نحو علاقة تربوية راشدة بين أطراف العملية التعليمية: تحديد الأدوار والمسؤوليات
Towards an optimal educational relationship among stakeholders of the educational process: Defining roles and responsibilities
د. حفيظ غياط/وزارة التربية الوطنية، أكاديمية الرباط، سلا، القنيطرة، المغرب
Pr. Hafid RHIAT/ Ministry of National Education /Kénitra/ Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 83 الصفحة 85.
ملخص:تهدف هذه الورقة البحثية إلى التحسيس بخطورة تأزم العلاقات التربوية بين أطراف العملية التربوية، مقتصرة في هذا السياق على طرفي العملية التربوية المباشرين (المدرس والتلميذ)، وما يطبعها من مظاهر التوتر والعنف، الذي بات يشكل تهديداً حقيقيا لمنظومة القيم التربوية في المجتمع. ولمقاربة هذا الموضوع حاول هذا المقال الإشارة إلى بعض مظاهر هذا التدهور في العلاقة بين الطرفين، مذكراً بأهم الأسباب التي أدت إليه، مع التركيز على ضرورة مساهمة الجميع في إيجاد حلول تربوية لهذه المشكلة المجتمعية، من مدخل تحديد دور ومسؤولية كل طرف.
الكلمات مفتاحية: مسؤولية – علاقة تربوية تعليمية – العنف- مدرس- تلميذ
Abstract :
This research paper aims to raise awareness about the seriousness of the crisis of relations among the main stakeholders of the educational process, in particular between teachers and students. Aspects of tension and violence have become a real threat to the system of educational values in society. In order to approach this issue, this article has attempted to point out some of these aspects and highlight their most important underlying causes. It also emphasizes the need for everyone to contribute to finding educational solutions to this societal problem, on the basis of defining the roles and responsibilities of each party.
Keywords: responsibility – educational relationship – violence – teacher – student.
مقدمة:
لا يمكن لمن يتابع الواقع التربوي في العصر الحديث ألا يتنبه إلى مستوى التدهور الشديد الذي آلت إليه العلاقات الإنسانية في أبعادها المختلفة، داخل الأسرة والمدرسة وسائر مناحي الحياة الاجتماعية، نتيجة هيمنة النزوعات الأنانية والقيم المادية، والتي ساهمت إلى حد بعيد في رسم خريطة القيم بملامح جديدة، مصبوغة بصبغة تتجاوز الحدود، وتتحدى الخصوصيات الثقافية والحضارية للمجتمعات، فكل أنواع العلاقات في واقعنا المعاصر تعاني أزمة حادة في التواصل.
ومن ضمن هذه العلاقات التي تأثرت كثيرا بهذا الواقع العام-العلاقة التربوية بين الأستاذ والتلميذ داخل الوسط المدرسي- كانعكاس طبيعي للقيم السائدة في المجتمع، ومن ثم لا يليق أبدا أن نقارب هذا الموضوع مبثورا عن سياقه الاجتماعي الذي تخلَّق في رحمه، وتشكل في أجوائه، الأمر الذي يؤكد المسؤولية المشتركة بين جميع الأطراف في تدهور هذه العلاقة وتدنيها.
ويهدف هذا المقال -في هذا السياق التربوي المتأزم- إلى المساهمة في إبداء الرأي في هذه القضية التي باتت تستأثر باهتمام الخاص والعام، وتثير قلقا كبيرا في أوساط المجتمع، ألا وهي: إشكالية تأزم العلاقة التربوية بين الأستاذ والتلميذ وترديها، وما نتج عن ذلك من نتائج خطيرة تهدد المنظومة التربوية برمتها، من خلال الإشارة إلى بعض مظاهر هذا التدهور في العلاقة بين الطرفين، والتذكير بأهم الأسباب التي أدت إليها، كل ذلك على سبيل الاختصار والتركيز، لأن القصد من هذه الورقة البحثية بالدرجة الأولى هو المساهمة في إيجاد حلول تربوية لهذه المشكلة، من مدخل تحديد الأدوار والمسؤوليات. حيث يحتاج الأمر إلى نقاش عميق ومسؤول وعاجل، يشارك فيه الجميع، لأنه يهم الجميع، ويكتوي بناره الجميع. فنحن اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى ضرورة الوقوف بحزم كبير لمعالجة أسباب هذه الظاهرة، وإيجاد الحلول الناجعة لها، وتعبئة كل الأطراف المسؤولة -عن هذا الوضع المتردي- لتحمل المسؤولية قبل فوات الأوان.
إن سبب اقصارنا على العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، من بين أطراف العملية التربوية، فلكونها تمثل الجانب الأكثر بروزاً ضمن جوانب العلاقات التربوية الأخرى، لكنها لا تنفصل عنها، بل هي شديدة التأثر بها إيجابا وسلباً، كما سيأتي بيانه عند تحديد الأدوار والمسؤوليات.
ولعل من أهم دوافع اختياري لهذا الموضوع، هو ما تراكم لدي من ملاحظات ومشاهدات -طيلة سنوات ممارستي المهنية -حيث وقعت تغيرات كبيرة على طبيعة هذه العلاقة، خصوصا في هذه السنوات الأخيرة، عندما انتشر العنف بكل أنواعه بين الطرفين، فاستفحل الأمر وتفاقم إلى درجة أنه صار ظاهرة أثارت اهتمام الجميع، وأصبحت تمثل تحديا مستمرا لمنظومة القيم التربوية في المجتمع.
وسأتناول في هذا المقال الحديث عن العلاقة التربوية بين المدرس والتلميذ، من خلال: مقدمة ومبحثين يتضمن كل منهما عدة مطالب، وخاتمة، كما يلي:
المقدمة: وقد بين فيها، أهمية الموضوع وإشكاليته، والهدف منه، وأسباب اختياره، والمنهج المتبع في معالجته.
المبحث الأول: واقع العلاقة التربوية بين أطراف العملية التعليمية: المظاهر والأسباب
المبحث الثاني: ترشيد العلاقة التربوية بين أطراف العملية التعليمية رهين بتحديد الأدوار والمسؤوليات
وخاتمة: تتضمن أهم الفوائد والتوصيات
المبحث الأول: واقع العلاقة التربوية بين أطراف العملية التعليمية: المظاهر والأسباب
المطلب الأول: مظاهر تدهور علاقة الأستاذ بالتلميذ
إن ما يؤكد هذا الحكم بتدهور العلاقة بين الأستاذ والتلميذ واستفحالها، ما يعج به واقعنا اليومي من أحداث ووقائع صادمة آل إليها واقعنا التربوي التعليمي، فبين الفينة والأخرى تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بخبر لحادث مؤلم، يكون فيه الفاعل أو المفعول به، أحد طرفي العملية التربوية/الأستاذ أو التلميذ، ذلك أنهما أبرز أركان العملية التربوية وأساس نجاحها، إذ يمثلان معا العنصر البشري الفاعل والمؤثر ضمن العناصر المكونة لهذا الصرح، وسواء كان عنصرا هذه الثنائية هما: الأستاذ والتلميذ، أو المعلم والمتعلم، أو المربِي والمربَّى أو الأب وأولاده فإن كل هذه الصيغ والتعابير – المتداولة – تشير إلى حقيقة واضحة، هي أنها علاقة إنسانية فريدة وسامية تتجاوز الزمان والمكان لتمتد بعيدا في أثرها، متجاوزة كل الحدود الوهمية. وكل اضطراب في هذه العلاقة ينذر بفشل ذريع للممارسة التربوية التعليمية، ويضيِّع قيمتها العظيمة، ويفسد مخرجاتها وثمارها العاجلة والآجلة.
لقد تدهورت العلاقة بين هذين الطرفين إلى حد بعيد جعل الهوة بينهما شاسعة، حيث غاب حضور الإنسان فيهما معا، فكان ما كان من العقوق والعصيان المجانب لحقيقة البر والإحسان.
وقد اتخذ هذا العنف[1]المتبادل بين الأستاذ والتلميذ أشكالا وصورا شتى، تدل جميعها على ما أصاب منظومة القيم من تصدعات، أفقدتها التوازن في جميع أطرافها وجوانبها. وإنه لمن المؤسف حقا ما نعاينه وما نسمعه في الأوساط التربوية من انتشار متصاعد لظاهرة العنف المدرسي عموما، والعنف بين الأستاذ والتلميذ على وجه خاص، حيث تفيد التقارير[2] ارتفاع نسب العنف بين الطرفين بشكل مقلق، سواء داخل الفصل الدراسي أو المؤسسة التعليمية، أو حتى خارج أسوارهما.
وقد تعددت أشكال هذا العنف وصوره بين العنف اللفظي والنفسي (كالسب والشتم والتسفيه والتجريح والتهكم والتحقير الإهانة والإذلال النفسي…)، إلى العنف الجسدي ( كالضرب والجرح) المسبب للإعاقة البدنية، أو حتى الاضطرابات النفسية والعقلية، وقد تطور الأمر في أحيان كثيرة إلى القتل العمد الذي يعتبر ثمرة مرة الطعم لتأزم العلاقة واضطرابها، بل وانقطاع حبلها.
لقد ألحق هذا الوضع المختل – في العلاقة بين الطرفين- وهناً شديداً، وضعفا كبيراً بالجسم التربوي، جعل العملية التعليمية والتربوية شكلا بلا روح، عندما غابت عنها الأبعاد الإنسانية الراقية، يقول الدكتور مازن الحلبي: “لاحظت على مدى ما يقرب من عشرين عامًا كنت فيها طالبًا ومدرسًا، مدى الاستجابة الكبيرة لتلقي العلم حينما تكون علاقة الطالب بمدرسه طيبة، بينما النقيض من ذلك يؤدي إلى سوء الفهم، وكذلك التحصيل، وبالتالي تدهور نتيجة الامتحانات. إن الطالب القريب نفسيًا من المدرس يشبه الفراشة الحرة، يكون قادرا على امتصاص رحيق العلم، يسأل ويستفسر في أدق الأمور، فينفذ بذلك إلى أغوار العلم ينهل منها قدر طاقته. على الجانب الأخر حينما يكون المدرس لغزاً، يخشاه الطالب ويتجنبه، لاستهجان المدرس لأسئلة الطالب أو ادعاء عدم فهم الطالب، يضع المدرس قيداً حديديًا على عقل الطالب فيشل تفكيره لأنه يتحرك في دائرة تكاد تكون مغلقة”[3].
لقد أثمر سوء العلاقة نفورا وكرها عند الكثير من التلاميذ للمدرسة، حيث ارتبطت عندهم بذكريات سيئة مؤلمة منذ مراحل التمدرس الأولى، بسبب عقاب المعلم، كما صار العمل بوظيفة التدريس مسكونا بهواجس مثبطة لعزيمة المدرس، حيث صارت مهنةَ المتاعب والقلق والمخاطر لدى فئات كثيرة من رجال ونساء التعليم، ولذلك لم يعد من المستغرب في وقتنا الحاضر أن تلمس تضجرا كبيرا، مصبوغا بغبن عميق وأنت تحاور مدرسا لأسباب كثيرة لم تعد تخفى على أحد.
