أثر التطورات الاقتصادية و التكنولوجية على المبادئ التعاقدية
The impact of economic and technological developments on contractual principles
ط/د. بن لعلى عبدالنور، كلية الحقوق-جامعة الجزائر1
Ben Ali Abdelnour, Faculté de droit – Université d’Alger 1
بحث منشور في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 51 الصفحة 23.
abstract
The major economic and technological developments that the world witnessed have imposed many changes on society, and in particular on the legal reality, and perhaps the most important translation of these transformations is the effect of these transformations on the general theory of the contract so that they directly touch the traditional foundations on which contracts were built long ago. Far from creating a serious modernization, it was added to the ancient foundations of the decade, which translates into the contribution of economic and technological changes in creating harbingers that overwhelmed the general theory of the decade and was the cause of the flourishing of the decade and the revival of many doctrinal principles that remained hostage to stagnation and classicism for a period of time, such that these interactions Technology and economics deliberately removed the dust from many principles, thus causing a decade-long revolution that stimulated and revived some principles and affected the retreat of other principles.
key words Regression of contract principles, economic and technological developments, modernization of contract principles, emergence of special legislation, retreat of individualism
ملخص:
عمدت التطورات الاقتصادية و التكنولوجية الكبرى التي شهدها العالم إلى فرض العديد من التغيرات على المجتمع و بالخصوص على الواقع القانوني ، و لعل أهم ما يترجم هذه التحولات تأثيرها على النظرية العامة للعقد بحيث مست مباشرة بالأسس التقليدية التي كانت تشيد على أساسها العقود منذ أمد بعيد مما خلق تحديثا جذريا أضفي على الأسس العتيقة في العقد و هجران المذهب الفردي ، مما يترجم مساهمة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية في خلق إرهاصات طغت على النظرية العامة للعقد و كانت سببا في ازدهار العقد و انتعاش العديد من المبادئ العقدية التي بقيت رهينة الجمود و الكلاسيكية لحقبة من الزمن، بحيث أنّ هذه التفاعلات التكنولوجية و الاقتصادية عمدت إلى إزالة الغبار عن العديد من المبادئ فأحدث ذلك ثورة عقدية حفزت و أنعشت بعض المبادئ و أصابت بالتقهقر مبادئ أخرى.
الكلمات المفتاحية: تراجع مبادئ العقد، التطورات الاقتصادية والتكنولوجية، تحديث مبادئ العقد، بروز التشريعات الخاصة، تقهقر المذهب الفردي.
مقدمة
عقب نجاح الثورة الفرنسية عام 1789 ظهرت العديد من النظريات الفلسفية و الأفكار التي تمجد حرية الفرد ، مما أدى بذلك إلى ظهور المذهب الفردي الذي شيد على أساسه القانون المدني الفرنسي الصادر بتاريخ 1804[1] ،بحيث تشبع هذا القانون بتلك المفاهيم الشائعة في تلك الفترة مما جعل هذا القانون يبنى على أساس مبدأ سلطان الإرادة و الذي يقوم بحد ذاته على مبادئ ثابتة تتمثل في الحرية العقدية و مبدأ القوة الملزمة و الحرية الفردية، و أصبحت هذه المبادئ أسس في القانون المدني لا يجوز المساس بها أو تدنيس قدسيتها ، و لقد انتقلت عدوى هذه المفاهيم إلى القانون المدني المصري و القانون المدني الجزائري باعتبار أن القانون المدني الفرنسي هو عرّاب هذه التشريعات قاطبة .
و لعل أهم نظرية في القانون المدني نظرية العقد، بحيث يحتل العقد مكانة مرموقة في كافة النظم القانونية و التشريعات المختلفة، بحيث يعتبر هرما لكافة المعاملات سواء على الصعيد المحلي أو الدولي فهو وسيلة قانونية و اقتصادية تعتمد عليها المجتمعات منذ زمن بعيد . فيعتبر العقد بناء قانوني يشيد على إثره العلاقات بين الأشخاص فهو المضمار الذي يضمن الوصول إلى الغاية التي يرمي لها الأطراف من خلال التعاقد و المتمثلة في تحقيق الغاية الاقتصادية و لذا تحظى النظرية العامة للعقد بمكانة بارزة في نطاق التشريعات المعاصرة، فيلعب العقد دورا هاما في ترسيخ الحقوق و الواجبات و تداول الثروات، و لكن مع زيادة التطور التكنولوجي والعلمي و الطفرة العلمية التي رافقت هذا التطور و التي مست كافة المجالات جعلت التحولات تضرب في عمق الحياة القانونية و تمس بكافة الكيانات القانونية و التي ظلت جامدة لأمد بعيد.
فنتيجة للتحولات و التقدمات التي تشهدها الحياة العملية في الحقبة الراهنة و التي مست الحياة القانونية فقد بقي العقد صامدا على ما يحتويه من أطر قانونية عتيقة و ركائز كلاسيكية جامدة ، مما جعل العقد يصادف الكثير من الأزمات أصطلح على تسميتها بأزمة العقد، مما جعل الهوة القانونية تزداد و الفراغات والثغرات التشريعية تتباعد ، مما دفع بالمشرع إلى إعادة النظر في النظرية العامة للعقد وتحيينها وفق ترسانة قانونية تسمح لها بالتماشي مع التطورات، فمع تزايد التحولات التكنولوجية والاقتصادية أضحت هذه التحولات تضغط على الحياة القانونية و الواقع.
فكلما تقدم الزمن و تطورت معه الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الصناعية ظهر العجز و القصور الذي تعاني منه النظرية العامة للعقد ، و ظهرت معه سلبيات التشبث بالمذهب الفردي، الأمر الذي فرض على التشريعات المعاصرة مسايرة هذه التحولات من خلال تحيين و عصرنة قوانينها لتلاءم متطلبات العصر، قصد تسهيل المعاملات بين الأفراد و حماية الطرف الضعيف في العلاقة العقدية تحقيقا لقواعد العدالة و الإنصاف ،و لعل ما فرض إعادة النظر في هذه المبادئ العتيقة الانهيار النسبي إن لم نقول المطلق للمبادئ العامة للعقد التي ظلت صامدة لردح من الزمن، إلاّ أنّ التقلبات التي تفرضها العولمة أبت إلاّ أن تجعل هذه المبادئ ترضخ لمستجدات العصر و بالتالي جعلتها مبادئ مرنة تخلت فيها عن هيمنتها المطلقة ، و لعل الهدف من التطرق للموضوع الاطلاع على الملامح الحديثة للنظرية العامة للعقد وفق منهج يقوم على تحليل النصوص القانونية و ذلك لتبيان و التطرق للإرهاصات الطارئة على النظرية العامة للعقد و عليه تظهر أهمية هذا المقال الذي حاول استعراض التأثيرات التي طرأت على النظرية العامة للعقد و من هنا يمكننا طرح الإشكالية التالية: كيف ساهمت التغيرات الاقتصادية و التكنولوجية في التأثير على النظرية العامة للعقد؟ و هل هذه التحولات قامت بتجديد العقد و تطويره أم اكتفت بهدم القواعد الكلاسيكية؟
و للإجابة عن هذه الإشكالية سنستعرض التقسيم التالي:
المبحث الأول: أثر التحولات الطارئة على نظرية العقد: تقدم في ظل التراجع
المبحث الثاني: تأثير التحولات الراهنة على العقد : تأرجح بين ثباث النظرية العامة و انهيارها
المبحث الأول: أثر التحولات الطارئة على نظرية العقد: تقدم في ظل التراجع
لقد أدت التحولات العميقة الحاصلة في المجتمع جراء التقدم التكنولوجي و الاقتصادي إلى التأثير بشكل مباشر على الحياة القانونية من أهم هذه المبادئ تلك التي شيدت على أساسها النظرية العامة للعقد في القرن الماضي مما جعل هذه المبادئ تتقدم في بعض الجوانب و تتراجع في جوانب أخرى.
المطلب الأول: تحيين الأسس الكلاسيكية في العقد: إعادة النظر في معالم العقد
إن المعالم و الأسس العقدية التي ظلت محمية لوقت طويل من طرف التشريعات و الدراسات الفقهية وجدت نفسها ملزمة بمواكبة الواقع المعاش و ذلك نتيجة ما فرضته القفزات الباهرة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية.
الفرع الأول: تحديث المبادئ الكلاسيكية في العقد :تفعيل لفكرة تطوير نظرية العقد
لقد عملت التحولات على دفع المشرع للتعديل في العديد من الأسس التقليدية و العمل على تحديثها مما جعل نظرية العقد تشهد تطورا مع التحديث الحاصل في مبادئها مما جسد فكرة تطوير العقد، و لعل ذلك ما يظهر جليا من خلال الاطلاع على القانون المدني الفرنسي المعدل[2] بحيث يلاحظ فيه أنه تضمن العديد من التجديدات و التحديثات التي أثرت على النظرية العامة للعقد و على القواعد العامة التقليدية لعل أبرز مثال يضرب عنها تضمين المشرع الفرنسي للعقود الإذعان في القانون المدني المعدل كمظهر جديد من مظاهر العقد بعد أن كان محل رفض في الزمن الماضي و القواعد العامة التقليدية مما يظهر التحيين الطارئ على الأسس التقليدية.
أولا: مبدأ حسن النية بمفهوم جديد: تجسيد لإملاءات التكافل العقدي
لم يعد العقد يشكل رابطة عقدية تجمع بين المتعاقدين فقط بل أصبح العقد في الوقت الراهن أهم أداة للتداول الحقوق و الثروات بين الأشخاص و الدول على حد سواء[3] ،و نظرا لأهمية العقد فلقد شيد على قواعد أخلاقية و مبادئ سامية و روابط أخلاقية راقية تضمن حسن سير العلاقة العقدية و تضمن حقوق الأطراف و تصون مصلحة الطرف الضعيف ، و يعتبر مبدأ حسن النية من أسمى المبادئ المنبثقة عن الأخلاق و هو يشكل في حد ذاته مبدأ كلاسيكي لازم العقود منذ نشأة النظرية العامة للعقد .
فمبدأ حسن النية بالإضافة إلى أنه مبدأ كلاسيكي فإنه كذلك أداة تضمن استمرار العلاقة العقدية بين الطرفين ، و آلية للحد من تغول مبدأ الحرية العقدية من خلال نشر روح التعاون و الثقة و النزاهة و العدل والمساواة بين أطراف العلاقة العقدية، كما أن هذا المبدأ الأخلاقي أدى إلى التخفيف من صرامة بعض النصوص القانونية و التي قد يؤدي تطبيقها المطلق و الحرفي إلى الإضرار بأحد أطراف العلاقة العقدية و مخالفة العدالة العقدية [4]، التي يسعى العقد إلى تجسيدها ،فمبدأ حسن النية مبدأ أخلاقي يسعى إلى تجسيد روح العدالة في العقد مما جعله مبدأ أساسي في العقود ، فالعقد باعتباره أداة اقتصادية تحقق ما يصبو إليه الأطراف المتعاقدة من منفعة، فأصبح يشكل معادلة و عملية اقتصادية في فحواها إلاّ أن هذه العقود غالبا ما تطغى عليها الحرية العقدية[5] والتي طالما تؤثر بشكل سلبي على العقود مما تؤدي إلى اصطدام مصالح الأطراف المتعاقدة تحقيقا للمصالح الخاصة و دون إقامة أي اعتبار للمصالح الطرف المقابل مما شكل أزمة تعصف بالعقد، والتي قد تؤدي إلى قطع العلاقة العقدية قبل تمام الهدف منها . فلم تجد التشريعات آلية ومبدأ أفضل من حسن النية لمعالجة هذه الإشكالات فالقد وضع المشرع الجزائري مبدأ حسن النية كمبدأ مستحدث من شأنه الحد من التجاوزات التي قد تفرزها مبدأ الحرية العقدية والالتجاء إلى تفعيل هذا المبدأ أفرز العديد من الحلول الإيجابية و لعل أهمها إرساء المنفعة المشتركة والمتساوية بين الأطراف المتعاقدة و تقريب المصالح ، و لعل ذلك ما أشار إليه المشرع الجزائري صراحة في نص المادة 107/1 [6] و لقد أتى إدراج المشرع لمبدأ حسن النية واستخداماتها امتثالا لمرونة الواقع التي فرضتها التحولات الاقتصادية و التكنولوجية و الاجتماعية على النظرية العامة للعقد .
