تأثير الأملاح في تلف الحجارة الأثرية
The effect of salts in the degradation of archaeological stones
د. بلعيبود بدر الدين/جامعة الجزائر
Dr. Belaiboud Badreddine Institute of Archaeology/ University of Algeria
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 87 الصفحة 43.
ملخص:
تتعرض المواد الأثرية للعديد من العوامل الخارجية التي تؤدي إلى تلفها بتغيير في خصائصها، تعد الأملاح القابلة للذوبان من بين هذه العوامل التي تؤثر على الحجارة الأثرية، يعالج هذا المقال ظاهرة تأثير الأملاح على الحجارة الأثرية من خلال آلية تفاعل الأملاح داخل الشبكة المسامية للحجارة وأنواع الأملاح المسببة للتلف وكذا مظاهر التلف التي يسببها هذا التفاعل، نقصد بعوامل التلف تلك الآليات التي تغير من خصائص الحجارة، والتي كغيرها من المواد تتأثر بالشروط المحيطية.
الكلمات المفتاحية: أملاح؛ حجارة أثرية؛ تلف؛ مسامية؛ تبلور.
Abstract :
Archaeological materials are exposed to many external factors that lead to their deterioration by changing their properties. Soluble salts are among those factors that affect archaeological stones. This article discusses the phenomenon of the effect of salts on archaeological stones through the mechanism of the interaction of salts in the porous network of stones and the types of salts that cause damage, as well as the weathering effects caused by this interaction. By deterioration factors we mean the mechanisms that modify the properties of stones which, like other materials, are affected by environmental conditions.
Keywords: salts ;archaeological stones ; weathering ; porosity; crystallization.
مقدمة:
نقصد بعوامل التلف تلك الآليات الفيزيائية والكيميائية التي تغير من خصائص الحجارة، والتي كغيرها من المواد تتأثر بالشروط المحيطية كالرطوبة، درجة الحرارة، التلوث والكائنات الحية، إن التغيرات التي تطرأ على المادة ما هي إلا تفاعلات آلية تتم كرد فعل لإحداث نوعا من التوازن بين المادة ومحيطها، ويمكن القول أن أي تغير في بعض هذه الشروط يؤدي في كثير من الأحيان إلى إحداث تغير في المادة حسب طبيعتها وخصائصها من جهة، وحسب طبيعة العوامل المحيطية ودرجة وسرعة تغيرها من جهة أخرى.
تعتبر الأملاح من بين أهم العوامل التي تؤدي إلى فقدان تماسك الحجارة، هذه الأملاح عبارة عن عناصر فلزية تتشكّل في العادة على شكل بلورات، ويمكن تمييز نوعين من الأملاح: غير القابلة للذوبان وأخرى قابلة للذوبان، هذه الأخيرة تشكّل خطرا على المادة الأثرية، لأن لها إمكانية الانتقال داخل الشبكة المسامية على شكل محاليل، وبعد تبخّر الماء بفعل ارتفاع درجة الحرارة تتبلور الأملاح من جديد ويزيد حجمها، مما يخلق ضغطا ميكانيكيا على الجدران الداخلية للمسامات والشقوق الدقيقة.