ومن هنا حُق لنا أن نتساءل عن العوامل والأسباب التي كرست هذا الوضع الوضيع، وقطيعة الرحم بين المعلم/الأب والتلميذ/الابن؟
المطلب الثاني: أسباب تدهور علاقة الأستاذ بالتلميذ
يعتبر الحديث عن أسباب تدهور العلاقة التربوية بين الأستاذ بالتلميذ حديثا متعدد الأبعاد، نظرا لتعدد الأطراف المتدخلة في العملية التربوية التعليمية، حيث يكون من غير العدل إلقاء اللوم على طرف معين وتحميله تبعات فشل المنظومة التعليمية وتأزم العلاقات بين أطرافها، فكثيرا ما سمعنا حوارات أو تعليقات متسرعة تلقي الأحكام على عواهنها بعيداً عن الواقع، وبلا أي دليل يسند دعواها، فتجور في الحكم على طرف ما، سواء كان هذا الطرف المتهم هو: الدولة أو الأسرة أو الأستاذ أو الإعلام أو غير هؤلاء… والحقيقة أن مثل هذه القضايا الكبيرة، فيها من التركيب والتعقيد ما يجعل الأحكام فيها تتلاطم والأقلام تتعارك، لصعوبتها من جهة، وللخلفيات الفكرية الموجهة للمتعاطين معها من جهة أخرى.
ومن خلال متابعتي للشأن التربوي التعليمي ممارسا وباحثا، أرى أن الأسباب التي تقف وراء هذا التدهور في علاقة الأستاذ والتلميذ متعددة، منها ما يتعلق بطرفي العلاقة المباشرين (الأستاذ والتلميذ)، ومنها ما يعود إلى الأسرة، ومنها ما هو راجع إلى البيئة المحيطة بالمتعلم القريبة والبعيدة، كالتأثير الإعلامي بأشكاله وصوره المختلفة… كل هؤلاء في نظري يتحملون المسؤولية في ما آلت إليه هذه العلاقة بين الطرفين بدرجات متفاوتة وبأقدار متباينة. ولأن العملية التربوية عملية مركبة ومتشابكة الخيوط، فإن أسباب هذه الظاهرة تتعدد وتتنوع لتشمل الجوانب التربوية الأخلاقية، والعلمية المعرفية، والسياسية والاقتصادية…، كما يلي:
1-أسباب تتعلق بالأستاذ المربي[4]: سواء تعلق الأمر بكفاءته العلمية أو مهاراته التواصلية أو مظهره الاجتماعي … وكل هذه الأسباب مؤثرة في علاقاته المهنية وخصوصا مع التلميذ، فنجاحه في مهمته التربوية أو فشله فيها وثيق الصلة بكل هذه العوامل وغيرها:
– فمن ناحية الكفاءة العلمية للمدرس: يمكن القول بأن محدودية أفقه العلمي المعرفي، وغياب القدرة على الابداع والابتكار في عرضه للمادة العلمية، شكلا ومضمونا من شأنه أن يبعث على الملل وضعف التقدير لمقامه، خصوصا إذا لم يجد التلميذ في مادته ما يثير الاهتمام، أو يحفز على المتابعة والانتباه، حيث يفقد المتعة في التعلم، فالتدريس فن وصناعة لها أصولها، ويحصل فيها التفاوت بين المدرسين بقدر اجتهادهم، بل وحتى مواهبهم. أضف إلى ذلك أساليب الحوار والتواصل التي ينتهجها الأستاذ مع متعلميه، فكلما كانت جذابة ومتنوعة، كلما أتت أكلها، وبلغت مقصدها، فالتجديد في الوسائل والأساليب ضرورة ملحة. لكن ورغم ذلك يمكن لهذه العلاقة أن تبنى على المحبة والتقدير إذا تجملت بالأخلاق الحميدة من الطرفين ولا يفسدها ضعف الإلقاء أو التلقي وإنما ينميها ويرسخها بلوغهما الحد المطلوب من الجودة والإتقان. ومما يتعلق بفن التواصل، حكمة المدرس ولباقته في إدارة الحوار، وحسن تدبير الاختلاف وترشيده، من خلال انتقاء الكلام المناسب، والمقام المناسب، والأسلوب الأليق للتوجيه والمعالجة للأخطاء وإصلاحها[5]، مما يساهم في كسب احترام التلاميذ وحبهم له. لكن في أحيان كثيرة يكون الأستاذ سبباً في دفع التلميذ لإهانته عندما يُزري بنفسه وينحط بها عن الاحترام المستحق، خصوصا عندما يكسر الحدود الأساسية في علاقته بمتعلميه، فيدخل معهم في علاقات شخصية متعلقة بأمور مادية أو بأسرار شخصية أو مزاح هابط بعيد عن الأغراض التربوية والضوابط التعليمية. وإذا غاب الاحترام المستحق للمعلم سقط الحياء منه فتضيع الهيبة والتقدير، وتحل محل ذلك الجرأة وما يلي ذلك من سلوكات مشينة، كان من الحزم لجمها في مهدها، وسد الذرائع المفضية إليها، والحديث عن وضع الحدود مع التلميذ لا يقصد بها قمعه أو العبوس في وجهه أو العمل على إخافته جلبا للهيبة والاحترام تعسفا، وإنما القصد التحلي بالحكمة في تدبير هذه العلاقة بمنهج التوازن والاعتدال بلا إفراط أو تفريط.
– ظروف الأستاذ الاجتماعية والنفسية: والتي تلقي بظلالها على مهامه الوظيفية، فواقع السرعة والتعقيد وتداخل المتطلبات والاحتياجات الحياتية، كل هذه العوامل تؤثر سلبا على وقت الأستاذ وصحته وتوازنه النفسي والانفعالي، ومنها علاقته بالتلميذ، ذلك أنه إنسان يؤثر ويتأثر ولا يستطيع أن ينفك – مهما حاول- عن سياقه الاجتماعي العام.
– تفريط الأستاذ في مظهره وهندامه: وهو بلا شك مظهر آخر من مظاهر التواصل له أثره البالغ – وإن كان صامتا- على التلميذ، بل وعلى نفسية المعلم كذلك .
– عدم العدل بين المتعلمين: فوقوع الأستاذ في التمييز بين التلاميذ – في المعاملة أو وضع النقط – لاعتبارات غير علمية أو تربوية، يعد سبباً من أسباب توتر العلاقة بين الطرفين، حيث تتغير نظرة التلميذ لأستاذه، فيسقط احترامه له، لأنه يشعر بالظلم، خصوصا إذا كان الأستاذ مفضلاً غيره عليه ممن هم دونه علمياً وأخلاقياً، وقد حرم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى الظلم فقال – فِيمَا رَوَى عَنْه النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا»[6] .
-تقصير الأستاذ في محاولة فهم التلميذ في جوانبه المتعددة: وذلك بقصد التواصل الناجح معه بعلم وحكمة، ولعل السبب في ذلك ضعف تكوينه في المعرفة المتعلقة بعلم النفس التربوي، وقضايا المراهقة التي يكون استيعابها سبيلا لتفادي العديد من المشاكل، وردود الأفعال المولدة للصراعات والأزمات. فإن علاقة المدرس بالمتعلم هي علاقة إنسانية، قبل أن تكون علاقة تعليمية، ” إن مختلف أشكال التغييرات التي تطرأ على حياة المراهق منذ مرحلة البلوغ كأولى مراحل المراهقة، إلى عتبات النضج على المستوى العضوي، وعلى المستوى النفسي-الانفعالي والعقلي- الإدراكي والاجتماعي، تؤثر على العلاقة التي يقيمها المتعلم/المراهق مع المدرس حسب طبيعة تفهم وتقبل الطرفين معا لخصوصية المرحلة. كما تنعكس كذلك على عملية التعلم واكتساب الخبرات والكفايات والمهارات والمواقف. فالظاهرة النفسية بصفة عامة وظاهرة المراهقة خاصة متعددة الأبعاد ومتشعبة الجوانب، لذلك تعتبر دراسة وفهم مستوى التوافق النفسي والاجتماعي للمراهق ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لتكييف مواقفه وتوجيه سلوكاته، وبالنسبة لتحصيله الدراسي بحيث لا تقل أهمية عن فهم ذكائه وقدرته العقلية”[7]
– صعوبة التحكم في إدارة الفصل الدراسي: نظرا لعدة عوامل خارجة عن مسؤولية الأستاذ، كالاكتظاظ المولد للشغب، الأمر الذي يساهم في توتر الأستاذ وخروج ردود فعله عن السيطرة.
2- أسباب تتعلق بالتلميذ:
– اعتبار التلميذ الغشَّ في الامتحان حقا وضرورة[8]: فتكون صرامة الأستاذ في محاربة الغش سببا في توتر العلاقة بينهما، حيث يعتبر التلميذ الغشاش الأستاذ سببا في فشله وتدمير مستقبله…وما ذلك إلا لأن الغش صار حقا مكتسبا، ووسيلة ضرورية لتحقيق النجاح بدون جهد ولا اجتهاد، وإن كانت آثار ذلك قبيحة في المآل، عندما تخرج مؤسساتنا التعليمية أفواجا من الغشاشين يتحملون المسؤولية، فيغشون ويفسدون، ويسيئون ولا يحسنون.
– تدني المستوى التربوي والأخلاقي للتلميذ: وهذا انعكاس طبيعي للمؤثرات المختلفة في حياته الاجتماعية، فالتلميذ ابن بيئته وواقعه، لا ينفك عنه لقوة الارتباط والصلة بينهما، ومن ثم نحتاج -لإصلاحه وتنميته – بالضرورة إلى إصلاح محيطه بأبعاده المختلفة، وأي محاولة تروم الإصلاح خارج هذا الوعي فمصيرها الفشل، لأنها تُغيِّب الواقع المؤثر في حركة هذا الإنسان موضوع التربية والإصلاح.
– التجاوزات في اللباس لدى الجنسين: والتي لا تتوافق وأجواء الدراسة، مما يجعل مناخ القسم فاقدا للاحترام والوقار الذي يتطلبه مكان طلب العلم، والمسؤولية هنا مشتركة بين الجميع، إذ يجب على الجميع التنبيه والتحسيس بخطر ذلك، بل واتخاذ عقوبات في حق المخالفين للنظام الداخلي للمؤسسة التربوية، لكن للأسف في كثير من الأحيان يجد المدرس نفسه في واد والأسرة في واد آخر، عندما تكون بعض الأسر سبباً في هذا التسيب، ومشجعة لأبنائها وبناتها على حرية في اللباس لا تخضع لأي ضابط ولا تقف عند حد، وهذه التجاوزات في اللباس تكون سببا رئيسيا فيما يقع بين التلاميذ من أشكال التحرش الذي يفضي في أحيان كثيرة إلى اقتراف الفواحش وما ينتج عن ذلك من أزمات اجتماعية ونفسية قد تتطور إلى الانتحار أو القتل. ومن هنا ندرك مقدار المفاسد المتولدة بعضها عن بعض بسبب التساهل في الالتزام بالنظام الداخلي للمؤسسة التعليمية أو داخل فضاء القسم. هذه القوانين التي وإن وجدت تبقى حبرا على ورق بسبب تباين المشارب والإيديولوجيات بين المدرسين، والتي تدرج مثل هذه القضايا في خانة الحريات الفردية، فيدافع التلميذ أو الأستاذ عن حريته في أن يلبس ما يشاء ولو كان لباسه أقرب إلى التعري المهيج للشهوات، بين فئة من المراهقين تمر من مرحلة عمرية حساسة، تستدعي عناية خاصة ومنهجا حكيما في التعامل والتدبير. ولعل الأمثلة المؤكدة لما نقول في واقعنا المعاصر أكثر من أن تحصى. وهذا الذي ذكرنا إذا كان من أسباب توتر العلاقة بين الطرفين لشدة الاختلاف في مفهوم الحرية، فهو نتيجة وأثر مباشر من آثار المد الإعلامي الجارف والعابر للحدود، والذي يصهر القيم في إطار ما يسمى ب” القيم الكونية” أو ” الانفتاح والتحرر” أو غير ذلك من الشعارات البراقة والمدمرة التي أنتجها التواصل اللا مشروط مع الحضارة الغالبة، فكان الوقوع في فخ التطبيع -باسم العولمة- استعمارا جديدا، وصورة مقيتة من صور الاستحمار الثقافي، والاستغباء لمجتمعات مسلمة وقعت في الانفصال[9] عندما قررت الاتصال[10] بثقافة الآخر .
