المجتمع الشّبكي وتشكيل الهـويّات الفردية
The networked society and the formation of individual identities
ط.د.لبديوي هشام/جامعة ابن طفيل، المغرب
Labdioui Hicham. Phd Student. Ibn Tofail University, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 84 الصفحة 9.
Abstract :
The question of understanding how individual identities are formed would be achieved while assimilating the transformations which societies have experienced: on one hand, in the areas of communication and networking are related to the effects based on social morphology, and on the other hand: the patterns of living and the existence of individuals. In the current context, and due to the massive development of the Onfomedia and its effects on the lifestyles of individuals and groups, the material foundations of society were reshaped through a new paradigm based on a “network” approach, which has funded a societal model: known as the network society, which is determined in the opposition to the real field-time, which later has transcended this, through a new Virtual-reality Culture.
Furthermore, in the context of density of fluxes and permanent uncertainty, the relationship between the self and the network has become divergent. So that, it tends to get into a partial or total conflict; in the case of the collective self, when the relationship becomes less conflicting or could be described “interesting” in the case of the individual self, this is according to the situations and strategies of the actors, as well. The virtual presence and the intense interactions of individuals do affect them representations for values, social ties and real world, as they become closer to the virtual area and more distant from the real one. Consequently, the proximity of the thing, or the distance from it, becomes an indicator of change; tastes, perceptions, ways of living, therefore identities change, in this case. Thus, the “network” system provides the possibility for virtual identities to get transferred, not only from collective identities to individual identities, but as well, within the latter itself. However, in reality this process is always considered very difficult, all the way.
Key words: Identity, network, networking society, virtual world, self.
ملخص:
إن فهم الكيفية التي تتشكل من خلالها الهويات الفردية، يتم عن طريق فهم التحولات التي عرفتها المجتمعات في مجالات التواصل والاتصال وآثارها على المورفولوجيا الاجتماعية من جهة، وأنماط عيش ووجود الأفراد من جهة أخرى. ومع التزايد المتنامي للتطورات في مجال الأنفوميديا خلال وقتنا الراهن، وما خلفته من آثار على الأنماط الحياتية للأفراد والجماعات، أعيد تشكيل الأسس المادية للمجتمع عبر براديغم جديد أساسه “الشبكة” وأسس لنموذج مجتمعي هو مجتمع الشبكات الذي يتحدد بالتعارض مع المجال والزمن الواقعيين ويتعداهما إلى بناء ثقافة واقع افتراضي.
في سياق كثافة التدفقات واللايقين الدائم أصبحت العلاقة بين الذات والشبكة متباينة، إذ تميل إلى التعارض أو متعارضة كليا، في حالة الذات الجماعية، في حين تصبح العلاقة أقل تعارضا، أو يمكن القول إنها “مصلحية” في حالة الذات الفردية، حسب الوضعيات واستراتيجيات الفاعلين كذلك. إن الحضور الافتراضي والتفاعلات الكثيفة للأفراد، يؤثر على تمثلاتهم للعالم الواقعي والقيم والروابط الاجتماعية، إذ يصبحون أكثر قربا من الافتراضي وأكثر بعدا من الواقعي. هكذا يصبح القرب من الشيء أو البعد عنه مؤشرا على التغير؛ تغير الأذواق والتصورات وطرق العيش والهويات كذلك. وبذلك توفر الشبكة إمكانية الانتقال الهوياتي الافتراضي، ليس فقط من هويات جماعية إلى هويات فردية، بل حتى من داخل هذه الأخيرة نفسها، لكن على المستوى الواقعي تكون هذه العملية صعبة نوعا ما.
الكلمات المفتاحية: الهوية، الشبكة، المجتمع الشبكي، العالم الافتراضي، الذات.
تـقديــــــم:
لطالما كان الكشف عن طبيعة العلاقة بين الـ”نحن” والـ “أنا” وما يرتبط بها من قضايا، محور اهتمام كبير في الدراسات الفلسفية والسوسيولوجية والسيكولوجية والتاريخية كذلك، فالروابط والقيم السائدة في كل سياق اجتماعي هي من صميم توترات تلك العلاقة، وقد اهتمت السيوسيولوجيا الكلاسيكية بدراسة الأشكال الجماعاتية والمجتمعية القديمة؛ كالقبيلة، والعشيرة، والجماعة، والمجتمع، وأعطت أهمية كبرى للبنى والأنساق الكلية، أي كل ماله علاقة بـ “نحن” ويضمن استمرارية واستقرار الجماعة والمجتمع، وبذلك يذوب الفردي في الجماعي ولا يعرّف إلا من خلاله، فكل ما يعتقد أنه حالة من الاستاتيكا الدائمة، هو في الحقيقة مجرد سياق ضمن سياقات لديناميات غير متوقفة وغير متوقعة، نتيجة التحولات التي تتضح على مستوى الأشكال الحياتية للمجتمعات. فالفرد الذي كان يدمج قسرا في الجماعي، أخد يتحرر شيئا فشيئا، ويبرز كموضوع وذات له ميولاته ومواقفه ومعتقداته الخاصة، مما سيؤدي في مرحلة لاحقة إلى انقلاب توازن العلاقة بين “نحن-أنا”، بحيث ستميل لصالح “أنا” خالية من “نحن”. ومنه أصبح الفرد موضوعا للسوسيولوجيا المعاصرة خلال مرحلتي الحداثة وما بعد الحداثة، اللتان تميزتا بتحولات سريعة بفعل بروز العولمة والتي كان من مظاهرها التطور التقاني، وهذا الأخير انعكس على القضايا الحياتية والوجودية للأفراد التي تميزت باللايقين واللاتباث، وبالتالي تشكيل براديغم(Paradigme) مجتمعي جديد. انطلاقا من هذا السياق الذي طبع علاقة “نحن” – “أنا” فإننا سنقارب موضوع الهوية من خلال مستويين، بحيث سنحاول في الأول الإشارة لنشأة المفهوم، وفي المستوى الثاني، سننفتح على مفاهيم جديدة والتي كانت نتيجة لتطورات عرفها العالم، ثم محاولة رصد التوازنات الجديدة لعلاقة “نحن” – أنا”، أي الانتقال الهوياتي الذي صار من الجماعي إلى الفردي، وكان نتيجة مباشرة لتفكك الجماعي واللامأسسة واللاتقليد بفعل العولمة والمجتمع الشبكي.
1 – حول المفهوم:
ترجع الجذور الفكرية الأولى لمفهوم “الهوية” إلى بدايات الفكر الفلسفي من خلال اتجاهين فلسفيين: الاتجاه الأول يمثله الفيلسوف اليوناني “بارمينيدس”540) (Parménide d’Élée)ق.م – 480 ق.م) ولد في “إيليا” وهو من فلاسفة عصر ما قبل سقراط، ويعبر عنه بالموقف الجوهراني الذي يعتبر أن مصطلح ” هوية ” هو إحالة على “الأصيل” والثابت وغير المتغير، أي اليقيني والمطلق.
لقد فهمت صيغة: ” الكائن موجود واللاكائن غير موجود” بوصفها تأكيدا على أن “هوية الكائنات التجريبية”، أيا كانت تلك الكائنات، هي “ما يبقى دون تغير، رغم التغيرات” وتشابه مع نفسه خارج الزمن وما يبقى على حاله”[1]. ويندرج هذا الموقف في فلسفة القرن السابع عشر تحت مفهوم الأنطولوجيا، الذي يبحث في المشترك بين الموضوعات ويشمل مفاهيم أخرى مثل الماهية، والوجود، والجوهر، وبذلك تعرف الكائنات عند أنصار هذا الموقف بهويتها الجوهرانية المماثلة لذاتها وبنوع من الاكتمال التام وغير قابل للتغير مع الزمن.
في مقابل موقف “بارمنيدس” الأنطولوجي نجد تصور آخر يندرج ضمن فلسفة ما قبل سقراط ويمثله «هيراقليطس(Héraclite)(475-540) قبل الميلاد، وهو فيلسوف يوناني ولد في أفسوس وقد كتب مجموعة من الشذرات والأقوال والمأثورات وصفت في الغالب بأنها غير واضحة ويغلب عليها الغموض أو العمق. ومنه قول هيراقليطس أنه ” لا يمكن أن نسبح مرتين في النهر نفسه”، كما تنسب إليه أيضا عبارة “كل شيء يسيل”…لا يوجد جوهر أبدي بل كل شيء يخضع للتغير”.[2]بناء على ذلك فهوية الكائنات التجريبية وفق هذا الموقف هي تعريف أو تسمية سياقية، غير ثابتة بل متغيرة بتغير السياق التاريخي.
وبالتالي، فسواء تعلق الأمر بالكائنات التجريبية أو البشرية، فإننا أمام موقفين متعارضين للهوية؛ أحدهما “استاتيكي”(Statique) يعرف الهوية بجوهر ثابت غير قابل للتغير، في حين أن الموقف الثاني “ديناميكي” (Dynamique) يعرف الهوية بالقابلية للتغير حسب الوضعيات والسياق. لقد كان هذا النقاش بمثابة أرضية مهدت لتطوير النقاش اللاحق، فقد عرف مفهوم “هوية” انتشارا واسعا بعد ذلك، بحيث نعثر على إنتاجات علمية في علم النفس مع الطبيب النفسي الأمريكي إريك إريكسون (Erik Erikson)، في مجموعة من المؤلفات، حمل الأول عنوان Childhood and society)، الطفولة والمجتمع) نشر سنة 1950. ثم تلاه سنة 1959 Identity and)the life cycle، الهوية ودورة الحياة (وأخيرا (Identity :Youth and crisis، الهوية : الشباب والأزمة) نشر سنة 1968، وقد شكلت هذه الأعمال الثلاثة الأساس النظري والأمبريقي لنظريته في “النمو النفسي والاجتماعي”.
