الهوية الثقافيّة في مواقع التواصل الاجتماعي بين قيم المجتمع ومتطلبات الحداثة
دراسة ميدانية على طلبة جامعة- الجزائر2-
Cultural identity in social media between social values and the requirements of modernity
Field Study for Students of University –Algiers 2-
د. زعاف خالد/جامعة أكلي محند أولحاج – البويرة-، الجزائر
Dr. Zaaf Khaled /Akli Mohand Olhadj University-Bouira, Algeria
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 84 الصفحة 77.
ملخص :
إن ما يميز المجتمعات، هي تلك الخصائص التي تشير إلى اختلافها عن بعضها، والتي يطلق عليها الثقافة، و مع ذلك فقد أصبحت الكثير من القيم الثقافية والاجتماعية مشتركة بين مختلف الدول، باعتبار أنها قيم ولدتها الحداثة، فهي وليدة سيطرة الدول الغربية على العالم، فمن الطبيعي أن تكون قيم هذه الأخيرة هي المهيمنة على باقي المجتمعات، لأنها انعكاس للحداثة.
سنتطرق في دراستنا إلى صورة الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري في مواقع التواصل الاجتماعي، بين جدلية الأصالة والمعاصرة، من خلال رصد أراء عينة من الشباب الجامعي وتحليل محتوى إجاباتهم للوصول إلى مكانة الهوية الثقافية للمجتمع الجزائري في هذه المواقع بين ما هو أصيل و ما هو معاصر، ليتبين لنا فيما بعد تأثر الشباب بالكثير من أفكار الحداثة كالعلمانية والديمقراطية والحرية ورفضهم للأفكار المحلية، واعتبار هذه المواقع مرجعيات ثقافية أساسية في خلق السلوك الاجتماعي.
الكلمات المفتاحية: الهوية الثقافية، مواقع التواصل الاجتماعي، القيم، الحداثة.
Abstract:
What distinguish societies are those characteristics that indicate their difference from each other and which is called culture. However, many cultural and social values have become common to different countries, considering that they are values born of modernity, as they are the product of Western countries domination of the world. It is obvious the letter is dominant over the rest of societies, because it is a reflection of modernity.
Our study, touch the image of the cultural identity of the Algerian society in the social communication sites, between the dialectic of authenticity and modernity, by monitoring the opinions of a sample of university youth and analyzing their answers to reach the position of the cultural identity of the society in these sites between what is authentic and what is contemporary, to show us the impact of young people embrace many ideas of modernity.
Keywords: Cultural identity, social networking sites, Values, Modernity.
1.مقدمة:
لقد كان ولازال مفهوم الهوية الاجتماعية من المفاهيم الشائكة والمعقدة، فهي مرتبطة بالذات البشرية من جهة والقيم الاجتماعية للمجتمع التي تضبط سلوكيات هذه الذات وتوجه غاياتها لما يخدم المصلحة العامة للمجتمع، وهذا ما يؤدي إلى صدام بين أهداف الفرد وغاياته وما يسمح به المجتمع من قيم ومؤسسات، وعادة ما يكون هذا الصدام والصراع نتيجة تأثر الأفراد خاصة منهم الشباب بقيم اجتماعية دخيلة من خلال احتكاكه بثقافات ومجتمعات أخرى. ومع التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام والاتصال وظهور شبكات ومواقع تواصل الالكتروني والذي جعل العالم كقرية صغيرة يتواصل فيها الأفراد من مختلف المجتمعات وتتداخل فيها الثقافات، الذهنيات والهويات، أين أصبح الشباب يقضي أغلب وقته على هذه المواقع لما توفره من حرية في التواصل والتأثير والتأثر والتعبير عن ذاته وغاياته بدون رقابة المجتمع وإن وجدت فهي رقابة نسبية.
انطلاقا من هذه الحرية التي توفر الانفتاح على الثقافات الأخرى وتحتك بها وصفة الفضول وحب المغامرة والتميز الذي تتصف بها فئة الشباب، نجد هذا الأخير يتقمص قيم جديدة لثقافة ومجتمع أخر غير الذي ينتمي إليه، بالتالي تشكل هوية أخرى تتماشى مع المجتمع الافتراضي الذي يتفاعل معه، فيبني لنفسه هوية افتراضية تختلف عن تلك التي اكتسبها من خلال التنشئة الاجتماعية، ورغم أنها هوية افتراضية ومؤقتة بحيث تظهر فقط في تعامله في المواقع الالكترونية إلا أن لها تأثير على علاقاته الاجتماعية مع الواقع الاجتماعي من أفراد، قيم ومؤسسات خاصة إن كانت هذه الأخيرة لا تخدم أهداف وغايات الفرد العصرية لاسيما نمط التفاعل والتواصل، مما يؤدي إلى صراع بين الهوية الاجتماعية القائمة على نظم وانساق اجتماعية وثقافية محددة والافتراضية القائمة على اتجاهات وميول الشباب الفردية المختلفة عن الواقع الثقافي والاجتماعي.
2.1 إشكالية الدراسة:
تعتبر الهوية الاجتماعية للأفراد رمز من رموز انتمائهم وولائهم للمجتمع الذي ينتمون إليه وعادة ما ترتبط هذه الأخيرة كما سبق وأن ذكرنا بمجموعة من الخصائص الفردية للفرد والقيم الاجتماعية الخاصة بالمجتمع، فهي وليدة القيم والمعايير العامة للنظام الاجتماعي والبناء الثقافي العام للمجتمع، والتي يكتسبها الفرد من خلال التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها خلال مراحل حياته وتطورها فتتكون لديه شخصية مميزة مشبعة بقيم ومعايير المجتمع وهي ما تسمى بالهوية الثقافية للأفراد، التي تشير إلى انتمائهم وارتباطهم بمجتمعهم.
