مشروعية امتناع الطبيب عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون الجنائي
Legitimacy of the doctor’s failure to treat the patient in Islamic jurisprudence and criminal law
د. سهيل محمد الأحمد/ عميد كلية الحقوق/ جامعة فلسطين الأهلية/ بيت لحم/ فلسطين
ا. محمد حمزة كميل/ كلية الحقوق/ جامعة فلسطين الأهلية/بيت لحم/ فلسطين
Dr. Sohail Mohammed Al-ahmed – Mohammed Hamza Kmail/
Faculty of Law / Palestine Ahliya University/ Bethlehem
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات المقارنة العدد 12 الصفحة 67.
ABSTRACT:
This study examined the legality of the physician’s abstention from treating the patient in Islamic jurisprudence and criminal law, aimed at identifying what the physician abstained from and medical work, and the nature and adaptation of this behavior and its conditions in Islamic jurisprudence and criminal law, where the fact of refraining from providing treatment and the nature of that and its adaptation, as well as The importance of medical work in caring for human health in all cases, and the research also dealt with the importance of medical work in caring for human health in all cases according to the legal and legal perspective, with clear texts, and it has appeared that there are cases in which the doctor may refrain from providing treatment to the patient related to the force majeure or A sudden accident, or that the doctor caused damage or harm when undergoing treatment, and other details addressed in this research.
Key words: Abstinence, the importance of medication, provision of treatment, medical ethics, Islamic jurisprudence and criminal law.
الملخــص:
تناولت هذه الدراسة مشروعية امتناع الطبيب عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون الجنائي، هادفة إلى التعرف على ماهية امتناع الطبيب والعمل الطبي، وطبيعة هذا التصرف وتكييفه وحالاته في الفقه الإسلامي والقانون الجنائي، حيث تم الوقوف على حقيقة الامتناع عن تقديم العلاج وطبيعة ذلك وتكييفه، وعالج البحث كذلك أهمية العمل الطبي في رعاية صحة الإنسان في جميع الأحوال وفق المنظور الشرعي والقانوني وذلك بنصوص واضحة، وقد ظهر أن هناك حالات يجوز فيها للطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج للمريض ترتبط بالقوة القاهرة أو حادث مفاجئ، أو أن يلحق بالطبيب ضرر أو أذى عند إقدامه على العلاج، وغير ذلك من تفصيلات تناولها هذا البحث.
الكلمات المفتاحية: الامتناع، أهمية التطبيب، تقديم العلاج، أخلاقيات الطب، الفقه الإسلامي والقانون الجنائي.
مقدمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه ومن اقتدى بسنته بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد؛
فإن قيام الطبيب بعمله الطبي وفق القواعد المهنية والعلمية والأخلاقية يعد من الأمور المهمة في إرساء مبدأ حفظ النفس ورعايتها وبذل العناية الممكنة في علاجها، على اعتبار أن حفظ النفس من المقاصد الضرورية للفقه الإسلامي، حيث إنه من المقرر في الطب والفقه الإسلامي والقانون أن عمل الطبيب مقتصر على التزامه ببذل العناية الفائقة في علاج المريض وليس البرء وتحقيق الشفاء له وفق الحالة الإنسانية الطبيعية، ولذلك فهو يفعل واجبه بالمقدار الذي يجب وفي الوقت الذي يجب، ثم ينتظر حصول غاية ذلك ليس إلا، للدلالة على أهمية الإنسان وحياته ولزوم إيجاد ما يسعدها ويعمل على استقرارها وبقائها، ومع ذلك قد يعرض للعمل الطبي بعض الحالات قد يمتنع فيها الطبيب عن تقديم العلاج للمريض تتعلق هذه الحالات بطبيعة العمل الطبي أو الظروف التي تعتريه وكذلك عدم توفر المعدات والتجهيزات اللازمة للطبيب وعمله ونحو ذلك من تفصيلات علمية ومهنية، وعندها فهل يمكن للطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج للمريض أم يمنع عليه ذلك؟، هذا ما تم تناوله في هذا البحث تحت عنوان: “مشروعية امتناع الطبيب عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون الجنائي”.
