حركة التصوف الإسلامي في ميزان الاستشراق: بين التأثير الأجنبي والعوامل الدينية الداخلية
The movement of Islamic mysticism in the balance of orientalism: Between foreign influence and internal religious factors
د. لعور كمال/ جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف.الجزائر Dr.laouer kamel/University of chelef.Algeria
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 76 الصفحة 109 .
الملخصشكلت أصول ظاهرة التصوف الإسلامي معقد خلاف بين الباحثين من مختلف المشارب والجنسيات، فمنهم من رجّح الأسباب البيئية المحلية، ومنهم من نسب التصوف في تطوره إلى الملل والنحل والحضارات التي هضمتها الحضارة الإسلامية في تمددها واتساع رقعتها، وبتنا أمام فريق ثالث لا يغلب رأيا على آخر، وإنما يؤمن بأن التصوف شاركت في صنعه مظاهر مختلفة لا تقتصر على الجانب الديني وحده، ولا العوامل الاجتماعية والفكرية والسياسية منفردة، وهو ما نحاول توضيحه في هذه الورقة البحثية.
الكلمات المفتاحية: تصوف؛ استشراق؛ زهد، وحدة الوجودAbstract :
The origins of the phenomenon of Islamic mysticism constituted a complex dispute between researchers of various stripes and nationalities. And we are faced with a third party that does not have an opinion that prevails over another, but rather believes that Sufism participated in its manufacture by various manifestations that are not limited to the religious aspect alone, nor are social, intellectual and political factors alone, which is what we try to clarify in this research paper.
Keywords: mysticism; Orientalism; Asceticism, Unity of Being
مقدمة:
إن أكثر البحوث التي تتعلق بتقصي دوافع حركة التصوف، قد وقع أصحابها في سوء التقدير، ومن ثم في الاستنتاجات الخاطئة، بسبب تصورهم هذه الحركة إسلامية، ممثلة لجوهر الإسلام وتتصل به بشكل عضوي، فحصروا الأمر في الأسباب الدينية البحتة، ويستدعي منا البحث أن نتعرف على الحركة باعتبار أنها تمثل ظاهرة اجتماعية دينية وسياسية ظهرت في العراق، ثم امتدت في بقية الأقاليم الإسلامية بالشام وإيران وتركيا والمغرب الإسلامي، واستمدت عوامل نشأتها من تطور المجتمع وحركته، ومن ثم فلا بد لها من أسباب تتصل بالأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي سادت المجتمع، فما تلك الأسباب؟ وما آراء الباحثين فيها؟
سعينا في هذا البحث للإلمام بكل الآراء المتشاكلة حول ظاهرة التصوف الإسلامي، والخروج باستنتاجات مفيدة لفهم جذور الظاهرة على حقيقتها، ويهدف البحث إلى تتبع أقوال وآراء المستشرقين في أصل التصوف الإسلامي، ومناقشتها بروية، ومقارنتها بآراء أخرى لمفكرين إسلاميين من أجل معرفة كنه التصوف، وهو ظاهرة إسلامية لا تزال تمارس سطوتها وهيمنتها على العديد من الفرق والشعوب.
وقد ركزت الدراسة على الدواعي العقلية الفكرية كخلفية رئيسية كانت محط الخلاف والتجاذب بين الباحثين إلى جانب الاستفاضة في العوامل الدينية التي نقلت نزعة التصوف من الزهد إلى الحب والوجد.
- أثر المستشرقين في الدراسات الصوفية:
المتتبع لأسباب نشوء التصوف وتشكله يلفي أربعة باحثين أجانب على الأقل ممن كانوا يركزون في بحوثهم حول التصوف على قضية التأثيرات الأجنبية، ومنهم اثنان كانا يتعصبان لذلك أشد التعصب وهما فون كريمر[1]؛ وجولد زيهر[2]؛ فأما الأول فيعتبر التصوف الإسلامي متأثرا بالعنصر المسيحي وبالعنصر الهندي البوذي خاصة في فكرة وحدة الوجود التي أذاعها الحلاج، ويشير المستشرق ذاته أن المدراس الفلسفية العربية غداة نشأتها اتجهت اتجاها صوفيا خفيا بينما أخذ الإسلام السني يعمل شيئا فشيئا على إقامة نظام كلامي ثابت مستقل، حتى عَدَّ الصوفي السهروردي جزءا من المدرسة الأفلاطونية الشرقية تحت مسمى الاشراقية[3]؛ إذ نسج حسبه من مبادئ الأفلاطونية الحديثة مستعينا بنظرية النور أو التألق وهي من مبادئ المجوسية أو على ما يحتمل من مبادئ المانوية، وملخص الفكرة أن النور صورة الخلق الأول؛ يقسمه أصحابه إلى نور صاف تام، ونور غير صاف.[4]
ومن ناحية أخرى يلاحظ تأثر طوائف صوفية بمدرسة الفدنته الهندية، خاصة في الربط بين الذكر والتحكم في التنفس أو وقفه، ويقرّ بوجود تشابه ظاهري وداخلي كبير بين هذه المدرسة الهندية والتصوف العربي والفارسي بالأخص في فكرة وحدة الوجود، ويعتبر التصوف نظاما فلسفيا عربيا وفارسيا من أصل هندي دون نفي تسلل الأفكار الأدرية[5]؛ المسيحية والمانوية إليه.[6]
والنتيجة التي يخلص إليها أن التصوف العربي في مستهل ظهوره الزهدي كان يستقي من التعاليم المسيحية، أما التصوف المتأخر سكن إلى الآراء الأفلاطونية الحديثة، وخلطها بآراء هندية.[7]
ويحيل ظهور التصوف إلى تنامي حالة الافتتان والهيام في الإسلام، فنجم عنها ظهور طائفة الدراويش فكان لكل مجموعة قواعدها السرية وأساليبها الخاصة، فبعضها يعتمد الخلوة والتفكير والرياضة الروحية والصوم، وأخرى تنشد الأوراد حتى تغيب الحواس نتيجة الإجهاد وتظهر الأشباح، وطائفة ثالثة تمتزج بالأصوات الموسيقية وإنشاد التراتيل والرقصات وحركات الجسم، ويجمعها قاسم التكتم.[8]
ولا يختلف الباحث جولد زيهر عن طرح سابقه إذ يلح على فاعلية التعاليم الأفلاطونية في قضية الفيض[9]؛ ووحدة الوجود، إلى جانب البوذية والهندية، رغم أنه يعتبر الإسلام مصدر فكرة اطراح العالم والزهد فيه؛ وذلك في نفس الوقت الذي غلبت فيه فكرة التوكل، والشعور بالخضوع المطلق، كما يعتبر الرسالة النبوية الباعث الرئيسي للميول والاستعدادات نحو الزهد والتقشف، فأصبح من شعار المسلمين ازدراء حطام الدنيا، والتهوين من شأنها.[10]
ويرى المستشرق أن الفتوحات الإسلامية فتحت أعين الناس على خيرات الأمم، فبعد فكرة الزهد في العالم حلت محلها فكرة فتح العالم، وبالتالي ضعفت حركة الزهد حسبه، وظلت تتراجع حتى مع مجيئ دولة الأمويين التي شرعت في التضييق على الروح الدينية لأسباب سياسية.