بما أن الهوية تتكون من خلال مختلف القيم والعادات والأعراف والثقافة العامة، بالتالي فهي معرضة لعوامل التغير الاجتماعي المختلفة والتي قد تؤثر سلبا على درجة ارتباط الأفراد بهويته الاجتماعية الواقعية والأصيلة، إذ أن احتكاكه المباشر والمتكرر مع جماعات أو أفراد من مجتمعات وهوية أخرى قد يجعله يميل إلى تبني هذه الهوية كنوع من أنواع الانتماء لهذه الجماعة ويظهر ذلك في تقليد الشباب لنمط الحياة والعلاقات في المجتمعات الغربية المتقدمة وذلك باسم العصرنة والحداثة مسايرة التطور العالمي.
مع التطور التكنولوجيا وظهور الانترنيت أصبح للفرد فضاء أوسع للاحتكاك بمختلف المجتمعات والثقافات والتواصل معها بشكل مباشر، إذ يخلق لنفسه عالم ومجتمع افتراضي حسب ما يتماشى وميوله رغباته واتجاهاته، إذ يخلق لنفسه خطاب اجتماعي من قيم ومعايير وآليات جديدة للتعامل والتفاعل بعيدة عن تلك الموجودة والمتعامل بها في مجتمعه وواقعه الاجتماع، وتكتمل هويته الافتراضية من خلال استخدام اسم مستعار وعادة ما يرمز هذا الاسم إلى اتجاه الفرد وفكره، أو الاستعانة بصورة رمزية لهويته الافتراضية وفي الغالب يستخدم صورة شخصية معروفة تعبر عن انتمائه وقدوته في الحياة، وانطلاقا من هنا يكون الفرد قد كون لنفسه هوية افتراضية قائمة على اسم وصورة مستعارة.
تجدر الإشارة إلى أن استخدام الأفراد لأسماء وصور شخصيات مشهورة ومعروفة يساعدهم في التواصل مع أفراد من نفس الاتجاه و الميول وهنا يتكون مجتمعه الافتراضي الذي يضم مجموعة من الأفراد الذين لهم نفس الاتجاهات والأهداف والميول، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات حول أثر الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على الهوية الثقافية للأفراد خاصة مع تقمص هؤلاء لهوية افتراضية، لاسيما في مجتمع تسوده النظم الاجتماعية التقليدية والمجتمعات المحافظة التي تعمل على رفض أي هوية من قيم عادات وتقاليد مختلفة ،عن تلك التي بني عليها المجتمع لضمان استمرارية وجودها في المجتمع الدولي باعتبار أن الهوية هي رمز من رموز الكيان العام للدول والمجتمعات.
عادة ما تصطدم هذه القيم الثقافية مع الأفراد لاسيما الشباب الذي يسعى دائما إلى ما هو جديد وله من الفضول لمعرفة كل ما هو غريب ومرفوض من المجتمع كنوع من أنواع التمرد على هذا المجتمع الذي لا يعترف بقيمه الحديثة، كما أن المجتمع الافتراضي الذي يبنيه الفرد لنفسه يسمح له باكتشاف ذاته وقدراته من خلال تبادل الآراء والاتجاهات مع أفراد آخرين مما يمنح هذا المجتمع هوية خاصة للأفراد فتصطدم الهوية الافتراضية مع الهوية الثقافية للمجتمع الواقعي المتمثلة في القيم والمعايير كآليات للضبط الاجتماعي التي ترفض أي تعديل أو تغيير في قيمها، وهنا يبدأ الصراع بين الطرفين في محاولة كل طرف لإثبات ذاته وهويته، وقد يؤدي هذا الصراع إلى فقدان الفرد لرباطه الاجتماعي مع مجتمعه نتيجة انعزاله عنه لانشغاله ببناء علاقات في مجتمع آخر أكثر حرية وهو المجتمع الافتراضي، وهو ما قد يولد شعورا بالاغتراب لدى الشباب أو الأفراد بصفة عامة.
انطلاقا من هذه الجدلية القائمة بين الهوية الافتراضية و الهوية الثقافية، نحاول من خلال دراستنا هذه طرح بعض التساؤلات الخاصة حول طبيعة العلاقة بين الهويتين ومدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على هوية الشباب وتأثيرها على انتمائه وارتباطه بمجتمعه الأصلي. حيث جاءت إشكالية الدراسة كالأتي:
– إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي كمجتمع افتراضي يخلق هوية افتراضية للشباب تتبنى قيم ومعايير غريبة عن الهوية الثقافية له باسم العصرنة والحداثة، فما هي العلاقة بينها وبين الهوية الثقافية؟ وهل يؤدي تبني هذه القيم إلى صراع اجتماعي بين القيم الأصيلة للمجتمع التقليدي وقيم العولمة الحديثة التي تمثل الهوية الافتراضية؟
3.1 فرضيات الدراسة :
الفرضية الأولى: التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي يخلق لدى الشباب هوية افتراضية تختلف عن هويته الثقافية ويؤثر عليها.
الفرضية الثانية: تبني الشاب لقيم هويته الافتراضية يؤدي إلى خلق صراع مع قيمه الاجتماعية مما يولد لديه شعورا بالاغتراب والانعزال عن المجتمع.
4.1 أهمية الدراسة :
تكمن أهمية أي بحث علمي أو دراسة أكاديمية في الأهداف التي تسعى للوصول إليها من خلال الدراسة وما توفره من مادة علمية في تحليل الظاهرة المدروسة، بالتالي فإن أهمية دراستنا هذه تكمن في:
– تهتم بالدراسة والتحليل لموضوع بات يؤرق الدول والمجتمعات لما له من تأثير على الهوية التي تعد رمز من رموز المجتمعات واستمراريتها، كما أنها تخص بالدراسة فئة الشباب، هذه الفئة التي تمثل مستقبل المجتمعات وعمودها الفقري الذي ترتكز عليه في التنمية و الحفاظ على وحدة المجتمع.
– البحث عن إمكانية استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لإعادة إنتاج خطاب اجتماعي للمجتمع من خلال عولمته.
– أثر الانترنت والعولمة على التواصل الاجتماعي للأفراد وتأثيرها على الرباط الاجتماعي للمجتمع.
