جيش التحرير الوطني التونسي و الثورة الجزائرية 1955-1956
The Tunisian National Liberation Army and the Algerian revolution 1955-1956
د.فيصل جميل/جامعة سوسة، تونس
Dr. Faisal Jamil, University of Sousse /Tunisia
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 81 الصفحة 101.
ملخص :ينظر هذا البحث في علاقة جيش التحرير الوطني التونسي بالثورة الجزائرية، ففي البداية يسلط الضوء على موقف الثورة الجزائرية و قياداتها من جيش التحرير و معارضة صالح بن يوسف لاتفاقيات الاستقلال الداخلي، ثمّ يدرس أوجه التعاون القائم فيما بين جبهة التحرير الجزائرية و هذا الجيش المقاوم الفتي و دوره في دعم الثورة الجزائرية و تأمين وصول الأسلحة القادمة إليها من الشرق. كما يمرّ بحثنا هذا على ذكر عدد من المعارك التي جمعت جيش التحرير الوطني التونسي و جبهة التحرير الجزائرية بالجيش الفرنسي على التراب التونسي. و يثير بحثنا في النهاية مسألة التحاق التونسيين بالثورة الجزائرية بعد أن نجحت حكومة الحبيب بورقيبة في إخماد ثورتهم نهاية سنة 1956.
الكلمات المفتاحية: جيش التحرير الوطني التونسي، جبهة التحرير الجزائرية، الاستعمار الفرنسي، صالح بن يوسف، الحبيب بورقيبة.
Abstract :
This research looks at the relationship of the Tunisian National Liberation Army with the Algerian revolution. At first, It high lights the position of the Algerian revolution and its leaders on the Liberation Army and Saleh ben Youssef’s opposition to the agreements of internal independence, then it studies aspects of cooperation between the Algerian Liberation Front and this newborn resistance army and his role in supporting the Algerian revolution and securing the arrival of weapons coming from the east. Our research also mentions a number of battles that brought together the Tunisian National Liberation Army and the Algerian Liberation Front against the French army on Tunisian soils. Finally, our research raises the issue of Tunisians joining the Algerian revolution after the government of Habib Bourguiba succeeded in putting down their revolution at the end of 1956.
Keywords: Tunisian National Liberation Army, Algerian Liberation Front, French colonialism, Saleh ben Youssef, Habib Bourguiba.
مقدمة:
لقد كان للتعاون التونسي الجزائري في مقاومة الاستعمار الفرنسي مرجعية تعود إلى سنة احتلال الجزائر. فبالرغم من الموقف الحكومي التونسي المخيب للآمال آنذاك و المتواطئ مع القوات الفرنسية، فإن الموقف الشعبي كان مساندا لقضية الجزائر فساهمت القبائل التونسية المجاورة للجزائر في حركات المقاومة التي اندلعت، حيث تطوع العديد منهم ما جعل الكولونيل كلير يتحدث عن خمسمائة من الفرسان التونسيين المنخرطين في صفوف المقاومين الجزائريين بناحية عنّابة تحت قيادة المقاوم الجزائري ”ابن أحمد”.[1] و تحولت تونس إلى قاعدة خلفية للمقاومين الجزائريين، يتسللون إليها من أجل رصّ الصفوف و التسليح الذي كان يؤمنه لهم تونسيون من مالطا عبر جزيرة جربة و من ثمّة إلى مدن الجريد التونسية ” نفطة، توزر، قفصة، نفزاوة … ” ثم يتسللون بها إلى واد سوف وبسكرة و غيرها من المدن الجزائرية الحدودية الثائرة .[2]
و لقد تواصل هذا الدعم التونسي للجزائر في مقاومة الاستعمار الفرنسي حتى سنة احتلال الفرنسيين لتونس ليلتحم بذلك النضال الجزائري بالنضال التونسي الرافض للاحتلال. فتعددت بذلك أوجه المقاومة المشتركة، فكان منها السياسي و النقابي و العسكري خاصة مع اندلاع الثورة التونسية المسلحة في 18 جانفي 1952 و الثورة الجزائرية في غرة نوفمبر سنة 1954. لكن مع توصل التونسيين عن طريق المفاوضات المباشرة مع الفرنسيين إلى اتفاق يقضي بمنح تونس استقلالها الداخلي، طفت على الساحة خلافات شقّت صفوف التونسيين. فلئن رأى الزعيم الحبيب بورقيبة أن هذه الاتفاقيات خطوة إلى الأمام فإن الزعيم صالح بن يوسف رأى فيها خطوة إلى الوراء و طالب بالعودة إلى البندقية لحسم المعركة مع الفرنسيين. فتشكل بذلك جيش التحرير الوطني التونسي في 12 فيفري 1956 و الذي أعلن الثورة الثانية ضد الاستعمار الفرنسي لتونس و رفع شعار الجهاد المشترك مع الأشقاء الجزائريين.
- 1 موقف الثورة الجزائرية من جيش التحرير الوطني التونسي :
مع توقيع اتفاقيات 3 جوان 1955 في تونس، و اندلاع الخلاف بين الزعيمين بورقيبة و بن يوسف بدأ الحديث في الجزائر عن خيانة الوطنيين التونسيين و خاصة الحبيب بورقيبة للجزائر و ثورتها، ما دفع ببورقيبة في عديد المرات للتصريح بدعمه الدائم لقضية الجزائر لسحب البساط من تحت قدمي غريمة بن يوسف الذي بدأ الجزائريون يميلون إليه شيئا فشيئا. فخلال مؤتمر صفاقس في نوفمبر 1955، أكد بورقيبة على ” دعم الحزب المطلق للثورة الجزائرية و عمله الدائم من أجل تجسيد وحدة المغرب العربي باعتباره ضرورة ملحة و الضامن الوحيد لمناعة المنطقة و أمنها. كما صرح بأن استقلال تونس لا معنى له إن لم يكتمل باستقلال الجزائر و المغرب”.[3] و مع توقيع تونس اتفاقيات الاستقلال التام يوم 20 مارس 1956، اتسعت الهوّة بين بورقيبة و الثورة الجزائرية حيث بدأ الحديث عن خيانة تونس و المغرب للجزائر بقبولهما الاستقلال كما جاء في إحدى قصائد الثورة الجزائرية :
إحنا في سبعين مليون كلنــــــــــا عريان *** نرفعـــــــــــــــــوا الأعـــــــــــــــــــــــــلام في كل الأوطان.
و لو كان العالـــــــــــم يتفقوا خيــــــّـــــــــــان *** خدعتنا تونس و المروك قبلوا الاستقلال.
