الأمن الفكري؛ أهميته ومهدداته وطرق ووسائل تعزيزه من المنظور الإسلامي
Intellectual security: its importance, threats, and ways and means of protecting it from an Islamic perspective
د. إسماعيل صديق عثمان، قسم مقارنة الأديان في كلية العلوم الإنسانية، جامعة بحري، السودان.
Dr. ISMAIL Siddig Osman, UNIVERSITY OF BAHRI
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات المقارنة – العدد 14- الصفحة 11.
Abstract
In this research entitled (Intellectual security: its importance, threats, and ways and means of protecting it from an Islamic perspective). Emphasizing and highlighting the necessity and importance of intellectual security; The researcher investigated the concept and importance of intellectual security and its reality in Islamic countries. He also stood on internal and external intellectual security threats and their impact on society. Indicating the controls and means of protecting intellectual security in Islam. As well as how to protect intellectual security and mechanisms of change and advancement of the Muslim community. It has been clarified through the research that there is an urgent need to take care of security studies that emphasize the importance of immunizing the Muslim mind against intellectual invasion and that thought is the cornerstone of the movement of human behavior and behavior. To achieve the goals that the researcher seeks, he followed the descriptive analytical approach through the methods of deduction and induction. One of the most important findings of the research is that thought is the basis for the movement of human behavior and behavior, and intellectual balance is a guide to the eligibility and soundness of thought in human behavior. And that the situation in the Islamic world in recent years and the developments that prevailed in the forms, manifestations, causes and motives of regional and international revolutions and conflicts, are due in large part to what was produced by some destructive ideas and ideologies.
Keywords: intellectual security, threats to intellectual security, mechanisms of change in the Muslim community.
مستخلص:
في هذا البحث المعنون ب( الأمن الفكري؛ أهميته ومهدداته وطرق ووسائل تعزيزه من المنظور الإسلامي) تأكيد وإبراز لضرورة وأهمية الأمن الفكري؛ وقد استقصي الباحث فيه مفهوم وأهمية الأمن الفكري وواقعه في البلاد الإسلامية. كما وقف على مهددات الأمن الفكري الداخلية الخارجية وأثرها في المجتمع. مبيناً ضوابط ووسائل حماية الأمن الفكري في الإسلام. وكذلك كيفية حماية الأمن الفكري وآليات التغيير والنهوض بالمجتمع المسلم. وقد وضح من خلال البحث أن هناك حاجة ماسة للعناية بالدراسات الأمنية التي تؤكد على أهمية تحصين العقل المسلم ضد الغزو الفكري وأن الفكر هو الركيزة الأساس لحركة سلوك الإنسان وتصرفاته، كما أن ما آلت اليه الأوضاع في العالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة وما ساد من تطورات في مظاهر وأسباب ودوافع الثورات والصراعات الإقليمية والدولية، يعود في جانب كبير منه إلى ما أفرزته بعض الأفكار والأيدولوجيات الفكرية الهدامة من الآثار السلبية التي أصابت الأمة جراء الغزو الفكري فأنتجت الهزيمة النفسيَّة والفوضويَّة في طلب العلم وإبعاد الدين عن الحياة وكذلك في التفكير وتدمير القيم الأخلاقية فانهارت الفضائل وتم طمس الهوية في المجتمع المسلم في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يتبنى دعاوى عصرنة العلم والثقافة والدين. ولتحقيق المرامي التي يسعى إليها الباحث اتبع المنهج الوصفي التحليلي من خلال اسلوبي الاستنباط والاستقراء. ومن أهم النتائج التي خلص اليها البحث أن الفكر يعد الركيزة الأساس لحركة سلوك الإنسان وتصرفاته، ويعتبر الاتزان الفكري دليل أهلية وسوية الفكر في سلوك الانسان. وأن ما آلت اليه الأوضاع في العالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة وما ساد من تطورات في أشكال ومظاهر وأسباب ودوافع الثورات والصراعات الإقليمية والدولية، يعود في جانب كبير منه إلى ما أفرزته بعض الأفكار والأيدولوجيات الفكرية الهدامة.
الكلمات المفتاحية: الأمن الفكري، مهددات الأمن الفكري، آليات التغيير في المجتمع المسلم.
المقدمة:
تجتاح العالم الإسلامي هذه الأيام موجة متصاعدة من محاولات الغزو الفكري مستغلة التدهور الاقتصادي والسياسي الذي تعيشه كثير من بلاد المسلمين وقد خلق الله تعالى الإنسان وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل، ودعاه إلى إعمال هذا العقل بالتدبر والتفكر (والفكر السوي من أهم أسباب ارتقاء الأمم وتقدمها, ففيه تُصقل العقول وتُنمّى المهارات, لذلك نجد أن كل أمة حريصة على حماية فكرها من أي انحراف قد يشوبه أو ينتزع ثوابته).([1]) وعليه تظهر الحاجة الماسة للعناية بالدراسات الأمنية التي تؤكد على أهمية الدراسات البحثية التي تسعى إلى تحصين العقل المسلم ضد الغزو الفكري الذي تتعرض له الأمة الإسلامية, ويعتبر الإسلام أن حماية الفكر من صميم واجبات المسلم تجاه ذاته فهو الذي يعكس تصورات العقل مناط التكليف، وفي عالمنا الحاضر وفي ظل الأوضاع السياسية والأمنية في العالم خلال السنوات الأخيرة؛ وما ساد من ثورات وصراعات إقليمية ودولية أفرزت بعض الأفكار والأيدولوجيات التي أثرت سلباً في بلورة فكر ووعي عقلاني متعدد التوجهات, مما جعل من مسألة حماية الأمن الفكري ضرورة ملحة لا يمكن بدونها تفهم حقيقة أمن المجتمعات وبلوغه.
أهمية البحث: يُعد الفكر الركيزة الأساس لحركة سلوك الإنسان وتصرفاته، ويعتبر الاتزان الفكري دليل أهلية وسوية الفكر في سلوك الانسان ومن هنا تنبع أهمية الأمن الفكري وحمايته خصوصاً بعد ما آلت اليه الأوضاع في العالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة وما ساد من تطورات في أشكال ومظاهر وأسباب ودوافع الثورات والصراعات الإقليمية والدولية، والتي تعود في جانب كبير منها إلى ما أفرزته بعض الأفكار والأيدولوجيات الفكرية الهدامة وكذلك فإن الحفاظ على الفكر يعني ضمان حريته والحث على إنتاج أعماله في شتى مجالات الحياة لأنه يمثل الحريات الأساسية في تسيير أنظمتها على النهج العقائدي، وإهماله بالضرورة يفضي إلى هدم أصول منهج تنظيم الحياة. ولذلك يكتسب هذا الموضوع أهمية خاصة لأنه يتعلق بالأمن الفكري كظاهرة ذات آثار مدمرة تؤثر على استقرار المجتمعات وتؤدي إلى نشوء الصراعات الداخلية بين أفراد الأمة والصراعات الخارجية بين الأمم.
مشكلة البحث: يري الباحث أنه لابد من معرفة بعض الأسئلة والمنطلقات التي يجب الرجوع إليها والصدور عنها للولوج في هذا البحث وهي:-
- هل الأمن الفكري ضرورة حياتية؟ وماذا يحدث في حالة فقدانه؟ وكيف نستطيع حمايته وحماية مكتسبات الأمة الإسلامية في أعظم ضرورياتها وحماية لعقيدتها ووجودها وما تتميز به عن غيرها من الأمم؟.
- ما أهمية الأمن الفكري التي تستدعي تحقيقه؟ وماهي ضرورة إستيفائه ضمن تحقيق حفظ الضروريات الإنسانية التي تستقيم بها الحياة؟.
- ما أهمية الاستناد على الوحي الإلهي المتمثل في الكتاب والسنة الصحيحة في بناء المفاهيم الإسلامية؟.
- هل يساهم تعزيز الأمن الفكري في تفادي صراع الأفكار والمذاهب وانحرافاتها في المجتمعات الإسلامية؟ وكيف يكون التصدي لغزو الأفكار الرامية إلى طمس هوية الأمة وذوبانها في غيرها من الأمم؟.
هذه الأسئلة وغيرها وما يمكن أن ينجم عنها من إجابات قد تكون في شكل مقاربات أو استنتاجات أو حقائق ستمثل مشكلة هذا البحث.
منهج البحث: ولتحقيق المرامي التي يسعى إليها الباحث سيتبع المنهج الوصفي التحليلي من خلال اسلوبي الاستنباط والاستقراء عليه فسيجمع البحث بين الأسلوب الاستنباطي والاستقرائي.
هيكل البحث:
المبحث الأول: مفهوم وأهمية الأمن الفكري وواقعه في البلاد الإسلامية.
المبحث الثاني: مهددات الأمن الفكري الداخلية الخارجية وأثرها في المجتمع.
المبحث الثالث: ضوابط ووسائل حماية الأمن الفكري في الإسلام.
المبحث الرابع: حماية الأمن الفكري وآليات التغيير والنهوض بالمجتمع المسلم.
المبحث الأول: مفهوم وأهمية الأمن الفكري وواقعه في البلاد الإسلامية.
المطلب الأول: مفهوم الأمن والفكر وعلاقته بالسلوك.
أولاً: الأمن الفكري في اللغة والاصطلاح
وردت تعريفات الأمن في اللغة بمعنى:(أَمَنَ) الْهَمْزَةُ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ: الْأَمَنَةُ مِنَ الْأَمْنِ. وَالْأَمَانُ إِعْطَاءُ الْأَمَنَةِ. وَالْأَمَانَةُ ضِدُّ الْخِيَانَةِ.([2]) (التَّفَكُّرُ) التَّأَمُّلُ وَالِاسْمُ (الْفِكْرُ) وَ (الْفِكْرَةُ) وَالْمَصْدَرُ.([3]) الفِكْرُ، جمع: أفْكارٌ. فَكَرَ فيه وأفْكَرَ وفَكَّرَ وتَفَكَّرَ،([4]) فكر: أي نظر ورؤية([5])والفكر في المصطلح هو: الفعل الذي تقوم به النفس عند حركتها في المعقولات, وهو كذلك المعقولات نفسها, اي الموضوعات التي أنتجها العقل البشري([6]). وقيل: الفكر هو حركة النفس نحو المبادئ، والرجوع عنها الى المطالب([7]). ولابد من الإشارة الى ان السلوك والقيم والاتجاهات التي تتكون عند الانسان لا تتأثر ولا تقوم وتمارس إلاّ بعمل الفكر. ويعد الفكر الركيزة الأساس لحركة سلوك الإنسان وتصرفاته، وسلوك الأفراد يعد ترجمة لما يؤمنون به من أفكار ويتأثرون بها فالسلوك الإنساني يمر بمرحلتين، الأولى: وهي مرحلة التفكير أو مرحلة الإعداد النفسي للقيام بالسلوك. والمرحلة الثانية: هي مرحلة التنفيذ وذلك بمباشرة النشاط الإرادي الموصل إلى نتيجة أياً ما كانت صورته.([8])
ثانياً: أهمية الأمن الفكري
لم يحظ مفهوم الأمن الفكري بتعريف متفق عليه لأنه من المفاهيم الحديثة وهو يعبر عن حصانة الأمة ضد ما يغزو فكرها واعتقادها, من الخارج أو الداخل. وزاد انتشاره أكثر إبان وقوع الأزمات الفكرية والاعتقادية, في سياق مواجهة الأفكار الضالة التي اتسمت بالغلو والتطرف في مجال العقيدة أو الفكر الإنساني المعاصر([9]).والأمن الفكري في الأمة الإسلامية يعني: أن يعيش المسلمون في بلدانهم آمنين على مكونات أصالتهم وثقافتهم النوعية، ومنظومتهم الفكرية، المنبثقة من الكتاب والسنة فمتى ما اطمئن المسلمون على خصائص ومميزات فكرهم، وأمنوا عليه من الفكر الدخيل فقد تحقق لهم الأمن الفكري([10]) ويعني حماية عقول أفراد المجتمع من كل فكر شائب ومعتقد خاطئ يتعارض مع العقيدة والمبادئ والقيم التي يدين بها المجتمع، وبذل الجهود من كل المجتمع من أجل تحقيق الحماية([11]). وعليه فان الأمن الفكري هو تحصين وحماية الحالة العقائدية في حياة الإنسان المسلم عن كل ما يهدد بقائها واستمراريتها؛ ضد كل ما يسعى إلى زوبان هوية وثوابت الفكر، في فكر عقائدي وافد ودخيل. وتكمن أهمية الأمن الفكري في سعيه لمعالجة أسباب تفرقة الناس في الحياة وتنوع أديانهم وأعراقهم والوانهم وأهوائهم, واستيعاب التجاذب الواقع بين مصالحهم, والذي انتج الواناً من الصراع, ودفع بالحضارات القائمة في الدول للبحث عن وسائل وأسباب للحماية والأمن بكل أنواعه, كما تبحث الدول أيضاً عن ما يحقق لها الغلبة, فدأبت المجتمعات وأفرادها تبحث دوماً عن أسباب توسعة وسائل استجلاب الأمن([12]). كما تتجلى أهمية الأمن الفكري في أن الإسلام لا يقوم على شحن العقول, وإنما يدعوها لتفتح لها المدارك والآفاق ويعتبر الأمن الفكري من أهم ضرورات الحياة، وهو الأساس في استخراج المعارف وتحصيل العلوم.
