الدّال الأسمائي العَلَمي: نحو إرساء منهجيّة سيميائية لتأويل الاسم العلم
Nominative nominal signifier: Towards the establishment of a semiotic methodology for the interpretation of the scientific name
أ. أسماء الصّمايريّة (المعهد العالي لعلوم التربية-جامعة قفصة ـ تونس)
Essmairia Asma, Higher Institute of Education Sciences – Gafsa University
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 75 الصفحة 9.
ملخّص:
يشكل الدال الأسمائي قطبا مركزيا في العمل الأدبي، إذ يرتبط بالشخصية ويربط الصلات بين مختلف المكونات النصيّة. ونظرا للأهمية التي يحظى بها ارتأينا أن ننظر في بحثنا هذا في “الدّال الأسمائي العَلمي: نحو إرساء منهجيّة سيميائيّة لتأويل الاسم العلم” لنقف على أهمّيّة حضوره في النّصّ الرّوائيّ، ونحاول إضافة جهودنا المتواضعة إلى جهود من سبقونا في الكشف عن إمكانيّة دراسته قصد الإسهام في التأسيس لمنهجيّة سيميائيّة خاصّة به تعنى بكيفيّات قراءته وتأويله وتسهّل على الدّارس المبتدئ التّعامل معه.
الكلمات المفاتيح: دالّ- أسمائيّة – تأويل- سيميائيّة- منهجيّة- الاسم العلم.
Abstract :
The nominative signifier constitutes a central omnipresent pole in the literary work, linked to the character and connects with the various textual components in one way or another. Given the importance it enjoys, which has been supported by the studies and research carried out on this text component, we decided to research the “Scientific Nominal Signifier: Towards the Establishment of a Semiotic Methodology for Interpreting the Scientific Name” in order to uncover the importance of its presence in the narrative text, trying to add to our modest efforts, to the precedent literature to reveal the possibility of studying it in order to contribute to the establishment of a semiotic methodology of its own; a methodology concerned with the ways of reading and interpreting it, and making it easier for the student to manage.
Keywords: signifier – nominality – interpretation – semiotics – methodology – proper noun.
مقدّمة:
يعد الدال الأسمائي من بين أهم المصطلحات النقدية التي تندرج في مبحث الأسمائية العلمية نظرا لارتباطه إلى حدّ بعيد بسائر التّوظيفات السّرديّة في العمل الأدبي (المدلول-الأمكنة – الأزمنة – الأحداث…). ولئن اهتمّت به مختلف الدّراسات العربية والغربيّة، فإنّ الحاجة ما تزال ماسّة إلى دراسات مكثّفة تتناول عمق هذا المكوّن الأدبي الدّلاليّ، دراسات تبحث في الدّال الأسمائي لترسي منهجيّة سيميائيّة لمقاربته. وإنّ بحثنا ليستمدّ أهمّيّته من الأهمّيّة التي تحظى بها هذه المفاهيم النقديّة التي سنشتغل عليها، حيث شغل كلّ من مبحث السيميائيّة وكذا مبحث الاسم العلم، المندرج ضمن ما اصطلح عليه جون ديبوا بالأسمائيّة أي دراسة أسماء الأشخاص (وقد عرّفها ديبوا بكونها فرعا من المعجمية تدرس أصول أسماء الأعلام)، الباحثين والنّقاد الذين صرفوا اهتمامهم نحو تدبّر هذين العِلمين، وتجدر الإشارة إلى أنّ دراسة “فيليب هامون” الموسومة سيميولوجية الشخصيّات الرّوائيّة” لم يُفردها لدراسة الاسم العلم وإن أشارت إليه، بقدر ما جاءت مركّزة على الشخصيّة الروائيّة ككلّ. من هنا، جاء هذا البحث محاولة لإرساء منهجيّة سيميائيّة يمكن الاستئناس بها لمقاربة الدّال الأسمائي وتأويله. منهجية كان قد أرسى دعائمها الناقد جميل حمداوي في كتابه “سيميوطيقا اسم العلم في الخطاب الرّوائي”، والتي استفدنا منها كثيرا في بحثنا في الاسم العلم إلى جانب دراسات نقديّة أخرى.