أهمية الموضوع وأسباب اختياره: وتبرز أهمية الموضوع وأسباب اختياره فيما يأتي:
- تعلق هذا الموضوع بمسألة امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض من حيث الماهية والمظاهر وفق مفهوم الفقه الإسلامي والقانون.
- الوقوف على طبيعة امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض من الناحية الشرعية والقانونية والمهنية لتعلق ذلك برعاية الإنسان وصحته من الأمراض حال الحوادث وغيرها حيث يكثر السؤال عنها في واقعنا المعاصر.
- بيان أن معرفة حكم امتناع الطبيب عن تقديم العلاج وتكييفها وطبيعتها هو من الأمور المهمة للباحثين من خلال ما تحققه من إظهار القيم الحضارية للتشريعات الإسلامية والقانونية المتعلقة بالمستجدات في الواقع المعاش وخاصة الطبية منها.
- إن العمل الطبي في المفهوم الإسلامي والقانوني يرتبط بأخلاقيات تظهرها النصوص الشرعية والقانونية وعبارات الفقهاء ولذلك كان لا بد من معالجة ذلك وبيانه للوصول إلى الرؤية الشرعية والقانونية لامتناع الطبيب عن تقديم العلاج في هذه الحالة.
- مساس هذا الموضوع بالواقع المعاصر، وما يرتبط به من ارتباكات علمية وعملية في موضوع امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمرضى توجب على الدراسات الشرعية والقانونية الوقوف على هذه المسائل بهدف البيان والمعالجة العلمية ومتابعة المستجدات.
- خدمة التشريع الإسلامي وخاصة ما يتعلق منه بالواقع وتطبيقاته المعاصرة، وذلك بتناول جزئياته ودراستها دراسة متعمقة هادفة.
أهداف البحث: وهي متمثلة بما يأتي:
- تحديد ماهية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج وبيان حالاته وطبيعة ذلك في المفهوم الشرعي، ودراسة ما يرتبط به من مسائل للوقوف على هذه القضية بدقة ووضوح.
- توضيح الطبيعة القانونية لامتناع الطبيب عن تقديم العلاج والآثار القانونية المترتبة على الامتناع وفقا للقوانين الناظمة.
- إظهار غموض النصوص القانونية في مشروعية الامتناع عن تقديم العلاج للمريض في بعض الحالات المذكورة حتى لا تبقى متروكة لإرادة الأطباء واجتهاد القضاء.
- بيان أين موقع العمل الطبي من حفظ النفس الإنسانية، وطبيعة الأخلاقيات المتعلقة بذلك عن الحاجة للعلاج ورعاية حق النفس في الحياة في مفهوم الفقه الإسلامي.
- الوقوف على حكم امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض، وطبيعة المشروعية المرتبطة ببعض الحالات التي يجوز له فيها الامتناع وفق منظور الفقه الإسلامي.
- تحديد ضوابط وحدود الحالات التي يجوز للطبيب الامتناع عن تقديم العلاج دون ان يترتب عليه أي مسؤولية جزائية أو مدنية
- بيان التزام الطبيب بالحماية والسلامة الطبية ومزاولته للمهنة وفقا للتشريعات النافذة ذات العلاقة.