فالإرهاصات الطارئة على النظرية العامة للعقد و الحاصلة بفعل التحولات الاقتصادية و التكنولوجية أفرزت العديد من التغيرات التي مست معالم العقد، و التي أدت بدورها إلى تحديث مبدأ حسن النية وتطويره فلم يعد يقتصر هذا المبدأ على فكرة مراعاة المتعاقد معه و عدم الإضرار بالمصلحة المبررة والمشروعة للطرف المقابل في العقد، بل أصبح يحمل أيضا مظاهر تتجلى في الالتزام بالنزاهة في التعاقد والتعاون من قبل المتعاقدين في تنفيذ العقد و تجسيد الاتفاق ، و يقصد بالنزاهة أن يتجنب المتعاقد كل الحيل من غش أو تدليس أو مناورات من شأنها أن تجعل الالتزام عسيرا أو مرهقا أو تجعل من تنفيذه مستحيلا و الذي بدوره قد يؤثر على استمرار العلاقة العقدية مما جعل المشرع يفرض مبدأ حسن النية، و لعل ذلك ما ترجمته نص المادة 01 من القانون 04-02 و التي تنص على أنه يفرض مبدأ الشفافية و النزاهة في الممارسات التجارية القائمة بين الأعوان الاقتصاديين و المستهلكين[7]، كما أن مبدأ حسن النية يقوم على مبدأ ثاني مستحدث يتمثل في الالتزام بالتعاون و الذي يعد التزاما إيجابيا بحيث يلتزم المتعاقد بمساعدة المتعاقد معه و إعلامه و إشعاره بكافة الأحداث و الوقائع التي تخص تنفيذ العقد و تسهيل الوصول إلى تجسيد العلاقة العقدية، و لقد استنبط هذا الالتزام من التطورات الجديدة التي لحقت بالعلاقة العقدية و ما تمليه متطلبات التكافل العقدي فالعقد علاقة تعاون و مأزرة و ليس علاقة تنافس و مجابهة و اصطدام المصالح[8] ، و لعل هذا التحيين الطارئ الذي لحق مبدأ حسن النية يرجع أساسه إلى التخفيف من الاعتداد بالنزعة الفردية و المفهوم الفردي للعقد مما جعل من العقد يحمل طابعا اجتماعيا يهدف تحقيق مصلحة الجماعة لا الفرد[9] ، كما أن المبادئ الكثيرة المقحمة على النظرية العامة للعقد و التي فرضتها التطورات الاقتصادية والتي أسماها التوازن العقدي و المعرفي و العدالة العقدية ألحت على تجسيد مبدأ حسن النية و تحديثه[10] .
ثانيا: مبدأ الحرية العقدية بمفهوم جديد: فرض استثناءات قلصت من طلاقة المبدأ
يعتبر مبدأ الحرية العقدية من أعتق المبادئ العقدية التي شيدت على أساسه النظرية العامة للعقد بحيث نص عليه قانون نابليون الصادر في 1804 في نص المادة 1134 [11]جعل من الحرية العقدية مبدأ عاما ومطلق ترضخ له كافة العقود باعتبار أن الحرية العقدية أساس التعاقد ،و يشكل هذا المبدأ مظهر من مظاهر مبدأ سلطان الإرادة و الذي كان يشكل جوهر القانون المدني منذ نشأة العقد المدني و يضمن هذا المبدأ حقوقا للمتعاقد و هي حق الشخص في إبرام العقد من عدمه ثم حقه في اختيار الطرف المتعاقد معه بإضافة إلى حقه في اختيار مضمون العقد و شروطه و هذه الحرية المخولة للشخص في التعاقد تجسد حتما العدالة العقدية والتوازن العقدي و اللذان يعتبران من مستلزمات العدالة .
فيشكل مبدأ الحرية العقدية و دون منازع رمزا من رموز التعاقد و الذي يرافق العلاقة العقدية في جل مراحلها من مرحلة الاتفاق مرورا بمرحلة التكوين ووصولا إلى مرحلة التنفيذ و إنّ وجود هذا المبدأ القانوني وفرضه لهيمنته على المنظومة العقدية ما هو إلا نتيجة لتأثر القانون بالأفكار الفلسفية والاقتصادية والتحررية التي برزت في أوروبا عقب الثورة الفرنسية ، بحيث جاء القانون المدني الفرنسي الصادر في 1804 مستجيبا لتلك الأوضاع ومترجما لتلك الأفكار و الذي كان يقدس الأفكار الفردية بشكل ملموس، مما جعل مبدأ سلطان الإرادة يظهر كتجسيد لتلك الأفكار إلاّ أنّ الحرية العقدية ليس مبدأ مطلق على عنانه و إنما ترد عليه قيود، فالقيد الأول لا يجوز للمتعاقد نقض أو تعديل العقد بإرادة منفردة و دون اللجوء إلى المتعاقد معه و القيد الثاني يلتزم المتعاقد بتنفيذ العقد بكافة حذافيره[12].
لكن هذا المبدأ و رغم عراقته أتبث قصورا في مواكبة التطورات الاقتصادية و الاجتماعية والتكنولوجية الحديثة مما جعل المشرع الجزائري يعمل على إضافة تحديثات على هذا المبدأ الكلاسيكي، بحيث فرضت التحولات الاقتصادية ضرورة التحديث في مبدأ الحرية العقدية مما جعل المشرع الجزائري يعدل في المبدأ بفرض جملة من الاستثناءات التي من شأنها جعل هذا المبدأ الكلاسيكي مبدأ حديث في بعض جوانبه فيظهر جليا أن الظروف و التحولات الاقتصادية[13] فرضت على المشرع التدخل لتحيين في مبدأ الحرية العقدية ولعل نظرية الظروف الاستثنائية التي استحدثها المشرع في القانون المدني 1975 أحسن مثال عن التحديث التي تم إضفائه على هذا المبدأ الكلاسيكي بحيث في هذه الحالة يكون المتعاقد غير ملزم بالعقد الذي اختاره بمحض إرادته و يعتبر ذلك تراجع واضح عن طلاقة مبدأ الحرية العقدية[14] بحيث أن التحديث الطارئ على مبدأ الحرية العقدية يسمح سواء للقاضي أو المشرع التدخل في العقد و ضبط هذه الحرية العقدية تجسيدا لفكرة العدالة العقدية و الإبقاء على العقد و لعل ذلك ما جسدته نص المادة 107/3 بحيث يهدف المشرع في هذه المادة حماية الطرف الضعيف اقتصاديا والذي أترث عليه التحولات الاقتصادية الطارئة ففي هذه المادة يتضح أن المشرع قد آثر إعمال نظرية الظروف الطارئة بدلا من الاستناد إلى مبدأ الحرية العقدية مما جعل هذه المادة قيدا يخنق مبدأ الحرية العقدية و يحد من طلاقته مما جعل هذه الحالة استثناء مستحدثا يضبط المبدأ الذي كان مهيمنا على العقود منذ الزمن.
كما نجد أن المشرع الجزائري قد تطرق إلى استثناء أخر نصت عليه المادة 110 من القانون المدني بحيث تضمنت المادة استثناء على مبدأ الحرية العقدية بحيث أنه في عقود الإذعان[15] إذا تجاوزت الحرية العقدية لأحد الأطراف المتعاقدة على الحرية الأخرى و تسلطت عليها نشأ بذلك عقد الإذعان الذي يخل بأصل العدالة العقدية مما أوجب تدخل القاضي للعصف بالشروط التعسفية التي انشأتها الحرية العقدية بحيث أن الحرية العقدية التي من شأنها زعزعة العلاقة العقدية[16] و التأثير على المعادلة الاقتصادية في العقد وجب ضبطها من خلال تدخل القاضي و الحد من الحرية العقدية مما يظهر أن الحرية العقدية بمفهومها الجديد لم تعد تقدس فقط الحرية العقدية و إنما أصبحت تقدس اعتبارات أخرى . كما أن التحديث في مبدأ الحرية العقدية أفرزت عنه العديد من المبادئ لعل أهمها مبدأ حرية الأسعار و الذي انبثق عنه مبدأ مهم متمثل في الالتزام بالإعلام بالأسعار بفعل التقلبات الاقتصادية التي قد تطرأ على العلاقة العقدية و الذي نجد أن المشرع الجزائري نص عليه في نص المادة 17 من قانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك [17]و كذلك المادة 04 من القانون 04-02[18].
الفرع الثاني: انعكاسات التحولات الحديثة على المبادئ التقليدية: تجديد للأسس العتيقة
لقد انعكست التحولات الحديثة على النظرية العامة للعقد بحيث قامت بالتجديد في الأسس العتيقة في العقد أهمها مبدأ المساواة و مبدأ التوازن العقدي مما جعل ذلك ثورة تحديث في العقد.
أولا: تحقيق مبدأ المساواة: التخلي عن المساواة المجردة و تجسيد المساواة الفعلية
يسعى العقد منذ نشأته إلى تجسيد مبدأ المساواة بين أطراف العقد مما يضمن الحماية الفعلية للطرف الضعيف ،غير أن هذه المساواة في كثير من الأحيان تبقى فكرة مجردة [19]لا تتصل بالواقع العملي بحيث تشهد في العقود وطأ الإرادة القوية للإرادة الأقل تأثيرا منها، مما خلق نوع من عدم المساواة في العقود.
إن التحولات الاقتصادية و التكنولوجية فرضت على المشرع التحديث في أقدم النظريات بهدف إقامة فكرة المساواة العقدية بين المتعاقدين و ذلك من خلال السعي إلى التقليص من هيمنة مبدأ سلطان الإرادة و الحد من امتداد نفوذها و ذلك من خلال التوسيع في نظرية عيوب الرضا التي تهدف إلى إبطال العقود التي اختل فيها عنصر المساواة ، فهي نظرية تقليدية أضفي عليها بعض التحديثات بهدف تجسيد مبدأ المساواة الفعلية بين المتعاقدين. فمع التطور الاقتصادي والتكنولوجي تطورت العديد من المشاكل بحيث أصبح الطرف المتعاقد يستعمل كافة الحيل و التقدمات التكنولوجية للتحايل على المتعاقد معه لتحقيق مصلحته و المنفعة الشخصية، على حساب الإضرار بالمتعاقد معه مما جعل المشرع يقوم بتطوير نظرية الإبطال العتيقة لحماية رضا الطرف الضعيف اقتصاديا و تكنولوجيا.
و بالرجوع إلى عيب الغلط نلاحظ أن المشرع الجزائري قد طور من مفهومه و قام بتوسيعه فلم يعد المشرع يأخذ بفكرة الغلط في نطاقها التقليدي بل حذا حذو المشرع الفرنسي و قام بتطوير هذه النظرية فبعدما كان يستند فقط إلى الغلط في مادة الشيء طور من هذا المفهوم و أصبح يأخذ بالغلط الذي يقع في الصفة الجوهرية للشيء [20]. كما أنه أضاف تحينا أخر على هذه النظرية فبعدما كان المشرع يستند إلى المعيار الذاتي في تقدير الصفة الجوهرية للشيء في عيب الغلط و التي تقام على أساس إرادة المتعاقد الذي وقع في الغلط ،ليتوجه بعد ذلك المشرع إلى اعتناق المعيار الموضوعي كنوع من التحديث و الذي يقوم على تقدير الصفة الجوهرية التي تستشف من الظروف المحيطة بالعقد و رصد المناخ الذي أنشأ العقد في ظله.