- مصدر الأملاح:
تختلف مصادر الأملاح التي تتغلغل داخل الحجارة، فهناك ما هو طبيعي وآخر مرتبط بالنشاط البشري، فأحيانا تكون الحجارة تحتوي على الأملاح داخل مساماتها قبل استغلالها، وفي المناطق الساحلية يعتبر البحر من بين المصادر الرئيسة للأملاح خاصة ملح كلورير الصوديوم (NaCl)، تنقل هذه الأملاح عن طريق الرياح والتيارات الهوائية لمسافات طويلة تصل أحيانا إلى عشرات الكيلومترات بعيدا عن الساحل.[1]
كما تعتبر بعض مواد البناء مصدرا آخر للأملاح، كالملاط الإسمنتي بالنسبة للأملاح القاعدية، وكذا مادة الجص بالنسبة لكبريتات الكالسيوم (CaSO4)، وتلعب بعض الغازات الملوثة دورا في تشكيل بعض الأملاح كما هو الحال بالنسبة لغاز ثاني أكسيد الكبريت ((SO2 الذي يساهم في تشكيل الكبريتات، وفي بعض الأحيان تؤدي بعض مواد الترميم غير الملائمة إلى تشكل أملاحا قابلة للذوبان كنواتج ثانوية لتفاعلها[2]، وفيما يلي جدول يلخص أهم الأملاح المؤثرة على الحجارة وأهم مصادرها:
الجدول رقم 1: أنواع الأملاح المسبّبة في تلف الحجارة الأثرية وأهم مصادرها | |
نوع الملح | المصدر الرئيس |
كبريتات الصوديوم | إسمنت بورتلندي، ملاط إسمنتي، خرسانة |
كربونات الصوديوم، البوتاسيوم | إسمنت بورتلندي، ملاط إسمنتي، نواتج تنظيف كيميائي |
كلورير الصوديوم | البحر |
كلورير البوتاسيوم | الأرضية |
كبريتات الكالسيوم | جص، ملاط جصي، لثاني أكسيد الكبريت (SO2)، نشاط بكتيري |
كبريتات المغنيزيوم | حجارة دولوميتية، جير مغنيزي |
نيترات الصوديوم | مواد عضوية متحللة، نشاط بكتيري |
نيترات البوتاسيوم | مواد عضوية متحللة، نشاط بكتيري، أسمدة |
(Angeli (M) 2007)
- مظاهر فقدان تماسك الحجارة الأثرية:
نقصد بمظهر التلف هو ذلك التغيّر الذي تحدثه مختلف العوامل والذي يظهر على سطح المادة الأثرية، سواء كالتغيرات في الشكل أو في اللون أو في نسيج المادة أو في استمرارية السطح، وكل هذه المظاهر ما هي إلا نواتج لتفاعلات فيزيائية و/أو كيميائية أدت إلى تغيير في بعض خصائص المادة ما يترجم تغير في مظهرها.
تختلف أشكال ومظاهر تلف الحجارة بحسب أنواعها وخصائصها الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية، وترتبط التغيرات التي تطرأ على الحجارة بطبيعة عوامل التلف ودرجة ومدة تأثيرها، هناك عدة أنواع من تلف الحجارة الأثرية، في هذا البحث نتناول فقط الأنواع التي تؤدي إلى فقدان تماسك العناصر الفلزية المشكلة للحجارة، وفيما يلي نذكر أهم مظاهر هذا النوع من التلف الذي يمكن مشاهدته على سطح الحجارة :
2-1 الشقوق الدقيقة:
يمكن تعريف الشقوق على أنها انقطاع في سطح المادة بسبب فقدان في بعض الخصائص الميكانيكية، هذا ما يخلق عدم توان في استمرارية السطح ما يجعله عرضة لعدة تفاعلات قد تؤدي به إلى التلف، تنشأ الشقوق على سطح المادة الحجرية لعدة أسباب، من أهمها عوامل متعلقة بخصائص الحجارة في حد ذاتها، حيث تنشئ الشقوق على طول المستويات الهشة والضعيفة ومثال على ذلك الشقوق الأفقية التي تظهر على الصخور الغضارية وأنواع أخرى من الصخور الرسوبية، كما تتسبب عوامل خارجية كالأملاح والجليد والحرارة في ظهور شقوق على سطح الحجارة (الصورة رقم: 1، 2)، إن الشقوق التي تستدعي تدخلا في إطار عملية التقوية هي التي لا يتعدى عرضها 1 ملم[3]، بينما الشقوق التي تتعدى هذه الأبعاد فتتطلب نوع آخر من التدخل وهي عملية التمليط.
