها تأثير أقوى على تعليم الطلبة للجغرافيا في سلك التعليم الابتدائي في مدركات المبحوثين حول الجغرافيا أكثر من اعتبارها مادة تخصصية في حد ذاتها.
عمل كل من برادبير، هيلي وكنال[15] على استكشاف مفاهيم الجغرافيا للطلبة الجامعيين من أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة للتعليم والتعلم والجغرافيا باستخدام الفينومينوغرافيا[16]، وبينت النتائج أنه ليس هناك اختلافات جوهرية بين المجموعة، بل دعمت النتائج تلك التي توصل إليها مارتون ودالبا وبيتي[17]، فقد أظهرت خمس مفاهيم مختلفة يحملها المشاركون حول الجغرافيا، وتراوحت هذه المفاهيم بين الدراسة العامة جدا للعالم، أو دراسة الأبعاد الفيزيائية والبشرية المتميزة للعالم، ثم الجغرافيا باعتبارها تفاعلات بين الإنسان والبيئة، أو التنظيم المكاني، أو التمايز المجالي والمكاني.
وفي السنوات الأخيرة، أجرى ألكيس[18] بحثا حول مدركات الأساتذة المتدربين عن الجغرافيا في المرحلة الثانوية بتركيا، حيث كانت النتائج مماثلة لتلك التي توصل إليها برادبير وآخرون[19] وكاتلين، والتي تم التأكيد من خلاله مرة أخرى على الصلة التقليدية للجغرافيا بين ما هو طبيعي وبشري، بالإضافة إلى أن المتدربين لديهم “إدراك مبسط نسبيا حول الجغرافيا، باعتبارها دراسة العالم من حولنا”[20]، ومن النتائج الهامة التي توصلت إليها هذه الدراسة هيمنة وجهة النظر البيئية لأسباب تتعلق بالغرض من تدريس الجغرافيا، فقد ركز الطلبة على الانشغالات البيئية وقضايا الاستدامة، كما خلصت إلى أن هيمنة وجهة النظر هذه متصلة في جزء كبير منها بالمنهاج الجغرافي الجديد في تركيا، والذي يركز بشكل أساسي على التربية البيئية، ويشمل التعلم عن التنمية المستدامة، كما أكدت دراسة أليكس النتائج التي توصل إليها مارتن والمتمثلة على ما يبدو في كون المبحوثين الذين شملهم الاستطلاع لا ينظرون إلى الجغرافيا على أنها موضوع مترقم الأبعاد.
- نتائج ومناقشة:
- مدركات المتدربين حول مواضيع الجغرافيا.
حدد الأساتذة المتدربون مواضيع متنوعة للجغرافيا (جدول رقم 1)، بحيث شملت العديد من المجالات والعناصر التي تشتغل عليها المادة، فقد اهتم أزيد من 32% بالمواضيع الطبيعية، ثم البشرية بنسبة تجاوزت 19%، يأتي من بعدها المكونات الثقافية بأكثر من 12%، يليها المناطق المحلية بنسبة تعدت8%، ثم الخرائط والكوارث والوحيش والبيئة.
جدول رقم 1: موضوع الجغرافيا في مدركات الأساتذة المتدربين. | ||
المواضيع | أمثال على محتوى | النسبة% |
الطبيعية | الأنهار، السواحل، التعرية، دورة المياه، المناخ | 32,10 |
البشرية | السكان، السياحة، المجالات الريفية والحضرية، النمو الديمغرافي | 19,75 |
الثقافية | حياة الشعوب، الغذاء، الوظائف، | 12,35 |
المنطقة المحلية | حينا، مدينتنا، قريتنا | 9,88 |
الأماكن | البلدان، العواصم، القارات، المدن، القرى | 8,64 |
الخرائط | شبكة، تصميم، البوصلة | 6,17 |
الكوارث | البراكين والزلازل، العواصف، الفيضانات | 4,94 |
الوحيش | الحيوانات، الحياة البرية | 3,70 |
البيئية | المنظومات البيئية، السلاسل الغذائية | 2,47 |
المصدر: نتائج البحث الميداني2021-2022.
إن قراءة متأنية في النتائج الواردة في الجدول رقم (1)، تجعلنا نقف عند الملاحظات التالية:
- أن العناصر الطبيعية هي المهيمنة على تصورات الأساتذة المتدربين، وهي نتيجة تفسر بالتمثلاث المشكلة حول المادة، لأن العديد من المتدربين حاصلون على إجازة في علم الاقتصاد أو التدبير وعلوم الحياة والأرض، لذا يتم، في الغالب، ربط المادة بالموارد الطبيعية.
- أن هناك حضور للجغرافيا البشرية باعتبارها أحد الفروع المشكلة للمادة على الرغم من أن المستجوبين لم يعبروا عن ذلك بشكل صريح.