أما الجزائر تبقى تكافح الاستعمار *** جنودنا ثايرين في روس الأجيال.[4]
و أمام كل هذه المعطيات الجديدة في التعاون النضالي بين تونس و الجزائر بدأ زعماء الثورة الجزائرية يميلون لنصرة الزعيم صالح بن يوسف و مواقفه المناوئة لتوجهات الديوان السياسي للحزب. حيث يذكر أحد قادة الثورة الجزائرية محمد البجاوي : ” … إن تيارا معاديا لبورقيبة بدأ يظهر في قلب جبهة التحرير و أدّى تشهيره بالاتفاقيات الفرنسية التونسية إلى قيام حملة ضدّ شخص رئيس الدولة. و كان هذا الاختيار يدعم بقوة في هذه المرحلة الدقيقة من التاريخ التونسي المبادئ المتطرفة لصالح بن يوسف … كانت فكرتهم بسيطة جدّا يجب أن يستمر الكفاح المسلح في دول المغرب الثلاث معا … و ما لبثت جبهة التحرير أن عمدت إلى إذاعة منشورات ضد بورقيبة في الجزائر… ”[5] ثم رؤوا في نصرة جيش التحرير الوطني التونسي ضرورة ملحة و حيوية حيث بمقدوره أن يكون لهم قاعدة خلفية في تونس. و بناءا على ما حمله من بعد قومي في بيانه التأسيســـي و كذلك ما أبداه من تعاون لا مشروط مع جبهة التحرير فقد بات جيش التحرير الوطني التونسي الحليف الرسمي في تونس للثورة الجزائرية.
فمنذ أن انطلقت الثورة الجزائرية في غرة شهر نوفمبر 1954، حمل قادتها عديد الشعارات و المبادئ العامة و قد كان من بين هذه المبادئ المناداة بقومية النضال و المعركة. فقد رأت القيادة الجزائرية أن لا مناص من توحيد النضال بشمال إفريقيا حتى تجبر فرنسا على منح المغرب العربي استقلاله، ثمّ إن الحديث عن أي اتفاق مع فرنسا يجب أن يكون اتفاق فرنسي – مغاربي شامل، و هو الأمر الذي جعل قادة الثورة الجزائرية يدينون الاتفاق الفرنسي – التونسي المنفرد الذي سيعطي تونس استقلالها الداخلي و يجبر المقاومة على وضع سلاحها. حيث صرح ممثل جبهة التحرير الجزائرية في القاهرة قائلا : ”لا سبيل إلى وضع السلاح و لن تتوقف الثورة ما دامت قضية شمال أفريقيا قائمة، يجب تحقيق الاستقلال التام الذي هو ركيزة وحدة المغرب العربي و هدف شعوب شمال إفريقيا، بعد أن تجاوزت فترة الوعي الوطني مجالها القطري و بلغت اليوم مرحلة وطن مغاربي موحد … ”[6].
لقد لاقى قبول تونس بالاستقلال الداخلــــي تنديدا جزائريا منقطع النظير، حيث رؤوا فيه خذلان للثورة الجزائريــــــــة و قضية المغرب العربي الموحد. و ما إن برز الاختلاف بين الزعيمين الحبيب بورقيبة و صالح بن يوسف حتى أبدى قادة الثورة الجزائرية دعمهم المطلق للموقف اليوسفي من اتفاقيات 3 جوان 1955، حيث أبرقت جبهة التحرير الجزائرية لصالح بن يوسف برقية بإمضاء القائد محمد خيضر تحمل تأييدها لمواقفه بعد أن زاره وفد من الجبهة اطلع على تحركاته و أهدافه بعد عودته إلى تونس في سبتمبر 1955، و قد جاء في نص البرقية ”… إن الوفد الجزائري يعبر لكم عن تأييده الأخوي و إعجابه بموقفكم و حملتكم الموفقة و اتجاهكم الذي لا يعكس رغبات الشعب التونسي فحسب، بل رغبات الشعب المجاور و مصلحته التي هي ركن الكفاح الموحّد في سبيل الاستقلال التام…”[7]. ثمّ و مع ولادة جيش التحرير الوطني التونسي أبدى الجزائريون دعمهم الكامل له و الاستعداد الكلي للتعاون مع قادته، حيث يرى الجزائريون أن ما جاء به هذا الجيش في بيانه التأسيسي من دعم و تأييد للثورة الجزائرية يعد سببا مشروعا للتعامل معه و دعمه، إذ نصّ البيان على أن ” … مهمّة هذا الجيش هو تحرير وطننا العزيز من قاذورات الاستعمار و أذنابه و قد قرّرنا ضمّ الجيش المبارك إلى جيوش إخواننا الجزائريين و المغاربة… ”[8]. كما كان لمرجعية هذا الجيش و خلفيته دور آخر في كسب ثقة جبهة التحرير الجزائرية حيث جاء على لسان أحد قادة الثورة الجزائرية القائد أحمد مهساس قوله ” … كان التعاون العسكري بينهما وثيق جدّا (يقصد بذلك جيشا التحرير التونسي و الجزائري)، … و إيديولوجيـــا كنا معا مؤيديــن للتيـــار العروبي الإســـلامي الذي كـــان يتزعمه آنذاك الرئيس المصــري جمــال عبد الناصـــــــــر …”[9] كما اعترف الشاذلي بن جديد بدوره بهذا التعاون حيث جاء في مذكراته قوله : ” … و الحقيقة هي أننا ساعدنا صالح بن يوسف لأنّ خياراته السياسية كانت قريبة من توجهاتنا. فقد كان بن يوسف من أبرز الوجوه المطالبة بجلاء الجيش الفرنسي على كامل التراب التونسي، كما كان يسعى إلى تعميم الكفاح المسلح في البلدان المغاربية كلّها…”.[10]
و حقيقة لقد مثل تأسيس جيش التحرير الوطني التونسي نقطة مهمة في الثورة الجزائرية، حيث أن هذا الجيش الفتي سيخفف كثيرا من القبضة العسكرية الفرنسية على الجزائر، إذ أن الحكومة الفرنسية كانت تنوي نقل تعزيزات عسكرية فرنسية كبيرة من تونس صوب الجزائر لظنّها أن الوضع في تونس قد بات تحت السيطرة و أنّ الثورة فيها قد أخمدت نهائيا. إذ جاء في تصريح ليوسف الرويسي نشر على أعمدة جريدة لومند الفرنسية بتاريخ 8 ماي 1956 ” إن السيد صالح بن يوسف يقوم الآن بإعادة تنظيم جيش التحرير الوطني في تونس لتخفيف الضغط على جيش التحرير الجزائري، و الغرض الثاني متابعة النضال لإخراج أخر جندي فرنسي ليس من تونس فحسب بل من إفريقيا العربية … و إن حركات المجاهدين التونسيين جمّدت فعلا 50 ألف جندي فرنسي كان من المقرر تفرّغهم لضرب المجاهدين الجزائريين… ”[11].