– دعوة المؤسسات الاجتماعية خاصة تلك المهتمة بالتنشئة الاجتماعية إلى ضرورة الرقابة المستمرة لتعامل الأبناء مع مواقع التواصل الاجتماعي لتفادي سلبيات هذه الأخيرة على شخصية الفرد، هويته وانتمائه.
5.1 منهجية البحث:
1.5.1 المنهج المستخدم:
تعتمد أي دراسة علمية على منهج معين من مناهج البحث العلمي المختلفة، حيث تختلف طرق ومناهج البحث العلمي باختلاف نوع البحث. الإشكالية المطروحة وكذا مجتمع البحث وأهدافه التي تفرض على الباحث ضرورة إتباع منهج معين، وبما أن موضوع دراستنا هذه يدور حول رصد طبيعة العلاقة بين مستخدمي الانترنيت وأثرها على الهوية، فقد اخترنا المنهج الوصفي باعتباره الطريقة المنظمة المناسبة لدراسة حقائق راهنة متعلقة بالظاهرة موضوع الدراسة، فقد تم اختياره منهجا للدراسة، إذ أنه يساعد في وصف وتحليل المضامين الرئيسية للإشكالية المطروحة، وقد اعتمدنا على التحليل الكمي والكيفي في تحليل البيانات واستخلاص النتائج، حيث استخدمنا على التحليل الكمي في استخراج البيانات الإحصائية وتحليل نتائج الدراسة الميدانية، أما التحليل الكيفي فكان في إعطاء بعد سوسيولوجي للبيانات الإحصائية المحصل عليها وربطها بفرضيات البحث ومتغيراته.
2.5.1 مجتمع البحث و عينة الدراسة:
تمت هذه الدراسة الميدانية في السنة الدراسية بداية 2021 بولاية الجزائر العاصمة على عينة من طلبة جامعة الجزائر2 ومن مستخدمي الانترنيت ويملكون موقع تواصل واحد على الأقل. باعتماد الطريقة العشوائية بحجم 200 طالب موزع على كليات الجامعة، حيث ساعدنا عملنا بالجامعة في سهولة الاتصال بالعينة وتسهيل طرق التوزيع، إلا أننا استرجعنا 150 استمارة من 200 الموزعة، وبعد الاطلاع على بيانات الإجابات في الاستمارات المسترجعة قمنا بإلغاء 10 استمارات بحكم أنها لم تكن إجاباتها وافية لكل الأسئلة مع غياب الجدية في التعامل مع الأسئلة المطروحة والإجابة عنها، وعليه يبقى لدينا 140 استمارة معلومات تمثل حجم عينة البحث.
3.5.1 أدوات جمع البيانات:
الأداة هي الوسيلة المستخدمة في جمع البيانات أو تصنيفها وجدولتها، وهي ترجمة للكلمة الفرنسية وهناك كثير من الأدوات التي تستخدم للحصول على البيانات، ويمكن استخدام عدد من هذه الوسائل معا في البحث الواحد، لتجنب عيوب إحداها ولدراسة الظاهرة من كافة الجوانب[1] ونظرا لطبيعة الموضوع قيد الدراسة فقد قمنا باختيار الأدوات الآتيّة:
4.5.1 الاستمارة:
من بين أكثر التقنيات استخداما في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية لجمع المعلومات، وتعتمد على الاستجواب المباشر لعينة البحث، وترتبط ارتباطا وثيقا بالمنهج الوصفي المعتمد في دراستنا. وقد قسمنا أسئلة الاستمارة إلى محورين أساسيين، يتمحور الأول على البيانات العامة للمبحوثين ( السن، الجنس، الحالة الاجتماعية)، في حين نتناول في المحور الثاني أسئلة خاصة بفرضيات البحث لتحديد العلاقة بين مختلف المتغيرات، وقد ضمت 20 سؤال تنوعت بين الأسئلة المغلقة ذات الاتجاه الواحد والأسئلة ذات اتجاهات اختيارية متعددة، مرتبة حسب متغيرات البحث ومؤشراته، وراعينا في طرح الأسئلة الصياغة المباشرة الواضحة وتفادي الأسئلة المحرجة لضمان الإجابة عن جميع الأسئلة من المبحوثين.
5.5.1 الملاحـظـة :
تعتبر الملاحظة من الأدوات المنهجية التي ترافق عادة تقنية أخرى، وقد ساعدتنا الملاحظة كثيرا في ذلك خاصة بحكم عملنا في الجامعة كأساتذة واحتكاكنا المباشر والمتكرر مع الطلبة، حيث استخدمناها في فحص الميدان من خلال الملاحظة المباشرة والملاحظة بالمشاركة.
انطلاقا من الإشكالية المطروحة وأهمية البحث من خلال النتائج التي تسعى للوصول إليها بتحليل الفرضيات والبحث الميداني، وللاقتراب أكثر من إشكالية البحث ومتغيراته لابد من تحديد أهم مفاهيم الدراسة والتي تتمثل في المفاهيم الآتية:
- تحديد المفاهيم:
- مفهوم المجتمع الافتراضي:
يعود ظهور المجتمعات الافتراضية إلى بداية التسعينيات مع ظهور الحاسوب وانتشار التواصل الرقمي، حيث أدى انتشار شبكة التواصل الرقمي بين مختلف أفراد المجتمع الدولي إلى تجمع هؤلاء في شكل جماعات شبكية رقمية لها نفس الاتجاهات، القيم والأهداف وتسمى افتراضية لأنها بعيدة عن المجتمع المادي للأفراد، وإنما هي مزيج من ميول ورغبات الأفراد التي لم يتمكنوا من تحقيقها أو التعبير عنها في العالم المادي[2]
ويقدم “هاورد راينجولد” تعريفا للمجتمعات الافتراضية على أنها: “عبارة عن تجمع اجتماعي في شبكة الانترنت، تنتج حين تستمر مجموعة من الأفراد في مناقشة وحوار لوقت كاف من الزمن بمشاعر إنسانية كافية لتشكيل شبكة من العلاقات الشخصية في الفضاء الرقمي الافتراضي”[3] ، وهذا التعريف يشير إلى أن المجتمعات الافتراضية هي شكل جديد من أشكال التجمعات الاجتماعية المستندة على التكنولوجيا، أما ” إريكسون” فيرى أن المجتمع الافتراضي كمصطلح يشير إلى المحادثة والحوار على شبكة الانترنت، وهو حوار مبني أساسا على التفاعل بين العديد من المتصلين والمستخدمين لنفس الموقع والشبكة.