- أن العناصر الأخرى المرتبطة بالمادة هي في الغالب عبارة إما عن أدوات تستعملها الجغرافيا في دراسة المجال أو وسيلة تعبير ضمن الخطاب الجغرافي مثل الخرائط.
- تركيز بعض المتدربين على بعض القضايا التي تعنى بها الجغرافيا، مثل موضوع البيئة، أو الكوارث الطبيعية والبيئية أو الثقافة…
- حضور مفاهيم يوظفها الجغرافي في إنتاج خطابه المميز له، فبعض الآراء لا تعبر عن الموضوع الأساسي للجغرافيا، فهي عبارة عن مفاهيم تسم الخطاب الجغرافي، وعلى سبيل الذكر لا الحصر السلاسل الغذائية، المدن، القرية، الفيضانات…
- صورة الجغرافيا في مدركات الأساتذة المتدربين.
يظهر تحليل المعطيات المحصل عليها أنها تتقاطع مع ما توصل إليه كاتلين في تحديد فئتين من المتدربين حول صورة الجغرافيا في مدركاتهم وهما: التفاعلية والمكانية، كما تظهر النتائج الفئة التركيبية التي أضافها ولفورد إلى تصنيف كاتلين، وهي فئة تظهر أن مدركات الأساتذة المتدربين حول موضوع الجغرافيا واسع يتضمن عناصر مترقمة، ومن الأمثلة الدالة على ذلك نجد العبارات الآتية الجدول رقم (2):
جدول رقم(2): تصنيف صورة الجغرافيا في مدركات الأساتذة. | |
الفئة | العبارات الدالة عليها |
التفاعلية | كيف نؤثر على الأرض، التفاعل بين الإنسان والبيئة |
المكانية | دراسة المنطقة / البلد / الخرائط والأماكن |
التركيبية | دراسة الأرض والناس في العالم الذي نعيش فيه، وتهدف إلى المساعدة في فهم الثقافات المختلفة وتساعد المرء على فهم الظواهر الاجتماعية والبيئية والاقتصادية والسياسية… |
المصدر: نتائج البحث الميداني، 2022-2021.
بالعودة إلى البحث الذي أجراه كاتلين، وعمل ألكيس على إعادته، يتبين أن هناك فئتين مترابطتان لكنهما مختلفتين من حيث المنظور، فالفئة الأولى تتسم بمنظورها العالمي للجغرافيا، أما الثانية فلها اتصال وثيق بالمنظور الأرضي، وانطلاقا من هذين المنظورين ثم تحديد فئتين أساسيتين تتعلقان بهما إلا أنهما مختلفتين تمامًا، وهكذا نجد الفئة الأولى التي تهتم أساسا بالكشف عن الحقائق العالمية، وينطبق هذا التصنيف على الأساتذة المتدربين الذين كانت مدركاتهم حول الجغرافيا على أنها اكتشاف للحقائق حول العالم وخصائصه البشرية والطبيعية وبيئاته وبلدانه، ومن العبارات الدالة على هذه الفئة نجد أنه يتم تحديد تعريف الجغرافيا كما يلي: “هي دراسة العالم في جميع المجالات”، “هي معرفة العالم الذي نعيش فيه”، “هي مادة تعلمك عن العالم”.
أما الفئة الثانية ذات الصلة بالفئة الأولى السالفة الذكر، فإن مدركاتها تتمحور حول وصف الجغرافيا بأنها دراسة الأرض، وخصائصها المادية والبشرية وبيئاتها والقوى والعمليات التي تساهم في تشكيل الأرض، وقد تم تصنيف العبارات في هذه المجموعة فقط عند استخدام كلمة عمليات أو قوى، هذه الفئة مشابهة لتلك التي وصفها كاتلين بأنها تهتم بدراسة الأرض، وتشير المعطيات المتحصلة إلى أن العبارات الدالة على هذه الفئة ترتبط بشكل قوي بكلمة قوى أو عمليات، ومن العبارات الدالة على ذلك نجد ما يلي: “دراسة كيفية عمل العالم الطبيعي”، “معرفة كيف يعمل العالم”، دراسة “حول كيفية تشكيل الأرض وتغييرها”
كما أظهرت النتائج فئة واحدة فريدة في هذا البحث، تعبر عن المتدربين الذين لم يشيروا إلى أي معرفة أو فهم للمفاهيم أو الموضوعات الجغرافية، ولكنهم حددوا وظائف الجغرافيا في توفير فرصة للتلاميذ للتفاعل مع البيئة واستكشاف الأماكن الخارجية وجمع المعطيات، ترى هذه المجموعة أن الجغرافيا تيسر على الإنسان استكشاف الأماكن والاندماج مع البيئة، ومن العبارات الواردة في هذا الصنف نجد: “تمنح فرصة للمتعلمين على استكشاف العالم من خلال أنشطة مختلفة، واكتساب المعلومات بناءً على النتائج التي توصلوا إليها”.