في موقف معاصر يدافع السوسيولوجي الفرنسي كلود ديبار (Claude Dubar)في كتابه أزمة الهويات، على مقاربة مفادها أن الهوية ليست بالضرورة ما يبقى متماثلا (ثابتا)، و إنما نتيجة “مماثلة محتملة ” ونتيجة لعملية لغوية مزدوجة: التمايز، والتعميم،فالأولى هي العملية التي تعرف الاختلاف بفرادة وتميز شيء أو شخص ما عن شخص أو شيء آخر: أي أن الهوية هي الاختلاف. أما العملية الثانية، فبحث عن المشترك ضمن فئة من العناصر المختلفة كليا عن بعضها البعض ” الهوية هي الانتماء المشترك “.[3]
ومنه يمكن القول إن الاهتمام بالمفهوم في العلوم الإنسانية كان نتيجة اللاتوازن الذي مس الأفراد والجماعات وعلاقة الفردي بالجماعي، بفعل التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية والمعلوماتية التي عرفتها المجتمعات. أما على مستوى تعريف مفهوم “هوية” فهناك تعدد في التعاريف فرضه تعدد الدلالات، فكل تعريف يحاول عبر براديغم تفسيري ما إعطاءه معنى في سياق ما.
من هذا المنطلق نصرح بأننا سنعتمد في اشتغالنا على المفهوم ومقاربة قضاياه في ارتباط بالنموذج التحليلي الذي اعتمده Alex Mucchielli)) في كتابه ” L’identité “،حيث صرح فيه أنه “عندما نتحدث عن “هوية” (بشكل عام، دون التمييز بين هوية فردية، أو هوية جماعة ما، أو هوية تنظيم ما …) فإننا نتحدث عن هوية “فاعل اجتماعي”[4].
2- تصورات كلاسيكية للأشكال الهوياتية.
يمكن التمييز في دراسة موضوع الهويات في علم الاجتماع بين براديغمين تفسيريين، أحدهما كلاسيكي والأخر معاصر، بحيث يرتبط الأول بالنظريات الكلاسيكية “الكليانية”، التي تناولت البنيات والأنساق الكلية للمجتمع، أي نوع من مأسسة الوجود الاجتماعي للأفراد وتعزيز القيم والروابط المشتركة، ومنه تحديد الانتماءات والمكانات والأدوار وأساليب السلوك والإحساس والتفكير كما يسميها “إميل دوركهايم”، فيما اتجه الثاني نحو دراسة الأفراد كوحدات أو أجزاء مستقلة عن المشترك الجماعي. وبذلك تحرر الفرد شيئا فشيئا من سلطة المؤسسات الاجتماعية التقليدية وتبنى تمثلات جديدة لذاته وشكل روابطه الخاصة والمتعددة. فبالرغم من تلك التمايزات في سيرورة سياق التوجه نحو الفردي أو الجماعي فإن هناك علاقة هوياتية لينة بين ” نحن “و” أنا” فهي مركزية وهامشية في آن واحد.
بالتالي سنحاول فهم هذه العلاقة عبر تصورات مختلفة. بداية مع عالم الاجتماع الألماني “نوربرت إلياس” (NorbertElias) الذي قدم تصورا غاية في الأهمية للعلاقة بين الفرد “أنا” والمجتمع “نحن”، بحيث تناولها كسيرورة حضارية، دينامية، وهي أساس العلاقة بين الهويات، حسب “إلياس” ، إذ يقول: لا توجد هوية ” أنا” بدون هوية ” نحن”[5]، فهو لا يفهم هذه العلاقة على أساس التعارض بين المصطلحين كما هو الشأن بالنسبة لطبيعة مصطلحي ” فرد” و” مجتمع”، لكن السيرورة التاريخية لعلاقة ” نحن- أنا” تتضمن اللاتوازن على مستوى هذه العلاقة، فكلما عدنا إلى الأشكال المجتمعية الأكثر قدما، فإننا نجد هيمنة هوية ” نحن” على هوية ” أنا”، في حين تهيمن هذه الأخيرة في المجتمعات الحديثة. ويفسر إلياس سيرورة العلاقة هذه بالقول: ” لقد طرأ على هويتي “نحن” و” أنا ” تبدل كبير منذ القرون الوسطى في المجتمعات الأوربية يمكن أن نصفه بمنتهى الاختصار على الوجه التالي: كان مركز الثقل في توازن هاتين الهويتين في البداية لصالح هوية ” نحن” بوضوح تام، لكن مركز ثقل هذا التوازن أخد منذ عصر النهضة بالانتقال التدريجي نحو هوية “أنا” و كثرت بعد ذلك الحالات التي ضعفت فيها هوية “نحن” لدرجة أن البعض أصبح يشعر كأنه مجرد “أنا” لا علاقة له ب”نحن” و بينما كان الناس قبل ذلك سواء منذ الولادة أو اعتبارا من فترة زمنية محددة في حياتهم ينتمون دائما إلى مجموعة معينة، حيث كانت هوية “أنا” لديهم ممتزجة دائما بهوية ” نحن ” وكثيرا مما كانت منضوية تحت مفهومها، مال نواس التوازن مع مرور الزمن بشكل كبير إلى الناحية الأخرى وهكذا أصبحت هوية “نحن” التي بقيت بالتأكيد موجودة تحت ظل او غطاء هوية “أنا” مضمرة في وعي المرء[6].
ويعتبر “إلياس” أن التاريخ الإنساني مر عبر مرحلة معينة من التطور تختلف عن تصور النظرية التطورية “الداروينية”. فبالنسبة إليه، تعد الأشكال الأولية عبارة عن جحافل بشرية وقبائل رحل تم عشائر ومجموعات إثنية والتي تولي أهمية قصوى للمشترك الجماعي. وبالتالي لا يمكن أن نعثر على أي اختلاف قد يميز الأفراد داخل هذه الجماعات. فالأفراد في المجتمعات الأولية يعتبرون ،كما جاء في النظريات السوسيولوجية الكلاسيكية، مجردون من كل ما يتعلق ” بالوعي الفردي”.
كما يتحدث “كلود ديبار” عن وجود تشكيلات اجتماعية تكرس هيمنة شكل معين من التعريف أو التصنيف وهو الشكل ” الثقافي “، ويعتبر النسب والدم والجنس، متغيرات أساسية في فهم العلاقة بين الأفراد داخل المجتمعات القبائلية والعشائرية. إنها مجتمعات لها تنظيمها الخاص، وسنقدم مثالا على ذلك من خلال دراسة “فرانسوازايريتييه”(Françoise Héritier)للتنظيم الاجتماعي والهوياتي لـ “سامو” (Samo)، إذ تعتبر أن “العالم الرمزي” لـ”السامو”[7] مقسّم إلى عالمين مختلفين: عالم ذكوري؛ يعرف من خلال النسب الأبوي وهو المسيطر، وعالم فوضوي أنثوي مهيمن عليه، فيبنى التواصل وتقسم الأدوار على هذا الأساس، وبالتالي التنظيم الاجتماعي لـ ” سامو ” ذكوري وطقوسي أيضا،تماما كما هو الشأن بالنسبة لمجتمعات مشابهة لحالة ” سامو”، إذ يعتبر فرانسوا أن هناك” «تزامن بين أنا و نحن بطريقة جماعاتية محضة » بحيث إن الأدوار الاجتماعية تؤسس على الإسم وحده الذي يعبرعن «الموقع من علاقات النسب وتسلسله الزمني» لكل شخص…فهناك علاقة وثيقة بين التعريف ” الإسمي” وشبكة قرابة الأفراد وبين موقعهم ودورهم ووظيفتهم ” التقليدية” في شعائر وطقوس المجموعة الجماعاتية، عند ” السامو” ليس للفرد هوية إلا تلك التي تمليها الإرادة الجماعية للمجموعة والتي تحدد مكانته”.[8] تقول فرانسواز. وبذلك فإن قيمة الفرد وهويته لا تكمن في ذاته كشخص مستقل، بل في قربه من سلم التراتب الاجتماعي للجماعة ومدى التزامه بما يمليه القانون العرفي، ليس بالضرورة اقتناعا وطواعية وإنما خوفا من العقاب. في إطار تحول العلاقة بين “أنا-نحن” يعود إلياس إلى السيرورة التاريخية والاجتماعية والسياسية بالخصوص لحالة المجتمعات الغربية بين القرنين السابع عشر والثامن عشر. وهي المرحلة التي وصفها بأنها استبدادية، وخصوصا “حالة فرنسا” بحيث إن السلطة السياسية وممارسة العنف المشرعن من قبل الدولة ذاتها، من أهم وسائل التمييز بين الطبقات والأفراد. ويقدم “إلياس” مثالا بـــ”مجتمع البلاط.[9]” الذي يعتبر أنه يقيم ربطا ما بين الاجتماعي والسياسي من جهة، والنفسي من جهة أخرى، لأن تمركز السلطة لدى الدولة مكنها من خلق تنظيم تراتبي بين الأشخاص وحدد الأدوار والطبقات بشكل ينبغي استدماجه أو استدخاله لاشعوريا من قبل هؤلاء كقدر ثابت،ليكون الترتيب الهرمي كالآتي: النبلاء ثم البورجوازيين، وفي المراتب الدنيا الحرفين والفلاحين.
إن هذا السياق الاجتماعي والسياسي لهيمنة أشكال من الصلابة الهوياتية واكبته تأملات فلسفية حول الـ”أنا” وطرح قضايا متعلقة بوجود الفرد ومآلاته ورغباته، ولعل أبرز مثال على ذلك ” الكوجيطو الديكارتي”، فرغم ما يوجه إلى هذه التأملات من نواقص؛ كونها رؤية مثالية للذات، فإنها كانت بداية للتحرر من سلطة سياسية ودينية (مجتمع الكنيسة) واكتشاف للذات واستقلاليتها وبداية الحديث والاهتمام بـ”الفعل” الإنساني انطلاقا من دلالته الذاتية.
وتقوم مقاربة “نوربرت إلياس” على الجمع ما بين شكلين هوياتيين في شكل واحد هو هوية ” أنا – نحن” بحيث تتزامن ” أنا” مع ” نحن” في السيرورة التاريخية والحضارية. لكن في واقع الأمر يخفي الشكل الهوياتي “أنا – نحن”أشكال الهيمنة؛ هيمنة الجماعة على الفرد وهيمنة الرجال على النساء والهيمنة الطبقية.