مشكلة/ أسئلة البحث: وهي متمثلة بأمور هي:
- ما مفهوم امتناع الطبيب عن تقديم العلاج في الفقه الإسلامي والقانون؟
- كيف تكون الطبيعة الشرعية والقانونية للتطبيب والعمل الطبي؟
- أين موقع العمل الطبي وما هي أهميته في الفقه الإسلامي والقانون؟
- هل يجوز للطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج للمريض من حيث الأصل في منظور الفقه الإسلامي والقانون؟
- هل يمكن أن توجد أي ضوابط للعمل الطبي في الفقه الإسلامي والقانون؟
- ما هي الحالات التي يجوز فيها للطبيب الامتناع عن تقديم العلاج للمريض في الفقه الإسلامي والقانون؟
منهجية البحث: ولقد كان منهج الباحث كالآتي:
- الاعتماد على المنهجين الوصفي والتحليلي، وذلك ببيان ماهية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج وطبيعة العمل الطبي، وكذلك الحالات التي يجوز فيها للطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج للمريض، ومن ثم تحليل هذه الحالات وبالتالي الوقوف على رأي الفقه الإسلامي والقانون في هذه المسألة.
- الرجوع إلى المراجع المتخصصة في موضوعات البحث وخاصة المراجع الحديثة.
الدراسات السابقة: الناظر في موضوعات البحث الخاصة بامتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في الفقه الإسلامي والقانون يجد أنه قد جاءت عدة كتابات لمعالجة حكم امتناع الطبيب عن إسعاف المريض وفق المفهوم الشرعي والقانوني حيث كان من بين هذه الدراسات المتعلقة بموضوعات البحث وما يرتبط به من تفصيلات ما يأتي:
- عكاز، محمد علي علي، حالات امتناع الطبيب عن إسعاف المريض وحكمها في الفقه الإسلامي، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات، دمنهور، العدد الثالث، المجلد الأول، 2018م، فقد تحدث عن ماهية الامتناع والطبيب، وحالات امتناع الطبيب عن إسعاف المريض وعلاج من حيث التعمد أو الإهمال والتقصير، وكذلك حالة الامتناع حتى قبض الأجرة والإضراب وعدم توفر أجهزة أو الاختصاص، أو عند اليأس من حياة المريض أو التعجيل بموته…، ومع أهمية هذه الدراسة إلا أنها لم تركز على الحالات التي يجوز فيها الامتناع عن تقديم العلاج بخاصة ذلك وذاتيته وهو ما تم تناوله في هذه الدراسة مع اهتمامها بطبيعة العمل الطبي والتطبيب ودور ذلك في رعاية صحة الإنسان في المنظور الشرعي.
- دراسة الموسى، عبد الله بن إبراهيم، امتناع الطبيب عن العلاج بين الشريعة الإسلامية والقانون، الأستاذ المشارك بقسم أصول الفقه في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالإحساء- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مجلة الشريعة والقانون، العدد الرابع والأربعون، ذو القعدة 1431 ه- أكتوبر 2010م، ، حيث جاء بحثه للتركيز على ماهية الطب وبيان فضله وحكمه، ومسألة امتناع الطبيب عن العلاج وتكييفها بالقياس على ما ذكره الفقهاء القدامى من مسألة منع فضل الماء والزاد، والتعسف في استعمال الحق، والواجب العيني والكفائي، ومن ثم بيان حكم الامتناع من الناحية القانونية باستناد ذلك على الجريمة السلبية حيث تقتضي وجوب قيام الإنسان بإنقاذ غيره إذا كان مكلفًا بالأمر قانونًا، ومن ثم ذكر أقوال العلماء ونصوصهم فيما يتعلق بحكم ذلك، وقد جاءت هذه الدراسة لبيان موقع التطبيب من حفظ النفس في الفقه الإسلامي وتكييف ذلك، وكذلك الوقوف على الحالات التي يجوز للطبيب فيها أن يمتنع عن تقديم العلاج ودراسة التفصيلات المتعلقة بذلك في الفقه الإسلامي.