كما أنه المشرع قد ثار و تمرد على النزعة الفردية و تمرد على أفكار و فلسفة المذهب الفردي ليثبت التغيرات الطارئة على نظرية العقد، بحيث أقام تحولا جذريا على فكرة التدليس فلم يعد يأخذ بالفكرة الضيقة للتدليس، والتي تقوم فقط على أساس السكوت العمدي للطرف المدلس و الذي يعتبر موقفا سلبيا و إنما انتقل إلى إلزام المتعاقد بتحمل مسؤولية إيصال كافة المعلومات الضرورية للمتعاقد معه بهدف إبرام العقد و إن هذه الخطوة التي وضعها المشرع يكون من خلالها قد قفز قفزة قطع بها أشواطا كبيرة بحيث أن تكريس مبدأ الالتزام بالإعلام يرجح كفة المساواة الحقيقية بين المتعاقدين، و يقمع فكرة المساواة المجردة التي كانت في أغلب الأحيان مجرد وهم و خيال. فنجد أن المشرع قد عمد إلى تحديث عيوب الرضا لجعلها نظريات توافق التقدم الاقتصادي و التكنولوجي وتتماشى معه كما أنها نظريات تعمل على تجسيد فكرة المساواة الفعلية بين المتعاقدين.
ثانيا: تكريس مبدأ التوازن العقدي: إرساء لقواعد العدالة التبادلية
الأصل في العقود أن يحدد مضمونها بكل حرية من طرف المتعاقدين باعتبارها ثمرة ناتجة عن توافق إرادتين ، و باعتبار أن العقد نتاج حرية الأطراف المتعاقدة ففي الوقت الماضي كان التوازن العقدي لا يعتبر مبدأ عاما في العقد كما أن التوازن الموضوعي الذي يكون أساس تكوين العلاقة العقدية لا يعد جوهرا في العقد مما أفرز العديد من العقود التي يتخللها عدم التوازن العقدي .
لكن مع التحول الاقتصادي والتكنولوجي والطفرة التي أنتجها هذا التطور في الحياة القانونية وجد المشرع نفسه ملزما للتدخل و إعادة الاعتبار للتوازن العقدي في العقود، و إعادة إرساء المعادلة العقدية بين المتعاقدين بحيث يتم التوفيق في العقد بين الحقوق و الالتزامات و بين كافة البنود المدرجة في العقد بحيث تكون نوع من العدالة فيما يمنحه المتعاقد و ما يحصل عليه و ما يترتب على عاتقه في إطار تجسيد التوازن الإجمالي في العقد.
لقد أدخل المشرع على قانون العقود جملة من التعديلات الجديدة جعلته قانونا يهدف إلى مكافحة جل الاختلالات التي قد تطرأ على العقد و تزلزل التوازن العقدي ، و إن كان هذا التوازن يوصف بأنه توازن نسبي لم يرتقي إلى الكمال المطلق لتحقيق التوازن العقدي[21] الحقيقي ،فلقد أعطى المشرع للقاضي حق الولوج في العقد و إعادة فرض التوازن العقدي إذا ظهر في ملامح العقد عدم تكافؤ بارز في الالتزامات، فبطلب من أحد المتعاقدين أو كلاهما يمكن للقاضي التدخل في العقد و فرض التوازن العقدي و إعادة التوازن الذي أصابه اضطراب و خلل و ذلك بهدف إعادة إرساء أسس العدالة التبادلية والقائمة على أساس المساواة المفترضة بين المتعاقدين بحيث يفترض في العقد المساواة بين حقوق و واجبات المتعاقدين بحيث يكون بذلك التوازن العقدي مفترضا في العقد و باختلاله وجب على القاضي معالجة هذا الوضع. و يظهر جليا التحديثات التي قام بها المشرع الجزائري لإعادة فرض التوازن العقدي في العقود في نص المادة 358 من القانون المدني و الذي فرض فيه المشرع ضرورة إعادة التوازن في عقد بيع العقار الذي وقع فيه غبن و يكون بإعادة التوازن في هذه الحالة من خلال مطالبة البائع من القاضي بتكملة الثمن ليعاد التوازن إلى العقد و يبقى قائما، و كذلك الحال في عقد القسمة و الذي نصت عليه نص المادة 732من القانون المدني و كذلك عقد المقايضة و الذي سرت أحكامه في نص المادة414 من القانون المدني[22] ، ففي نص المواد السالفة الذكر نجد أن المشرع الجزائري قد سمح للقاضي الولوج في العقد و إعادة فرض التوازن العقدي من خلال ضبط أو تكملة الثمن و ذلك بغرض فرض التكافؤ بين أداءات المتعاقدين[23] و ما يجدر الإشارة إليه أن المشرع فرض إعادة التوازن للعقد الذي أصابته هذه الاختلالات نتيجة التحولات الاقتصادية وأن هذه الخطوة التي وضعها المشرع تكون بهدف المحافظة على العقد من جهة ومواكبة العقد للتطورات الحاصلة من جهة أخرى.
المطلب الثاني: تعارض مبدأ سلطان الإرادة مع مقتضيات التعامل الحديث: اصطدام بالمعطيات الحديثة
باعتبار مبدأ سلطان الإرادة أهم المبادئ الكلاسيكية التي شيدت على إثرها النظرية العامة للعقد فإن التحولات الحدية أثرت عليها بشدة مما جعلها تصطدم مع هذه الأخيرة
الفرع الأول: قصور مبدأ سلطان الإرادة في أعقاب التحولات الراهنة
لقد أدى التقدم الاقتصادي إلى انكماش مبدأ سلطان الإرادة و قصوره فلم يعد ذلك المبدأ الذي يسيطر على العقود و يهيمن على العلاقة التعاقدية بل أصبح هذا المبدأ قاصرا و عاجزا أمام التطورات الهائلة.
أولا: قصور مبدأ سلطان الإرادة: تضارب بين انتكاسة المبدأ و الاصطدام بالمستجدات الحديثة
إن التحولات الاقتصادية والتكنولوجية الطارئة على المجتمع ساهمت بشكل واضح في إعادة رسم الأسس العتيقة التي بنيت على إثرها نظرية العقد، فالتطورات التي فرضتها التحولات الاقتصادية خلقت منعطفا تشريعيا أمام العقد عرقل تقدمه و هو مثقل بذلك الكم من الأسس الكلاسيكية مما جعل المشرع يعيد النظر في الأسس العتيقة و يقوم بحديثها وفق ترسانة قانونية حديثة لجعل العقد يواكب التطورات الحاصلة.
و لعل أهم المبادئ الكلاسيكية التي شيد على أساسها العقد مبدأ سلطان الإرادة الذي بسط نفوذه وهيمنته على كافة العقود و أصبح ركيزة أساسية في إنشاء العقود و عمر ردحا طويلا من الزمن، وباعتبار أن مبدأ سلطان الإرادة مبدأ يتسم بطابع الصرامة و التعقيد، جعل من هذا المبدأ يصطدم مع التطورات التي فرضتها التحولات الاقتصادية و التكنولوجية مما جعل من المشرع مضطرا للتدخل و التليين من مبادئ هذا المبدأ و التخفيف من صرامته التي عمرت ظهرا من الزمن مما يثبت أن هذا المبدأ أصبح يعاني القصور في التماشي مع التطورات الراهنة والتحيينات الحاصلة.
فيقصد بمبدأ سلطان الإرادة أن الشخص حر و له الحرية المطلقة في التعاقد و أن الإرادة هي المناط الأساسي لتكوين العقد و إخراجه من حيز التفكير و العالم الافتراضي إلى تجسيده على أرض الواقع و هذا المبدأ بقى سائدا لأمد بعيد و بقي ثابتا إلا أنه مع التطورات الراهنة نجد المشرع وجد نفسه ملزما لإضفاء بعض التليين على مبدأ سلطان الإرادة بحيث وضع بعض التطبيقات و القواعد التي تجاوزت القواعد العامة للعقد و قامت بالتخفيف من مبدأ سلطان الإرادة، ولعل أكبر دليل على تراجع مبدأ سلطان الإرادة و تقلص هذا المبدأ بفعل التطورات التكنولوجية و الاقتصادية تراجع مبدأ الرضائية في العقود بشكل كبيرو تفاقم ظاهرة الشكلية في العقود مما يدل بشكل واضح على انتكاسة المبدأ و تراجعه، كما يظهر تراجع مبدأ سلطان الإرادة من خلال تزايد تدخل القاضي في العقد[24] والتعديل فيه و إعادة التوازن للعلاقة العقدية مما يشكل حلقة قيدت مبدأ سلطان الإرادة و قلصت من بسط نفوذه و لم يقتصر ظهور قصور هذا المبدأ في هذا السياق و إنما يظهر جليا في تقزيم مبدأ سلطان الإرادة أمام سمو فكرة النظام العام كما يظهر انتكاسة المبدأ من خلال تدخل الدولة في توجيه العقد.
أولا: تراجع مبدأ سلطان الإرادة و تضخم مبدأ النظام العام: إنتكاسة المبدأ
لقد تغول مبدأ سلطان الإرادة في القرن الماضي و بسط سيطرته على كافة العقود حتى أضحى لا يمكن تخيل عقد قائم و صحيح دون استناده إلى ذلك المبدأ ،و مع ازدهار هذا المبدأ زاد من تطرفه حتى خلقت في ظلاله كيانات عقدية شاذة عرفت بعقود الإذعان[25] و التي قامت في فحواها على تحقيق المنفعة الخاصة والتفاوت الصارخ بين المنفعة التي يستفيد منها المتعاقدين مما خلق شقا أثر على الوظيفة الاقتصادية للعقد ، ولكن مع تطور الاقتصادي و أنتجه من نتائج خلاقة نجد أن التشريعات عموما عملت على هجران المذهب الفردي وبتزايد الالتفاف حول فكرة المنفعة الجماعية و ظهور فكرة العدالة الاجتماعية والوظيفة النفعية للعقد نجد أن المشرع قد قلص من مبدأ سلطان الإرادة و ذلك من خلال فرض النظام العام والآداب العامة كقيد على مبدأ سلطان الإرادة و إخضاع هذا المبدأ للقواعد النظام العام، بحيث جعل المشرع للقاضي التحقق من العقد إن كان يتطابق مع المصلحة العامة و إن كانت الشروط و الأركان التي يتضمنها متماشية مع فكرة النظام العام والمصلحة العامة .
بحيث يفرض النظام إلى فرض قواعد سامية عن مبدأ سلطان الإرادة [26]و ذلك من خلال رسم أطر قانونية تكون بمثابة إطار تدور فيه الإرادة و لا تتعداه و ذلك بهدف الحد من الأنانية و كبح الفوضى التي قد تعصف بالعقد و المحافظة على المصلحة العامة بحيث أن بالاستناد إلى المعنى الحقيقي لمبدأ سلطان الإرادة يتبين أنه لا توجد حقوق مطلقة للشخص، و إنما تبقى الحقوق رهينة النظام العام الاجتماعي الذي تمارس فيه، وبذلك يكون مبدأ سلطان الإرادة مقيدا بضوابط النظام العام .
لقد دعت التطورات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية إلى تدخل الدولة لفرض رقابة على العقود وفرض التوجيه على العقد و ذلك من خلال اللجوء إلى قواعد النظام العام [27]،و الذي يعرف بالنظام العام الاقتصادي و الذي ازدهر بتزايد تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي مما سمح للدول لعب دور الحارس على العقود بحيث أصبحت الدولة من خلال قواعد النظام العام الاقتصادي تلج في العقود و تعمل على إعادة ترتيب العلاقات الاقتصادية من إنتاج توزيعي و تبادل مما أثر هذا التوجه على النظرية العامة للعقد بشكل مباشر مما جعل من المشرع يستحدث أنماط جديدة و صيغ حديثة للشكلية التعاقدية كالرخصة وشهادة المصادقة تكريسا لفكرة النظام العام التوجيهي[28] .
فلم يقف تدخل الدولة في العقود عند هذا الحد بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بحيث عمدت الدولة إلى خلق أجهزة و سلطات إدارية مستقلة تهدف من خلالها إلى ضبط الاقتصاد وتقييد السوق والعقود المتداولة فيه، مما جعل طوائف جديدة من العقود و صيغ حديثة للتعاقد تظهر و تحتل الصدارة لعل أهمها عقدي بيع البناية التي في طور الإنجاز و الذي يكون أساسه التعامل في محل مستقبلي و كذلك عقد حفظ الحق والبيع على التصاميم وفقا لما تضمنته أحكام القانون رقم11-04[29].