1-الدّال الأسمائي العَلمي: الاسم العلم:
إن المتمحّص في هذا المكوّن يجد أنّه لم يقتصر على المجال الأدبيّ – الرّوائي فحسب، بل اهتمّت به العديد من المقاربات الأسلوبيّة والشرعيّة والقانونيّة والنّحويّة والمنطقيّة والاجتماعيّة والبنيوية والسيميائيّة واللسانيّة[1]،كلّ حسب اختصاصها. أمّا إذا ما حاولنا ضبطه مفهوميّا فنجد أنّ أغلب المعاجم تتّفق على أنّ الاسم العلم هو العلامة والأثر والوسم، إنّه ما يعيّن ويدلّ[2]. أمّا في اللسانيّات، فهو كما حدّده دي سوسير، جزء من علامة لغويّة مشفّرة، تتكوّن من دال هو الاسم العلم، والمدلول هي الشخصيّة الحاملة للاسم بصفاتها وأقوالها وأفعالها[3].
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ لسانيات سوسير قد طرحت مسألة اعتباطيّة العلامة اللغويّة، والتي أثارت جدلا كبيرا بين مقرّ ورافض، وبين من وقف موقفا وسطا[4]. على أنّنا من موقعنا، نعدّ أنّ الاسم العلم معزولا عن نصّه الروائي تحكمه الاعتباطيّة المطلقة، لكنّه يكتسب دلالات قصديّة متى ما وظّفناه في نصّ ما. ولعلّ هذا ما أكّده فيليب هامون في قوله إنّ: “الاسم العلم هو بالتّحديد حدّ محروم من أيّ معنى- إنّه بياض دلاليّ في اصطلاح غيوم”[5]. بهذا فإنّ الشخصيّة قبل إدراجها في النّص لا تمتلئ “باعتبارها مورفيما فارغا في البداية(لا معنى للشخصية، ولا مرجعيّة لها إلا من خلال السياق) إلا في آخر صفحة من النّصّ”[6]. غير أنّ تفعيل الاسم العلم في النّص الروائي لا يعني تنصّله التام من مبدأ الاعتباطيّة، وهو ما يؤكّده حسن بحراوي في سياق حديثه عن اختيار الاسم بقوله: أنّ ” المقصديّة التي تضبط اختيار المؤلّف لاسم الشخصيّة ليست دائما من دون خلفيّة نظريّة، كما أنّها لا تنفي القاعدة اللسانيّة حول اعتباطيّة العلامة، فالاسم الشخصيّ علامة لغويّة بامتياز، وإذن فهو يتحدّد بكونه اعتباطيّا، إلا أنّا نعلم أيضا أنّ درجة اعتباطيّة علامة ما أو درجة مقصديّتها يمكن أن تكون متغايرة ومتفاوتة”[7]، وهي نقطة يتّفق فيها حسن بحراوي وفيليب هامون[8]. والحقيقة أنّ مبدأ –الاعتباطيّة- لا يحكم جميع الأسماء، وإنّما بعضا من أسماء الأعلام التي جاءت فقط لغاية التعيين لمنع اللبس وتجنّب الخلط بين الشخصيّات، ووَسْمُنَا لها بالاعتباطية يعني أنّها أسماء لا تحمل سوى دلالتها التقريريّة المعجميّة ولا تنزاح عنها نحو دلالات إيحائيّة[9]، إنّها ببساطة دوالّ لا تحمل قصديّة ولا تفضي بنا قراءتها إلى أيّة إضافة.