و الأكثر من ذلك حسبه أن في “وثائق الفكر الديني دلائل الاستنكار الصريح غير الخفي للزهد المتجاوز للحد المألوف لما تتطلبه أحكام الشرع، مع أن النبي في السنوات العشر الأولى من بعثته كان دون ريب يحبذه بلا قيد أو تحفظ، وهذا يدل على أننا نواجه روحا طرأ عليها تعديل كبير.”[11]
ويساند فون كريمر في التمسك بالتأثير الهندي بسبب التشابه الكبير بين طقوس الفرق الدينية الهندية والصوفية العربية من ذلك حياة التسول والتجوال التي تشبه الرهبان السائلين الهنود “السادو”، ولبس الخرقة الذي يضارع جماعة البيكشو الهندية إلى جانب اعتماد المسبحة.[12]
الفئة الثانية من الباحثين لها رأي معتدل في التأثير الأجنبي صار يتلاشى مع تقدم العصر يأتي على رأسهم ماسينيون الذي أضحى يقول بهيمنة المصدر الإسلامي للتصوف في حين يشير إلى بعض التأثير للثقافة الهلينية، ولا يختلف نيكلسون عن زميله من القول بالتأثير الإسلامي، مستثنيا بعض المتصوفة الذين تأثروا بشكل محدود بالفلسفة الهندية والفارسية كما عند أبي يزيد البسطامي، أو بالأفلاطونية الحديثة على شاكلة ما حدث مع ذي النون المصري.[13]
وهناك رأي ثالث يحرص على ربط ظهور التصوف وتطوره بظروفه الخاصة التي نشئت من رحم المجتمع فهو حصيلة نضج الدراسات الخاصة بالتصوف الإسلامي، وأتباعه يرون أن الحركة الروحية في الإسلام من العمق والتعقيد مما لا يجيز ربطها بجهة دون أخرى، أو بعامل واحد فحسب، وإلى هذا الرأي انتهى نیکلسون في دراساته المتأخرة[14]؛ وقد عولجت مسألة نشأة التصوف في الإسلام معالجة خاطئة إلى عهد قريب جدا، فقد ذهب كثير من أوائل الباحثين في هذا الموضوع إلى القول بأن هذه الحركة العظيمة التي استمدت حياتها وقوتها من جميع الطبقات والشعوب التي تألفت منها الامبراطورية الإسلامية، يمكن تفسير نشأتها تفسيرات علمية دقيقة بإرجاعها إلى أصل واحد كالفيدانتا الهندية[15] أو الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، أو بوضع فروض أكثر ما يقال فيها بأنها فروض تفسر جانبا من الحقيقة لا الحقيقة بأكملها وذلك كقولهم بأن التصوف رد فعل للعقل الآري ضد دين سامي فرض عليه فرضا، وبدلا من أن نضيع الوقت عبثا في البحث عن مصدر واحد للتصوف يجدر بنا أن ندرس العوامل المختلفة المساعدة.[16]
لذلك يصرّ أبو العلا العفيفي على أن الطريقة السوية في معالجة التصوف الإسلامي مسألة نشأة التصوف الإسلامي تقتضي النظر أولا إلى البيئة العقلية والدينية والسياسية والاجتماعية التي نشأت فيها تلك الظاهرة الكبرى (التصوف) التي غيرت مجرى تاريخ الإسلام[17]؛ وقد استلهم الفكرة من الباحث محمد إقبال الذي شجب ارجاع كل ظاهرة في بيئة ما إلى عوامل خارجية مع إهمال العوامل الداخلية واسقاطها خاصة عندما ذهب المستشرقون إلى التصوف فعالجوه من الخارج، متناسين أن أية ظاهرة عقلية أو تطور عقلي في الأمة لا يكون لهما معنى ولا يفهمان إلا في ضوء الظروف العقلية والسياسية والدينية والاجتماعية التي عاشت فيها هذه الأمة قبل ظهور تلك الظاهرة.
ولقد تراجع بعض المستشرقين في الفترة الحديثة عن آرائهم التي كانت تقول بالتأثير الأجنبي وتكتفي به مفوضين الأمر للتأثير من داخل الإسلام، ومن مصادره الأصيلة القرآن والسنة، وعلينا دائما الحذر من هذه الآراء وتلك الاستنتاجات لأنها تقول بعض الحقيقة، وتتنصل عن أخرى، فما جدوى الادعاء بأن التصوف إسلاميٌ محض رغم أنه عرف ظواهرا غريبة عن الاعتقاد الإسلامي كوحدة الوجود والحقيقة المحمدية، والنور المحمدي والحلول، وهي أثر حقيقي من الفكر المسيحي والهندي، وإن كانت نزعة الزهد حقيقة قد خرجت من البيئة الإسلامية، فإن التصوف في تطوره وتفلسفه قد تأثر بالفكر الآري وبالعديد من الاعتقادات الدينية التي تسللت إلى البيئة العربية حينما بلغت الحضارة أوجها، والفتوحات الإسلامية مداها.
- الحركة التصحيحية في دراسة التصوف:
وفئة ثانية من الباحثين قاوموا القول بالتأثيرات الأجنبية كعوامل منشئة للزهد، وأبانوا عن الدافع الإسلامي الأصيل لحركة الزهد باستقلال عن المؤثرات الأجنبية، وممن ذهب إلى هذا الرأي الباحث (لوي ماسينيون) وأيده آخرون من أمثال ماكدونالد[18] ومارجليوث[19]، كذلك انتهى نیکلسون في دراساته المتأخرة إليه، وإلى هذا الرأي يذهب معظم الباحثين العرب من المعاصرين، وعليه اجتمعت كلمة شيوخ الصوفية أنفسهم ممن ربطوا سلوكهم و رياضاتهم ومجاهداتهم جملة وتفصيلا بمصدري الإسلام: القرآن الكريم وسنة الرسول.
ولا يتردد ماسنيون في رفض القول بأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أخرج المتصوفة ابتداء من الجماعة الإسلامية، فيقول: << إذ لا يخفى اليوم على أحد أن الحديث المشهور (لا رهبانية في الإسلام) حديث موضوع[20]، وليس من شك أنه وضع في القرن الثالث الهجري على أكثر تقدير تحبيذا وتدعيما لتفسير جديد للآية السابعة والعشرين من سورة الحديد[21]؛ التي ورد فيها ذكر الرهبانية، وهو تفسير يحرمها ويعيذ الإسلام منها، وكان مفسرو القرون الثلاثة للهجرة أمثال مجاهد وأبي إمامة الباهلي والمتصوفة القدامى الذين عرفوا بالحرص قد أجمعوا على تفسير هذه الآية تفسيرا يجيز الرهبانية ويمتدحها، قبل أن يشيع التفسير المعارض الذي غلّبه الزمخشري على جميع التفاسير.>>[22]
يرى ماسنيون[23]؛ في القرآن البذور الحقيقية للتصوف عامة، وهذه البذور كفيلة وحدها بتنميته في استقلال عن أي غذاء أجنبي، ويعتبر كل بيئة دينية يتوافر لأبنائها الإخلاص والتكفير، تصلح لأن يظهر فيها روح التصوف، فليس التصوف إذن من خصائص عنصر أو لغة أو أمة بل لا تحده مثل هذه الحدود المادية، فمن القرآن – يردد المسلم تلاوته، ويتأمل في آياته، ويقوم بفرائضه – انبثق التصوف الإسلامي ونما وتطور وقد انتهى ماسينيون في دراسته الموسومة بـ «بحث في نشأة المصطلح الصوفي في الإسلام والتي نشرها سنة 1922 إلى أن مصادر المصطلحات الصوفية أربعة :
الأول: القرآن وهو أهمها.
الثاني : العلوم العربية الإسلامية، كالحديث والفقه والنحو وغيرهما .