ثانيا: القاضي كطرف جديد في العقد: هتك لقواعد مبدأ سلطان الإرادة
أدت التحولات الاقتصادية والاجتماعية إلى تراجع واضح و ملموس في المبادئ التقليدية للعقد وأثرت عليه بشكل ملحوظ مما أدى إلى تقهقر و تراجع في مبدأ سلطان الإرادة مما خلق لهذا التراجع ثغرة قانونية يمكن من خلالها للقاضي التدخل في العقد، وفرض نوع من الرقابة القضائية عليه بحيث يمكن للقاضي التدخل في العلاقة العقدية كلما فرضت مقتضيات المصلحة الاجتماعية ذلك بهدف تحقيق المحافظة على العلاقة العقدية مما أصبح يشكل ذلك خروجا صارخا على مبدأ سلطان الإرادة مما جعل من القاضي يعتبر كطرف جديد خارج عن العلاقة العقدية، بحيث يمكن للقاضي التدخل في المرحلة السابقة للتعاقد للإرساء التوازن العقدي من خلال فحص شروط العقد أو من خلال فرض التزامات جديدة و هو ما يعرف بالدور الإنشائي للقاضي بحيث يقوم القاضي على إثره إنشاء التزامات جديدة كالالتزام بالأعلام الذي يسبق فترة التعاقد والالتزام بالتحذير و غيرها[30].
و قد يتدخل القاضي في مرحلة إبرام العقد من أجل مراقبة السلوكات الصادرة على الأطراف المتعاقدة وذلك من خلال مراقبة مدى توافق السلوكيات الصادرة عن المتعاقدين[31] للمفاوضات و ذلك بهدف حماية الثقة المشروعة و القائمة بين الطرفين في مرحلة المفاوضات من جهة و من جهة أخرى فرض قيم النزاهة و الالتزام بالعلاقة التعاقدية بين المتعاقدين و فرض الجزاء المناسب عند الانحراف على هذا السلوك. و رغم أن مبدأ سلطان الإرادة و القوة الملزمة للعقد كانت تحول دون تدخل القاضي في العقد في وقت مضى إلا أنه في الوقت الحالي تبرر مقتضيات المصلحة العامة وتقلص المبادئ الكلاسيكية للعقد جعلت من النظرية العامة للعقد نظرية منفتحة تسمح للقاضي الولوج للعلاقة العقدية، فيتدخل القاضي إما بدور إنشائي بحيث ينشأ مراكز قانونية أو شروط جديدة وفقا لما نصت عليه المادة 214 من القانون المدني و المتعلق بنظرة الميسرة، كما يمكن أن يتدخل من أجل تحقيق التوازن العقدي مثل ما نصت عليه المادة 184/2 من القانون المدني المتعلقة بالشرط الجزائي، و كذلك ما نصت عليه المادة 107/3 التي سمحت للقاضي التدخل في العقد لمراقبة الشروط التعسفية المدرجة في العقد.
الفرع الثاني: تخفيف من حدة القوة الملزمة كمظهر من مظاهر تراجع مبدأ سلطان الإرادة
يعتبر التخفيف من صرامة و حدة القوة الملزمة أهم مظهر يعبر عن تراجع المبدأ التقليدي المتمثل في مبدأ سلطان الإرادة لأن القوة الملزمة تشكل أهم جزء من مبدأ سلطان الإرادة
أولا: الحق في التراجع إضعاف لمبدأ القوة الملزمة: انتهاك للمبادئ المقدسة
يحكم النظرية العامة للعقد مجموعة من المبادئ الكلاسيكية أهمها مبدأ سلطان الإرادة و الذي يتمخض عنه مبدأ لا يقل عنه أهمية و المتمثل في مبدأ القوة الملزمة للعقد، و الذي وضعت أحكامه في نص المادة 106 من القانون المدني الجزائري و المستوحاة من نص المادة 1103 من القانون المدني الفرنسي بحيث أنه إذا أنشأ العقد صحيحا و كامل الأركان و مستوفي الشروط يكون بمثابة القانون للطرفين و القاضي على حد سواء، فلا يجوز المساس به أو التعديل فيه أو نقضه بإرادة منفردة و يأخذ هذا العقد قدسيته و حمايته من المبدأ الكلاسيكي المعروف بمبدأ القوة الملزمة للعقد، فهذا المبدأ يعطي حماية و حصانة فائقة للعقد المبرم باعتباره ثمرة اتفاق الطرفين. وذلك كتجسيد للفكرة مبدأ سلطان الإرادة و مبدأ استقرار المعاملات[32]. لكن على الرغم من أهمية مبدأ القوة الملزمة و ما يفرضه من قيود تحول دون المساس بالعقد ،إلا أنه أصبح من الصعب في وقتنا الراهن تطبيق مبدأ القوة الملزمة على طلاقته وبنفس الشكل الذي نشأ فيه في الوقت الماضي ، وذلك لتغير العديد من المفاهيم ، نظرا لفرض التحولات الاقتصادية و التكنولوجية أثارها على عصرنا بصورة واسعة مما أدى إلى تراجع رهيب في المبادئ الكلاسيكية التي تنتمي إلى فترة القرن الماضي.
لقد أدى التطور التكنولوجي و التحول الاقتصادي إلى تنوع في السلع والخدمات كما أدى هذا التطور إلى خلق وسائل عديدة للدعاية و التسويق و التي أخلت بشكل مباشر في كثير من الأحيان بالتوازن المعرفي للمتعاقدين بحيث جعلت من إرادة أحد الطرفين ضعيفة أمام إرادة المتعاقد معه لافتقاده للخبرة والممارسة مما أفرز ظاهرة اختلال التوازن العقدي و الذي دفع بالمشرع إلى خلق آلية حديثة تهدف إلى حماية الطرف الضعيف و المستهلك على حد سواء تعرف بحق التراجع بحيث يمكن للطرف الضعيف المتضرر من العلاقة التعاقدية التراجع عن العقد، و بالرغم من أن حق التراجع آلية خلاقة تهدف إلى حماية الطرف الضعيف وصون حقه إلا أنها تبقى آلية تصطدم مع المبادئ الكلاسيكية للعقد ،بحيث أنها آلية تخالف ما نظمته القواعد التقليدية للعقد و في مقدمتها القوة الملزمة للعقد. فحق التراجع هو عبارة عن آلية قانونية فرضها المشرع ليستفيد منها أحد الأطراف المتعاقدة للعدول عن العقد مما جعل هذه الآلية تضعف من هيمنة القوة الملزمة للعقد و تقلص من حيز هيمنتها مما جعلها آلية مستحدثة فرضتها الظروف الاقتصادية والتكنولوجية و تؤثر بشكل مباشر على القواعد العامة في مقدمتها مبدأ القوة الملزمة مما جعل من مبدأ سلطان الإرادة يتراجع و ربما يتلاشى بشكل كلي في المستقبل.
و لقد تطرق المشرع إلى فكرة التراجع في مواد متفرقة تظهر أن المشرع أعطى للشخص الحق في العدول ليس عن العقد فقط بل العدول عن مبدأ القوة الملزمة بطريقة غير مباشرة فنص عليه في القانون 18-09 في نص المادة 19/2-3-4 [33]، مما يظهر أن المشرع قد أورد العديد من النصوص التي تؤثر على المبادئ العامة الكلاسيكية و التي قيدت مبدأ سلطان الإرادة و خففت بشكل واضح من حدة مبدأ القوة الملزمة للعقد و أضعفته.
ثانيا: نظرية إنقاذ العقد: تخفيف من صرامة القوة الملزمة
لقد أدت التحولات الاقتصادية والتكنولوجية إلى فرض العديد من التحديثات التي مست بشكل مباشر الأسس التقليدية في العقد و في مقدمتها أعرق مبدأين مبدأ القوة الملزمة ،و مبدأ سلطان الإرادة ،فهذه التطورات أدت إلى حياكة نظم قانونية جديدة أثرت بشكل مباشر، أو غير مباشر على مبدأ القوة الملزمة بحيث أدت إلى التخفيف من حدة هذا المبدأ و قلصت بشكل واضح من صرامته و الذي ظلت التشريعات عاجزة أمامه لوقت طويل. بحيث ظهرت نظريات تؤثر بشكل كبير على أثار هذا المبدأ لعل أهم هذه النظريات نظرية إنقاذ العقد و الذي ظهرت في التشريع و الفقه الألماني و التي تنادي باستعمال كافة الطرق المتاحة والمشروعة بهدف إنقاذ العقد، و تسمح للطرفين و الغير و القاضي و المشرع على حد سواء التعديل في العقد بهدف إنقاذه والإبقاء عليه وهو الشيء المخالف للمبادئ القوة الملزمة و التي لا ترضى بأي تدخل يكون خارجا عن نطاق أطراف العلاقة التعاقدية و تحظر المساس بالعقد و التعدي على قدسيته.
فتحمل نظرية الإنقاذ العديد من القواعد القانونية و المبادئ التي تفرض المساس بالعقد بهدف إنقاذه وهو الشيء الذي يدل على أن المشرع قد شرع التخلي على مبدأ القوة الملزمة بهدف المحافظة على العقد وهو الشيء الذي نلتمسه جليا في نص المادة 104 من القانون المدني، و التي تنص على فكرة إنقاص العقد والتي تشكل جزءا هاما من نظرية الإنقاذ و التي تمكن القاضي من بتر جزء من العقد بهدف المحافظة على العقد قائما ،و المادة 105 من القانون المدني التي عالجت فكرة التحول بحيث يمكن تحول العقد من شكل إلى شكل أخر بهدف الحفاظ عليه، و الذي يشكل في حد ذاته خروجا صارخا على مبدأ القوة الملزمة واصطداما بهذا المبدأ الكلاسيكي.
و ما يمكن ملاحظته أن مبدأ القوة الملزمة و نظرية الإنقاذ تتحد في نفس الهدف و هو الوصول بالعقد إلى التنفيذ و المحافظة عليه إلا أنهما نظريتان تصدم من خلال شروط التطبيق ، و ما يمكنه قوله في هذا السياق أن نظرية الإنقاذ نظرية فرضتها التحولات الاقتصادية و التكنولوجية للمحافظة على العقد وحماية الطرف الضعيف و هي نظرية تحد من طاقة مبدأ سلطان الإرادة و طلاقتها.
لقد أدى التحول الجدري في الأوضاع الاقتصادية والتكنولوجية إلى التخلي عن كافة النظريات التي أفرزتها مبدأ سلطان الإرادة و النابعة من القانون الروماني و الذي هيكلها على أسس دينية و فلسفية واقتصادية واجتماعية عتيقة و كان أساسها الحرية الفردية المطلقة[34] و لكن مع التطورات الراهنة يظهر أن التشريعات وفي مقدمتها المشرع الجزائري قد بدأ في إضفاء تغيرات على مواد القانون المدني تظهر بتخليه عن التشبت بمبدأ النزعة الفردية ومحاولة تقليصه من طلاقة القوة الملزمة و مبدأ سلطان الإرادة و لعل إدراجه لنظرية إنقاذ العقد و حق التراجع أكبر دليل على ذلك. فتجدر الإشارة إلى أن مبدأ القوة الملزمة يحمل في طياته شقين شق سلبي يمثل في الامتناع عن المساس بالعقد بشتى الطرق و الوسائل مالم تكن نابعة عن الطرفين و شق إيجابي يتمثل في المحافظة علة العقد قائما و الوصول به إلى تنفيذه وما يمكن ملاحظته أن التطورات الاقتصادية والتكنولوجية دفعت بالمشرع إلى التعديل في مبدأ القوة الملزمة في شقها السلبي بحيث سمح هذا التعديل للقاضي أو الأطراف المساس بالعقد إنقاذا له و هو الشيء الذي كان محظورا في وقت ماضي.
المبحث الثاني: تأثير التحولات الراهنة على العقد : تأرجح بين ثبات النظرية العامة و انهيارها
لقد أثرت التحولات الراهنة على النظرية العامة للعقد و على المبادئ الكلاسيكية المشكلة لهذا الكيان مما جعل العقد يتأرجح بين الثبات على المبادئ القديمة أو ينهار مما خلق معضلة قانونية سعت التشريعات لحل شفراتها.