بناء على ما تأسّس، فإنّ بلاغة الاسم العلم لا تتحقق إلا بإدراجه في سياقه الروائيّ. وإنّ تلك البلاغة لا تتوفّر في كلّ الدّوال العلميّة، وإنّما فقط في تلك التي يمنحها وجودها في النّص وتعليل الكاتب لها دلالات تفجّر مساحة التأويل أمام القارئ المهتمّ بهذا المبحث، فتأتي الدوال الأسمائيّة محكومة بقصديّة المؤلّف، لكنّها في الآن ذاته قابلة لأن تنفتح على دلالات لا متناهية متى عطّلنا قصديّة المؤلّف، وفعّلنا التأويل السيميائيّ الذي تتحكّم فيه قدرة المؤوّل ولا شيء سواها. وإنّ مسألة اختيار الأسماء التي توظّف في النّص لا أحد مسؤول عنها عدا الرّوائيّ، إنّه الوحيد الذي يعرف ما يناسب روايته من دوالّ وما يخدمه في المسار السّرديّ، فليست كلّ الأسماء لها نفس القدرة الإيحائيّة، كما أنّه ليست كلّ الروايات توظّف نفس الأسماء، وليست كلّ أسماء الأعلام قادرة على تبليغ مراد المؤلّف وخدمته. لهذا، كثيرا ما تعترضنا شخصيّات بأسماء مجازية تطلق عليها، بدل الاسم الشخصيّ، لعاهة أو لصفة تميّزها وتطغى عليها أو لقب أو كنية أو اسم شهرة بحيث لا يمكن للشخصيّة أن تتميّز وتظهر وتنفرد إلا بها. ويفضي ذلك إلى الحديث عن آليّات التّسمية، تلك التي “تستعمل في بناء الأسماء العلميّة الشخصيّة وتركيبها”[10]. إنّ هذه الآليّات تثبت كون الروائي ليس مجبرا على وضع أسماء أعلام ليعيّن شخصيّاته ويثبّتها في النّص فقط، بل إنّ له من الإبدالات ما يمكّنه من التنويع في آليّات التّسمية؛ نذكر على سبيل المثال الضمائر التي بإمكانها أن تحلّ محلّ الاسم خاصة في الروايات التي تكون بضمير الغائب، وأيضا الوصف والإحالة والاستعارة واللقب والكنية وغيرها من الإبدالات التي تحضر معيّناتٍ للشخصيّة، وفي هذا السياق يرى حسن بحراوي أنّ “هذا النّمط من الأسماء يلغي الأسماء الشّخصيّة ويحلّ محلّها في الوظيفة والدّلالة”[11]. إنّ المتّفق عليه من قبل النّقّاد هو لزوم ضبط الشخصيّة باسم يفردها ويميّزها من غيرها من الشخصيّات، لأنّ الدّال الأسمائي هو الضامن لمقروئيّة الرواية وديمومتها[12]. وهنا، يكون الروائيّ ملزما في كلّ مرّة يضطر فيها لتغيير دال الشخصيّة إلى تقديم تبرير لذلك، حتى لا يلتبِس الأمر على القارئ، ويتيه في حلقة تنوّع الأسماء اللا معلّلة.
إنّ تشعّب هذا المبحث وأهمّيّته، يدفعنا إلى الاستئناس بجهود من سبقنا من كبار النّقاد، الذين لهم إسهامات مهمّة وغزيرة لا غنى عنها للباحث السيميائي في دراسة هذا المكوّن الروائي الدّلالي، في محاولة لإرساء منهجيّة سيميائيّة لتأويل الاسم العلم. منهجيّة تكون دليلا نظريّا في التّعامل مع الدال الأسمائي، يرشد الباحث المبتدئ ويفتح أمام المنشغلين به مجالات للإضافة والتّطوير. وإنّ اختيارنا للمنهج السيميائيّ يعود بالأساس إلى اهتمامه بالدّلالة وانشغاله بالبحث في العمل الأدبي في مستواه السطحي والعميق من أجل الانزياح عن التعامل النّمطي مع النّصوص.
2– مقاربة الاسم العلم :
وتجدر الإشارة إلى أنّ دراسة الاسم العلم في النّص الرّوائي يجب أن تسبق بدراسة الشخصيّة من حيث؛ أنواعها، وأشكال حضورها، ومدى تأثيرها، وتبيّن أبعادها النّفسيّة، والفيزيولوجيّة، والفكريّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة، وتتبّع وظائفها، وعلاقاتها بسائر الشخصيّات الأخرى، حتى نتمكّن بعد ذلك من التّطرّق إلى الدّال الأسمائيّ. وهي خطوة نراها ضروريّة لتبيّن مدى اختزال الاسم للشخصيّة وتكثيفه لدلالتها.