الثالث: مصطلحات المتكلمين الأوائل .
الرابع : اللغة العلمية التي تكونت في الشرق في القرون الستة المسيحية الأولى من لغات أخرى كاليونانية والفارسية وغيرها، وأصبحت لغة العلوم والفلسفة”.[24]
لقد قام لويس ماسينيون في مقالته عن أصول معجم التصوف الإسلامي الذي نُشر عام 1922، بأول محاولة لفحص النصوص، فكانت نتيجة هذا العمل ترسيخ نهج التصوف في تجربة وتأمل القرآن والسنة النبوية، وهكذا أثبت أن المساهمات الأجنبية تظل بعد كل شيء العناصر التابعة فيما يتعلق بالجوهر المركزي للحياة الصوفية، وتعتبر دراسة ماسينيون علامة بارزة في تاريخ الاستشراق لأنها فتحت الطريق لتحليل اللغة الصوفية والتفسير، ثم إن البحث الحديث الذي يمثله عمل “بول نويا” “التفسير القرآني واللغة الصوفية”[25]؛ سوف يؤكد أساس نتائجه، ويتفرد عنه عندما يحرر دراسته للتصوف الإسلامي من الذاتية المتضخمة التي ألصقها به ماسينيون، مما جعل حتى ارجاع التصوف إلى القرآن أمرا عسيرا.
إن الاتجاه الروحي والتفسير الذوقي للنصوص الدينية، ليس وقفا على دين دون دين فكما أن النزعة العقلية لم يخل منها دين من الأديان، فالتفسيرات الروحية مما عمّ الأديان قاطبة، ففي كل دین صوفية مالوا إلى فهم النصوص الدينية في صور من التأويلات الرمزية التي تعتمد على المعرفة الذوقية التي تتأتي بضرب من الاتصال والمشاهدة، مشاهدة الجمال الحق والجلال المحض والكمال الصرف، فكانوا بهذا الاعتبار يمثلون تارة الجوانب الروحية الخالصة للدين، وتارة يشكلون رد فعل عنيف لاتجاه أتباع المدارس الفقهية والكلامية، ممن التزموا حرفية النصوص ووقفوا عند ظواهرها، واهتموا بأحكام المعاملات والعبادات الظاهرة، أو ممن جردوا العقيدة الدينية وفق مناهج عقلية صارمة قوامها المنطق والبرهان، وهذا يعلل الموقف المعارض للصوفية من الفقهاء والمتكلمين – علماء الرسوم – لا بل أسرف بعض غلاة الصوفية كما سنلاحظ فأنكر قيمة ظواهر النصوص الشرعية، بل منهم من ألغاها إطلاقا، واستبدل عنها علما آخر لا يعتمد على الرواية أو استخدام العقل في فهم المرويات واستنباط الأحكام منها، ولكنه يعتمد الإلهام الذي يفيض على قلبهم من جانب الله تعالی دفعة مباشرة ومن غير واسطة.[26]
- الاحتكام إلى العامل الديني:
- أثر الزهد في الممارسة الصوفية:
تعود نشأة التصوف في الإسلام إلى حركة الزهد العظيمة التي ظهرت بتأثیر تعاليم المسيحية في القرن السابع الميلادي كما هو واضح من كتب تراجم الصوفية التي تفيض بأخبارهم وأقوالهم، ومنهم كثير من كبار زهاد العصر الأول[27]؛ وقد احتفظت هذه الحركة بطابعها الإسلامي إلى حد كبير بالرغم من أن فيها بعض النواحي الخارجة على روح الإسلام، وربما كان أهم صفاتها الإحساس الديني العميق، والشعور الغامر بالضعف الإنساني، والخوف من الله، والتفويض التام له والخضوع لإرادته.
ولم يكن للصوفية إلى ذلك العهد حياة زهد منظمة داخل الزوايا والطرق وما إليهما، ولو أن بعض الزهاد كانوا يسيحون في البلاد ومعهم القليل من المريدين[28]؛ أو يعقدون بعد الصلاة مجالس يتدارسون فيها القرآن أو يتكلمون في مواجدهم، وكانت البصرة مركزا للزهاد الذين لم يعبأوا كثيرا بالطقوس والرسوم الدينية، ناظرين إلى الزهد في أرقی درجاته على أنه أمر باطني بحت، بينما كان أهل الشام ينظرون إليه من ناحية رسومه ومظاهره الخارجية، ولم يظهر العنصر الصوفي في وضوح عند قدماء الصوفية بمقدار ما ظهرت النزعات القوية نحو الزهد، بل قد نجد دائما أولئك الزهاد المنقطعين إلى العبادة الذين قد نتردد في تسميتهم صوفية بالمعنى الدقيق، فكان الزهد الذي يعني في أصله اليوناني التمرين والرياضة وفي الاصطلاح استبدال الحالة المحمودة بالحالة المذمومة أي الإعراض عن الشهوات هو الصورة البدائية للتصوف.[29]
ويعلل جولد زيهر أسباب الميل إلى الزهد في العهد الأموي بالثورة على السلطة، واحتجاجا على ما ينكرون من حكومة ونظام[30]؛ ويرى أن طريقة الزهد العربية قد سايرت التوجه الزهدي المسيحي المعتمد على الرهبنة والنسك، ومن الشواهد التاريخية التي يستند إليها أن امرأة رأت يوما فتية يتئدون في سيرهم، ويتحفظون في حديثهم، مما يتناقض كثيرا مع ما جُبل عليه العربي من طلاقة في القول، وخفة في الحركة، ولما استخبرت عنهم وهي متعجبة من أمرهم أجيبت بأنهم نسّاك، فلم تستطع أن تخفي عمن حولها ما لاحظته، وقالت: “كان والله عمر إذا تكلم أسمع، وإذا مشى أسرع، وإذا ضرب أوجع، وهو الناسك حقا.”[31]
ومن خصوصيات هذا الفريق:
- التركيز على الأذكار الصوفية حتى صارت هيكلا أساسيا في بناء الطرق قد يصل عند بعضهم إلى مرتبة الفرائض أو يتجاوزها.
- قوة التوكل على الله حتى أهملوا الدنيا وما فيها، وصار الصوفي ابن وقته غير معلق بغد أو مستقبل.
- عدم المبالاة بالأسقام والأمراض، والتجافي عن آراء الناس وأحكامهم.