- دراسة منار، فاطمة الزهرة، الاثار القانونية لرفض المريض للعلاج دراسة مقارنة، مجلة الباحث للدراسات الأكاديمية، المجلد7، العدد1، السنة 2020، حيث تناولت الدراسة التزام الطبيب بموجب القوانين والتشريعات بالمتعلقة بالعمل الطبي وخاصة حصوله على موافقة المريض اللازمة لتقديم العلاج، حيث يجب تحقق الموافقة بعد تبصير المريض بحالته الصحية، وبالتالي احترام الطبيب لإرادة المريض والحصول على موافقته قبل أن يقدم على علاجه، إلا أن هذه الدراسة لم تتناول احقية الطبيب برفض العلاج ومتعلقاته وهو ما تناولته هذه الدراسة.
- دراسة سعاد، قند، ومحمود، لنكار، جريمة الامتناع عن تقديم المساعدة لشخص في حالة خطر وتطبيقاتها في المجال الطبي، مجلة الاجتهاد القضائي، جامعة محمد خيضر بسكرة، المجلد12، العدد1، العدد التسلسلي21، مارس2020، حيث أوضحت كيف أن المشرع الجزائري قد منح الطبيب الحق في قبول العلاج أو رفضه واستثنى من ذلك حالات الاستعجال والخطر، كما ركزت على تحمل الطبيب المسؤولية الجزائية عند الامتناع عن تقديم العلاج، الا انها لم تضع الضابط لقبول العلاج أو رفضه بل ركزت على اظهار الوصف القانوني لفعل الطبيب حال امتناعه، وهذا يقودنا الى اظهار مدى مشروعية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج وفقًا للتشريعات والقوانين المنظمة للمجال الطبي.
- دراسة مصطفى، كمال محمد نور، المسؤولية الجنائية في المهن الطبية مسؤولية الطبيب، رسالة ماجستير جامعة النيلين، السودان، 2007م، حيث تناولت الدراسة مسؤولية الطبيب حال لم يبذل العناية اللازمة، وركزت على الأخطاء الطبية التي يترتب عليها المسؤولية الجزائية حال الإهمال الطبي، لكنها لم تفرق بين المسؤولية حال الامتناع عن تقديم العلاج أو الحالات التي يمكن فيها أن يمتنع عن تقديم العلاج وهو ما سيتم تناوله في هذه الدراسة.
محتوى البحث: وقد جاءت هذه الدراسة – إضافة للمقدمة والخاتمة – في ثلاثة مباحث، وذلك على النحو الآتي:
المبحث الأول: أهمية التطبيب في حفظ صحة المريض في الفقه الإسلامي والقانون
المطلب الأول: أهمية التطبيب في حفظ صحة المريض في الفقه الإسلامي والقانون
المطلب الثاني: جوهر عمل الطبيب في الفقه الإسلامي والقانون
المبحث الثاني: ماهية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض وطبيعته في الفقه الإسلامي والقانون
المطلب الأول: ماهية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في الفقه الإسلامي والقانون
المطلب الثاني: طبيعة امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في الفقه الإسلامي والقانون
المبحث الثالث: الحالات التي يجوز فيها للطبيب أن يمتنع عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون
المطلب الأول: الحالات التي يجوز للطبيب فيها أن يمتنع عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون
المطلب الثاني: الحالات التي لا يجوز للطبيب فيها أن يمتنع عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون
المطلب الثالث: موقف الفقه الإسلامي والقانون من طبيعة امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض وفق الحال التي تقتضي ذلك.
وأخيراً : فهذا غاية جهد الباحثين، فإن كان ثم توفيق فبفضل الله تعالى، وإن كانت الأخرى فمن عجز وتقصير ونستغفر الله العظيم.