وانطلاقا من ذلك، تتطلب دراسة الاسم العلم التطرق إليه من ثلاثة عناصر هي: البنية والدّلالة والوظائف:
1-2-البنية:
إنّ دراسة الدّال الأسمائي من حيث البنية تعني دراسة مختلف مستوياته الصوتيّة، والصرفيّة، والتركيبيّة، والبلاغيّة، دراسة لغوية تنظر في ثباته وتحوّله، وفي أحكامه الصرفيّة، وما يلحق به من متغيرات سياقيّة تكسبه شحنات دلاليّة كان خلوًا منها خارج النّص:
- المستوى الصوتي:
ينظر هذا المستوى في الأصوات المكوّنة للأسماء انطلاقا من علم الأصوات الوظيفي (Phonologie) الذي يهتمّ بالدّراسة الوظيفيّة للأصوات أي الوظيفة التي يلعبها الصوت في التّركيب والسّياق، وإنّ تفكيك الأصوات المكوّنة لكلّ اسم، وتحديد الأصوات المحاكية والمتماثلة، وتبيّن الخصائص والسّمات النّطقيّة، وضبط وظائف الأصوات الإيقاعيّة والمتناغمة لكلّ الدّوال الأسمائيّة العلميّة، يقودنا إلى البحث في معنى كلّ صوت، وتبيّن إن كانت هناك علاقة سيميائيّة دلاليّة تجمع الأصوات المشكّلة لاسم ما بالسّمات المتعلّقة به، والتي نقف عليها في النّص. فكلّ صوت حسب علم الأصوات الوظيفي يحمل معنى ما، ويتحوّل في السّياق والتّركيب النّصيّ إلى وعاء من الخصائص والمعاني التي تسهم في الإحاطة بالشخصيّة الحاملة للاسم، ويذهب ابن جنّي إلى أنّ موضع الصّوت في الكلمة يكون له معنى في أغلب الأحيان، يقول:”سوقا للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المراد… كأن يضع الحرف الأوّل بما يضاهي بداية الحديث والحرف الأوسط بما يضاهي وسطه، والأخير بما يضاهي نهايته”[13]. ولعلّ دراسة حسن عبّاس المعنونة بـ”خصائص الحروف العربيّة ومعانيها”[14]، من بين أهمّ الدّراسات التي اهتمّت بالأصوات وتصنيفها ودلالاتها حسب ورودها في أوّل الكلمة أو أوسطها أو آخرها.
- المستوى الصرفي:
يهتمّ هذا المستوى بتشغيل الخصائص الاشتقاقيّة لمعرفة جذر الاسم العلم، وعزل السّوابق واللواحق من كل اسم، وتبيّن الأسماء التي خضعت لبعض التّحوّلات اللفظيّة كالتحوير والتّصغير والتّضعيف، وتتبع آثار تلك الزيادة والنّقصان على الدّلالة في السّياق النّصيّ. وهذا المستوى مهمّ في الكشف عن دلالات الاسم الخاصّة، يقول فيليب هامون في حديثه عن دراسة البنية الصرفيّة للدّال “أنّ القارئ يجنح دائما إلى عزل الجذر واللواحق والسّوابق داخل الاسم العلم، ويقوم بدراسة المورفيمات بطريقة استرجاعيّة (…) قد تصبح لديه هذه المورفيمات وسائل يستخدمها كمراجع استباقيّة، أو كأفق انتظار يقوم من خلاله بتوقّع الشّخصيّة”[15].
- المستوى التركيبي:
يُعنى هذا المستوى بتبيّن الحالات التي يرد عليها الاسم: مفردا: فعل –حرف-حال-ظرف
مركّبا: اسمي –فعلي –إسنادي
ومن ثمّ، تبيّن أثر كلّ صيغة من صيغ الإفراد أو التركيب على الدّلالة .
- المستوى البلاغي:
ينطلق هذا المستوى من الدّلالة المعجميّة، ويتحوّل إلى تتبع مختلف الدّلالات المباشرة وغير المباشرة، الاعتباطيّة والقصديّة للاسم العلم، ليقف على الحالات التي يحضر فيها الدّال الأسمائي بصيغته الحرفيّة التّقريريّة، والحالات التي ينزاح فيها نحو دلالات إيحائيّة مضمرة تحمل قصديّة ويربط كلّ هذا بحضور الاسم وتجلياته في النّص. ومن الأجدر هنا، الإشارة إلى أنّ حالات الانزياح عن المعنى التّقريريّ الحرفي والمعجميّ هي التي تكون فيها الأسماء طاقات دلاليّة تحتاج إلى استنطاقها.