أبانت النتائج المتحصلة من البحث الميداني أن رقم قليل من الطلاب 5٪ لم يعطوا أي تعريف للجغرافيا، أو قدموا استبيانا لا يحتوي على أي إشارة إلى المحتوى الجغرافي 6٪، ويرتبط في الغالب هذا المعطى بشعورهم الشخصي تجاه الموضوع، فعلى سبيل المثال هناك من عبر عن كونها “معقدة ومملة” أو “مادة تقوم على الحفظ وتتضمن معلومات كثيرة”، تفتح هذه المجموعة المجال على الاهتمام بهذه الإشكالية في الدراسات القادمة، وهي مناسبة لمتابعة سبب شعور بعض الطلاب بهذه المشاعر تجاه الجغرافيا.
ونخلص من خلال تحليل النتائج هيمنة مجموعة واحدة من الأفكار حول الجغرافيا من منظور اكتشاف الحقائق العالمية، إن التمييز بين هذه المجموعة وتلك الخاصة بمنظور المعالج العالمي غير دقيق لدرجة أنه يمكن إدراجهما ضمن منظور واحدا، أي منظور الطالب المتدرب الذي يدرك أن الجغرافيا هي دراسة فقط للعالم الذي نعيش فيه، وهي نتائج تتوافق مع ما توصل إليه كل من ولفورد ومارتن وكاتلين وألكيس بخصوص أن غالبية الطلاب يرون أن الجغرافيا معنية بالأبعاد الطبيعية والبشرية للبيئة، على اعتبار أن العالم الذي نعيش فيه يجمع كل هذه المكونات.
تم تصنيف أيضا نسبة ضعيفة من الطلاب وصلت إلى 4,1٪ من العينة على أنهم يهتمون بحماية البيئة، فقد اعتبروا أن الجغرافيا معنية بتأثير البشر على البيئة، بحيث كان هناك على الأقل بعض الطلاب الذين أدركوا أن التركيز الأساسي في الجغرافيا يجب أن ينصب على القضايا البيئية والاستدامة، وعلى عكس ما توصل إليه الباحثون في هذا المجال، فإن النتائج المتحصلة لم تتضمن أي طالب ينتمي إلى المجموعة تهتم بقضايا البيئة، رغم أن خمسة مبحوثين أشاروا إلى مفهوم الاستدامة ولكن ضمن تعريف أوسع، كما أنهم لم يدرجوها ضمن الانشغالات الأساسية للجغرافيا، لقد شكلت هذه الخلاصة مفاجأة كبيرة نظرًا للاهتمام المتزايد بالقضايا البيئية والتركيز على معرفة وفهم التغيير البيئي والتنمية المستدامة في المناهج الدراسية بمختلف أسلاك التعليم بالمغرب، وتشير هذه الخلاصة إلى أن الطلبة لا يعتقدون أن الجغرافيا لها دور أساسي في تمرير القيم المتصلة بالبيئة والاستدامة.
تم التوصل إلى أن نسبة 81٪ من العبارات التي تم تحليلها هي قصيرة وتحتوي فقط على مفردات محدودة ومبسطة، وترتبط هذه النتيجة في الغالب بالوقت الضيق لتعبئة الاستمارة، وتتوافق هذه الخلاصة مع نتائج دراسة أليكس، إذ أن 15٪ من العينة المبحوثة أعطت مفهوما وتعريفا مبسطا نسبيًا للجغرافيا، غير أن المقابلات الشخصية مع المشاركين كشفت عن فهم أوسع للموضوع مما توحي به التعريفات الواردة في الاستمارة، كما أن ما تم التعبير عنه ليست أكثر من انعكاس للتمثلات المشكلة عن المادة في بداية التكوين، إضافة إلى أن المشاركين في هذا البحث حاصلون على شهادات جامعية غير متخصصة في الجغرافيا (رسم بياني رقم1)، وتجدر الإشارة إلى أن ثلاث طلبة فقط هم متخصصين في الجغرافيا، وهذا قد يكون مؤشرًا على نقص الفهم و/أو المشاركة في الموضوع خلال المراحل السابقة من تعليم الأساتذة المتدربين.
رسم بياني رقم (1): تخصصات الشهادات الجامعية الأساتذة المتدربين بسلك تكوين التعليم الابتدائي.
المصدر: نتائج تفريغ الاستمارة2021-2022.