سيشكل ماكس فيبر استمرارية الدينامية التاريخية وشكلا هوياتيا جديدا، بحيث ستمثل سيرورة العقلنة الانتقال من الأشكال “الجماعاتية” إلى الأشكال “المجتمعية”؛ فالأولى سادت عبر هيمنة شخصية الساحر -الزعيم- الكاريزمية باعتبارها السلطة الدينية الرمزية للجماعي، فيستلهم الأفراد ضمن هذه الأشكال الجماعية تمثلاتهم وسلوكاتهم الدينية من شخصية الساحر وقواه الميتافيزيقية. ويعتبر ماكس فيبر بأن ظهور الأديان ” الكونية” الكبرى هو سبب رئيسي في الانتقال نحو العقلنة الدينية وبذلك علاقتها بالتغير الاجتماعي؛ بمعنى آثار الممارسات التدينية الحديثة (العقلانية) على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للأفراد. إنها عقلانية مجتمعية، حيث العلاقة الاجتماعية توافقية وتنافسية للوصول إلى أهداف متنوعة.
لا يتحدث فيبر عن مصطلح “هوية” لكنه تناول تاريخانية الأشكال الجماعاتية والمجتمعية، والتغيرات على مستوى الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية للأفراد. ومن خلال مقاربة “فيبر” استنتج شكلين هوياتيين: الشكل التأملي والشكل السردي. ويمكن القول بأن الأول نتاج التقاء الفلسفة اليونانية “الأخلاقية”بالدين المسيحي (البروتيستانتي) إنها حالة من أنا” خالية من ” نحن” أو ما يسميه ميشيل فوكو “الانشغال بالذات”، وقد صاغ هذا التعبير للدالة على” فردانية تعلي شأن المظاهر الخاصة للوجود”.[10]
لقد مكن الاندماج بين الدين والأخلاق من بروز نظام اقتصادي جديد في الغرب، هو النظام الرأسمالي المرتكز على الاستثمار والتنافس الحر بين الأفراد، وسيتجسد حسب ماكس فيبر في شخصية “المقاول الطهراني ” التي تفسر بكون البروتستانتية في شقها الطهراني تربط بين العمل والإيمان بالله، أي يجب على المؤمن إرضاء الله من خلال استثمار وقته في العمل والابتعاد عن الملذات، توفيرا للوقت والمال، فهي نمط استهلاكي يحث على التقشف والادخار من أجل إعادة الاستثمار. “لقد ولدت بذلك منظومة أخلاقية بورجوازية للعمل الفعال”[11]، ومنه يمكن أن نجد الترابط بين سمات شخصية المقاول الطهراني و”الهوية المقاولاتية الرأسمالية”[12]. يسمى كلود ديبار هذا الشكل من المماثلة الهوياتية “شكلا سرديا” وعلى خلاف الشكل التأملي “فهو يعطي الأولوية للفعل في العالم الخارجي على حساب التأمل الداخلي حول الذات[13].
رافق ازدهار الرأسمال المادي تشكل تدريجي لنمط معين من الوعي الاجتماعي، يقول ماركس وانجلز ” إن أفكار الطبقة المسيطرة هي في كل عصر الأفكار السائدة أيضا. يعني أن الطبقة التي هي القوة المادية السائدة في المجتمع هي في الوقت ذاته القوة الفكرية السائدة”[14]. وعليه فقد عملت الطبقة البورجوازية المالكة للثروة والسلطة على نشر أفكارها الاجتماعية وإعادة إنتاج نفسها، وبالرغم من كون التحليل الماركسي ” لم يتطرق مباشرة لموضوع الهوية، إلا أنه كان يعتقد في الحصيلة أن الطبقة هي التعبير الأهم للوعي الاجتماعي، وصراع الطبقات هو المحدد الأساسي لمجرى التاريخ، ما يعني أن القوانين الطبيعية للإنتاج الرأسمالي هي المولدة للعناصر البانية لمجموع مظاهر المجتمع. وتصبح بالتالي معها الهوية الطبقية تعبيرا عن مجرى التاريخ ومحددا أساسيا للولاءات والصراعات”[15]، لقد كان ماركس وإنجلز مؤمنان بأن الوعي التحرري هو سبيل البروليتاريا في صراعها الطبقي، بمعنى يجب أن يؤمن العمال البؤساء أن خلاصهم في الثورة.
وبذلك فإن بدايات تشكل هذا الوعي ستظهر من خلال الأشكال الأولية للمقاومة العمالية إذ “سيحاول العمال المقاومة (أولا عبر حرق الآلات) ثم الانتظام (في النقابة وأحيانا في الحزب العمالي) كما ستصبح المسألة الاجتماعية عامة في جميع البلدان التي تحدث تصنيعا، وتضخما في البروليتاريا التي صارت أكثر بؤسا. ستفضي الهيمنة كشكل من الاستغلال الاقتصادي والإقصاء ” المجتمعي” إلى صراع طبقي، وربما تؤدي إلى ابتكار شكل هوياتي جديد”[16]. وسيقود التحليل المادي التاريخي للصراع الطبقي ” ماركس وإنجلز” إلى طرح الشيوعية كبديل تحرري من الهيمنة البورجوازية والعمل المأجور وتحطيم الوعي الاجتماعي “المزيف” وغير الواقعي وبذلك فهي بديل هوياتي.
يمكن القول إن الفعل ورد الفعل الناتجين عن الصراع الاقتصادي والفكري، والهوياتي كذلك ارتبط أساسا بطبيعة الاستراتيجيات المتبعة، سواء كانت دفاعية أم هجومية، أوهما معا في آن. فلم يمنع إيمان ماركس وانجلز بالثورة والهوية الشيوعية، من تراكم رأس المال وتزايد هيمنة الطبقة البورجوازية. فهذه الأخيرة نجحت في إعادة إنتاج نفسها. فـ”الرأسمالية الحديثة عرفت كيف تلبي بعض الإصلاحات متجاوبة مع مطالب النقابات والعمال خوفا من أن تأكلها الثورة الشاملة ضدها، فحافظت على مكانتها في قيادة المجتمع دون أن تخسر شيئا… إنها ذكية جدا إذ التفت على أطروحة كارل ماركس التي تنبأت بانهيارها من خلال الثورة الشيوعية الشاملة عندما تصل البروليتاريا الى حد الجوع وهذا ما لم تجعله يحصل”[17].
3-سياق جديد:
امتدادا لانتصار الرأسمالية التي تشكل مرحلة نهاية السبعينات ظهرت وسيلة نقلت الرأسمالية إلى شكل اقتصادي جديد وهي ” المعلومات” نتيجة للتطور على مستوى وسائل الاتصال الجماهيري، بحيث انضاف إلى النشاط الذهني للإنسان الذكاء الاصطناعي للحاسوب وأصبحت المعلومة أكثر أهمية وتأثيرا من رأس المال نفسه، وفي كتابهما ” مجتمع المعلوماتية” الذي نشر سنة 1978 افترض كل من “سيمون نورا” و”آلان منك” أن ” الترابط المتزايد بين أجهزة الحاسوب والاتصالات السلكية واللاسلكية سوف يغير الجهاز العصبي للتنظيم الاجتماعي بأكمله…ويفتح آفاقا جذرية جديدة…و” يحول” نمط ثقافتنا…ويؤثر في التوازن الاقتصادي ويعدل موازين القوى، ويزيد المخاطر التي تتعرض لها السيادة”[18].
لاشك أن هذا التنظيم الجديد للمجتمع والمبني على المعلومات قد أفاد كثيرا المجال الاقتصادي، بحيث أن الإنتاج عرف تضخما كبيرا، دفع إلى البحث على أسواق جديدة لتصريف فائض الإنتاج، والاعتماد على وسائل الإعلام للتسويق لثقافة استهلاكية جديدة، أي أن السلع تصل إلى عدد كبير من المستهلكين عبر العالم، غير أن هذا الرخاء الاقتصادي سينعكس سلبا على الطبقة العاملة، وستنخفض الأجور وأعداد العمال، بفعل اعتماد المكننة وجعل العمال أنفسهم شبيهين بالآلات من خلال تنظيم جديد للعمل يقوم على الفصل بين العامل المنفذ، ورب العمل المفكر، مع الفوردية أولا والتايلورية لاحقا، سيؤدي هذا التنظيم الصارم للعمل إلى نتائج سلبية؛ إذ انخفض الإنتاج وازداد تقاعس العمال بقدر كبير من الذي حاولت التايلورية حله. وهو الأمر الذي سيفسر لاحقا مع اتجاه العلاقات الإنسانية بكون التايلورية لم تولي أي أهميته للعلاقات الإنسانية والعوامل النفسية للعمال داخل التنظيم، بل سيجت حريتهم واستقلاليتهم.
في سياق اخر شكل الخطاب النقدي حول الحداثة الإرهاصات الأولية للانتقال إلى مجتمع مابعد الحداثة. وتعتبر آراء هوركايمر ومدرسة فرانكوفورت حول الحداثة، راديكالية، إذ تبنوا نقدا شاملا للمجتمع الحديث. ويستندون إلى الرؤية العقلانية الموضوعية للعالم كإطار مرجعي. وبالتالي، فإن تصورهم للمجتمع الحديث يختزل في سوق للسلع والخدمات ومجرد من الفاعلين الاجتماعيين والحركات الاجتماعية، ويحل محلهم الفاعلين التاريخيين.لكن هذه الرؤية الراديكالية انتقدت من قبل آلان تورين، الذي يعتبر بأن هؤلاء المثقفين المعادين للحداثة، كانوا بعيدين عن الشارع وعن الجماهير الشعبية، ما يجعل تصورهم بعيدا عن الواقع وأكثر تماهيا مع الصورة العقلانية القديمة للحداثة.