المطلب الأول: مأل النظرية العامة للعقد في ظل التحولات الاقتصادية
لقد أدت التحولات الاقتصادية إلى التأثير على النظرية العامة للعقد بشكل كبير بحيث قامت بإنعاش بعض المبادئ التقليدية و أصابت بالفتور مبادئ أخرى
الفرع الأول: تأثير التشريعات الخاصة على النظرية العامة للعقد: إرهاق للنصوص العامة
لقد طرأت العديد من التشريعات الخاصة و التي فرضتها التقدمات الاقتصادية و التكنولوجية و هذه التشريعات قلصت نوعا ما من أعباء النظرية العامة للعقد مما سبب تنوع من الإرهاق والارتباك في النصوص العامة .
أولا قانون المنافسة: تلازم بين تكميل النصوص العامة وحماية الطرف الضعيف
أثبتت النصوص العامة في النظرية العامة للعقد قصورها في مواكبة التطورات التي يشهدها المجتمع بشكل يومي و متسارع مما جعل من النصوص العامة قاصرة و مرهقة على مسايرة الواقع ، مما جعل المشرع يخلق قوانين خاصة واكبت التحولات الاقتصادية و كملت الفراغات التي تركتها الشريعة العامة للعقود فلقد صدر قانون المنافسة لفرض الحماية للمتعاملين الاقتصادين و المستهلكين على حد سواء وذلك بهدف فرض الحماية للطرف الضعيف و التي تعد قاصرة نوعا ما في النظرية الكلاسيكية للعقد وتدارك الهفوات و الفراغات القانونية التي سقط فيه المشرع في العقد المدني ، بحيث تضمنت قواعد قانون المنافسة العديد من المواد المستحدثة و الهادفة بشكل واضح و لعل ذلك ما يظهر جليا في المادة 01 من الأمر03-03 و المعدل و المتمم بقانون 08-12[35].
و الملاحظ في نصوص قانون المنافسة أنها نصوص قانونية ذات اعتبارات اقتصادية قد منحت المتعاقد حماية اقتصادية قصوى و العديد من النصوص المتضمنة في هذا القانون جاءت كردة فعل على الفراغات القانونية و الهفوات التي تضمنتها النظرية العامة للعقد ،فمثلا نص المادة 11 من نفس الأمر[36] أتت كحماية للطرف الضعيف اقتصاديا و عقديا و لقد صدرت هذه المادة نتيجة قصور المادة 124 مكرر من القانون المدني عن توفير هذه الحماية[37] . كما يلاحظ أن المشرع قد استحدث فكرة الاستعمال التعسفي لوضعية التبعية في نص المادة 11 من نفس الأمر و المستوحاة من فكرة التعسف في استعمال الحق المنصوص عليها في نص المادة 124مكرر من القانون المدني و أن تفعيل هذه المادة في قانون المنافسة قد أعطى المتعاملين الاقتصاديين و كذا المستهلكين على حد سواء الحماية المطلوبة و قد أرست هذه المادة العديد من الأسس لعل أهمها ضمان حسن سير المعاملات و ضبط السوق من كافة التداعيات و نشر الشفافية في الممارسات و على الرغم من الايجابيات الخلاقة و التي فرضتها هذه المادة إلا أنها أدت بشكل مباشر إلى التخلي عن المادة 124 مكرر و هجرانها لأنها أصبحت مادة جامدة لا توفر الحماية المنشودة و لعل هذه المادة أبسط مثال يدل على أن قانون المنافسة أدى إلى التقليص من التشبت بالمبادئ التقليدية.
كما يظهر أن هذا القانون تضمن العديد من المبادئ التي لا نجد لها صدى في النظرية العامة للعقد ولعل أهمها رفض البيع بدون مبرر شرعي التي تضمنتها المادة 11/1 و كذلك فكرة البيع التمييزي التي أشارت إليها المادة 11/2 و البيع المشروط باقتناء كمية دنيا المادة 11/3 فنص المادة 11 و في فقرات متتالية وضعت العديد من المبادئ المفقودة في النظرية العامة ، ،إلاّ أن هذا القانون و إن كان كتكملة للنظرية العامة ،فإنه أتبث بجدارة قصور المبادئ الكلاسيكية عن مواكبة الواقع الاقتصادي المعاش و ذلك لانتماء المبادئ المتضمنة في النظرية العامة للقرن الماضي، و ما يبدو جليا أن تفاقم التشريعات الخاصة و في مقدمتها قانون المنافسة و الذي أصبح قانونا مهيمنا بفعل التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و التكنولوجية، وقد مس بشكل مباشر بالمبادئ الكلاسيكية للعقد و في مقدمتها مبدأ الحرية العقدية و القواعد التقليدية بحيث أن هذا القانون المستحدث قد فرض بشكل واسع المساواة الفعلية و قد جسد بشكل واضح العدالة العقدية.
ثانيا قانون حماية المستهلك: درع للطرف الضعيف و تجسيد للنظام العام الاقتصادي
لقد أثرت تشريعات الاستهلاك على النظرية العامة للعقود بشكل محسوس فلقد أضحت هذه التشريعات تشكل مصادر جديدة تحكم العلاقة العقدية بدل القواعد الكلاسيكية، التي تضمنتها النظرية العامة للعقد والتي أضحت تعاني قصورا واضحا في ضبط العلاقات التعاقدية و مواكبة الواقع و توفير الحماية للطرف الضعيف ،فلقد أصبح قانون حماية المستهلك بمثابة قانون يجسد فكرة النظام العام الاقتصادي ويعمل على تحقيق الحماية للطرف الضعيف و إرساء أسس الحياد و المساواة بين أطراف العلاقة التعاقدية مما جعل من هذا القانون يطغى على القواعد العامة و يقوم بسد كافة الثغرات والهفوات القانونية الموجودة في القانون المدني مما جعل من هذا القانون قانونا يواكب التحولات الراهنة و الطارئة على النظرية العامة للعقد ، حتى أضحى بعض الفقهاء يطلقون على قانون حماية المستهلك اسم الفرع الخارج عن النظرية العامة للعقد[38]. فقانون حماية المستهلك جاء بمجموعة من القواعد التي لم نلمسها في النظرية العامة للعقد بحيث جاءت فيه العديد من المبادئ المستحدثة ولعل أهمها تحسين رضا المستهلك من خلال تفعيل إلزامية الإعلام و التفكير و استبعاد كافة مؤثرات اللا توازن من خلال مكافحة الشروط التعسفية [39]التي قد تطرأ على العقد فضلا عن دعم الالتزامات المهنية و لعل ذلك ما نلمسه في العديد من النصوص المستحدثة. فالقد استحدث المشرع فكرة الالتزام بالإعلام في نص المادة 17 من القانون 09-03[40] و الذي يسعى إلى حماية المستهلك من كافة المناورات التي يستخدمها البائع و ذلك تعزيزا للقواعد العامة التي تفتقد إلى هذا النوع من التخصيص و الحماية ، كما يلاحظ في قانون حماية المستهلك قد استحدث آلية حق التراجع كمكنة حديثة لحماية رضا المتعاقد و لفرض الحماية على المتعاقد بحيث يمكنه النكول عما قدمه من قبول في أي مرحلة من التعاقد كلما أحس بأنه يتعرض إلى الاستغفال و الاستغلال من طرف المتعاقد معه و لعل ذلك ما نصت عليه المادة 119/4 مكرر1 من الأمر 10-04 المعدل و المتمم لأمر رقم 03-11 المتعلق بالنقد و القرض[41]، وما يظهر جليا أن المشرع قد وضع آليات وقواعد في تشريعات الاستهلاك وأن هذه المواد من جهة قد سدت الثغرات القانونية التي تركت في القانون المدني و من جهة أخرى يظهر أن هذه المواد المستحدثة قد قلصت بشكل واضح من واقع تغول المبادئ الكلاسيكية للنظرية العامة للعقد بحيث أن هذه الإحداثيات قد طوقت مبدأ سلطان الإرادة و قد حدت بشكل مباشر من طلاقته ، كما أن هذه التحديثات التي صاغها المشرع أكسبت الطرف المتعاقد نوع من الحماية المفروضة و التي ألحت عليها التقدمات الاقتصادية وفرضتها على الواقع المعاش، و لعل هذا الانتقال الملحوظ في نص المواد راجع إلى الانتقال الفكري للمشرع بحيث تخلى عن المذهب الملهم المثمثل في المذهب الفردي و الذي ظل متشبثا به لردح من الزمن ،و ما يمكن ملاحظته أن التطورات الاقتصادية و التكنولوجية فرضت على المشرع أيضا الانتقال من التوجه الفردي مما أفرز جل هذه التطورات الحاصلة و قد وصلت إلى تحقيق المساواة الفعلية على أرض الواقع بعدما كانت في وقت ماضي مجرد أفكار و تصورات و ضرب من الخيال ،بحيث يرى الأستاذ فيلالي أن تشريعات الاستهلاك قد كرست و بشكل واضح الانتقال من المساواة المجردة إلى المساواة الفعلية، وقد انتقلت من فكرة العدالة التبادلية إلى العدالة التوزيعية ، وأن قانون حماية المستهلك قد جاءت كنتيجة لانعدام المساواة فقانون حماية المستهلك جاء كتكريس لفكرة المساواة الفعلية و العدالة العقدية[42].
الفرع الثاني: ظهور زمرة العقود المعاصرة: عقود مستحدثة تفرض على الواقع
فلقد أظهرت التحولات الاقتصادية والتكنولوجية النقائص الرهيبة التي تضمنها المذهب الفردي وتداعياته على النظرية العامة للعقد ، ولقد أدى التخلي عن المذهب الفردي إلى التغير من وظيفة الدولة بحيث انتقلت الدولة من كونها تقوم بوظيفة الحارسة إلى الدولة المتدخلة و التي تتحكم في المجال الاقتصادي والتطور المشهود في دور الدولة أدى إلى بزوغ أنواع جديدة من العقود و التي لم تكن متداولة من قبل لعل أهمها العقود الجماعية و عقود الإدماج.
أولا: العقود الجماعية: تقنية لمعالجة مخلفات الركود الاقتصادي
لقد أدى التشبث بالمذهب الفردي و الذي ظهر و ازدهر في القرنين السابع عشر و الثامن عشر إلى بروز العديد من النتائج لعل أهمها الاعتداد المطلق بالمبادئ الكلاسيكية في مقدمتها مبدأ القوة الملزمة و مبدأ الحرية العقدية و لقد شاع مع هذه المبادئ العتيقة توجهات التعاقد التقليدي و العقود الأحادية و التي تبنى على أساس مبدأ سلطان الإرادة و الحرية العقدية، و ما انتجه التعلق بهذا المبدأ من تقديس للحرية العقدية غير أنه ونتيجة التعلق المفرط و المبالغ فيه بذلك المذهب أدى إلى ظهور طوائف جديدة تنادي بالتغيير من الفلسفة التقليدية للعقود و اللجوء إلى فلسفة جديدة تقوم على أساس المذهب الاجتماعي[43] . إلا أن انتهاج المذهب الاجتماعي أفرز العديد من التحديثات التي أقحمت على النظرية العامة للعقد و لعل أهمها التخلي عن الاعتداد بالعقود الفردية و هو ما جعل أنصار المذهب الفردي يعتبرون ذلك أزمة أصابت العقد. ففكرة عقود الإذعان و التي كان مناط انتشارها المذهب الفردي و ما خلقته من مشاكل عديد عصفت بالنظرية العامة للعقد نجد أن الدولة تدخلت للحد من هيمنة المتعاقد في العقد من خلال فرضها نوع جديد من العقود تتمثل في العقود الجماعية و التي تعتبر عصارة انتهاج المذهب الاجتماعي وإضفاء الطابع الاجتماعي على العقود، فالعقود الجماعية هي نوع من العقود التي تجسد فكرة الوظيفة الاجتماعية للعقد و إضفاء الصفة الاجتماعية على العقد، و تعتبر علاقات العمل المجال الخصب لتطبيق هذا النوع من العقود في مما جعل هذه العقود تضمن تحقيق المساواة الفعلية في المراكز التعاقدية رغم التباين والاختلاف بين الثروات التي يملكها كل متعاقد. فهذا النوع من العقود تحمي الطرف الأكثر ضعفا و تخفف من قوة الطرف القوي في التعاقد بحيث تساوي بين الأطراف المتعاقدة على أساس مبدأ العدالة التوزيعية و مبدأ العدالة الاقتصادية و لعل ذلك ما كانت تصبو إليه الدولة من خلال إنشائها للعقود الجماعية[44] ، وذلك كنتيجة حتمية عن عدم قدرة المذهب الفردي استيعاب التطورات الحاصلة و ضمان التوازن العقدي مما جعل الدولة تتعلق بالمذهب الاجتماعي المساير للتطورات و الضامن لتحقيق التوازن العقدي و القضاء على كافة الاختلالات التي قد تطرأ على التزامات المتعاقدين. و ما ظهور العقود الجماعية إلا نتيجة لتطور العقد و الذي كان بسبب التحولات العميقة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية على حد سواء مما جعل الدولة تفرض هذا النوع من العقود و تدخلها إطار التنفيذ، و ما يمكن ملاحظته أن هذه العقود قد قدمت العديد من الإيجابيات لعل أهمها خلق المساواة الفعلية في العقود وتحقيق مبدأ التوازن العقد و التقليص من دائرة عقود الإذعان .