2.2 مفهوم الهوية الافتراضية
يحدد معجم روبير الفرنسي الهوية باعتبارها الميزة الثابتة في الذات، ويختزن هذا التحديد معنيين يعمل على توضيحهما معجم المفاهيم الفلسفية من ناحية: إنها ميزة ما هو متماثل، سواء تعلق الأمر بعلاقة الاستمرارية التي يقيمها فرد ما مع ذاته أم من جهة العلاقات التي يقيمها مع الوقائع على اختلاف أشكاله [4]
أما في علم الاجتماع تثار مشكلة الهوية في ما يتعلق بهوية الشخص في الإطار الاجتماعي بأنه يشعر بالهوية مع أشخاص المجتمع الذي يعيش وينمو فيه، أي ما يوحد أفراد المجتمع ويمنحهم سمات حضارية وثقافية تميزهم عن غيرهم من المجتمعات الأخرى.[5]
فالهوية هي كلما يشخص الذات ويميزها، فالهوية في الأساس تعني التفرد، والهوية هي السمة الجوهرية العامة لثقافة من الثقافات، والهوية ليست منظومة جاهزة ونهائية، وإنما هي مشروع مفتوح على المستقبل، أي أنها مشروع متشابك مع الواقع والتاريخ، لذلك فإن الوظيفة التلقائية للهوية هي حماية الذات الفردية والجماعية من عوامل التعرية والذوبان، إن هذا التصور لمفهوم الهوية يجعلنا تمييز بين تأويلين لمعنى الهوية:[6]
أ. التصور الستاتيكي أو الماهوي للهوية، الذي يرى أن الهوية، عبارة عن شيء اكتمل وانتهى وتحقق في الماضي، ففي فترة زمنية معينة، أو نموذج اجتماعي معين وان الحاضر ما هو إلا محاولة أدراك هذا المثال وتحقيقه.
ب. التصور التاريخي والديناميكي للهوية الذي يرى أن الهوية شيء يتم اكتسابه وتعديله باستمرار، وليس أبدا ماهية ثابتة، أي أن الهوية قابل للتحول والتطور، وذلك لأن تاريخ أي شعب هو تاريخ متجدد ومليء بالأحداث والتجارب، فإن الهوية الأصلية تتغير باستمرار، وتكتسب سمات جديدة، وترفض أخرى وهذا يعني أن الهوية شيء ديناميكي وهو سلسلة عمليات متتابعة كما أنها تتحول معا لزمن فهي ديناميكية، وهي ترتبط بالأثر الذي تتركه الحضارة عبر التاريخ، ويمكن النظر إلى الهوية في صورتها الديناميكية على أنها مجموعة من المقررات الجماعية التي يتبناها مجتمع ما، في زمن محدد للتعبير عن القيم الجوهرية ( العقائدية ) والاجتماعية والجمالية والاقتصادية والتكنولوجية والتي تشكل في مجموعها صورة متكاملة تعبر عن ثقافة هذا المجتمع.
.2 مفهوم الصراع:
تعرف الصراع بأنه عادة ما يشير إلى “حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته[7]” أما دائرة معارف العلوم الاجتماعية فإن اهتمامها ينصرف إلى إبراز الطبيعة المعقدة لمفهوم الصراع، إلى “موقف يكون لدى الفرد فيه دافع للتورط أو الدخول في نشاطين أو أكثر، لهما طبيعة متضادة تماما”، وهنا يؤكد “موراى” على أهمية مفهوم الصراع في فهم والتعريف بالمعاني والدلالات المختلفة للمفهوم في أبعاده المتنوعة. فمن المنظور النفسي، يشير مفهوم الموضوعات المتعلقة بقدرة الفرد على التكيف الإنساني وعمليات الاختلال العقلي أيضا[8].
أما في بعده السياسي، فإن الصراع يشير إلى موقف تنافسي خاص، يكون طرفاه أو أطرافه، على دراية بعدم التوافق في المواقف المستقبلية المحتملة، والتي يكون كل منهما أو منهم مضطراً فيها إلى تبنى أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثاني أو الأطراف الأخرى[9] وبينما يهتم لويس كوزر بالتركيز على الصراع في بعده الاجتماعي، فإن لورا نادر تتجه إلى إيضاح البعد الأنثروبولوجي في العملية الصراعية. ومن ثم فإن الصراع في بعده الاجتماعي إنما يمثل نضالا حول قيم، أو مطالب، أو أوضاع معينة، أو قوة، أو حول موارد محدودة أو نادرة”، ويكون الهدف هنا متمثلا ليس فقط في كسب القيم المرغوبة، بل أيضا في تحييد، أو إلحاق الضرر، أو إزالة المنافسين أو التخلص منهم.
4.2 مفهوم العلاقات الاجتماعية:
ينطبق مصطلح العلاقات الاجتماعية على استجابة الأفراد العينة في كل أنواع المحاولات، فهي سلوك متواتر متوقع يحدث بين شخصين، فيؤثر أحدهما في الآخر ويتأثر به [10] أو هي روابط تنشأ على أساس التفاعل الاجتماعي[11] ، فتدل على الصلة التي تقوم بين شخصين أو أكثر مبنية على التجاذب و الاختيار أو الرفض والتنافر. ويشير البعض إلى العلاقات على أنها ضابط الاتصال بين الأفراد، أو هي بمثابة سفير بينهما، أو هي هندسة العلاقات الودية المتبادلة بينهما[12]. وتختلف العلاقات الاجتماعية من جماعة إلى أخرى بحسب العلاقات بين أفرادها. وتتمثل هذه الاختلافات في نمط العلاقات بين أفراد حيث نجد أن لكل عضو في الجماعة موضع و مكانة في بناء العلاقات الاجتماعية، وقد يكون هناك مواقع مركزية أو طرفية منعزلة.