الصورة رقم 1: صورة مكبرة لشقوق دقيقة على سطح حجارة كلسية
(Angeli (M) 2007)
الصورة رقم 2: صورة مجهرية (MEB) لشق دقيق لعينة من حجارة نتيجة تبلور الأملاح
(Nicholson (T) 2000)
2-2 ظاهرة الانفصال:
تؤدي بعض الظواهر -خاصة الفيزيائية منها- إلى انفصال أجزاء من سطح الحجارة الأثرية، ويختلف شكل ودرجة الانفصال بحسب نوع الحجارة وخصائصها إلى جانب آليات التلف المؤثرة، وهناك عدة أنواع من انفصال طبقات رقيقة وقشور من السطح، وهي:
2-2-1 الانتفاخ:
في بعض الحالات تنفصل طبقات رقيقة من سطح الحجارة على شكل انتفاخ نصف كروي أجوف[4]، وفي كثير من الأحيان تكون الأملاح القابلة للذوبان مسئولة عن هذا النوع من المظاهر، وغالبا ما تكون الانتفاخات الجوفاء على سطح الحجارة الرملية. (الصورة رقم: 3، 4)
الصورة رقم 3: صورة مكبّرة لانفصال طبقة رقيقة على شكل انتفاخ نصف كروي أجوف
(Vergès-Belmin (V) et Al 2008)
الصورة رقم 4: انفصال طبقة رقيقة على شكل انتفاخ نصف كروي أجوف على سطح تمثال من الحجارة الكلسية
(Vergès-Belmin (V) et Al 2008)
2-2-2 الانفصال المتوازي:
تتمثل هذه الظاهرة في انفصال قشور رقيقة من سطح الحجارة (الصورة رقم:5)، فبالرغم من السمك الرفيع لهذه القشور الذي عادة لا يتعدى مليمتر واحد[5] (الصورة رقم:6) فإن خطورة هذا النوع من التلف تكمن في المساحة الواسعة التي يصيبها التلف، كما تكمن الخطورة أيضا في حالة ما إذا كان السطح يحمل معطيات أثرية أو فنية كرسومات أو كتابات، كما أنه في بعض الحالات يفوق سمك القشرة السنتيمتر الواحد ما يؤدي إلى فقدان معتبر في المادة الأصلية.
هذه الظاهرة عادة ما تكون منتشرة على سطح الحجارة الكلسية المستعملة في البناء، ويمكن ملاحظة هذا المظهر في أغلب المواقع الأثرية، كما تتعرض الرسومات الصخرية في الصحراء لانفصال في الطبقة الخارجية ما يؤدي في كثير من الحالات إلى ضياع أجزاء هامة من هذه الرسومات.
الصورة رقم 5: انفصال لطبقة رقيقة من حجارة كلسية موقع خميسة بسوق أهراس (الجزائر)
الصورة رقم 6: صورة مجهرية لمقطع عرضي لعينة من سطح حجارة كلسية متلفة
تمثل شقوق متوازية دقيقة (موضع السهم) مسئولة عن ظاهرة الانفصال الطبقي
(Varas (M.J) 2008) بتصرف
2-3 ظاهرة التفتّت:
إن التفتّت عبارة عن انفصال وتفكك لعناصر فلزية مشكلة للحجارة، يكون تأثير هذه الظاهرة على الطبقات الخارجية وفي كثير من الحالات يتعداه ليصل إلى عمق الحجارة، يعرف هذا النوع من التلف بالتفتّت الحبيبي عندما يتعلق الأمر بالحجارة ذات البنية الحبيبية الكبيرة كالحجارة الرملية والرخام، عادة ما ينتج عنه ترسّب لحبيبات المادة أسفل الحجارة المتلفة (الصورة رقم: 7)، يمكن تقسيم ظاهرة التفتّت إلى ثلاثة أنواع[6]:
- التفتّت الرملي وهو انفصال لحبيبات الرمل المشكّلة لسطح الحجارة الرملية وذلك بسبب فقدان الرابط (سيليسي أو كلسي) لخصائصه ما يؤدي إلى انفصال حبات الرمل من سطح الحجارة. (الصورة رقم: 8، 9).
الصورة رقم 7: تفتّت حبيبي لحجارة رملية
(Vergès-Belmin (V) et Al 2008)
الصورة رقم 8: صورة مجهرية (MEB) لحجارة رملية قبل وبعد التفتّت الحبيبي
( يمين: قبل التلف/ يسار: بعد التلف)
(Tugrul (A) (2004)
الصورة رقم 9: صور مكبرة لمراحل التفتّت الحبيبي لحجارة رملية
(من اليمين إلى اليسار)
(Birginie (G.M) 2004)
- التفّتت على شكل مسحوق ينتج عن هذا النوع من التلف فقدان للمادة الحجرية على شكل مسحوق، هذا التلف خاص بالحجارة التي تتشكل من عناصر ذات حبيبية دقيقة.