2-2-الدّلالة:
يسعى الدّارس في هذا المستوى إلى دراسة دلالة الاسم العلم داخل النّص عبر تتبّع علاقاته باسمه ولقبه وكنيته وصفاته وأفعاله. وقد أشار سوسير إلى أهمّيّة ربط الدّال بمدلوله في قوله: “إنّ الكيان اللغوي يستمدّ وجوده من الارتباط بين الدّال والمدلول، فإذا أبقينا على عنصر واحد تلاشى الكيان”[16].
في الواقع، إنّ دراسة العلاقة بين الاسم سواء كان اسم علم أو صفة أو لقبا وبين مدلوله، يمكن أن تؤدّي إلى دلالات متعدّدة منها دلالتيْ التوافق والمفارقة، مثال ذلك أن تكون شخصيّة ما مسمّاة باسم “الأعرج”، وتحضر في النّص تشكو عرجًا، بهذا تأتي دلالة الاسم متوافقة مع الشخصيّة. أمّا إذا كانت الشخصيّة غير حاملة لأيّة إعاقة، تكون الدّلالة هنا دلالة مفارقة وعلى الدّارس أن يتبيّن القصد من تلك التّسمية. وهذا لا يمثّل نقصا في الرّواية، بل إنّ الاسم في هذه الحالة يحمل طاقة دلاليّة كبرى تحتاج إلى التّفجير التأويلي لها. والأمر نفسه في دلالتيْ التطابق والتناقض، كأن تكون الشخصيّة حاملة لاسم “صالح” وتأتي صفاتها وأفعالها مطابقة للاسم فهو شخص سويّ، كما يمكن أن تأتي الشخصيّة بأفعال تناقض الاسم كالفسق والفجور. هذا فضلا عن دلالات الاعتباطيّة، ودلالات الكليّة/الجزئيّة، ودلالة السّخرية، والرّمزية، وغيرها من العلاقات التي يمكن أن تدرس بوصفها مكمن الدّلالة تحتاج جهدًا تأويليّا مضاعفا لإدراكها.
وأيضا عبر تبيّن علاقات الاسم بسائر التّوظيفات السّرديّة بغية الوقوف على دلالاته ومقاصده المباشرة والضّمنيّة في السّياق النّصيّ، وتدبّر قدرته على عقد علاقات مع مختلف المكوّنات النّصّيّة: علاقته بالمدوّنة، وبعناوين المدوّنة وبالأمكنة والأزمنة والأحداث وبالجو التخييلي العام وباللغة، ومن خلال علاقاته بالبنية الروائية ككلّ، وعلاقته بالراوي ووجهة النظر. إن دراسة دلالات الاسم لا تتم إلا من خلال مختلف العلاقات التي يعقدها مع النص الوارد فيه، وعبر السياق العام الذي يتضمنه، إنه ما يمنحه قابليّة الانفتاح على مسار التّأويل اللا متناهي، ذلك أنّ الاسم -وإن كان علامة مشفّرة- فإنّه يختلف عن الدّليل السيميائيّ بكونه ليس معطى جاهزا، بل إنّه يكتسب دلالاته لحظة تفعيله في النّصّ، يقول فيليب هامون في هذا الصّدد: “إنّ هذه العلامة الفارغة ستمتلئ تدريجيّا (…) نحن إذن أمام اشتغال تراكميّ للدّلالة”[17] ينتهي مع آخر سطر في الرواية.