كما نقل عدد من مقاومي جيش التحرير الوطني التونسي التشجيع الذي لقوه من قبل فرق جيش التحرير الجزائري كلّما التحموا بهم، بل إن الأمر تجاوز ذلك بكثير حيث ساهم عديد الجزائريين في نشر الوعي بضرورة الانخراط في صفوف جيش التحرير الوطني التونسي لدى التونسيين أنفسهم و شاركوا في عمليات التعبئة و تدريب من ليست له تجارب قتالية سابقة كما كان الأمر في منطقة الرديف خاصة في صفوف عمال المناجم و في جهة القصرين أيضا.[12] و البين من خلال هذا أن تأييد ”الثورة اليوسفية” و جيش التحرير لم تكن حكرا على قيادة جبهة التحرير الجزائرية بل إنها شملت حتى قادة و جنود الفرق العسكرية و حتى الجزائريين المقيمين بتونس، حيث ذكر المقاوم بجيش التحرير الميلود الهلاك أنه عندما قرر رفقة عدد من رفاقه الانضمام لجيش التحرير الوطني التونسي قام أحد الجزائريين بتسليم أحدهم بندقية يؤمنون بها أنفسهم إلى حين وصولهم إلى الجبل و الالتحاق بمجموعات الجيش.[13]
2- مجموعات المقاومة المشتركة و أبرز عملياتها:
- توحيد فرق المقاومة :
لقد اتضح دعم الثوار الجزائريين لجيش التحرير الوطني التونسي منذ تأسيسه و إعلانه العزم على معاضدة الثورة الجزائرية. ففي الاجتماع الذي عقده بن يوسف في بيته قبيل مغادرته تونس بأيام في جانفي 1956 و الذي حضره عدد من قادة النضال في الجزائر، تمّ الاتفاق على أرضية العمل المشترك التي ستربط جهود النضال والمقاومة في كلا القطرين التونسي والجزائري، و من أبرز النقاط التي تم الاتفاق عليها نذكر :
- تعيين المناضل الجزائري عبد الحي السعيد وتكليفه بمهمة الاتصال والتنسيق مع المقاومة التونسية.
- دعوة الجزائريين للتدخل في تونس.
- إلزام المقاومين الجزائريين بالاتصال فقط بشعب الأمانة العامة المحسوبة على صالح بن يوسف لتلقي المعلومات و المساعدات.
- فقط المتطوعون الذين يعتمدهم القائد الطاهر الأسود من يمكن إدماجهم في الوحدات العسكرية الجزائرية.
- يجب أن تكون الفرق المشتركة تحت قيادة جزائرية.
- يضمن اليوسفيون الدعم و الإعانة لإخوانهم الجزائريين في عمليات تهريب السلاح.
- يكوّن اليوسفيون فرقهم المسلحة بتنظيم مماثل للتنظيم المعتمد لدى الجزائريين.
- يمكن أن توفر العناصر الجزائرية بتونس بدورها السلاح و الذخيرة لليوسفيين.
- يلتزم الجزائريين بتقديم الإعانة المالية اللازمة للقيام بالعمليات المشتركة.
- يجب إشعار الجزائريين عندما ينطلق اليوسفيون في تمردهم الشامل.[14]
و عملا بهذا الاتفاق بدأ التنسيق بين قيادتي الثورتين و جيشي التحرير و تكونت على الجانب التونسي عدد من الفرق العسكرية المشتركة و التي نشطت أساسا في المواقع الحدودية بين القطرين، و من ابرز هذه الفرق نذكر :
- فرقة الطيب الزلّاق والتي ضمّت منذ البداية عناصر تونسية وأخرى جزائرية و قد كان عدد عناصرها في البداية لا يتجاوز 17 عنصرا خلال شهر فيفري 1956، نشطت في منطقة عين البطة بغار الدماء الحدودية ثمّ تكاثر عدد جنودها ليصل إلى حوالي 110 مقاتل وتنقل نشاطها ليرتكز على منطقة سوق الأربعاء و بني خمير و سوق الخميس و وادي مليز. و قد كانت في تنسيق متواصل مع قادة منطقة سوق أهراس الجزائرية.
- فرقة القائد الجزائري ”حمدي باشا” بشمال فريانة”، و قد نشط فيها حوالي 18 مقاوما من تونس والجزائر.
- فرقة ”الطاهر بن الأخضر الغريبي” و هي من أبرز فرق جيش التحرير الوطني التونسي وقد وصل تعدادها لحوالي 200 عنصرا وكانت بدورها مختلطة.
- فرقة الجزائري ”عبد القادر السوفي”، وقد نشطت بمنطقة القصرين و مكثر و ضمّت حوالي 50 عنصرا مشتركا وكانت على تواصل كبير مع فرقة القائدين الأخضر القرمازي و عبد القادر زروق.
- فرقة الجزائري ” محمد الجبالي بن عمر السوفي” و قد نشطت أساسا في منطقة قفصة وضمّت حوالي 200 مقاوم تونسي و جزائري.
- فرقة القائد ”الطاهر الأسود ”، و قد كانت تضمّ حوالي 180 مقاوما يتنقلون بين الشمال و الوسط و الجنوب حيث كانت لهذه الفرقة أهمية كبيرة من خلال المهام التي كانت توكل لها و خاصة منها مرافقة قوافل السلاح المتجه للثورة الجزائرية.
- فرقة الحاج ” النوري البعصوصي” التي ضمّت حوالي 50 مقاوما تونسيا وجزائريا نشطوا في منطقتي عين بودرياس و فريانة بالتنسيق مع المجموعة الجزائرية التي يقودها ” أحمد الطاهر النايلي”.[15]
- فرقة القائد الجزائري ” الطالب العربي القمودي”، التي ضمّت حوالي 590 متطوعا في سنة 1956 مقسمين على 12 فرقة و تضمّ كل فرقة منها من 30 إلى 40 جنديا. و قد كانت هذه الفرقة هي المؤمّن الرئيسي لمصالح الثورة الجزائرية في التراب التونسي و كانت تتنقل بين المناطق الحدودية التونسية – الجزائرية.[16]
و قد شهدت أعداد الثوار الجزائرين تزايدا سريعا إبان ثورة جيش التحرير الوطني التونسي حتى بلغت في شهر جانفي 1957 حوالي 600 ثائرا بجهة خمير و بين 600 و 700 بجهة الكاف و بين 800 و 1200 بجهة القصرين و بعدد اكبر في المناطق الحدودية الجنوبية.[17]
ب- أبرز المعارك المشتركة (فرقة الطالب العربي أنموذجا):
لا يمكن لنا ذكر كل المعارك التي خاضتها فرق المقامة المختلطة، إذ سنقتصر بذلك على ذكر عدد من المعارك المهمة التي خاضتها أكبر هذه الفرق و هي فرقة الطالب العربي القمودي، أو ما يعرف تنظيميا لدى جبهة التحرير بـــــــــ ” جيش الحدود ” ، الذي كان يتنقل على الجانب التونسي من الحدود الجزائرية – التونسية.