ونظرا لضيق مجال التفصيل في كل سبب من أسباب تدهور العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، فإنني سأقتصر على ما ذكرت بخصوص بخصوص طرفي العلاقة الأساسيين (الأستاذ والتلميذ)، ثم أشير إلى باقي الأسباب إجمالاً، على أن أبين دورها ومسؤوليتها في المبحث الثاني-إن شاء الله تعالى-، ومنها:
3- أسباب تتعلق بالأسرة: لأن لها دورا كبيرا جدا في التنشئة والإعداد، فهي أول المحاضن التربوية للأبناء، كما أن جرعات التربية التي يتلقاها الأولاد في مراحل طفولتهم الأولى تكون حاسمة في تشكيل الجزء المهم من شخصيتهم المستقبلية. ولهذا كان التقصير في تربيتهم على القيم النبيلة والاحترام والتقدير للأساتذة، أو عدم التواصل مع المؤسسة التعليمية لمتابعة أحوالهم الدراسية وسيرتهم الأخلاقية، مسؤولية ملقاة على كاهل الأسرة.
4- أسباب تتعلق بوسائل الإعلام المختلفة: لعله من نافلة القول التأكيد على الدور الخطير الذي بات يلعبه الإعلام بكل أنواعه، في حياتنا المعاصرة، خصوصا وأن التقدم التكنولوجي جعل هذه الوسائل تغزو أغلب البيوت في الحواضر والبوادي، حتى صارت حاكمة متحكمة تسرق الأوقات ،وتشكل العقول، وتُبدِّل الأخلاق والقيم ، ومن ثم تولت مهمة التربية عوض الأسرة … من هنا نستطيع أن نفهم حجم المصاعب التي أصبحت تواجه الأسرة والمدرسة معا في التربية والتوجيه أمام إعلام قوي جارف يوجه الأفراد والجماعات، ويتحكم في صنع أخطر القرارات “يستطيع الإعلام أن يخلق صورة سيئة عن إنسان ما، أو شعب ما، كما أن له القدرة عن خلق صورة إيجابية، وإن لم تكن حقيقية عن إنسان آخر أو شعب آخر، وعن طريق سلطة الإعلام ودورها في تكييف الإطار الفكري للإنسان، نخلص إلى أن الوسائل الإعلامية تلاحق الفرد في العصر الحديث أينما كان، وبغض النظر عن خلفياته المرجعية والحضارية، فغننا نجده مستعدا للتجاوب مع الخبر والصورة بشكل كبير، ويبقى الصدق والكذب وقواعد الإعلام مثل: (الخبر مقدس والتعليق حر) تخضع للنسبية المرتبطة بأخطبوط إعلامي موجه لخدمة أهداف معينة، ليست بالضرورة في صالح المستمع بل توجيهه والتأثير عليه”[11]
ونظرا لقوة الارتباط بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات السياسية فقد “أصبح المسلمون اليوم بعد فترات الانحطاط، يعتمدون على وسائل الإعلام الأجنبية في مادتهم الإخبارية، التي ترتبط في كثير من الأحيان بمركزية الغرب، وفي كثير من الأحيان الأخرى بالمؤسسات الصهيونية، التي تعمل عبر شركات دعاية إعلامية ترصد لها الأموال الطائلة لصناعة أبطال مزيفين، وتهميش كل من لا يدور في فلك هذه المؤسسات أو يعمل ضدها”[12]
في هذا السياق نقرأ تأثير المؤسسات الإعلامية في تشكيل صورة العلاقات الإنسانية عموما، ومنها علاقة التواصل بين التلميذ والأستاذ.
5- أسباب تتعلق بالدولة أو الوزارة المسؤولة: إن مسؤولية الدولة – ممثلة في الوزارة الوصية – في ما يتعلق بمكانة الأستاذ المادية والمعنوية مسؤولية كبيرة، وهذه المكانة مرتبطة بالرؤية والتصور لحقل التربية والتعليم ودوره في التنمية والتقدم، وبالتالي فالرؤية المؤطرة للسياسة التعليمية، وما يتبعها من مخططات ومناهج وغيرها، وكيفية تدبيرها، كل ذلك من شأنه أن يفصح عن مقام المعلم في المنظومة التعليمية.
6- أسباب تتعلق بمؤسسات المجتمع المدني: إن مؤسسات المجتمع المدني تتحمل بدورها مسؤولية كبيرة في هذا التدني، وذلك بعدم تقصيرها في التأطير والتوعية والتثقيف من خلال احتضان فئة الشباب، وبذل الجهد المطلوب في جلب اهتمامهم وتوجيه طاقاتهم للنافع والمفيد، وحمايتهم من الآفات المدمرة[13]، ومساعدتهم على تطوير خبراتهم وصقل مهاراتهم، تربيتهم على احترام المعلم وفاء وإكراما لمقامه.
وخلاصة القول: إن ما ذكرناه من الأسباب وغيرها مما لم يذكر، يؤكد خطورة الوضع الذي تعيشه منظومتنا التربوية – والتي يعتبر المجتمع صدى لمخرجاتها – ويطرح السؤال من جديد حول السياسات التعليمية في بلدنا الإسلامي، ومدى ملاءمتها لمقاصد الإسلام في التربية، وروح الدستور، وصدقها في بلوغ المأمول .
إن كل مظاهر العنف والانحراف التي نراها في واقع المسلمين اليوم، هي في حقيقتها أثر للعنف الحاصل ضد قيم الاسلام، التي تدعو إلى الحب والسلام والاحترام والعمل الصالح، وتنبذ العنف والإرهاب والتطرف بكل أشكاله، لكن البعد عن هذا الأصل الأصيل، والمصدر الرباني العظيم، هو ما أوقعنا أفرادا وجماعات في هذا الخلط والتخبط، فلم تعد الرؤية واضحة، فكانت هذه الفوضى وهذا الارتجال، الذي جر علينا الويلات والمصائب وما يزال، حتى صرنا في الذيل، وأصبحنا كسالى العالم، ليس لقلة الإمكانيات[14]، ولا لعقم في العقول المبدعة[15]، وإنما بسبب علمنة التعليم وتغريبه[16]، وفصل التربية عن التعليم[17]، وتهميش التربية الإسلامية في المنظومات التعليمية في العالم الإسلامي مع أن نفعها يعود على الجميع بالخير العميم، لما لها من أثر بالغ في تخليق هذه الممارسة التربوية وترشيد مسارها.
المبحث الثاني: ترشيد العلاقة التربوية بين أطراف العملية التعليمية رهين بتحديد الأدوار والمسؤوليات
إن هذا الوضع المتأزم والأجواء المشحونة تحتم على الجميع التعاون لإنقاذ التربية، والخروج بها من وضعها المريض إلى آفاق تربوية سليمة، تعود فيها الأمور إلى نصابها، بحيث يتحمل كل طرف مسؤوليته الكاملة في الحفاظ على ما تبقى من خير في الجسد التربوي التعليمي، والمساهمة في علاج أعطابه وتضميد جراحه. ذلك أن تحديد المسؤوليات أهم مدخل للإصلاح، حيث يساعدنا على إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا، فتكون اختياراتنا حكيمة متبصرة، وأهدافنا واضحة، وخطواتنا ثابتة في اتجاه الغاية المقصودة.
وإن إيجاد الحلول المناسبة لتدهور العلاقة التربوية بين الأستاذ والتلميذ والبحث عن سبل الارتقاء بها، رهين بشروط ضرورية يلزم توفرها أولاً لتحقيق المطلوب، ذلك أن الحديث عن إصلاح هذه العلاقة، هو عين الحديث عن إصلاح أعطاب منظومة التربية والتعليم في بلداننا العربية والإسلامية، ومن ثم لا تكون معالجتنا لهذه القضية سليمة إلا باستحضار كل متعلقاتها المؤثرة فيها من قريب أو بعيد، لأن استصحاب السياق ومراعاة لوازمه مما يعيننا كثيرا على تصور القضية في أبعادها الشمولية، ودون ذلك تبقى منظومتنا التربوية قاصرة عاجزة كالمريض مرض الموت، لذلك لم يكن من سبيل للارتقاء بتعليمنا إلا بتجاوز مسببات فشله وترديه ووهنه، وعلى رأس تلك الأولويات العاجلة: إصلاح علاقة الأستاذ بالتلميذ، إذ هما قطبا هذه المنظومة التربوية، وأساس نجاحها أو فشلها. ثم يأتي بعد ذلك الحديث عن الأمور الأخرى، التي وإن وجدت في غياب الإنسان كانت غير ذات جدوى .
– فكيف إذن نصلح هذه العلاقة لتكون راشدة؟
– وكيف نصل الرحم التي قطعت بين الطرفين، بسبب غياب التناصح الخالص الذي يقصد الإصلاح والبناء؟
-كيف نرتقي بمنظومتنا التربوية من خلال العناية أولاً بالإنسان، صانع النجاح أو سبب التردي والفساد؟
يقول عمر عبيد حسنة في سياق حديثه عن بناء النظام التعليمي: “فالعملية التربوية والتعليمية لها خصوصيتها في كون أداتها الإنسان، وموضوعها الإنسان في الوقت ذاته، لذلك أي خطأ فيها يشكل ألغاما اجتماعية يمكن أن تؤدي إلى نتائج خطيرة ومدمرة”[18]
إن الملف التعليمي التربوي يعد بلا شك من الملفات الاستراتيجية الكبرى التي يجب أن تبقى مفتوحة على الدوام، وتحتاج إلى العمل المتواصل، والتخطيط الحكيم لتحقق القدرة على التكيف مع المستجدات، والتناغم معها دون التنازل عن المبادئ أو إلغاء الذات، ويعد القائمون على حمايتها جنودا شجعانا مرابطون لحماية هذا الثغر، حيث حراسة العقول والنفوس من الاختراق والاغتيال، ومن ثم وجب على هؤلاء الجنود اليقظة الدائمة، كما استحقوا بالمقابل الدعم والتشجيع والمكافأة. لأن مهمتهم شاقة، وتحتاج إلى الصبر الجميل والنفس الطويل، والتأني وعدم استعجال النتائج، لأن ميدان التربية والتعليم “من الصناعات الثقيلة البطيئة…، التي قد لا تتحصل نتائجها في جيل واحد، حيث لابد أن تعطى الخطط التعليمية الزمن الكافي لتؤدي إلى عملية التحويل، ولابد أيضا أن تدرك طبيعتها النوعية التي لا ينفع معها الاستعجال، لأن الاستعجال قد يؤدي إلى البتر والارتكاس، بدل أن يؤدي إلى النمو والترقي”[19]
ويعتبر إصلاح الرؤية المؤطرة للمناهج التعليمية، هو الإطار الأساس الذي تتم فيه ترقية العلاقة بين الأستاذ والتلميذ، وفي غياب حصول ذلك، يُعوَّل أولا وأخيرا على الأستاذ – باعتباره المسؤول الأكبر- في سد ثغرات المنهاج وتكميل نقائصه، وبالتالي تكليفه فوق ما يطيق، وذلك بلا شك أمر مرفوض .ذلك أن مهمة الإصلاح و التغيير مهمة منوطة بكل مكونات العملية التربوية بدرجات متفاوتة، يلعب فيها الجميع دوره في البناء والتشييد. هذا البناء الذي لا يبلغ تمامه وكماله إلا بتحمل الجميع للمسؤولية من باب الأمانة، وتخليق الممارسة التعليمية وترشيدها، إذ لا خير يُرجى من تعليم بلا أخلاق ولا قيم تربوية تمثل القوة الدافعة، والروح التي تضمن الحياة والبقاء والاستمرار، فكل مظاهر التردي الأخلاقي في مؤسساتنا التربوية مرده إلى الفصل بين التربية والتعليم بالدرجة الأولى، لأن جودة التعليم تابعة لجودة القيم التربوية التي يحملها كل طرف من أطراف العملية التربوية. وتلك غاية كبرى، وأمانة عظمى، تتجاوز الفرد إلى المجتمع الكبير بكل مؤسساته، يقول الشيخ أبو الحسن الندوي-رحمه الله: ” أما بعد فإني لا أعرف أمانة أكبر مسؤولية، وأشد خطرا، وأعمق أثرا في مستقبل الامة وحياتها، من التربية والتعليم، فزلة من زلاتها، قد تردي أمة بأسرها في هاوية، وقد تؤدي بها إلى الاضمحلال والتفسخ…كذلك يمكنها وحدها ان توجه العقول والنفوس، توجيها صالحاً، وتنشئ الأمة نشأة جديدة، وتبني لها مستقبلاً باهراً “[20].