ثالثاً: علاقة الأمن الفكري بالانحراف السلوكي
المعروف في التصرفات الإنسانية أنَّ تغيير العقائد والمفاهيم والمبادئ ينجم عنه تغيير في السلوك على هيئة العقائد والمفاهيم والمبادئ الجديدة، كما يلاحظ أن تغيير السلوك بالممارسات العملية المقترنة بالاستحسان أو الاستمتاع أو إرضاء الغرائز والشهوات، ينجم عنه ولو بعد حين تغيير في العقائد والمفاهيم والمبادئ، ولا يبقى من القديم إلاّ مفاهيم تجريدية عامة مقطوعة الصلة بالسلوك الذي هو الأمر القائم في الممارسة، أو مفاهيم ذات آثار شكلية لا تتعارض مع هذا السلوك. والسبب في هذه الظاهرة الإنسانية أن الإنسان يحاول ما استطاع أن لا يكون متناقضاً مع نفسه، أي: أن لا يكون سلوكه مناقضاً لمفاهيمه ومبادئه وعقائده، أو أن لا تكون مفاهيمه ومبادئه وعقائده مناقضة لسلوكه. وقد اهتم غزاة الفكر بهذه الناحية، فصاغوا أهدافهم في الغزو الفكري على الاهتمام بأمرين، الأول: الفكر الذي يمثّل عقائد الأمّة المغزوّة ومفاهيمها ومبادئها. والثاني: السلوك النفسي والظاهر، الذي هو تعبير حركي عن عقيدة الإنسان ومفاهيمه ومبادئه([13]). وقد وجهوا وسائلهم نحو السلوك بإتباع: تزيين السلوك الذي يراد تحويل الأمة المغزوّة إليه عن طريق الفكر، والإقناع بأنه هو السلوك الأفضل والأحسن لحياة الإنسان ، وتقبيح السلوك الذي يراد تحويل الأمة المغزوة عنه، عن طريق الفكر والإقناع بأنه سلوك لا يلائم مصلحة الناس، ولا يلائم ما ينفعهم، ولا يحقق لهم سعادتهم([14]). هذا الى جانب الاستدراج إلى الانحراف السلوكي.
رابعاً: واقع الأمن الفكري في البلاد الإسلامية ومهدداته
المتأمل فيما آلت اليه الأوضاع في العالم خلال السنوات الأخيرة وما ساد من تطورات في أشكال ومظاهر وأسباب ودوافع الثورات والصراعات الإقليمية والدولية، يصل الى أن ذلك يعود في جانب كبير منه إلى ما أفرزته بعض الأفكار والأيدولوجيات الفكرية الهدامة، التي حملت أفكاراً ذات مرجعيات ثقافية متداخلة كان لها الأثر السلبي في بلورة فكر ووعي عقلاني يميل إلى عقلنة كل القضايا الحياتية. وذلك لأن: الحاجة عند الإنسان ليست منعقدة في أشكالها المادية من الأكل والشرب وغيرها؛ فهو يختص بحاجات أخرى معنوية ونفسية يمكنها أن تؤثر فيه وتحدث له الاتزان النفسي، فتنظم علاقته بالآخرين. حيث أن الحاجة الإنسانية قوى إيجابية تسبب الميل المستمر نحو السلوك بطريقة معينة، إما عن طريق المتغيرات الداخلية التي ترجع الى بعض العوامل البيولوجية أو الفسيولوجية، أو نتيجة بعض المثيرات الخارجية التي تظهر في المجال المحيط بالفرد([15]) ففي عصرنا الذي يزخم بالتيارات والمذاهب الفكرية بفضل التطور العلمي والانفتاح الثقافي لاسيما في مجال تكنولوجيا المعلومات، وتعقد كيفية مواجهة هذا الأمر الخطير من قبل ذوي الاختصاص وأهل الشأن؛ وما تشهده الإنسانية اليوم من قفزة نوعية تتمثل بثورة تقنية وبعولمة الاقتصاد والاتصال والفكر، ولما لهذه الثورة من تأثير بالغ في تسريع وتيرة المتغيرات في مختلف المجالات، واختصار المسافات فضلاً عن سعيها الحثيث في إزالة الحدود الثقافية الموجودة بين الشعوب، فهذا لابد بالضرورة أن تزول معه حدود الأقطار([16]) وقد أدى عدم اكتمال النوايا الاستعمارية تجاه الشعوب الإسلامية إلى توجيه معاونيها نحو التحول في آليات هذه الحروب وتوجيهها إلى حروب أخرى أكثر فاعليةً وتأثيراً على شعوب الأمة الإسلامية، فكانت الوجهة إلى تبني الحرب الفكرية للسيطرة على الفكر وضمان زعزعة ثوابت الأمة الإسلامية، وهدر مقومات مجتمعاتها وبنائها العقائدي والثقافي والفكري، إدراكا منهم بعدم جدوى العمل العسكري كأسلوب وأداء في القضاء على الإسلام، ومن خلال هجمات فكرية مكثفة متواصلة من شأنها ان تكون البديل الأفضل للعمل العسكري، لاسيما فيما تنتجه من آثار سلبية سيئة تدمر المعتقد والنفس في آن واحد([17]). إن مخرجات العقل البشري المتمثلة في الأفكار والسلوك منها ما هو مطلوب مستنفع به، يفيد الفرد والمجتمع، ومنها ما قد يقع سبباً في تفكيك وتفتيت الثوابت في بناء الهيكل المجتمعي، مما أوجد بعض تصورات للأفكار والسلوكيات التي قد تكون ضارة بالمجتمع، والتي تتحدد على أساسها درجة خطورة تهديدات الأمن الفكري، وأنواع الانحرافات التي قد تستهدفه، بناء على ضرورة تقصي وتتبع وسائل الجهات الداعمة للانحراف([18]) وهي تتمثل في: انحرافات تجاه الأسرة (الفرد) وانحرافات تجاه المجتمع وانحرافات تجاه الدولة والعالم([19]).ويظل السؤال قائماً: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم.
المطلب الثاني: الفكر المنحرف أسبابه ومظاهره
أصاب المسلمين ما أصابهم من شرارات التلاعب بالفكر وتوجيهاته، وتكريس مبدأ سيادة العقل، كأداة لاكتساب المعرفة، وإقصاء الجوانب المعرفية الأخرى التي لا تقوم على التجربة كدليل وبرهان. فأفرز الأمر أنواعاً من الفكر يمكن أن يجملها ما يسمى بدواعي الفكر المنحرف. فليس من السهل تحديد ما هو الفكر المنحرف لاعتبارات عدة، ويمكننا أن نقول أن الفكر المنحرف: هو ذلك النوع من الفكر الذي يخالف القيم الروحية والأخلاقية والحضارية للمجتمع ويخالف الضمير المجتمعي، وهو أيضاً الفكر الذي يخالف المنطق والتفكير السليم، ويؤدي إلى ضرب وتفكيك وحدة كيان المجتمع. وهو يمثل أداة لإقامة البغضاء والعدوانية ونشر الفتن وإضعاف الأمن والأمان والاستقرار المجتمعي، والاطمئنان النفسي لدى الأفراد([20]) والانحراف نوعان: الأول الانحراف الفكري وهو الأخطر من نوعه ويتمثل بالمعتقدات والقيم والثقافات المتفق عليها في المجتمع، والثاني؛ وهو الانحراف السلوكي المتمثل في الأفعال والأقوال([21]).
أولاً: الانحراف الفكري
الانحراف الفكري مفهوم مركب ممتزج الفهم حول الانحراف والفكر. وعليه يعرّف الانحراف: بأنه الميل عن الشيء والعدول عنه، وهو من مادة حرف وله ثلاثة أصول: حد الشيء، والعدول، وتقدير الشيء، والانحراف عن الشيء إذا انحرف عنه انحرافا أي عدل به عنه وتحريف الكلام عدله عن جهته([22])، والانحراف الفكري أمر نسبي بين أنظمة المجتمع لأنه قد يصيب الاعتقاد كما قد يصيب أنظمة المجتمع والسياسة والاقتصاد، وقد يكون انحرافا فكرياً يصيب السلوك، فيصبح سلوكاً مهدداً لمقومات الحياة الضرورية.
ثانياً: مظاهر الفكر المنحرف وأسبابه
إنشار الفكر المنحرف من أهم أهداف أعداء الإسلام؛ وعياً منهم وعلما يقيناً بأن الفكر المنحرف، لا يسعى لإقامة فكر مبني على جهد عقلي أو منطقي، لأنه يعود في الأصل إلى التفكير السطحي، كما لا يهتم بأن يقوم على منهجية علمية أو دراسات علمية مجردة، لإثبات أو نفي أو قبول أو رفض ظواهر اجتماعية أو فكرية سائدة. لأن هدفه ليس الوصول إلى نتائج دقيقة أو براهين علمية يمكن الاستفادة منها في الحكم على المواضيع والقضايا أو الظواهر الاجتماعية أو الفكرية، بقدر ما يهدف إلى زرع البلبلة والتشكيك وإسقاط ما هو قائم من فكر وأخلاق ومعتقدات، ونسق اجتماعي وسياسي، واستبدالها بتوجهات أخرى معروفة أو غير معروفة([23]).ولتشكيك بعلاقتها بإرثها الاعتقادي، والعمل على تكريس مبدأ الانسلاخ عن كل ما هو موروث ديني، وكل ما يتعلق بالقضايا الاعتقادية، وبناء الأمة المجتمعي، وإرثها الثقافي والقيمي الموقوف على مبادئ المنهج الإسلامي([24]) ومن صور ومظاهر الانحراف التي أصابت الاعتقاد الديني مسالة الولاء والبراء فالموالاة: هي التّقرّب وإظهار الودّ بالأقوال والأفعال والنّوايا، لمن يتّخذه الإنسان وليّاً، فإن كان هذا التّقرّب والودّ مقصودًا به الله ورسوله والمؤمنون، فهي الموالاة الشّرعيّة الواجبة على كلّ مسلم، وإن كان المقصود هم الكفّار والمنافقين، على اختلاف أجناسهم، فهي موالاة كفر وردّة عن الإسلام([25]). وعلى هذا فالولاء شرعاً، هو: حُبُّ الله تعالى ورسوله ودين الإسلام وأتباعِه المسلمين، ونُصْرةُ الله تعالى ورسولِه ودينِ الإسلام وأتباعِه المسلمين. والبراء هو: بُغْضُ الطواغيت التي تُعبَدُ من دون الله تعالى، وبُغْضُ الكفر وأتباعِه الكافرين . وركني الولاء والبراء هما: الحب والنصرة في الولاء، فالنصرة والعداوة هنا هي النصرة القلبيّةَ والعداوةَ القلبيّة، أي تمنِّي انتصار الإسلام وتمنِّي اندحار الكفر. أمّا النصرة العملية والعداوة العمليّة فهما ثمرةٌ لذلك المعتقد، ولا بُدّ من ظهورها على الجوارح([26]) قال تعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)([27]).وكذلك الغلو: والغلو هو الزيادة في الشيء عن المشروع، والتكلّف فيه، جاء في القرآن النهي عنه في موضع الذم الذي كان خطاباً للنصارى، لقوله تعالى:( يا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ )([28]). ويقابله التطرّف الذي يعني: مجاوزة الحد والخروج عن القصد في كل شيء. والتطرّف والتنطع والغلو هي كلمات ذات مدلول متفق واحد، أما التطرّف حيث أطلق فاسم يدل على مجموعة من الأفكار الدينية والسياسية والاجتماعية، وهو لا يخرج عن كونه مجاوزة الاعتدال في الفكر والسلوك من خلال تبني أفكار دينية واجتماعية يتجاوز مداها الحدود التي ارتضاها لها المجتمع، واتخاذ موقف عدائي منه ومن مؤسساته وحكوماته، بدعوى الحرص على الإسلام الذي انحرف عنه المجتمع، وخرجت عليه حكومته، وهو التطرف المعاصر. وترجع معظم الأسباب إلى طبيعة النفس الإنسانية وقابليتها للانحراف، وقد ترجع إلى أسباب خاصة وأسباب عامة في مجال الأمور الشرعية واهمال العقل وحمله على الفهم الخاطئ وإتباعه لأسباب الإضلال كوساوس الشيطان وتحكيم الهوى والتقليد التبعية وتفشي الجهل بالإسلام وأحكامه.