* معركة بو هلال : اندلعت هذه المعركة بمنطقة الجريد في شهر جانفي 1956 بعد أن وقع اكتشاف مكان جيش الحدود الجزائري من قبل طائرة استطلاع كانت مهمتها اقتفاء أثر المقاومة في جبال بوهلال. و استعملت القوات الفرنسية الطائرات فقط في هذه المعركة لقصف مخابئ الجيش. و يروي الجندي بجيش الطالب العربي نويل فافرليار تفاصيل هذه المعركة في مذكراته فيقول : ” … كان هذا قد بدأ بسبب غلطة بلقاسم قلبي ، رغم حذر القائد الذي لا يريد أن يأتي أي كان بأي كان ممّا قد يكشف موقعنا، فإن قبلي قد أطلق النار على طائرة استطلاع تطير على انخفاض، فأخذت الطائرة في الارتفاع على الفور و راحت تحلق فوق الفوج، بضع دقائق فيما بعد التحقت بالطائرة الاستطلاعية مطاردتين مقنبلتين، و بدأ القصف في الطائرتان الاثنتان الواحدة وراء الأخرى انقضتا و قذفتا بالصواريخ الصخور حيث كان بلقاسم قلبي و المجاهدون يختفون، نفذت الصواريخ فكانتا ترشقان بالرشاش في نزول جدّ منخفض، لم يكن فوج قبلي يملك قطعة آلية، فكانوا يرمون على أي حال ببنادقهم، لكن بدون جدوى. و لمّا قذفت الطائرتان بكل ذخيرتهما، انطلقتا نحو قفصة للتزود ، كان عليهما بالكاد نصف ساعة لإعادة التموين بالذخيرة و العودة، أثناء هذا الحين كانت الطائرة الاستطلاعية مستمرة في الدوران عاليا جدا فوق الفوج… ”[18] و قد شارك إلى جانب جيش الحدود الجزائري ما يقارب 45 مقاوما من جيش التحرير الوطني التونسي من الهمامّة و بني زيد و كان قائدهم آنذاك يدعى ”سي المبروك”، انتهت هذه المعركة بسقوط 35 شهيدا في جيش الطالب العربي حديثي الانتماء له، كانت قد حاصرتهم طائرة مقاتلة في الليلة التي سبقت هذه المعركة و تمكنت من إبادتهم.[19]
* معركة عين طاهر : نشبت هذه المعركة في منطقة الجريد يوم 21 جانفي 1957 و قد استعمل فيها الجيش الفرنسي الدبابات و الشاحنات لنقل الجنود الفرنسيين الذين تجمعوا في جبل عين طاهر، إلى جانب استعمال طائرة استكشافية و ثلاث طائرات مقاتلة. و قد ظلّت هذه الطائرات تقصف المناطق المحيطة بجل عين طاهر من الصباح الباكر حتى منتصف النهار. ثم انقسم الجيش الفرنسي على كتائب و فصائل ظلّت تتقدم نحو مدخل الجبل، في حين كان المقاومون مختبئون في انتظار اقتراب فصائل الجيش الفرنسي أكثر فأكثر من الجبل. ثمّ بدأ جنود جيش الحدود الجزائري بإطلاق النار على فصائل الجيش الفرنسي فتمكنوا من تفريقهم و إلحاق بعض الأضرار بهم، ما أجبرهم على التراجع إلى الوراء حيث أمروا الطائرات و المدافع الثقيلة بقصف مكامن الثوار. وبسبب عدم توفر سلاح مضاد للطائرات بيد الثوار[20] فقد تمكّنت المقاتلات الفرنسية من إلحاق خسائر فادحة في صفوف جيش الحدود. و قد سقط في هذه المعركة 18 مقاوما ينتمي كلهم لفوج علي الأوراسي الذي كان يتكون من 35 مجاهدا.[21]
* معركة السبت و الأحد : اندلعت هذه المعركة على مشارف مدينة المتلوي في مارس 1956 و قد سميت بهذا الاسم لكونها امتدت على يومين متتاليين و لم تستقر المعركة فيها على أرض واحدة، بل كانت تنتقل من مكان لأخر حيث كانت في شكل ملاحقات قام بها الجيش الفرنسي لجيش الطالب العربي القمودي و انتهت بمعركة حادّة في منطقة شعبة القصب أين قام الجيش الفرنسي قبلها بملأ بركة المياه الموجودة فيها بالفضلات. و قد جندت القوات الفرنسية في هذه المعركة قوات عدّة من مراكزها المتواجدة في الرديف و المتلوي و توزر و العاتر ونقرين، كما تمّ استعمال الطائرات في هذه المعركة فيما لم يكن لدى الثوار سوى الأسلحة الخفيفة. و قد سقط في هذه المعركة حوالي 16 مقاوما و لم يعرف حجم الخسائر التي مني بها الجيش الفرنسي.[22]
- جيش التحرير الوطني التونسي قاعدة خلفية للثورة الجزائرية :
لقد عبّر جيش التحرير الوطني التونسي من خلال بيانه التأسيسي عن دعمه التام للثورة الجزائرية، هذا التأييد والدعم انطلق منذ بداية تأسيس الجيش حيث عبّر عن ذلك القائد الطاهر الأسود في رسالة منه لقادة الثورة الجزائرية بتاريخ 3 ديسمبر 1955، و التي صرح فيها قائلا “… إنني أتضامن معكم في مصائب الدهر و هموم استقلال كامل إفريقيا، و أتعهد على مواصلة القتال طالما ظلّت شعوبنا مستعبدة من طرف الاستعمار، … و ينبغي علينا الآن المشاركة و المساندة في كفاح واحد ضدّ عدوّنا المشترك، كما ينبغي ألا يكون هذا الكفاح سياسي فقط بل كفاحا مسلحا بالفعل…”.[23] وقد بدأ يتجسد هذا الكفاح المشترك سريعا إذ أخذ جيش التحرير الوطني التونسي على عاتقه أيضا مساعدة الثورة الجزائرية على مستويين رئيسيين، أولها تسخير كل جهوده في نقل السلاح و تأمين القوافل و ثانيها المشاركة في صفوف جيش التحرير الجزائري و الانخراط المباشر في ثورته.