– فما السبيل إلى الارتقاء بهذه بالعلاقة التربوية بين الأستاذ والتلميذ؟
– وما مسؤولية كل طرف من الأطراف المتدخلة -في الفعل التربوي التعليمي– في الإصلاح والترشيد والتطوير؟
– وكيف نساهم من خلالها في إصلاح منظومتنا التربوية، فنحقق لمجتمعنا التقدم والرقي، وننعم بمخرجات طيبة مباركة، تكون حصاد مجهودات وتضحيات صادقة خالصة يسعد بخيرها الجميع؟
ذلك ما نود معالجته من خلال هذا المبحث.
المطلب الأول: مسؤولية الأستاذ المربي
يعتبر الأستاذ المربي محور العملية التعليمية ونقطة ارتكازها، وتعد رسالته التربوية بالغة الأهمية والخطورة في ذات الوقت، فهو فاعل مؤثر، ووسيلة للبناء والإصلاح أو للهدم والإفساد، ومن ثم وجب أن يخضع اختياره لمعايير صارمة، تقوم على الكفاءة العلمية، والأخلاق العالية، أو القوة والأمانة بتعبير القرآن الكريم، كما في وصف إحدى ابنتي شعيب لموسى عليهما السلام: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص/26]. ففي هذه الآية الكريمة إشارة لطيفة تحدد أوصاف الأجير ” أي: إن موسى أولى من استؤجر، فإنه جمع القوة والأمانة، وخير أجير استؤجر، من جمعهما، [أي: القوة والقدرة على ما استؤجر عليه]، والأمانة فيه بعدم الخيانة، وهذان الوصفان، ينبغي اعتبارهما في كل من يتولى للإنسان عملا بإجارة أو غيرها. فإن الخلل لا يكون إلا بفقدهما أو فقد إحداهما، وأما باجتماعهما، فإن العمل يتم ويكمل، وإنما قالت ذلك لأنها شاهدت من قوة موسى عند السقي لهما ونشاطه، ما عرفت به قوته، وشاهدت من أمانته وديانته، وأنه رحمهما في حالة لا يرجى نفعهما، وإنما قصده وجه اللّه تعالى”[21].
وانطلاقا من هذا البيان القرآني فالأستاذ أجير له حقوق وعليه واجبات، مستحق لحقوقه كاملة غير منقوصة، لكنه مطالب بأداء الواجب على ما استؤجر عليه. من هنا وجب أن يُراعى في الانتقاء لهذه المهمة من جمع الوصفين معاً، لأنه أجدر أن يوفي بالعهد، ويقوم بالمسؤولية كاملة، دون أن يُبخس حقه أو تُهان كرامته .
وإن هذه الأوصاف التي ذكرت في الآية هي شروط المعلم الناجح والمربي القدوة، وهنا يطرح السؤال: هل تحترم هذه المواصفات في الخريجين المرشحين لأصعب مهمة وأشدها تعقيداً، باعتبارها مهمة الأنبياء والمرسلين؟
وفي هذا السياق بكل ملابساته الحافة به، نتبين الدور الأساسي للأستاذ في ترقية علاقته بالتلميذ والوصول بها إلى أرقى المراتب، بشرط أن تتوفر فيه تلك الأوصاف السالفة، وأن ينال الحقوق التي يستحقها كاملة. فدوره بالغ الأهمية في المبادرة الإيجابية، والتحلي بالحكمة في الحوار والتواصل مع تلاميذه، وقدرته على الجمع بين المظهر المهني المتمثل في كفاءته في التعليم، والمظهر الإنساني المتمثل في كونه أباً مربياً، وقدوةً صالحةً تنثر الأخلاق سلوكا حيا ملموسا، يترك الأثر البالغ في نفوس المتعلمين ووجدانهم، ويؤهلهم لممارسة دورهم في الحياة بجدارة واقتدار.
ولأجل تحقيق هذا المبتغى كانت حاجتنا ماسة إلى ممارسة صفية تربوية تتسم بالحكمة والوسط والاعتدال، بعيدا عن الإفراط أو التفريط، وبعيداً عن العنف والقسوة أو التساهل والتسيب.
يقول عمر عبيد حسنة: “ولما كانت العملية التعليمية بهذه الأهمية والخطورة في الآثار المترتبة عليها، كان لابد أن يتقدم لها ويضطلع بها أهل الاختصاص والاحتساب، لأنها لا تقابل بأجر دنيوي مهما عظم … لذلك تتطلب النماذج الممتازة من أصحاب النفوس الراقية، والهمم العالية والإيثار الكبير وانتظار لما عند الله … تتطلب خيرة الطاقات، وخلاصة الكفاءات، وافضل الإمكانيات، كما تتطلب أقدارا اجتماعية فائقة من الاحترام للمعلم، ورعاية كاملة لأحواله، وتأمينا لظروفه، ليتوفر على الأداء بكل طاقاته، لأنه هو الذي يشكل المحور الأساس للعملية التعليمية، فهو يعلم ويربي ويشكل النموذج المحتذى والمثير للاقتداء”[22] ، ومن هنا يصبح من الصعب جدا أن ننتظر نتائج تسر، وعطاءات فعالة رائدة في ظل أوضاع مضطربة اجتماعيا ونفسيا تعيشها الأسرة التعليمية، يكون من آثارها الطبيعية هذا التوتر المتنامي في العلاقة بين المدرس والمتعلم، نظرا لتدهور الحالة النفسية والظروف الملابسة للعملية التربوية برمتها، “لذلك فإن أي اهتراء لرمز التعليم، أو الحط من قدره، أو سوءٍ لمعايير اختياره، أو إهدار لقيمته الاجتماعية بين شرائح المجتمع جميعها، أو احتياج مادي يدفعه للتحرك خارج الهم التعليمي، أو تثير فيه القلق على مستقبله، دون أن ندرك مخاطر ذلك، فإن الأمر يعني الدمار الشامل لأجيالنا والتحطيم لمستقبلنا”[23]
وليتذكر الأستاذ بالمقابل أنه حامل رسالة قبل أن يكون موظفا أجيرا، فليستصحب هذه الأبعاد التربوية الإنسانية أثناء أدائه لمهمته، وليُنزِل التلميذَ – على حالته التي هو عليها – منزلة ابنه وفلذة كبده، وليغلب هذا الإحساس قدر الإمكان، وليتفهم أحواله المختلفة، متذكرا أن التلميذ كائن بشري قد تشكل في ظروف وأجواء معينة تؤثر في عقله وعاطفته، وتوجه سلوكاته المختلفة، فيقدم له المساعدة والعون من خلال الاطمئنان على ظروفه، والمساهمة في حل مشكلاته، وليعامله بالاحترام إكراما لإنسانيته، لينقذه مما هو فيه، لا يسخر منه ولا يحتقره، وليجرّب معه النصيحة على انفراد، وليحرص على العدل بين تلاميذه، ويكون مشجعا لهم ومحفزا، وليجتهد طاقته في إفهامهم وتذليل الصعاب لهم، مع مراعاة الفروق الفردية بينهم، محتسبا في ذلك الأجر على الله، وليتأكد بأن الثمرة ستكون طيبة ولو بعد حين. فكثيرا ما كانت أخلاق أساتذتنا وحسن معاملتهم لنا سببا في كثير من التغيرات التي حصلت في شخصيتنا وتفكيرنا، ومن هنا كانت المسؤولية جسيمة بالنسبة للمربي الذي تولى هذه الأمانة العظيمة، فبقدر إحسانه وأمانته يكون مقامه رفيعا، وإلا كان بالمقابل وضيعاً بقدر تفريطه وخيانته، وكلا النموذجين موجود في حياتنا التربوية التعليمية. وليتذكر دائما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[24]
فليكن المدرس نعم القدوة في العمل والخُلُق، يجد التلميذَ له خيرَ طالب، يبادله الإحسان بالإحسان، والاحترام بمثله وأكثر، فالأستاذ هو منطلق الفعل التربوي، فيجب عليه أن يراقب نفسه بنفسه، ويتذكر سؤال ربه، قبل سؤال المسؤولين أو رقابتهم، وليربأ بنفسه عن التفاهات، وعن كل سلوك مُهين لقيمته ومكانته، حتى لا يتسبب لنفسه في الإهانة وفقدان الاحترام، وليعلم بأن عين التلميذ عليه، وهو سريع التأثر وسهل التوجيه، وكثير الملاحظة، فليحذر أن تخالف أقوالُه أفعالَه، وليجتهد في أداء مهمته في حدود الطاقة، مستعينا في ذلك كله بالله تعالى .
يقول الدكتور عبد الكريم عكيوي: ” تتوقف جودة التعليم على أخلاق المعلم وصفاته، وهذه القاعدة راسخة واضحة في منهج النبي صلى الله عليه وسلم، فللوصول إلى الجودة لا بدّ من أخلاق وآداب يلتزمها المعلم، وأول ما يجب أن يتصف به الانسجام بين سلوكه وعلمه، وأصل هذه القاعدة أن التعليم التلقائي عن طريق القدوة التي يجدها المتعلم في المعلم أحسن من التلقين للأفكار مجردة عن التطبيق العملي والمشاهدة والمعاينة للعمل بهذه الأفكار ورؤيتها في السلوك، فلا معنى أن يتعلم المتعلم أفكارا ويستوعب علوما ثم يكون في سلوكه منحرفاً لا يراعي الحقوق ولا يحترم الحرمات”[25]، ومن هنا كان النبي عليه الصلاة والسلام يتعوذ من علم لا ينفع، ومن قلب لا يتأثر بما يسمع من العلم، فيقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ»[26]
وقد اشتهر في هذا المعنى قول القائل[27] :
يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْــــــــــرَهُ *** هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيــــــمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصُل التسليمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَـــــــــهُ *** عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْـــــــــت عَظِيـــــمُ
المطلب الثاني: مسؤولية التلميذ والأسرة
يعتبر التلميذ المتعلم بدوره مسؤولاً في الدرجة الثانية عن تحسين التواصل مع الأستاذ، لإنجاح هذه العلاقة وتمتينها، والأسرة مسؤولة أيضا معه في نفس الدرجة، تتابع مستوى تواصل ابنها مع أساتذته، وتحثه على حفظ حقوقهم عليه بالبر والإحسان والاعتراف بالجميل. فدور التلميذ كبير في إصلاح العلاقة التواصلية مع مدرسه، عندما يتحمل مسؤوليته، رغم الظروف الصعبة القاسية التي تلقي بظلالها على حياته كلها، كالتفكك الأسري، والفساد الأخلاقي بكل أشكاله، والذي يُفرض عليه بقوة خلال يومه وليله، لكن لابد من إرادة ومقاومة وتحدٍ للصعاب، والتأسي بأحوال الناجحين، ممن قهروا الظروف والعوائق وحققوا النجاح.