نرى في القرن الثاني للهجرة بساطة في ممارسة التصوف، لأن عماده في ذلك الحين الكتاب والسنة، ولم تتسلل إليه بعد تيارات فكرية متغلغلة، لقد كان كل شيء إلى ذلك الحين على بساطته وشفافيته، ولقد جمع القشيري طائفة طويلة من تعاريف المتصوفة للزهد، وعددناها فوجدناها أربعين تعريفا وإشارة، فلا ترى بينها تشابها ولا تساويا بل هي رؤى ابنة التجربة الصوفية، والممارسة العملية، وقد تجد الزاهد عينه يضع مفهوما للزهد، ويضع تصورا مغايرا له في مقولة أخرى ما يؤكد فعلا أن المتصوفة أرباب أحوال لا أقوال<< وقد اختلف السلف في الزهد، فقال سفيان الثوري، وأحمد بن حنبل، وعيسى بن يونس وغيرهم، الزهد في الدنيا إنما هو قصر الأمل، وهذا الذي قالوه يحمل على أنه من أمارات الزهد، والأسباب الباعثة علية، والمعاني الموجبة له، وقال عبد الله بن المبارك: الزهد هو الثقة بالله تعالى مع حب الفقر، وبهذا قال شفيق البلخي، ويوسف بن أسباط، وهذا أيضا من آمارات الزهد، فإن العبد لا يقوى على الزهد إلا بالثقة بالله تعالى.>>[32]
ومن هنا يتبدى لنا أن التصوف ليس نظاما متجانسا محدودا من حيث نظرياته أو طقوسه، بل لا يوجد تعريف مضبوط مجمع على قبوله تندرج تحته اتجاهات التصوف العامة، فهناك على الأخص فروق لا حصر لها في تفصيلات أفكاره ووقائعها، وزيادة على ما اعترى حركة التصوف من تطور داخلي، فإن رد الفعل الخارجي والمؤثرات التاريخية التي غلب أثرها في البيئات الصوفية المختلفة، أدى إلى اختلافات وتفريعات لا تحصى وانقسامات في الأساس النظري لهذا النظام، بل تظهر هذه الاختلافات في كيفية النظر إلى فكرة التصوف نفسها.[33]
وقد أدى بهؤلاء الزهاد النظر في أولى عقائدهم – وهي عقيدة التوحيد – إلى الاعتقاد بأن الزهد بمعناه الحقيقي يتعارض مع كل رغبة أنانية، حتى الرغبة في أخذ النفس بجميع ألوان الرياضة والحرمان أملا في الفوز بثواب الله في الآخرة، وجعلوا الغاية من زهدهم الوصول إلى محبة الله في غير مقابل[34]؛ << وأدت بمبالغة قدماء الزهاد في اتباع الأوامر الدينية لظهور مذهب جديد أوشك في النهاية أن يتحلل أصحابه من تلك الأوامر الدينية نفسها، ولكنهم لم يصلوا إلى هذه النتيجة دفعة واحدة، فإن متصوفة القرن الثاني ظلوا على مذهب أهل السنة ملتزمين قواعد الشرع مع تمسكهم بالفقر، ومحاربة النفس والتوكل على الله في جميع أمورهم، وكان خوفهم من الله أشد من حبهم إياه، و بالجملة لم يكن في تصوفهم صفات بارزة يمتاز بها، ولا وجهة نظر خاصة، بل وقفوا في منتصف الطريق بين الزهد والتصوف.>>[35]
- التعمق في الممارسة الدينية:
حاول أوائل الصوفية في القرن الثالث أن يخضعوا للإرادة الإلهية في كل ما صدر عنهم من قول أو فعل أو فكر، وفي هذا تعبير صريح عن تصورهم لله من حيث هو «رب العالمين » منزه عن جميع صفات الحوادث، وقد حاولوا تحقيق هذه الفكرة عن طريق الزهد فأدت بهم إلى النتيجتين الآتيتين :
أ – عقيدة الحب الإلهي التي هي أرقي صورة من صور الرضا.
ب – الوجد الذي كثيرا ما يكون نتيجة للرياضة والمجاهدات الروحية إما قسرا وإما عمدا.
وكان لابد من أن تصطدم هذه الحياة الصوفية الجديدة، حياة الحب والوجد، بالإسلام على الرغم من أن أوائل الصوفية كانوا إلى حد بعيد على مذهب أهل السنة، فكانت رابعة العدوية تقول إنها لا تخاف عذاب الله ولا ترجو ثوابه[36]؛ و إن حبها لله قد شغلها حتى عن حب رسوله، لأنها لم يعد في قلبها مكان لسوى الله، هكذا بدأ الحائل بين الحق والخلق يزول شيئا فشيئا، وتحول معنى «التوحید» إلى «وحدة الوجود» فحلت محل صورة الله الواحد المنزه عن صفات المحدثات صورة الوجود الواحد المطلق ( الحق) الظاهر في كل مظهر من مظاهر الخلق، المتجلي في صورة الصوفي عند فنائه عن نفسه في حال وجده، والوجد الصوفي << هو حالة يشعر فيها المرء بانقطاع أوصافه البشرية وباتحاد نفسه بالموجود الكامل المتعالي أي بالله، والنفس التي يغشاها الوجد تنقطع عن الاتصال بالعالم الخارجي، وتتحد بموضوعها الذاتي اتحادا مباشرا.>>[37]
- تطور الممارسة الدينية:
كثيرا ما وجدنا المشتغلين بدراسة التصوف يستندون على الأصل النبوي للتصوف ولسيرة الصحابة التابعين يرونه انتقالا عفويا للممارسة الدينية المتشبعة بتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبوصايا علي ومن جاء بعدهما، حتى أن بعض المشتغلين بدراسة التصوف يلحون على ربط أصول الصوفية بنبي الإسلام، وأن يكتسب تفسيره من كلمة الله المنزلة في القرآن، حتى صار تدبر القرآن كذلك من الوسائل التي تجنح بالروح إلى حال التصوف، أو تغيب بها عن الحضور، فكلما رتّل القرآن ترتيلا كان وقعه أقدر على دفع النفس إلى حالة أعلى، وفتح لها باب قبول جديد.[38]
وقد انجر عن هذه التأملات والسبحات كما يشير صاحب تذكرة الأولياء علم لدني رباني كان أفضل الكلام وأجله بعد كلام الله عز وجل وكلام الأنبياء، معتبرا العلم الذي جاء بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم من نتائج العمل والحال لا ثمرة الخلاف والقال، وهي من العيان لا من البيان، ومن الأسرار لا من التكرار، ومن العلم اللدني لا من العلم الكسبي.[39]
وإذا ما تجرد المرء من الصفات التي يوجدها العالم الخارجي في نفسه كانفعالات، ثم محق كل أثر لإرادته وعاطفته، وهي الحالة النفسية التي يطلق عليها الصوفيون كلمة الجمع، كما أنها فكرة السماذى الهندية عندما يقابلون بين هده الحالة وحالة النفس المتقلبة المتغيرة بسبب الانفعالات التي تؤثر فيها، فإنه يعتبر كل هذه الحالات مندرجة تحت موضوع السكر الروحي، لأنه بتجرده ومحقه لإرادته وعاطفته قد ثمل من الشراب القدسي المسكر لجمال الذات الإلهية وامتلأ بنورها الباهر الذي أشرق على روحه وملأ جوانبها وسلبها حواسها الجثمانية.[40]
وإذا كان الحلاج والسهروردي وغيره من الذين تعرضوا للنقمة، فليس لأنهم صوفيون بل لأنهم تجرؤوا على الأصول الإسلامية الأمر الذي أثار ضدهم الفقهاء، << وهذا ما يعزز فكرة ابن خلدون وكلمة الدكتور ( هاملتون جب ) في أن التصوف نشأ في مرحلة راقية من مراحل التطور الديني، لأن هذا القول يتاح لأن يكون مبدءا للبحث عن تاريخ الصوفية، ومنشئها، وأسبابها، وأن القول بأنها كانت تتلقى من صدور الرجال، وأن كبار الصحابة كانوا يمارسونها، وغير ذلك من الأقوال التي لا تستند على ما يؤيدها من طريق العقل أو النقل.>>[41]
- العوامل الفكرية وأثر الفكر الدخيل الأجنبي:
يرجع التصوف في بعض نشأته إلى عوامل خارجة عن الإسلام ظلت لزمن مقياس يُتحرى به نشأة التصوف وتأتي على رأس عوامل ظهوره، وشاع طرحها بين المستشرقين[42]؛ وجرى ترديدها بين من تتلمذوا على يدهم من الباحثين العرب، أو من تأثروا بكتاباتهم، عملت عملها ابتداء من القرن الثالث الهجري، وأهم هذه العوامل وأبرزها في نظرهم هو الأفلاطونية الحديثة المتأخرة التي كانت شائعة في مصر والشام إلى عهد ذي النون المصري[43]؛ ومعروف الكرخي[44]؛ ولهذا يتخذ من ذي النون المصري محورا لبحث بعض المستشرقين، فيأتون بكثير من حياة ذي النون ونشأته، يستدلون بها على أن ذا النون كان على علم بالحكمة اليونانية الشائعة، ويتبعون حركة الثقافة اليونانية المتأخرة وطرق وصولها إلى المسلمين، وينتهون إلى أن التصوف في ناحيته النظرية مأخوذ من الأفلاطونية الحديثة، ويأتي نيكلسون في صدارة من اعتقدوا طرح العوامل الخارجية في بحوثه المبكرة.[45]
و أما في الناحية العملية فالتصوف في نظره متأثر بالفلسفة الهندية الفارسية، ودليله على ذلك أبو زيد البسطامي[46]؛ ولكننا نجد تحولا ظاهرا في نظرية نیکلسون[47]؛ في المقال الذي نشره سنة 1921 في دائرة معارف الدين والأخلاق تحت عنوان «التصوف» ، فإنه يعترف صراحة بمنزلة العامل الإسلامي من بين العوامل التي ساعدت على نشأة التصوف، حيث يقول : « وجملة القول أن التصوف في القرن الثالث – شأنه في ذلك شأن التصوف في أي عصر من عصوره – قد ظهر نتيجة لعوامل مختلفة أحدثت أثرها فيه مجتمعة: أعني بهذه العوامل البحوث النظرية في معنى التوحيد الإسلامي، والزهد والتصوف المسيحيين ومذهب الغنوصية، والفلسفة اليونانية والهندية الفارسية.