2-3-الوظائف:
لا يمكن لأي علم من العلوم أن يحقّق الفائدة إذا ما عطّل الوظائف المنوطة به، والتي نختبرها من خلال ما يتركه من صدًى لدى جمهور المتلقّين، والدّال الأسمائيّ العَلَميّ حقّق وظائف متعدّدة ضبطها اللسانيون والباحثون. من بين تلك الوظائف: الرمزي والواقعي[18]– التأثير-الإيديولوجيا- التواصل- التأويل_التعيين- المرجعيّة- ووظيفة التّصنيف- الانسجام والاتّساق-الحجاجيّة-التّعريف[19]– تسهيل مأموريّة القراءة والتّلقي-الإيحائيّة-التّشاكل الدّلالي- الإغراب-اللعب على الدّال…
وانطلاقا من هذه الوظائف، يمكننا استنتاج الدّور الهام الذي يلعبه الدّال الأسمائي، حيث أنّ غيابه يعدم مقروئيّة النّصّ، فهو المسؤول عن تشكّل الدّلالات فيه، وعن إغناء العمليّة التّأويليّة. لهذا، فإنّ إدراك وظائف الاسم العلم، وتدبّر معانيها في صلة بالنّص يسهّل كشف الرسالة المضمرة والمسكوت عنها فيه التي يروم مبدعه إيصالها إلى المتلقي. والحقيقة، أنّ هذه الوظائف وغيرها قد لا تحضر جميعها في النّص الواحد. لهذا، فإنّ تطبيق هذه المنهجيّة على نصوص متنوعة: شعر-مسرح -رواية –مقامة -حكايات مثليّة… يتيح فرصا أكبر لتفحّص هذه الوظائف، كما قد يتيح إيجاد وظائف أخرى تنهض بها الأسماء داخل هذه الخطابات، وتنتج من خلالها دلالات سيميائيّة متنوعة.
خاتمة:
ممّا لا شك فيه أنّ الاسم العلم لم يحظ بالاهتمام الكافي من قبل النقاد والباحثين العرب على وجه الخصوص، عدا دراسة جميل حمداوي التي أشرنا إليها سابقا، أمّا أغلب البحوث والدّراسات فقط تطرّقت إليه بشكل عرضي في دراستها للشخصيّة بكونه المعيّنّ والواسم لها. فجاء هذا البحث لمحاولة تسليط الضوء، ولفت النّظر إلى هذا المكوّن الدّلاليّ، وإثبات كونه يستحقّ أن نفرده بالدرس، ونستثمره في مباشرتنا للنّصوص، لما له من قدرة على الإيحاء والترميز. فتمكّنا ضمنه من تتبّع بنية الأسماء التي كشفت لنا عن اتّساع المساحة الدّلاليّة التي تشغلها في العمل الأدبيّ. تلك المساحة التي أكّدت أهمّيّة هذا المكوّن الدّلاليّ ومركزيّته في تشكيل معالم النّصّ. حيث يتجلّى الثراء الأسمائي المركوز في الاسم العلم بمختلف وظائفه وآليّات اشتغاله النّصيّ، وإيحاءاته المضمّنة في بناه الصوتية والصرفية والمعجمية وغيرها…
مثلما وقفنا على فاعليّة المنهج السيميائيّ ونجاعته في مقاربة هذا المبحث، والبحث عن السيميوز الكامن فيه عبر زعزعة الثوابت في النّص وخلخلتها ونبش المسكوت عنه، وعبر تفكيك بنية الاسم العلم وإعادة تركيبها، بوصفه، أي الاسم، علامة مشفّرة تودع داخل النّص ومنه تكتسب الدّلالة وتعكسها عليه في حركة ارتداديّة يبرّرها تصدّره المركز بين سائر المكوّنات النّصّيّة.
على هذا النحو، نظرنا في الاسم العلم في محاولة منا لإرساء منهجيّة سيميائيّة لمقاربة الدّال الأسمائي، وتتبّع مدلولاته التي ترسم قصدية المبدع خالق التّسمية وصانعها. أسمائيّة تتيح اللعب على الدّوال عبر مسار تحتاج فيه الأسماء إلى جهد تأويلي مكثّف للظّفر ببعض من السيميوز[20] المحتجب في أعماق الاسم. تلك السيميوز التي تظلّ تهرب في كلّ مرّة نخال أنّنا قد أمسكنا بها، فتُدخلنا في مسار دلالي تأويليّ متشعّب تعمل أهليّة القارئ وقصديّة المؤلّف على حدّه وإيقاف ما اصطلح عليه سعيد بنكراد بالمتاهة التأويليّة[21]، واصطلح عليه أمبرتو إيكو بالانزلاقات الدّلاليّة[22] عند مستوى معيّن.