وتقدم لطيفة أسير توجيهات تربوية للتلميذ مذكرة إياه بفضل الأدب وسوء عاقبة خلافه: “اعْلَم: أن المدرس هو أبٌ لك قبل أن يكون أستاذًا، كلما ضاقت نفسك ذرعًا بأوامره وانفرط عقد الصبر من شدة عقابه، فلا تتطاول عليه أو تعامله بالمثل؛ فلست له نِدًّا؛ لا في سنك، ولا في فكرك، ولا في مستواك العلمي، فكن عاقلاً لا متهوِّرًا، وتذكَّر: أنك بعد فورة الغضب، وتنفيس كربك بالسب والشتم والضرب، لن تنال خيرًا، فبين مُساءَلة إدارية وأخرى قانونية ستفقد الكثير من كرامتك، وستجد نفسك تقف مطأطأَ الرأس ترجو الصفح والعفو، بعد أن كنت مستأسدًا لا تخاف بخسًا ولا رهقًا .
بُنيَّ التلميذ، إن شئت أن تفرض ذاتك، فخيرُ سبيل هو علمُك وأدبُك، أما ما تقوم به بلسانك تارةً، وبجسدك تارةً أخرى، لتثير الانتباه وتُثبِتَ لزملائك أنك قادر على تكدير أجواء القسم والتلاعب بأعصاب الأستاذ، فتلك مغامرةٌ حُسِمَ قبلَك نتائجُها، وتأسَّف على خوض غمارها من هم أشد منك بطشًا، فكن عاقلاً لا مُتهورًا، مفاخرًا بأدبك لا بقلة أدبك. وانظر إلى حرص السلف الصالح على تعلم الأدب والتنويه به قبل تعلُّم العلم: فها هو الإمام مالك-رضي الله عنه-يقول لفتًى من قريش: “يا بن أخي، تعلَّم الأدبَ قبل أن تتعلم العلمَ”[28]
وليتذكر التلميذ أن الغرضَ الذي قصد المدرسة لأجله هو طلب العلم، فليلزم آدابه، وليتخلق بأخلاق طالبيه، ليغنم الخير ويحرز النجاح. ولتكن الأسرة خير سند لأبنائها على هذا القصد العظيم تحثهم على الخلق الكريم، والمنافسة في تقدير الأساتذة واحترامهم، وتشجعهم على نيل العلم وتحقيق النجاح، وتنهاهم عن سوء الأخلاق والغش والتدليس. فما أحوج طلابنا اليوم إلى تمثل الخصال الحميدة والالتزام بها، لتحصل البركة المرجوة من العلم، وتتحقق التنمية في كل أبعادها.
المطلب الثالث: مسؤولية المؤسسات التعليمية
تعد المؤسسة التربوية بكل مكوناتها: (الإدارة وهيئة التدريس وجمعية آباء وأولياء التلاميذ، وهيئة التوجيه التربوي…) قادرة – بحكم همها التربوي المشترك- على تنشيط الحياة المدرسية، وخلق أجواء ممتعة تجذب التلاميذ وتدمجهم في تحقيق أهدافها، ومن المقترحات التي يمكن للمؤسسة التعليمية أن تقوم بها على سبيل المثال:
أ) تفعيل خلايا الإنصات بالمؤسسات التعليمية: من خلال التنسيق مع مستشارين اجتماعيين ونفسيين، لمساعدة التلاميذ على تجاوز الصعوبات التي تواجههم في الحياة المدرسية والحياة العامة، بالتعاون مع الأساتذة لقربهم من التلاميذ، وقدرتهم على معرفة سلوكاتهم وطبيعة مشاكلهم[29]، ويمكن لهذه الخلايا أن تحقق الكثير من النتائج الطيبة، وأن تنفس من حدة الاحتقان المُولد لكل أشكال العنف – اللفظي والبدني- من خلال تدارك المشاكل في بداياتها الأولى قبل أن يتفاقم الأمر ويخرج عن السيطرة، لكن بشرط أن تتوفر الطاقات المؤهلة للقيام بهذا الدور الإصلاحي الكبير .
ب) الإذاعة المدرسية: وهي من الوسائل الناجعة والفعالة في تنمية مواهب التلاميذ ومهاراتهم التواصلية، وتوجيه طاقتهم توجيها راشدا، ولها أدوار وفوائد كثيرة تعود على شخصية التلاميذ بالنفع العميم، وتصون وقته من الضياع.
ج) تنظيم المسابقات: الرياضية والفنية والثقافية… لأنها فرصة مواتية لاكتشاف المواهب، وتكريس قيم التنافس الشريف، وشغل أوقات التلاميذ بالفائدة، ذلك أن النفس لا تقبل الفراغ، وإذا لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر.
المطلب الرابع: مسؤولية المؤسسات الاعلامية
الحديث عن دور الإعلام في البناء أو الهدم حديث يطول لقوة الـتأثير التي يملكها، وبسبب السياسات التي توجه مساره، وترسم حركاته، وتتحكم في برامجه ومخططاته.
وإذا كان من قبيل المستحيل التحكم في توجيه سياسات الإعلام العالمي أو حتى إيقاف تأثيرها المدمر لعقول أبنائنا – لطبيعة الانفتاح والتواصل التي يعرفها عالم الاتصالات في عصرنا-، فإنه من الواجب أخلاقيا التزام وسائل الإعلام المحلية/الوطنية بالضوابط التربوية والأخلاقية فيما تقدمه للمواطنين من مواد إعلامية، إذ لا يليق بالمنتوج الإعلامي في بلدان المسلمين أن يكون مساهماً في خدش الحياء العام وقيم العفة، أو مُحرضاً على الجرائم بكل ألوانها ولو بشكل غير مباشر، لأن الميثاق الأخلاقي الذي يربط هذه المؤسسات بالمواطنين يحتم عليها احترامه ووضعه في الاعتبار أثناء وضعها لبرامجها، ومن أراد برامج تغذي القيم الإباحية وتشبع جوعه، فله أن يولي وجهه قبلتها، ولن يجد طالبُها أدنى عناء في إدراكها، فقطوفها دانية قريبة المأخذ، معروضة بالمجان.
ثم إن من واجب الإعلام الرسمي بكل صنوفه أن يصون هوية المواطنين – والتلاميذ مواطنون- من كل اختراق فكري أو أخلاقي، وأن ينسق بفعالية مع كل الجهات التربوية داخل المجتمع من أجل صيانة هذا المواطن وخدمته، من خلال الاجتهاد المتواصل المبدع الذي يجيب عن أسئلة المواطن، ويصحح المفاهيم الخاطئة، ويلبي الاحتياجات المشروعة، ومن أمثلة هذه الاجتهادات تكثيف البرامج التربوية والتعليمية التي تبني عقل المتعلم ووجدانه ونفسيته بناء سليما، سمته التوازن والاعتدال والمسؤولية والأمانة، ولكن هذه المبادرات الرائدة لا يمكن أن تحقق النجاح إلا بإرادة صادقة مخلصة واعية من قِبَل القائمين على هذا المجال.
المطلب الخامس: مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني
من جانبها يمكن لمؤسسات المجتمع المدني بمختلف تخصصاتها أن تساهم بقسط وافر في هذا الإصلاح، من خلال احتواء التلاميذ وحسن توجيههم، وتطوير مهاراتهم ومواهبهم بما يمكنهم من المشاركة الإيجابية والفاعلة في حركة الحياة، فالتلميذ المؤَطَر فكريا وتربويا منذ مراحل الطفولة الأولى، يستطيع أن ينجح كثيرا في تجاوز التحديات المحيطة به، لأنه تعلم الكثير من خلال أنشطته المختلفة، ومشاركاته المتنوعة التي ساعدته كثيرا على فهم الحياة وكيفية السير فيها، ومكنته من اكتساب مجموعة من المهارات الحياتية، وآداب التواصل الفعال، حتى صارت سلوكا أصيلا في معاملته للآخرين. فالعمل الجمعوي عنصر فاعل قوي التأثير في البناء الفكري والتربوي للمجتمع أو في هدمه بحسب منظومة القيم التي يمتح منها.
المطلب السادس: مسؤولية الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم
إن كل ما ذكرناه سابقا-من بيان لدور كل مؤسسة من المؤسسات المتدخلة في العملية التربوية التعليمية – يؤكد لنا المسؤولية المشتركة للجميع في تحمل تبعات الوضع المتردي للتربية والتعليم، والذي تعد العلاقة المتدهورة بين الأستاذ والتلميذ مجرد مظهر من مظاهره، وثمرة من ثماره المرة. ولكن يبقى الحديث عن دور الدولة (= وزارة التربية والتعليم) في البناء والإصلاح، أو الهدم والإفساد حديثا له خصوصيته وقوته، باعتبار الوزارة الوصية هي الطرف المباشر والمؤثر الأكبر والحاسم في مستقبل التربية والتعليم، والمسؤول الأول الذي يتولى مهندسوه رسم السياسة التعليمية في بلدنا المسلم، ووضع الأسس والمقومات التي تستند إليها المخططات الاستراتيجية والبرامج التعليمية، هم من يحددون الأهداف والغايات، التي يجب على باقي الأطراف المتدخلة العمل على تنفيذها واحترامها من خلال الالتزام بالوثائق والمذكرات الرسمية المنظمة، وعدم الاجتهاد خارجها.
ولقد بدلت الوزارة جهودا كبيرة في مناهضة مختلف الظواهر السلبية داخل المجتمع المدرسي، كظاهرة العنف بكل أشكاله، ومنها العنف بين الأستاذ والتلميذ، من خلال إصدارها لمذكرات تخص موضوع التصدي للعنف والسلوكات المشينة بالوسط المدرسي، لما في هذه الممارسات من تعارض وقيم المؤسسة التربوية، وانعكاساتها السلبية على المناخ التربوي داخلها، ومن ضمن المبادئ والتدابير الأساسية التي أكدت عليها المذكرة الوزارية في هذا الموضوع: اعتبار العنف، سواء الممارس في حق التلميذات والتلاميذ، أو في حق الأطر الإدارية والتربوية العاملة بالمؤسسات التعليمية، سلوكا سلبيا ومنبوذا بكل المقاييس التربوية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية، ويتعين التصدي الحازم له بمختلف التدابير المتاحة، تربوية كانت أم إدارية أم أمنية أم غيرها، تبعا لمستوى الفعل العنفي المرتكب[30].