3.تحليل نتائج الدراسة الميدانية :
بعد إجراء البحث الميداني واسترجاع استمارات المعلومات الموزعة على المبحوثين والمقدرة ب 140مبحوث قمنا بتفريغ محتواها في شكل جداول تكرارية بسيطة وأخرى مركبة وتحليلها تحليلا إحصائيا وسوسيولوجيا حسب متغيرات الدراسة واستخلاص النتائج العامة والتي تلخيصها في ما يلي:
1.3 نتائج البيانات العامة:
لقد أظهرت نتائج الدراسة في تحليل البيانات الأولية التي ركزنا فيها على عامل الجنس، المستوى الدراسي بالجامعة، يعني بين طلبة السنوات الأولى والسنوات النهائية في طور التخرج بالإضافة إلى مكان الإقامة باعتبار أن هناك من الطلبة الجامعيين ممن يقيم في الإقامة الجامعية، وقد بينت لنا الدراسة أن النسبة الأكبر للطلبة الجامعيين الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي كانت من الإناث بنسبة 70% مقابل 30% ذكور من حيث المدة الزمنية التي تقضيها في التواصل على شبكة الانترنت بمتوسط 4 ساعات في اليوم، ويمكن إرجاع ذلك وربطه إلى نقص المرافق الترفيهية التي يمكن للإناث قضاء وقت الفراغ بها، إلا أن هذا ليس بالسبب المقنع باعتبار أن للإناث عادة أنشطة يدوية أخرى كالطرز والحياكة يمكن قضاء وقت الفراغ في عمل هذه الأنشطة ،بالتالي يمكن ربط هذا الميل للأنترنت ومن الإناث بنمط العلاقات والنظام الاجتماعي العام للمجتمع الذي يتميز بالتحفظ في بعض العلاقات خاصة بالنسبة للإناث، وهو ما يفسر النسبة الكبيرة للإناث اللواتي يتفاعلن مع مواقع التواصل الاجتماعي خاصة مع الأساتذة بنسبة 60% وهو ما يمكن ربطه بالصورة النمطية للزوج المستقبلي مثلا باعتبار النظام الأسري والعلائقي العام في الجزائر.
ومن جهة أخرى توصلنا إلى أن أعلى نسبة الطلبة المتفاعلين على شبكة الانترنت مواقع التواصل الاجتماعي من حيث المدة الزمنية هم من طلبة الليسانس بنسبة 56% مقابل 44% من طلبة الماستر وهي نسب متقاربة إلى حد ما، إلا أن الاختلاف يكمن في كيفية استخدام الانترنت، إذ نجد أن طلبة الماستر باعتبارهم في مرحلة التخرج فإنهم يستخدمون الانترنت في الجانب البحث العلمي في البحث عن المراجع ومختلف الدراسات التي يجمع من خلالها رصيد معرفي حول موضوع بحثه واستخدامه في التحليل، أما طلبة الليسانس لاسيما السنوات الأولى فيكون لمواقع التواصل الشبكي عامل مهم في إيجاد مجال للانتماء في مختلف الجماعات الشبكية من الطلبة مما يساعده في تكوين مكانة له في المجال المادي للجامعة.
ومع انتشار شبكة الانترنت عبر كل أرجاء الوطن حيث لا يكاد يخلوا منها منزل تقريبا فقد سهل ذلك وزاد من نسب المشاركة التفاعلية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما تمثله نسبة 62% من الطلبة الشباب الذي يستخدمون الانترنت في منازلهم مقابل 38% من أولئك الذين يستخدمون الانترنت وهم في الإقامة الجامعية، وقد يكون السبب حسب ما صرح به أفراد العينة إلى العامل المادي حيث يدفعون مقابل لمحل الانترنت مقارنة بالمنزل بالإضافة إلى عامل الوقت حيث أن عامل التدفق الضعيف في الإقامة يلعب دور في مدة الاستخدام.
وانطلاقا من التحليل السابق للبيانات الأولية نلاحظ أن ارتباط الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي وبنائه لهوية افتراضية يسعى من خلالها لتحقيق ما لا يستطيع تحقيقه والتصريح به في الواقع، ويتحكم في ذلك عوامل كالجنس من طرق تعامل المجتمع مع الأنثى مثلا، بالإضافة إلى ارتباطات أخرى خاصة بالدور والمكانة التي يسعى الشاب أو الطالب تحقيقه في الواقع انطلاقا من مكانته وهويته الافتراضية في المجتمع الافتراضي.
2.3 نتائج الفرضية الأولى: التفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي يخلق لدى الشباب هوية افتراضية تختلف عن هويته الثقافية ويؤثر عليها.
انطلاقا من تحليل محتوى الفرضية والتي ركزنا فيها على أسئلة خاصة على كيفية ظهور هوية افتراضية للأفراد من خلال تفاعلهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تعتبر هذه المواقع مجتمع افتراضي يجد فيه الفرد كل ما يسعى لتحقيقه على أرض الواقع ولا يتمكن من ذلك لسبب أو لأخر، بحيث تكون له حرية التصرف والكلام والتعبير عن أي موضوع في أي مجال دون خطوط حمراء و دون قيود اجتماعية.
ومن هنا حاولنا التقرب من الشباب وأخذنا عينة من الطلبة باعتبار أهمية هذه الفئة من الشباب في التنمية الشاملة المستدامة للمجتمعات، بالتالي فإن أي خلل وتقصير أو إهمال لهذه الفئة قد يؤثر سلبا على مستقبل البلد والمجتمع، وقد كانت نتائج الفرضية تشير في أغلبها بنسبة 65% من أفراد عينة البحث تشير إلى أن للمجتمع المادي الواقعي دور كبير في لجوء الشباب إلى مواقع التواصل الاجتماعي واتخاذها مجتمعات افتراضية له، يبني فيها هوية افتراضية له بالقيم التي يراها مناسبة له ولأهدافه.