أ – تأمين السلاح للثورة الجزائرية:
نشط مقاومو جيش التحرير الوطني التونسي في مجال تهريب الأسلحة و قد خبروا طرق التهريب جيدا ما جعل الثوار الجزائريين يعتمدون عليهم في ثورتهم لنقل الأسلحة من القطر الليبي حتى التراب الجزائري، و حتى القوافل التي كان يقودها الجزائريون أنفسهم غالبا ما كانت تسير تحت حماية فرق جيش التحرير الوطني التونسي. و يؤكد هذا الدور المقاوم في جبهة التحرير الجزائرية ”علي بن حسين ظاهري”، الذي ذكر أنه ” … كان السلاح العصري يدخل إلى التراب التونسي عن طريق الشناذلة، و يخزن في مخابئ تونسية نهارا ثم ينقل ليلا على ظهور الإبل ليهربه الجزائريون بإعانة إخوانهم التونسيين من جماعة بن يوسف إلى داخل الجزائر …”[24] . و قد جاء على لسان أحد مقاومي جيش التحرير الوطني التونسي أسماء بعض رجال الجيش الذين ساهموا كثيرا في حماية القوافل الجزائرية إذ يقول ”… أذكر عدّة أسماء : المبروك بن العروسي، و هو ابن عم الطاهر الأسود، حسين بن الجيلاني، جيلاني بن سويدان من الحامة، الجليلي بن بشير بن الحاج لخضر وعمر بن الحاج عمار من بن قردان… هؤلاء الذين كنّا نشترك معهم أنا و ابن أخي مفتاح في حماية قوافل الأسلحة المهرّبة إلى الجزائر…”[25]
و من أبرز شحنات الأسلحة التي أمّنها جيش التحرير الوطني التونسي هي أسلحة الدعم التي قدمتها مصر لجبهة التحرير الجزائرية و التي كشف عنها الضابط المصري فتحي الذيب في كتابه ”عبد الناصر و الثورة الجزائرية”. و في هذا الجدول سنذكر أهم ثلاث شحنات أسلحة كان لليوسفيين دور كبير في تأمينها و إيصالها للثوار الجزائريين :
شحنات الأسلحة التي ساهم جيش التحرير الوطني التونسي في نقلها من الحدود الليبية حتى الحدود الجزائرية
شحنة اليخت ”الحظ السعيد 1”نوفمبر 1955[26] | شحنة اليخت ”الحظ السعيد 2”21 فيفري 1956[27] | شحنة22 -27 مارس 1956[28] | |||
نوع السلاح | الكمية | نوع السلاح | الكمية | نوع السلاح | الكمية |
طلقة 303 إنجليزي | 13000 | بنادق 303 | 150 | بندقية 303 | 65 |
فتيل إنفجاري | 1000متر | رشاش لانكستر | 40 | رشاش فيكرز متوسط | 10 |
كبسول طرفي رقم 8 | 6000 | رشاش فيكرز 303 | 11 | رشاش لانكستر | 30 |
جلجنايت | 1000 كلغ | مسدس بيرتا 9 مم | 2 | قنبلة يدوية | 216 |
فتيل مأمون | 399 متر | وصلات إينرجا ضد الدبابات | 2 | خزنة لانكستر | 60 |
كبسول كهربائي | 1000 | خزنة لزوم لانكستر | 80 | خزنة للفيكرز | 20 |
كبريت هواء | 7 | شريط للفيكرز | 40 | طلقة 9 مم | 6000 |
قالب T.N.T | 196 | طلقة 303 | 10000 | ||
مقذوف إينيرجا | 100 | طلقة 7.92 | 10000 | ||
مفجر إينيرجا | 300 | طلقة 9 مم لانكستر | 200 | ||
طلقة هاون 2 | 198 | قنبلة يدوية | 200 | ||
دينامو للنسف | 5 | قنبلة إينيرجيا | 100 | ||
هاون 2 | 4 | ||||
جهاز لاسلكي | 4 | ||||
باردة سلك كهربائي | 1000 | ||||
وصلة إينرجا | 5 | ||||
طلقة 7.92 بلجيكي | 100 ألف |
و قد تمكنت القوات الفرنسية من اعتراض عديد القوافل التي تنقل السلاح للثورة الجزائرية و من بين هذه القوافل نذكر:
- ديسمبر 1955 اعتراض قافلتين بأقصى الجنوب التونسي تحملان حوالي 25 ألف خرطوشة و 1 مورتي و15 صندوق متفجرات.[29]
- بالتراب العسكري (Fort-Saint ) اعتراض قافلة يوم 26 مارس 1956.
- ببن غيلوف اعتراض قافلة يوم 6 افريل 1956.
- قصف قافلة بجبل عرباطة يوم 10 ماي 1956 بها حوالي 50 جملا.
- ببئر مزطورة (بن قردان) اعتراض قافلة يوم 3 جويلية 1956.
- ببئر الملاحة (بن قردان) إيقاف قافلة يوم 30 أوت 1956.[30]
وللاطلاع أكثر عن حجم ما تنقله هذه القوافل من أسلحة سنقوم بعرض كمية الأسلحة التي تمّ حجزها في 5 قوافل مكونة من 20 جملا فقط:
الأسلحة التي وقع مصادرتها من الخمس قوافل[31]
نوع السلاح | الكمية | نوع السلاح | الكمية |
بنادق حربية و رشاشات | 672 | قذائف مدفعية | 60 |
بنادق | 86 | خراطيش | 61500 |
مدافع | 3 | متفجرات | 100 كلغ |
قنابل يدوية | 166 | مسدسات | 9 |
كما أوكل لمتطوعي جيش التحرير مهمات تخزين السلاح و حمايته في تونس في مخابئ أمنة خاصة في منطقة الحامة وكانوا يؤمنون عمليات نقله داخل تونس من مكان إلى أخر خوفا من اكتشافه من قبل السلطات الفرنسية. وقد اعتمدت قيادة جبهة التحرير الجزائرية على عديد المنتمين لجيش التحرير التونسي و أناطت بعهدتهم مهام عدّة حتى بات الإشراف على مخازن السلاح بعهدتهم نسبيا و كانوا لا يسلمون السلاح للثوار الجزائريين إلّا بعد الحصول على إذن بذلك من القيادة العليا لجيش التحرير الجزائري و غالبا ما تذكر الجهة التي ستستفيد من السلاح و كذلك كمية السلاح المرجو تسليمها، كما هو الشأن مع المقاوم التونسي ”مصباح الرقاق” الذي كلّف بتاريخ 16 أكتوبر 1956 بعملية نقل و تسليم سلاح لممثلي جبهة التحرير الجزائرية في تونس و قد احتوت العملية على ” 15 بندقية أعشاري، 400 خرطوشة عيار 303، 4 رشاشات مع 16 حزام، 2000 خرطوشة 9 مم و 12 قنبلة يدوية انكليزية”.[32]
كما كلفت جبهة التحرير الجزائرية في مرات عدّة قادة جيش التحرير الوطني التونسي باقتناء أسلحة لصالحها شأن القائد الطيب الزلّاق الذي روى أن القائد الجزائري علي بن مقدم سلّمه مبلغ قيمته 450 ألف فرنك ليشتري به لهم أسلحة. و قد تمكن الطيب الزلاق من تأمين 9 رشاشات و بنادق ( عدد 3 بنادق سوس، بندقية ثموني، بندقية سدوسي، عدد 2 بندقية طليان، عدد 2 رشاش ألمان ).[33]
ب- متطوعو جيش التحرير الوطني التونسي و المشاركة في الثورة الجزائرية :
كثيرا ما كان صالح بن يوسف يردّد بأن ثورة جيش التحرير الوطني التونسي جاءت لتحرير تونس أولا ومساعدة الجزائر ثانيا، إذ كان يقول ”… ذكروا دائما من حولكم، بأننا نكافح أولا و بالذات من أجل إنجاز استقلال حقيقي لبلادنا لا من أجل صورة مزيفة من هذا الاستقلال كما نشاهده اليوم، و كما رضي به الحبيب بورقيبة…، إنّنا بثورتنا نساعد الثورة الجزائرية و نشترك مع الجزائريين في تحقيق تحرير المغرب العربي و وحدته …”[34]. و من هذا المنطلق عمل اليوسفيون منذ البداية على إثارة قضية الجزائر في تونس و الضغط على سلطات الحماية، ففي يوم 22 مارس 1956 خرج حوالي 2000 مواطن تونسي يحسبون على التيار اليوسفي و جابوا شوارع العاصمة رافعين الأعلام الجزائرية و مؤكدين على مواصلة الكفاح من أجل الجزائر حتى تحقيق النصر ومعترفين بفضل ثورة الجزائر في الدفع نحو مفاوضات استقلال تونس.[35]