وعلى الرغم من أهمية النتائج المتوصل إليها في هذه الدراسة، إلا أنه يجب توخي الحذر عند تفسيرها لأنها لا تعطي أي مؤشر على كيفية تأثير الخصائص الفردية للمتدربين أو تجاربهم على مدركاتهم، وفي هذا المضمار أكد كل من بروكس[21] وهوبوود[22] على ضرورة أخذها بعين الاعتبار، إذ لا شك في أن بعض المشاركين في هذه الدراسة قد تأثروا بتجاربهم الشخصية من خلال تشجيعهم على السفر مثلا أو المغامرة في اكتشاف مناطق جديدة والتعرف على الثقافات المختلفة، كما سلطا الضوء على أن العينة في الجغرافيا المدرسية ستكون مختلفة تماما عم تم التوصل إليه في هذه الدراسة بشكل كبير.
- مدركات أساتذة التعليم الابتدائي حول الهدف تدريس الجغرافيا.
تم جمع البيانات حول ما الهدف أو الأهداف الأساسي(ة) من تدريس الجغرافيا، إذ طُلب من المشاركين إكمال عبارة بداية الجملة “أعتقد أن الهدف أو الأهداف من تدريس الجغرافيا في السلك الابتدائي هو/هي …”، فمن خلال تحليل أجوبة المشاركين، تم تجميعها في فئات لها مدركات متشابهة في هذه النقطة، بحيث تم التوصل إلى أن الاختلاف في طريقة جمع البيانات يجعل المقارنة المباشرة بن نتائج كاتلين وألكيس أكثر صعوبة؛ بالإضافة إلى أنها تظهر العديد من الموضوعات المتشابهة والمتناقضة في الوقت نفسه.
وتؤكد النتائج الواردة في (الجدول 3) تكرر المنظور المتعلق بقضايا العالم لدى الأساتذة المبحوثين، وهي نفس النتيجة التي توصل إليها كاتلين، إذ ينظر إلى الجغرافيا بأنها دراسة للعالم الذي نعيش فيه، وهذا الهدف يهيمن على تدريس الجغرافيا في السلك الابتدائي، كما يحظى المنظور التفاعلي باهتمام كبير ضمن الأهداف الأساسية من تدريس الجغرافيا، وخاصة التفاعل بين المجالين الطبيعي والبيئي، ومن الملاحظ أن المشاركين ركزوا كذلك على المنظور التركيبي، واعتبروا الهدف الأساسي من اعتماد تدريسها هو القدرة على التركيب بين مكونات المجال بغية تحقيق التنمية والعيش المشترك والوعي بالأخطار المحدقة بالبيئة، كما اعتبرها البعض وبنسبة ضعيفة تيسير سبل عيش المتعلمين.
جدول رقم 3: مدركات الأساتذة المتدربين حول الهدف من تدريس الجغرافيا. | ||
المنظور | تعريف الجغرافيا | النسبة % |
العالمي | دراسة ومعرفة وفهم العالم، وخصائصه البشرية الطبيعية وبيئاته ودول العالم. | 38,27 |
التفاعلي |
المصدر: تفريغ نتائج البحث الميداني 2022-2021-
وإذا كانت هذه المدركات حول الهدف من تدريس الجغرافيا يطرح عدة إشكالات على مستوى تحديد الهدف المحوري لتدريس الجغرافيا، باعتبارها تعمل على زيادة وعي المتعلم والمتعلمة بمحيطه الطبيعي والاجتماعي في إطار التفاعل معه، وأيضا على دورها في ترسيخ مفاهيم الجغرافيا في وضعيات مختلفة تجعل المتعلم يتموضع في محيطه من خلال استثمار الخرائط وتعرف المعطيات الطبيعية والبشرية والاقتصادية لوطنه والوعي بالمشاكل التي يعاني منها محيطه قصد التفاعل الإيجابي معه من خلال فهم أكثر دقة للمؤهلات والمشاكل واقتراح الحلول المناسبة.
- مناقشة:
يبدو أن نتائج هذه الدراسة لا تخرج عن نتائج الدراسات التي تمت الإشارة إليها في ثنايا هذا المقال، ذلك أن مدركات الأساتذة المتدربين حول الجغرافيا تقتصر على الإدراك الموجه نحو المعلومات حول موضوع الجغرافيا الذي يركز على المواضيع البشرية والطبيعية للعالم والعلاقة المتبادلة بينهما، وقد تم التوصل إلى أن العلاقات المتبادلة أقل وضوحًا عند المتدربين، ذلك أن غالبية الطلاب الذين ولجوا سلك تكوين أساتذة التعليم الابتدائي يرون أن الجغرافيا تدور في الغالب حول المعرفة وفهم العالم الذي نعيش فيه مع هيمنة المواضيع المرتبطة بالجغرافيا الطبيعية، على الرغم من أن جميع الطلاب درسوا الجغرافيا في مختلف أسلاك التعليم المدرسي بالمغرب.