ويكون دور المجتمع في ذلك حسب العينة البحث بنسبة 70% من الذكور والإناث ومن مختلف المستويات الجامعية إلى أن هشاشة القيم الاجتماعية ومعايير المجتمع التي تضبط سلوك الأفراد وتسير المجتمع هو ما جعل الرباط والتماسك الاجتماعي ضعيف في المجتمع بحيث أصبح كل فرد يسعى إلى التواصل مع من يتفق معه لتحقيق أهدافه بأي وسيلة كانت وحين يصطدم بالواقع ويرفض من المجتمع فإنه يفقد قيم التواصل والتفاعل مع المجتمع فيلجأ إلى التفاعل والتواصل مع أفراد لهم نفس الأفكار والتوجهات والقيم، وهو ما يفسر استعمال الباحثين التربويين والاجتماعيين لجماعة الرفاق كمؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية لما لهذه الأخيرة من تأثير قوي ومباشر على الفرد، شخصيته وهويته.
ومع التطور التكنولوجي الذي عرفته وسائل الاتصال والتواصل وظهور شبكة الانترنت وجد الشباب فضاء جديد للتواصل والتفاعل الواسع، يضم أفراد من مختلف الدول والمجتمعات والثقافات مما يتيح فرص التواصل وتبادل الأفكار والتجارب والخبرات مع عدد أكبر من الأفراد مما يزيد فرص زيادة الرصيد المعرفي للأفراد، وهو ما عبرت عنه عينة البحث بنسبة 74% إذ تعتبر مواقع التواصل بمثابة الملاذ الذي يتجه إليه الشباب للتعبير عن أفكاره ومشاعره بكل حرية دون ضغط أو رقابة المجتمع، مما يفتح له المجال لخلق مجالات تفاعلية خاصة تضم قيم واتجاهات ثقافية واجتماعية تولد هوية خاصة بهم أو تعيد إنتاج هويتهم المادية بشكل يتماشى وقيم الهوية الافتراضية التي يتعامل بها على مواقع التواصل الاجتماعي.
إن ما يزيد من ظهور هوية افتراضية للشباب هو طول مدة تفاعلهم على هذه المواقع نتيجة بعد مرافق الترفيه الأخرى سيما في أماكن إقامة مجتمع البحث، إذ صرح 72.47% من أفراد العينة أنهم يلجؤون إلى شبكة الانترنت ومواقع التواصل لقضاء وقت الفراغ لديهم لأنهم لا يجدون مرافق رياضية وترفيهية لقتل الفراغ والتغلب على الملل، كما أنهم لا يجدون صعوبة في التعارف أو التفاعل مع مستخدمي الانترنيت خاصة وأن أغلبية مستخدمي الشبكة من الشباب بالتالي التقارب في التوجهات والأفكار، إذ أنهم ينطلقون في تعارفهم وتفاعلهم الشبكي من مجالات متعددة وتتشابه مع بعضها في المبادئ والتوجهات(دراسة، عمل، ترفيه) إذ أن كل فرد يبني لنفسه هوية خاصة في المجال الذي يسعى فيه لنشر أفكار وقيم لا يستطيع البوح بها أو الإعلان عنها والتعامل بها في المجتمع الثقافي، وتجدر الإشارة إلى أن بناء هوية افتراضية للفرد ليس شيء سلبي دائما وهو ما أشارت إليه نسبة 70.5% من عينة البحث، إذ يمكن أن يستخدم الطالب المجتمع الافتراضي للتأثير إيجابا على الشباب الذي يعاني من ضعف في التفاعل مع المجتمع والشعور بالانعزال عنه، وذلك من خلال إعادة إنتاج هوية المجتمع الثقافية بطريقة تساعد الشباب أكثر في التعرف على قيمها وفهم مغزاها وأهدافها وهو ما يساعد في اندماج الفرد في المجتمع المحلي انطلاقا من المجتمع الافتراضي، حيث عادة ما يستخدم الطلبة لمواقع التفاعل الاجتماعي للدردشة حول مواضيع علمية تهم مسارهم الدراسي وتخصصهم العلمي، مما يسهل عليهم فهم محتوى البرامج والمناهج العلمية والدراسية بشكل جيد وهو ما ينعكس إيجابا على تحصيلهم الدراسي وهو ما صرحت بهم 52.5% من عينة البحث، هذا بالإضافة إلى المواضيع العامة التي لا يستطيع الشباب الحديث عنها في المجتمع المحلي لحساسيتها أو لتعارضها مع قيم المجتمع الثقافية.
إلا أن ذلك يتطلب قوة ارتباط مع المجتمع المحلي ولابد من الفهم العميق لقيم المجتمع من خلال التفاعل الفعال مع مؤسسات المجتمع للقدرة على إعادة إنتاج هذه القيم بشكل يسهل على الشباب التعامل معها وفهمها بالتالي الاندماج والتكيف مع المجتمع، وفي هذا إشارة إلى دور مؤسسات المجتمع في بناء الشباب على قيم المجتمع والانتماء لها للتصدي لأي تأثير خارجي على شخصيته واتجاهاته.
3.3 نتائج الفرضية الثانية: تبني الشاب لقيم هويته الافتراضية يؤدي إلى خلق صراع مع قيمه الاجتماعية مما يولد لديه شعورا بالاغتراب والانعزال عن المجتمع.