ويلخص نیکلسون رأيه في هذه المسألة بقوله : << أما في القرن الثالث الهجري فقد ظهر التصوف في صورة جديدة تختلف تمام الاختلاف عن سابقتها (يعني صورة الزهد) وهي صورة لا يمكن تفسيرها بأنها نتيجة تطور لعوامل روحية من صميم الإسلام نفسه »؛ وفي قوله :« ولكني على يقين من أننا إذا نظرنا إلى الظروف التاريخية التي أحاطت بنشأة التصوف بمعناه الدقيق، استحال علينا أن نرد أصله إلى عامل هندي أو فارسی، ولزم أن نعتبره وليد اتحاد الفكر اليوناني والديانات الشرقية، أو بعبارة أدق وليدا لاتحاد الفلسفة الأفلاطونية الحديثة، والديانة المسيحية، والمذهب الغنوصي.>>[48]
كان جميع الباحثين الغربيين مقتنعين عمليًا إن لم يكن بالأصل الهندوسي للصوفية على الأقل بطابعها الهندو-أوروبي، وبالتالي كان من الممكن تسهيل ارتباط الهند بالإسلام من خلال استخدام نصوص المنسوبة إلى فريد الدين عطار والاستشهاد بها[49]؛ واستمرت من جهة أخرى محاولات تحديد مكان الصوفية في تاريخ المعتقدات والأفكار وظلت أبحاث التصوف جزءًا من هذا الإطار لفترة طويلة، تطورت وجهات نظر جديدة مع البحث عن المصادر الإيرانية من قبل بعض المستشرقين، فوجدوا الصوفية علامة على رد فعل “الشخصية الآرية” ضد “الدين.
يمكننا أن نرى أنه على الرغم من تنوع الآراء، فإن ما تم تسليط الضوء عليه هو الطابع الأجنبي للصوفية فيما يتعلق بالإسلام وخاصة الثقافة العربية، يرتكز أساس هذه الفرضيات قبل كل شيء على كل مفهوم محدد للتاريخ، وكان يبدو للباحثين الغربيين عن أصل واحد للتصوف عبثية مسعاهم، فرفضوا كل نظرية تقول بالأصل الواحد، بما في ذلك نظرية الأصل اليوناني.
يغير نيكلسون أفكاره أو يطورها عند البحث عن أسباب التصوف وأصوله في الإسلام فيقول:<< وإني أرى الآن أنا بدلا من أن نضيع الوقت عبثا في البحث عن مصدر واحد للتصوف، يجدر بنا أن ندرس العوامل المختلفة التي ساعدت مجتمعة على تشكيل المذهب الصوفي، وأن نضع كلا من هذه العوامل في موضعه اللائق به وندرس الصلة بينها، ثم نميز بقدر المستطاع ما كان لكل منها من أثر، فإن هذه العوامل في جملتها تكون الظروف التي نشأ فيها التصوف وترعرع، سواء في ذلك العوامل السياسية أو الاجتماعية أو العقلية، كالاضطرابات والفتن الداخلية الدامية في عصر بني أمية والتعصب العقلي الذي طغى على المسلمين في العصر العباسي الأول، وكالتطاحن بين أصحاب المقالات والفرق، أو الجمود على مذهب أهل السنة من جانب العلماء.”[50]
والذي يراه المدقق في تاريخ الصوفية أن تصوف المسلمين وجد مبادئه في الكتاب والسنة، ووجد الآخذون به في الجامعة الإسلامية منذ كانت عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ويرى هذا التطور متواصلا؛ ولكن لا يُنكر أنه أخذ في سيره آراءً وأقوالا وأفعالا من النصرانية أو البوذية[51]؛ أو الأفلاطونية فقد نشأ التصوف في الجماعة الإسلامية تطور وتأثر بمذاهب أخرى كما يتأثر كل مذهب ــــ قليلا أو كثيرا ـــــ بالآراء والمذاهب المتصلة به، ولو لم يكن للنصارى رهبانية، وللبوذيين رياضة، ولأفلوطين فلسفة؛ لنشأ التصوف في الإسلام، وتطور مع الرجال والعصور والأحوال، ولكنه حين وجد هذه الفرق استعان بما يلائم مقاصده منها، وأحسب أن قياس التصوف بالمذاهب الأخرى المتشابهة، والنظر إلى تاريخ التصوف يرجح هذا الرأي، فتسليم إبراهيم بن أدهم، وحب رابعة العدوية، ومعرفة ذي النون والجنيد، وفناء أبي يزيد والحلاج، وتثليث الحلاج، ونظرية الإنسان الكامل التي بدأ بها هذا الصوفي وشرحها ابن عربي، ثم عبد الكريم الجيلي، وفلسفة السهروردي في حكمة الإشراق وهياكل النور؛ كل هذه توحي باتصال بين الصوفية والنساك في الأمم الأخرى، وفلسفة الأفلاطونية الحديثة، إن التشابه لا يثبت الاتصال ولكن يؤذن به؛ لا سيما في الأمور التي ليست نتيجة الفكر البشري الطبيعي والوجدان الإنساني العام؛ وهما متشابهان في الأمم، ولكنها نظرات فلسفية خاصة لا يجتمع عليها الباحثون اتفاقا كفيض العالم عن الله تعالى وتسلسله في الأفلاطونية الحديثة والصوفية.[52]
لا ينفي أبو القاسم سعد الله أيضا التأثيرات الأجنبية على التصوف الإسلامي سواء كان ذلك بتسرب التيارات الفكرية أو في صورة موجة دفاعية للعناصر الإسلامية في قلب التصوف، قد يكون التصوف سلك موقف الدفاع إزاء هذه الأفكار في مقتبل ظهوره في صورة زهد بسيط، لكنه لم ينفك من التأثر بهجمتها، فانحاز إلى التصوف الخالص فيقول في ذلك: “وقع هذا التحول من الزهد إلى التصوف خلال القرنين الأول والثاني، ففي القرن الثاني والثالث شاع التصوف بتأثيرات حضارية أجنبية جديدة من اليهودية إلى الهندية، كذلك أثرت الحضارة الفارسية والحضارة الإغريقية، ثم تلتهما الحضارة الهيلينستية[53]؛ وما تولد منها، ولكل حضارة طريق دخلت منه إلى الحضارة الإسلامية، ومهما كان الأمر فإن تأثير هذه الحضارات قد أحدث هزة في الفكر الإسلامي، وكان رد المسلمين على ذلك بلورة فكر محافظ انبثق عنه مذهب سني في مجال الفقه، ومذهب آخر صوفي مقلد لخط الفكر الهلينستي.[54]
الخاتمة:
مهما تعددت مشارب التصوف فعلينا أن نؤمن يقينا بأنه ظاهرة إسلامية خالصة في انبثاقها ونشوئها حينما كان متمسكا بنزعة الزهد متصلا بالشريعة لا يحيد عنها، لكنه تأثر في سيره بأفكار أجنبية ضخمت من حجم الجعجعة فيه، وعمقت الرؤى داخله، فبارح بساطة الإسلام وشفافيته، لينغرس في أفكار الحلول، ووحدة الوجود، والحقيقة المحمدية، ومن الغريب أن تكون هذه المظاهر التي عارضت الشريعة من وحي تطور داخلي للتصوف بل هي على حد تعبير ابن خلدون سرقة من طباع أمم أخرى.