فهذا مجرد مثال للجهود التي تقوم بها الوزارة الوصية للحد من هذه الظاهرة المؤرقة، إلا أنها تبقى خطوة محترمة في سبيل الحل، لكن هنا نطرح عدة أسئلة تجعل مقاربتنا لمسألة العنف وقائية، من خلال التركيز على التحصين التربوي القائم على بناء المواطن الصالح، والإنسان الرسالي الفاعل.
– ما مدى ارتباط مناهجنا ومنظوماتنا التربوية بهويتنا الحضارية وإسلامنا الحنيف شكلا ومضمونا ؟
– إلى أي حد استطاعت برامجنا التربوية التعليمية تحصين عقول أبنائنا من الغزو بكل أشكاله: الفكري الثقافي أو القيمي الأخلاقي، بحيث يكون ذلك التحصين التربوي من أعظم أسباب حصول الأمن من كل اشكال العنف داخل الوسط المدرسي أو خارجه؟
– ومن هنا نسأل: أي موقع تحتله التربية الإسلامية أو المناهج الدينية في منظومتنا التربوية، وأي نظرة ينظر بها إلى هذه البرامج في علاقتها بالتنمية الشاملة للمجتمع؟
– ما هي مواصفات المواطن الذي تريد من هذه المنظومة أن تخرجه بعد تدرجه في الأطوار الدراسية المختلفة؟
وإذا تساءلنا عن سر التركيز على أولوية السياسة التعليمية؟ كان الجواب: ” لأن عملية التنمية وبالخصوص تنمية الإنسان تصطبغ – حتما- بالمذهب الفكري السائد وبمنظومة القيم، التي تهيمن على الأفكار والنفوس في هذا البلد أو ذاك… فالمجتمع الذي تسود فيه النزعة الاشتراكية أو الليبيرالية أو النزعة العلمانية، …أو النزعة الإسلامية أو غير ذلك، لابد أن يجعل الهدف الأول من سياسته التعليمية هو تربية إنسان الذي يحمل هذه النزعة أو تلك عن إيمان واقتناع “[31] ، إن تنمية الإنسان وتوجيه تصوراته للحياة والوجود والإنسان، من أخطر الأمانات التي تتحمل مسؤوليتها السياسات التعليمية في البلاد الإسلامية، ولأجل ذلك كان من الضروري أن تكون أصيلة تنهل من مصادره الإسلامية الصافية، من القرآن والسنة، ولهذا كان من أكبر الجنايات في حق الأجيال الناشئة أن تستورد لهم مناهج التعليم من بلدان تختلف عقائدها وإيديولوجياتها عن عقيدة الإسلام، فتكون النتيجة المؤسفة : جيل من الشباب منقطع الصلة بدينه وحضارته، مُعظِّم لثقافة الآخر وحضارته التي أُرضع حليبها من خلال برامج ومناهج غربية غريبة، جيل من الشباب وصفه الشاعر محمد إقبال بقوله : “إن الشباب المثقف فارغ الأكواب، ظمآن الشفتين، مصقول الوجه، مظلم الروح، سليب العقل، كليل البصر، ضعيف اليقين، كثير اليأس، … ينكرون نفوسهم ويؤمنون بغيرهم،…شباب ناعم رخو رقيق كالحرير، يموت الأمل في مهده في صدورهم، ولا يستطيعون أن يفكروا في الحرية. إن المدرسة قد نزعت عنهم العاطفة الدينية وأصبحوا في خبر كان، أجهل الناس بنفوسهم وأبعدهم من شخصياتهم، شغفتهم الحضارة الغربية فهم يمدون أكفهم الى الأجانب ليتصدقوا عليهم يخبز شعير، ويبيعون أرواحهم في ذلك. إن المعلم لا يعرف قيمتهم، فلم يخبرهم بشرفهم، أو يعرفهم بشخصيتهم، مؤمنون ولكن لا يعرفون سر الموت، ولا يؤمنون بأنه لا غالب الا الله. يشترون من الافرنج اللات ومناة (أصنام المادة). مسلمون ولكن عقولهم تطوف حول الاصنام. إن الافرنج قد قتلوهم من غير حرب وضرب، عقول وقحة، وقلوب قاسية، وعيون لا تعف عن المحارم، وقلوب لا تذوب بالقوارع… ما عندهم من علم وفن، ودين وسياسة، وعقل وقلب، كلها تطوف حول الماديات، قلوبهم لا تتلقى الخواطر المتجددة، وأفكارهم لا تساوي شيئا، حياتهم جامدة، واقفة متعطلة”[32]
إن السبب في ذلك كله –حسب عمر عبيد حسنة- عدم الوعي الحقيقي بخطورة استيراد نظم تعليمية وتربوية من الشرق والغرب، وعدم التفكير بجدية في وضع سياسة تعليمية تتجاوب مع روح الأمة، وتهدف إلى حماية أجيالها من الغزو الفكري والأخلاقي، كما تهدف إلى إعداد الإنسان المؤمن الحريص على دينه، الصالح في دنياه، فلا بد من سياسة تعليمية تعتمد نظام الإسلام وتتبناه، وتسعى إلى صياغة حياة شبابها وفق كتاب الله المجيد والسنة المشرفة، وما يستنبط منهما، وبذلك يتم التخطيط والتنمية في جميع النواحي[33]
إن التربية هي أساس التنمية والرقي والنهوض الحضاري الشامل “ومهما حاولنا وتوهمنا أن النهوض والتغيير والإصلاح يمكن أن يتم خارج مواقع التعليم، فإن التاريخ والواقع والتجربة الذاتية والعالمية، تؤكد أن التربية والتعليم هي السبيل الأوحد … وأي مفهوم للتنمية بعيد عن هذا فهو مفهوم جزئي وعاجز عن تحقيق الهدف”[34]
إن من الشروط اللازمة للنهوض بتعليمنا–بعد الحسم في هويته ومنطلقاته ومرجعيته الفكرية– التخطيط الواقعي المحكم، الذي يحدد المقاصد بدقة متناهية ويضع لها الوسائل المناسبة والملائمة لتنفيذها، بعيدا عن الارتجال، لأن المنهج العلمي يستلزم التخطيط الجيد والحكيم، الصادر عن خبراء في المجال التربوي التعليمي،[35] ودراسات عملية ميدانية، ترصد الواقع كما هو، وتحدد المشاكل والثغرات، لتتمكن من طرح الحلول المناسبة وسد الحاجيات .
إن سياسة الترقيع والارتجالية – التي تقوم في كثير من الأحيان بدور الإطفائي الذي يتبع المشكلات ليخمدها كما تخمد النار- لا تجدي نفعاً، لأن المسألة تحتاج إلى النظر في المآلات، وفق رؤية متبصرة تشخص المشاكل ثم تخطط بإحكام لتجاوزها، فعلى سبيل المثال، عندما نلجأ إلى سد الخصاص في الموارد البشرية- في كثير من الأحيان- بمن كان من الأساتذة، مريضا عضويا أو نفسيا في بعض الأحيان، بل يمكن لأستاذ في تخصص معين أن يُفرض عليه فرضاً تدريس مادة أخرى – حتى وإن كان لا يحسنها- تحت ذريعة تدريس المواد المتجانسة أو المتآخية – فإننا بمثل هذه الإجراءات غير السديدة، نكون قد تنازلنا عن تحقيق الجودة والإحسان كشرط ضروري لنجاح العملية التربوية التعليمية.
لقد أصبحت مناهجنا وبرامجنا التعليمية مثقلة وثقيلة ومنفرة، يحضر فيها التعقيد ويغيب فيها التبسيط، فصارت للأسف كالآصار والأغلال التي تقيد الإرادة، فيدرس التلميذ الكم الهائل – من المعارف والمعلومات – خلال مساره الدراسي لكن في المحصلة لا نجد نتائجا تسرّ، بل شظايا متناثرة لا يربط بينها رابط، ولا ينظم شتاتها خيط ناظم، ثم هي في النهاية قاصرة عن إسعاف صاحبها في أن يكون مؤهلا لخوض معركة الحياة بوعي راشد وسير قاصد، لأنها وضعت معزولة عن سياقها الذي يحترم هويتها الحضارية في أبعادها المختلفة التاريخية والاجتماعية … فوقعت في الاسقاط والتعميم.
من هنا يطرح السؤال بإلحاح: ماذا نريد؟ وكيف نحقق مانريد (=المنهج)؟ وهل مناهجنا وبرامجنا الحالية صالحة لتحقيق المقصود؟ هل هي قادرة على التحدي والمواكبة في عصر يغلب عليه الصراع والسرعة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تفرض ذاتها في هذا السياق، وتدعونا إلى الاجتهاد والتطوير والتجديد، لنبلغ أهدافنا ونحقق آمالنا من خلال التربية والتعليم.
إن من مسؤولية الدولة العناية بالأستاذ المربي، وإكرامه وحمايته بكل سبيل في كل مراحل حياته المهنية، وبخاصة عندما يتقدم في السن، حيث يحتاج إلى المبالغة في الإحسان إليه من منطلق العرفان بما قدم وأسدى، ولكن للأسف الشديد كثيرا ما يُتعامل مع هذا الركن الركين -في المنظومة التربوية- بنوع من التجاهل كبير، فهو نكرة، مجرد رقم تأجير يمنح لغيره من النكرات إذا قضى نحبه وغادر.[36]
– نحتاج إلى مناهج وبرامج أشد ارتباطا بواقع المتعلم وبيئته واحتياجاته المختلفة، لأن أي تخطيط خارج الزمان والمكان، يُغيب عن وعيه طبيعة الفئة المستهدفة، وخصائصها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وظروف واقعها…من شأنه أن يزيد الأمور تعقيدا، ونتائجه ستكون بلا شك أقرب إلى الفشل منه إلى النجاح. ومثل هذا التخطيط -الذي نرجو حصوله من قبل القائمين على وضع البرامج التربوية – لابد أن تسبقه دراسات ميدانية بقصد الوقوف على واقع الفئة المقصودة بكل ملابساتها، حتى يكون تخطيطنا على بصيرة، إذ نحتاج إلى قراءة دقيقة لاحتياجات التلاميذ، وما يموج في نفوسهم من خلال ما يروج بينهم من كلام (معجم الألفاظ والمعاني المستعمل بينهم) على مواقع التواصل الاجتماعي، وما يسطرونه على جدران الأقسام والطاولات من عبارات أو رسوم، تلك الصور التعبيرية التي هي بمثابة تنفيس عما يعيشونه من آمال وآلام، ومن هواجس وأحلام. كل ذلك يحتاج إلى قراءة نفسية واجتماعية بقصد إيجاد الحلول وإصلاح الاعوجاج.
– نحتاج إلى ابتكار طرق إبداعية وفعالة في التدريس والتقويم، تشوق المتعلم وتشد اهتمامه، وتجعله يحب المادة العلمية ومدرسَها، نحتاج إلى عناية كبيرة بكل ما يدعم هذا الجانب عند الأستاذ، وأن نساعده بكل الوسائل التي تجود ممارسته المهنية وعلاقاته التواصلية.
– تخصيص جوائز مهمة للإبداع والابتكار بالنسبة للتلميذ أو المدرس أو الإداري… من باب التشجيع والتحفيز، وبعث روح المنافسة والتجديد بين كل المشاركين في الفعل التربوي، لأن التحفيز والترغيب من أنجع الأساليب التربوية القادرة على تطوير الأداء المهني للمدرس، ودفعه إلى الإبداع والمبادرة الإيجابية.