وفي الختام، لا بدّ من التنويه إلى أنّ التّحليل السّيميائيّ للنّصوص يفترض قطعا تعدّد المعنى، وقد نوّه شارل ساندرس بورس في هذا الإطار إلى أنّ فتح باب التأويل يمنح للدّلالات حركيّة لا متناهية ضمن ما اصطُلحَ عليه بالسيرورة الدّلاليّة اللامنقطعة. وكذا الأمر بالنّسبة للأسماء، فتعدّد القراءات التي سبقتنا، وقراءتنا، وقراءة من سيدلي بعدنا بدلوه في هذا البحث تكشف تعدّد التأويلات لاختلاف زوايا النّظر التي ينظر منها كلّ مؤوّل. وإنّ الدّراسات لا تأتي لتهدم ما قبلها وتؤسّس نفسها على أنّها المحاولة الأمثل، بل إنّ كلّ دراسة تمثّل درجة تكمِّل ما قبلها، وتحتاج إلى ما بعدها ليكتمل نقصها.
بناء على ما تأسّس، نقول بأنّ هذا البحث يكشف عن إمكانات هائلة تخوّل للدّارسين:
-دراسة أسماء الأعلام الموظّفة في مدوّنة مختارة لتبيّن مدى فاعليّتها في الكشف عن دلالات النّصوص.
-دراسة جميع المكوّنات النّصيّة انطلاقا من الاسم العلم.
-إمكانيّة تطبيق المنجز السيميائي في تحليل الدّال الأسمائي.
-تبيّن أهمّيّة النّسق الإسمي في البحث عن قصديّة المؤلّف من ناحية، وفي الكشف عن السيرورة الدّلاليّة المنضوية في عمق النّص.
-الوقوف على التّرابط بين كافّة التّوظيفات السّردية، ترابط دلاليّ أثمره التّكثيف الدّلالي للاسم.
-تبيّن خصوصيّة حضور هذا المكوّن في العمل الأدبي.
-تتبّع تجلّياته التي تعكس مختلف طرائق تشكيله للدّلالة في كافة تعاريج النّصّ.
قائمة المصادر والمراجع
1-العربيّة:
– بحراوي (حسن) “بنية الشكل الروائي: الفضاء الزمن الشخصيّة”، المركز الثقافي العربي، الدّار البيضاء، ط1، 1990.
– بنكراد (سعيد): “السيميائيّات والتأويل مدخل لسيميائيات ش.س. بورس”، المركز الثقافي العربي، بيروت- لبنان، 2005.
– حمداوي (جميل): “سيميوطيقا اسم العلم في الخطاب الروائي”، ط1،2017 .
-ابن جني (أبو الفتح عثمان) “الخصائص”، تح: محمّد علي النّجّار، الهيئة العربيّة العامة للكتاب، ج1، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة، 1996.
– عبّاس (حسن) “خصائص الحروف العربية ومعانيها”، طبعة اتّحاد الكتّاب العرب، دمشق، 1998.
– بن مالك (رشيد) “قاموس مصطلحات التحليل السميائي للنّصوص”، دار الحكمة، فيفري2000.
– مصطفى (إبراهيم) وآخرون: “المعجم الوسيط”، الجزء الأوّل، مجمع اللغة العربيّة،2004.
– ابن منظور (جمال الدّين): “لسان العرب”، مادة (و-س-م) تحقيق عبد الله وآخرون، دار المعارف، القاهرة، مصر.
2 ـ المترجمة:
– إيكو (أمبرتو):”التأويل بين السيميائيّات والتفكيكيّة”، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدّار البيضاء، الطبعة الثانية، 2004.
– دي سوسير (فرديناند):”علم اللغة العام”، تر:بوتيل يوسف عزيز، دار آفاق عربيّة، بغداد، 1985.
– دي سوسير (فرديناند):”محاضرات في الألسنيّة العامّة”، ترجمة يوسف غازي ومجيد نصير، المؤسسة الجزائريّة للطباعة، دط، 1986.
– هامون (فيليب): “سيميولوجيّة الشخصيات الروائية”، تر: سعيد بنكراد، تقديم: عبد الفتاح كيليطو، دار الحوار للنّشر والتوزيع، سوريا، ط1، 2013.
3-الأجنبيّة:
-Dubois )Jean( et al: Dictionnaire de linguistique- éd- Larousse- Paris, 1994.
– Erman (Michel): Poétique du personnage proustien poétique, N° 124, Nov. 2000.