و ما إن انطلقت التحضيرات و الاستعدادات للإعلان عن تأسيس جيش التحرير الوطني التونسي حتى بدأ العمل على وضع خطّة لتنسيق العمل بين جيشي التحرير التونسي والجزائري في المناطق الحدودية خاصة منطقة الأوراس.[36] و في رسالة وجهها القائد الطاهر الأسود إلى قادة الثورة الجزائرية في 3 ديسمبر 1955 أكّد لهم دعمه المطلق لثورتهم و طرح مسألة التحاق الثوار التونسيين بها، إذ ذكر في مستهل رسالته ” … كما ينبغي ألّا يكون هذا الكفاح سياسي فقط ( يقصد بذلك الكفاح التونسي الجزائري المشترك) بل كفاحا مسلحا بالفعل، لذا أطلب منكم أن تقتربوا من الحدود التونسية حتى يتمكّن إخوانكم التونسيون من الانضمام إليكم إلى أن ننهض بكافة أفراد الشعب التونسي للثورة …، ينبغي أن تسلموا للتونسيين الذين ينظمّون إليكم مستقبلا كلمة السر الآتية : « جسر قسنطينة و واد سوق الأهراس» … ”[37] و قد كان الثوار الجزائريون يطلقون على جنود جيش التحرير الوطني التونسي الذين التحقوا بالثورة الجزائرية عديد التسميات أبرزها كانت تسمية ”الشراقة” و كذلك ”جماعة بن يوسف”. [38]
و تزامنا مع مرحلة ثورة جيش التحرير الوطني في تونس، عمل عديد المجنّدين فيه و حتى القادة على المشاركة في معارك ثورة الجزائر فبرزت عديد الأسماء على ساحة الثورة الجزائرية و كان من أبرزهم ”الطيب الزلاق، عبد العزيز شوشان، الزين بن عبد الله العبيدي، عمر بن حميدة، عبد الله البوعمراني، علي درغال، محمود بن حسونة الزيدي، عبد اللطيف زهير، علي الصيد، محمد بريبشو، محمد بن مصباح النيفر … ”[39] ثم و مع تراجع حدّة الثورة في تونس اختار عديد القادة الانضمام إلى ثورة الجزائر و رفضوا تسليم سلاحهم في تونس أمثال الطاهر بن الأخضر الغريبي و منهم من لجأ لثورة الجزائر بعد أن قام بتسليم سلاحه أمثال القائد محمد قرفة[40] الذي سلّم سلاحه يوم 23 جويلية 1956 في قابس[41] و التحق بثورة الجزائر في سبتمبر 1956، و سرعان ما أصبح قائدا لإحدى المجموعات التي نشطت في المناطق الجزائرية الحدودية مع تونس و كان إلى جانبه عدد أخر من القادة الجزائرين في المنطقة ذاتها و هم كل من ” الأزهر الجدري٬ بلقاسم قلبي، مقداد جدي، علي بن أحمد النموشي، الوردي قتال، صالح بن علي جزائري و الطاهر بن عثمان”.[42] و قد تواصلت عمليات الالتحاق بالثورة الجزائرية حتى بلغ عدد الشهداء التونسيين في الثورة الجزائرية بين أواخر سنة 1955 حتى بداية سنة 1958 حوالي 100 شهيد فيما قدر عدد المساجين حوالي 1200 سجين تونسي.[43]
و تجدر الإشارة إلى كون عدد لا باس به من متطوعي جيش التحرير فضّلوا بعد إخماد ثورتهم الانضمام إلى جيش الطالب العربي الذي يعرف بجيش الحدود و ظلّوا يتحركون ضمن جيشه في تونس، لكن سرعان ما دخل القائد الطالب العربي في خلافات مع السلطات التونسية و جبهة التحرير الجزائرية بعد مؤتمر الصومام انتهت به في قبضة الحرس التونسي المتجول يوم 20 جوان 1957 حيث حوكم بعد ذلك و أعدم.[44] فغادر اليوسفيون جيش الطالب العربي متوجهين مباشرة إلى الحدود الجزائرية أين انخرطوا مباشرة في الثورة الجزائرية.[45]
كما قام عديد المقاومين المحسوبين على جيش التحرير الوطني التونسي بتسليم سلاحهم لجيش التحرير الجزائري عوضا عن السلطات التونسية عملا بوصية قائدهم الطاهر الأسود الذي أوصاهم عندما سلم سلاحه يوم 3 جويلية 1956 قائلا ” … من أراد العودة إلى تونس فليعود، و من لم يرد العودة فعليه بالذهاب إلى القتال في الجزائر، أما السلاح فإنني أفضل أن يدخل الجزائر …” و قد عمل بهذه النصيحة عديد المقاومين في جيش التحرير الوطني التونسي إذ يقول المقاوم الزين بن علي المسعودي ”… الكثير منّا سار على فكرة السي الطاهر الأسود في الاستسلام، لكن هذا بعد أن سلمنا سلاحنا للجزائريين …” و يؤكد هذه العمليات المقاوم حسين الباشا الذي قال ”… إن السلاح الذي تمّ جمعه بعد استسلام ثوار الثورة الثانية لم يتم تسليمه للسلطات المحلية، و إنما سلم لإخواننا الجزائريين كإعانة منّا لهم …”[46]
و لما أدركت جبهة التحرير الجزائرية بأن الكفّة بدأت تميل لصالح بورقيبة في تونس على حساب غريمه صالح بن يوسف، بدأ قادتها يعيدون حساباتهم السياسية و استقر الأمر على تحسين العلاقة مع الحبيب بورقيبة و جماعته. وأمام هذه التغييرات اشترط بورقيبة على جبهة التحرير الجزائرية عدم السماح لأي تونسي بالالتحاق بالثورة الجزائرية إلّا بعد تسلمه ترخيص مسبق من الحكومة التونسية و قد كان الهدف من هذه الخطوة مزيد خنق ومحاصرة المنتمين لجيش التحرير الوطني التونسي ممّن نجوا من المعارك و الملاحقات. و قد أثارت موافقة جبهة التحرير الجزائرية و جيشها على هذا الشرط غضب صالح بن يوسف في طرابلس فأرسل إلى مساعده مصطفى كامل المرزوقي برسالة مؤرخة في 10 جويلية 1956.يمنع فيها التحاق جنود جيش التحرير الوطني التونسي بالثورة الجزائرية، إذ يقول ”… إني أحجر على جيوشنا الدخول إلى الجزائر و الالتحاق بجيش التحرير الجزائري، خصوصا و قد بلغني أن إخواننا الجزائريين قد أصبحوا يطلبون من جماعتنا ضرورة الحصول على رخص من الحكومة التونسية، تكون بأيدي جيوشنا للترخيص لهم للالتحاق بالجيش الجزائري و إلا يرفضونهم، كما وقع أخيرا بتلابيت للجيش الذي كان يقوده المبروك بوذينة المدنيني و الهادي قدورة المرزوقي… ‘‘[47] و يضيف بن يوسف في ذات الرسالة قوله ”… إنني لم ابعث في أي وقت من الأوقات إلى أي قائد كان بتعليمات تفيد بأن ثورتنا عبارة على ذيل من ذيول الثورة الجزائرية، بل إنّنا بثورتنا نساعد الثورة الجزائرية و نشترك مع الجزائريين في تحقيق تحرير المغرب العربي و وحدته … إن هدف ثورتنا الأصلي هو مواصلة الكفاح وتحرير وطننا تحريرا كاملا …” [48] و البيّن من خلال هذه الرسالة و بعض المعطيات الأخرى أن جبهة التحرير الجزائرية اختارت فتح صفحة جديدة في العلاقات مع حاكم تونس الجديد الحبيب بورقيبة الذي سرعان ما قطع الطريق أمام أي تحالف جديد بين بقايا جيش التحرير الوطني التونسي و الثورة الجزائرية التي لا تزال تستقطب تعاطف أغلب التونسيين.
