الهيرمينوطيقا والكينونة في فلسفة ريكُور
Hermeneutics and Being in Ricoeur’s philosophy
د.عبد الله علي عمران/جامعة عمر المختار، ليبيا
Abdullah. A .Omran/ Omar Al-Mukhtar University, Libya
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 82 الصفحة 45.
ملخص :يهدف البحث إلى تسليط الضوء على نظرية (بول ريكور) الهيرمينوطيقية، والتي حاول من خلالها إنهاء الصراع الدائر بين قطبي الهيرمينوطيقا المتمثلة في الذاتية (عند المدارس الرومانسية) التي تركز على قصد المؤلف، والموضوعية (عند المدارس البنيوية) التي تركز على النص، وذلك من خلال إعطاء مساحة للذاتية يمتلكها للقارئ، ومساحة للموضوعية يختزنها النص، إلى أن يندمج فهم القارئ ومعنى النص ويتحدان لتشكيل ذاتٍ جديدة، تعيد إدخال المعنى في الواقع وتُسهم في تغييره، مما يجعل الفهم شكلا من أشكال الوجود، فالقارئ قبل الفهم ليس هو القارئ بعده. كما يهدف البحث إلى معرفة مدى جدة ونجاح هذه الموازنة التي يقدمها ريكور، والتي تعد امتدادا لنظرية موت المؤلف من جهة وانغلاق النص من جهة أخرى.
الكلمات المفتاحية: هيرمينوطيقا- كينونة-نص-قارئ-فهم.Abstract :
The research aims to shed light on Paul Ricoeur’s hermeneutic theory, through which he tried to end the conflict between the two poles of hermeneutics, which is the subjectivity of the romantic schools that focus on the author’s intention, and the objectivity of the structural schools that focus on the text. This is by giving a space for subjectivity granted to the reader, and a space for objectivity that the text stores until the reader’s understanding and the meaning of the text merge and unite to form a new self, which reintroduces the meaning into reality and contributes to changing it, making understanding a form of existence. The reader before he understands is not the reader after understanding. The research also aims to know the extent of the novelty and success of this balance presented by Ricoeur, which is an extension of the theory of the death of the author on the one hand, and the closure of the text on the other hand.
Key word: Hermeneutic-Being-text- reader –understand.
مقدمة :
حاول الفيلسوف الفرنسي (بول ريكور) (1913-2005 Ricoeur) أن يضع حدا للجدل والصراع التاريخي، بين المدارس الفلسفية، لتحديد من له الحق في احتكار المعنى، هل هو المؤلف؟ الذي يخبئ في النص ما يشاء من معانٍ، قد يصعب على غيره الوصول إليها؟ أم أن معنى النص، مختزن في النص ذاته، من خلال ما تمليه قواعد اللغة؟ أم أن المؤلف يموت، على يدي نصه، بمجرد كتابته له؟ واللغة مجازية، يتحكم في معانيها الرموز والاستعارات، وبالتالي يكون المعنى رهينٌ بفهم القارئ، سواء لقصدية المؤلف أو مضمون اللغة.
وتأتي محاولة ريكور لإنهاء الصراع في إطار مشروعه الأكبر، وهو إعادة صياغة إشكاليات الهيرمينوطيقا، وتقديم الحلول العملية لها، لكي يصب ذلك في النهاية، في مصلحة هيرمينوطيقا اللاهوت، ويصبح من الممكن تجاوز إشكاليات تأويل النص الديني، بما يحافظ على قدسيته، وفي الوقت ذاته، يعطيه قدرا كافيا من المرونة ما تسمح له بأن يتفاعل مع الواقع ويؤثر فيه.
المبحث الأول: صراع التأويلات
أولا: اختلاف النصوص والتقنيات
لا ينكر ريكور فكرة وجود عدد من التأويلات، ولا ينكر وجود صراع بينها، بل يؤكد عليها معتبرا أنها نواة مشروعه الهيرمينوطيقي، وإن هذا التنوع في الهيرمينوطيقيات، يعكس من جهة اختلافات تقنية: حيث تعد القراءة النفسية شيئا، كما يعد التفسير التوراتي شيئا آخر. والاختلاف هنا ينصب على القواعد الداخلية للتأويل. ولكن هذه الاختلافات التقنية تحيل بدورها إلى اختلافات في المشروع تتعلق بوظيفة التأويل: فالأمر يختلف عند استخدام التأويل بوصفه سلاحا للشك ضد الوعي الزائف، وأن يستعمل التأويل بوصفه تحضيرا لسماع أفضل للذي جاء به المعنى. ([1]) يضاف إلى ذلك التنوع في القراءات الناجم عن الكتابة والبعد الزمني والثقافي، وأيضا الكتابات الرمزية والصورية، التي تمثل تسطيرا مباشرا للمعاني الفكرية، ويمكن أن تُقرأ قراءات مختلفة. ([2])
كما أن المشكل التأويلي من وجهة نظر ريكور، قد طرح أولا في حدود الشرح أي في إطار علم يقترح نفسه لفهم النص، انطلاقا من قصده وعلى أساس ما يحاول أن يقول، وإذا كان الشرح قد أثار أي مشاكل هيرمينوطيقية، فذلك لأن أي قراءة للنص، مهما كانت مرتبطة بالجوهر، إنما تتم دائما في داخل أمة (أو جماعة أو مجتمع) وتقاليد تلك الأمة. فقراءة الأساطير اليونانية تتطلب هيرمينوطيقا مختلفة جدا عن ذلك التأويل الحاخامي للتوراة وكذلك تأويل العهد القديم. ([3]) أي أن مشكلة الهيرمينوطيقا كانت تدور في فلك الموضوعية المرتبطة بالنص، ولكنها تحولت إلى إشكالية متداخلة عندما تتم قراءة النص داخل جماعة. أو اختلاف موضوعات النصوص، واختلاف سياقاتها الفكرية والثقافية.
ثانيا: الموضوعية والذاتية (النص – القارئ) (الشرح – الفهم)
لعل أهم التأويلات المتصارعة التي ركز عليها ريكور، هي تلك التي تتعلق بإشكالية (الشرح-الموضوعية-النص) و (الفهم-الذاتية-القارئ) و يمكن القول بشكل عام إن جدلية الشرح (التفسير) و الفهم، أو جدلية الموضوعية و الذاتية قد تسربت إلى الهيرمينوطيقا، في سياق الصراع بين منهجيات العلوم، والتي ترتبط فيها الموضوعية بالعلوم الطبيعية، والذاتية بالعلوم الإنسانية، أو على حد تعبير (دلتاي)، يعتبر التفسير هو خاصية العلوم الطبيعية، بينما يمثل الفهم خاصية لعلوم الفكر. ([4])
وأصبحت بعد ذلك جدلية الشرح (الموضوعية) و الفهم (الذاتية)، المنتشرة على مدار النص، قضية التأويل الكبرى، وتشكل الرهان الأكبر، والمشكلة المركزية للهيرمينوطيقا. ([5]) وهي مرتبطة بجدلية أخرى، تلك المتعلقة بالجدل الدائر حول من يمتلك المعنى؟ هل هو قصد المؤلف؟ أم لغة النص؟ أم تأويل و قراءة القارئ؟ ومن هنا يمكن تحديد الإطار العام الذي جاءت فيه الانتقادات الموجهة للقراءة، لكونها تصنف ضمن (الذاتية) أو (الفهم) من طرف أنصار (الموضوعية) أو (الشرح).