- التفتّت السكري هذا النوع من التلف يمس الرخام ذو بلورات كبيرة، ففي بعض الحالات يصل عمق التفتّت إلى عدة سنتيمترات وتعتبر التغيّرات في درجة الحرارة عاملا رئيسا في هذا النوع من التلف. (الصورة رقم: 10).
الصورة رقم 10: شفرة رقيقة لعينة من الرخام مصاب بتفتّت سكري معرضّة لإضاءة وهّاجة–تفكّك بلورات الكالسيت.
(Karatasios (I) & al 2009)
2-4 الذوبان:
تتعرض الحجارة إلى عدة عوامل تؤدي إلى فقدان في مادتها وضياع عناصرها الفلزية، فعكس ظاهرة التفتّت الذي يكون على شكل انفصال جزيئات صلبة ذات أبعاد متفاوتة بحسب نسيج وبنية الحجارة، فإن ظاهرة الذوبان تؤدي لفقدان في المادة من خلال ذوبان مكونات المادة الحجرية في الماء وبفعل مواد كيميائية خاصة منها الأحماض والأسس، وقد تكون عملية الذوبان انتقائية أو كلية بحيث تتسبّب فيها عوامل كيميائية وبيولوجية.
تذوب الفلزات المشكلة للحجارة والمادة الرابطة وتختلف كمية المادة المذابة بحسب درجة ذوبانيتها من جهة وشدة تعرّضها للماء أو للمواد الكيميائية التي تفرزها بعض الكائنات الحية التي تتكاثر على سطح الحجارة أو نتيجة تلوث الجو، ففي المواقع الأثرية تتعرض الحجارة المعرضة للأمطار ولمجرى المياه إلى نسبة ذوبان أكبر، وفي بعض الحالات يتعرّض الإسمنت الذي يضمن تماسك عناصر الحجارة للذوبان ما ينتج فقدان في تماسكها و إضعاف التحام مكوناتها، ومثال على ذلك الحجارة الرملية ذات الرابط الكلسي. (الصورة رقم: 11).
الصورة رقم 11: ضياع تفاصيل على نحت بارز بسبب ذوبان سطح الحجارة كلسية
(Rollier-Hanselmann (J) 2011)
2-5 ظاهرة الحت:
تؤدي ظاهرة الحت إلى فقدان الطبقة الأصلية للحجارة بسبب آلية ميكانيكية، عادة ما تسبّبها العناصر الصلبة المحمّلة في الرياح بالإضافة إلى الأمطار والبرَد وهذا ما نلاحظه في المواقع الأثرية، ففي كثير من الحالات نجد عناصر معمارية حجرية تضاءلت زواياها وأصبحت حوافها غير حادة، كما يُحدث الحت الانتقائي تغيّرات وتشوّهات على السطح، وينتج ذلك بسبب فقدان بعض العناصر نتيجة تباين واختلاف في خصائص العناصر المشكّلة للمادة الحجرية، وتؤدي هذه الظاهرة إلى فقدان في المادة بحسب الآليتين الآتيتين:[7]
- فقدان في العناصر الفلزية الأساسية المشكلة للحجارة، ويكون هذا الفقدان انتقائي بحسب الخصائص الفيزيوميكانيكية لهذه العناصر.
- فقدان في النسيج والمادة الرابطة التي تربط العناصر الأساسية للحجارة فيما بينها، ما يؤدي إلى انفصال العناصر الفلزية المشكلة للحجارة.