ومما يدل على أن التصوف ليس مجرى برافد واحد أننا نراه لا يكاد يمثل نظاما متجانسا محدودا من حيث نظرياته أو طقوسه، بل لا يوجد تعريف مضبوط مجمع على قبوله تندرج تحته اتجاهات التصوف العامة، فهناك على الأخص فروق لا حصر لها في تفصيلات أفكاره ووقائعها، وزيادة على ما اعترى حركة التصوف من تطور داخلي، فإن رد الفعل الخارجي والمؤثرات التاريخية التي غلب أثرها في البيئات الصوفية المختلفة، أدى إلى اختلافات وتفريعات لا تحصى وانقسامات في الأساس النظري لهذا النظام، بل تظهر هذه الاختلافات في كيفية النظر إلى فكرة التصوف نفسها.
لقد رجح المستشرقون القول بالعنصر الهندي والمسيحي وأحيانا المانوي المجوسي خاصة في تظرية وحدة الوجود والإشراق، وأوشك بعضهم أن يعتبر التصوف في صورته الأولى الزهدية مسيحيا، وفي تطوره وتعمقه أفلاطونيا هنديا، وكأنهم استكثروا على المسلمين أن تنبع الظواهر من محيطهم متأثرين بنظرية سعاة البريد معللين ذلك بحلول فكرة فتح العالم على فكرة الزهد فيه، والتشابه لا يثبت الاتصال دائما ولكنه يؤذن به.
نرجح نظرية النظر إلى البيئة العقلية والدينية والسياسية والاجتماعية في فهم نشأة التصوف، وهو ما رست عليه البحوث المعاصرة عند نيكلسون ومحمد اقبال والعفيفي، وغيرهم من الباحثين المعتدلين حيث حلّ النظام الروحي الداخلي بظهور التصوف محل النظام السياسي الخارجي.
قائمة المصادر والمراجع
الكتب العربية:
- أبو الأعلى العفيفي: التصوف الثورة الروحية في الإسلام، مؤسسة هندواي، المملكة المتحدة، 2020.
- أبو القاسم القشيري: الرسالة في رجال الطريقة أو الرسالة المباركة، دار صادر، دت
- أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، ج1عالم المعرفة للنشر والتوزيع ،2017 الجزائر.
- أبو بكر الكلاباذي، كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف، مكتبة الخانجي القاهرة 1994،
- أبو عبد الله محمد بن ابراهيم الزركشي، تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية، تح محمد ماضور، المكتبة العتيقة، تونس، 2002.
- أبو يعقوب يوسف بن يحي التادلي: التشوف إلى رجال التصوف وأخبار أبي يعلى العباسي السبتي، منشورات كلية الآداب الرباط، ط2، 1997.
- أحمد علي حسن: التصوف جدلية وانتماء، اتحاد الكتاب العرب 1990.
- ايلي الريضي: لويس ماسنيون، ط1، المركز الثقافي للكتاب الدار البيضاء، المغرب، 2019.
- جميل صليبا: المعجم الفلسفي،ج1، دار الكتاب اللبناني، 1982.
- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الثاني، دار المعارف بمصر، 1975.
- طه عبد الباقي سرور: الحلاج شهيد التصوف الإسلامي، مؤسسة الهنداوي، مصر 2014.
- عبد الحليم محمود: شيخ الشيوخ أبو مدين الغوث حياته ومعراجه إلى الله، دار المعارف، مصر .د.ت
- عبد الله عزام: التصوف وفريد الدين العطار، مؤسسة الهنداوي، 2012.
- عرفان عبد الحميد فتاح: نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها، دار الجيل لبنان ط1. 1993
- عمر بن عيشة، أبحاث في التصوف والطرق الصوفية و الزوايا والمرجعية الدينية في الجزائر، دار الفيروز للإنتاج الثقافي الجزائر 2013.
- فريد الدين العطار: تذكرة الأولياء، تر محمد الأصيلي الوسطاني الشافعي، تح محمد أديب الجادر، دار المكتبي للطباعة والنشر، الإمارات 2016.
- محمود سالم محمد: المدائح النبوية حتى نهاية العصر المملوكي، دار الفكر دمشق، ط1.د.ت
الكتب المترجمة:
- اجناس جولد زيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الدين الإسلامي، تر محمد يوسف موسى، على حسن عبد القادر، عبد العزيز عبد الحق، ط2، دار الكتب الحديثة بمصر، 1959.
- آنا ماري شميل، الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف، تر محمد اسماعيل السيد، رضا حامد قطب، منشورات الجمل ، بغداد 2006.
- رينولد نيكلسون في التصوف الإسلامي وتاريخه، تر أبو العلا العفيفي، مطبعة لجنة التأليف القاهرة 1949.
- فون كريمر، الحضارة الإسلامية ومدى تأثرها بالمؤثرات الأجنبية، تر مصطفى طه بدر، دار الفكر العربي، مصر، د،ت.
- ماسينيون ومصطفى عبد الرزاق: التصوف، تر لجنة دائرة المعارف الإسلامية ،ط1، دار الكتاب اللبناني، لبنان
مواقع الأنترنيت:
- اشتهرت بحديث، وهي ليست بحديث، قال ابن حجر لم أره بهذا اللفظ، ينظر موقع اسلام ويب الفتوى رقم 35010، تاريخ النشر 20،07،2003، اطلع عليه يوم 10،10،2017، islamweb.net
- ابراهيم العريس: بول نويا الذي تفوق على ماسينيون على موقع طواسين كوم، نظر بتاريخ 18،02،2016. http:/TAWASSEN.COM
المقالات الأجنبية:
Palleja de Bustinza Victor. Le soufisme : les débuts de son étude en Occident. In: Horizons Maghrébins – Le droit à la mémoire, N°30, 1996. La Walaya. Etudes sur le soufisme d’Ibn ‘Arabî. pp. 97-107.