تكشف مناقشة النتائج المتوصل إليها إن الإجابات التي قدمها أولئك الذين ليس لديهم أي مؤهلات أو تكوين أساس في الجغرافيا مماثلة للذين لديهم مؤهلات وتكوين تخصصي في المادة، وقد يكون هذا مؤشرًا على أنه عند ولوج مسلك تكوين أساتذة التعليم الابتدائي تكون المعرفة السابقة أقل أهمية مما كان يُعتقد سابقًا، ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم سؤال الطلاب عما إذا كانوا ناجحين في اجتياز اختبارات الجغرافيا الخاصة بهم خلال مرحلة التعليم المدرسي بمختلف أسلاكه.
يبدو أن المعلومات التي تم جمعها بخصوص آراء المتدربين حول ما يعتقدون أنه من الضروري تدريسه للمتعلمين خلال المرحلة الابتدائية في منهاج الجغرافيا، يقدم دليلاً إضافيًا على أن تصورات الأساتذة حول الجغرافيا عند ولوجهم مسلك تكوين أساتذة التعليم الابتدائي، تبقى ضيقة بالمقارنة مع المتطلبات الحالية للمنهج المعتمد سنة 2021، والتي تشمل بالإضافة إلى المعرفة والفهم حول أماكن معينة، المهارات الجغرافية والتربية المجالية، والتموضع في المجال، لكن بمقابل ذلك يستنتج من مقابلات المجموعة الاسمية أن المتدربون يقدرون ويفهمون مدى تشعب واتساع الموضوع.
من بين الخلاصات الأساسية الواردة في هذه الدراسة هيمنة الجغرافيا الطبيعية، فقد استخدم رقم كبير من الطلاب لغة تقنية مثل الانجراف، الشاطئ والصفائح التكتونية، الهضاب، التعرية… التي يبدو أنها مشتقة من تعليمهم في السلك الثانوي التأهيلي في مادتي الجغرافيا وعلوم الحياة والأرض، يشير هذا المعطى إلى أن الجغرافيا الطبيعية لها التأثير الأكبر على تعلمات الأساتذة المتدربين في مادة الجغرافيا، وتؤكد مقابلات المجموعة الإسمية الفهم غير الصحيح من تدريس الجغرافيا، ذلك أن معظم المبحوثين اندهشوا فيما يتعلق بالمهارات التي يُتوقع منهم التوفر عليها في تدريس منهاج الجغرافيا الحالي.
تبين النتائج أن رقم قليل من الطلبة أشاروا إلى القضايا البيئية، باعتبارها أحد المواضيع الأساسية التي تتناولها الجغرافيا، غير أن تحليل النتائج يوضح أن أغلبية المستجوبين في هذه الدراسة لا يعتبرون تشكيل الوعي البيئي لدى المتعلمين من بين الأهداف الرئيسية للجغرافيا خاصة القضايا المتعلقة بالاستدامة، ذلك أن المقارنة بين المفاهيم الجغرافية التي يتبناها الأساتذة المتدربون والفهم التي يشكلونه حول أهداف ومرامي تدريسها، يبين أن الأهداف البيئية هي الأقل وضوحًا.
وهكذا، فإنه رغم الخلاصة المهمة فيما يتعلق بموضوع البيئة، إلا أنه من الملاحظ أن نسبة قليلة من المجموعة الاسمية يمكن إدراجها وتسميتها ضمن فئة حُماة البيئة، وتنكب اهتمامات هذه المجموعة على تحديد العوامل والأسباب التي تجعل من الجغرافيا مادة أساسية في محاربة الجهل عند فهم المتعلم للعالم الذي يعيش فيه، وتقديره لهذا العالم، بالإضافة إلى الحفاظ على جمال الطبيعية وتحسين الوعي بالأخطار المحدقة بالبيئة، وتثير هذه النتائج الكثير من الاستفهامات بخصوص إدراك المستجوبين لأحد الأهداف المركزية لتدريس الجغرافيا على الرغم من أن بعض المستجوبين يرون أن تعزيز الوعي بالقضايا البيئية يعد الهدف الرئيس من تدريسها، وهي نتيجة توضح أن المادة ما زالت ترتبط في مدركات الأساتذة المتدربين بتقديم المعلومات وحفظها دون الالتفات إلى مساهمتها في التربية البيئية والمجالية، وهي خلاصة تبين أن الأولوية في تدريس المادة يلتصق إلى أبعد الحدود بإعطاء الأسبقية للجوانب المعرفية على حساب الأبعاد الوجدانية والمنهجية.
أظهرت المدركات المتعلقة بالمجال حضورها الخافت في مدركات الأساتذة المتدربين حول المواضيع التي يعتقدون أنها ضمن منهاج الجغرافيا في السلك الابتدائي، حيث أن نسبة ضعيفة يمكن تصنيفها أنها مجالية، أي تهتم بدراسة المجال، ويرجع السبب في ذلك إلى أن معظمهم كانوا يعتبرون أن دراسة المجال تندرج ضمن تخصص الرياضيات أو الهندسة، ويبرز هذا التصور ضيق التصور حول المجال، باعتباره مفهوما رياضيا بحثا ليس من انشغالات العلوم الإنسانية مثل الجغرافيا والتاريخ والسوسيولوجيا…، بحيث تم التركيز فقط على المكون الرئيسي في تعريفهم المختصر للجغرافيا مثل دراسة العالم.