2-6 الثقوب الدقيقة:
يظهر هذا النوع من التلف على شكل ثقوب على سطح الحجارة، بمقاسات وأحجام مختلفة تصل أحيانا لعدة سنتمترات وقد تكون متصلة فيما بينها، وهذه الظاهرة هي نتيجة تلف انتقائي ناتج عن اختلاف في الخصائص الكيميائية وفيزيائية لمكونات الحجارة، عادة ما تتشكّل ثقوب دقيقة ذات أبعاد مليمترية أو أقل، تأخذ هذه الثقوب الدقيقة (Piting) أشكالا مخروطية أو أسطوانية ولا تكون متصلة فيما بينها، وتتشكل عن طريق تلف إنتقائي جد محدود ناتج عن تفاعل كيميائي أو بيولوجي يصيب عادة الحجارة الكلسية.[8] إن الثقوب الدقيقة التي تقل عن بضعة مليمترات هي معنية بعملية التقوية التي تهدف إلى إيقاف فقدان المادة من خلال ملئ الثقوب الدقيقة بواسطة المادة المقوية. (الصورة رقم: 12، 13).
الصورة رقم 12: ثقوب على سطح حجارة كلسية بفعل عوامل بيولوجية -أشنات-
الصورة رقم 13: صورة مكبرة لثقوب دقيقة لسطح حجارة كلسية بفعل ذوبان انتقائي
(Vergès-Belmin (V) 2000)
- آلية التلف:
هناك عدة ظواهر تتدخل في نوعية ودرجة تأثير الأملاح على الحجارة، من بينها ضغط التبلور وضغط التميه والضغط الأسموزي والتمدد الحراري، كل هذه الآليات تلعب دورا في فقدان تماسك الحجارة الأثرية، لكن يبقى ضغط التبلور العامل الرئيس لتأثير الأملاح في الوسط المسامي.[9] (الشكل رقم: 1)
الشكل رقم 1: شكل يبيّن مراحل التلف الحجارة بفعل تبلور الأملاح وفقدان تماسك العناصر المشكلة للسطح (Rothert (E) 2008)
تنتقل الأملاح القابلة للذوبان داخل الشبكة المسامية مذابة في الماء على شكل محاليل، ويعاد تبلورها نتيجة التبخر الكلي أو الجزئي للماء، فبالإضافة لتأثير ارتفاع في درجة الحرارة تنتقل جزيئات الماء إلى الطور الغازي لما يكون الضغط الجزئي لبخار الماء في الهواء (وهو جزء من الضغط الجوي الكلي) أقل من ضغط بخار الماء المشبع للمحلول (هو قيمة الضغط الذي يتحول فيه السائل إلى غاز في درجة حرارة معينة).[10]
أثناء تبخر الماء المشكّل للمحلول المالح داخل الحجارة يزداد تركيز الأملاح وتترسّب بفعل عملية التشبع الإضافي، فبالنسبة للمحلول الذي يحتوي على عدة أنواع من الأملاح تترسّب هذه الأخيرة تباعا بحسب درجة ذوبانها، وتترسّب في مكان واحد إذا كان المحلول في حالة استقرار، وفي أماكن مختلفة إذا كان المحلول في حالة حركة.[11]
عند تبخر الماء عبر المسامات المفتوحة للحجارة فإن الأملاح يعاد تبلورها في الأجزاء التي يكون فيها التبخر شديدا، وتتوّضع الترسبات الملحية في مسامات الطبقة السطحية والشقوق الدقيقة، فتتشكل بلورات ملحية بحجم ومظهر متعددين، فكبريتات الصوديوم (NaSO4) يشكل ترسبا لينا، عكس كربونات الكالسيوم (CaCO3) وكبريتات الكالسيوم (CaSO4) التي يشكلان طبقة صلبة، أما كبريتات البوتاسيوم (KSO4) فيترسب على شكل طبقة زجاجية .[12]
إن خطورة إعادة تبلور الأملاح داخل الشبكة المسامية للحجارة تكمن في زيادة حجم هذه الأملاح مما ينتج عنه نشوء ضغط داخلي، أحيانا تكون قوة هذا الضغط تفوق المقاومة الميكانيكية للحجارة، ومع استمرار الضغط وتكرار الظاهرة يؤدي إلى ظهور تشققات وفقدان لتماسك عناصر الحجارة في الطبقة السطحية، وأحيانا تتعداها إلى العمق لعدة سنتيمترات، تكون الشقوق في البداية على المستوى المجهري للمادة وتبدأ في الاتساع حتى تأخذ أبعادا يمكن مشاهدتها بالعين المجردة. (الصورة رقم: 14)