[1] ألفرد فون كريمر (1828، 1889) مستشرق نمساوي، عمل قنصلا في مصر وبيروت، من أشهر كتبه طبوغرافية دمشق، وكتاب الحضارة الإسلامية ومدى تأثرها بالمؤثرات الأجنبية. ويعتبر التصوف نظاما فلسفيا عربيا وفارسيا
[2] اجناتيس جولد زيهر مستشرق يهودي مجري(1850، 1921) رغم دراساته الإسلامية الكثيرة لكنه يتهم بسعيه للتشكيك في الحديث النبوي، من أهم كتبه العقيدة والشريعة في الإسلام.
[3] الإشراق عند الحكماء ظهور الأنوار العقلية ولمعانها، وفيضانها على الأنفس الكاملة عند التجرد عن المواد الجسمية ، وحكمة الإشراق هي الحكمة المبنية على الإشراق الذي هو الكشف، ينظر معجم صليبا،ج1،ص 94.
[4] ينظر فون كريمر، الحضارة الإسلامية ومدى تأثرها بالمؤثرات الأجنبية، تر مصطفى طه بدر، دار الفكر العربي، مصر، د، ت ص111
[5] الأدرية مذهب فلسفي ديني أتباعه يدعون معرفة طبيعة الله وأسمائه معرفة تامة وسامية .
[6] المرجع نفسه، ص 120
[7] يصل الباحث فون كريمر في سياق بحثه عن أصول التصوف الإسلامي إلى أن الإسلام وفقا لقانون التاريخ العالمي تغير في مدى اثني عشر قرنا تغيرا لا يقل عن التغير الذي اعترى الديانات الكبرى الأخرى، وهي مغالطة كبيرة، فقد بقي الإسلام في أسسه محافظا على ثوابته، وكان يتصدى للأفكار الدخيلة، والآراء الهجينة، ويرفض شطحات التصوف وتلبيساته، عكس التحريفات التي أدخلت على الديانات الأخرى. ينظر كتابه ص121
[8] المرجع نفسه، ص 112
[9] يطلق الفيض في اصطلاح الفلاسفة على فعل فاعل يفعل دائما لا لعوض، ولا لغرض، وذلك الفاعل لا يكون إلا دائم الوجود، لأن دوام صدور الفعل عنه تابع لدوام وجوده، وهو المبدأ الفياض ، والواجب الوجود الذي يفيض عنه كل شيء فيضا ضروريا معقولا، وجملة القول في مذهب الفيض أن العالم يفيض عن الله كما يفيض النور عن الشمس أو الحرارة عن النار فيضا متدرجا. ينظر جميل صليبا: المعجم الفلسفي،ج2، دار الكتاب اللبناني، 1982، ص 172.
[10] اجناس جولد زيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الدين الإسلامي، تر محمد يوسف موسى، على حسن عبد القادر، عبد العزيز عبد الحق، ط2، دار الكتب الحديثة بمصر، 1959، ص134.
[11] المرجع نفسه، ص 138،
[12] نفسه ص 164
[13] شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الثاني، دار المعارف بمصر، 1975، ص: 107.
[14] ينظر رينولد نيكلسون في التصوف الإسلامي وتاريخه، تر أبو العلا العفيفي، مطبعة لجنة التأليف القاهرة 1949، ص 63.
[15] كلمة تستخدم في الفلسفة الهندية كمرادف لجزء من نصوص فيدا وهي تضم التقاليد الفلسفية القائمة على البراستاناتراي أو المصادر الثلاثة للصورة الهندية: والقائلون بها يَرون أوجه الشبه بين بعض النظريات الصوفية في أرقى أشكالها وبين «الفيدانتا»، ولكنه شبه ظاهري لا حقيقي؛ لأن الفناء الصوفي الإسلامي ، وهو أخص مظاهر التصوف يختلف عن النرفانا الهندية، ينظر أبو الأعلى العفيفي: التصوف الثورة الروحية في الإسلام، مؤسسة هندواي، المملكة المتحدة، 2020، ص 56.
[16] عرفان عبد الحميد فتاح: نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها، دار الجيل لبنان ط1. 1993ص 48.
[17] ينظر أبو الأعلى العفيفي: التصوف الثورة الروحية في الإسلام، ص 51.
[18] دانكن بلاك ماكدونالد(1863،1943) مستشرق أمريكي، كان له نشاط في التبشير المسيحي، من مؤلفاته الموقف الديني والحياة الدينية في الإسلام.
[19] ديفيد صامويل مرجليوت(1858، 1940) مستشرق انجليزي يهودي رغم اهتمامه بنشر بعض التراث العربي لكنه كان متعصبا منحازا في دراساته
[20] اشتهرت بحديث، وهي ليست بحديث، قال ابن حجر لم أره بهذا اللفظ، ينظر موقع اسلام ويب الفتوى رقم 35010، تاريخ النشر 20،07،2003، اطلع عليه يوم 10،10،2017، www.islamweb.net
[21] الآية 27 من سورة الحديد، يقول تعالى: <<ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى اين مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون>> رواية حفص عن عاصم بالرسم العثماني.
[22] ماسينيون ومصطفى عبد الرزاق: التصوف، تر لجنة دائرة المعارف الإسلامية ،ط1، دار الكتاب اللبناني، لبنان 1984، ص 29، وينظر أيضا ايلي الريضي: لويس ماسنيون، ط1، المركز الثقافي للكتاب الدار البيضاء، المغرب، 2019، ص 54، وقد تتبع ماسنيون نشأة التصوف منذ البعثة النبوية إلى الحلاج، وأرجع أصله للبيئة العربية الإسلامية.
[23] لويس ماسينيون LOUIS MASSIGGNON (1883،1963) من أشهر المستشرقين الفرنسيين، اهتم كثيرا بشخصية الحلاج وكتب عنه، وعن الحياة الروحية في الإسلام، وكتاباته تدخل في إطار العولمة الروحية تعني بإيجاز دعوة جديدة إلى التواصل الروحي بين أديان العالم، وبهذا تكون العولمة الروحية المأمولة صوفية مستنيرة لتلك العولمة السياسية الشهيرة التي تسيطر عليها دوافع الاستغلال وتدفع حضارة الانسان اليوم نحو مصير مجهول من الضياع والهلاك، ينظر ايلي الربضي: لويس ماسنيون، المركز الثقافي للكتاب، ط1، 2019 ص52.
[24] عرفان عبد الحميد فتاح: نشأة الفلسفة الصوفية وتطورها ص 45ـ46.
[25] ينظر ابراهيم العريس: بول نويا الذي تفوق على ماسينيون على موقع طواسين كوم، نظر بتاريخ 18،02،2016، http:/TAWASSEN.COM
[26] وهو ما يسميه المتصوفة بالعلم اللدني( من لدن الله) الرباني الذي يقذف كالنور في قلب الولي و العبد المؤمن الصادق، يأتي طوعا للعبد المنيب بعد مجاهدات ورياضات، وعبور مقامات وأحوال. وقد قيل لبعض الصوفية : ألا تذهب فتسمع الحديث عن عبدالرزاق، فقال ما يصنع بالسماع من عبدالرزاق من سمع من الملك الخلاق، وكان أبو يزيد البسطامي يقول في حديثه عن علماء الظاهر: مساكين أخذوا علمهم ميتا عن ميت، وأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت». وكان ذو النون المصري يقول: «علم الظاهر حدثنا وأخبرنا ونهانا وأمرنا، وعلم الباطن مواهب من الله وميثاق منه على خاصته يحكم به عليهم فيما بينه وبينهم لا يطلع عليه : ملك مقرب ولا نبي مرسل». واشتهر عند الصوفية قولهم: «حدثني قلبي عن ربي». أو حدثني ربي)» ردا على قول المحدثين : حدثنا فلان، وأخبرنا فلان .