فهناك من يؤيدون شرح دون فهم، ويرون أن النص آلة عمل داخلي محض، وبالتالي تستبعد كل الأسئلة النفسية، سواء التي تنتمي لمستوى أعلى (تهتم بقصد المؤلف) أو التي تنتمي إلى مستوى أدني (تهتم باستقبال القراء) ولا حتى الوسطى (التي تعنى بكثافة النص من ناحية المعنى أو الإرسالية)، أما أنصار الفهم، فهم يرون بضرورة التواصل بين روح القارئ وروح المؤلف كما يحدث في الحوار وجها لوجه، وبالتالي يسقط أنصار الشرح باسم الموضوعية كل علاقة ذاتية، بينما يسقط أنصار الفهم كل تحليل موضوعي. ([6])
ومثلما هناك فلاسفة ومفكرون انتقدوا ذاتية القراءة، هناك من استهجن القاعدة المسماة موضوعية، وأنها لا يفهم منها شيء في النقد الأدبي، متسائلين عن نوعية العمل الأدبي (الموجود خارجنا)؟ هذا الخارج الأثمن من كل المعايير.([7]) كما أنكر بعض النقاد وجود أي علاقة من هذا القبيل بين النقد الأدبي ومناهج العلوم الطبيعية، بل وأنكروا أيضا إمكانية وجود صراع بين مناهجهما أصلا لاختلاف مستويات الحقيقة بينهما، حيث تختلف الحقيقة الإبداعية ومعاييرها عن الحقيقة و المعايير المطبقة في العلوم الفيزيائية، حيث ترتبط الحقيقة الإبداعية بالقيم الإبداعية والروحية في الإنسان، وهو ما يخرجها من نطاق الحكم عليها باستخدام تلك المعايير المتبعة علميا. في حين أنه في المقابل ظهرت مدارس نقدية تحت تأثير العلم التجريبي خاصة في مجال علم النفس والأنثربولوجيا، بل وتحت تأثير أفكار الوضعية المنطقية من حيث اعتبارها أن أشكال القول ذات المعنى هي المنطقية (المتسقة) أو التجريبية (القابلة للتحقق).([8])
ثالثا: بين نظرية النص و نظرية التلقي
يرى ريكور إن جدلية الكتابة والقراءة لكونها جوهرية بالنسبة للتأويل، فهي تلقي بظلالها على تحديد أيهما أكثر أهمية، إذا نظرنا إلى الكتابة على أنها تمثل (النص) وأن القراءة تمثل (المتلقي)، بل يمكن القول إن تاريخ الهيرمينوطيقا يتلخص في هذه الجدلية، القائمة على ارتباط الموضوعية بالنص وارتباط الذاتية بالتلقي.([9]) والسبيل الوحيد لإنهاء هذا الصراع (صراع التأويلات) والتغلب عليه، هو بيان أن هذين الموقفين يرتبط أحدهما بالآخر ارتباطا جدليا. ([10]) أي أن رؤية ريكور تتمثل في إثبات حدوث هذا الصراع، ولكن دون أن يؤيد أحد الطرفين على حساب الآخر، بل انتهج مبدأ إثبات عدم تعارضهما والتكامل بينهما.
ولكنه يؤكد في الوقت نفسه، أن الخلاف أو الصراع بين النص و المتلقي، هو صراع حول (ملكية المعنى) أو (التأويل)، وهو جزء لا يتجزأ من كل مشروع تأويلي، وعليه لا يمكننا النظر إلى مشكلة (تملك المعنى) على أنها مشكلة بسيطة، كما لم يعد بالإمكان أن تحظى بحل مباشر.([11]) وذلك لأن مشكلة تملك المعنى تصبح أمرا لا يقل مفارقة عن التأليف، فيتداخل حق القارئ بحق النص في نزاع يولد حركية التأويل برمتها.([12])
إضافة إلى أن مفهوم التملك بحاجة إلى نظير نقدي، ومن دون هذه التتمة المعرفية، يمكن أن يتعرض التملك لخطر سوء الفهم، ويحدث ذلك بطرق عدة فقد يبدو التملك عودة إلى الادعاء الرومانسي (ادعاءات المدارس الرومانسية القائمة على فهم المؤلف).([13]) وتنبع فرضيات التأويلية ذات الطابع النفسي-كشأن فرضيات التأويلية المعاكسة لها- من سوء فهم مزدوج لجدل الواقعة والمعنى في الخطاب، وجدل المغزى والإحالة في المعنى نفسه، ويفضي سوء الفهم ذو الشقين هذا بدوره إلى إسناد مهمة مغلوطة للتأويل، مهمة تجد أفضل تعبير عنها في الشعار الشهير(نفهم المؤلف بأفضل مما فهم نفسه).([14])
وبشكل عام لم يقنع ريكور رغم أنه يعمل داخل إطار هيرمينوطيقا القارئ -إن صح التعبير- بالذاتية الصميمية المرتبطة بهذه الهيرمينوطيقا. ([15]) ولذلك لم يرفض ريكور رفضا قاطعا متحيزا الدعوات التي قادتها البنيوية وقرينتها السيميائية إلى الانشغال باللغة كنظام مغلق، بل تمكن من استلهامها محققا نقلة تجاوزتها دون أن تلغيها.([16])
وكان ريكور بشكل عام يرى أن هناك قصورا يشوب كل من التصور البنيوي والتصور الرومانسي: فبالنسبة للتحليليين، المنتمين إلى شرح دون فهم، يعتبر النص آلة اشتغال داخلي محض، لا يجب طرح أي سؤال-ذي شهرة نفسية- عليها، لا من أعلى-من ناحية قصد المؤلف- ولا من أسفل-من ناحية استقبال القراء- ولا حتى في كثافة النص من ناحية معنى ما. فالرومانسيون، لا يفصلون بين النص، وقصدية مؤلفه، وسيكون الفهم هو إقامة تواصل ما بين روح القارئ وروح المؤلف، أو اتحاد شبيهة بالاتحاد الناشئ عن الحوار وجها لوجه، وبهذا سنقصي -باسم موضوعية النص- كل علاقة ذاتية، من طرف الشرح، وفي المقابل نقصي -باسم ذاتية ملائمة الإرسالية- كل تحليل موضوعي معلن عنه غريبا على الفهم.([17])
وتبعا لذلك حاول ريكور تجاوز عيوب الطريقتين، وإيجاد نوع من التوازن بين الموضوعي و الذاتي، ولذا رغم تأكيده على الموضوعية، عاد ليعطي دورا للذاتية، لكونه يرى أن مصطلح التأويل لا ينبغي أن ينطبق على حالة فهم جزئية منفردة، بل على كامل العملية التي تحيط بالشرح والفهم، وبالتالي لا مجال لنكران الطابع الذاتي للفهم، الذي يصب فيه الشرح، إذ ثمة دائما شخص ما يستقبل المعنى، يمتلكه ويحوزه، لكن لا وجود مطلقا لانقطاع عنيف، للتيار بين تحليل موضوعي لبنيات النص، وبين تلاؤم الذوات مع المعنى، فبين الاثنين ينتشر عالم النص، ومدلول الأثر الأدبي. ([18])
فلا يجب على تأويل ما أن يكون محتملا فقط، بل يجب أن يكون أكثر احتمالا من غيره. فإذا كان هناك أكثر من طريقة لبناء النص، فإنه لا يصح أن تكون كل التأويلات متساوية، ومن الممكن دائما أن نترافع في صالح تأويل أو ضده، أن نواجه بين التأويلات، أن نفض فيما بينها وأن نصبو إلى صلح ما بينها، حتى وإن كان ذلك بعيد المنال. ([19]) وبناء على هذه التطلعات التأويلية يبدأ ريكور في وضع الإطار العام لتحديد ضوابط مشروعية أي تأويل، لكي لا يضيع المعنى مرة أخرى، ولا يؤدي التأويل وظيفته الأساسية، بل قد يقوم بعكسها تماما.