الصورة رقم 14: صورة (MEB) تبين شقوق بين المسامات بفعل تبلور الأملاح
(Nicholson (T) 2000)
تتشكل البلورات الملحية في البداية في المسامات الكبيرة نوعا ما وفي الشقوق الدقيقة، ويلعب المحلول المالح الموجود في الشعيرات دورا هاما في تزويد البلورات المتشكلة بالعناصر الكيميائية التي تؤدي إلى نموها، فعند شغل البلورات كل فضاء المسامة يتولد ضغط على جدرانها، وبامتلاء المسامات الكبيرة تتبلور الأملاح المذابة في الشعيرات الدقيقة بفعل زيادة التركيز الناتج عن عملية التبخر مما يسبب ضغط إضافي، فانطلاقا من النسبة بين المسامات الكبيرة والصغيرة يمكن تحديد الضغط بصفة إجمالية، بحيث كلما كانت المادة تحتوي على نسبة كبيرة من المسامات الصغيرة المفتوحة كلما كان الضغط المطبق داخل الشبكة المسامية أكبر.[13] (الصورة رقم: 15)
الصورة رقم 15: صورة مجهرية (MEB) تبين بلورات (NaCl) (الأبيض) وبلورات (MgSO4.6H2O) (الرمادي) ما بين بلورات الكواتز (العناصر الكبيرة) لعينة من حجارة رملية مصابة بتفتّت حبيبي
(Nicholson (T) 2000)
تعتبر الأملاح من بين المواد المستطربة، كونها تتأثر بتغيرات في الرطوبة النسبية والحرارة، فتتبلور وتكون مستقرة في نسبة معينة من الرطوبة تسمى بالرطوبة النسبية للتوازن، تصبح الأملاح أكثر تميها بارتفاع نسبة الرطوبة وأحيانا تشكل محاليل مالحة، والجدول الآتي يلخص ذوبانية أهم الأملاح ودرجات رطوبتها النسبية للتوازن:
الجدول رقم 2: جدول يبين ذوبانية والرطوبة النسبية للتوازن لبعض الأملاح | ||
الملح | الذوبانية غ/ل |
(Angeli (M) 2007)
تختلف درجة تأثير الأملاح على الحجارة الأثرية بحسب نوع الملح وتأثيره، فكلورير الصوديوم له تأثير ضعيف إذا ما قورن بكبريتات الصوديوم وكبريتات المغنيزيوم (الصورة رقم: 16)، غير أن درجة التلف لا ترتبط فقط بنوع الملح، فنسبة تشبع وتركيز المحاليل في الشبكة المسامية لها أيضا دور كبير في درجة التلف، إلى جانب سرعة التبخر التي تكون كبيرة في الوسط الجاف وعندما تكون الحجارة معرضة لأشعة الشمس، بالإضافة إلى التبلور الدوري والمستمر للأملاح.[14]
الصورة رقم 16: نتائج اختبارات تبين درجة تأثير الأملاح على عينات حجرية بعد عدة دورات غمر في المحلول المالح/ تجفيف
a/ كبريتات الصوديوم تلف شديد بعد 11 دورة b / كبريتات المغنيزيوم تلف شديد بعد 19 دورة c/ كلورير الصوديوم بداية التلف بعد 100 دورة
(Rothert (E) 2008)
تلعب ظاهرة التميّه دورا كبيرا في زيادة حجم بعض الأملاح، خاصة التي تتشكل من كتيونات (أيونات موجبة) صغيرة، هذه الأملاح لديها قابلية كبيرة لتشكيل الهيدرات، بحيث تحيط جزيئات (H2O) بالكاتيونات وتشكل مركبات ذات قطر أكبر بكثير عن قطر الأيون، وهذا ما يعكس الزيادة في حجم الأملاح، فعلى سبيل المثال فإن انتقال كبريتات الصوديوم (NaSO4) من حالة الأندريد- الحالة الجافة- إلى هيدرات عشري (NaSO4.10H2O) يؤدي إلى زيادة في الحجم تصل إلى حوالي 400% من حجم الأندريد، وهذا ما يؤدي إلى توليد ضغط في البنية الداخلية للحجارة.[15]