ثانيا: عقود الإدماج : عقود هجينة في صيغة قوالب جاهزة
تعتبر عقود الإدماج من العقود المستحدثة و التي لم تكن معروفة في الوقت الماضي ،فمع التطورات الاقتصادية و التكنولوجية التي أثرت بشكل مباشر على المجتمع، وجدت الدولة الجزائرية نفسها في مواجهة أزمة حقيقية وهي شبح البطالة فارتأت الدولة معالجة الوضع المعاش عن طريق إنشاء صيغة جديدة من العقود و التي اكتسحت الواقع بشكل متزايد حتى غطت بشكل مبالغ فيه مما أدى بذلك إلى تراجع عقود العمل تحل محلها عقود التشغيل و الإدماج و تعتبر عقود الإدماج أفضل مثال عن العقود النموذجية بحيث تشكل قوالب جاهزة للتعاقد و لا يكون فيه للمتعاقد دور سوى الإمضاء أو الرفض دون أن تتسنى له الفرصة للمناقشة شروط العقد مما جعل الكثير من الدراسات تعتبره مزيج بين العقود النموذجية وعقود الإذعان و تكون هذه العقود محددة المدة، و مع ذلك تختلف اختلافا جوهريا عن عقود العمل المنصوص عليها في قانون العمل الخاضع للقانون رقم 90-11 المتعلق بعلاقات العمل. و تخضع عقود الإدماج إلى مرسوم تنظيمي[45] و تكون هذه العقود مقصورة على فئة محددة و هي فئة حاملي الشهادات والتكوين المهني و تكون هذه العقود ثلاثية العلاقة بحيث يكون فيها العقد مرتبطا بين ثلاثة أطراف المستخدم و المستفيد و الوسيط ممثلا في الوكالة الوطنية للتشغيل كما أن الأجر في هذه العقود يكون جزئيا بحيث جزء يدفعه المستخدم و المتمثل في 70 % من الأجر و30 % تدفعه الوكالة الوطنية للتشغيل، و هنا يظهر الخلاف الواضح بين هذا العقد و عقود العمل التي تكون واسعة يتصل بها كل شخص طالب للعمل و تكون ثنائية العلاقة و يكون الأجر من جهة المستخدم فقط ، وما يظهر جليا أن الدولة قد استحدثت هذا النوع من العقود بهدف التقليص من شبح البطالة الذي فرضته التحولات الاقتصادية على المجتمع مما جعل من الدولة تتقصى نوع جديد من العقود يسمح لها بخلق وظائف ولو بصورة مؤقتة.
فعقود الإدماج هي نوع من العقود المستحدثة من قبل الدولة [46]و التي اعتبرت كنوع من العقود الهجينة تضمن العديد من الخصائص المستقطبة من فئات مختلفة من العقود ، و أنها هذه النوع من العقود قد لجأت إليها الدولة الجزائرية بهدف امتصاص البطالة و تحقيقا لمواكبة التطورات الاقتصادية والاجتماعية مما جعل الدولة تتدخل بصفة مباشرة لخلق طائفة جديدة من العقود و توجيهها إلا أن هذا التدخل الصادر عن الدولة خلق نوع من الهيمنة الاجتماعية على العقود و الصادر عن الدولة بحيث فرض العديد من الالتزامات القانونية و التنظيمية إلا أن هذه المتغيرات قد أثرت بشكل واضح و مباشر على النظرية العامة للعقد بحيث أن هذا التغير قد اثر بشكل مباشر على مبدأ الحرية العقدية بحيث أصبح منعدما في هذا النوع من العقود.
المطلب الثاني: مستقبل النظرية العامة للعقد في ظل التحولات التكنولوجية
إن التغير الذي لحق بالقواعد التقليدية للنظرية العامة للعقد ينبع أساسا من تأثر هذه الأخيرة بالتحولات التكنولوجية التي عرفها العالم في العقدين الأخيرين نتيجة للمؤثرات الخارجية التي تصب في نطاق العولمة الاقتصادية مما خلق تحديثات قانونية واسعة تتمثل في استخدام الوسائل الإلكترونية في مجال التعاقد.
الفرع الأول: ظهور العقود الإلكترونية: تراجع عن العقود الورقية
لقد أدى التطور الهائل للتكنولوجيا الحديثة إلى تطوير كافة وسائل الاتصال مما أدى إلى فضح القصور الذي تعاني منه النظرية العامة للعقد و العقود بصفة عامة في حلتها الكلاسكية ،و مع التطور الهائل الذي خلقه التقدم التكنولوجي و ما أفرزه من تقدم في وسائل الاتصال قاطبة ظهرت مع هذا التقدم حلة جديدة في العقود تسمى بالعقود الإلكترونية و الذي يعتبر ركيزة حقيقية في المعاملات الحديثة و دعامة أساسية في التجارة الإلكترونية نظرا لسهولة و سرعة إبرامه، و لقد عرف الفقه الفرنسي العقد الإلكتروني على أنه :”اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب و القبول بشأن الأموال و الخدمات عبر شبكة دولة للاتصال عن بعد، و ذلك بوسيلة مسموعة ومرئية ،تنتج التفاعل الحواري بين الموجب و القابل”[47]، كما عرف أيضا على أنه “اتفاق يتلاقى فيه الإيجاب والقبول بشأن الأموال و الخدمات عبر شبكة دولية للاتصال عن بعد، وذلك بوسيلة مسموعة و مرئية، تنتج التفاعل الحواري بين الموجب و القابل”[48]، و لقد نظم المشرع الجزائري هذا النوع من التعاقد بموجب القانون رقم 18-05 المتعلق بالتجارة الإلكترونية[49] فلقد قام المشرع بتطوير النظرية العامة للعقد بحيث أنشأ نوعا جديدا من العقود و التي يمكن للمتعاقدين إبرامه دون اللجوء.
إلى الحضور الفعلي في مجلس العقد و الاكتفاء بالتعاقد الافتراضي و يبرم العد عن طريق وسيلة من الوسائل الإلكترونية و أن هذا العقد ظهر نتيجة عصارة التطور التكنولوجي و الاقتصادي.
أولا: المحل الإلكتروني: مفهوم جديد فرضته التطورات
لقد كانت العقود التقليدية تقوم على أساس ركن المحل التقليدي و الذي قد يكون عقارا أو منقول أو سلعة و التي كانت توصف على أنها ركن مادي لكن مع التطور التكنولوجي و ظهور العقود الإلكترونية ظهر مع هذه العقود بعض الأركان العقدية المستحدثة لعل أهمها المحل[50] ،بحيث بعدما كان المحل في العقود الورقية محل مادي يخضع للشروط معينة عالجت أحكامه النظرية العامة للعقد التقليدية ،فإن العقد الإلكتروني بظهوره فرض نوع جديد من المحل المستحدث المتمثل في المحل الإلكتروني الذي يضم السلع الإلكترونية و الخدمات الرقمية و التي توصف بأنها عبارة عن محل غير مادي . بحيث أن العقود الإلكترونية قد استحدثت نوع من المحل يوصف بأنه محل غير مادي بحيث يكون المحل منتوج رقمي و المنتجات الرقمية في عمومها تكون منتجات غير مادية و هو الأمر الذي كان غير منطقيا و غير مقبول في النظرية العامة للعقد التقليدية ، مما يبين أن التطور التكنولوجي قد أثر على النظرية العامة للعقد بفرضه عقود جديدة و بأركان مستحدثة . فبعدما كان المحل يخضع لفكرة المادية في التعامل وكان يستوجب أن يكون في شكل مادي وملموس فإن العقود الإلكترونية قد فرضت محل في حلة جديدة بحيث انتقل من شكله المادي إلى شكله الرقمي، فأصبح المحل في شكل معلومة رقمية تعبر عبر شبكة الانترنت و لعل مثالها بيع الكتب الالكترونية والأفلام و البرامج الآلية و الصحف والمؤلفات والتي تكون في شكل بيانات رقمية و تصبح في شكل حروف ورموز و أشكال ترسل من البائع للمشتري في شكل معلومة رقمية ، و هذا الشيء الذي كان يصعب تصوره في وقت قد مضى، كما يمكن أن يكون المحل في شكل خدمة رقمية يمكن خدمتها عن بعد عبر الوسائط الإلكترونية أو شبكة الأنترنت و هي تختلف عن الخدمات التقليدية المباشرة التي كانت تتم في شكل خدمات مباشرة و حضورية في أغلب الأحيان، فلقد سهلت التكنولوجية تقديم الخدمات الرقمية عن بعد للمتعاملين و دون الانتقال كخدمة الدفع عن بعد وخدمة التصديق الالكتروني والصيانة عن بعد الخاصة ببرامج الكمبيوتر و غيرها. و ما يمكن ملاحظته أن التطور التكنولوجي قد أدى بصفة مباشرة إلى إنشاء عقود جديدة تعرف بالعقود الإلكترونية تتميز بخصائصها الحديثة عن العقود الورقية التقليدية كما أن هذه العقود يكون فيها ركن المحل مستحدثا ومختلفا عن ركن المحل التقليدي.
ثانيا الحق في العدول كخاصية في العقد الإلكتروني: حماية لرضى المتعاقد أم نكول عن العقد
الأصل في العقود عموما أنها إذا قامت صحيحة مستوفية لجميع شروط الانعقاد وكاملة الأركان فإنها تصبح بمثابة قانون بين الطرفين فلا يجوز نقضها و لا تعديلها و لا إلغاؤها إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون و ذلك طبقا لما نصت عليه المادة 106 من القانون المدني.
و لكن باعتبار أن العقد الإلكتروني من العقود المستحدثة فإن المشرع قد خصها بخصائص لا نجدها في العقود الكلاسيكية ،بحيث أن المتعاقد في العقد الإلكتروني ليس له السلطة الواسعة في معاينة محل التعاقد و السلعة نظرا لكون التعاقد يصدر عن بعد و بالتالي، فإنه يفتقد لمعاينة المحل و عدم الإلمام بتفاصيل السلعة قبل التعاقد فإن التشريعات المنظمة للتعاقد عن بعد و التشريعات المتعلقة بالمعاملات الإلكترونية أجازت للمتعاقد، الذي صدر عنه القبول العدول و الرجوع عن العقد بعد صدور قبوله و بعد تنفيذ العقد إذا تبين له أنه قد تسرع في التعبير عن إرادته و إصدار قبوله . فالحق في التراجع عبارة عن آلية خص بها المشرع العقود الإلكترونية و جعلها صفة ملازمة للعقود الإلكترونية و هي وسيلة لحماية رضى المتعاقد من كافة الأخطاء والتسرع في إصدار القبول كما أنه عبارة عن ضمان لصد كافة التحايلات والمناورات، التي قد يستخدمها المتعاقد المالك للسلعة أو الخدمة فيتلاعب بالتقنيات و المعلومات فيؤدي إلى إغراء المتعاقد معه و السيطرة عليه وإضعافه لدفعه إلى إبرام العقد، فالحق في التراجع عبارة عن آلية تشريعية إضافية أضافها المشرع للعقود الالكترونية كضمان إضافي للحماية بإضافة إلى نظرية عيوب الإرادة و التي من شأنها توفير الحماية القصوى للطرف الضعيف، فالحق في التراجع مظهر من مظاهر الحماية التي كرسها المشرع للمتعاقدين في العقود الإلكترونية، و التي أثرت بدورها على العديد من المبادئ التقليدية التي تحكم النظرية العامة للعقد و ما تقرير هذا الحق إلا بهدف حماية رضا المتعاقد وإعادة التوازن للعلاقة العقدية و ما تقرير هذا الحق إلا دليل ساطع على قصور نظرية عيوب الرضى التقليدية في حماية رضا المتعاقد مما جعل المشرع يستحدث هذه الآلية لحماية المتعاقد في العقود الإلكترونية.