وعليه يفترض ريكور حالة من التكامل لهذه الجدلية، تنطلق من جعل العلاقة بين الشرح والفهم لا تبدو كما عرفت تاريخيا بأنها علاقة إقصاء، بل على اعتبار أنهما قطبان في علاقة معقدة يمكن أن نسميها تأويلا.([20]) فإن كانت ظاهرة الكتابة تدعو إلى علاقة جدلية بين لحظة الشرح و لحظة الفهم؛ فيمكن على هذا الأساس التوصل إلى اقتراح يكون بالصياغة الآتية (الشرح الأوفر من أجل فهم أفضل) وهي الصياغة التي صارت شعار الهيرمينوطيقا كما تصورها ريكور ونهض بممارستها. ([21])
وهو بذلك اتخذ المسار الضيق و الخط الرفيع الممدود بين دعوة الموضوعية -المرتكزة على النص نفسه- وبين البقاء في حالة انفتاح معين على ما يعتمل في باطن النص. ([22]) ويشق انطلاقة جديدة، ترفض من جهة عقم دعاوى انغلاق النص، دون أن تغفل خصوصية البناء الرمزي للنصوص وخصائصها اللغوية الأسلوبية، وهو ما يضمنه مفهومه في التوسط الرمزي بوصفه مكونا أساسيا للوجود الإنساني.([23]) أي أنه يريد أن يحتفظ بالتأويلية ويحافظ على بعديها معا، على البعد الذاتي من حيث الوظيفة الإسنادية، وعلى البعد الموضوعي في وظيفة الهوية.([24])
وبشكل عام لقد وضع ريكور الهيرمينوطيقا عند نقطة التقاطع بين الصياغة الصورية (الداخلية) للعمل، وبين إعادة التصوير (الخارجية) للحياة. ([25]) مميزا بذلك بين جانبين، جانب عملية التأويل الذاتية كفعل على النص، عن عملية تأويل موضوعية تكون فعلا يقوم به النص.([26]) ولعل هذا ما جعل ريكور بدا مترددا في مواضع كثيرة خشية الانحراف نحو أحد الجانبين، وهذا الحرص المفرط أثر سلبا على وضوح وجهة نظره، ووضوح معالم نظريته.
كما تجدر الإشارة إلى أن هذا السبيل ليس ابتكارا جديدا، ابتدعه ريكور، بل هو أحد الخيارات التي طرحتها المدارس التأويلية لتجاوز إشكالية الموضوعية والذاتية، فهناك من تبنى ذات النهج الذي يحافظ على الذاتية من خلال إقحام القارئ، كما يحافظ على موضوعية النص، وهناك العديد من المشاريع التي اعتمدت على ذات الفكرة، من منطلق أن للعمل الأدبي قطبان، القطب الفني يشير إلى النص الذي أبدعه المؤلف، والقطب الجمالي وهو يشير إلى إدراك القارئ، وينتج عن ذلك أن العمل الأدبي لا يمكن أن يتطابق مع النص تماما، أو مع إدراك النص، إنما هو يشغل منزلة وسطا بين القطبين، فالعمل يتعدى كونه نصا، لأن النص يستمد حياته من كونه مدركا، والإدراك مستقل عن مزاج القارئ الفردي، رغم أن القارئ يتأثر بنماذج النص المختلفة. ([27]) وعلى هذا الأساس فأي فعل للقراءة هو تفاعل مركب، بين أهلية القارئ (معرفة الكون الذي يتحرك داخله القارئ)، وبين الأهلية التي يستدعيها النص. ([28]) وبهذا يتفق ريكور مع التوجه العام الذي سيطر على نظرية القراءة، إذ يدعو للحفاظ على حقوق النص وحقوق المؤولين أيضا. ([29])
المبحث الثاني:هيرمينوطيقا ريكور امتزاج (الدلالة) و (الذات)
أولا:الدلالة تنقذ الدلالة (شيء النص اللا محدود)
في سياق تأكيده على ضرورة التكامل بين طرفي عملية التأويل (النص و القارئ) نبه ريكور إلى أهمية النص أو ما يطلق عليه (شيء النص اللا محدود) معتبرا أن المعنى الكامن في النص، هو الجزء الأكثر أهمية، والذي هو لحظة الموضوعية بل (المثالية). ([30]) فتدوين الخطاب يجعل من الفهم الذي يتوسط الشرح ضروريا وليس ممكنا فحسب، فلا شرح تام بدون فهم، و لكن ذلك لا يعني وقوعنا في النفسانية مجددا، التي تذهب إلى حياة نفسية خارج النص، بل تعني فهم المتكلم عنه (الشيء اللا محدود للنص) ([31]).
ويعتبر ريكور أن الكيفية الأشد جذرية التي وضعت الهيرمينوطيقا بواسطتها أولية الذاتية موضع التساؤل، هي اعتبار نظرية النص حجر الزاوية، وذلك بقدر ما يغدو معنى النص مستقلا بالفعل بالقياس إلى القصد الذاتي لصاحبه.([32]) ويؤكد ريكور على أن قراءة النص وفقا لعلاماته الداخلية التي تتبناها مدرسة النقد البنيوي، ليست ممكنة فحسب، بل مشروعة أيضا، فهي تنبع من الاعتراف بما يسمى بتعليق (الإحالة الظاهرية) أو كبتها، فيحصر النص بعد العالم في الخطاب، ويقطع ارتباط الخطاب بالقصد الذاتي للمؤلف.([33]) وبهذا يعلن ريكور صراحة توافقه مع التصور البنيوي الذي يجعل من النص مغلقا من جهة المؤلف، حيث تنقطع صلته بالنص بمجرد كتابته.
بمعنى آخر يرى ريكور إن الخطاب لا يمكن إنقاذه، حين يحرف التدوين (أو الكتابة) روحيته، إلا من خلال (الدلالة) وحدها الدلالة تنقذ الدلالة، دون المساهمة المادية والنفسية للمؤلف، ودلالة النص العميقة ليست هي ما أراد الكاتب قوله، بل ما يقوم عليه النص، بما فيه إحالاته غير المعلنة، وإحالة النص غير المعلنة هي نوع العالم الذي تفتحها دلالته العميقة، لذا ما يجب علينا فهمه ليس شيئا متخفيا وراء النص، بل شيء معروض أمامه. ([34])
وعليه فما ينبغي تملكه، ليس هو قصد المؤلف، الذي يفترض أنه يتخفى وراء النص، وليس السياق التاريخي المشترك بين المؤلف وقرائه الأصليين، و لا حتى فهمهم هم أنفسهم من حيث ظواهر تاريخية وثقافية، ما ينبغي تملكه هو معنى النص نفسه، مفهوما بالمعنى السيال المتحرك بوصفه اتجاه الفكر الذي يفتحه النص.([35]) وعلى هذا النحو، قد تخلصت الهيرمينوطيقا من أولوية الذاتية، لكي تصبح مهمتها البحث عن الديناميكية الداخلية الكامنة وراء بنية العمل الأدبي، ومن جهة أخرى البحث عن قدرة العمل على أن يقذف نفسه خارج ذاته، وينتج عالما يكون فعلا هو شيء النص اللا محدود. ([36])
ورغم ذلك لا تنقطع صلة النص بالعالم، لكون النص يحتفظ دائما بإحالة إلى العالم، لأن مغزى النص ليس شيئا وراء النص، بل هو أمامه، ليس بالشيء الخفي، بل هو شيء مفضوح، وما ينبغي أن يفهم ليس الموقف الأولي للخطاب، بل ما يشير إلى عالم ممكن، بفضل الإحالة غير الظاهرية للنص، وهنا تكون علاقة الفهم بالمؤلف والسياق، أقل مما هي عليه في العادة، لأنه يريد الإمساك بقضايا العالم التي تفتح عليها إحالة النص، وفهم النص يعني متابعة حركته من المغزى إلى الإحالة، ومما يقوله ( أي المعنى) إلى ما يتحدث عنه ( أي العالم)، إذا يتكلم النص عن عالم ممكن وعن طريقة ممكنة يوجه بها المرء ذاته فيه، وأبعاد هذا العالم يفتحها ويفضحها معا النص نفسه.([37])
وقد أشار ريكور إلى أهمية ما أطلق عليه اسم (الملائمة) وهي إسقاط الأثر الأدبي من خلال المعنى، بوساطة من النص، إذ يعتبر الوسيط الوحيد، الذي فيه يمكن لنا أن نفهم به أنفسنا، لكون الملائمة تواجه شيء النص اللا محدود أو عالم الأثر الأدبي، والذي يعتبر اقتراحا لعالم ما، وهو شيء ليس مستترا في قصد (أو نية كاتب) يوجد خلف النص، بل هو موجود أمام النص حيث يبسطه الأثر الأدبي بالكشف عنه أو الإيحاء به. ([38])
وما يود ريكور قوله باختصار، أن النص مهم جدا في عملية التأويل، لعدة أسباب: الأول أنه هو من يحمل المعنى (شيء النص اللا محدود) وهو معنى مستقل عن كل الروابط النفسية للمؤلف (ما يريد النص قوله لا ما يريد المؤلف قوله) لأنه مرتبط بعالم اللغة، والسبب الثاني، هو أن النص يتضمن بنية داخلية، يتحرك خلالها المعنى، لا يمكن الوصول إليها إلا من خلال النص نفسه، والسبب الأكثر أهمية، هو أن النص يحمل إحالة إلى العالم، حيث تعتبر المرجعية مهمة لفهم معنى النص. وبالتالي فإن النص يمثل الجانب الموضوع من التأويل كما يمثل حلقة الوصل بين القارئ والعالم.