ثالثاً: آثار الانحراف الفكري
يصعب حصر الآثار في المجال الفكري دون السلوك، في كونه مفهوم ومصطلح لا يخلو من جوانب عديدة: ويتصف بكونه مفهوم فضفاض وشديد العمومية، وأن آثاره تختزلها الانحرافات الفكرية والسلوكية، والانحرافات التي تؤدي إلى فعل الجريمة، وهو مفهوم متغير زماناً ومكاناً، مما يؤدي إلى صعوبة ضبطه. قد يؤدي إلى حجب الرؤية عن الأخطاء إذا أُسيئ استعماله، وإلى خلق روح التمايز والتفاضل بين الناس على غير معايير المفاضلة الشرعية.وقد يحول استعماله بغير بصيرة إلى تجاهل قيم الحوار، وقبول الاختلاف والتسامح الفكري([29]).
وهذه النقاط المشار إليها تعد أموراً مهمة في ثقافة الأمن الفكري. وان تجاهلها يؤدي إلى ظهور آثار سلبية عديدة تتمثل في:
- الهزيمة النفسيَّة.
- الفوضويَّة في طلب العلم وفي التفكير.
- ومِن آثار الانحراف الفكري أنَّ صاحبَه يَستشْعر دائما كمالَه في التديُّن والالتزام.
- المبالغةُ والتضخيم: وتقوم المبالغة على بنية فكريَّة ونفسيَّة أساسُها قصورُ الإدراك، والهوى، والاستخفاف بعقليَّة الآخر، بالعمل على تضخِّيم الأمور والأحداث السيِّئة، فيُظهرها وكأنَّها كوارث عظمى، وفي المقابل يقلِّل من قيمة الأمور الإيجابية، ومن السعي الطيب والتفاؤل بالخير([30]).
المبحث الثاني: مهددات الأمن الفكري الداخلية الخارجية وأثرها في المجتمع
بدأ العلماء الغربيون يعللون ظاهرة التدين بالظواهر الملكوتية الطبيعية والحيوية وتفسير الدين بمعاني أخرى مثل قوة الادراك في الحس والمشاهدة والنمو، ورفضوا كل تفسير داخلي أو خارجي يخرج من إطار الظواهر الطبيعية والحوادث اليومية التي ترتبط بحياة الإنسان، وهذا يؤكد غياب التفكير السليم للدين الذي يلبي حاجة الإنسان. بل استمر تطور الخطأ في هذه النظرية دون أن تقدم الدليل العلمي والمعرفي في تفسير الظواهر الملكوتية المختلفة لأنهم اعتمدوا على الفلسفات القديمة التي تقدس الروحانيات وتنكر المعقولات ولا تؤمن بأزلية النزعة الدينية([31]). لم تسلم بنية الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية من زخم الفكر الوافد والانتفاع به في تحقيق التدافع والتبادل في تحصيل المنافع. الأمر الذي ينعكس عنه الاستفادة غير المنضبطة بضوابط منهج الإسلام في التلقي أو تبادل المنافع مع الآخر وفق منهج الآخر دون المنهج الإسلامي، لهذا إذا تم تبادل المنافع وتحقيق المصالح والتدافع فلابد أن يتم وفق استراتيجيات الآخر وأهدافه من بلاد المسلمين. وذلك هو الحراك العالمي الذي تنحصر فيه النظرة إلى الملكوت في البعد المادي، وإقصاء البعد الروحي أو الغيبي عن الحياة. ويفترض أن تبقى شعوب الأمة الإسلامية منيعة محصنة، لا تسمح بتسلل ضلالات المذاهب الفكرية المعاصرة إليها. وذلك لأن الإسلام الذي تدين به هذه الشعوب لديه الحل الأمثل لكل مشكلات الحياة، وبأنه يشتمل على أسس الحق والعدل والفضيلة، وبأنه جاء بالنظم المشتملة على أحسن صورة ممكنة بالنسبة إلى الواقع البشري، وهي كفيلة بأن توفر للناس الأمن والطمأنينة والاستقرار والرفاهية والتقدم العلمي والحضاري، وفيها ما يضبط جنوح الأفراد ويقيم العدل([32]). إلاّ إن الأمة قد وقعت تحت تأثير إفساد العقيدة وتحطيم مظلة الأعراف وانتشرت في الجو ضروب من الفلسفات والمذاهب الضالة، وصار تدمير القيم الأخلاقية خاصة في العلاقات الجنسية والنزعة الإباحية، الشغل الشاغل لمختلف وسائل الاعلام؛ ابتغاء وفرة الربح والدخل، فانحرف الشباب وفسدت روابط الأسرة، فانهارت الفضائل الاقتصادية والاجتماعية وشهد العالم الإسلامي تغييراً اجتماعيا استجابة لدعوات التغريب على يد المستعمرين ومؤسساتهم التبشيرية والاستشرافية … ولكنه وفق المخطط الأخير والأسلوب الجديد أصبح يتم على أيدي المسلمين أنفسهم، من تلاميذ المستشرقين والمبتعثين، يساندهم في تنفيذ هذا المخطط بعض الحكام المسلمين([33]).
المطلب الأول: الغزو الفكري ودوافعه
يشكّل الغزو الفكري إحدى شعب الجهد البشري المبذول ضد عدو ما لكسب معارك الحياة ضده، ولتذليل قيادته وتحويل مساره، وضمان استمرار هذا التحول فيه، حتى يصبح ذاتياً إذا أمكن. وهو بوجه عام يعني مجموعة الجهود التي تتخذها أمة من الأمم ضد أمة أخرى بهدف التأثير عليها لتوجيهها إلى وجهة معينة. وبوجه خاص: مجموعة الجهود التي اتخذها أعداء الإسلام ضد الأمة الإسلامية بقصد التأثير عليها في جميع الميادين باستخدام الوسائل والأساليب التي يراها مناسبة من أجل صرف المسلمين عن التمسك بعقيدتهم، وأخلاقهم، وإرث سلف الأمة الصالح([34]). ويظهر ذلك في قول لويس التاسع ملك فرنسا بعد ان لحقت به هزائم الحروب الصليبية الأولى مع المسلمين فقال لقومه: ( إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده، فقد هُزمتم أمامهم في معركة السلاح، ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم)([35]). ويحدد الغزو الفكري مجموعة التدابير والإجراءات التي تقوم بها بعض الأمم للسيطرة على الأمم الأخرى، فهي تتجه بهذه التدابير إلى سلوك الأفراد وأفكارهم، وبالتالي تهدد أمن واستقرار الشعوب فكرياً وعقائدياً([36]). وما تجلّيات مظاهر الفكر القائم على إبعاد الدين عن الحياة إلاّ أحد مظاهر الغزو الفكري: ففكرة فصل الدين عن الدولة: تعني باختصار إقصاء الدين عن الحياة والحيلولة بينه وبين أداء مهمته التي جاء لأجلها وسجنه في المعابد والأديرة ودور العبادة.
أولاً: التغريب وأهدافه ووسائله
وهو مشتق مما ينسب إلى الغرب، أي الدول الغربية الأوربية والأمريكية، ومن في حكمها. ويعني خلق عقلية جديدة تعتمد على الفكر الغربي ومقاييسه، ثم تحاكم الفكر الإسلامي والمجتمع من خلالها بهدف سيادة الحضارة الغربية على الأمم والشعوب، لا سيما الأمة الإسلامية. وهو نهج المبشرون والمستشرقون ووسائلهم في تحقيق أهدافهم من خلق أجيال جديدة من العرب والمسلمين تحتقر كل مقومات الحياة الإسلامية، وإبعاد الثقافة الإسلامية عن مراكز التوجيه([37]). ويراد بالتغريب: تغيير عقيدة الأمة وثقافتها وأخلاقها، وإبعاد المسلمين عن دينهم باسم المدنية والتطور والتقدم، وإحلال الحضارة الغربية محلها([38]). ونشر الفكر العلماني الذي يهدف إلى تحجيم مسائل الدين وتقويض مرتكزاته وقواعده، وحصره داخل دور العبادة وإن خرج ففي إطار الحياة الشخصية للفرد([39]).
ولقد تعرض الأمن الفكري إلى كثير من المهددات التي بدأت بظاهرة التغريب كمحاولة لطمس الهوية في المجتمع المسلم في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يتبنى دعاوى عصرنة العلم والثقافة والدين، وأهداف حركات التغريب في العالم الإسلامي ليست بعيدة عن القصد والتأكيد، فمرادهم تحويل المسلمين عن منهجهم الحياتي القائم على أسس العقيدة، ولتنفيذ هذه الأهداف اتبعوا أخطر العوامل والوسائل لهدم لمقومات الأمةٍ وهي:
أولاً: تفريغ أفكار الأجيال الناشئة وقلوبهم ونفوسهم من محتوياتها وهو ما يسمى بعملية،(غسل الدماغ).
ثانياً: ملء فراغ عقولهم وقلوبهم ونفوسهم بمخترعات فكرية وعاطفية مزورة مزيفة، تخدم غايات العدو الطامع الغازي، وتهدم كيان الأمة الموضوعة هدفاً للغزو.
ثالثاً: تسخير طوابير الجيش الجديد الذي تصطنعه أيدي العدو في هدم كل مقوم من مقومات أمته، ومحاربة كل ما يتبقى لها من فكر وعقيدة، أو خُلق وسلوك، أو تاريخ ومجد([40]).
ثانياً: الإلحاد
ولَحَدَ في الدين لَحْداً، وألحد في الدين إلحاداً، لمن مال، وعدل عن صراطه وحاد، أو جار وظلم([41]). وقد تصدرت مؤخراً أخبار الملاحقات الأمنية لمجموعات إلحادية مثل عبدة الشيطان وتجمعات الشباب المتمرد اجتماعيا وثقافيًّا كالفيمنست من رافضي الوصاية الأبوية للمجتمع، ويرى البعض أن ظاهرة الإلحاد ليست مشكلة دولة أو دين أو نظام، وليست نتاج أجواء الانفتاح الفكري والثقافي، إنما هي من الظواهر المعقدة التي قد تتداخل فيها العوامل الفكرية والنفسية والاجتماعية، ولذلك فإن تحليلها والبحث في أسبابها والتعرّف على دوافعها يحتاج إلى جهد كبير وبحث دقيق من متخصصين في الفكر والدين والفلسفة وعلم النفس والاجتماع. وقد تيسرت لهذه الجهات المعادية للأديان الأسباب والدوافع لنشر فكر الإلحاد؛ بل تم لها أكثر من ذلك بان توفرت لها حاضنة لهذا الفكر الإلحادي ساعدت كثيراً في نشره في أوساط الأمم وأصحاب الأديان أهمها:
- التنشئة في الأسر ضعيفة الارتباط بالدين كمقوّم ومؤسس الحياة.