إن مناقشة النتائج المتوصل إليها فيما يخص مشاعر المشاركين في البحث حول الجغرافيا حول عدم اختيارهم الحصول على شهادة الإجازة في الجغرافيا، أظهر أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية وراء هذا القرار وهي:
- السبب الأول: أن الجغرافيا لا تمنح فرص أكبر لولوج سوق الشغل، وهو تمثل يرتبط بالصورة التي تم تشكيلها حول المادة لأنها لا تساهم في بناء أي مهارة، ويصعب الاندماج في سوق الشغل بواسطة الشهادة المحصل عليها. لكن الواقع يبين أن الجغرافيا أضحت من ضمن العلوم التي يزداد الطلب على خدامتها فيما يخص إعداد التراب والتهيئة وتقديم الاستشارة للجماعات الترابية في مختلف القضايا التنموية، لكن هذه المدركات تطرح إشكالية جديدة متعلقة بمواصفات ومؤهلات خريجي مادة الجغرافيا.
- السبب الثاني: أن تخصص المرحلة الثانوية التأهيلية هو من يحدد المسار الدراسي للطلبة خلال المرحلة الجامعية، وهذا يرتبط برغبات المتعلمين، ثم بمسألة جوهرية متصلة بولوج مركز تكوين أساتذة السلك الابتدائي، ذلك أن الحاصلين على الإجازة في التخصصات العلمية أو العلوم الاقتصادية هم الأوفر حظا في النجاح في مباراة التعليم المنظمة من قبل وزارة التربية الوطنية والشباب والرياضة، لذا نجد الحضور الضعيف للتخصصات الأدبية، والجغرافيا لا تخرج عن هذه القاعدة.
- السبب الثالث: مادة مملة تركز على الحفظ وهي في الغالب تناسب المسالك الأدبية، وهو تمثل يرتبط في الغالب بتدريس مادة الجغرافيا خلال مرحلة التعليم المدرسي.
لذلك يبدو أن الاهتمام بالعلوم هو ما يوجه الطلبة نحو اختيار تخصصات تناسب توجهاتهم وميولاتهم، أضف إلى ذلك أنه في سلك التعليم الابتدائي يتم تدريسها من قبل غير المتخصصين ذوو المعرفة المحدودة والاهتمام الضعيف بالمادة، بل هناك من يعتبرها مادة ثانوية لا تحقق أي فارق سواء تم تدريسها أم لا، والأكيد أن البعض الآخر لا يعمل قطعا على تدريسها، وفي الغالب يتم استغلال حصصها في تدريس بعض المواد الأخرى.
فيما يخص المهارات الجغرافية التي يحملها المتدربون في تدريس المادة، ففي الغالب لا تتعلق بالمهارات الجغرافية على وجه التحديد ولكن بالمهارات العامة مثل الحماس والعقل المتسائل والصبر، بحيث أشار رقم من الطلبة إلى تجربتهم الجغرافية الشخصية، فالجغرافيا تغني التجربة الشخصية، وتجلب تقديرًا للثقافات الأخرى، وتساهم في معرفة أماكن مختلفة، يتوافق هذا التوجه المتصل بالجغرافيا الشخصية اليومية للفرد مع ما يسميه مارتن بالجغرافيا الإثنوغرافية[23] التي تعكس وجهة النظر القائلة بأن جميع الطلبة جغرافيون لأنهم يعيشون جميعًا في العالم، ويبدو أنه على الرغم من أن المشاركين في هذه الدراسة لهم فهم محدود عن الجغرافيا من حيث محتوى الموضوع، إلا أنهم على دراية أكثر بالمهارات التربوية العامة التي قد يتمكنون من تطبيقها على الجغرافيا عندما تعرفوا على منهاج الجغرافيا في السلك الابتدائي، وهي خلاصة لا تخرج عما توصل إليه مارتن عند اكتشافه أن الطلبة في تجربتهم المدرسية يعلقون صورة الجغرافيا في تفكيرهم وتخطيطهم وربما أن صورة تعليم التلاميذ هي التي تحظى بتأثر وحضور أقوى.
خاتمة:
تثير نتائج هذه الدراسة العديد من الإشكالات المهمة والتي تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة ومن أهمها:
- أولاً: ما هي بالضبط المعرفة الجغرافية التي تلقاه الطلبة في مختلف أسلاك التعليم، والتي تنتج غالبية عظمى من الطلبة ذوو فهم محدود للغاية للموضوع كما بينت هذه الدراسة، والأكيد أن الحصول على نتائج أكثر دقة وعمقا يحتاج إلى دراسة أكثر شمولية وتعمقًا.