يعتقد تورين أنه يجب إعادة تعريف الحداثة بدل رفضها في شموليتها ويقول ” إن تاريخ الحداثة هو تاريخ انبثاق الفاعلين الاجتماعيين والثقافيين الذين تخلصوا تدريجيا من الإيمان بالحداثة كتحديد ملموس للخير”[19] ويمكن القول إن تورين يدافع عن فكرتي الذات والفاعل، ويعتبر أنهما غير منفصلتان. سيفضي فيما سيأتي من أعماله إلى تبني مفهوم الذات الفاعلة[20] الحرة والمستقلة عن المتوسطات الاجتماعية والما ورا-اجتماعية، والتي تناضل ضد الظلم والعنف.
ويتحدد الفكر المابعد حداثي حسب تورين بأربعة تيارات:
الأول يحدد مرحلة ما بعد الحداثة كحداثة متضخمة، بينما يركز الثاني على مسألة تفكك النزعة الثورية اليسارية وبروز ليبرالية جديدة في الثمانينيات ستستمر إلى ما بعد الحداثة. كما ستتحدد بتفكيك الاجتماعي، والانفصال بين العام والخاص. بحيث سيصبح إنتاج المعنى شيئا خاصا وذاتيا، كما ستتزايد المطالبات الهوياتية والهامشية.
ثالثا: بفعل تطور وسائل الاتصال (أجهزة تقنية وبيروقراطية أداتية محضة، وغريبة عن عالم الثقافة) وسيادتها، سينتقل الانغلاق الثقافي إلى تعددية ثقافية. رابعا: انفصال الأعمال الثقافية عن الإطار التاريخي الذي ظهرت فيه…
بذلك يتميز مجتمع ما بعد الحداثة بتنامي وسائل الاتصال والتواصل التي ساهمت بشكل كبير في تسهيل التواصل بين مناطق مختلفة من العالم ونقل المعلومات في زمن وجيز على شكل البريد الالكتروني بفعل الانترنيت. وبالتالي فإن نمط الاتصال والتواصل الجديد قد غير مفهوم الزمان والمكان، اذ يمكن لأشخاص مختلفين بمناطق متعددة من العالم أن يشاهدوا حدثا معين او أن يتواصلوا فيما بينهم في نفس الوقت. هذا العنصر سيستثمر في الاقتصاد منتقلا بذلك من الصناعات الثقيلة إلى اقتصاد ” مرن” وخفيف يعتمد على كثافة المعلومات بالأساس.
كما سيمثل تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1991 وانهيار الشيوعية، عاملا سياسيا رئيسيا في تنامي العولمة، لأن الدول التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي ستعيد النظر في ايديولوجيتها وتوجهاتها الاقتصادية والسياسية، خصوصا بعد بروز آليات الحكم الدولية والإقليمية (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) والمنظمات غير الحكومية أيضا. وبالتالي سيتم تجاوز حدود القوميات التي شكلت الأساس السياسي للحداثة. هذا التفكيك للشموليات سيؤدي إلى بروز مطالبات هوياتية جماعاتية مثل الباسكيينو الإسكتلنديين..
في هذا الإطار يقول ستيوارت هول ” في دراسته التأثير الحقيقي للعولمة في الهوية: في المجتمعات الحديثة كانت القومية تشكل عنصرا هاما للهوية. أكدت معظم الدول القومية أهمية الأمة وحاولت استعمال الهوية الوطنية لخلق التضامنات بين المواطنين وبين مختلف الطبقات والأصول العرقية وفي ظل العولمة لم يعد ذلك ممكنا وفعالا”[21] .
ومنه عرفت المجتمعات الغربية مع الانفجار التكنولوجي الهائل نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، تفكيكا لليقينيات الكبرى التي كانت تسيطر على الواقع الإنساني، مما أدى إلى إعادة النظر في دور المؤسسات التي كانت تدعم الوجود الاجتماعي للأفراد. إن هذه التحولات أو ما يمكن أن نصطلح عليه بحالة اللايقين هي جزء مهم من أعمال “زيغموند باومان” خلال مرحلة ما بعد الحداثة، لكنه لا يتفق مع هذه الأخيرة من حيث التسمية ويطلق عليها مصطلح “الحداثة السائلة” لأنه يعتقد بأن التغير هو الثبات الوحيد وأن اللايقين هو اليقين الوحيد؛ إذ كانت الحداثة في المائة عام تعني محاولة الوصول إلى «حالة نهائية من الكمال»، أما الآن فإن الحداثة تعني عملية تحسين وتقدم لا حد لها من دون وجود «حالة نهائية » في الأفق ومن دون رغبة في وجود مثل هذه الحالة “.[22]
أ – قليل من “نحن” وكثير من “أنا”: نحو أشكال هوياتية جديدة.
بالعودة لديناميات الهويات وسيرورتها التاريخية التي تم عرضها سابقا، نجد أن العلاقة بين الأشكال الهوياتية الجماعية والفردية لم تكن متوازنة خلال مرحلة تاريخية طويلة، بحيث سادت خلال حالة من الاستاتيكا واليقين التام هذه العلاقة وما يرتبط بها من أشكال السلطة، و يمكن أن يساعد تحليل توماس كوهن لبنية الثورات العلمية من خلال مفهوم النموذج الإرشادي، في فهم التحولات التي تحدث بين الذات ومحيطها، بحيث إن سيادة نموذج تفسيري معين رهين بقدرته على تفسير الوقائع والظواهر العلمية، لكن عندما لا يستطيع هذا البراديغم أن يؤدي مهمته التفسيرية، فإنه يدخل في «أزمة» وبالتالي ينهار ويعوض ببراديغم آخر.
وعليه، فإذا أسقطنا هذا التفسير على مجالات: العائلة، والعمل، والسياسة والدين…كمجالات لتشكيل الهويات، فإن الأزمات التي تعرفها هذه المجالات على مستوى إمداد الأفراد بالدلالات، أو بمعنى آخر “اختلال التوازن بين مكونات متنوعة”[23]، تعمل كمحددات لتعريف الذات والآخر.
ومنه فـالعلاقات اليومية التي تتم بين الأفراد؛ بين الزوج وزوجته وبين الأب وأبنائه، أو بين رب العمل والعامل أو أستاذ وتلميذه …. توصف بالروابط الاجتماعية، وفي الغالب تحدث أزمة الروابط الاجتماعية بفعل تأثير أزمات اقتصادية.
يمكن القول إن السيرورة التاريخية الطويلة التي تناولنا بعضها، بداية من مرحلة ما قبل الحداثة، ثم مرحلة الحداثة وأخيرا مرحلة ما بعد الحداثة، لم تكن عمليات اقتصادية محضة تجري بعيدا عن الفاعلين الاجتماعيين والواقع الاجتماعي. لقد كان الفاعل حاضرا دائما في قلب النظام، لكن العلاقة بين الحقول لم تكن متوازنة، بحيث إن امتلاك السلطة من قبل المسيرين للحقل الاقتصادي والديني -في سياق اخر- لم يسمح ببروز الفاعلين الفرديين والجماعيين وباختلال توازن علاقات “نحن –”أنا”، فالتفاعلات المباشرة وغير المباشرة بين الحقوق قد تؤدي إلى إعادة تشكيل السلطة.
أما بالنسبة للمجتمع الصناعي فإن نهاية تأثير مفهوم الطبقة الاجتماعية كنسق مهيمن في بناء الروابط الاجتماعية، قد فتح المجال لبروز ثورة هوياتية منذ الستينات، كالنوع، والاثنية، وحتى الحدود بين الأجيال، هي أشياء تنتهي بأن تفرض كتعبير عن مطالب خاصة وكأنساق متعاقبة للروابط الاجتماعية”[24].
ب – تفكيك ” نحن” الذكورية: نحو هوية جنسانية نسائية.
دعمت السوسيولوجيا الكلاسيكية المؤسسات باعتبارها بنيات تدعم وتحافظ على نسق ووظيفة المجتمع عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية التي تقسم المكانات والأدوار بين الأفراد حسب الجنس والسن في غالب الاحيان. وتعتبر الأسرة من أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية، إن لم تكن الأهم، باختلاف أشكال تواجدها سواء الجماعاتية أو المجتمعية، فهي: أولا، مؤطرة للعلاقات الجنسية عبر الزواج وتؤدي وظيفة إنجابية، ثانيا تنظم العلاقات بين الجنسين والأجيال، وبذلك شكلت المقاربة الوظيفية في علم الاجتماع أولى التصورات التي اهتمت بالأسرة، سواء من خلال تصور دوركهايم أو بارسونز، فكلاهما بنيا تصورهما من خلال الفصل بين الأدوار والمكانات على أساس جنسي. فالمجال الاجتماعي يقسم لمجال عام مهيمن، هو عالم الرجال. ومجال خاص ” منزلي” مهيمن عليه للنساء، ويعرفن بأدوارهن المنزلية؛ أي الإنجاب وتربية الأبناء ورعاية الزوج. في هذا الإطار يعتبر بارسونز أن ” العائلة التي تدعم أطفالها هي المفتاح للتنشئة الاجتماعية الناجحة، وهي العائلات التي يقسم فيها العمل بين الجنسين بطريقة واضحة بحيث تؤذي الإناث أدوارا تعبيرية يوفرون فيها العناية والأمن للأطفال ويقدمن لهم الدعم العاطفي، أما الرجال من ناحية أخرى فإن عليهم أن يؤدوا أدوارا مساعدة أي يزودوا العائلة بمصدر الرزق والمعيشة”.[25]
وعلى هذا الأساس، تشكل علاقات سيطرة الرجال على النساء محددا أساسيا في بناء الهويات الجماعاتية. لذلك لا تستطيع النساء أن يظهرن كذوات مستقلة عن المجال المادي والرمزي للرجال وأن يبنين هويتهن الخاصة. لقد كانت الهيمنة الذكورية تبدو كسلطة محصنة لا يمكن اختراقها عبر أشكال المقاومات المختلفة لأنها مكون هوياتي جماعاتي معزز بعالم رمزي وطقوسي. وبالتالي فإن تحقيق الانتقال نحو نموذج اجتماعي جديد، حيث النساء مستقلات في بناء هويات نسائية، يمر أولا عبر تفكيك الهيمنة الذكورية.