الفرع الثاني: انعكاسات التقدم التكنولوجي على ظاهرة إثبات العقود: ازدهار ظاهرة الإثبات
لعل أهم انعكاس يثبت تأثير التقدم التكنولوجي على العقود، اكتساح ظاهرة الإثبات الإلكتروني الواقع القانوني و تطويره من شكلية الإثبات وتغييره من صيغ الإثبات التقليدية و إعطائها صيغ حديثة تتماشى مع التطورات الراهنة.
أولا التوقيع الالكتروني كنموذج لظاهرة الإثبات الالكتروني
لم يقتصر التقدم التكنولوجي فقط على التغيير في صيغة العقود و فرض العقود الالكترونية كواقع متجدد بل أن التقدم التكنولوجي قد فرض أيضا وسيلة حديثة للإثبات الحقوق و المعاملات والعقود تتجسد في التوقيع الالكتروني مما أضفى ازدهارا واضحا على عملية الإثبات، فلقد كان يقتصر الإثبات في النظرية العامة للعقد على الإثبات بالكتابة و الإثبات عن طريق الشهود أو القرائن أو الإقرار أو اليمين وذلك ما رسخه المشرع في المواد من 323 إلى 350 من القانون المدني[51]، غير أن هذه الوسائل عبارة عن وسائل تقليدية لا تواكب العقود الإلكترونية و لا يمكن إثباتها مما جعل التطور التكنولوجي يفرض التوقيع الإلكتروني كمصطلح جديد نشأ نتيجة لاستخدام الحاسوب في المعاملات بين الأفراد والمؤسسات، وكذلك نتيجة لاستخدام التعاقد عن طريق الوسائل السمعية البصرية والانترنت، مما يترتب عنه التبادل الالكتروني للبيانات والمعطيات، وبالتالي كنتيجة حتمية لذلك، الاتجاه نحو التوقيع الالكتروني و البصمة الإلكتروني كوسائل حديثة تعمل علا إثبات العقد الإلكتروني، فالتوقيع الالكتروني هو عبارة عن إشارة وتعبير عن الإرادة في شكل مكتوب وقد يكون عبارة عن رموز، أو أرقام ،أو في شكل اسم صريح و الذي يتم في شكل رموز تستخدم فيها تقنية تكنولوجية، و يكون التوقيع في أشكال متعددة فقد يكون التوقيع الإلكتروني عن طريق استخدام القلم الإلكتروني يكون متصلا بالحاسوب ينقل التوقيع الصادر من الشخص إلى العالم الافتراضي و يوثق كآلية إثبات ،أو يكون التوقيع في شكل توقيع رقمي يحمل دلالات رياضية أو حسابية يقوم على أساس التشفير، كما يمكن أن يرد التوقيع في شكل الضغط على مربع الموافقة و القبول مما يجعل هذه التوقيعات تعبر بصفة واضحة عن إرادة المتعاقد و كدليل لإثبات التزامه التعاقدي و هي توازي التوقيع الكتابي والإمضاء بخط اليد من حيث الحجية، فلقد أولاه المشرع أهمية بالغة من حيث اعتباره أداة للإثبات و لعل ذلك ما نص عليه المشرع في المرسوم التنفيذي07-162 المنظم لنشاط التصديق الإلكتروني في نص المادة 76 منه[52] و كذلك نص المادة 39 من القانون 2000-03 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالبريد والاتصالات السلكية و اللاسلكية[53].
ثانيا البصمة الإلكترونية كبديل للبصمة التقليدية
لقد كانت العقود الورقية و الكلاسيكية عموما تقوم على أساس البصمة التي يضعها المتعاقد عن طريق إدخال السبابة في الحبر، و لقد لجأ المشرع قديما إلى هذه الآلية لشيوع الأمية و عدم معرفة الكتابة في طبقات المجتمع القديم ،فكانت هذه الوسيلة تعد وسيلة للإثبات وضعها المشرع لحماية فئة من المتعاقدين لكن مع التطور التكنولوجي و التغير في طبيعة العقود و ظهور طائفة العقود الإلكترونية لم تضمحل فكرة البصمة و إنما تطورت لتساير التقدمات الحديثة، كما أنها أصبحت وسيلة للإثبات تزداد أهميتها عن التوقيع لكونها آلية مزدوجة تثبت الصفة للمتعاقد من جهة ،و من جهة أخرى آلية للإثبات العقد و كأداة حجية بحيث أصبحت البصمة تشكل نوع من أدوات الإثبات البيومترية مثلها مثل بصمة العين أو القزحية و نبرة الصوت والحمض النووي [54]، وما يمكن ملاحظته أن التقدم لم يلغي فكرة البصمة رغم قدمها إلا أنه أعطاها نوع من التحديث جعلها تواكب العقود الإلكترونية حتى أضحت كأداة لإثباتها بحيث يمكن للمتعاقد التهرب من الإمضاء والدفع بالتزوير إلا أنه لا يمكنه ذلك مع البصمة فهي أداة حجية ووسيلة إثبات حقيقية.
الخاتمة:
ما يمكن استخلاصه أن التحولات الاقتصادية والتكنولوجية أثرت على النظرية العامة للعقد بشكل واسع و أن هذا التأثير من جهة بيّن قصور المبادئ العتيقة التي تضمنتها النظرية منذ نشأتها إلا أن هذه التحولات قد أفرزت العديد من الإيجابيات من جهة أخرى لعل أهمها المساهمة في تطوير العقد و ازدهاره مما جعله يواكب التطورات الحديثة فلم تكتفي التحولات بالتقليص من دور المبادئ القديمة بل قامت بالتجديد في العقد وازدهاره و من خلال دراستنا توصلنا إلى النتائج التالية:
-لقد أدت التحولات الراهنة إلى فرض تحديثات في المبادئ العقدية الكلاسيكية لعل أهمها مبدأ الحرية العقدية و حسن النية، كما أن هذه التطورات عمدت إلى التجديد في الأسس العتيقة كتكريس مبدأ المساواة في العقد و إرساء أسس التوازن العقدي.
-لقد أثرت التطورات الراهنة إلى التأثير على أهم مبدأ المتمثل في مبدأ سلطان الإرادة بحيث تراجع بفعل اصطدامه بالمعطيات الحديثة و لعل أكبر دليل على ذلك خضوع هذا المبدأ للنظام العام و تراجع مبدأ سلطان الإرادة و تزايد دور القاضي في العقد.
-أثرت التحولات الاقتصادية بشكل مبالغ فيه على العقد مما جعل القوانين الخاصة تطغى على القانون المدني و ظهور عقود جديدة في الواقع كالعقود الجماعية و عقود الإدماج، كما أنه أثرت التحولات التكنولوجية على العقد بحيث ظهرت العقود الإلكترونية وظهر تغير واضح في قواعد الإثبات.
نقترح من خلال هذا المقال على المشرع القيام بجملة من الإصلاحات على النظرية العامة للعقد مثلما فعل نظيره الفرنسي بموجب الأمر 131-2016المؤرخ في 02/02/ 2016 والذي أصبح ساري المفعول في 01/10/2016 إلا أن الإصلاح لا يكون مستقطبا من قوانين أخرى و إنما يكون مأخوذ من المجتمع الجزائري بحيث يكون كحل و علاج لكافة المعضلات القانونية التي يطرحها المجتمع و لعل ذلك ما يظهر جليا في القانون المدني الفرنسي المعدل و الذي أضاف العديد من القواعد القانونية التي كانت غائبة في القانون القديم كعقود الإذعان والالتزام بالتبصير وتعزيز مبدأ القوة الملزمة و تكريس الالتزام بالإعلام والنص على سقوط الإيجاب بوفاة المتعاقد أو فقدان أهليته وغيرها مما جعل من القانون المدني الفرنسي المعدل قانون مستحدثا بامتياز تدارك كافة الفراغات التشريعية و الهفوات التي كان يحملها القانون القديم.
قائمة المراجع و المصادر:
نصوص قانونية:
- القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك المعدل بموجب الأمر رقم 18-09 العدد 35 مؤرخ في 25 فبراير سنة 2009 ،يتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش الجريدة رقم 15 المؤرخة في 08 مارس2009
- القانون رقم 04-02 الصادر بتاريخ 23 يونيو سنة 2004 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية.
- القانون 2000-03 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالبريد و الاتصالات السلكية واللاسلكية ج ر رقم 48 المؤرخة في 06 اوت 2000.
- القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك المعدل بموجب الأمر رقم 18-09 العدد 35 مؤرخ في 25 فبراير سنة 2009 ،يتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش الجريدة رقم 15 المؤرخة في 08 مارس2009
- القانون رقم 18-09 المؤرخ في 10يونيو2018يعدل و يتمم القانون رقم09-03المؤرخ في 25 فبراير2009 المتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش.
- القانون رقم18-05 المؤرخ في 10 ماي 2018 المتعلق بالتجارة الإلكترونية. مؤرخ في 24 شعبان عـــام 1439 المــوافــق 10 مــايــو ســنـة 2018.
- المرسوم التنفيذي رقم08-126 المؤرخ في 19 أفريل 2008 المتعلق بجهاز المساعدة على الإدماج المهني
- المرسوم التنفيذي 07-162 المنظم لنشاط التصديق الإلكتروني
- . المرسوم التنفيذي رقم 11-105المؤرخ في 06 مارس2011 الذي يعدل و يتمم المرسوم التنفيذي رقم 08-126
- المؤرخ في 19 أفريل 2008 المتعلق بجهاز المساعدة على الإدماج المهني
- المرسوم التنفيذي 07-162 المنظم لنشاط التصديق الإلكتروني المؤرخ في 30/05/2007.
- الأمر10-04المعدل و المتمم لأمر رقم03-11المتعلق بالنقذ و القرض المؤرخ في 26/08/2010.
- الأمر03-03المؤرخ في 19 جويلية2003المعدل و المتمم المتعلق بالمنافسة.
الكتب
- بلحاج العربي، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري، الجزء الأول، دار الهومة،الجزائر،2016.
- عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، نظرية العقد، دار الأمان،المغرب،2013.
- علي فيلالي، النظرية العامة للعقد، موفم للنشر،الجزائر،2013.
- ماجد محمد سليمان أبا الخيل، العقد الإلكتروني، مكتبة الناشرون، الطبعة الأولى،الرياض،2009.
- نسرين حسين ناصر الدين، القوة الملزمة للعقد في ظل حماية المستهلك، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان،2018 .
- وليد بسيم عبود العنكز، تجديد العقد، منشورات الحلبي الحقوقية،بيروت،لبنان،2018.
- يوسف محمد قاسم عبيدات، مصادر الالتزام، دار الميسرة،الأردن،2008.
الرسائل
- أحمد بعجي، تأثير التوجيه التشريعي على النظرية العامة للعقد، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق ،جامعة الجزائر1،الجزائر،2019.
- حبيب بلقنيشي، إثبات التعاقد عبر الأنترنت، البريد المرئي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة السانيا،وهران،2011.
- شوقي بناسي، أثر تشريعات الاستهلاك على المبادئ الكلاسيكية للعقد، أطروحة دكتوراه، جامعة الجزائر1، كلية الحقوق،2016 .
- عبد الحميد بن شنيتي، سلطة القاضي في تعديل العقد، رسالة دكتوراه، معهد الحقوق والعلوم الإدارية، جامعة الجزائر، دت.