المبحث الأول:
أهمية التطبيب في حفظ صحة المريض، وجوهر عمل الطبيب في الفقه الإسلامي والقانون
الناظر في التطبيب ودوره في رعاية صحة الإنسان ومدى اهتمام العالم بذلك؛ قد يظن أن هذا الاهتمام هو من قواعد الحضارة الحديثة، وبأن التشريعات الإسلامية والقانونية المتعلقة بذلك هي تشريعات فقيرة تخلو من تنظيم ذلك أو حتى دراسته والوقوف على مظانه ومتعلقاته، إلا أن المنصف والمتفحص يجد أن العمل الطبي وجوهره في التشريعين الإسلامي والجنائي مسألة محورية فيهما ترتبط بحق الإنسان في الحياة وحماية نفسه من الضرر والمفاسد، ولأهمية التطبيب وفق هذين المفهومين جعل هذا المبحث للتركيز على مطالب تتعلق بذلك وهي فيما يأتي:
المطلب الأول: أهمية التطبيب في حفظ صحة المريض في الفقه الإسلامي والقانون
اهتم الفقه الإسلامي بالإنسان وحث على العناية بصحة بدنه، وذلك من خلال الحرص على التداوي ودفع المرض، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أنزل الله داء إلا انزل له شفاء”([1]) ، وفي هذا الحديث: “تقوية لنفس المريض والطبيب وحث على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه؛ فإن المريض إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله تعلق قلبه بروح الرجاء وبرد من حرارة اليأس وانفتح له باب الرجاء، ومتى قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية وكان ذلك سبباً لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانية والطبيعية، ومتى قويت هذه الأرواح قويت القوي التي هي حاملة لها فقهرت المرض ودفعته، وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه”([2]).
إن قيام الطبيب بعمله الطبي وفق القواعد المهنية والعلمية والأخلاقية يعد من الأمور المهمة في إرساء مبدأ حفظ النفس ورعايتها وبذل العناية الممكنة في علاجها، على اعتبار أن حفظ النفس من المقاصد الضرورية للفقه الإسلامي([3])، ولذلك جاء تنظيم هذه المسألة وفق تشريعات حكيمة بهدف المحافظة عليها وتشريعات أخرى لتحقيق مبدأ الردع لكل من تسول له نفسه أن يضر بها، ويتسبب بهلاكها، فقد جاء حفظ النفس وفق المفهوم الشرعي بهدف جلب العافية لصحة الأبدان، وتمكين الإنسان من أداء التكاليف الشرعية المطلوبة منه، وأن يقدر على حمل الأمانة وعمارة الأرض، لقوله تعالى: ﴿هو أنشاكم من الأرض واستعمركم فيها﴾([4])وذلك أن الاستخلاف هو مصدر الالتزامات التي يتم تكليف الإنسان بها، وذلك بما يكفل التعاون الإنساني في تحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي في نواحي البر المتعددة، امتثالًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”([5])، ولقوله أيضًا: “الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”([6]). وهذه التفصيلات لإظهار أهمية التطبيب في حفظ النفس الإنسانية وتحقيق التكافل والتعاون بين الناس، وخاصة إعانة المريض ومساعدته في ذلك قدر الإمكان.
وقد نصت المادة (62) من الميثاق الإسلامي العالمي([7]) للأخلاقيات الطبية والصحية أنه: “لحياة الإنسان حُرمتها، ولا يجوز إهدارها إلا في المواطن التي حددها الشرع والقانون، وهذه جميعاً خارج نطاق المهنة الطبية تماماً. ولا يجوز للطبيب أن يساهم في إنهاء حياة المريض ولو بدافع الشفقة، ولا سيما في الحالات الآتية مما يُعرف بقتل المرحمة:
- أ- القتل العمد لمن يطلب إنهاء حياته بمحض إرادته.
- ب- الانتحار بمساعدة الطبيب.
- ت- القتل العمد للولدان المولودين بعاهات خلقية قد تهدد حياتهم أو لا تهددها”.
ونصت المادة (105) منه: “على الطبيب المصاب بمرض من الأمراض السارية، أن يتوقف عن مزاولة أي نشاط من شأنه المجازفة بنقل المرض إلى مرضاه أو زملائه أو غيرهم، وعليه في هذه الحالة أن يستشير السلطة المختصة بالمنشأة الصحية لتحديد المهام التي يقوم بها”.