– الحرص على تذكير طرفي العلاقة-التعليمية التعلمية الأستاذ والتلميذ، بما لهما وما عليهما من حقوق وواجبات، وحبذا لو تضمنت مقدمات الكتب المدرسية تذكيراً بقيمة العلم وثمار الإخلاص والصبر في سبيل تحصيله، وما يتعلق بالمعلم والمتعلم من آداب وأخلاق مصحوبة بمواقف مؤثرة من سير السابقين، تكون زادا نفسياً ينعش المعاني التربوية في نفوس المدرسين والمتعلمين، ويوفر الأجواء السليمة للقيام بهذه الأمانة في أحسن الظروف.
خلاصة القول: نجاح العلاقات التربوية أساسه الإحسان، ونجاح التعليم أساسه التربية
إن العلاقة بين المعلم والمتعلم من أوضح أشكال العلاقات الإنسانية ارتباطا بالأخلاق، لأنها تبنى على أساس الإحسان الذي يمتد أثره بعيداً جدا في شخصية المتعلم، فالأستاذ محسن بتعليمه لتلميذه الذي هو أمانة بين يديه، فكلما أحسن إلى متعلمه وصان الأمانة وحفظ العهد كان بحق وريث الأنبياء والمرسلين، وحقيقا بلقب المعلم[37]، وما أشرفه من لقب، وما أنفسه من وسام، فحسبُ المعلم شرفاً ورفعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف نفسه بالمعلم فقال:» إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا«[38]، فقرن عليه الصلاة والسلام بين التعليم والتيسير، وجعل صفة التيسير خلقا للمعلم المربي، ومنهجا ملازما لفعله التعليمي وممارسته التربوية.
مهمة التربية والتعليم من أشرف المهام وأعلاها قدرا، وهي مقصد عظيم من مقاصد البعثة النبوية، لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) [الجمعة/2]، حيث قرنت الآية الكريمة بين التعليم والتزكية، مما يدل على أن وظيفة المعلم لا تنفصل عن التربية والتزكية بل إن التزكية أساس تحصيل العلم والمعرفة، فلا تعليم بدون تربية، ومن ثم فلا تبلغ العملية التربوية مقاصدها وغاياتها إذا غيِّبت القيم التربوية عن الساحة التعليمية، أو لم يمكَّن لها تمكينا يجعل مقامها عاليا وشأنها رفيعا سامقا، ولا فلاح لأمة ضاعت فيها الأخلاق، وتمزقت فيها الصِلات والروابط الإنسانية، لأن الأخلاق أساس البقاء، وضياعها معجل بالفناء الحضاري للأمم، ومن هنا نفهم مراد أمير الشعراء أحمد شوقي بقوله: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقوله أيضا: صلاح أمرك للأخلاق مرجعُه *** فقوّم النفس بالأخلاق تستقِم.
خاتمة:
إن تحديد مسؤولية كل طرف من الأطراف يجعل الصورة أكثر وضوحا، عندئذ نستطيع أن نقرأ علاقة الأستاذ بالتلميذ قراءة سليمة، مشفوعة بمتعلقاتها، داخل سياقاتها التي تخلقت في رحمها، حيث نفهم الظاهرة فهما يقودنا بيسر وسهولة إلى محاصرة أسباب تدهورها، واختيار الحلول الناجعة لحمايتها من التمزق والاضطراب.
إن العمل في الحقل التربوي من أصعب الأعمال وأشدها على الإطلاق، ذلك أن موضوعه ووسيلته الإنسان، هذا الأخير الذي يحتاج بناؤه إلى كل الوسائل الممكنة، وإلى حشد كل الطاقات الجادة والصادقة المخلصة، حقل لا يقبل الارتجال ولا الغفلة، لأنه استثمار في الإنسان ذلك العالم العجيب، خليفة الله في الأرض، لذلك كان حقيقا بأن تصرف له الجهود والأموال بمقدار موقعه في الوجود. لقد” أضعنا المال، وخسرنا الأجيال، وقذفنا للمجتمع بنماذج مشوهة، دون أن ننتبه – ونحن ندعي أننا نعمل في حقل التربية – أن المستورَدين لم ينموا ويتطوروا من خلال الذات، وإنما نشأوا في خارجها، فجاؤوا عبثا علينا، وليس تلامذتهم من أبناء المسلمين الذين تولوا شأن التعليم والتربية، بأحسن منهم حالاً” [39]
لأجل كل ما سبق، ذكرنا –منذ البداية- بأن الحديث عن تدهور علاقة الأستاذ بالتلميذ ما هو إلا الوجه الظاهر من الجبل الذي تمتد جذوره في الأرض عميقة، وإن بلوغ هذه العلاقة ذروتها من البر والإحسان، يسبقه إصلاح العروق والشرايين الممدةِ لهذه العلاقة بأسباب الحياة. فالكيان التعليمي كيان واحد كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، ومثله كمثل «الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»[40]
من هنا كان تبادل التهم والأحكام الجاهزة بين الأطراف المختلفة في المجتمع سلوكا ظالما غير قويم، صادرا عن عقلية تبريرية تتملص من المسؤولية الذاتية لتلقي باللوم على الآخر.
فما أحوجنا اليوم إلى مراجعة دقيقة لأحوالنا التربوية والأخلاقية، لأنها أساس لكل أنواع المراجعات الأخرى، وما أحوجنا إلى الاعتراف بأخطائنا كل من موقع مسؤوليته، ما أحوجنا إلى توبة جماعية تطهرنا من الأدران، لنستأنف طريقنا من جديد تحت أضواء الوحي وهداياته، بذلك فقط تنصلح الأحوال وتلتئم الجروح وتٌشفى، ويحصل التغيير الذي نرجوه من الله تعالى بكل صوره وأشكاله، فنكون أحق الناس بوسام الشهادة على الناس، لأننا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، وتناصحنا لأجل أن يعم الخير ويسود بين العالمين. وقد صدق الله تعالى إذ يقول: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد/11].
ومن هنا أعتقد أن هذه المعالجة لا تتبرأ من نقص أو تقصير، أو أنها ستقدم حلا سحريا يحسم الإشكال أو يمسح آثاره، أو يكشف أسراره، بقدر ما أراها مساهمة في الحل الذي نطمح جميعا لبلوغه أفرادا وجماعات، أسراً ومؤسسات، لعلنا نصل بهذه العلاقة إلى بر الأمان، ونقطف جميعا ثمارها الجنية وننعم بآثارها النقية، ونحفظ ركاب السفينة من الغرق… وحتى إن قَصُرَتْ عن تحقيق شيء من ذلك كله فلعلها تساهم في إثارة المشكلة والتحسيس بأهميتها وخطورتها.
قائمة المصادر والمراجع :
- القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
- محمد بن إسماعيل البخاري: الجامع الصحيح، تحقيق: جماعة من العلماء، الطبعة السلطانية بالمطبعة الأميرية، ببولاق مصر، 1311 هـ، ثم صَوّرها: محمد زهير الناصر، وطبعها ط 1، عام 1422هـ، دار طوق النجاة.
- مسلم أبو الحسين بن الحجاج بن مسلم: الصحيح المسند، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، السنة:1955م.
- أبو محمد الحسين بن الفراء البغوي: “شرح السنة” تحقيق: شعيب الأرنؤوط-محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي-دمشق، بيروت، الطبعة: 2، 1403هـ-1983م.
- أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، “شعب الإيمان”، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، ط1، 2003 م.
- عبد الرحمن بن ناصر السعدي، “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”، تحقيق: عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة الطبعة 1، سنة: 2000 م.
- الخمار العلمي، أسس التربية، دراسات في قيم التربية والتربية على القيم، الدار العالمية للكتاب، الطبعة 1، سنة 2002م
- حفيظ غياط، مقال بعنوان: “ظاهرة الغش في الامتحانات: مقاربة شرعية تربوية” منشور بمجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامیة/ المجلد الرابع-العدد الثاني (دیسمبر2020م)
- خالد الصمدي، “خطاب التربية الإسلامية في عالم متغير، تجديد الفلسفة وتحديث الممارسة”، منشورات المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، مطبعة طوب بريس-الرباط، ط 1، السنة 2006م
- عبد المجيد بنمسعود، مقال بعنوان: “آفاق المادة الإسلامية التنموية في ظل منظومة معوقة”، ضمن كتاب تربيتنا العدد (3) “التربية الإسلامية أساس التنمية الشاملة”، من إصدارات الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، دجنبر 2003م.
- عمر عبيد حسنة، مقالات في التفكير المقصدي (رؤية في إطار معرفة الوحي)، المكتب الإسلامي، ط1، 1999م.
- أبو الحسن الندوي، نحو التربية الإسلامية الحرة، دار الكلمة-القاهرة، الطبعة 1، 2013م.
- محب الدين أحمد أبو صالح، التربية الإسلامية عند العلامة أبي الحسن علي الحسيني الندوي، دار ابن كثير-دمشق، ط1، 2002م.
- عبد الكريم عكيوي، التربية والتعليم في المدرسة المحمدية، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، سنة2007م
- محمد عزيز السجاعي: مقال بعنوان “السياسة التعليمية أولا”، ضمن كتاب تربيتنا العدد(3) “التربية الإسلامية أساس التنمية الشاملة”، من إصدارات الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، دجنبر 2003م.
- تحت الإشراف العام لـ: عبد الجليل باحدو، وتنسيق: د.رشيد شاكري و ذ.سعيد حميدي، أنجزت “التضامن الجامعي”، دراسة ميدانية سنة 2019م تحت عنوان: “العنف ضد الهيئة التعليمية في الوسط المدرسي”، منشورات صدى التضامن، مطبعة دار النشر المغربية الدار البيضاء، طبعة ماي 2019، تاريخ الزيارة: 15/01/2022. انظر الرابط: https://www.akhbarona.com/writers/275228.html#ixzz7I2rpdOHh
- مقال بعنوان: “نسبة 66% من حالات العنف المدرسي تقع داخل المؤسسات التعليمية” تاريخ الزيارة: 15/01/2022. على الرابط: http://www.hespress.com/societe/90721.html
- مازن الحلبي “التعليم عن طريق التلقين وسيلة للقمع”، نقلا عن مقال على الانترنيت: “العلاقة بين المدرس والطالب: الواقع والطموح” لواثق غازي، تاريخ الزيارة: 18/1/2022، رابط المقال:
- http://www.geologyofmesopotamia.com/library/relationship-between-teachers-and- pdf
- لطيفة أسير: “من أجل علاقة مثلى بين المدرس والتلميذ”، مقال منشور بموقع الألوكة، تاريخ الزيارة: 15/01/2022، الرابط: https://www.alukah.net/social/0/75830
- سعيد حموتي: “ظاهرة العنف المدرسي والإجراءات التأديبية :(قراءة قانونية في المذكرة الوزارية رقم 14/867)” مقال منشور بموقع مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، تاريخ الزيارة: 15/01/2022، الرابط: https://revuealmanara.com
- كتاب: “وقف العنف في المدارس: دليل المعلم” على الرابط: https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000184162_ara
- تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2021 حول “مهنة الأستاذ في المغرب على ضوء المقارنة الدولية”، تاريخ الزيارة: 15/01/2022م، انظر الرابط: https://www.csefrs.ma/publications/
- المذكرة الوزارية رقم: 17/116 الصادرة بتاريخ 7نونبر2017 بشأن “التصدي للعنف بالوسط المدرسي”.