ثانيا: القارئ مؤولا
يرتكز الجانب الموضوعي لمشروع ريكور، على أهمية النص، وانغلاقه من جهة مؤلفه، وهو يشكل عام لا يعد الجانب الأكثر أصالة، لكونه يتوافق فيه ويكرر أفكار البنيوية، بينما الجانبي الذاتي من عملية التأويل التي يقترحها ريكور، يعد هو الأكثر تعقيدا، والإضافة الأبرز في كل مشروعه التأويلي، والتي يمر فيها التأويل بعدة مراحل، تبدأ من لحظة امتلاك المعنى من طرف (القارئ-الذات) ومن ثم تغير هوية الذات بسبب تملكها للمعنى، إلى أن تقوم بالذات بإعادة إدراج المعنى في الوجود، مما يجعل التأويل عملية معقدة يشارك فيها كل من النص والقارئ والعالم المتصل بهما.
ويؤكد ريكور بداية أن التأويل ليس موضوعيا بالمطلق، بل هناك شيء من الذاتية، وذلك لأنه يعد في أحد جوانبه تخمينا، فهو محاولة لإعادة ربط الجُمل داخل النص- خلال إعادة بناء النص- وبما أنه لا توجد كيفية واحدة لربط الجمل، فإن ذلك يضفي صفة التخمينية على التأويل. ([39]) كما أن هناك مفهوم ذاتي للتأويل وهو تملكنا لقصد النص، وهو لا يعني نية المؤلف المفترضة أو معيشة الكاتب، بل ما يريد النص أن يقوله. ([40])
ومن هنا تحتل العلاقة بعالم النص، مكان العلاقة بذاتية الكاتب، وفي الآن نفسه، تكون مشكلة ذاتية القارئ قد تزحزحت أيضا، لأن الفهم لا يعني إسقاط الذات على النص، بل عرض الذات على النص.([41]) فالمعنى هو نتيجة تلاقي عالمين، عالم النص، وعالم القارئ، ولذلك لا يتعلق التأويل بذات المؤلف، بل بموضوعية النص، كما يفسح المجال أمام ذاتية القارئ، كما تصبح القراءة أو التأويل جزءا من فهم الذات نفسها وليس فقط فهما خاصا للنص.
وهناك حالتان يخصان علاقة المعنى بالقارئ، وهما يتبعان التمييز بين عتبتين للفهم: عتبة المعنى (لحظة القراءة الأولى)، وعتبة الدلالة، التي هي لحظة أخذ القارئ للمعنى مرة ثانية، ولحظة إنجازه في الوجود، ولذا فإن المسار الكلي للفهم سيذهب من المعنى المثالي إلى الدلالة الوجودية، ولذلك لا يمكن للتأويل أن يفرط في لحظة موضوعية النص، وإن موضوعية النص-المنظور إليها بوصفها مضمونا وفحوى المعنى و لزومه- هي التي ترسي الحركة الوجودية للتملك، ومن غير هذا التصور للمعنى، ولموضوعيته وحتى مثاليته، فإن أي نقد نصوصي لن يكون ممكنا. ([42])
وتعتمد المحاولة التي تبناها ريكور على الجمع بين دلالة النص، وبين فهم المتلقي؛ على أن تكون الدلالة حرة بشكل كامل، ولا تتحكم فيها إلا بنية اللغة و قوانين الدلالة والاستعارة والرمز، أي أنها منفصلة تماما عن المؤلف، في تأكيد من طرف ريكور على (موت المؤلف)، لذلك تكون دلالة النص معلقة، تنتظر من يعيد ربطها بالعالم، أما فهم المتلقي، فهو يكون لدلالة النص، ويتم ذلك من خلال عملية معقدة، يعيد فيها المتلقي تشكيل ذاته إزاء النص، (فالمتلقي يفهم نفسه تزامنا مع فهم النص، ويصبح شخصا آخر بعد الفهم) ومن ثم يقوم المتلقي بإعادة دمج المعنى في الوجود، (أي استخدام المعنى لإعادة فهم الحياة و تحويله إلى سلوك)، وبالتالي يجمع ريكور بين موضوعية النص (شيء النص اللا محدود) وبين ذاتية المتلقي (التي تتشكل أثناء الفهم و تعيد إدخال المعنى في الوجود).