- ثانيا: يتعلق الأمر بتدريس الجغرافيا من قبل خرجي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، وهذا سيؤثر لا محالة على اختيارات المتعلمين في التكوين ومتابعة الدراسة في الجغرافيا بالمرحلة الجامعية.
- ثالثا: أن المؤشرات تشير إلى أن المنهج الجديد سيعزز العودة إلى التركيز على المعرفة بالمادة و الكفايات والمهارات المتصلة بها، الشيء الذي يتوقع منه أن يساهم في تملك المتعلمين الكفايات الخاصة بالمادة، لكن تحقيق هذا المبتغى سيحتاج إلى أساتذة اكتسبوا بعض الخبرة خلال مرحلة التكوين في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ثم إبان التحمل الكلي لمسؤولية في تدبير الفصل الدراسي خلال السنة الثانية، وهذا يعد من التحديات التي تواجه النظام الحالي في تكوين أساتذة سلك التعليم الابتدائي، حيث يتلقى الطلبة سبعة عشر ساعات تكوينية في ثلاث مجزوءات خاصة بالاجتماعيات[24]، أي بمعدل أقل من ست ساعات للجغرافيا في كل مجزوءة، أضف إلى ذلك أن اختلافات مشارب المكونين المعرفية، تاريخ أو جغرافيا، تؤثر على التكوين في المادة، ففي الغالب ما يركز المتخصصين في التاريخ على الجوانب المرتبط بديداكتيك التاريخ، وهذا لا يدعم الفرضية القائلة بأن المتدربين قادرين تلقائيًا على استخدام الخبرة في تدرس المادة.
على ضوء ما سبق، يطرح تدريس الجغرافيا في مدركات الأساتذة المتدربين العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها، وهنا نذكر الرقم المحدود لأساتذة الجغرافيا المتخصصين في المدارس الابتدائية، وأيضا طبيعة الممارسات المعتمدة في تعليم وتعلم الجغرافيا في المدرسة، وهذا يعيد النقاش المطروح حول الخبرة والمهارة التي يوفرها غير المتخصصين في تدريس بعض المواد الدراسية، وفي هذا الإطار لا بد من التأكيد على أن مدرسي الجغرافيا في المرحلة الابتدائية يجب أن يتمتعوا بإمكانية الوصول إلى نطاق وعمق خبرة المناهج الدراسية اللازمة للتخطيط والتدريس. ثم لا شك أن تعزيز تعليم وتعلم الجغرافيا في المدرسة، وتبادل الممارسات والأفكار والخبرات الجيدة في تدريسها سيساهم في تحقيق الغاية من المادة وأيضا في تكوين أساتذة التعليم الابتدائي.
خلاصة القول، يحتاج المتدربون إلى توسيع مفهومهم للجغرافيا آخذين بعين الاعتبار جميع المجالات التي يشتمل عليها المنهج حاليًا، ومع ذلك، فإن القضايا التي تمت مناقشتها تتطلب إصلاحا واقعيا ومناسبا يدمج الهوية المهنية للمدرس في تدريس الجغرافيا، ويتطلب مجموعة من التدابير المستدامة لضمان استفادة الأجيال القادمة من تعليم جغرافي ممتع وعالي الجودة.
قائمة المراجع:
- رضا مسعد السعيد، (2021)، «المنهج المختلط: مدخل تكاملي لدمج البيانات الكمية والنوعية في البحث التربوي»، مجلة تربويات الرياضيات، المجلد 24، الرقم 5.
- وزارة التربية الوطنية والرياضة، (2021)، منهاج سلك التعليم الابتدائي.
- وزارة التربية الوطنية، (2000)، الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
- Alkis, S., (2009), Turkish geography trainee teachers’ perceptions of geography. International Research in Geographical and Environmental Education.
- Barratt Hacking E., (1996), Novice teachers and their geographical persuasions. Journal of International Research in Geographical and Environmental Education.
- Bradbeer J., Healey M, and Kneale P., (2004), Undergraduate geographers’ understandings of geography, learning and teaching: A phenomenographic study. Journal of Geography in Higher Education.
- Bradbeer, J., Healey, M. and Kneale, P., (2004) Undergraduate geographers’ understandings of geography, learning and teaching: A phenomenographic study. Journal of Geography in Higher Education, 28(1): 17–34.
- Brooks, C., (2006), Geographical knowledge and teaching geography. International Research in Geographical and Environmental Education.
- Brooks, C.2010. Why geography teachers’ subject expertise matters.
- Calderhead, J.(1988), Teachers’ professional learning, London: The Falmer Press.
- Catling, S.(2004), An understanding of geography: The perspectives of English primary trainee teachers. GeoJournal.