لقد بدأ الأمر عندما استطاعت النساء الخروج من البيت للعمل خلال المرحلة الرأسمالية. فبالرغم من كونهن كن يتقاضين أجورا منخفضة مقارنة بالذكور، فإنهن استطعن غلى الأقل الخروج من المجال المنزلي. ويمكن القول إن أهم مرحلة في تفكيك الهيمنة الذكورية، تمثلت في الدعوة النسائية إلى التحكم في الإنجاب، “طفل إذا شئت ومتى شئت”[26]. هذه الرغبة في الانفصال عن تعريف النساء بوظيفتهن الإنجابية والاعتراف بهن كذوات مستقلة وبحقهن في تشكيل هوياتهن. هي من وجهت النساء نحو الانتظام في حركات اجتماعية، بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم انتقلت إلى فرنسا ودول أوربية أخرى الى الدرجة التي أصبحت فيها الحركات الاجتماعية النسائية عالمية وكونية من حيت المطالب.
ترفض الحركات النسائية أن يتم تعريف النساء بأدوارهن المنزلية ويتم تمييزهن عن الرجال على أساس بيولوجي أو ثقافي، إنما “تحديد المرأة يجب أن يكون انطلاقا من ذاتها وليس بالنظر إلى أدوارها الاجتماعية وعلاقاتها بالرجل”[27]. في حين سيكون الأمر أكثر راديكالية مع النسوانيات السحاقيات والمثليات اللواتي رفضن أي علاقة بالرجل وتبنين تمثلات مختلفة عن العلاقات بين الجنسين. يعتبر كلود ديبار بأن جيل النساء اللواتي ولدن في الستينات والسبعينات استطعن أن يلجن سوق العمل ويبنين مساراتهن المهنية الخاصة. ويربط ديبار بين الاستقلال الاقتصادي وتحقيق الاستقلال الشخصي. بالإضافة إلى تلك العلاقة التفاعلية بين الذات والغير. كما يعتبر أن أساليب الحياة الخاصة وأشكال الصلات بالرجال قد تبدلت وتبدلت معها التمثلات الاجتماعية للأسرة كذلك. فـــــ”حسب تحقيق يعود تاريخه إلى العام 1994، فإن ثلث النساء بين العشرين والرابعة والعشرين من العمر أعلن بأنهن «يعشن بمفردهن» وقلن أيضا إن «لديهن علاقة غرامية مستقرة» ما يمكن أن يشير أولا، بالنسبة إليهن إلى «العيش ضمن ثنائي». بالنسبة إلى الجيل الثاني من النساء (اللواتي كن في العشرين من العمر في السبعينات والثمانينات)، لم يعد النموذج التقليدي للأسرة (ثنائي متزوج ولديه أطفال) النموذج الوحيد الشائع، ولم يعد معيار الأسرة (الذي يمكن أن يتطور) المعيار الوحيد الممكن. إن نساء (الجيل الثاني) يتزوجن أقل وفي عمر أكبر من أمهاتهن، ويطلقن أكثر منهن، ويعشن بمفردهن أكثر منهن، ويجربن أشكالا جديدة من المساكنة والعلاقة العاطفية والحياة المهنية، وربما شكلا جديدا من «الشكل الهوياتي الجنساني » “[28]. وهو ما يدل على تنوع طرق العيش وأساليب المماثلة مع الذات والغير. ويعتقد “آلان تورين” أن وضع النساء في المجتمع المعاصر ومكانتهن كفاعلات اجتماعيات، قد أدى إلى انقلاب النموذج الثقافي؛ بمعنى تفكك الهيمنة الذكورية والانتقال من “المأسسة” كإطار مرجعي للفكر والممارسة، إلى “اللامأسسة” والتي تعني أن “ما كان مدعوما فيما مضى من قبل المؤسسات انتقل بصورة متزايدة إلى الفرد ذاته. الذي يتولى منذ آنذاك قدره الخاص، في شكل مسارات شخصية”.[29]
ت- سيرورة تفكيك المأسسة الدينية وتنوع المعتقدات الخاصة.
يميز علماء الاجتماع في دراسة “الدين” بين عنصرين أساسيين: المعتقد والممارسة، بحيث يمثل الأول روح الدين (الأفكار، القيم، التشريعات …) أما الممارسة فهي الترجمة الواقعية لروح الدين، إما فرديا أو جماعيا. وسواء تعلق الأمر بدراسة الأديان التوحيدية؛ اليهودية، المسيحية والإسلام. أو غير التوحيدية، مثل (الهندوسية، البوذية، الكونفوشية …) فإنها تنتظم وفق هذا التمييز. وفي تاريخ المجتمعات، التقليدية أو الحديثة على السواء، كان للدين دور في حدوث تغيرات؛ اجتماعية، وثقافية، واقتصادية وسياسية كذلك. وتأثيره هذا يجعله محدد من بين محددات تتدخل في تشكيل الهويات الفردية والجماعية. وسنحاول أن نبين ذلك من خلال عرض بعض التصورات في علم الاجتماع حول تطور الدين والأشكال التدينية، بالتركيز على سيرورة الانتقال من المأسسة إلى اللامأسسة.
خلال أعمال كارل ماركس، لم يكن الدين حاضرا كموضوع رئيسي في تحليلاته، وإنما كانت آراؤه في هذا المستوى، مبنية أو مستمدة من كتابات أخرى حول الدين، أهمها ما كتبه “فيورباخ” الذي يرى أن الدين يتكون ” من أفكار وقيم أنتجها البشر خلال تطورهم الثقافي، ولكنهم أسبغوها على قوى سماوية أو إلهية”[30]. وبالتالي تصبح هذه القيم، دين إلهي متعالي على عالم الإنسان المطالب بالبحث وطلب تلك القيم من جديد. هذه العملية تمثل ” استلاب واغتراب” حسب فيورباخ، أي أن الإنسان مغترب عن الدين الذي أنتجه. ويتفق ماركس مع هذه الفكرة “إذ يرى أن الدين بشكله التقليدي سيختفي بل لابد من أن يختفي؛ نظرا إلى أن القيم الإيجابية التي يمثلها الدين قد تكون نموذجا هاديا لتحسين الأوضاع البشرية على هذه الأرض. وليس لأن هذه المثل والقيم العليا مغلوطة بحد ذاتها وعلينا … أن لا نخشى الآلهة التي صنعناها بأنفسنا، وأن لا تضفي علينا المثل والقيم العليا التي يمكن البشر أنفسهم أن يحققوها”[31].
وبذلك فإن هذا الدين الذي صنعه الإنسان كما يعتقد فيورباخ وبعده ماركس، يصبح سلطة رمزية يستغلها الإنسان نفسه. وهذا ما عبر عنه ماركس بقوله ” «الدين أفيون الشعوب» فالدين يمثل ايديولوجيا قوية إذ أن المعتقدات والقيم الدينية تستخدم في أكثر الأحيان لتبرير جوانب اللامساواة في مجالات الثروة والسلطة. يتفق دوركهايم إلى حد ما مع ماركس في المستوى الإنساني للدين، وأكثر تحديدا فهو مجسد في شكل مجتمع حسب دروكهايم. معلوم أن أعمال دوركهايم، تتأطر ضمن القاعدة التي تقول إن الاجتماعي يفسر بالاجتماعي، وهذا ما سنلاحظه في تفسيراته لنشأة وتطور الدين البدائي والحديث. يؤكد دور كهايم على أن “المجتمع هو مصدر الدين، فالمجتمع من خلال أفراده يخلق الدين عبر تعريفه ظواهر معينة بأنها مقدسة وأخرى مدنسة، يؤدي المقدس إلى سلوك يحتوي على التقديس، الاحترام، الغموض، الرهبة، الشرف، الاحترام، الذي ينسب إلى ظواهر معينة ينقلها من المدنس إلى المقدس”[32]. ويعتقد كذلك أن تطور الدين يتطلب توفر ثلاث عناصر “أولا، تطور نسق من المعتقدات الدينية وتحولها إلى تمثلات جمعية. ثانيا، وجود نسق من الطقوس. ثالثا، يحتاج الدين إلى كنيسة أو مجتمع أخلاقي”[33].
كما درس دوركهايم «الطوطمية» كشكل بدائي للدين، بحيث تتأسس «العشيرة» على الاعتقاد الجماعي في أشياء من الطبيعة (نباتات، حيوانات) وتنتج من خلالها طقوس تدينية ترمز إلى الضمير الجمعي للعشيرة وإلى هويتها الجماعية. على هذا الأساس يكون المجتمع حسب دوركهايم، روح الدين ومأسسته، وبذلك يختلف مع ماركس الذي يعتقد أن المأسسة تستعمل الدين بطريقة سلبية وتؤدي إلى الهيمنة واللامساواة.
لقد أشرنا في سياق حديثنا عن تاريخانية المجتمعات، إلى الدور الذي لعبه الدين المسيحي في شقه البروتستانتي وخصوصا الأخلاق الكالفينية، في تطور النظام الرأسمالي. وعليه، ركزت مقاربة ماكس فيبر في دراسته للدين على علاقته الترابطية بالتغير الاجتماعي.