إن الزيادة في حجم الأملاح بسبب ظاهرة التميّه تحددها عدة عوامل، من أهمها درجة الحرارة وما يرافقها من تغيير في ضغط البخار، فإذا كان ضغط بخار الهيدرات أكبر من ضغط بخار الوسط فإن الهيدرات يفقد جزيئات الماء والعكس صحيح، بحيث يكسب الهيدرات جزيئات الماء إذا كان ضغط بخار الهيدرات أقل من ضغط بخار الوسط، فإذا أخذنا نفس المثال السابق أي (NaSO4)، فإن هذا الملح يتبلور على شكل أندريد في درجة حرارة حرارة 24.3°م، وفي مجال حرارة أقل فإنه يتبلور على شكل هيدرات، كما أن لهذا الملح طورين في درجة الحرارة العادية، وذلك بحسب الرطوبة النسبية، طور جاف يسمى حينها تينارديت (Thénardite) وطور ثاني عشاري التميّه ويسمى ميربيليت (Mirabilite) بالإضافة إلى أطوار أخرى انتقالية،[16] (الصورة رقم:17) ومن بين الأملاح التي لها قابلية كبيرة للتميه نجد:[17]
- كربونات الصوديوم (NaCO3) وهي من بين الأملاح الأكثر خطورة، ففي درجة حرارة أقل من 32°م تتبلور مع 10 جزيئات من الماء.
- كلورير المغنيزيوم (MgCl2)، تشكل هيدرات مستقر مع 6 جزيئات من الماء.
- كلورير الكالسيوم (CaCl2)، يمكنها أن تشكل 4 أنواع من الهيدرات: أحادي، ثنائي، رباعي أو سداسي.
- كلورير الصوديوم (NaCl)، يتشكل هيدرات ثنائي التميّه في درجة حرارة أقل من – 2°م، ويبقى غير مستقر في الظروف العادية .
- كبريتات الكالسيوم (CaSO4)، تتميّه على شكل هيدرات ثنائي مستقر، وهو ما يعرف بالجبس(Gypse) .
الصورة رقم 17: صورة (MEB) لترسّب كبريتات الصوديوم بين بلورات الكالسيت
a: ميربيليت (Mirabilite) b: تينارديت (Thénardite)
(Rodriguez-Navarro (C) 1999)
عند انتقال الأملاح من الهيدرات إلى أندريد أو هيدرات أقل تميّه بسبب ارتفاع درجة الحرارة وانخفاض نسبة الرطوبة فإنها تحرّر جزيئات من الماء، بحيث يصبح الحجم الكلي للملح (أندريد أو هيدرات قليل التميّه) والماء المحرّر أكبر من حجم الهيدرات نفسه، وينشأ عن ذلك قوة ضغط إضافية داخل المسامات.[18] إذا فإن في كلتا الحالتين سواء تميّه الملح أو فقدانه لجزيئات الماء يؤدي إلى خلق قوى تطبق على الجدران الداخلية للمسامات ما قد تسبب في ظهور شقوق مجهرية تؤدي بدورها إلى نتائج خطيرة على المادة الأثرية.
خاتمة:
إن خطورة إعادة تبلور الأملاح القابلة للذوبان داخل الشبكة المسامية للحجارة تكمن في زيادة حجم هذه الأملاح مما ينتج عنه نشوء ضغط داخلي، وباستمرار هذا الضغط وتكرار الظاهرة يؤدي في النهاية إلى ظهور تشققات وفقدان لتماسك عناصر الحجارة في الطبقة السطحية ما ينتج عنه تلف الحجارة الأثرية.
تعد عملية عزل الرطوبة من بين أهم الطرق التي تحد من تأثير الماء، الذي يؤثر على سطح الحجارة ويتغلغل بداخلها نتيجة ظاهرة قابلية التبلل التي تميز المواد الحجرية، إن تطبيق مواد عازلة للرطوبة على سطح الحجارة الأثرية يقلل من تغلغل الماء والمواد منحلة فيه على غرار الأملاح القابلة للذوبان، فعند تطبيق هذا النوع من المواد تتشكل على سطح الحجارة طبقة رقيقة تمنع من تغلغل الماء داخل الشبكة المسامية، ولكن بالمقابل تسمح بحركة البخار والغازات.