خاتمة:
لقد بدا جيش التحرير الوطني التونسي بما لا يدعو إلى الشك حليفا رئيسيا لجبهة التحرير الجزائرية و ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي. فلقد تبينّا من خلال بحثنا هذا الدور الكبير الذي لعبه الجيش في تأمين مصالح الثورة الجزائرية في تونس و خاصة خطوط الإمداد و التسليح. و ظهر جليا لنا مدى التعاون المشترك الذي كان قائما بين فرق جيش التحرير الوطني التونسي و جبهة التحرير الجزائرية و خاصة ما يعرف بجيش الحدود، فرقة الطالب العربي القمودي. كما مثلت الثورة الجزائرية ملجأ قادة جيش التحرير الوطني التونسي و جنوده هربا من ملاحقات حكومة الحبيب بورقيبة في تونس التي لم تدّخر جهدا في ملاحقتهم إثر إخماد ثورتهم في صائفة 1956 و لجوء قائدهم صالح بن يوسف إلى القاهرة.
و لقد مثل هذا التعاون العسكري بين جبهتي المقاومة في تونس و الجزائر خطرا لا يستهان به للجيش الفرنسي الذي دفع بتعزيزاته العسكرية في مناطق انتشار مجموعات المقاومة خاصة في المناطق التي كانت تمر منها قوافل الأسلحة المغذية للثورة الجزائرية و القادمة من مصر.
قائمة المراجع:
– الأشرف (مصطفى)، الأمة و المجتمع ، ترجمة بن عيسى (حنفي)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983.
– الأمجد (ناصر)، أحاديث مع أحمد علي مهساس، دار الخليل القاسمي للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، الجزائر 2013 .
– زروال (محمد)، اللمامشة في الثورة، الجزء الثاني ، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر 2009.
– بن جديد (الشاذلي)، مذكرات : الجزء الأول 1929-1979، دار القصبة للنشر، الطبعة الأولى 2011.
– البجاوي (محمد)، حقائق عن الثورة الجزائرية، دار الفكر الحر 1971.
– كبة (إبراهيم)، أضواء على القضية الجزائرية ، مطبعة الرابطة، بغداد 1956.
– بوعزيز (يحي)، ” الكفاح المشترك بين الشعبين الجزائري و التونسي و دماء الساقية ”، مجلة الهداية، العدد 158، وزارة الشؤون الثقافية و الأخبار، تونس 2003.
– مقلاتي (عبد الله)، لميش (صالح)، تونس و الثورة الجزائرية ، دار الشمس للنشر و التوزيع، الجزائر (بدون سنة الطبع).
– دحو (العربي)، ديوان الشعر الشعبي عن الثورة التحريرية : في الولاية التاريخية الأولى بالعربية و الأمازيغية، دار الألمعية للنشر التوزيع، الجزائر 2012.
– موسم (عبد الحفيظ)، الحركة اليوسفية و الثورة التحريرية الجزائرية، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه )ل.م.د( في التاريخ الحديث والمعاصر، جامعة أبي بكر بالقايد ، تلمسان 2016.
– شباح (نبوية)، الطالب العربي القمودي و دوره في قيادة الجيش الجزائري بالجنوب التونسي 1954-1957 ، شهادة الماستر في التاريخ الحديث و المعاصر، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية، جامعة الواد 2014.
– الصغير (عميره علية)، اليوسفيون و تحرر المغرب العربي، المغاربية للطباعة و الإشهار، الطبعة الأولى 2007.
– فافرليار (نويل)، القفار عند الفجر، ترجمة علي زريق ، مطبعة مزوار ، الطبعة الأولى، الجزائر 2012 ،
– بلول (العربي)، شاهد على ثورة التحرير 1956-1962، دار الثقافة محمد علي العمودي، الطبعة الثانية الوادي- الجزائر 2010.
– الذيب (فتحي)٬ عبد الناصر و الثورة الجزائرية٬ دار المستقبل العربي٬ الطبعة الثانية ،القاهرة 1990.
– الناصري (محمد مختار)، المقاومة التونسية المسلحة و اشكالياتها 1952-1956 ، أطروحة دكتوراه ، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بتونس، 2002.
– جميل (فيصل)، ”جيش التحرير الوطني التونسي من الانبعاث إلى التفكك 1955-1961”، رسالة دكتوراه إشراف الأستاذ كمال جرفال، كلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة، 2019-2020.
– كتابة الدولة للشؤون الخارجية للجمهورية التونسية، كتاب أبيض في الخلاف بين الجمهورية التونسية والجمهورية العربية المتحدة، ديسمبر 1958.
الأرشيف التونسي:
– الأرشيف الوطني التونسي، رصيد محكمة القضاء العليا ، الحافظة عدد 164، الملف عدد 3، القضية عدد 24.
– جريدة الصباح 8 فيفري 1955.
– جريدة البلاغ 4 نوفمبر 1955.
– جريدة الصباح يوم 12 فيفري 1956.
الأرشيف الفرنسي :
– SHAT. C 2H312 ,bobine S. 505. Nf
– Le journal ‘’Alger’’ le 08 Décembre 1955.
– La presse Le 22 Mars 1956.
الشهادات الشفوية:
– شهادة المقاوم صالح الحريزي بتاريخ 11 أوت 2014.
– شهادة المقاوم ميلود الهلاك بتاريخ 9 أوت 2014.
[1] – الأشرف (مصطفى)، الأمة و المجتمع ، ترجمة بن عيسى (حنفي)، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983، ص 223.