- ضعف الإيمان، والجوانب الروحية.
- التشدد والجمود الديني الذي يؤدي بدوره إلى النفور من الدين والتدين، فالغالبية العظمى ممن ألحدوا، كان إلحادهم ردة فعل نفسية من التشدد الديني والتقييد الاجتماعي غير المنتج.
- وجود تساؤلات تبحث عن إجابة تقابل بردود فعل تكبتها وتقمعها.
وقد برز الإلحاد كموضة فكرية يتخذه بعض الخاصًة في مجتمعاتنا الإسلامية مجرد موضة ومراهقة فكرية، تنصلاً عن المسئوليات الدينية والأخلاقية، وانسحابا وراء دعاوى التمدن والحداثة التي تنافي في كثير من مستلزماتها ثوابت الأديان والقيم([42]). ونزع القداسة يعني فرض الواحدية المادية على الملكوت فيتحول فكر القداسة إلى فكر مادي، وحيث لا توجد قداسة أو حرمات أو مرجعيات أخلاقية، فلا حدود لعملية الغزو الفكري التي تجري على الفكر المستهدف تغييره وتوجيهه([43]). وقد سعى الإلحاديون اليوم سعياً حثيثاً إلى طمس جذور الإيمان من أعماق القلوب ولا يستثنون ديناً من الشرائع السماوية، ويزعمون أنهم دعاة لإخراج البشرية من الغيبيات التي لا تقع تحت دائرة الحس والتجربة، ويدعّون بأنهم أهل الغني والرفاهية والعلم والتقدم، ولكن إذا نظرنا إلى هؤلاء اليوم نجدهم أكثر بعداَ من الرفاهية والديمقراطية، وعن الحقائق العلمية، فصار الإلحاد يتمثل في أشكال وصور مختلفة، لهذا يجب على أصحاب الشرائع السماوية أن يتصدوا لهذا الطغيان؛ وأن يتفقوا على مبدأ حقيقة التدين؛ والاعتراف بوحدانية الله وعلمه المطلق في خلق الملكوت، بالوصف والتدرج الذي ذكره في الكتب السماوية.
ثالثاً: العلمانية وأهم أفكارها.
من أهم المصطلحات في الخطاب التحليلي الاجتماعي والسياسي والفلسفي الحديث في الشرق والغرب مصطلح (العلمانية). ويظن كثير من الناس أن مصطلحاً مهماً بهذه الدرجة لابد أن يكون واضحاً تمام الوضوح، محدد المعاني والمعالم والأبعاد. وهو أمر بعيد كل البُعد عن الواقع، وذلك لبعض الأسباب والإشكاليات التي أدَّت إلى هذا الوضع وهي:
- إشكالية انقسام العلمانية إلى: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة.
- شيوع تعريف العلمانية باعتبارها (فصل الدين عن الدولة) وهو ما سطَّح القضية تماماً، وقلَّص نطاقها.
3 ـ تصوُّر أن العلمانية (مجموعة أفكار وممارسات واضحة) الأمر الذي أدَّى إلى إهمال عمليات العلمنة الكامنة والبنيوية.
4 ـ تصوُّر العلمانية باعتبارها فكرة ثابتة لا متتالية نماذجية آخذة في التحقق([44]).
وقد شاع استخدام كلمة العلمانية في هذا الاتجاه العام، سواء صرح بالإلحاد والكفر بكل الأديان، أو أجرى مصالحة خداعية توفيقية، عزل الدين فيها ضمن حدود الغيبيات الاعتقادية، والطقوس التعبدية، وبعض أحكام الأحوال الشخصية، ومراسِم دفن الموتى([45]).
والعلمانية: ترجمة اصطلاحية مهذبة فيها تعديل لما حقُّه أن يترجم بـ(اللا دينية) أو بـ(الدنيوية) أو بـ(الاتجاه الذي لا يعتبر الدين، ولا يهتم به، ولا يقيم له وزناً في شؤون الحياة) ولا تؤمن بشيء ينحو إلى ما وراء الحياة الدنيا([46]).
ومن هذا يتضح لنا أنه لا علاقة لكلمة العلمانية بالعلم، وإنما علاقتها قائمة بالدين على أساس سلبي وهو نفي الدين عن مجالات الحياة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية([47]).وتتمثل أهم أفكار العلمانية في: إنكار وجود الله أصلًا. وبعضهم يؤمنون بوجود الله لكنهم يعتقدون بعدم وجود أية علاقة بين الله وبين حياة الإنسان. والحياة عندهم تقوم على أساس العلم المطلق وتحت سلطان العقل والتجريب. ثم إقامة حاجز سميك بين عالمي الروح والمادة، والقيم الروحية لديهم قيم سلبية ويعتمدون فصل الدين عن السياسة وإقامة الحياة على أساس مادي. وتطبيق مبدأ النفعية Pragmatism على كل شيء في الحياة. واعتمادهم مبدأ الميكيافيلية في فلسفة الحكم والسياسة والأخلاق. نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية وتهديم كيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية([48]).
شبهة التّنَاقض بَيْن العَقل وَالدّين
وتهدف إثارة مثل هذه المسائل إلى هدم الدين ونشر الكفر بالله واليوم الآخر، وإنكار الشرائع الربّانية، وقد ادّعى أعداء الدين أمرين هما: الأول؛ ادّعاؤهم وجود التناقض بين العقل والدين، وبنوا على هذا الادّعاء الباطل مقولتهم التي تتضمّن أن العقل ميزانه صحيح يدرك الحق حقاً والباطل باطلاً، ويكشفهما، فالدين هو الذي ينبغي طرحه وعدم الاعتماد عليه([49]). وإدّعو وجود التناقض بين العلم والدين, بعد أن حصر الاصطلاح الغربي الحديث اسم (العلم) في المعارف التي تقدّمها وسائل الملاحظة والتجربة، وحصر اسم المنهج العلم بهذه الوسائل. وبنوا على هذا الادعاء الباطل على مقولتهم التي تتضمن ما يلي: بما أن الوسائل العلمية الإنسانية تكشف عن الحقائق بيقين، نظراً إلى ما تشتمل عليه من المشاهدات والإدراكات الحسية، فالدين هو الذي ينبغي طرحه وعدم الاعتماد عليه، ويجب الأخذ بالمناهج والوسائل العلمية الإنسانية. لهذا قال بعضهم: إن الدين خرافة وأوهام من صناعة أوهام الناس، أو من اختلافاتهم لخدمة مصالحهم. ثمّ أخذوا يمجدون العلم وفق مصطلحهم الحديث والمذهب العلمي التجريبي، ويرفضون الدين رفضاً كلياً، أو يعزلونه عن شؤون الحياة، ويحصرونه في دوائر صغيرة جداً، روحية أو تعبديّة([50]). ويتمثل ذلك في:
- قَصْر الاهتمام الإنساني على الدنيا فقط، وتأخير منزلة الدين في الحياة، فلا يتدخل في الحياة العامة.
- فَصْل العلم والأخلاق والفكر والثقافة عن الالتزام بتعاليم الدين.
- إقامة دولة ذات مؤسسات سياسية على أساس غير ديني([51]).
وبهذا يمكننا أن نخلص بان أهم الثمار الخبيثة التي أثرت في ديار المسلمين:
- الطعن في حقيقة الإسلام والقرآن والنبوة.
- الزعم بأن الإسلام استنفذ أغراضه وهو عبارة عن طقوس وشعائر روحية.
- وأن الإسلام لا يتلاءم مع الحضارة ويدعو إلى التخلف.
- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى، وإقصاء الشريعة عن كآفة مجالات الحياة، والاستعاضة عن الوحي الإلهي بالقوانين الوضعية التي اقتبسوها عن أعداء الإسلام المحاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم([52]).
خامساً: العولمة وفكرها
وهي تتخذ بعداً اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً بيئياً وثقافياً وقانونياً، فهي بذلك نتاج تزايد الاعتماد المتبادل؛ ليس فقط في الميدان الاقتصادي، وإنما كذلك الاعتماد المتبادل بين الشعوب والمجتمعات في كل الميادين ذات الصلة بالنشاط الإنساني([53]). وعرفها لبعض بانها: (تصيير المحلي عالمياً) فهي وصف لعمل مستمر تدل عليه كلمة Globalisation. ولقد ظهرت العولمة ضمن منظومة المصطلحات التي تؤطر خطاب ما بعد الحداثة، وهذا الخطاب يسعى إلى هدم كل نظام وإعادة صياغة جهاز المفاهيم بحيث يصبح التفكيك هو السمة البارزة، تفكيك العقل لكي لا يصبح وحده المسؤول عن التفكير، وتفكيك القيم لكي لا تكون بمثابة حاجز يعيق تحقيق المصالح الشخصية والغرائز البشرية، وتفكيك النظام حتى يمكن تمرير الأفكار الهجينة والشاذة، وتفكيك الأمم والمجتمعات والدول حتى تعيد تشكيلها وبناءها وصياغة قيمها من جديد([54]).
تعتمد العولمة أساس المصلحة (الاقتصادية والسياسية والعلمية) ، وعدم إيلاء القيم الخُلقية والدينية أي اهتمام لأنها تعيق التواصل الملكوتي كما تراه، كما تعيق تسويق مشروعها ( الحضاري) المؤسس لبناء حضارة واحدة يتبعها الجميع، وقد استقام لها ذلك عقب سقوط القطب الآخر الذي كان بمثابة الكابح لها. لذا فهي تعتمد استراتيجية الإقصاء والإلغاء والتهميش، تلك الاستراتيجية التي انتقلت إليها من المركزية الغربية التي تنتهج سياسة المركز في مواجهة الأطراف، والتي أظهرها تصريح أحد رؤساء امريكا حيث يقول: إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزاما مقدساً لتحويل العالم إلى صورتنا([55]).
المطالب الثاني: أهم وسائل الغرب التي يستخدمها لترويج أفكاره
1- محاولة الاستيلاء على عقول أبناء المسلمين وترسيخ المفاهيم الغربية فيها لتعتقد أن الطريقة الفضلى لممارسة الحياة هي طريقة الغرب في كل شيء.
2- رعايته لطائفة كبيرة من أبناء المسلمين في كل بلد وعنايته بهم وتربيتهم حتى إذا ما تشرّبوا الأفكار الغربية وعادوا إلى بلادهم تسلموا المناصب والقيادات في بلدانهم([56]).
3- تنشيط تعليم اللغات الغربية في البلدان الإسلامية وجعلها تزاحم لغة المسلمين وخاصة اللغة العربية لغة القرآن الكريم.
4- إنشاء الجامعات الغربية والمدارس التبشيرية في بلاد المسلمين ودور الحضانة ورياض الأطفال والمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، وجعلها حصوناً ومواضع لبث أهدافه وأغراضه السيئة([57]).
5- الدعوة إلى إفساد المجتمع المسلم وتزهيد المرأة في وظيفتها في الحياة ويقصدون من ذلك إفساد المجتمع المسلم والقضاء على الطهر والعفاف الذي يوجد فيه وإقامة قضايا وهمية ودعاوى باطلة في أن المرأة في المجتمع المسلم قد ظلمت وأن لها الحق في أن تحيا كما تريد([58]).
والملاحظ كذلك أن التطرف بمستوياته المختلفة تؤججه الميول والانحراف، فالغربيون قد اهتموا كثيراً بمصطلح الإسلام وفوبيا لمحاربة الإسلام بعد أن ضمنوا لأنفسهم الهيمنة السياسية والاقتصادية. ولا خلاف بين علماء الاجتماع من أن الكيان الصهيوني قد نجح في تفعيل عناصر التطرف والاستيلاء على الدول العربية([59]).