بحيث إن العمل الجاد والمتفاني هو الممارسة التدينية التي ترضي الله وتجلب السعادة للأفراد. هكذا وجه هذا الاعتقاد الأفراد نحو الادخار من أجل الاستثمار، وبالتالي المساهمة في ازدهار الرأسمالية. ونجاح هذا النمط من الاعتقاد هو ما دفع ماكس فيبر الى دراسة الأديان التوحيدية الأخرى، وغير التوحيدية أيضا. ومدى إمكانية أفكارها وقيمها في إحداث التغير الاجتماعي والاقتصادي. وفيما يخص الأديان الشرقية، خلص فيبر إلى القول ” إنها كانت تنطوي على حواجز عالية تحول دون تنمية الرأسمالية الصناعية التي شهدها الغرب. ولا يعني ذلك أن الحضارات غير الغربية كانت متخلفة بأي وجه من الوجوه، بل يعني ببساطة أنها تحمل منظومات من القيم تختلف عن تلك التي كانت سائدة في أوربا”.[34]
تعكس مقولة Believing without Belonging أي «الإيمان بدون إحالة إلى مرجعية معينة» الانتقال إلى نماذج تدينية فردانية تأخذ بالاعتبار، الرغبات والاختيارات الشخصية، وتتحرر أكثر فأكثر من إلزامية الممارسات التدينية المؤسساتية. وفي دراسة ل”جون ماري دونيغاني” حول؛ الإيديولوجيات و القيم والثقافات رصد انهيارا في ممارسة الشعائر الدينية في صفوف الشباب أقل من 45 سنة خلال مرحلة الستينات، فقد عرفت نسبة حضورهم لقداس الأحد تباينا، بحيث مثلت نسبة 33% في العام 1962، ثم انخفضت النسبة إلى 20% في العام 1966 وانخفضت بشدة أي 2% في العام 1994. إن القداس هو الرابط القوي بين المعتقد والممارسة التدينية، ويتعزز من خلال المواظبة على حضوره. فين حين أن التراجع عن ذلك يضعف ذلك الرابط كما بين دونيغاني. وفي تحليل آخر، اعتمد “ايف لامبير” على ترتيب مؤشرات: العمل، الجيل والحقبة الزمنية، انطلاقا من معطيات متنوعة لبعض البلدان الأوروبية وخلص لامبير إلى “هيمنة كبيرة للتأثير المرتبط بالحقبة الزمنية. لا شك إذن أن انخفاض الممارسة التدينية يؤثر أكثر على من تقل أعمارهم عن 45 سنة في إيطاليا أو في إسبانيا تنتقل من 70 أو 75% من الممارسين في صفوف من هم أكبر سنا إلى 25 أو 30% لدى الأصغر سنا”[35]. يمكن القول إن السن متغير أساسي في فهم وتفسير علاقة الأفراد بالروابط الاجتماعية والمعتقدات الدينية، بحيث إن معارف الشباب وطرق عيشهم وتفكيرهم تختلف أكثر مما تتشابه، مقارنة بالأكبر سنا منهم. وما يلقن للأفراد خلال عملية التنشئة الاجتماعية، هي أشياء قابلة للتعديل أو التحول نهائيا بفعل الأزمات الحياتية التي يمكن أن يتعرضوا لها.
من خلال بحث آخر أجراه “دونيغاني” عبر تقنية المقابلة، خلص من بين نتائجه إلى وجود “مراكز إنتاج رمزي عديدة تبرز هويات دينية متنوعة”[36]. سيحال الشأن الديني إلى الأفراد نفسهم، بعدما كانت الكنيسة تفرض نفسها كمصدر وحيد للمعرفة والهوية الدينية. وسيبرز دونيغاني هذا التحول إلى تعددية المعتقدات الخاصة، عبر استخراج العناصر الذاتية في الاعتقاد الديني الكاثوليكي، وهي “ستة نماذج وتخص؛ ثلاثة منها أولئك الذين يقولون بأنهم «يجعلون الدين مركزيا في حياتهم» وثلاثة أخرى تخص من يعتبرون الدين مرجعية من بين مرجعات أخرى. واحد فقط من هذه النماذج ويمثل أقلية، يمكن اعتباره «تقليديا» بمعنى يجمع بين ممارسة منتظمة إلزامية وانضواء عقائدي «مركب». بينما جميع المجيبين الذين لا يتبنون هذا النموذج (بمعنى الأغلبية) صرحوا بكيفية أو بأخرى بأنهم «يعطون أهمية لضميرهم أكثر مما يأخذون بمواقف الكنيسة فيما يخص اختياراتهم في الحياة». لقد تخصخص الديني إذن، فقدت المؤسسة الدينية شرعيتها”[37].
ومنه، يمكن القول بأن تراجع الديني وتفكيك المؤسسات الحاضنة له، لصالح الفردي، هو جزء من سيرورة تفكيكية عمومية ومستمرة، عرفتها المجتمعات الغربية في جميع المجالات. كانت بمثابة ثورة على كل ما من شأنه أن يسيج حرية الأفكار والأفعال الفردية. إنه انتقال من الصلابة نحو السيولة بتعبير زيغموندباومان، حيث كل شيء قابل للتغيير انطلاقا من طرق العيش اليومية (الأكل، اللباس، الاحتفالات…) وصولا إلى المعتقدات والهويات. وطبعا، فإن تفكك المؤسسات لا يعني موتها كليا وانسحابها من «صراع الحقول» بمفهوم بيير بورديو، بل هو انسحاب للفرد منها تنظيميا وتعريفيا. وبالتالي أصبح مجال الصراع مفتوحا ومكشوفا أمام الفاعلين واستراتيجياتهم المختلفة. لكن في الوقت نفسه، يبقى اللايقين الدائم الذي يميز الحياة المعاصرة حاضرا في مجال الصراع؛ إذ يمكن أن يعود الديني من جديد في بعض الأحيان، إما منظما في جماعات أو حركات دينية أصولية كانت قد فقدت قوتها وتأثيرها، فتدعم ثقافيا أو سياسيا بالخصوص. أو تكون العودة للديني شأنا فرديا في شكل حنين للماضي. كما تتغير علاقة المماثلة بين الذات والغير في إطار المطالبات الحقوقية للأقليات، بحيث تصبح تعارضية أكثر. ويمكن التمييز في إطارها بين نموذجين من المقاومة؛ نموذج داخلي وآخر خارجي أو هما معا في بعض الأحيان. في الأول، نتحدث عن مطالبات بحقوق ثقافية واجتماعية من داخل نفس الثقافة المجتمعية؛ ففي إطار التغيرات الاجتماعية العامة، يسعى الأفراد إلى بناء ذواتهم واستقلاليتهم عن الآخرين. وبالتالي فالجواب على سؤال، من أنا؟ لا يعني بالضرورة جواب أو تعريف واحد ووحيد، بل متعدد بتعدد إمكانيات الاختيار التي تتيحها الحياة المعاصرة ويعززها مفهوم “الإنسان المتعدد” حسب برنار لايير. أما في النموذج الخارجي، فنكون أمام شكلين ثقافيين مختلفين ومتعارضين في الغالب. وتمثل الهجرة مثالا على هذا النموذج، بالنظر للصعوبات التي تواجهها الأقليات في الاندماج، بفعل عدم الاعتراف بها كأقليات وبحقها في الاختلاف عن الثقافة الشاملة للمجتمع المستقطب، وعن الهويات المشرعنة. وانطلاقا من هذه الأخيرة تعود الهويات المترسبة الأقلوية كرد فعل مضاد وتعزز الارتباط بالوعي الجمعي. لكن هذا الترابط القوي بين الجماعة وهويتها الصلبة، قد يساهم في خلق أزمات هوياتية من داخل الجماعة نفسها، خصوصا في أوساط الشباب الذين ولدوا وولجوا التعليم بدول مستقطبة،فهؤلاء الشباب يلاحظون يوما بعد يوم التعارضات القائمة بين هوية جماعية وهويات فردية متعددة ودينامية. وبالتالي يكونون أكثر عرضة للأزمات الحياتية ولتبني أنماط عيش جديدة، ومن تم هوية ذاتية، لكن هذا البناء ليس بالسهل غالبا.
4 – المجتمع الشبكي وتشكيل الهويات الفردية.
يتفق العديد من علماء الاجتماع المعاصرين على أن العيش في الحياة المعاصرة يختلف كليا عن الأنماط الحياتية السابقة عليها، سواء تعلق الأمر بالمجتمعات البدائية الأولية، الزراعية أو المجتمعات الإقطاعية، ثم المجتمعات الصناعية إلى مرحلة المجتمعات الرأسمالية المعلوماتية. كما واكب هذا الانتقال من نموذج مجتمعي إلى آخر انتقال على مستوى القضايا أساسا. وبالتالي، فإن قضايا مثل: الصراع الطبقي والقضايا السياسية للدول القومية والتي كانت تأخذ الشكل الجماعاتي والمجتمعي، تراجعت أكثر فأكثر لصالح قضايا خاصة؛ فردية. إنه انتقال من عالم الجماعة والمجتمع إلى عالم الفرد الذي سيتجه إلى إعادة بناء علاقته بذاته وبالغير.
لا شك أنها عملية في غاية الصعوبة في ظل السياق الحالي حيث اللايقين واللاثبات والغموض سمات مميزة لحياة الأفراد، على الرغم من كون الحياة اليومية والخاصة للأفراد أصبحت أكثر وضوحا أو بالأحرى، يتم عرضها ومشاركتها مع الآخرين. فهل تعكس هذه السيولة على مستوى الحياة الخاصة للأفراد تراجعا للمعنى؟ أم أن الأمر يتعلق فقط بتعدد الأنماط الحياتية الفردية نتيجة تفكيك الجماعي؟ أو هي نتيجة مباشرة لشكل مجتمعي جديد؛ افتراضي أكثر منه واقعي؟
أ- سيرورة بروز المجتمع الشبكي.