قائمة المراجع:
- Angeli, (M). (2007). Etude multiéchelle de la dégradation des roches par la cristallisation de sels dans les réseaux poreux. Cergy-Pontoise: Université de Cergy-Pontoise.
- Arnold, (A). (1996). Altérarion et conservation d’œuvres culturelles en matérieux poreux afféctés pas des sels. le dessalement des matériaux poreux (pp. 03-20). Poitiers: journées d’études de la SFIIC.
- Beck, (K). (2006). Etude des propriétés hydriques et des mécanismes d’altération de pierres calcaires à forte porosité, thèse de doctorat en sciences des matériaux. Orleans: université d’Orleans.
- Desarnaud, (J). (2006). Mécanisme de Croissance et de dissolution de cristaux de KCl sous Charge :Apport dans la connaissance des mécanismes d’altération des pierres par les sels. Marseille: université Paul Cezanne.
- Doehne, (E)., & Clifford, (A). (2010). Stone Conservation An Overview of Current Research. Los Angeles: The Getty Conservation Institute.
- Domasloswski, (W). (1982). Conservation préventive de la pierre, traduit par. (Woszyck, Trad.) Paris: UNESCO.
- Lewin, (A.Z). (1967). The conservation of limestone objects and strucyures . Colloque sur l’altération des pierres, (pp. 41-51). Bruxelles.
- Torraca, (G). (1986). Matériaux de construction poreux. (Di Matteo, Trad.) Rome: ICCROM.
[1] Arnold (A), «Altérarion et conservation d’œuvres culturelles en matérieux poreux afféctés pas des sels », le dessalement des matériaux poreux, journées d’études de la SFIIC, Poitiers mai 1996, pp.03-20
[2] Arnold (A), Op.Cit, pp.03-21
[3] Vergès-Belmin (V) & Al, Glossaire illustré sur les formes d’altération de la pierre, ICOMOS, Ateliers 30 Impression, Champigny/Marne, France 2008, p.10
[4] Vergès-Belmin (V) & Al, Op.Cit., p.14
[5] Ezzdine (R), Endommagement des monuments historiques en maçonnerie, thèse pour obtenir le grade de docteur spécialité : Mécanique, Université Bordeaux 1, Soutenue en 2007, p.16
[6] Ezzine (R), Op.Cit., p.17
[7] Domasloswski (W), Conservation préventive de la pierre, traduit par Woszyck (I), UNESCO, Paris 1982, p. 41
[8] Vergès-Belmin (V) & Al, Op.Cit., p.40
[9] Angeli (M), Etude multiéchelle de la dégradation des roches par la cristallisation de sels dans les réseaux poreux, Université de Cergy-Pontoise, doctorat Soutenue novembre 2007, p.66
[10] Desarnaud (J), Mécanisme de Croissance et de dissolution de cristaux de KCl sous Charge :Apport dans la connaissance des mécanismes d’altération des pierres par les sels, université Paul Cezanne, doctorat soutenu novembre 2006, p.17
[11] Arnold (A), Op.cit., pp.03-21
[12] Beck (K), Etude des propriétés hydriques et des mécanismes d’altération de pierres calcaires à forte porosité, thèse de doctorat en sciences des matériaux, université d’Orléans, soutenue octobre 2006, p.17
[13] Lewin (S.Z), « The conservation of limestone objects and structures », in Colloque sur l’altération des pierres : conférences, Bruxelles 1967, pp.41-51
[14] Doehne (E) & Clifford (A), Stone Conservation An Overview of Current Research, The Getty Conservation Institute, Second Edition, Los Angeles 2010, p.15
[15] Arnold (A), Op.Cit., pp.03-21
[16] Angeli (M), Op.Cit., p.66
[17] Domasloswski (W), Op.Cit., p.34
[18] Torraca (G), Matériaux de construction poreux, traduit par Di Matteo (C), ICCROM, Rome 1986, p.33