المبحث الثالث: ضوابط ووسائل تعزيز الأمن الفكري في الإسلام
اهتم الإسلام بمسألة الفكر الإنساني باعتباره القائم الأول على تسيير حركة الحياة وفق المنهج الرباني. فالحفاظ على الموروث الفكري المنبثق عن المعتقدات المكونة لمنهج الحياة في الأمة الإسلامية، لا يسعى مطلقاً إلى بناء جدار عازل بينه وبين التراث الفكري الإنساني بكل مكوناته المعرفية، فالوعي الفكري أصبح اليوم يشكّل أهم مقومات الإنسانية، بوصفه روح الطاقة التي تمتلك مقومات السيطرة على اندفاعات بيئة معلوماتية تمتد بعيداً لتشمل جوانب الحياة المختلفة، وكل ذلك وسط عالم يزخم بالكثير من التيارات الفكرية الإنسانية، المختلفة في أهدافها وتوجهاتها، المتعددة المنهج في إدارة شئون الحياة([60]). والحفاظ على الفكر يعني ضمان حريته والحث على إنتاج أعماله في شتى مجالات الحياة لأنه يمثل الحريات الأساسية في تسيير أنظمتها على النهج العقائدي، وإهماله بالضرورة يفضي إلى هدم أصول منهج تنظيم الحياة([61]). والفكر لابد أن يتجه إلى حماية الأمن وتحصينه لأنه من نعم الله التي لا تعادلها نعمة بعد نعمة الإسلام. يقول تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)([62]). والأمن الفكري واجب الحماية عن ما يهدد مرتكزاته وقواعده في ما يمكن أن يلحقه من أعمال الأعداء وسعيهم الجاهد لنسف أسس العقيدة الإسلامية من قلوب المسلمين وعقولهم، حتى ينتهي أبنائه عن البواعث الثابتة التي تعيد المسلمين إلى العقيدة مهما انحرفوا عنها وعن مبادئ الإسلام، وضوابط ذلك هي:-
- الحفاظ على خصوصية المعتقد الخالص، من خلال تحقيق الإيمان الصحيح.
- توضيح مبدأ المسئولية في تحقيق وحدانية الله العلي القدير.
- مراعاة مبدأ الاختلاف وآدابه.
- الحفاظ على الهوية الإسلامية.
- توفير السلم الذي يطبقه مبدأ العدالة والمساواة.
- ضرورة فهم العلم الحقيقي وبلوغ وسائل المعرفة لاستيفاء حق الحياة بمختلف أشكالها.
- إقامة الحياة على التوازن والاعتدال في جميع الأمور.
- ضرورة تطبيق فقه التغيير وفق آليات العقيدة الإسلامية.
المطلب الأول : ملكة التفكير ودور الهوية في الحفاظ على الأمن الفكري
من أجّل الغايات التي يريدها الإسلام من إيقاظ العقل، واستعمال وظيفته في التأمل والنظر والتفكير هي هداية الإنسان إلى قوانين الحياة، وعلل الوجود وسنن الملكوت، وحقائق الأشياء، لتكون هذه هي المنارات التي تكشف له عن مبدع الملكوت وخالقه، ولتأخذه إلى الحقيقة الكبرى: حقيقة المعرفة بالله. فمعرفة الله هي نتاج عقل ذكى ملهم، وثمرة تفكير عميق مشرق. وهى إحدى وسائل القرآن الكريم في الدلالة على الله سبحانه وتعالى. إنه يوقظ العقل، ويفتح أمامه كتاب الطبيعة؛ ليتعرف منه ما لله من صفات كماله، وشمول علمه، ونفوذ قدرته، وتفرده بالخلق 🙁 أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ)([63]).
جعلت الشريعة الحنيفية تميز الأمة الإسلامية في مظهرها عما عداها من الأمم مقصدًا أساساً لها، بل إن كل أهل ملة ودين يحرصون على مظهرهم باعتباره معبرًا عن خصائص هويتهم؛ وآية ذلك أنك ترى أتباع العقائد والديانات يجتهدون في التميز، والاختصاص بهوية تميزهم عن غيرهم، وتترجم عن أفكارهم، وترمز إلى عقيدتهم، وستمثل ذلك في ( الهوية ) الإسلامية المتميزة هي ما أسماه علماؤنا: الهدى الظاهر، وأفاضوا في بيان خطر ذوبان الشخصية المسلمة وتمييعها، فهي التي تحافظ على الشخصية، إنها قضية ( مبدأ ) وليست مجرد شكل ومظهر([64]).والتربية من الأدوات التي تقوم بهذا الدور، فإن اقتصر دورها على التلقين دون التطبيق، فستنتهي بالإنسان إلى اليأس والإحباط، وعدم تصديق الدعاوى المنادية بالقيم الخيرة، والأعمال الإيمانية الصالحة. وهنا تبدو حكمة الله تعالى في تخصيص أكبر مقته للذين يقولون ما لا يفعلون([65]).
المطلب الثاني: وسائل حماية الأمن الفكري في الاسلا
أولاً: المسجد وأثره في معالجة قضايا المجتمع المسلم
للمسجد أكثر من وظيفة منها:
- المسجد مكاناً لتأدية الصلاة، ومكاناً للتربية، فهو بمثابة المدارس والمعاهد والجامعات.
- المسجد منبر إعلام وإشعاع فكري بالنسبة للمسلمين، يجتمعون فيه للبحث في قضاياهم العامّة، فتنشأ بينهم روابط التعارف والتآلف.
- المسجد مقرًّا للقضاء، يقضي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بين المتخاصمين.
- المسجد مركز تجمُّع للجيوش الإسلامية. ومقرًّا للشورى، يستشير الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين فيه في جوٍّ من الحرية في التفكير([66]). وأما في الجانب الاجتماعي يعالج المسجد الأمور التالية:
- التماس حل مشكلات الاختلاف على النطاق الضيق.
- تلمس أحوال الفقراء والمساكين المحتاجين إلى دعم ومساعدة.
- بيان ان أجتماع المسلمين بالمسجد فيه مدعاة للتعارف والتآلف.([67]).
ثانياً: المدرسة ودورها
المدرسة مؤسسة اجتماعية حديثة وقبلاً كانت الأسرة ثم القبيلة هي الوسائل التي عرفتها البشرية لتربية الأولاد وإكسابهم المهارات التي يراد لهم تعلمها، وبتطور الحياة أصبحت الحاجة ماسة إلى اتخاذ مكان يتعلم فيه الصغار وإلى أشخاص ينوبون عن المجتمع في أداء هذه المهمة، ولم يعرف المسلمون المدرسة بالصورة التي تعرف بها إلاّ في القرن الخامس الهجري نسبة إلى ارتباط التربية والتعليم في الإسلام بالمسجد وكان كثير من العلماء يرون عدم تدريس الأولاد في المساجد لتزايد أعدادهم وما يحدثه وجودهم في المسجد من حركة وضجيج، يزيد الازدحام ويؤثر على حركة المصلين، مما جعلهم ينشؤون المدارس مرتبطة بالمساجد ويخصصون فيها ما عرف بـ (الإيوان) قاعة المحاضرات وأمكنة لإيواء الطلاب والمدرسين.([68]). والمدرسة بيوت العلم التي حرص الإسلام على أدائها لرسالتها مهتدية بقواعد الإسلام ومبادئه في المنهج، والكتاب، والعلم، ووجه لأن تكون العلوم المختلفة خادمة العقيدة والإيمان بالله ووحدانيته، حتى لا يتناقض ما يقرأه الطالب في درس التربية الإسلامية عما يقرأه في المباحث الأخرى، سيما في كتب التاريخ والجغرافيا، ولتكون الثقافة الواحدة التي يتربى عليها أفراد المجتمع في المدارس ثقافة واحدة، توحد الفكر ولا تمزقه، وتساعد على إيجاد رأي عام واحد صالح يخدم أهداف الإسلام ويرعى مبادئه([69]).وقد اختلفت نشأة المدرسة في تاريخ الإسلام عن نشأتها عند الأمم الأخرى لارتباط التعليم بتعاليم الإسلام واعتبار التعليم حقا وفريضة على كل مسلم([70]). والتعليم المنفصل عن التربية جهد ضائع ونتائج علمية مهزوزة، وذلك لأن التربية المدرسية تمثل الدعامة الأولى للإفادة من العلم المبذول([71]). والتدريب الذي يهتم بتوجيه الولد إما إلى الخير أو إلى الشر يكون مبني على أسس الخير القويمة التي تقام في البيت، والمدرسة والمعلم، هي التي تعمل على بناء الولد وفق ما أقيم عليه مسبقاً لأن أهم الأسس لبناء السجية يبدأ غرسه في عمر مبكر لدى الطفل وأن أهم هذه الأسس هي التي التمييز بين الخطأ والصواب ، والتحلي بالصدق والمروءة([72]).
المطلب الثالث: وسائل النهوض بالمجتمع المسلم
أولاً: أثر الوعي الاجتماعي في حماية الأمن الفكري
الوعي الاجتماعي لدى الأفراد يتكون بتفاعله مع مؤثرات البيئة المحيطة الخاصة بالفرد، كما يتأثر بمؤثرات العالم الخارجي، وهذا ما يوضح أن الوعي الاجتماعي يتكون بالتدريج في الانتقال تقدمياً من محيط الأسرة إلى المحيط الاجتماعي، ويتكون الفكر الجمعي باحتكاكه بعالم الأشياء([73]). وأكثر ما يهدد أمة ويعرضها لكل خطر ويجعلها فريسة للعابثين هو فقدان الوعي، واندفاعها إلى كل موجة وخضوعها لكل متسلط، والقادة الخائنون يأمنون سخط الأمة ومحاسبتها ويتمادون في غيهم، ثقة بسذاجة الشعب وفقدان الوعي([74]). والمجتمع المسلم يتميز كما يتميز الفرد عن الأفراد غير المسلمين في عقيدته التي ينشأ عنها منهجه والمصدر الذي يتلقى عنه سلوكه والأخلاق التي يتميز بها عن غيره في حياته وفي تحقيق أهدافه والعبادة التي يمارسها والمؤسسات التي ينشأ فيها والقيم التي يوزن بها البشر. والمجتمع المسلم قائم على نبذ العنصرية، وهو مجتمع الأخوة والمساواة والكفاية والعدل بين المسلمين الذين يتساوون في الواجبات والحقوق([75]).
وكذلك قيام الأخوة الإيمانية الذي هو من مستلزمات إلغاء الفوارق العرقية والعنصرية والإقليمية والطبقية قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة}([76]). وهم أسرة إسلامية واحدة، تربط ما بين أعضائها رابطة العقيدة الواحدة، والتشريع الواحد، والسلوك المتماثل، والمصالح المشتركة([77]). ويرجع ذلك إلى عدة عناصر راسخة الأسس في النفس الإنسانية؛ وهي وحدة العقيدة الإسلامية عقيدة الحق، وكان التشريع الإسلامي الواحد هو النظام الضابط لحياة المسلمين في عباداتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم المادية والأدبية، وسياستهم الداخلية والخارجية ومبادئ التعاون والإيثار والتعاضد والتآزر والتآخي والتحابب بين المسلمين، هي التي تلتزم بها الجماعة الإسلامية، التي تقوم بوظيفتين، هما: تماثل وظيفة الجسد الواحد، حينما تتعاون أعضاؤه وتتآزر فيما بينها, ويكمل بعضها بعضًا، ويمد بعضها بعضًا بالقوة والغذاء. والوحدة الثانية تماثل قيام هذا الجسد كله بالدفاع الصادق إذا تعرض طرف من أطراف أو جانب من جوانبه لهجمات عدو طامع بلحمه أو دمه أو ثوبه أو ماله أو كرامته([78]).