- Creswell, J. W. (2007). Qualitative inquiry and research design: Choosing among five approaches (2nd ed.). SAGE Publications.
- Creswell, J. W. (2009). Research design: Qualitative, quantitative, and mixed methods approachesm, SAGE Publications.
- Hopwood, N., (2011), Young people’s conceptions of geography and education. In Geography, education and the future, Edited by: Butt, G. London: Continuum.
- Martin, F.)2005(, Ethnogeography: A future for primary geography and primary geography research. International Research in Geographical and Environmental Education,, 14(4): 364–371.
- Martin, F., (2005), Ethnogeography: A future for primary geography and primary geography research. International Research in Geographical and Environnemental Education.
- Marton, F., Dall’alba, G. and Beaty, E. (1993), Conceptions of learning. International Journal of Educational Research.
- Walford, R.1996. What is geography? An analysis of definitions provided by prospective teachers of the subject. Journal of International Research in Geographical and Environmental Education.
[1] تصدق هذه الملاحظة على كافة التخصصات في مسلك تكوين أساتذة التعليم الابتدائي.
[2] رضا مسعد السعيد، «المنهج المختلط: مدخل تكاملي لدمج البيانات الكمية والنوعية في البحث التربوي»، مجلة تربويات الرياضيات، المجلد 24، العدد 5، 2021، 12.
[3] يمكن العودة إلى أبحاث:
- Creswell, J. W. (2007). Qualitative inquiry and research design: Choosing among five approaches (2nd ed.). SAGE Publications.
- Creswell, J. W. (2009). Research design: Qualitative, quantitative, and mixed methods approaches, SAGE Publications
https://www.ucg.ac.me/skladiste/blog_609332/objava_105202/fajlovi/Creswell.pdf
[4] La technique du groupe nominal.
[5] Martin, F.2005. Ethnogeography: A future for primary geography and primary geography research. International Research in Geographical and Environmental Education, 14(4): 364–371.
[6]Catling, S.2004. An understanding of geography: The perspectives of English primary trainee teachers. GeoJournal, 60: 149–158.
[7]Barratt Hacking, E.1996. Novice teachers and their geographical persuasions. Journal of International Research in Geographical and Environmental Education, 5(1): 77–86.
[8]Ibid, p 77.
[9] Ibid, p81.
[10] Calderhead, J.1988. Teachers’ professional learning, London: The Falmer Press.
[11] Walford, R.1996. What is geography? An analysis of definitions provided by prospective teachers of the subject. Journal of International Research in Geographical and Environmental Education, 5(1): 69–76.
[12]Ibid, p 73.
[13]Ibid, P 76.
[14]Op. cit., Martin F., (2005), p 242.
[15]Bradbeer, J., Healey, M. and Kneale, P.2004. Undergraduate geographers’ understandings of geography, learning and teaching: A phenomenographic study. Journal of Geography in Higher Education, 28(1): 17–34
[16]علم تربوي يقدم منظور جديد في فهم التعلم والبحث فيه، يقوم على المساواة بين المعرفة والخبرة، ويأخذ بعين الاعتبار تعددية المناظير في اختبار الظاهرة الإنسانية لدى مختلف الأفراد، ويرى أن العالم هو الذي نعيشه ونصفه وليس الذي نفسره.
[17]Marton, F., Dall’alba, G. and Beaty, E.1993. Conceptions of learning. International Journal of Educational Research, 19(3): 277–300.
[18]Alkis, S.2009. Turkish geography trainee teachers’ perceptions of geography. International Research in Geographical and Environmental Education, 18(2): 120–133.
[19] Bradbeer, J., Healey, M. and Kneale, P.2004. Undergraduate geographers’ understandings of geography, learning and teaching: A phenomenographic study. Journal of Geography in Higher Education, 28(1): 17–34.
[20]Op. cit., Alix S.,2009, p 130.
[21] نتحدث هنا عن:
- Brooks, C.2006. Geographical knowledge and teaching geography. International Research in Geographical and Environmental Education.
- Brooks, C.2010. Why geography teachers’ subject expertise matters. Geography, 95(3) : 143–148.
[22]Hopwood, N.2011. “Young people’s conceptions of geography and education”. In Geography, education and the future, Edited by: Butt, G.London: Continuum. (pp. 30–41)
[23]Martin, F.2005. Ethnogeography: A future for primary geography and primary geography research. International Research in Geographical and Environmental Education,, 14(4): 364–371.
[24] تخص الملاحظات ما يلي:
- تجمع مادة الاجتماعيات ثلاث مكونات وهي: التاريخ والجغرافيا، والتربية المدنية،
- المجزوءات المتعلقة بتكوين أساتذة التعليم الابتدائي هي: دعم التكوين الأساس، ورشات الإنتاج الديداكتيكي، ورشات تحليل الممارسة المهنية.