ثالثا: الذات في مرآة المعنى
يعتبر ريكور أن فلسفته في أحد جوانبها هي فلسفة تأملية، بمعنى أنها تهتم بفهم الذات الفاعلة في المعرفة والإرادة في إطار الوضوح العقلي و المسئولية الأخلاقية، والهيرمينوطيقا هي المعنية بطرح السؤال عن علاقة المعنى بالذات، ولا يمكن فهم الذات إلا من خلال وسيط (علامات- نصوص- رموز).([43]) فإننا لا نفهم أنفسنا إلا بخفايا علامات البشرية المبثوثة في الآثار الثقافية، ماذا كنا سنعرف عن الحب والكراهية، عن الأحاسيس الأخلاقية، وعن كل ما نسميه ذاتا، لو لم ينقل ذلك إلى كلام و لم يبين بالأدب؟.([44])
لهذا الغرض، صاغ ريكور رؤية تجمع بين التأويل والذات، حتى حول الهيرمينوطيقا من أداة لتفسير النصوص، إلى أداة تهتم بتفسير النصوص وبتفسير المؤول لذاته، لذلك ينظر إلى الفهم بوصفه وعيا، لأنه قادر على كشف إمكانات لوجودنا في العالم لم نكن نعيها قبل الشروع في التأويل، وعلى هذا الأساس يمكن القول أن الذات تتمخض عن عملية الفهم، وفهم الذات بدوره لا يتم إلا في حضور النص، لكن هذا لا يعني أن ننظر إلى التأويل بوصفه ذاتيا، لأننا مطالبون كما يرى ريكور بامتلاك قصدية النص التي تتطابق مع ما يريده النص الذي يلقي بنا داخل معناه وهذا يعني أن التأويل يمثل فعل النص بالنسبة لريكور؛ والتأويل هو الفعل الذي تمارسه اللغة. ([45])
ولقد أعطى ريكور أهمية كبرى للتأويل المزدوج، حيث يتم تأويل النص والذات في وقت واحد، وإن من أهداف أي هيرمينوطيقا، هو اتحاد تأويل النص مع تأويل الذات، بهذا المعنى يصبح التأويل ليس مجرد عملية يقوم بها القارئ على النص، بل إن الذات تؤول ذاتها، وذلك بمرورها عبر خفايا العلامات الثقافية، وتعيد الذات تشكيل ذاتها أيضا، إلى الدرجة التي يصبح فيها فهم النص مجرد وسيط في علاقة الذات بذاتها، ويصبح التأويل هو محاولة لفهم الذات لنفسها، فيكون تشكل الذات، وتشكل المعنى، في التأمل الهيرمينوطيقي أو الهيرمينوطيقا التأملية متزامنين. ([46])
وبهذا المعنى يتحول النص إلى ما هو أشبه بالمرآة التي تنعكس عليها صورة الذات، وهذا الانعكاس ليس مجرد انعكاس بسيط، بل هو هو غاية في التعقيد إلى الدرجة التي يكشف فيها خفايا تلك الذات، ويسهم في نقدها ويفضح مغالطاتها وأوهامها، ومن ثم يشارك النص في تخلص الذات من كل تلك الأوهام، ويعيد تشكيلها، فأن يفهم القارئ ذاته معناه أن يفهم ذاته بإزاء النص وأن يتلقى منه شرائط انبثاق ذات، هي غير (أناه)، التي تظهرها القراءة، تلك الذات التي شكلها الفهم من طرف شيء النص غير المحدود(المعنى الموضوعي للنص) أو الأثر الأدبي.([47]) أي أن القارئ يصبح شخصا آخر بعد قراءة النص، لكون ذاته لم تعد هي تلك التي كانت قبل القراءة والفهم، بسبب خضوعها لتأثير المعنى.
رابعا: التأويل و الزمن (السرد)
سبقت الإشارة إلى أن جل تركيز ريكور، كان على الجانب الذاتي من التأويل، من خلال التركيز على العلاقة بين النص والقارئ، وإعادة تشكيل الذات إزاء النص، وهو ما أطلق عليه تأويلية جديدة، وهي تأويلية تضع في الاعتبار مشكلة الزمن، سواء الزمن الذي كتب فيه النص أو زمن القراءة وإعادة إقحام المعنى في زمن مختلف، ولعل أهم ما يمكن الإشارة إليه في هذا السياق هو مصطلح السرد، والذي يعده ريكور واحدا من أوسع أصناف الخطاب. ([48]) فالتأويلية الجديدة، تتوجه إلى مشكلة الزمان والسرد، وتكون فيها العلاقة التي تربط القارئ بالنص، هي العلاقة التي تربط عالم (حياة) القارئ بعالم النص. ([49])
ولقد رسم ريكور مستخدما كل من نظرية التاريخ ونظرية الأدب نموذجا معقدا للسرد، وهو على صلة بالتمييز بين التاريخ History والخيالFiction . ([50]) إذ ميز بين نوعين من السرد: السرد التاريخي Historical narratives والسرد الخيالي Fictional narratives، على أنهما نموذجان للحبكة السردية، واللتان يسمحان بالتعبير عن الزمن البشري. ([51])
وترتبط عملية السرد، بالتحولات التي تطرأ على الذات أثناء لقائها بالنص، إذ يلعب السرد دورا أساسيا في اللحظة التي تقف فيها الذات أمام النص و الواقع، فالسرد هنا يعد هو البنية الأساسية لفهم الذات، حيث يضع كل من الومضة الاسترجاعية و الومضة المستقبلية في وجود واحد، ويقوم أيضا خلال ذلك ببناء وترتيب ما كان يبدو على أنه مجموعة أحداث عشوائية. ([52]) وبذلك تعد الذات عنصرا محوريا في عملية السرد، لأنها هي من تقوم بتلك المهمة، كما أنها هي التي تشعر بالزمن، مما يجعلها تقف على ناصية زمنين مختلفين في لحظة واحدة، إعادة ترتيب الأحداث، التي يجعلها الفرق الزمني تبدو و كأنها عشوائية.
فالقارئ يحاول أن يعيش ما يقرأ أو يسرد، و لقد طبق ريكور على العلاقة بين السرد و الحياة، حكمة سقراط القائلة أن الحياة بلا عناء لا تستحق أن تعاش، وذلك لأن هناك هوة بين السرد و الحياة، وهي تتمثل في الحكم على القصص بأنها تروى وأن الحياة تعاش، ويجب ردم هذه الهوة من خلال إعادة النظر في طرفيها (الحياة-السرد) ومعرفة كيف يوصلنا السرد (الخيال) إلى الحياة، وبالتالي تتلخص فكرة الردم في أن عملية التأليف لا تكتمل في النص وحده، بل لدى القارئ. ويمكن القول أن معنى السرد أو دلالته تنبثق من التفاعل بين عالم النص وعالم القارئ، هكذا يصبح فعل القراءة، هو اللحظة الحاسمة، فعليه ترتكز قدرة السرد على صياغة تجربة القارئ. ([53]) بمعنى آخر تعد القراءة هي اللحظة التي تمارس (الوساطة) بين زمنين أو عالمين مختلفين، هما زمن النص وزمن القارئ.
وذلك لأن امتلاك نص من خلال القراءة، يعني نشر أفق عالم ضمني يحتوي على الأفعال والشخصيات وأحداث القصة المروية، و بهذه النتيجة، ينتمي القارئ دفعة واحدة إلى أفق تجربة العمل في الخيال، وإلى فعله الواقعي. إن أفق التوقع وأفق التجربة يواجهان باستمرار أحدهما الأخر وينصهران، فالقراءة هي القادرة على جعل العيش ممكنا في عالم العمل الخيالي. كما أن القصص تروى وأيضا تعاش على نحو متخيل. ([54]) أي أن القارئ في لحظة القراءة ينتمي بمخيلته إلى الأحداث التي يرويها النص، وينتمي إلى واقعه و حياته التي يعيشها في نفس الوقت. وإلى هنا ينجز السرد المهمة الأولى التي حملها له ريكور، وهي إعادة رسم العلاقة بين اللغة والوجود.
خامسا: التأويل و الهوية (السردية-الذاتية)
قد وجهت انتقادات للفكرة التي يطرحها ريكور، والمتمثلة في التغييرات التي تطرأ على الذات أثناء امتلاكها للنص بفعل القراءة، لأنه عندما تدل القراءة على ما يشبه وعيي الباطني بذاتي، وتحور القراءة ما أدعوه (أنا) فهل لي الحق أن أدعوه (أناي)؟ لأني الآن تحت سلطة القراءة معار إلى آخر، وهذا الآخر يمارس كل فاعليته من (خلالي). وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاستحواذ لذات أخرى على ذاتي، لا يحدث فقط على مستوى التفكير الموضوعي، الذي يتعلق بالصور والإحساسات والأفكار التي تقدمها لي القراءة، بل يحدث أيضا على مستوى ذاتيتي نفسها، فعندما أستغرق في القراءة فإن ذاتا أخرى تسود، ذاتا تفكر وتشعر عوضا عني. ([55]) أي أن الذات تسلب منها ذاتيتها لصالح ذات أخرى تتلقها عبر النص، وتحاول أن تعيش دور ذات أخرى من خلال إعادة إدراج المعنى في الواقع، وهذا هو جوهر النقد الموجه لهذا النوع من الذاتية، إذ هو في الحقيقة سلب للذاتية وليس تأكيد لها.