ثانياً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لحماية الأمن الفكري
حرص الإسلام على توجيه الناس دائما إلى أوجه الخير، فدعا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل ذلك واجباً على كل مسلم ومسلمة لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم في المجتمع مقام الوقاية من الأمراض في جسم الإنسان وبه استطاعت الأمة أن تفرض وجودها على العالم([79]). قال تعالى:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)([80]).وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعد مسئولية العلماء في المجتمع الإسلامي، وللقيام بهذه الفريضة آثارها الكبيرة في إيجاد الرأي العام الصالح في المجتمع الإسلامي، وهي من صفات المؤمنين الصالحين([81]).وفي الحديث الشريف:( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه)([82]). وتندرج التربية كذلك كوسيلة إصلاحية بناءة وهي تحتاج إلى متابعة واهتمام فينبغي للمربي أن يكون قادراً على المتابعة، والتوجيه المستمر، فالتربية عملية مستمرة لا يكفي فيها بتوجيه عابر([83]).وتركز التربية الإسلامية على تنشئة الفرد على الفضيلة وعلى تحمل المسئولية، وكل مسلم راع وكل راع مسئول عن رعيته، فالمسئولية في الإسلام مسئولية فردية، كل إنسان مسئول أمام الله سبحانه عن أعماله بعد أن منحه عقلا وأرسل له الرسل للهداية وأنزل إليه الكتب وبين له طرق الخير والشر([84]).
ثالثاً: الأسرة المسلمة
وهي أول وحدة اجتماعية تحيط بالطفل منذ ولادته، وهي الوحدة التي يبدأ فيها الطفل تكوين ذاته وتكوين اتجاهاته الفكرية والخلقية والاجتماعية عن طريق التنشئة الاجتماعية ولا شك أن الوالدين يتحملان المسئولية في عملية التنشئة هذه. والمتأمل في الفكر الاجتماعي التربوي المعاصر، يرى أن كثيراً من الأفكار الاجتماعية التربوية منسجمة إلى حد كبير مع أفكار العلماء التربويين المسلمين فيرون أن تصرفات الأبناء تعكس إلى حد كبير شخصيات الآباء، وأن تصرفات الأبناء هي المفتاح لفهم شخصيات الآباء، وهذا يعني أن الوالدين في نظر الطفل هما مثله الأعلى الذي يقتدي به. فإذا كانا يتصرفان تصرفات سليمة صحيحة، فإنه سيتصرف تصرفات صحيحة وسليمة قياسًا لما يراه في أسرته، فهو يحاكي ويقلد أفعالهما وأعمالهما، لأنه يثق ويحسن الظن بهما([85]).
المبحث الرابع: حماية الأمن الفكري وآليات التغيير والنهوض بالمجتمع المسلم
التغيير حقيقته وآلياته:
يقول تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)([86]). ولا يمكن للإنسان أن يغير شيئاً في الخارج إن لم يغير شيئاً في نفسه. وهذه حقيقة علمية وقانوناً إنسانياً وضعه الله عز وجل في القرآن، وسنة من سننه التي تسير عليها حياة البشر([87]). والتغيير هو الشرط الجوهري لكل تحول اجتماعي رشيد؛ والحكومة ما هي إلا آلة اجتماعية للتغيير، تبعاً لما اشار إليه حديث المصطفى صل الله عليه وسلم:( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته). والتغيير يطلق على وجهين: (أحدهما) لتغيير صورة الشيء دون ذاته (والثاني) لتبديله بغيره، فالأصل في التغيير استبدال شيء مرغوب فيه، بشيء مرغوب عنه، فهو ليس تركاً وإزالة فحسب، بل يتبعهما إقامة غيره مقامه، فالتغيير أخصّ من الإزالة، وأخصّ من النهي عن الشيء. والحديث قد جاء بالأمر بتغيير المنكر، وهو أقرب إلى معنى الإزالة إن كان موجوداً قائماً، وإلى المنع منه، إن شارف على الوقوع، وليس ظاهر الحديث آمراً بإزالة المنكر، وإقامة معروف مقامه، وإن كان يغلب تعاقب أحدهما الأخر، فحيث غاب المنكر، كان المعروف، وحيث غاب المعروف، كان المنكر. وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (فليغيره)، يهدي إلى أن تمام الفريضة وكمالها بإقامة معروف مقام ما يزال من المنكر، حتى لا ندع للمنكر مجالاً للعود([88]). والتغيير: يقصد به؛ استخدام وتوفير كل وسائل وآليات التغيير التي تعمل على قيام وميلاد مجتمع ما، فالصورة الجديدة للحياة قد تبدأ بفرد واحد، يمثل في هذه الحالة نواة المجتمع الوليد، وذلك بلا شك هو المعنى المقصود من كلمة (أمة)، عندما يطلقها القرآن الكريم على إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً)([89]).ففي هذه الحالة نجد أن المجتمع (الأمة) يتلخص في (إنسان واحد)، أي أنه يتلخص في مجرد احتمال حدوث تغيير في المستقبل، ما زال في حيز القوة، تحمله فكرة يمثلها هذا (الإنسان)([90]).وهو التغيير الذي حدث للمجتمع المكي وتحويله إلى مجتمع المؤمنين بتوحيد الله عز وجل عبادة وعقيدة وشريعة. ولابد من الوعي بأن حتمية عالمية الرسالة الإسلامية يقتضي التغيير، وان التغيير يقتضي تغيير ما في النفوس أولاً، وعندها يجب على كل مسلم أن يحقق بمفرده شروطاً ثلاثة: أولها أن يعرف نفسه ويعرف الآخرين، ويعرِّف الآخرين بنفسه بالصورة المحببة التي أجريت عليها كل عمليات التغيير بعد التنقية والتصفية من كل رواسب القابلية للاستعمار بكل أشكاله المادية والمعنوية (الغزو الفكري وتدمير الهويات) والتخلف وأصناف القهر والتسلط([91]).
أولاً: الحوار وضوابطه
هو محادثة بين شخصين أو فريقين , حول موضوع محدد , لكل منهما وجهة نظر خاصة به، هدفها الوصول إلى الحقيقة , أو إلى أكبر قدر ممكن من تطابق وجهات النظر، بعيداً عن الخصومة أو التعصب، مع استعداد كلا الطرفين لقبول الحقيقة, ولو ظهرت على يد الطرف الآخر.([92]). ومن فوائده أنه يتضمن صور انفتاح الرسالة الاسلامية على الحدود الفكرية والنفسية والمادية.
كل ذلك وفق انفتاح فكري يعبر عنه: بتقبل الحق من أي مصدر ظهر حتى ولو جاء من قبل المخالفين. والحرص على امتصاص العلوم والمعارف من أي المنابع تدفقت. في كل مجال من مجالات الحياة، وفي كل ميدان من ميادينها([93]). وقد تمثلت ضرورة التعايش المشترك القائم على صفة الاختلاف الحتمي والديني في قول الله عز وجل:( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ)([94]). وبالتالي علينا بالبحث عن قواسم مشتركة نبني عليها علاقاتنا، وهو ما يملي على المختلفين في عقائدهم ومذاهبهم اللجوء إلى العديد من أشكال الحوار، التي منها حوار التعامل، وهو حوار تفرضه السياسة الشرعية، وتمليه طبيعة التعايش بين البشر؛ وقد بينت الشريعة بنصوصها أو بقواعدها العامة الأسس والضوابط المتعلقة بهذا الحوار، بما يركز عليه من النقاط المشتركة التي يتفق عليها المتحاورون، والتي غالباً ما تصطبغ بالصبغة الأخلاقية أو المصلحية، كالحوار حول السلام العالمي والتعايش بين الأمم ومكافحة الشذوذ ومعالجة قضايا الانحلال الأخلاقي والتفكك الأسري ،ولهذا تبرز فيه عدة ضوابط أهمها:
- الاعتراف بوجود الآخر واختياره للدين والمعتقد.
- الاعتراف باختلاف المتحاورين وخصوصية كل دين، ونبذ التوفيق والتلفيق بين أديان الأطراف المتحاورة.
- إبراز أوجه التشابه والاتفاق بين الأطراف المتحاورة، وإقصاء أوجه التباين والافتراق لما لها من أثر سلبي على الحوار([95]).
ومن خلال الحوار والإقناع والاقتناع القائم على أساس سليم تتضح الحقائق ويزداد الناس اقتناعًا بالعقيدة الإسلامية السمحة([96]).
ثانياً: علاقة المسلم بالآخر
الإسلام ديناً عالمياً وخاتم الأديان، وفي روح دعوته وجوهر رسالته لا يرمي إلى تسنم (المركزية الدينية) التي تجبر العالم على التمسك بدين واحد، إنه ينكر هذا القسر عندما يرى في تعددية الشرائع الدينية سنة من سنن الله تعالى في الملكوت، لان دعوة الإسلام إلى التفاعل مع باقي الديانات والحضارات تتبع من رؤيته إلى التعامل مع غير المسلمين الذين يؤمنون برسالاتهم السماوية، فعقيدة المسلم لا تكتمل إلا إذا آمن بالرسل جميعاً، بيد أنه لا يجوز أن يفهم هذا التسامح الإنساني الذي جعله الإسلام أساساً راسخاً لعلاقة المسلم مع غيره، على أنه استعداد للذوبان في أي كيان من الكيانات التي لا تتفق مع جوهر هذا الدين، فهذا التسامح لا يلغي الفارق والاختلاف، ولكنه يؤسس للعلاقات الانسانية التي يريد الإسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصوصيات العقائدية والحضارية والثقافية، لا سبيل إلى إلغائه، ولكن الإسلام لا يريد لهذه الخصوصيات أن تمنع التفاعل الحضاري بين الأمم والشعوب والتعاون فيما بينها([97]). لا سيما مع المسلم المخالف فتقوم كل فئة بما تعجز عنه الأخرى فالتعاون والتناصر يجعل الصف الإسلامي أقوى في إمكاناته وقدراته، وأقدر على الاستفادة من الفرص المتنوعة التي تختلف بين مكان وآخر, وزمان وآخر، وأكثر دقة في توزيع المهمات والواجبات وتوظيف الجهود والقدرات نحو الهدف المنشود([98]). فليس من هدف الإسلام حمل الناس على ملة واحدة، ويبين القرآن الكريم الحكمة من الاختلاف بأنها:( وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)([99]). ولهذا السبب أعلن الإسلام حرية العقيدة ونبذ الإكراه في الدين ووضع ضوابط دقيقة لتعميق خط التفاعل و التعارف بين بني البشر الذين يتفقون في أصولهم و عمود نسبهم (كلكم لآدم و آدم من تراب)، كما يتفقون في قدراتهم المعرفية والعقلية والروحية، ولا يتمايزون إلا بسلوكهم الأخلاقي وميزاتهم الروحية المكتسبة المتاحة لجميع الناس([100]).
ثالثاً: الخطاب الديني وضوابطه
الخطاب الديني: هو الرسالة الموجهة نحو الآخر عبر: أسلوب معين، والأسلوب أحد أركان منهج الدعوة، ويعرفه العلماء بأنه المحتوى البياني الذي يحمله الطريق لتصل الدعوة إلى المدعوين، وقد يكون هذا المحتوى قولا منطوقا أو مكتوبا أو صورة أو عملا.
وللأسلوب أهميته في إيصال المضمون للناس؛ لأن الإنسان لا يستوعب الفكرة، ولا يفهمها جيدا، إلا إذا وصلت إليه بأسلوب مفهوم، مرتب على قواعد علوم اللغة والبلاغة التي لا بد منها لدقة المعنى، والتأثر به؛ ولذلك دعا الرسل عليهم السلام بلسان المدعوين، ووجب تبليغ الدين على نحو بيِّن ومفهوم دقيق([101]). والخطاب الديني هو أشرف خطاب يتبادله الناس فيما بينهم؛ لأنه خطاب الأنبياء والرسل الكرام مع أقوامهم في مختلف الأزمنة والأمكنة ويشتمل الخطاب الديني الدعوي على مقوماته السامية وضوابطه العظيمة وآثاره العميقة في النفوس، ومنزلته التي تهز المشاعر وتحرك العواطف نحو الخير، وإنما تتحقق له هذه المقومات وهذه الآثار متى كان مستمدًّا من القرآن الكريم ومستشهدًا بهدايته وبتشريعاته وبأحكامه وبآدابه([102]). قال سبحانه:( الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)([103])ومن ضوابط الخطاب الديني:
- أن يتصف الأسلوب بالإقناع العقلي: إن أسلوب القرآن الكريم يتضمن الإقناع العقلي، والتأثير الوجداني، والجذب الروحي؛ لأنه يخاطب في الإنسان شعوره ومشاعره، ويتحدث مع عقله وعواطفه، ويأخذ بالألباب والأرواح.