[27] يأتي على رأسهم الحسن البصري(21ه 110ه) الجنيد البغدادي(215ه . 298ه) وبشر الحافي(150ه . 227 ه)، وابراهيم بن أدهم(ت 161ه) شقيق البلخي(ت 194ه) أبو يزيد البسطامي(188ه، 261ه)، ينظر الرسالة القشيرية دار صادر لبنان ط3، 2011، ص 259 حيث أفرد فصلا لأعلام التصوف والزهد.
[28] ينظر آنا ماري شميل، الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف، تر محمد اسماعيل السيد، رضا حامد قطب، منشورات الجمل ، بغداد 2006، ص 31.
[29] ينظر جميل صليبا: المعجم الفلسفي،ج1، مادة الزهد، ص 640، والزهد في اصطلاح أهل الحقيقة هو بغض الدنيا والإعراض عن شهواتها، وهذا المعنى قريب من معنى التقشف، لأن التقشف ترك الترفه والنعمة، ومحاربة النفس في سبيل الوصول إلى الكمال الأخلاقي.
[30] اجناس جولد زيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الدين الإسلامي، ص 147
[31] المرجع نفسه، ص149
[32] أبو القاسم القشيري: الرسالة في رجال الطريقة أو الرسالة المباركة، دار صادر د.ت ،ص:68
[33] اجناس جولد زيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الدين الإسلامي، ص 165
[34] يتردد ذلك في أقوال المتصوفة كثيرا ويسمونه عبادة الأخيار وهي عبادة لوجه الله حبا فيه تحقق تمام العبودية لله دون خوف من جحيم أو طلب نعيم، وتقابلها عبادة التجار وهي عبادة العوام بين خوف ورجاء.
[35] رينولد نيكلسون في التصوف الإسلامي وتاريخه. ص69.
[36] متصوفة شهيرة من مؤسسات مذهب الحب الإلهي كانت عابدة زاهدة آمنت بالحب الخالص لله، ورفضت الزواج، (100هـ ,180هـ) ينظر فريد الدين العطار: تذكرة الأولياء، تر محمد الأصيلي الوسطاني الشافعي، تح محمد أديب الجادر، دار المكتبي للطباعة والنشر، الإمارات 2016، الملحق ص849.
[37] ينظر جميل صليبا: المعجم الفلسفي،ج2، مادة الوجد ص556 والوجد غير الايمان لأن المؤمن يعتقد ولا يرى، وهو غير العلم لأن العالم لا يرى إلا بواسطة الفكرة، أما الوجد فهو اتحاد مباشر بالشيء، يغيب فيه الرائي عن نفسه، وان لحظها فمن حيث هي واهبة وفاقدة، ولذلك قيل أن الوجد يرد عقيب الفقد، فمن لا فقد له ، فلا وجد له.
[38] ينظر آنا ماري شميل، الأبعاد الصوفية في الإسلام وتاريخ التصوف، ص 34.
[39] ينظر فريد الدين العطار: تذكرة الأولياء، ص 19.
[40] اجناس جولد زيهر، العقيدة والشريعة في الإسلام، تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الدين الإسلامي، ص 155.
[41] أحمد علي حسن: التصوف جدلية وانتماء، اتحاد الكتاب العرب 1990، ص112.
[42] وقد جعلنا العوامل الفكرية في المرتبة الثالثة لأن أهميتها تلاشت مع تطور الدراسات حول التصوف، وتراجع بعض المستشرقين عن نظرتهم المتطرفة تلك، وجعلنا العوامل الداخلية هي الأولى في سياق البحث.
[43] عالم وصوفي من مصر (179 هـ، 245هـ) من أقواله لا تسكن الحكمة معدة ملئت طعاما، ، توبة العوام تكون من الذنوب وتوبة الخواص تكون من الغفلة، صحة الجسد في قلة الأكل، وصحة الروح في قلة الذنوب، ينظر تذكرة الأولياء، ص:171.
[44] من أشهر الصوفية في بغداد عرف بزهده وتقواه وورعه وغزير علمه (ت 200 هـ)، مقتدى أهل الطريقة، ومقدم الطائفة وسيد المحبين، وخلاصة العارفين في عهده، بل لو لم يكن عارفا لم يكن معروفا، من أقواله السائرة: انتظار الشفاعة بلا متابعة السنة نوع من الغرور، وارتجاء الرحمة مع العصيان جهل وحماقة، وقيل له ما التصوف؟ قال: الأخذ بالحقائق، واليأس عما في أيدي الخلائق. ينظر التذكرة ص 348.
[45] ينظر مقدمة كتاب رينولد نيكلسون في التصوف الإسلامي وتاريخه، ص: و.
[46] أبو يزيد البسطامي طيفور بن عيسى صوفي وعالم، اسمه الفارسي بايزيد ولد سنة 180 هـ وتوفي سنة 234 هـ، لقب بسلطان العارفين، قال أحمد بن الخضرويه، رأيت الله في المنام، فقال : الناس كلهم يطلبون مني، إلا أبا يزيد فإنه يطلبني، ينظر ترجمته في تذكرة الأولياء لفريد الدين العطار، ص 183
[47] رينولد نيكلسون REYNOLD ALLEYNE NICHOLSON(1868، 1945) مستشرق إنجليزي اهتم بالتصوف والأدب الفارسي، وترجم أشعار جلال الدين الرومي.
[48] رينولد نيكلسون، في التصوف الإسلامي وتاريخه: 40؛ والغنوصية هي مصطلحات حديثة تطلق على مجموعة من أفكار ومعارف من الديانات القديمة التي انبعثت من المجتمعات اليهودية في القرنين الأول والثاني الميلاديين لتفسير التوراة.
[49] Palleja de Bustinza Victor. Le soufisme : les débuts de son étude en Occident. In: Horizons Maghrébins – Le droit à la mémoire, N°30, 1996. La Walaya. Etudes sur le soufisme d’Ibn ‘Arabî. pp. 97-107.
[50] المرجع نفسه. ص 73.
[51] يرى جولد زيهر أن معالم الطريق عند البوذيين والصوفيين مهما تباينت، إلا أنهما يشتركان في صدورهما من مبدأ واحد، ويتفقان في أن التأمل، ويسمى عند الصوفيين المراقبة أو الديانة، يشغل مكانا مهما كمرحلة إعدادية للسير نحو أعلى مراتب الكمال، وذلك حينما يصبح التأمل وموضع التأمل شيئا واحد، ينظر العقيدة والشريعة في الإسلام، تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الدين الإسلامي، ص162.
[52] عبد الله عزام: التصوف وفريد الدين العطار، مؤسسة الهنداوي، 2012، ص: 16
[53] تأتي كلمة الهلينستية من الكلمة اليونانية التي تعني تقليد الإغريق، وعلى المستوى الاجتماعي و الثقافي نشرت الحضارة الهلنستية اللغة اليونانية والفلسفة والفن، ينظر موقع www.almrsal.com نظر بتاريخ 17 أفريل 2019 على الساعة 19,20
[54] أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، ج1عالم المعرفة للنشر والتوزيع ،2017 الجزائر، ص:286.