جدير بالذكر أن العولمة مثلت التغيير الأعظم في جميع المجتمعات. فمن جهة غيرت مورفولوجيتها الاجتماعية، ومن جهة أخرى، فرضت تغييرا على مستوى الروابط والقيم الاجتماعية والأخلاقية، وتعددا على مستوى مصادر بناء الحياة الفردية كذلك. فكيف ذلك؟
كان بروز وسائل الإعلام الحديثة ثورة في مجال تقنيات الاتصال والتواصل، وأولى ملامح تشكيل براديغم مجتمعي جديد. فمن خلال التطور الذي ستعرفه وسائل الإعلام الجماهيري، أي كثافة إنتاج المعلومات، سيحصل تعارض ما بين مجال التدفقات هذا، ومجال الأماكن وفي النهاية تفكيك هذا الأخير. تتضح الصورة أكثر بالعودة إلى مفهوم “المجال العام” عند يورغن هابرماس الذي درس نشأته وتطوره في المجتمعات الغربية، ويمثل في نظره “حلبة النقاش العام، التي تدور فيها المساجلات، وتتشكل فيها الآراء والمواقف حول القضايا التي تجسد اهتمامات الناس وهمومهم”[38]. لقد كان النقاش يتم في أماكن عامة؛ الصالونات، المقاهي والساحات العامة. ويشمل قضايا المجتمع والاقتصاد والسياسة. فيدلي كل فرد بآرائه ومواقفه فيها، وهذا النقاش هو في حد ذاته تمرس على الفكر النقدي. لكن المجال العام سيبدأ في التفكك شيئا فشيئا، وسينحصر معه النقاش العام، نتيجة التطور الكبير في وسائل الإعلام وقوتها الإنتاجية للمحتويات والبرامج.
وبالتالي، فإن ما كان يناقش في المجال العام ومن قبل نخبة معينة، أصبح بفضل البرامج التلفزيونية، يصل إلى عموم الجماهير في الوقت نفسه. وهو ما اعتبره هابرماس ومدرسة فرانكفورت من قبله أمرا سلبيا وتقويض لقدرات الأفراد على اكتساب الفكر النقدي المستقل. وفي نفس الاتجاه يتحدث جان بوديار عن التأثيرات التي أحدثتها وسائل الإعلام الحديثة في أنماط الحياة. فهو يعتبر أن لدى التلفاز قوة تأثير كبرى بفعل الكم المعلوماتي المنقول إلى العالم بأسره “إن التلفاز لا يعرض لنا العالم أو يعكسه أو يمثله، بل إنه أصبح بصورة متزايدة «يحدد» ويعيد تعريف ماهية العالم الذي نعيش فيه”[39]. يقول بوديار، وهو بذلك يعتبر بأن الضخامة على مستوى إنتاج المعلومات عوضت الواقع الحقيقي بواقع مفرط فاقد للمعنى. وعلى عكس هذه الآراء التي تتفق على أن وسائل الإعلام الحديثة خلقت أفرادا سلبيين، يعتبر تومسون أنها على العكس مما قيل قد خلقت تعددا وتنوعا كبيرين على مستوى المعلومات، بالشكل الذي لم يكن متاحا في الماضي، ويقول “إن الأفراد يناقشون رسائل وسائل الإعلام عند استقبالهم لها، ويحولونها فور ذلك خلال سردهم وإعادة سردهم لها وتفسيرها وإعادة تفسيرها والتعقيب عليها والسخرية منها وانتقادها. إن امتلاكنا هذه الرسائل وإدماجها في حياتنا يجعلنا قادرين على تنمية مهاراتنا ومخزوننا المعرفي وإعادة تشكيله ثم اختيار مشاعرنا وأذواقنا وتوسيع آفاق تجربتنا الحياتية”[40].
وعليه فرغم اختلاف الآراء حول وسائلا الإعلام الحديثة، فإن هناك اتفاق على وجود ترابط بين الإعلام والتغير الاجتماعي، كيفما كان شكله؛ سلبيا أو إيجابيا. والطابع المرن للعولمة يجعل شكلها وقوة تأثيرها في الافراد في تزايد وتسارع مستمر. فبعد التلفزيون يأتي الدور على الانترنيت في بداية التسعينات من القرن الماضي. وكانت محصورة في البداية على المجال المؤسساتي العسكري والاقتصادي للدولة لزيادة قوتها، ولم تكن متاحة لجميع الأفراد. بعدها، ستعرف انتشارا واسعا داخل الأوساط الأكاديمية والعلمية، كوسيلة للبحث العلمي. ثم انتقلت للاستخدامات الفردية بعد ذلك. ” وتمثل الإنترنت من وجهة نظر العلوم الاجتماعية عموما مكتبة عالمية فورية تتعدد فيها وسائل الاتصال ومجالات الأخبار. وغدا بوسع الأفراد والمؤسسات اليوم أن يستخدموا «المستكشف » أو«المتصفح » الإلكتروني للوصول إلى أية معلومات متاحة على مخزون الانترنيت المتجدد من النصوص والصور والوثائق والبرامج في المجالات التعليمية، والاقتصادية، والسياسية، والروحية، والترفيهية”[41].
سيقود هذا السياق الدينامي إلى مزيد من التطور التقاني وفق إيقاع سريع جدا. مما سيؤدي إلى إعادة تشكيل الأسس المادية للمجتمع، عبر براديغم جديد أساسه “الشبكة”، وعليه ننتقل إلى”مجتمع الشبكات”. إنه نموذج تنظيمي جديد، يتحدد بالتعارض مع المجال الواقعي والزمن الواقعي، فمجال المجتمع الشبكي هو «مجال التدفقات»، بحيث “تتحول تجربة الزمان والمكان إلى «زمن لا زمني» وإلى «مكان للتدفقات»[42]“. إنها خصائص تعبر عن ثقافة الواقع الافتراضي حسب مانويل كاسلتر.
ب- بين الشبكة والهوية:
في سياق مست فيه الثورة التقانية مظاهر الوجود الإنساني، أعاد المجتمع الشبكي طرح الكوجيطو الديكارتي بصيغة جديدة. فالتساؤل حول “الذات” يفرض نفسه الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن مفاهيم مثل الثبات واليقين لم تعد إمكانية استمراريتها أو أعادة إنتاجها ممكنة. لقد تفككت بواسطة الشبكة.
فقد أصبحت العلاقة بين الذات والشبكة متباينة. بحيث تميل إلى التعارض أو متعارضة كليا، في حالة الذات الجماعية. في حين تصبح العلاقة أقل تعارضا أو يمكن القول إنها “مصلحية” في حالة الذات الفردية، حسب الوضعيات واستراتيجيات الفاعلين كذلك.
ويعتقد مانويل كاستلز أن الهويات اتخذت أشكال مختلفة لمقاومة المد الجارف للثورة التقانية، وسيفسر علاقة التقابل بين الهوية والشبكة بالقول: ” في عالم تدفقات الثروة والسلطة والصور العالمية يصبح البحث عن الهوية فردية أكانت أم جماعية، مسندة أم مكتسبة، المصدر الأساس للمعنى الاجتماعي … تصبح الهوية المصدر الأساس وأحيانا الوحيد للمعنى في فترة تاريخية تتسم بتدمير شامل للمنظمات ونزع شامل لشرعية المؤسسات واندثار أهم الحركات الاجتماعية والتعبيرات الثقافية سريعة الزوال وما عاد الناس يؤسسون المعنى استنادا الى ما يفعلونه بل اعتمادا على ما هم عليه أو ما يظنون أنهم عليه … مجتمعاتنا تتخذ على نحو متزايد بنية قائمة على تقابل ثنائي بين الشبكة والذات.”[43]
بالعودة إلى مجتمعات ما قبل الشبكة نعثر على هيمنة كلية للأشكال الهوياتية الجماعية وما يرتبط بها من أشكال السلطة. فكانت تحافظ على وجودها وتعيد إنتاج نفسها بعيدا عن الآخر مصدر التهديد الخارجي. لكن ستتراجع هذه الهيمنة وتتفكك الأشكال الهوياتية الجماعية، في مقابل بروز أشكال هوياتية فردية بفعل السيرورة التفكيكية التي تحدثتا عنها سابقا. لكن مع المجتمع الشبكي ستعود أشكال “نحن” قديمة للظهور كرد فعل دفاعي تجاه هذا البراديغم المعلوماتي الذي يتنافى مع التقليد ويفرض تداخل المحلي بالعالمي. إنه التهديد الحقيقي لوجودها واستمراريتها. وستتميز هذه المرحلة حسب مانويل كاستلز بـ ” الصعود واسع النطاق للتعبيرات القوية عن الهوية الجماعية والتي تتحدى العولمة العالمية لمصلحة التفرد الثقافي وسيطرة الناس على حياتهم وببيئتهم،[44] هذه الهويات الجماعية هي هويات أقلوية؛ إثنية ودينية. وتشكل بمفهوم كاستلز هويات مقاومة لأشكال التغيير الذي يستهدف حياة الأفراد داخل الجماعة؛ طرق عيشهم وتفكيرهم ورؤيتهم لذواتهم والعالم. في هذا المستوى إذن تتعارض خصائص الشبكة كمجال افتراضي، كوني، لازماني ولا مكاني، مع قيم وروابط الجماعة حيث الزمان والمكان محددان أساسيان للمجال الاجتماعي والرمزي.
يتعلق المستوى الثاني من العلاقة بين الشبكة والهوية بتشكيل الهويات الفردية. بمعنى هل تتيح الشبكات إمكانية الانتقال الهوياتي للأفراد؟
تكشف دينامية العلاقة التاريخية بين الفرد والمجتمع، سيرورة استقلالية الفرد ودفاعه عن حقه في بناء “الذات”. بمعنى كيف انتقل الأفراد من هيمنة الأشكال الجماعاتية والمجتمعية، حيث الأفراد يؤدون أدوارا تخدم المشترك وتعزز الهوية الجماعية، إلى أشكال فردانية وفردية، حيث الفرد هو المسؤول عن آرائه وتصوراته ومعتقداته وممارساته دون تدخل خارجي. فبين الفرد والجماعة حصلت “خلافات ضمن-مجتمعية، تبدو في تصور توتر أبدي وهوة لا قرار لها بين «العالم الداخلي» للفرد وبين «العالم الخارجي» للمجتمع”[45]. وبالتالي “تصبح الذات مشروعا انعكاسيا مرنا”[46]. سيضمن المجتمع الشبكي استمرارية هذه السيرورة والاستقلالية للأفراد من خلال ما سيتيحه لهم من إمكانيات متعددة لذواتهم وهوياتهم. يقول كاستلز “تقوم الشبكات بدور حراس البوابات، وتوفر الشبكة في داخلها عددا كبيرا من الفرص ما يجعل الحياة خارجها عسيرة”[47].لا يشترط في من يتواجدوا بالشبكات الانتماء إلى طبقة أو إثنية معينة، أو التقيد بالزمكان، بل رهين فقط برغبة الأفراد في التواجد أو عدم التواجد بالشبكة. وله علاقة أيضا بالعالم الواقعي وتأثيره على استقلالية السلوكات الفردية. وبالتالي يصبح الحضور الافتراضي والتفاعلات أكثر كثافة، ما يؤثر على تمثلات الأفراد للعالم الواقعي والقيم والروابط الاجتماعية، بحيث يصبحون أكثر قربا من الافتراضي وأكثر بعدا من الواقعي، وهكذا يصبح القرب من الشيء أو البعد عنه مؤشر على التغيير؛ تغير الأذواق والتصورات وطرق العيش والهويات كذلك، من خلال دراستها للمجال الاجتماعي للبيئات الإلكترونية، خلصت “شيري توركل” إلى القول إنه من خلال شبكة الإنترنت ” تبنى الذات وتبنى قواعد التفاعل الاجتماعي ولا تتلقى تلقيا. فحين نستخدم شبكة الإنترنت يعني أننا نبتدع ذواتنا على نحو متواصل…فأنت ما تزعم أنك عليه… وهويتك على الحاسوب هي حصيلة حضورك المشتت…ذلك أن هويتك شديدة السيولة والتعدد إلى الدرجة التي تجعل مفهوم الهوية ذا حدود فضفاضة”[48].