المطلب الثاني: جوهر عمل الطبيب في الفقه الإسلامي والقانون
ومن المقرر في الطب والفقه الإسلامي أن عمل الطبيب مقتصر على التزامه ببذل العناية الفائقة في علاج المريض وليس البرء وتحقيق الشفاء له وفق الحالة الإنسانية الطبيعية، ولذلك فهو يفعل واجبه بالمقدار الذي يجب وفي الوقت الذي يجب، ثم ينتظر حصول غاية ذلك ليس إلا، ولتحقيق هذه المقاصد وإرساء هذه المبادئ ولإظهار أهميتها أجاز الفقه الإسلامي للمكلف ترك الواجبات والتكاليف الشرعية كالصلاة والصيام، دلالة منه بأهمية الإنسان وحياته ولزوم إيجاد ما يسعدها ويعمل على استقرارها وبقائها، وأوجب على من شاهد أو سمع أي شخص يستغيث سواء أكان طبيبًا أم لا؛ أن يعمل على مبدأ الإغاثة وفق القدرة والاستطاعة، من خلال الاتصال بالإسعاف أو القيام بأعمال الإغاثة بعمومها وخصوصها، وهذا مقتضى الواجب الكفائي في المفهوم الشرعي الذي طلب الشارع فعله من مجموع المكلفين لا من كل فرد منهم بحيث إذا قام به بعضهم فقد أدوا الواجب وسقط الإثم والحرج عن الباقين وإذا لم يقم به أي من المكلفين أثموا جميعًا بإهمال هذا الواجب، فإثم القادر لإهماله واجبا قدر على أدائه، وإثم غير القادر لإهماله حث القادر وحمله على فعل الواجب المقدور له وهذا مقتضى التضامن في أداء الواجب وخاصة إذا تعلق بالتطبيب من جميع جوانبه العملية والمهنية والشرعية ([8]).
والأصل في مشروعية مداواة المرضى وعلاجهم حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت كنا نغزو مع رسول الله نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة([9]). وحديث أم عطية نسيبة الأنصارية رضي الله عنها” غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم. فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى”([10])
ومن ذلك أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم “من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”([11])، وقوله صلى الله عليه وسلم: “الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”([12]).
وهنا قرر مجمع الفقه الإسلامي بخصوص موضوع التطبيب ما يأتي([13]):
أولاً: التداوي:
الأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والفعلية، ولما فيه من “حفظ النفس” الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع.
وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص:
– فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية.
– ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق في الحالة الأولى.
– ويكون مباحاً إذا لم يندرج في الحالتين السابقتين.
– ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها.
ثانياً: علاج الحالات الميؤوس منها:
أ– مما تقتضيه عقيدة المسلم أن المرض والشفاء بيد الله عزَّ وجل، وأن التداوي والعلاج أخذ بالأسباب التي أودعها الله تعالى في الكون وأنه لا يجوز اليأس من روح الله أو القنوط من رحمته، بل ينبغي بقاء الأمل في الشفاء بإذن الله.
وعلى الأطباء وذوي المرضى تقوية معنويات المريض، والدأب في رعايته وتخفيف آلامه النفسية والبدنية بصرف النظر عن توقع الشفاء أو عدمه.
ب– إن ما يعتبر حالة ميؤوساً من علاجها هو بحسب تقدير الأطباء وإمكانات الطب المتاحة في كل زمان ومكان وتبعاً لظروف المرضى.
ثالثاً: إذن المريض:
أ – يشترط إذن المريض للعلاج إذا كان تام الأهلية، فإذا كان عديم الأهلية أو ناقصها اعتبر إذن وليه حسب ترتيب الولاية الشرعية ووفقاً لأحكامها التي تحصر تصرف الولي فيما فيه منفعة المَوْلىّ عليه ومصلحته ورفع الأذى عنه.
على أن لا يُعتدّ بتصرف الولي في عدم الإذن إذا كان واضح الضرر بالمَوْلِيّ عليه، وينتقل الحق إلى غيره من الأولياء ثم إلى ولي الأمر.