انطلاقا من النقطة الأخيرة التي ذكرناها في التحليل السابق، حيث توصلنا إلى أن محتوى الهوية الافتراضية للأفراد لها عدة أبعاد ثقافية واجتماعية، ذات رموز معينة لا يفهمها سوى الأفراد المنتمون لنفس الجماعة ولهم نفس رموز وقيم الهوية، وغالبا ما تكون انطلاقا من خصوصية الأفراد وعلاقتهم الاجتماعية، وخاصة الأهداف التي يسعون لتحقيقها إذ يعتبر التفاعل نوع من أنواع الاتحاد والتعاون والتماسك الاجتماعي لأجل تحقيق هدف مشترك. والتي تحتويها هذه الأبعاد فتفاعل هؤلاء الطلبة يتم بناء على الخصوصيات الاجتماعية سواء المبنية على الروابط الاجتماعية بين الطلبة باعتبار اشتراكهم في نفس الأهداف التعليمية أو حسب تعريفهم لذواتهم الاجتماعية وطبيعة العلاقة مع المجتمع الثقافي، من حيث اشتراكهم في الأهداف وتعرضهم لنفس العراقيل في المجتمع المحلي، فيكون المجتمع الافتراضي مجال واسع للتعبير عن هذا الرفض ومحاولة الوصول إلى طريقة للتصدي لرفض المجتمع بالتالي نقل قيمه الخاصة التي يتعامل معها في المجتمع الافتراضي إلى الواقع الثقافي، وهنا يبدأ الصراع بين القيم الأصيلة للمجتمع وتلك التي يتبناها الفرد وتختلف عن ثقافته المحلية وهو ما لاحظناه لدى أغلبية أفراد العينة بنسبة 77%.
انطلاقا من ذلك يمكن أن نقول أن إنتاج الفرد أو الشاب لهوية افتراضية باسم مستعار وصورة مستعارة يسعى من خلالها التعبير عن رفضه أو عدم تقبله لقيمة من قيم المجتمع المحلي نوع من عدم الثبات أو نقص الثقة من أن ما يفعله وما ينادي به ويتبناه هو فعلا الصحيح وهو ما يجب أن يكون في ثقافته المحلية، مما يشير إلى درجة معينة من الارتباط بالمجتمع وقيمه من الشباب، وهذا ما دفعنا للتساؤل عن رأي الشباب في القيم العامة للمجتمع التي تضبط الفرد والمجتمع معا، وهنا تأكد لنا بنسبة 63% من إجابات أفراد العينة أن صراع الشباب ليس مع القيم لأن هذه الأخيرة هي رمز الهوية الثقافة الوطنية للمجتمع الجزائري ولا يمكن التخلي عنها، وإنما الصراع هو نتيجة رفضهم لطريقة التعامل مع هذه القيم وكيفية التعامل بها في المجتمع من خلال بعض الذهنيات التي ترفض أي حديث لا لشيء إلا لأنه جديد وليس متعامل به من قبل في المجتمع حتى لو كان هذا الجديد له أهداف قيمة تعود بالفائدة على الفرد والمجتمع معا.
انطلاقا من هذا الصراع والتضاد بين المعنى الحقيقي للقيم الاجتماعية وكيفية التعامل بها على أرض الواقع يولد لدى الشباب نوع من عدم الاطمئنان لهذا المجتمع الذي ينص على مبدأ ويتعامل وفق مبدأ أخر مما يجعله لا يفهم طبيعة المجتمع ويشعر بالاغتراب عنه لأنه عاجز عن التعامل معه وفاقد للأمل في تحسن الظروف وإمكانية فهم المجتمع نتيجة سكون هذا الصراع لدى نقاط معينة يأبى التخلي عنها باسم الحفاظ على الهوية وما هي إلا حب السيطرة والهيمنة الاجتماعية، وكأن الشباب من خلال مجتمعه وهويته الافتراضية يعيد إنتاج آليات تطبيق القيم الاجتماعية الثقافية بشكل يضمن لهم حريتهم دون التخلي عن قيمهم الثقافية وهذا ما لاحظناه في تصريحات الشباب من عينة البحث بنسبة 45%.
أما في ما يخص الخطاب المنتج في الشبكات الافتراضية بين الشباب فيختلف حسب الموقف الاجتماعي للشاب، فيمكن أن يكون عاطفي أو علمي أو مواضع جنسية.
وأهم القيم الثقافية التي تتمحور عليها عملية التفاعل و من أين يستمدها، هذه المؤشرات التي من خلالها تتحدد هوية افتراضية لهؤلاء الطلبة سواء متناسقة مع ذاتهم الاجتماعية أو مغتربة عن واقعها و كانت النتائج كالآتي :
عادة ما يكون التواصل مع نفس فئة الشاب الاجتماعية، حيث يتواصل الطلبة مع بعضهم البعض بنسبة 55%، وعادة ما يكونوا طلبة من نفس الجامعة ونفس الكلية والتخصص، وهو ما يساعد الطلبة على إعادة إنتاج قيمهم الافتراضية في واقعهم الثقافي المحلي والتعامل معها مع بعضهم البعض وهي أولى الخطوات لتبني الهوية الافتراضية في الثقافة المحلية بالتالي فإن التعامل مع أفراد من نفس الفئة يسهل عليهم ذلك، من جهة أخرى نجد تفاعل الطلبة سيما من جنس الإناث كما سبق وأن أشرنا في تحليل البيانات العامة مرتفع نسبيا خاصة مع الأساتذة بنسبة 40% بالنسبة للذكور و60% بالنسبة للإناث وقد يفسر ذلك لطبيعة المجتمع وقيمه التي ترفض التواصل بين الإناث والذكور فتجد الفتاة هذا الفضاء مجال لتحقيق رغبتها في إيجاد واختيار شريك الحياة، وانطلاقا من العلاقات الخاصة تجدر الإشارة إلى أن الطلبة يستخدمون أيضا مواقع التواصل للتواصل مع الأهل والأصدقاء خاصة بالنسبة للطلبة المقيمين بالإقامات الجامعية بعيدا عن العائلة، بالتالي نلاحظ أن هذه الهوية الافتراضية ما هي إلا إعادة إنتاج الهوية الثقافية بشكل آخر.