- لخضر حليس، مكانة الإرادة في ظل تطور العقد، رسالة دكتوراه، جامعة إبي بكر بلقايد، كلية الحقوق، تلمسان،2016.
- فايزة طبيب ،سلطة القاضي في تعديل العقد في مرحلتي التكوين و التنفيذ، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق،جامعة عبد الحميد بن باديس،مستغانم،2019.
- فطيمة نساخ، الوظيفة الاجتماعية للعقد، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الجزائر1، الجزائر،2013 .
- نجيب عبد الله نجيب الجبشه، مفهوم فكرة النظام العام و تطبيقاتها، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين،2017.
- يمينة حوحو، عقد البيع الإلكتروني، دراسة مقارنة، جامعة الجزائر1،كلية الحقوق، بن عكنون، الجزائر،2012 .
- يسين سعدون، أثر الظروف الاقتصادية على العقد، رسالة دكتوراه، القانون الخاص، جامعة مولود معمري تيزي وزو،2018.
المقالات
- بيلامي سارة، نطاق حرية التعاقد في ظل تطور قانون العقود، مجلة البحوث في العقود و قانون الاعمال، جامعة منتوري، كلية الحقوق، قسنطينة، العدد 5، ديسمبر2018.
- جمعة زمام، تحديث النظرية العامة للعقد في ضوء ظاهرة التخصص التشريعي، مجلة البحوث والدراسات القانونية والسياسية، جامعة البليدة2 العفرون،المجلد6،العدد2،2017.
- حفيظة عطوي، أثر الظروف الاقتصادية على العقد المدني، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية و السياسية، جامعة محمد بوضياف،المسيلة،المجلد5، العدد،2020 .
- خديجة فاضل، عقد الإذعان في القانون المدني و التشريعات الخاصة، حوليات مجلة حوليات، القانون المدني بعد أربعين سنة، جامعة الجزائر،العدد5،2016.
- ذهبية حامق، النظرية العامة للعقد تصور جديد، مجلة حوليات، القانون المدني بعد أربعين سنة، جامعة الجزائر،العدد5،2016.
- عيسى بخيت، أثر تشريعات الاستهلاك على مبادئ النظرية التقليدية للعقد، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية و الإنسانية، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، العدد 20، جوان2018
- علي فيلالي، الحرية العقدية مفهوم قديم وواقع متجدد، مجلة البحوث في العقود وقانون الأعمال، جامعة قسنطينة، العدد الخامس،ديسمبر2018.
- فتيحة قريقر ،حدود سلطان الإرادة في نطاق النظام العام، مجلة القوق و العلوم الإنسانية، جامعة عاشور زيان، الجلفة، المجلد العاشر، العدد الأول، دت
- منصف بوعريوة، الحرية العقدية في ظل النظام العام الاقتصادي، مجلة البحوث في العقود وقانون الأعمال، جامعة منتوري،قسنطينة،العدد5،ديسمبر.2018
- مصطفى بن أمينة، النظام العام الاقتصادي و تطبيقاته في قانون حماية المستهلك، مقاربة تشريعية، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، المجلد5، العدد1 ،2020، ص1184.
- نورة جبارة، أثر التحولات التكنولوجيا على النظرية العامة للعقد العقد الالكتروني، بحوث جامعة الجزائر،العدد14،2020.
[1] لقد انتقلت المفاهيم المتجذرة في القانون المدني الفرنسي إلى القانون المدني الجزائري نظرا لكون القانون المدني الفرنسي يعتبر أبا للمعظم القوانين و بالتالي انتقلت الأسس الكلاسيكية إلى تلك القوانين.
القانون المدني الفرنسي المعدل بموجب الأمر 131-2016 المؤرخ في 02 فيفري 2016 و الذي بدأ سريانه في 01 أكتوبر .2016[2]
[3] عبد القادر العرعاري، مصادر الالتزام، نظرية العقد، دار الأمان،المغرب،2013،ص12.
[4] وليد بسيم عبود العنكز، تجديد العقد، منشورات الحلبي الحقوقية،بيروت،لبنان،2018،ص60.
[5] يوسف محمد قاسم عبيدات، مصادر الالتزام، دار الميسرة،الأردن،2008،ص39.
[6] حفيظة عطوي، أثر الظروف الاقتصادية على العقد المدني، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية، جامعة محمد بوضياف،المسيلة،المجلد5،العدد1،2020،ص616،617.
[7] القانون رقم 04-02 الصادر بتاريخ 23 يونيو سنة 2004 المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية
حفيظة عطوي، المرجع السابق،ص617[8]
فطيمة نساخ، الوظيفة الاجتماعية للعقد، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الجزائر1،الجزائر،2013،ص12.[9]
[10]جمعة زمام، تحديث النظرية العامة للعقد في ضوء ظاهرة التخصص التشريعي، مجلة البحوث و الدراسات القانونية و السياسية، جامعة البليدة2 العفرون،المجلد6،العدد2،2017،ص226.
راجع نص المادة 1134من القانون المدني الفرنسي الصادر بتاريخ 1804بإعتبارها أول مادة تطرقت للحرية العقدية[11]
بلحاج العربي، مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري، الجزء الأول، دار الهومة،الجزائر،2016،ص94.[12]
[13] يسين سعدون، أثر الظروف الاقتصادية على العقد، رسالة دكتوراه، القانون الخاص، جامعة مولود معمري تيزي وزو،2018، ص200
[14] علي فيلالي، الحرية العقدية مفهوم قديم وواقع متجدد، مجلة البحوث في العقود وقانون الأعمال، جامعة قسنطينة، العدد الخامس، ديسمبر2018، ص18،19.
[15] خديجة فاضل، عقد الإذعان في القانون المدني و التشريعات الخاصة، حوليات مجلة حوليات، القانون المدني بعد أربعين سنة، جامعة الجزائر،العدد5،2016 ،ص 309.
[16] بيلامي سارة، نطاق حرية التعاقد في ظل تطور قانون العقود، مجلة البحوث في العقود و قانون الأعمال، جامعة منتوري، كلية الحقوق، قسنطينة، العدد 5،ديسمبر2018،ص68.
[17] القانون 09-03 المتعلق بحماية المستهلك المعدل بموجب الأمر رقم 18-09 العدد 35
[18] القانون 04-02المحددللقواعد المطبقة على الممارسات التجارية العدد41.
[19] ذهبية حامق، النظرية العامة للعقد تصور جديد، مجلة حوليات، القانون المدني بعد أربعين سنة، جامعة الجزائر، العدد ،5، 2016،ص .90
المرجع السابق،ص91،92،وأيضا زمام جمعة، المرجع السابق، ص 230.[20]
ذهبية حامق، المرجع السابق،ص95. [21]
راجع نص المادة 358،732،414من القانون المدني. [22]
ذهبية حامق، المرجع السابق،ص97.[23]
[24] لخضر حليس، مكانة الإرادة في ظل تطور العقد، رسالة دكتوراه، جامعة أبي بكر بلقايد، كلية الحقوق،تلمسان،2016،ص227.
[25] خديجة فاضل، المرجع السابق ،ص306،307.
[26] منصف بوعريوة، الحرية العقدية في ظل النظام العام الاقتصادي، مجلة البحوث في العقود و قانون الأعمال، جامعة منتوري، قسنطينة، العدد5، ديسمبر2018.
[27] مصطفى بن أمينة، النظام العام الاقتصادي و تطبيقاته في قانون حماية المستهلك، مقاربة تشريعية، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية و السياسية، جامعة محمد بوضياف،المسيلة،المجلد5،العدد1،2020،ص1184.
[28] نجيب عبد الله نجيب الجبشه، مفهوم فكرة النظام العام و تطبيقاتها، جامعة النجاح الوطنية،فلسطين،2017،ص82.
[29]فتيحة قريقر ،حدود سلطان الإرادة في نطاق النظام العام، مجلة الحقوق و العلوم الإنسانية، جامعة عاشور زيان، الجلفة، المجلد العاشر، العدد الأول،ص279.
[30]عبد الحميد بن شنيتي، سلطة القاضي في تعديل العقد، رسالة دكتوراه، معهد الحقوق و العلوم الإدارية، جامعة الجزائر،دت،ص52.
[31] فايزة طبيب ،سلطة القاضي في تعديل العقد في مرحلتي التكوين والتنفيذ، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق ،جامعة عبد الحميد بن باديس،مستغانم،2019،ص196،197.
[32] شوقي بناسي، أثر تشريعات الاستهلاك على المبادئ الكلاسيكية للعقد، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الجزائر1،الجزائر،2016ص359،360.
[33] راجع نص المادة 19 ف 1،2،3،من القانون رقم 18-09 المؤرخ في 10يونيو2018يعدل و يتمم القانون رقم09-03المؤرخ في 25 فبراير2009 المتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش
[34] أحمد بعجي، تأثير التوجيه التشريعي على النظرية العامة للعقد، أطروحة دكتوراه، كلية الحقوق ،جامعة الجزائر1،الجزائر،2019،ص129.
[35] نص المادة 01 من الأمر03-03المؤرخ في 19 جويلية2003المعدل و المتمم المتعلق بالمنافسة.
[36] راجع نص المادة 11 من الأمر السالف الذكر
[37] راجع نص المادة 124 مكرر من القانون المدني
[38] عيسى بخيت، أثر تشريعات الاستهلاك على مبادئ النظرية التقليدية للعقد، الأكاديمية للدراسات الاجتماعية و الإنسانية، جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، العدد 20، جوان2018،ص111.
[39] بيلامي سارة، نطاق حرية التعاقد في ظل تطور قانون العقود، مجلة البحوث في العقود و قانون الاعمال، جامعة منتوري، كلية الحقوق، قسنطينة، العدد 5،ديسمبر2018،ص71.
[40] القانون رقم 09-03 مؤرخ في 25 فبراير سنة 2009،يتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش الجريدة رقم 15 المؤرخة في 08 مارس2009
[41]راجع نص المادة 119ف4مكرر1 من الأمر10-04المعدل و المتمم لأمر رقم03-11المتعلق بالنقذ و القرض.
[42] نسرين حسين ناصر الدين، القوة الملزمة للعقد في ظل قانون حماية المستهلك، منشورات زين الحقوقية، بيروت، لبنان، 2018ص394.
[43] علي فيلالي، الالتزامات، النظرية العامة للعقد،ط3،موفم للنشر،الجزائر،2013 ،ص90،92.
[44] المرجع السابق، ص 92.
[45] راجع نص المادة 4 من المرسوم التنفيذي رقم08-126 المؤرخ في 19 أفريل 2008 المتعلق بجهاز المساعدة على الإدماج المهني.
2راجع المرسوم التنفيذي رقم 11-105المؤرخ في 06 مارس 2011 الذي يعدل و يتمم المرسوم التنفيذي رقم 08-126 المؤرخ في 19 أفريل 2008 المتعلق بجهاز المساعدة على الإدماج المهني.
يمينة حوحو، عقد البيع الإلكتروني، دراسة مقارنة، جامعة الجزائر1،كلية الحقوق، بن عكنون،الجزائر،2012،ص6،7.[47]
[48] المرجع السابق،ص8.
القانون رقم18-05 المؤرخ في 10 ماي 2018 المتعلق بالتجارة الإلكترونية.[49]
ماجد محمد سليمان أبا الخيل، العقد الإلكتروني، مكتبة الناشرون، الطبعة الأولى،2009،الرياض،ص100.[50]
[51] راجع نص المواد 323 إلى 350 من القانون المدني
[52] المرسوم التنفيذي 07-162 المنظم لنشاط التصديق الإلكتروني.
3القانون 2000-03 المحدد للقواعد العامة المتعلقة بالبريد و الاتصالات السلكية و اللاسلكية
[54] نورة جبارة، أثر التحولات التكنولوجيا على النظرية العامة للعقد العقد الالكتروني، بحوث جامعة الجزائر،العدد14،2020،ص174،و أيضا حبيب بلقنيشي، إثبات التعاقد عبر الأنترنت، رسالة دكتوراه، جمعة السانيا، وهران،2011 ، ص171،172.