– Molino(Jean): Le nom propre dans la langue- langage n 66-1982.
-Molino )Jean( et Tamine )Joelle( : Introduction à l’analyse Linguistique de la poésie, PUF, 1982.
[1] -جميل حمداوي “سيميوطيقا اسم العلم في الخطاب الروائي”، ط1، 2017، ص26.
[2] – ينظر: جمال الدّين ابن منظور “لسان العرب”، مادة (و-س-م) تحقيق عبد الله وآخرون، دار المعارف، القاهرة، مصر.
إبراهيم مصطفى وآخرون “المعجم الوسيط”، الجزء الأوّل، مجمع اللغة العربيّة، 2004.
Jean Dubois et autre : Dictionnaire de linguistique- éd- Larousse- Paris, 1994
[3] -فرديناند دي سوسير “محاضرات في الألسنيّة العامّة”ترجمة يوسف غازي ومجيد نصير، المؤسسة الجزائريّة للطباعة، دط، 1986، ص94.
[4] -Jean Molino et Joelle Tamine : Introduction à l’analyse Linguistique de la poésie, PUF, 1982, p59.
[5] – فيليب هامون “سيميولوجيّة الشخصيات الروائية”، ترجمة سعيد بنكراد، تقديم: عبد الفتاح كيليطو، دار الحوار للنّشر والتوزيع، سوريا، ط1، 2013 ، ص 61.
[6] – المرجع نفسه، ص42.
[7] -حسن بحراوي “بنية الشكل الروائي: الفضاء الزمن الشخصيّة”، المركز الثقافي العربي، الدّار البيضاء، ط1، 1990، ص247.
[8] -فيليب هامون “سيميولوجيّة الشخصيات الروائية”، ص63.
[9] – الإيحاء “هو الاعتراف بالانزياح أو العلاقة الماثلة الموجودة بين المدلول الأوّل “التّقريري” والمدلول الثّاني “الإيحائي” (للتوسّع ينظر: رشيد بن مالك “قاموس مصطلحات التحليل السميائي للنّصوص”، دار الحكمة، فيفري 2000، ص41.) وإنّ هذا المدلول الإيحائي هو ما يدفع الباحث إلى تفعيل المنهج السيميائي للبحث عن السيميوز الكامن في الاسم العلم.
[10]-جميل حمداوي “سيميوطيقا اسم العلم في الخطاب الروائي”، ص16.
[11] -حسن بحراوي “بنية الشكل الروائي: الفضاء الزمن الشخصيّة”، ص251.
[12] -المرجع نفسه، ص248.
[13] -ابن جني أبو الفتح عثمان جني “الخصائص”، تح: محمّد علي النّجّار، الهيئة العربيّة العامة للكتاب، ج1، القاهرة، مصر، الطبعة الثالثة، 1996، ص 15.
[14] -للتّوسّع ينظر: حسن عبّاس “خصائص الحروف العربية ومعانيها”، طبعة اتّحاد الكتّاب العرب، دمشق، 1998.
[15] -فيليب هامون “سيميولوجيّة الشخصيات الروائية”، ص65.
[16] -فرديناند دي سوسير “علم اللغة العام”، تر:بوتيل يوسف عزيز، دار آفاق عربيّة، بغداد، 1985، ص122.
[17] -فيليب هامون “سيميولوجيّة الشخصيات الروائية”، ص41.
[18] – Erman Michel : Poétique du personnage proustien poétique, N° 124, Nov. 2000, p 239.
[19] -Jean Molino Le nom propre dans la langue- langage n 66-1982 p 17.
[20] – يعود هذا المصطلح إلى شارل ساندرس بورس، ويعني السيرورة المؤدّية إلى إنتاج الدّلالات، تلك السيرورة التي يشتغل ضمنها كل شيء بوصفه علامة.
[21] – سعيد بنكراد “السيميائيّات والتأويل مدخل لسيميائيات ش.س. بورس”، المركز الثقافي العربي، بيروت- لبنان، 2005، ص34.
[22] -أمبرتو إيكو “”التأويل بين السيميائيّات والتفكيكيّة”، ترجمة وتقديم: سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدّار البيضاء، الطبعة الثانية، 2004، ص14.