وحاول ريكور تجاوز النقد السابق، الذي يقوم على استحواذ ذات أخرى على ذاتي خلال القراءة، وذلك من خلال التمييز بين نوعين من الهوية، يحافظ به على الهوية الأصلية، ويضيف هوية أخرى، تمارس دور المتأثر بالنص عند القراءة، ويكمن الإطار المفهومي الذي يقترحه ريكور للتمعن في التمييز الجذري الذي يقيمه بين استعمالين رئيسيين لمفهوم الهوية، هما الهوية (مطابقة) Identity as sameness، وبين الهوية (ذاتية) Identity as selfhood، أرى أن كثيرا من المصاعب التي تموه سؤال الهوية الشخصية تنشأ نتيجة الإخفاق في التمييز بين هذين المعنيين لكلمة هوية. ([56])
يميز بين هوية ذاتية، تتغير وتبقى في الوقت عينه محافظة على ذاتها، رغم مرور الزمان، وبين هوية ثابتة، لا تتغير ليست هي الذات، بل ما يسمى بالإنكليزية the same التي تتميز عن the self. هذه الهوية التي يمكن تسميتها بالفرنسية بالتعبير le meme أو memete يمكن أن ندعوها بالعربية العين أو ما هو عينه أو العينية، وهي أقرب إلى مفهوم الجوهر الذي لا يتغير بل يظل محافظاً على ما هو عليه، على الرغم من مرور الزمان.([57]) وكأن ريكور هنا يلجأ إلى تقسيم الذات إلى جوهر لا يتغير و عرض يتغير رغم بقائه متصلا بالجوهر، أي أن هناك جوهرا عاما للقارئ وهناك تغيرات تطرأ عليه نتيجة القراءة.
ومن هذه التغيرات التي تطرأ على الذات دون أن تمس هويتها، هي تشكل هوية جديدة مرتبط بالسرد، وهي الهوية السرديةNarrative Identity ، ويعد ريكور هو أول من صاغ هذا المصطلح، في كتابة الزمان والسرد، ثم بعد ذلك قام بتعريفها بشكل أكثر وضوحا على أنها نوع من الهوية التي يكتسبها الموجود البشري بوساطة الوظيفة السردية، وهذه الهوية السردية تتطور بالتفاعل مع السرد، من خلال عملية تفاعل ثلاثي: (الرؤية المستقبلية)، وهو ما قبل الفهم الذي يستدعيه النص، و(التكوين)، وهو بنية المؤلف للنص، وتفاعل القارئ مع عالم السرد للنص، وأخيرا (إعادة التصور) وهو الانصهار الذي يحدث ما بين عالم النص وعالم القارئ. ([58])
سادسا:-التأويل و الكينونة
يرى ريكور أن للهيرمينوطيقا هدفين: الأول معرفي و الثاني أنطولوجي، وأن المحاولات السابقة حاولت تحقيق أحد الهدفين فقط. ([59]) وهو الهدف المعرفي، أي أن الهيرمينوطيقا السابقة عليه، كانت تهتم فقط بامتلاك المعنى، دون أن تهتم بأي تحول وجودي تابع لذلك، ولذلك سعى بإدراجه لمشكلة المعنى، إلى أن يجعل المقاربة الهيرمينوطيقية في صلب بحث وجود الذات والذاتية في الفكر الغربي المعاصر، حيث يجعل التأويل كإحدى بؤر الشرط الإنساني، لأن كل فرد وكل جيل سيجد نفسه مدفوعا إلى إعادة تأويل العالم الذي يوجد فيه. ([60])
وبهذا ربط ريكور بين اللغة والمعنى والوجود، فاللغة ليست عالما مستقلا بذاتها، بل ليست عالما، ولكوننا نعيش في العالم، و نتأثر بما فيه من مواقف، ونتجه بأنفسنا كلية إلى هذه المواقف، فإن لدينا ما نقول، ولدينا تجارب وخبرات ننقلها للغة، وهذا الجدل من الأصالة بحيث يمكن أن يحكم كامل نظرية اللغة بصفتها خطابا، بل يمكنه أن يقدم إعادة صياغة للجدل عن الواقعة والمعنى. فلو لم تكن اللغة تحيل بعمق إلى الخارج، فهل كانت ستكون ذات معنى؟([61]) أي أن اللغة التي لا تشير إلى العالم وتساعدنا في فهمه وتوصيفه لن تكون ذات معنى، ومن هنا لا يمكن الفصل بين فهمنا لتلك اللغة وفهمنا للعالم والوجود فيه.
لقد تدرج ريكور في توصيف العملية التأويلية انطلاقا من الكتابة التي تفصل النص عن مؤلفه وتنقله إلى القارئ الذي يمارس التأويل من خلال القراءة بوصفها تأويلا، وأن النص الذي يمثل اللغة هو الواسطة التي تربط الإنسان بعالم اللغة و تشير في تلك اللغة في ذات إلى الواقع، مما يجعل النص يعاد ربطه بمرجعيات جديدة من خلال ذلك الواقع، حتى يصل ريكور في النهاية إلى القول أن التأويل هو إعادة لتشكل الذات و بالتالي إعادة وجودها في الواقع، ومن هنا يصبح التأويل و كل مستوياته من قراءة وفهم، هي إحدى الطرق التي تمارس بها الذات وجودها، أو الكشف عن ذلك الوجود. وعند هذه النقطة يتحول مفهوم التأويل تحولا كبيرا، يخضع فيه ريكور لسلطة هيدجر، بجعل التأويل مشروعا وجوديا، يتجاوز حدود اللغة، وينطلق نحو الكينونة.
فلم يعد تعريف الهيرمينوطيقا، على أنها بحث عن غير ما، أو نوايا نفسية تستر وراء النص، أو تقطيع البنيات. بل ما تبقى لنؤوله هو توضيح شكل الكينونة في العالم، المعروضة أمام النص(إدراج المعنى في العالم من طرف القارئ)، بل أن التأويل هو توضيح شكل الكينونة في العالم المعروضة أمام النص، والخيال والشعر يتطلعان إلى الكينونة وفقا لشروط مختلفة، إذ هي ليست الكينونة المعطاة الراهنة (ما هو كائن)، بل شروط إمكان الكينونة (أو ما ينبغي أن يكون)، أو ما يمكن أن نطلق عليه التغيرات الواسعة التي يجريها الأدب على الواقع. ([62])
وهذا العالم المحتمل الذي تم إنشاؤه بواسطة النصوص المكتوبة، ليس بالضرورة العالم المادي المحيط الذي يمكن الإشارة إليه ظاهريًا. إذا كان ريكور يدعي أن للنصوص المكتوبة القدرة على الإشارة إلى ما هو أبعد من (التأشير) الوصفي الظاهري مع اللغة ، فكيف يمكن اعتبار هذا الشكل الجديد للإشارة ممكنًا؟ للإجابة على هذا السؤال، يربط ريكور الخطاب بالمجاز نظرًا لأن العالم الجديد المحتمل يولد من خلال تفاعل القارئ مع النص، بإشراك شكل من أشكال الإبداع. ([63])
في المحصلة يرى ريكور أن النص يتوسط اللغة والفعل حيث تدفع الهيرمينوطيقا بعلاقات الحياة اليومية إلى واجهة اللغة وتبحث عن الجوهر العميق للوجود، فالمعنى الذي لا يجد تعبيره في تجربة حية أو فعالية خطابية إنما هو معنى ميت و لا يرقى أن يكون حتى ميتافيزيقا. فما يتم تأويله في النص هو عالم مقترح ومشروع يمكن سكنه وعرض قدرات الذات في التفكير والوجود بوصفها قدرات نموذجية للتحول من النصوص إلى الحياة. فالنصوص لا تستهلك معانيها في توظيف داخلي بل هي مفاتيح للممارسة. ([64]) فإذا كانت الذات مدعوة إلى فهم نفسها أمام النص، فإن ذلك لا يتم في نطاق انغلاق النص على نفسه، بل في انفتاحه على العالم، الذي يعاود وصفه وبنائه.([65]) هنا أصبح الفهم ليس أمرا متعلقا بالنص فقط، بل يتعلق أيضا بمدى قدرة الذات على الدخول إلى العالم، أي أن الفهم أصبح طريقة للوجود أيضا. فحقيقة الوجود أصبحت مرتبطة بحقيقة الفهم، و قواعد الوجود أصبحت تعني مباشرة قواعد الفهم.