كما تبين لنا الدراسة أن المواضيع التي يتبادلها الشباب والطلبة مع بعضهم البعض في مواقع التواصل الاجتماعي كما سبق وأن ذكرنا هي مواضيع عاطفية، فقد أقر 73% من مجموع العينة أن أغلب مواضعهم حول الجانب العاطفي والجنسي، كما قد أقرت 60% من الطالبات أن موضوع الجنس يأخذ جزء كبير من وقتهم في الانترنيت وقد تتواصل مع العديد من الفئات الاجتماعية في هذا الموضوع، وهو ما يفسر تشدد المجتمع ومحدودية ثقافته من هذه الناحية، بالإضافة إلى المواضيع العلمية حول الدروس والواجبات المطلوبة منهم في إطار الدراسة بتبادل الخبرات والمعلومات حول هذه المسائل المشتركة، وانطلاقا من هذه الهوية يتمكن الطالب من إنتاج علاقات اجتماعية مع العديد من الأفراد من نفس مجاله الاجتماعي واتجاهاته الفكرية والقيمية، مما يساعده في تحقيق ذاته وسهولة الاندماج مع الأفراد في المجتمع المادي وتكوين مجتمع مادي خاص يسعى من خلاله التأثير على المجتمع الكلي.
خاتمة:
انطلاقا من تحليل محتوى الفرضيات وعرض النتائج، يمكن الوصول إلى استنتاج أن الواقع الثقافي المحلي للأفراد له دور كبير في دفع الأفراد لبناء علاقات افتراضية في المجتمعات الافتراضية لأجل تحقيق الذات والحرية الفردية، التي عادة ما يشعر الفرد سيما منهم الشباب بسلبها منهم من طرف المجتمع بحكم القيم والمعايير الثقافية، إلا أن وعي الشباب من الطلبة وإدراكهم لأهمية القيم والمعايير الاجتماعية في ضبط سلوك الفرد والجماعة وأهميتها في اندماج الفرد وتكيفه مع المجتمع، فإنه يعتبر أن الصراع القائم بين القيم الثقافية وتلك التي يبنيها الفرد في مواقع التواصل ما هي إلا إعادة إنتاج القيم الثقافية في شكل يسهل التعامل بها ويحقق الهدف الحقيقي من هذه القيم حيث يسمي هذا الصراع صراع ذهنيات و سلوكيات وليس صراع قيم حديثة وقديمة، بالتالي فإنه من خلال هويته الافتراضية يعيد بناء جسر التواصل بينه وبين المجتمع، من خلال تطبيق قيم التفاعل الافتراضي على المجتمع.
قائمة المراجع:
- أبو خلدون ساطع الحصري، اللغة والأدب وعلاقتهما بالقومية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1985.
- أحمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مكتبة لبنان، بيروت، ط 2، 1993.
- احمد بن فارس بن زكرياء، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الجزء6، دار الفكر، بيروت، 1979.
- أحمد فؤاد رسلان، نظرية الصراع الدولي “، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة، 1968.
- إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات، جامعة الكويت ، الكويت، 1982.
- بايوسف مسعودة، الهوية الافتراضية: الخصائص و الأبعاد، دراسة استكشافية على عينة من المشتركين في المجتمعات الافتراضية ،مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، عدد خاص الملتقى الدولي الأول حول الهوية و المجالات الاجتماعية،، جامعة قاصدي مرباح ورقلة،الجزائر27-28-فيفري 2011.
- حامد عبد السلام زهران، علم النفس الاجتماع، عالم الكتب، القاهرة، ط4، 1977.
- خير الدين على عويس،عصام الهلالى، علم الاجتماع الرياضي، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1988.
- عبد الرحمن بدوي ، الموسوعة الفلسفية ، ط1 ،المجلد 02، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، القاهرة، 1996.
- فؤاد البهى السيد، علم النفس الاجتماعي، دار الكتاب الحديث-الكويت، ط2، 1980.
- محمد شفيق – البحث العلمي الخطوات المنهجية لإعداد البحوث الاجتماعية، ط1 المكتب الجامعي الحديث ، مصر 1985.
- محمد عمارة، مخاطر العولمة على الهوية الثقافية، نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة، ط 1، فبراير 1999.
- محمد فاضل رضوان، نحن والعولمة: مأزق مفهوم ومحنة هوية، الشبكة الدولية للمعلومات(الانترنت)، موقع: http://www.qattanfoundation.org تاريخ الإطلاع:13/10/2021 على الساعة 21 مساء
- هانس بيتر مارتن ، هارولد شومان ” فخ العولمة ” سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ،1998.
[1] محمد شفيق، البحث العلمي الخطوات المنهجية لإعداد البحوث الاجتماعية، ط، 1 المكتب الجامعي الحديث، مصر، 1985، ص 104 .
[2]-بايوسف مسعودة، الهوية الافتراضية: الخصائص و الأبعاد، دراسة استكشافية على عينة من المشتركين في المجتمعات الافتراضية، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، عدد خاص الملتقى الدولي الأول حول الهوية و المجالات الاجتماعية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر27-28-فيفري 2011، ص468.
[3] – نفس المرجع، ص 469.
[4]– محمد فاضل رضوان، نحن والعولمة: مأزق مفهوم ومحنة هوية، الشبكة الدولية للمعلومات(الانترنت)، موقع: http://www.qattanfoundation.org تاريخ الإطلاع:13/10/2021 على الساعة 21 مساء
[5]– عبد الرحمن بدوي ، الموسوعة الفلسفية ، المجلد 02، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، القاهرة، 1996، ص569.
[6] – هانس بيتر مارتن ، هارولد شومان ” فخ العولمة ” سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، الكويت ,1998، ص 10.
[7] – إسماعيل صبري مقلد، العلاقات السياسية الدولية: دراسة في الأصول والنظريات، جامعة الكويت ، الكويت، 1982.ص213.
[8]– أحمد فؤاد رسلان، نظرية الصراع الدولي “، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة، 1968،ص 18.
[9] – نفس المرجع، ص 20.
[10]– فؤاد البهى السيد، علم النفس الاجتماعي، دار الكتاب الحديث، الكويت، ط2، 1980، ص 110.
[11]– خير الدين على عويس، عصام الهلالى، علم الاجتماع الرياضي، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1988،ص 302.
[12] – حامد عبد السلام زهران، علم النفس الاجتماع، عالم الكتب، القاهرة، ط4، 1977، ص 74.