ب– لولي الأمر الإلزام بالتداوي في بعض الأحوال، كالأمراض المعدية والتحصينات الوقائية.
ج– في حالات الإسعاف التي تتعرض فيها حياة المصاب للخطر لا يتوقف العلاج على الإذن.
ومن هنا فقد جعلت الشريعة الإسلامية التطبيب من الوسائل المؤثرة في حفظ النفس ورعايتها، وعدته من باب الوسائل التي تعبدنا الله بها كما تعبدنا بالمقاصد والغايات، حيث يقول ابن القيم: “لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها؛ فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلهما مقصود”([14]).
وهذا ما تضمنته المادة (62) من الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية ببيانها جوهر عمل الطبيب وطبيعة ذلك في بذل العناية لحفظ النفس ورعاية الصحة حتى لو كان ذلك بدافع الشفقة ومخالفة القواعد المهنية والطبية اللازمة لعمله.
المبحث الثاني:
ماهية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض وطبيعته في الفقه الإسلامي والقانون
تقتضي طبيعة البحث في الحالات التي يجوز فيها الامتناع عن تقديم العلاج للمريض والحالات التي لا يجوز فيها ذلك أن يصار إلى الوقوف على ماهية الامتناع وطبيعته في المفهومين الفقهي والقانوني وبيان ذلك فيما يأتي:
المطلب الأول: ماهية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في الفقه الإسلامي والقانون
الامتناع لغة: من منع، والمنع: ما يحول بين الرجل وبين الشيء الذي يريده، وهو خلاف الإعطاء، يقال: منعه الشيء ومنعه منه، أي: حرمه إياه، ويطلق الامتناع كذلك على: الكف عن الشيء أو الترك وعدم العمل([15]). ويكون الامتناع متحققًا إذا وجدت رغبة الشخص وتحقق اختياره وأثرت معرفته بما هو مقدم عليه من فعل أو ترك([16]).
ويقصد بالامتناع اصطلاحًا: إحجام شخص عن القيام بعمل يلزمه القيام به، إما بمقتضى تشريع أو اتفاق أو بموجب مخالفه لسلوك الشخص المعتاد، وذلك وفقا لما يقضي به العرف والعادة، أو مبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد العدالة([17]).
والامتناع في القانون هو الفعل الإرادي هو الذي يميز بين النشاط المشروع وغيره من الأنشطة التي تجرمها التشريعات الجزائية، ويقسم هذا النشاط إلى إيجابي وسلبي الذي يشكل الامتناع الإرادي عن القيام بالفعل والذي جرمه المشرع في قانون العقوبات، حيث يعرف الامتناع بأنه: “امتناع الشخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان الشارع ينتظره منه في ظروف معينة بشرط ان يوجد واجب قانوني يلزم بهذا الفعل وان يكون في استطاعة الممتنع عنه إتيانه بإرادته”([18]).
ويتضح من خلال التعريف أن الامتناع أحد صور الفعل الإيجابي الإرادي، فالامتناع يتكون عندما يلزم القانون الشخص بعمل معين وفقا للقاعدة القانونية الآمرة والتي لا يجوز الاتفاق على ما يخالفها، ونتيجة لهذه الصورة من صور الفعل الإرادي يترتب على امتناع المكلف بعمل ما نتيجة جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات.
والامتناع هنا يشكل الصورة الثانية من صور السلوك المجرم (السلوك السلبي)، فلم يعتمد على العدم بل مرتبط برابطة سببية حققت نتيجة جرمية كان من الواجب القيام بالعمل حتى لا يحدث تغييرًا بالعالم الخارجي([19]).