فلم يعد الفهم طريقة من طرق المعرفة فحسب، ولكنه أصبح طريقة من طرق الكينونة أيضا، إنها طريقة هذا الكائن الذي يوجد وهو يفهم، فبدلا من السؤال :بأي شرط يستطيع كائن عارف، أن يفهم نصا أو أن يفهم تاريخا؟ سنطرح سؤالا آخرا وهو ما هو نوع الكائن ذلك الذي يتكون من الفهم؟ وهكذا تصبح مشكلة الهيرمينوطيقا هي مشكلة تحليل هذا الكائن (الدزاين)، ذلك الذي يوجد بواسطة الفهم.([66]) فلا يعني فهم نص ما، العثور على معنى جامد محتوى فيه، بل بسط إمكانية الكينونة، التي يعينها النص. ([67]) بل إن فهم النص، يعني في الوقت نفسه، إيضاح حالتنا الخاصة، أو إذا شئنا، هو أن ندس ضمن محمولات حالتنا كل الدلالات التي تجعل من محيطنا عالما ما، وتوسيع المحيط هذا، ليشمل أبعاد العالم، هو ما يخول لنا الكلام عن المرجعيات التي فتحها النص، وقد يكون من الأحسن أن نقول، بأن هذه المرجعيات تفتح العالم. ([68])
وفي المقابل وجهت العديد من الانتقادات لهذه النظرية في النقد الأدبي، حيث تم الربط بين غموض المؤلف و غموض القارئ أيضا، إذا ما عد المؤلف الحقيقي ولدرجة كبيرة مرتبكا ومكتنفا بالأسرار، ومفقودا في التاريخ، يبدو من الصحيح، وبدرجة مساوية، أن القارئ مفقود في التاريخ الراهن، وليس أقل اكتنافا بالأسرار، و أحيانا غير مهم. ([69])
كما أن القارئ من العناصر غير المحددة، ما يحلنا إلى إشكالية تحديد ماهية القارئ، و يمكن من حيث المبدأ التمييز بين عدة أنواع من القراء، القارئ الحقيقي (الشخص الذي يمسك بين يديه كتابا)، القارئ الفعلي (و هو القارئ الذي تصوره المؤلف عند التأليف حيث يعتقد أنه يكتب له وفقا لميول معينة) وأخيرا القارئ المثالي (و هو الشخص الذي يفهم كل تفاصيل النص فهما تاما). ([70])
فالقارئ الأول غير محدد و يشمل كل أنواع القراء و بالتالي يتضمن كافة تصنيفات القراءة، والقارئ الثاني هم من يتوافق تأويله مع تأويل المؤلف بقدر ما يسمح النص بذلك، أما القارئ الثالث فهو من يفهم النص أكثر من المؤلف نفسه. وهذه الجدلية لا يمكن أن تنتهي إلا بافتراض القارئ النموذجي، والذي يعد افتراضا غير متسق مع الواقع، ولا يمكن الجزم بوجوده وتعميم ذلك الوجود.
خاتمة :
لقد حاول ريكور أن يجد حلا وسطا يضع به حدا لصراع التأويلات، ذلك الصراع الذي يعيق طريق مشروعه التأويلي اللاهوتي، ويتجاوز كل الخلافات التي تشكل بصفة عامة تاريخ التأويلية عموما، وإن كان قد وافق من حيث المبدأ على نظرية موت المؤلف، واعتبرها نقطة الانطلاق، لكي يحيل إشكالية المعنى إلى الثنائي الآخر وهو النص والقارئ، على الرغم من أنه يتعامل مع موت المؤلف (مجازا) خصوصا فيما يتعلق بهيرمينوطيقا النصوص المقدسة، بحيث لا يسلبها قدسيتها، وفي الوقت ذاته، يعطيها مرونة تسمح بتأويلها.
وفي حقيقة الأمر أن ريكور كان يكرر أفكار سابقيه، عند الحديث على أهمية النصوص والدور الحاسم الذي تلعبه اللغة في التأويل، بل وحتى فيما يتعلق بالقارئ، وأهميته بوصفه مؤولا، ولكن الإضافة البارزة التي تحسب له، هو التفصيل في هذا الجانب، والتعويل على دور أكبر للقارئ، يسمح له بإعادة تشكيل ذاته أمام النص، ليصبح ذاتا أخرى، ويقوم هو نفسه بإعادة إقحام المعنى في الحياة مرة أخرى، مما يعني أن القراءة كانت مؤثرة، وتحولت من مجرد أفكار يعرضها النص، إلى سلوك يتمثل في فعل يقوم به القارئ.
قائمة المراجع :
- إيكو، إمبرتو،(2004) التأويل بين السيميائيات و التفكيكية، ترجمة سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء.
- بارت، رولان،(1988) النقد البنيوي للحكاية، (ت) إنطوان أبوزيد، منشورات عويدات، بيروت.
- تومبكنز، جين ب. (محررا)( 1999) (نقد استجابة القارئ)، (ت) حسن ناظم، على حاكم صالح، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
- راد، صفدر إلهي،(2019) الهيرمينوطيقا منشأ المصطلح و معناه و استعمالاته، (ت) حسنين الجمال، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت.
- ريكور، بول،(2005) صراع التأويلات (دراسات هيرمينوطيقية)، (ت) منذر عياشي، الكتاب الجديد، بيروت.
- ريكور، بول،(2006) بعد طول تأمل، (ت) فؤاد مليت، الدار العربية للعلوم، بيروت.
- ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، (ت) جورج زيناتي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء .
- ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، (ت) محمد برادة، حسان بورقية، عين للدراسات و البحوث، القاهرة .
- ريكور، بول،(2005) الذات عينها كآخر، (ت) جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت.
- ريكور، بول،(2006) الزمان و السرد ج1 (الحبكة و السرد التاريخي) (ت) سعيد الغانمي، الكتاب الجديد، بيروت.
- ريكور، بول،(2009) الذاكرة التاريخ النسيان، (ت) جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد، بيروت.
- قارة، نبيهة،(1998) الفلسفة و التأويل، دار الطليعة، بيروت.
- ك. نلوولف، ك.نوريس و آخرون (تحريرا)،( 2005) موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، القرن العشرون،(ت) رضوى عاشور (وآخرون) المجلس القومي للثقافة، القاهرة.
- مصطفى، عادل،(2007) فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا( نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامير)، رؤية للنشر و التوزيع، القاهرة.
- المنصف، عبدالحلق،(2017) بول ريكور أنطولوجيا القدرة الإنسانية و إعادة موقعة الذات في الفكر المعاصر، الأزمنة الحديثة، العدد 14، الرباط
- الناصر، عمارة،(2014) الهيرمينوطيقا و الحجاج مقاربة لتأويلية ريكور، الاختلاف، الرباط.
- نفيسة، ابن يخلف،(2009) السيميائيات التداولية، ، رسالة ماجستير، جامعة وهران.
- وود، ديفيد (محررا)( 1999) فلسفة بول ريكور (الوجود و الزمان و السرد)، (ت) سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء.