[1] – العنف هو كل سلوك عدواني يفضي إلى إلحاق الضرر والأذى بالآخرين، فهو تفريغ لا شعوري لطاقة مكبوتة تتخذ أشكالا وصورا كثيرة قد تكون جسدية أو عنفا لفظيا، أو عنفا نفسيا…ولها أسبابها المولدة لها. ويمكن الاستفادة في هذا الموضوع من كتاب: “وقف العنف في المدارس: دليل المعلم” حيث يتناول هذا الدليل الحديث عن ” مختلف أشكال العنف الحاصلة في المدارس، ويقدم مقترحات عملية لما يمكن أن يفعله المعلمون لمنعها” انظر: ص7 من هذا الكتاب. على الرابط: https://unesdoc.unesco.org/ark:/48223/pf0000184162_ara
[2]– تقارير ودراسات حول أحداث العنف في الوسط المدرسي، أو ضد الأسرة التعليمية، ومنها:
– أنظر: خلاصات ونتائج دراسة ميدانية حول موضوع: “العنف ضد الهيئة التعليمية في الوسط المدرسي” (دراسة ميدانية 2019) إنجاز” التضامن الجامعي”، الإشراف العام “ذ. عبد الجليل باحدو”، التنسيق “د.رشيد شاكري”، “ذ.سعيد حميدي”. منشورات صدى التضامن، مطبعة دار النشر المغربية الدار البيضاء، طبعة ماي 2019.
على الرابط: https://www.akhbarona.com/writers/275228.html#ixzz7I2rpdOHh، تاريخ الزيارة: 15/01/2022.
– وأيضا كذلك مقالا بعنوان: “نسبة 66% من حالات العنف المدرسي تقع داخل المؤسسات التعليمية” على الرابط: http://www.hespress.com/societe/90721.html ، تاريخ الزيارة: 15/01/2022.
[3] – مازن الحلبي “التعليم عن طريق التلقين وسيلة للقمع“، نقلا عن مقال على الانترنيت: ” العلاقة بين المدرس والطالب: الواقع والطموح” لواثق غازي، ص 6. تاريخ الزيارة: 18/1/2022، رابط المقال:
http://www.geologyofmesopotamia.com/library/relationship-between-teachers-and-students
[4] – انظر تقرير المجلس الأعلى للتعليم 2021 حول “مهنة الأستاذ في المغرب على ضوء المقارنة الدولية”، لأهميته العلمية البالغة، خاصة الفصل الثاني بعنوان: الممارسات البيداغوجية، ص30 وما بعدها. والتقرير بكامله وثيقة أكاديمية بالغة الأهمية لا يُستغنى عنها في هذا الموضوع. تاريخ الزيارة: 15/01/2022م، انظر الرابط: https://www.csefrs.ma/publications/
[5] – ونحيل في هذا الصدد على الأسوة الحسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مواقفه الحكيمة في التربية والتعليم، حيث كان عليه الصلاة والسلام يكسب القلوب ويجذبها إليه بحسن المعاملة، واحترام مشاعر المتعلم وإن كان مخطئا، حيث يتوجه النبي صلى الله عليه وسلم للخطأ بقصد إصلاحه، وليس للمخطئ لإحراجه، ومن الأمثلة على ذلك: موقفه عليه الصلاة والسلام مع الأعرابي الذي تبول في المسجد [أنظر “شرح السنة للبغوي ” كتاب الطهارة، باب: الْبَوْلِ يُصِيبُ الأَرْضَ، رقم الحديث 291، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – محمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي-دمشق، بيروت، الطبعة: 2، 1403هـ-1983م]. وموقفه أيضا مع الشاب الذي طلب الرخصة في الزنا [أنظر “شعب الإيمان للبيهقي” باب تحريم الفروج وما يجب من التعفف عنها، حديث رقم 5032]، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، الطبعة: 1، 1423 هـ – 2003 م. وغيرهما من المواقف الحكيمة التي يمكن تعلمها من المدرسة المحمدية.
[6]– مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري، المسند الصحيح، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، رقم الحديث، 2577. مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه، القاهرة، السنة:1955م
[7]– الخمار العلمي، أسس التربية، دراسات في قيم التربية والتربية على القيم، الدار العالمية للكتاب، الطبعة (1): سنة 2002 ص57-58
[8]– لمزيد من الاطلاع بخصوص هذا السبب، يمكن الرجوع إلى مقالنا بعنوان: “ظاهرة الغش في الامتحانات: مقاربة شرعية تربوية” منشور بمجلة الذخيرة للبحوث والدراسات الإسلامية/المجلد الرابع-العدد الثاني (دیسمبر2020م)، ابتداء من الصفحة 459.
[9] – نقصد بالانفصال: الزهد في القيم الأصيلة وفقدان الذاكرة التي تختزن التاريخ والأخلاق وكل المميزات الحضارية للأمة التي ننتمي إليها.
[10] – ونقصد بالاتصال هنا: الذوبان في ثقافة الآخر وفقدان الهوية الاصلية، بحيث يصير المغلوب رجع الصدى لثقافة الغالب.
[11] – خالد الصمدي: خطاب التربية الإسلامية في عالم متغير، تجديد الفلسفة وتحديث الممارسة، منشورات المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية الإسلامية بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، مطبعة طوب بريس-الرباط، ط 1، السنة 2006، ص26.
[12] – نفس المصدر والصفحة.
[13] – كالتدخين والمخدرات والزنا وغيرها من الانحرافات التي انتشرت بصورة مخيفة داخل وخارج الفضاءات التعليمية، مما يؤكد درجة الغزو الثقافي والتربوي الغربي لأفكار المسلمين.
[14] – والذي يدل على ذلك حجم الأموال التي صرفت في مخططات لم تحقق نتائج مرضية، ومجهودات لم تثمر ما ينفع.
[15] – والذي يتابع ما يقع في العالم يدرك أن أبناء هذا البلد نجباء أذكياء عندما تعطاهم الفرصة وتوفر لهم الظروف المناسبة يحققون الأعمال العظيمة، وللأسف هذا الذي يفقدونه في بلدهم، توفره لهم دول غربية فيبدعون ويتألقون لكن لصالحها… والأمثلة كثيرة في هذا السياق.
[16] – عبد المجيد بنمسعود، مقال بعنوان: “آفاق المادة الإسلامية التنموية في ظل منظومة معوقة” ص53. ضمن كتاب تربيتنا العدد (3) بعنوان: “التربية الإسلامية أساس التنمية الشاملة”، من إصدارات الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، دجنبر 2003.
[17] – خالد الصمدي، “خطاب التربية الإسلامية في عالم متغير“، راجع: “تأملات جديدة في علاقة المعرفة بالقيم في فلسفة التربية الإسلامية”، ص9.
[18] – عمر عبيد حسنة، مقالات في التفكير المقصدي ( رؤية في إطار معرفة الوحي)– المكتب الإسلامي، ط1، السنة 1999، ص54.
[19] – نفس المصدر والصفحة.
[20] – أبو الحسن الندوي، “التربية الإسلامية الحرة”، بيروت-مؤسسة الرسالة-1977م، نقلا عن: “التربية الإسلامية عند العلامة أبي الحسن علي الحسيني الندوي”، إعداد محب الدين أخمد أبو صالح، ص5-6، دار ابن كثير-دمشق، ط1، 2002.
[21] – عبد الرحمن السعدي، “تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”، تحقيق عبد الرحمن اللويحق، مؤسسة الرسالة، ط1، 2000، ص614.
[22] – مقالات في التفكير المقصدي (رؤية في إطار معرفة الوحي): ص54-55.
[23] – نفس المصدر، ص55.
[24] – محمد بن إسماعيل البخاري: “الجامع الصحيح”، كِتَاب فِي الِاسْتِقْرَاضِ، بَاب بَابٌ: العَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَعْمَلُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، حديث رقم: 2409. تحقيق جماعة من العلماء، الطبعة السلطانية بالمطبعة الأميرية، ببولاق مصر، 1311 هـ، ثم صَوّرها بعنايته: د. محمد زهير الناصر، وطبعها الطبعة 1، عام 1422هـ، دار طوق النجاة.
[25] – عبد الكريم عكيوي، “التربية والتعليم في المدرسة المحمدية” دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، سنة2007م ص24.
[26] – مسلم أبو الحسين بن الحجاج، “المسند الصحيح”، كتاب الذكر والدعاء، باب التعوذ مما عمل وما لم يعمل.
[27]– الأبيات من قصيدة مختلف في نسبتها فمنهم من نسبها لأبي الأسود الدؤلي، ومنهم من نسبها لغيره، ومنهم من أوردها غير منسوبة كالماوردي.
[28] – لطيفة أسير “من أجل علاقة مثلى بين المدرس والتلميذ”، مقال منشور بموقع الألوكة، تاريخ الزيارة: 15/01/2022. الرابط: https://www.alukah.net/social/0/75830
[29] – عبر غالبية التلاميذ – خلال استطلاع آرائهم حول علاقتهم التواصلية بالأساتذة – عن حاجتهم الماسة إلى من يتفهم احتياجاتهم خصوصا النفسية منها ، الحاجة إلى من ينصت إليهم ، ويوجههم بعيدا عن التسفيه والتنقيص والسب والتوبيخ بأقبح النعوت التي تعودوا على سماعها من الكبار في الغالب ؟ خصوصا وأنهم يفقدون ذلك في وسطهم الأسري.
[30] – انظر المذكرة الوزارية رقم: 17/116 الصادرة بتاريخ 7نونبر2017 بشأن “التصدي للعنف بالوسط المدرسي”.
وانظر كذلك مقالا لسعيد حموتي، بعنوان: ظاهرة العنف المدرسي والإجراءات التأديبية :(قراءة قانونية في المذكرة الوزارية رقم 14/867)، منشور بموقع مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، تاريخ الزيارة: 15/01/2022، الرابط: https://revuealmanara.com .
[31] – محمد عزيز السجاعي، مقال بعنوان: “السياسة التعليمية أولا”، ص43، ضمن كتاب تربيتنا العدد (3) “التربية الإسلامية أساس التنمية الشاملة”، من إصدارات الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، دجنبر 2003.
[32] – أبو الحسن الندوي، “نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية“، دار الكلمة-القاهرة، الطبعة 1، السنة 2013م. ص44
[33] – محمد عزيز السجاعي، “السياسة التعليمية أولا”، ص45
[34] – عمر عبيد حسنة، مقالات في التفكير المقصدي (رؤية في إطار معرفة الوحي) ، ص55-56 .
[35] – أي دور هنا للمؤسسات الجامعية والمراكز البحثية في توجيه البحث العلمي والتربوي وتطويره تنظيرا وتطبيقا؟
[36] – من العبث الحديث عن الجودة والاتقان في غياب الشروط الملائمة التي تراعي كرامة المعلم الإنسان، الذي يكون نسيا منسيا، ذلك أن أي مشروع للنهضة لا يهتم ببناء الإنسان وتكريمه، بحيث يجعله محورا لحركته ونشاطه الإصلاحي، فمصيره الفشل الذريع، وهذا ما يثبته التاريخ القديم والحديث.
[37]– هذا اللقب الشريف أصبح اليوم وللأسف الشديد أضحوكة بين الناس، ومادة للتفكه والتسلية لما آل إليه وضع المعلم في عصرنا؟
[38]– رواه مسلم: كتاب الطلاق، باب بَيَانِ أَنَّ تَخْيِيرَ امْرَأَتِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا إِلَّا بِالنِّيَّةِ، حديث رقم: 1478.
[39] – عمر عبيد حسنة، مقالات في التفكير المقصدي (رؤية في إطار معرفة الوحي): ص57
[40] – مسلم بن الحجاج، “المسند الصحيح”، بَاب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ، حديث رقم: 4685