- استخدام الوسيلة المثلى: وسائل الدعوة عديدة، ووظيفتها حمل الأسلوب بمضمونه، وتوصيله إلى المدعوين، ويخلط كثير من الناس بين الوسيلة والأسلوب، ويرون المقالة والخطبة والدرس وسائل للدعوة، مع أنها تشتمل على أساليب تنقل الفكرة إلى المستمعين بواسطة الاتصال الشفهي الذي هو الوسيلة.
ومن قواعد الخطاب الديني التي ينبغي للداعية أن يلتزمها في أسلوبه الدعوي:
- القول الحسن: ( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) ([104]).
- الالتزام بالرفق واللين والكلمة الطيبة : وقد اتصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالرفق واللين وحسن العشرة بشهادة القرآن: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)([105]).
الخاتمة
قضايا الأمن الفكري شغلت الكثير من الباحثين والمفكرين، فأوليَت اهتماماً خاصاً وتأكيداً على ضرورة حماية الأمن الفكري خصوصاً في دائرة المجتمعات الإسلامية، وقد اتجهت الدراسات إلى تبني أطروحات ذات صبغة دينية تحمي الفكر مما استعرضناه من مخاطر في ثنايا هذه الورقة البحثية وتحصين الفكر ضد جميع أشكال الانحراف من صميم اختصاصات المسلم، تثبيتا لدعائم الإسلام فكراً وعقيدة وشريعة. فالدين الإسلامي ديناً منطقياً رفع من قيمة العقل.
وقد توصل الباحث إلى عدة نتائج جديرة بالذكر في هذا المقام أهمها:
- تحصين العقل المسلم ضد الغزو الفكري الذي تتعرض له الأمة الإسلامية فحماية الأمن الفكري ضرورة من الضرورات التي لا يمكن بدونها تفهم حقيقة أمن المجتمعات.
- يعد الفكر الركيزة الأساس لحركة سلوك الإنسان وتصرفاته، ويعتبر الاتزان الفكري دليل أهلية وسوية الفكر في سلوك الانسان ومن هنا نبعت أهمية الأمن الفكري وحمايته.
- ما آلت اليه الأوضاع في العالم الإسلامي خلال السنوات الأخيرة وما ساد من تطورات في أشكال ومظاهر وأسباب ودوافع الثورات والصراعات الإقليمية والدولية، يعود في جانب كبير منه إلى ما أفرزته بعض الأفكار والأيدولوجيات الفكرية الهدامة.
- من الآثار السلبية التي أصابت الأمة جراء الغزو الفكري الهزيمة النفسيَّة والفوضويَّة في طلب العلم وإبعاد الدين عن الحياة وكذلك في التفكير وتدمير القيم الأخلاقية فانحرف الشباب وفسدت روابط الأسرة، وانهارت الفضائل الاقتصادية والاجتماعية وطمست الهوية في المجتمع المسلم في إطار ما يسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يتبنى دعاوى عصرنة العلم والثقافة والدين.
- الحفاظ على الفكر يعني ضمان حريته والحث على إنتاج أعماله في شتى مجالات الحياة لأنه يمثل الحريات الأساسية في تسيير أنظمتها على النهج العقائدي، وإهماله بالضرورة يفضي إلى هدم أصول منهج تنظيم الحياة.
- التسامح والتعايش مع الآخر في الإسلام لا يلغي الفارق والاختلاف ويدعوا للذوبان، ولكنه يؤسس للعلاقات الانسانية التي يريد الإسلام أن تسود حياة الناس، فالتأكيد على الخصوصيات العقائدية والحضارية والثقافية لا سبيل إلى إلغائه.
توصيات:
- تفعيل دور المسجد والمدرسة في الحفاظ على الموروث الفكري المنبثق عن المعتقدات المكونة لمنهج الحياة في الأمة الإسلامية.
- العودة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في كل الأمور التي تم ذكرها فيهما.
المراجع:
- القرآن الكريم.
- ابراهيم زيد الكيلاني، الراي العام في المجتمع الاسلامي، الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، 1984م.
- أبكرعبد البنات أدم و إسماعيل صديق عثمان، الصحة النفسية وسيكولوجية التدين، الدار العالمية للنشر،ط1،مصر ص(39).
- أحمد احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، مؤسسة الرسالة،ط1، 2003م.
- أحمد بن فارس الرازي، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر،ج1. 1979م.
- أمل محمد أحمد عبدالله، مفهوم الأمن الفكري في الإسلام وتطبيقاته التربوية، دار النشر، بت.
- انور الجندي، شبهات التغريب في غزو الفكر الاسلامي، المكتب الاسلامي- دمشق- بيروت، ط1، 1978م.
- أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ، محمد المصري، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، مؤسسة الرسالة، بيروت.
- العيد سليمان بن قاسم، سبل الوقاية من الانحراف الفكري وتحقيق الامن الوطني- مشاركة في مسابقة: (الانحراف الفكري وأثره على الامن الوطني بدول مجلس التعاون الخليجي)، 1425ه.
- الشهراني معلوي بن عبدالله، اثر الحراك المعرفي على الامن الفكري، الرياض، جامعة نايف العربية للعوم الامنية، ط1،2011م.
- بن نبي. مالك بن الحاج بن الخضر، فكرة كمنويلث اسلامي، ترجمة: الطيب شريف، بيروت، لبنان دار الفكر، 2000م.
- بن نبي. مالك بن الحاج عمر بن الخضر، دور المسلم ورسالته في الثلث الاخير من القرن العشرين، الناشر: دار الفكر، دمشق- سوريا، ط1، 1991م.
- حاتم بن عارف بن ناصر الشريف العوني، الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة، موقع وزارة الأوقاف السعودية.
- حيدر ابن عبدالرحمن الحيدر، المديرية العامة للسجون وجهودها لتحقيق الامن الفكري للنزلاء، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الأول للأمن الفكري، جامعة الملك سعود،1430هـ.
- حسن محمد عبدالغني، مهارات ادارة السلوك الانساني (متطلبات التحديث المستمر للسلوك)، مركز تطوير الاداء والتنمية، مصر، ط2 ،2004م.
- حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي، تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة (35) العدد (121) 1424هـ.
- حموم فريدة، الأمن الانساني(مدخل جديد في الدراسات الانسانية)،دراسة ماجستير تحت اشراف د. الحاج فرديو، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والاعلام، 2004م.
- زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، مختار الصحاح، الدار النموذجية، بيروت ط 5، 1999م.
- شاكير السحمودي، النسق العقدي في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، مطبعة سايس، فاس المغرب،ط1.
- شحاتة محمد صقر، شريعة الله لا شريعة البشر، دار الخلفاء الراشدين، الإسكندرية، بت.
- صلاح حسن احمد، دور الأمن الفكري في تحقيق السلم الاجتماعي، جامعة كركوك، كلية القانون والعلوم السياسية. مجلة العلوم القانونية والسياسية.
- طارق دويدار، بعنوان: الالحاد خطر كامن يهدد الشباب، مؤسسة الغربة الاعلامية، مجلة الغربة، سيدني استراليا بتاريخ9/3/2015م.
- طالب أحسن مبارك، الأسرة ودورها في وقاية أبنائها من الانحراف الفكري، أكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية ، ط1، 2014م.
- عباس محجوب، بيئات التربية الاسلامية، الجامعة الاسلامية- المنورة، ط12، 1400ه.
- عبدالرحمن الزبيدي، حقيقة الفكر الإسلامي، دار المسلم، الرياض،ط2 ،1422هـ.
- عبدالرحمن عبدالعزيز السديس، الأمن الفكري، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض،ط1 ،2005م، الرياض.
- عبد الرحمن اللويحق، الأمن الفكري في ضوء السنة النبوية ،بت.
- عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي، كواشف زيوف، دار القلم، دمشق ط2، 1991 م.
- عبدالرشيد عبدالعزيز سالم، طرق تدريس التربية الاسلامية نماذج لإعداد دروسها، وكالة المطبوعات،ط3،1982م.
- علي ابو الحسن بن عبدالحي بن فخرالدين، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، مكتبة الايمان المنصورة ،مصر، بت.
- علي بن فائز الجحنيي، رؤية للأمن الفكري وسبل مواجهة الفكر المنحرف، المجلة العربية للدراسات الامنية، مجلد14، العدد27.
- علي بن نايف الشحود، مفهوم الولاء والبراء في القرآن والسنة، ط1 ، 2012م
- لويس معلوف، المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، 1973م.
- مالك بن الحاج عمر، ميلاد مجتمع، ترجمة: عبدالصبور شاهين، دار الفكر، دمشق، سوريا،ط3، 1986م.
- متعب بن شديد بن محمد، استراتيجية تعزيز الأمن الفكري، بحث مقدم في المؤتمر الوطني الاول للأمن الفكري، جمادالاول1430ه.
- محمد احمد اسماعيل المقدم، تبصير اولي الالباب ببدعة تقسيم الدين الى قشر ولباب، دار طيبة – مكة المكرمة، ط10 -1993م.
- محمود احمد العطا ، دور الاجهزة الامنية في تعزيز الامن الفكري، اكاديمية الامن العليا برنامج الماجستير دورة الزمالة رقم(3)، 2008- 02009م، رسالة ماجستير في الدراسات الاستراتيجية والامن القومي: اشراف . فريق شرطة د. عمر احمد قدور.
- محمد الغزالى السقا، قذائف الحق، دار القلم، دمشق،ط1،1991م.
- محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري، عالم الكتب، بيروت، لبنان.
- محمد بن مكرم الإفريقي المصري، لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1990م.
- مجدالدين أبو طاهر محمد بن يعقوب، تحقيق: مكتب تحقيق التراث، القاموس المحيط، الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان ط8 ،2005م.
- مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، الجامع الصحيح، دار الفكر، بيروت، لبنان، (ب.ت).
- منقذ بن محمد السقار، الحوار مع اتباع الاديان- مشروعيته- وادابه، رابطة العالم الاسلامي، بدون طبعة بت.
شبكة الإنترنت:
- امل محمد احمد بشير، مقال بعنوان: الامن الفكري في الاسلام واهميته في النظام السياسي، فبراير2015م، قسم بحوث ودراسات. موقع شبكة almanalmagazine.com
- عبد الله العشي، ثقافة العولمة بوصفها خطاباً متطرفاً، موقع وزارة الأوقاف السعودية.
- عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، منشور في موقع المكتبة الشاملة :arrawdah.com،قسم الدعوة واحوال الدعاة، بت،ج4.
- محمود توفيق محمد سعد، فقه تغيير المنكر، موقع وزارة الاوقاف السعودية.
[1]– أمل محمد احمد عبدالله, تاريخ النشر, دار النشر، مفهوم الامن الفكري في الاسلام وتطبيقاته التربوية، ص(3).
[2] – ابو الحسين, أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، تحقيق/ عبد السلام محمد هارون، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر، 1979م،ج1،ص(133).
[3] – الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد ،تحقيق/ يوسف الشيخ محمد، مختار الصحاح، المكتبة العصرية – الدار النموذجية، بيروت ط 5، 1999م،ص(242).
[4] – الفيروزآبادي، تحقيق/ مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، بإشراف: محمد نعيم العرقسُوسي، القاموس المحيط، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت ط8 – 2005 م، ص(458).
[5] – لويس معلوف، المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق- بيروت، ط(28)، 1973م، ص(591).
[6] – عبدالرحمن الزبيدي، حقيقة الفكر الإسلامي، دار المسلم، الرياض،ط2 ،1422، ص(16)
[7] – أبو البقاء الحنفي، أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي، تحقيق، عدنان درويش – محمد المصري، الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، مؤسسة الرسالة – بيروت، ص(697).
[8] – حيدر ابن عبدالرحمن الحيدر، المديرية العامة للسجون وجهودها لتحقيق الامن الفكري للنزلاء، بحث مقدم للمؤتمر الوطني الاول للأمن الفكري، 1430هـ، جامعة الملك سعود، ص (12).