- Baker , Coleman A.,( 2001) Identity, Memory, and Narrative in Early Christianity, Stock Publishers.
- CASEY, PATRICK J.,( 2019) Ricoeur on Truth in Religious Discourse :A Reclamation , Horizons ,Volume 46 , Issue 1 , June, Cambridge University Press.
- Doak , Mary,( 2004) Reclaiming Narrative for Public Theology, state university of New York .
- Hall ,W. David(2008) Paul Ricoeur and the Poetic Imperative, SUNY Press.
- Ricoeur , Paul,( 1981) Hermeneutics and the Human Sciences: Essays on Language, Action and Interpretation, ed, trans. John B. Thompson. Cambridge: Cambridge University Press.
- Roberts , Geoffrey (Edit),( 2001) The History and Narrative Reader), Routledge.
([1]) ريكور، بول،(2005) صراع التأويلات (دراسات هيرمينوطيقية)، (ت) منذر عياشي، الكتاب الجديد، بيروت ، ص 100.
([2]) ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، (ت) جورج زيناتي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ص 78.
([3])ريكور، بول،(2005) صراع التأويلات (دراسات هيرمينوطيقية)، مصدر سابق، ص 34.
([4])قارة، نبيهة،(1998) الفلسفة و التأويل، دار الطليعة، بيروت، ص 63.
([5]) Ricoeur ,Paul,( 1981)Hermeneutics and the Human Sciences Essays on Language Action and Interpretation, ed. trans. John B.Thompson. Cambridge: Cambridge University Press, p 43.
([6]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، (ت) محمد برادة، حسان بورقية، عين للدراسات و البحوث، القاهرة، ص 126.
([7])بارت، رولان،(1988) النقد البنيوي للحكاية، (ت) إنطوان أبوزيد، منشورات عويدات، بيروت، ص 30.
([8]) كريستوفر نوريس،( 2005) النظرية الأدبية و العلم و فلسفة العلم، (ت) عزة مازن، في “ك. نلوولف، ك.نوريس و آخرون (تحريرا)، موسوعة كامبريدج في النقد الأدبي، القرن العشرون، المجلس القومي للثقافة، القاهرة”، ص 580.
([9]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 290.
([10]) ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، مصدر سابق، ص 21.
([11])ريكور، بول،(2006) الزمان و السرد ج1 (الحبكة و السرد التاريخي)، (ت) سعيد الغانمي، الكتاب الجديد، بيروت، ص 237.
([12]) ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، مصدر سابق ، ص 64.
([15])مصطفى، عادل،(2007) فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا( نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامير)، رؤية للنشر و التوزيع، القاهرة، ص 457.
([16])ريكور، بول،(2006) الزمان و السرد ج1 (الحبكة و السرد التاريخي)، مصدر سابق، ص 8.
([17])ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 126.
([21])ريكور، بول،(2006) بعد طول تأمل، (ت) فؤاد مليت، الدار العربية للعلوم، بيروت ، ص 76.
([22])مصطفى، عادل،(2007) فهم الفهم مدخل إلى الهرمنيوطيقا( نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامير)، مرجع سابق، ص 457.
([23])ريكور، بول،(2006) الزمان و السرد ج1 (الحبكة و السرد التاريخي)، مصدر سابق، ص 9.
([24]) ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، مصدر سابق، ص 15.
([25]) بول ريكور،( 1999) الحياة بحثا عن السرد، في ، “فلسفة بول ريكور (وود، ديفيد (محررا) فلسفة بول ريكور (الوجود و الزمان و السرد)، (ت) سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء”، ص 47.
([26]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 120.
([27])فولفغانغ آيزر،( 1999) عملية القراءة: مقترب ظاهراتي، في “تومبكنز، جين ب. (محررا)، (نقد استجابة القارئ)، (ت) حسن ناظم، على حاكم صالح، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة”، ص 113.
([28])إيكو، إمبرتو،(2004) التأويل بين السيميائيات و التفكيكية، ترجمة سعيد بنكراد، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ص 86.
([30]) ريكور، بول،(2005) صراع التأويلات (دراسات هيرمينوطيقية)، مصدر سابق، ص 456.
([31]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 126، 127.
([32])ريكور، بول،(2006) بعد طول تأمل، مصدر سابق، ص 83.
([33]) ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، مصدر سابق، ص 130.
([34]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 145- 160.
([37]) ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، مصدر سابق، ص 140.
([38]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص .89
([42]) ريكور، بول،(2005) صراع التأويلات (دراسات هيرمينوطيقية)، مصدر سابق، ص 456.
([43]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 19- 22.
([45]) نفيسه، ابن يخلف، (2009) السيميائيات التداولية، رسالة ماجستير، جامعة وهران، الجزائر، ص 128.
([46]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 117، 118.
([49]) دون أهده،(1999) النص و التأويلية الجديدة، في فلسفة بول ريكور (الوجود و الزمان و السرد)، مرجع سابق، ص 171.
([50]) Dived carr,( 2001) Narrative and the real world, in (The History and Narrative Reader) Edit by Geoffrey Roberts, Routledge , p 143.
([51]) Doak, Mary ( 2004) Reclaiming Narrative for Public Theology, state university of New York , p 90.
([52]) Hall ,W. David(2008) Paul Ricoeur and the Poetic Imperative, SUNY Press, p 52.
([53])ريكور، بول ( 1999) الحياة بحثا عن السرد، في ، فلسفة بول ريكور (الوجود و الزمان و السرد)، مصدر سابق، ص 39- 46.
([55]) جورج بوليه،( 1999) النقد و التجربة الداخلية، في (نقد استجابة القارئ)، مرجع سابق، ص 107.
([56])ريكور، بول ( 1999) الهوية السردية، في ،فلسفة بول ريكور (الوجود و الزمان و السرد)، مصدر سابق، ص 252.
([57])ريكور، بول،(2005) الذات عينها كآخر، (ت) جورج زيناتي، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ص 50.
([58]) Baker, Coleman A. ( 2001) Identity, Memory, and Narrative in Early Christianity, Stock Publishers, p 2.
([59])راد، صفدر إلهي،(2019) الهيرمينوطيقا منشأ المصطلح و معناه و استعمالاته، (ت) حسنين الجمال، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت، ص 181.
([60])المنصف، عبدالحلق،(2017) بول ريكور أنطولوجيا القدرة الإنسانية و إعادة موقعة الذات في الفكر المعاصر، الأزمنة الحديثة، العدد 14، الرباط ، ص 6.
([61]) ريكور، بول،(2006) نظرية التأويل (الخطاب و فائض المعنى)، مصدر سابق ، ص 52.
([62])ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق، ص 88.
([63])CASEY, PATRICK J.,( 2019) Ricoeur on Truth in Religious Discourse :A Reclamation , Horizons , Volume 46 , Issue 1 , June, Cambridge University Press, p 29.
([64]) الناصر، عمارة،(2014) الهيرمينوطيقا و الحجاج مقاربة لتأويلية ريكور، الاختلاف، الرباط ، ص 78.
([65])ريكور، بول،(2009) الذاكرة التاريخ النسيان، (ت) جورج زيناتي، دار الكتاب الجديد، بيروت، ص 129.
([66]) ريكور، بول،(2005) صراع التأويلات (دراسات هيرمينوطيقية)، مصدر سابق، ص 38.
([67]) ريكور، بول،(2001) من النص إلى الفعل (أبحاث التأويل)، مصدر سابق ، ص 70.
([69]) والكر جيسون،(1999) المؤلفون المتكلمون القراء و القراء الصوريون، في (نقد استجابة القارئ)، مرجع سابق، ص 43.
([70]) جين ب.تومبكنز،(1999) نقد استجابة القارئ، في (نقد استجابة القارئ)، مرجع سابق، ص 21.