[2] – بوعزيز (يحي)، ” الكفاح المشترك بين الشعبين الجزائري و التونسي و دماء الساقية ”، مجلة الهداية، العدد 158، وزارة الشؤون الثقافية والأخبار، تونس 2003 ،ص – ص 84.85.
[3] – مقلاتي (عبد الله)، لميش (صالح)، تونس و الثورة الجزائرية ، دار الشمس للنشر و التوزيع، الجزائر، ص 87.
[4] – دحو (العربي)، ديوان الشعر الشعبي عن الثورة التحريرية : في الولاية التاريخية الأولى بالعربية و الأمازيغية، دار الألمعية للنشر التوزيع، الجزائر 2012، ص 135.
[5] – البجاوي (محمد)، حقائق عن الثورة الجزائرية، دار الفكر الحر 1971، ص 111.
[6] – جريدة الصباح 8 فيفري 1955.
[7] – جريدة البلاغ 4 نوفمبر 1955.
[8] – جريدة الصباح يوم 12 فيفري 1956.
[9] – الأمجد (ناصر)، أحاديث مع أحمد علي مهساس، دار الخليل القاسمي للنشر و التوزيع ، الطبعة الأولى ، الجزائر 2013 ، ص-ص 94-95.
[10] – بن جديد (الشاذلي)، مذكرات : الجزء الأول 1929-1979، دار القصبة للنشر، ص 82.
[11] – كبة (إبراهيم)، أضواء على القضية الجزائرية ، مطبعة الرابطة، بغداد 1956 ص 61.
[12] – شهادة المقاوم صالح الحريزي بتاريخ 11 أوت 2014.
[13] – شهادة المقاوم ميلود الهلاك بتاريخ 9 أوت 2014.
[14] – موسم (عبد الحفيظ)، الحركة اليوسفية و الثورة التحريرية الجزائرية، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه )ل.م.د( في التاريخ الحديث والمعاصر، جامعة أبي بكر بالقايد ، تلمسان .2016.ص – ص 126-127.
[15] – المرجع السابق، ص – ص 137- 138.
[16] – شباح (نبوية)، الطالب العربي القمودي و دوره في قيادة الجيش الجزائري بالجنوب التونسي 1954-1957 ، شهادة الماستر في التاريخ الحديث و المعاصر، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية، جامعة الواد ، 2014 . ص 34.
[17] – الصغير (عميره علية)، اليوسفيون و تحرر المغرب العربي٬ المغاربية للطباعة و الإشهار٬ الطبعة الأولى 2007. ص 219.
[18] – فافرليار (نويل)، القفار عند الفجر، ترجمة علي زريق ، مطبعة مزوار ، الطبعة الأولى، الجزائر 2012 ، ص 154.
[19] – شباح (نبوية)، الطالب العربي القمودي و دوره في قيادة الجيش الجزائري بالجنوب التونسي 1954-1957، … ص 52.
[20] – بلول (العربي)، شاهد على ثورة التحرير 1956-1962، دار الثقافة محمد علي العمودي، الطبعة الثانية الوادي، الجزائر ، ص 33.
[21] – شبّاح (نبوية)، الطالب العربي القمودي و دوره في قيادة الجيش الجزائري بالجنوب التونسي 1954-1957 … ص – ص 53-54.
[22] – المرجع السابق، ص- ص 51-52.
[23] – موسم (عبد الحفيظ)، الحركة اليوسفية و الثورة التحريرية الجزائرية، … . ص – ص 130-131.
[24] – المرجع السابق ص 155.
[25] – المرجع السابق ص –ص 155-156.
[26] – الذيب (فتحي)٬ عبد الناصر و الثورة الجزائرية٬ دار المستقبل العربي٬ الطبعة الثانية ٬ القاهرة 1990. ص 125.
[27] – الديب (فتحي)، عبد الناصر و ثورة الجزائر، …ص 167.
[28] – الديب (فتحي)، عبد الناصر و ثورة الجزائر، …ص 176.
[29] – Le journal ‘’Alger’’ le 08 Décembre 1955.
[30] – SHAT. C 2H126. Bobine S 370 .nf .
[31] – الناصري (محمد مختار)، المقاومة التونسية المسلحة و إشكالياتها 1952-1956 ، أطروحة دكتوراه ، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية بتونس، 2002. ص 199
[32] – جميل (فيصل)، ”جيش التحرير الوطني التونسي من الإنبعاث إلى التفكك 1955-1961”، رسالة دكتوراه إشراف الأستاذ كمال جرفال، كلية الأداب و العلوم الإنسانية بسوسة، 2019-2020، ص 352.
[33] – الأرشيف الوطني التونسي، رصيد محكمة القضاء العليا ، الحافظة عدد 164، الملف عدد 3، القضية عدد 24.
[34] – كتابة الدولة للشؤون الخارجية للجمهورية التونسية، كتاب أبيض في الخلاف بين الجمهورية التونسية و الجمهورية العربية المتحدة، ص 80.
[35] – La presse Le 22 Mars 1956.
[36] – الديب (فتحي)، عبد الناصر و ثورة الجزائر، ص 138.
[37] – موسم (عبد الحفيظ)، الحركة اليوسفية و الثورة التحريرية الجزائرية، … . ص 131
[38] – شباح (نبوية)، الطالب العربي القمودي و دوره في قيادة الجيش الجزائري بالجنوب التونسي 1954-1957، ص 64.
[39] – الصغير (عميرة علية)، اليوسفيون و تحرر المغرب العربي … ص 217.
[40] – و قد أنشد أحد الشعراء المجهولين قصيدة تثني على قرفة و مشاركته في الثورة الجزائرية فيقول في بيتين منها:
مـــــخلاه* حربي و مكحلة دزيريـــــــــــــة
و حجب* على ضنوة* البوعبيديـــــة
مــــــخلاه حربي و مكحلة بالحرفــــــــــــــة
و حجب على ضنوة محــــــمد قرفــــــــــــة
[41] – SHAT. C 2H312 ,bobine S. 505. F 505.
[42] – شهادة كتابية أداها المقاومين ” صالح الحريزي و حسن سعايدية ”، الذين شاركا في ثورة الجزائر و هما أصيلا ولاية القصرين. وقعت الشهادة في معتمدية العيون من ولاية القصرين و ممضاة من معتمد المنطقة بتاريخ 07 أفريل 2014 .
[43] – زروال (محمد)، اللمامشة في الثورة، الجزء الثاني ، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع، الجزائر 2009 ،ص 86.
[44] – شباح (نبوية)، الطالب العربي القمودي و دوره في قيادة الجيش الجزائري بالجنوب التونسي 1954-1957 ، ص 76.
[45] – شهادة المقاوم صالح الحريزي سابقة الذكر.
[46] – موسم (عبد الحفيظ)، الحركة اليوسفية و الثورة التحريرية الجزائرية، ص – ص 140-141.
[47] – كتابة الدولة للشؤون الخارجية للجمهورية التونسية، كتاب أبيض في الخلاف بين الجمهورية التونسية و الجمهورية العربية المتحدة، … ص 86
[48] – المرجع السابق ص 87.