[9] – عبد الرحمن اللويحق، الامن الفكري في ضوء السنة النبوية (دراسة علمية لبناء النظرية الاسلامية للأمن الفكري)، ص(105)
[10] – عبدالرحمن بت عبدالعزيز السديس، الأمن الفكري، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض،ط1 ،1426ه-2005م.
[11] – أمل محمد أحمد عبدالله، مفهوم الأمن الفكري في الإسلام، ص(48).
[12] – سيف الدين عبدالفتاح، بناء المفاهيم الاسلامية ضرورة منهجية،ج1،ص53.
[13] – عبدالرحمن بن حسن جبنكة، اجنحة المكر الثلاثة، ص(43).
[14] – عبدالرحمن بن حسن جبنكة، اجنحة المكر الثلاثة ص(45)
[15] – د. حسن. محمد عبدالغني، مهارات ادارة السلوك الانساني (متطلبات التحديث المستمر للسلوك)|مركز تطوير الاداء والتنمية. 13 شارع جسر السويس، مصر الجديدة، ط2 ،2004م، ص(131).
[16] – صلاحة حسن احمد، دور الامن الفكري في تحقيق السلم الاجتماعي، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية، جامعة كركوك، ص(496).
[17] – أمل محمد ،الأمن الفكري في الإسلام، ص(45).
[18] – محمود احمد العطا ، دور الاجهزة الامنية في تعزيز الامن الفكري، اكاديمية الامن العليا برنامج الماجستير دورة الزمالة رقم(3)، 2008- 02009م، رسالة ماجستير في الدراسات الاستراتيجية والامن القومي: اشراف . فريق شرطة د. قدور. عمر احمد ،ص(23).
[19] – المرجع السابق نفسه ،ص(25).
[20] – طالب. أحسن مبارك، الأسرة ودورها في وقاية أبنائها من الانحراف الفكري، اكاديمية نايف العربية للعلوم الامنية ، ط1،- 2014م، ص(116).
[21] – العيد سليمان بن قاسم، سبل الوقاية من الانحراف الفكري وتحقيق الامن الوطني- مشاركة في مسابقة: “الانحراف الفكري واثره على الامن الوطني بدول مجلس التعاون الخليجي، 1425ه، ص(9).
[22] – متعب بن شديد بن محمد، استراتيجية تعزيز الامن الفكري، بحث مقدم في المؤتمر الوطني الاول للأمن الفكري، جمادالاول1430ه، ص (4).
[23] – عبدالرحمن اللويحق، الأمن الفكري: ماهيته وضوابطه، ص(132).
[24] – صلاح حسن احمد|دور الأمن الفكري في تحقيق السلم الاجتماعي، جامعة كركوك، كلية القانون والعلوم السياسية. مجلة العلوم القانونية والسياسية، ص(513، 514).
[25]– علي بن نايف الشحود، مفهوم الولاء والبراء في القرآن والسنة، ط1 ، 1433هـ – 2012م|ص(6)
[26] – حاتم بن عارف بن ناصر الشريف العوني، الولاء والبراء بين الغلو والجفاء في ضوء الكتاب والسنة، الناشر: الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات، ص(3).
[27] – سورة التوبة، آية(71)
[28] – سورة النساء، آية(171)
[29]– الشهراني، معلوي بن عبدالله، اثر الحراك المعرفي على الامن الفكري،ط1،– 2011م، الرياض، جامعة نايف العربية للعوم الامنية، ص(5).
[30] – مالك بن نبي، مشكلة الافكار في العالم الاسلامي، ص(13).
[31] – بروف/ أبكر و إسماعيل،الصحة النفسية وسيكولوجية التدين، الدار العالمية للنشر، مصر ص(39).
[32] – الدمشقي، عبدالرحمن بن حسن، كواشف زيوف، ص(91).
[33] – بتصرف، حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي، تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة (35) العدد (121) 1424هـ،ص(364).
[34] – حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي، تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري، سابق، ص(339).
[35] – امل محمد احمد بشير، مقال بعنوان: الامن الفكري في الاسلام واهميته في النظام السياسي، فبراير2015م، قسم بحوث ودراسات. موقع شبكة www.almanalmagazine.com
[36] – انور الجندي، شبهات التغريب في غزو الفكر الاسلامي، المكتب الاسلامي- دمشق- بيروت، طبعة 1398ه – 1978م، ص(13).
[37] – حمود بن أحمد بن فرج الرحيلي، تحصين المجتمع المسلم ضد الغزو الفكري، سابق، ص(345)
[38] – مصطفى مسلم ود. فتحي الزغبي، الثقافة الاسلامية، ص(42).
[39] – نفس المرجع السابق، ص(253).
[40] – عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي، كواشف زيوف، دار القلم، دمشق ط2، 1991 م،ص(433).
[41] – مقال بقلم طارق دويدار، بعنوان: الالحاد خطر كامن يهدد الشباب(الحقيقة – الاسباب – والعلاج) مؤسسة الغربة الاعلامية، مجلة الغربة، سيدني استراليا بتاريخ9/3/2015م.
[42] – طارق دويدار| الالحاد خطر كامن يهدد الشباب(الحقيقة – الاسباب – والعلاج)، سابق.
[43] – عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، منشور في موقع المكتبة الشاملة :www.arrawdah.com، قسم الدعوة واحوال الدعاة، بدون تاريخ نشر،ج4|ص(64).
[44] – عبدالوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية،ج4،ص(446).
[45] – عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي، كواشف زيوف، ص(162).
[46] – عبد الرحمن بن حسن حَبَنَّكَة الميداني الدمشقي، كواشف زيوف ص(163).
[47] – المرجع السابق نفسه، ص(335).
[48] – شحاتة محمد صقر، شريعة الله لا شريعة البشر، دار الخلفاء الراشدين، الإسكندرية، بت، ص(78).
[49] – شحاتة محمد صقر، شريعة الله لا شريعة البشر، ص(159).
[50] – المرجع السابق نفسه، ص(172).
[51] – شحاتة محمد صقر، الإسلام والليبرالية نقيضان لا يجتمعان، ص(11).
[52] – شحاتة محمد صقر، شريعة الله لا شريعة البشر، ص(80).
[53] – حموم فريدة، الامن الانساني(مدخل جديد في الدراسات الانسانية)،دراسة ماجستير تحت اشراف د. الحاج فرديو، جامعة الجزائر، كلية العلوم السياسية والاعلام، 2004م، ص(37).
[54] – عبد الله العشي، ثقافة العولمة بوصفها خطابا متطرفا، موقع وزارة الأوقاف السعودية ص(2).
[55] – عبد الله العشي، ثقافة العولمة بوصفها خطابا متطرفا، مرجع سابق، ص(17).
[56] – عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الغزو الفكري ووسائله، ص(117).
[57] – نفس المرجع، ص(118).
[58] – عبدالعزيز بن باز ،وسائل الغزو الفكري، ص(117، 118).
[59] – بروف/ أبكر عبد البنات أدم وإسماعيل صديق عثمان، الصحة النفسية وسيكولوجية التدين، الدار العالمية للنشر،ط1،مصر ص(53).
[60] – صلاح حسن احمد، دور الامن الفكري في تحقيق السلم الاجتماعي، ص(513، 514)
[61] – علي بن فائز الجحنيي، رؤية للأمن الفكري وسبل مواجهة الفكر المنحرف، المجلة العربية للدراسات الامنية، مجلد14، العدد27.
[62] – سورة الانعام: اية رقم (82).
[63] – سورة النمل: الآية رقم (60- 64).
[64] – محمد احمد اسماعيل المقدم، تبصير اولي الالباب ببدعة تقسيم الدين الى قشر ولباب، دار طيبة – مكة المكرمة، ط10 -1993م، ص(25، 26).
[65] – الاردني. ماجد عرسان، اهداف التربية الاسلامية، ص(229).
[66] – مناهج جامعة المدينة العالمية ، اصول الدعوة وطرقها، جامعة المدينة العالمية، ص(174).
[67] – علي بن حسن عسيري، مسئولية امام المسجد، ص(47، 48).
[68] – عباس محجوب، بيئات التربية الاسلامية، الجامعة الاسلامية- المنورة، ط12، 1400ه| ص(112).
[69] – ابراهيم زيد الكيلاني، الراي العام في المجتمع الاسلامي، الجامعة الاسلامية- المدينة المنورة، ط16 -1984م، ص(248).
[70] – عباس محجوب، بيئات التربية الاسلامية، الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، ط12،1400هـ، ص(112).
[71] – محمد الغزالى السقا، قذائف الحق، دار القلم، دمشق،ط1،1991م،ص(279).
[72] – بتصرف، عباس محجوب، بيئات التربية، ص(113).
[73] – بتصرف ، بن نبي. مالك بن الحاج بن الخضر، فكرة كمنويلث اسلامي، ترجمة: الطيب شريف، بيروت – لبنان دار الفكر ،-200م،ص(67).
[74] – الندوي. علي ابو الحسن بن عبدالحي بن فخرالدين، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، مكتبة الايمان المنصورة، مصر، ص(251).
[75] – عباس محجوب، بيئات التربية الاسلامية، ص(116).
[76] – سورة الحجرات، اية رقم (10).
[77] – عبدالرحمن بن حسن حبنكة، الحضارة الاسلامية اسسها ووسائلها، ص(139).
[78] – عبدالرحمن بن حسن حبنكة، الحضارة الاسلامية اسسها ووسائلها ، مرجع سابق، ص(141).
[79] – عبدالرشيد عبدالعزيز سالم| طرق تدريس التربية الاسلامية نمازج لاعداد دروسها، وكالة المطبوعات، ط3،1982م، ص(86).
[80] – سورة ال عمران، اية رقم (110).
[81] – ابراهيم زيد الكيلاني، الراي العام في المجتمع الاسلامي، الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة، 1984م، ص(87).
[82] – مسلم كتاب الايمان باب كون المنكر من الايمان . حديث رقم (49).
[83] – عبدالرحمن بن صالح الذويب ود. ابراهيم ابو صعيليك، الهدى النبوي في معالجة الانحراف الفكري، ص(14).
[84] – نبيل السيوطي، بناء المجتمع الاسلامي، ص(146).
[85] – نبيل السيوطي، بناء المجتمع الاسلامي، ص(169).
[86] – سورة الرعد، اية رقم (11).
[87] – بن نبي . مالك بن الحاج عمر بن الخضر، دور المسلم ورسالته في الثلث الاخير من القرن العشرين، الناشر: دار الفكر، دمشق- سوريا، ط1، -1991م، ص(58).
[88] – محمود توفيق محمد سعد، فقه تغيير المنكر، موقع وزارة الاوقاف السعودية ، ص(62).
[89] – سورة النحل اية رقم (120).
[90] – مالك بن الحاج عمر| ميلاد مجتمع، ترجمة: عبدالصبور شاهين، الناشر: دار الفكر- دمشق-سورياط3، – 1986م، ص(14)
[91] – بتصرف، بن نبي . مالك بن الحاج عمر، دور المسلم ورسالته في القرن العشرين، ص(59، 61).
[92] – منقذ بن محمد السقار، الحوار مع اتباع الاديان- مشروعيته- وآدابه، رابطة العالم الاسلامي-،بدون طبعة سنة نشر، ص(9).
[93] – الحضارة الاسلامية اسسها ووسائلها، سابق ،ص(123).
[94] – سورة هود، اية رقم (118).
[95] – احمد بن عبدالعزيز عطار، اصلح الاديان عقيدة وشريعة، ص(12).
[96] – نبيل السمالوطي، بناء المجتمع الاسلامي، ص(46).
[97] – نفس المرجع، ص(19).
[98] – فقه النصر والتمكين، سابق، ص(480).
[99] – سورة المائدة، اية رقم (48).
[100] – نبيل السمالوطي، بناء المجتمع الاسلامي، ص(20).
[101] – احمد احمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي، مؤسسة الرسالة،ط1، 2003م، ص(427).
[102] – كتاب الخطابة، جامعة المدينة العالمية، ص(232).
[103] – سورة ابراهيم، اية رقم (1).
[104] – سورة الحج، اية رقم(24).
[105] – سورة القلم، اية رقم (4).