وبذلك توفر الشبكة إمكانية الانتقال الهوياتي الافتراضي ليس فقط من هويات جماعية إلى هويات فردية، بل حتى من داخل هذه الأخيرة نفسها. لكن على المستوى الواقعي تكون هذه العملية صعبة نوعا ما. ومنه نتساءل:
هل الهويات الافتراضية تتشكل كهويات “أنا” مقاومة لهويات “نحن”؟ وهل تبقي على نفسها في العالم الافتراضي، أم تسعى إلى نقل وجودها الى العالم الواقعي وفرض الاعتراف بها؟
لقد أتاح العالم الافتراضي إمكانيات متعددة للأفراد لاكتشاف الذات وميولاتها وإعادة بناء هذه الذات. يمكن أن يتحول الشخص من متدين إلى لا متدين أو العكس، ومن إسم إلى إسم آخر، ويمكن أن يتحول من “هو” إلى “هي” أو من “هي” إلى “هو”. فما كان محظورا اجتماعيا وواقعيا، هو ممكن ومرغوب فيه افتراضيا. أما على المستوى الواقعي، الأمر مختلف ومعقد نوعا ما لأن ” التحول إلى شخص آخر” بمعنى تغيير الثقافة، والدين، والحزب، أو المعتقدات، وبالتالي تغيير الهوية، غالبا ما يكون انتقالا صعبا وحساسا ومؤلما، ولكنه أيضا تجربة “ضرورية”. إن هذا الخروج من الأزمة هو بمثابة “تحول للذات”[49] بين الشكل الهوياتي القديم والشكل الهوياتي الجديد توجد منطقة وسطى محايدة “منطقة عازلة للمعنى”. هذه المنطقة قد تحول دون حدوث التحول. وبالتالي، فإن النجاح في الخروج من منطقة الفراغ، هو نجاح في التحول إلى شكل هوياتي جديد. وعدم النجاح في ذلك يكون سببه عدم قدرة الشخص على التعامل مع الأزمات التي تنتج عن التداخل ما بين العوامل النفسية الداخلية للفرد، والعوامل الخارجية للمجتمع. بالإضافة إلى أن الهويات الجماعية تحصن نفسها من خلال “الهابتيس” الذي يعمل كرد فعل دفاعي للضمير الاخلاقي الجماعي.
خاتـمــــــة:
يمكن القول إن التداخل بين مفهوم ” الفرد” الذي تم التأصيل له فلسفيا، كـ”ذات” تسعى لبناء استقلاليتها ووجودها الخاص. وترفض أن تعرف بتبعيتها لـ ” نحن” كيفما كان شكلها أو وظيفتها، ذات لا تنفي وجود الغير، بل تؤسس لعلاقة وجودية جديدة. وبين مفهوم ما بعد حداثي ل”الفرد” يعطيه دانيلو مارطوتشيللي في كتابه: «Grammaires de L’individu»معنى أنه “IndividuBricoleur” أي فرد يحاول التوفيق بين تعدد طرق العيش والوجود، وبين الرغبة في بناء الذات في عالم الاستهلاك المفرط واللايقين. هو تداخل يغني المفهوم وما يرتبط به من قضايا كذلك.
قائمة المراجع:
- -أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة، فايز الصباغ، المنظمة العربية للترجمة، ط. 4، 2005.
- بارني، المجتمع الشبكي، ترجمة، أنور الجمعاوي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015.
- -نوربرت إلياس، مجتمع الأفراد، ترجمة، هاني صالح، دار الحوار للنشر والتوزيع، 2014.
- -زيغموندباومان، الحداثة السائلة، ترجمة، حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016.
- -عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، مركز دراسات الوحدة العربية، 2017.
- -آلان تورين، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة، ترجمة، جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة، 2011.
- -Claude Dubar, La Crise des Identités; L’interprétation d’une Mutation, Presses universitaires de France, 2000.
- -F. Norbert Elias, La société de cour, Paris, Calmann-Lévy, 1974
- -F. Françoise Héritier, l’identité samo, in Claude Lévistouss, séminaire au collège de France, Paris, puf, 1977.
- -Danilo Martuccelli, Grammaires de l’individu, Ed, Gallimard, 2000.
- https://www.ted.com/talks/sherry_turkle_alone_together/transcript?utm_content=addthis-custom&utm_campaign=&awesm=on.ted.com_iDAs&source=twitter&utm_source=rebelmouse.com&utm_medium=on.ted.com-twitter&language=ar
[1]-Claude Dubar, La Crise des Identités; L’interprétation d’une Mutation, Presses universitaires de France, 2000, p. 2.
[2]-Ibid, p. 3
[3]-Ibid, p. 3.
[4] – Alex Mucchelli. L’identité. Que sais-je? Mai 2013. P 7-8 .
[5]– Claude Dubar, op. cit, p. 18
6-نوربرت إلياس، مجتمع الأفراد، ترجمة، هاني صالح، دار الحوار للنشر والتوزيع، 2014، ص. 236-237
[7]-C.F. Françoise Héritier, l’identité samo, in Claude Lévistouss, séminaire au collège de France, Paris.
8-Claude Dubar, op. cit, p. 20-21.
[9]-C.F. Norbert Elias, La société de cour, Paris, Calmann-Lévy, 1974.
[10]-Claude Dubar, op. cit, p. 32.
[11]-Claude Dubar, op. cit, p. 35.
[12]-Ibid, p. 36.
[13]-Ibid, p. 36.
[14]-ورد في كتاب، عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، مركز دراسات الوحدة العربية، 2017، ص 32.
[15]-المرجع نفسه، ص34.
[16]-Claude Dubar, op. cit, p. 40.
[17]-عبد الغني عماد، مرجع سبق ذكره، ص 37.
[18]-دارن بارني، المجتمع الشبكي، ترجمة، أنور الجمعاوي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص. 16-17.
[19]-آلان تورين، نقد الحداثة، ترجمة، أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، 1997، ص. 237.
[20]– لمزيد من التفاصيل حول مفهوم الذات-الفاعلة يمكن العودة لكتاب، آلان تورين، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة، ترجمة، جورج سليمان،
المنظمة العربية للترجمة، 2011.
[21]– عبد الغني عماد، مرجع سبق ذكره، ص. 172-173.
[22]– زيغموند باومان، الحداثة السائلة، ترجمة، حجاج أبو جبر، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2016، ص 27.
[23]-Claude Dubar, op. cit, p 9.
[24]-Danilo Martuccelli, op. cit, p 346
[25]– ورد في كتاب، أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة، فايز الصباغ، المنظمة العربية للترجمة، ط. 4، 2005، ص 192.
[26]– الان تورين، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة، جورج سليمان، المنظمة العربية للترجمة، 2011، ص 318.
[27]– المرجع نفسه، ص 327.
[28]-Claude Dubar, op. cit, p. 66.
[29]-Danilo Martuccelli, op. cit, p 348.
[30]-ورد في كتاب، أنتوني غدنز، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص 579.
[31]– المرجع نفسه، ص580.
[32]-عبد الغني عماد، سوسيولوجيا الهوية؛ جدليات الوعي والتفكك وإعادة البناء، مرجع سبق ذكره، ص. 82.
[33]– المرجع نفسه، ص. 83.
[34]-أنتوني غدنز، علم الاجتماع، مرجع سبق ذكره، ص. 583.
[35]-Claude Dubar, op. cit, p. 131.
[36]-Ibid, p. 132.
[37]-Ibid, p. 132.
[38]– أنتوني غدنز، علم الاجتماع، ترجمة، فايز الصباغ، المنظمة العربية للترجمة، ط. 4، 2005. ص 511-512.
[39] – المرجع نفسه، ص512.
[40]– المرجع نفسه، ص 516.
[41]– المرجع نفسه، ص 523.
[42]– دارن بارني، المجتمع الشبكي، ترجمة، أنور الجمعاوي، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015، ص. 33.
[43]– المرجع نفسه، ص.157.
[44]– المرجع نفسه، ص 158.
[45]– نوربرت إلياس، مجتمع الأفراد، ترجمة، هاني صالح، دار الحوار للنشر والتوزيع، 2014،ص 178.
[46]– دارن بارني، المجتمع الشبكي ، مرجع سبق ذكره، ص 168.
[47]– المرجع نفسه، ص35.
[48]– https://www.ted.com/talks/sherry_turkle_alone_together/transcript?utm_content=addthis-custom&utm_campaign=&awesm=on.ted.com_iDAs&source=twitter&utm_source=rebelmouse.com&utm_medium=on.ted.com-twitter&language=ar.
[49]– Claude Dubar, op. cit, p. 171.