ويقع الامتناع في هذا البحث على إسعاف المريض وعلاجه، وإمكانية حصول ذلك وفق حالات محددة أو غير محددة، فمن يسعف في حاجة فلان، فهذا يعني أنه يقضيها له، والإسعاف في الأمر: الإعانة والقرب وقضاء الحاجة، والمساعفة: المساعدة، وأسعف فلانًا، يعني: أتاه وقرب منه في مصافاة ومعاونة([20]). والإسعاف في الاصطلاح: المساعدة الطبية الأولية التي تقدم للمصابين والمرضى الذين تتطلب حالاتهم التدخل الطبي العاجل كالمصابين في حوادث السير والكوارث والمرضى بأمراض حادة تهدد حياتهم مثل نزيف الدماغ([21]).
وعليه يكون المقصود بإنقاذ المريض: تقديم المساعدة الطبية له وبذل العناية الواجبة في الشرع والطب لإعانته في الحال التي يخشى فيها هلاكه الواقع أو المتوقع، أو منع حصول الأذى أو الضرر عليه، بما يحقق له حقه في الحياة الكريمة وحفظ نفسه وصحة بدنه وفق القدرة والاستطاعة.
المطلب الثاني: طبيعة امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في الفقه الإسلامي والقانون
وتظهر طبيعة الامتناع وفق الحالة التي يكون عليها علاج المريض وإسعافه، فإذا كان وفق حالات عادية غير طارئة بحيث لا يخشى فيها على النفس الهلاك أو الفوات، بل هي حالة الإجراء الطبي العادي، كحال الاستشارة الطبية والعلاج العادي أو العمل الجراحي المقبول والموافق عليه من الناحية الطبية؛ فإنه يسمح للطبيب بالتدخل الطبي أو الجراحي من أجل علاج المريض أو الإعانة على ذلك وفق استطاعته وتوفر الرضا والإذن([22]). فإذا لم تتم الموافقة من الجهة المخولة بذلك شرعًا، فإنه لا يسمح للطبيب بالتدخل الطبي والجراحي في هذه الحالة، ويعد تدخله في هذه الحالة تصرفًا غير مقبول يعرضه للمساءلة، وخاصة إذا ترتب على ذلك ضرر لحق بالمريض([23]). وهنا يمكن للطبيب أن يقدر حالة الامتناع عن تقديم العلاج للمريض ويقرر ذلك بما يراه مناسبًا من طبيعة عمله الطبي، وقد يرى مشروعية الامتناع عن تقديم العلاج في هذه الحالة.
وأما إذا كان ذلك عند وقوع حالة الحرج والخوف على النفس وهلاكها حيث يتطلب الأمر فورية العلاج وأن تقدم الرعاية الطبية اللازمة في هذه الحالة الطارئة؛ بناء على وجود حال الخطر؛ مثل حوادث السير وإجراء العمليات الطبية الجراحية المستعجلة([24])، … فهنا يلزم الطبيب أن يتدخل سريعًا للإسعاف وتقديم العلاج، ولا ينتظر ذلك تحقق الرضا من صاحب العلاقة، حيث تعد هذه الحالة من حالات الطوارئ، والتي لا يخضع فيها الامتناع إلى رأي الطبيب المقصود بتقديم العلاج لا من ناحية الاختصاص أو حتى طبيعة العمل والموقع الطبي، وبالتالي ولتحقيق مقصد حفظ النفس واعتبار القدرة والاستطاعة لا يقبل من الطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج، أو يتأخر في ذلك إلا لعذر شرعي وطبي مقبولين، لعدم توقف ذلك على رضى المريض أو غيره من الأقارب([25])، وهذا ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة عشرة عندما أصدر قرارًا ــــــ بخصوص إذن المريض في العلاج في بعض الحالات الطارئة ــــــــ حيث نص على ما يأتي: “يجوز اتخاذ التدابير والإجراءات الطبية اللازمة في الحالات الإسعافية (طب الطوارئ) دون الحاجة إلى أخذ موافقة المريض أو وليه في الحالات التالية([26]):
– وصول المريض في حالة إغماء شديد أو في حالة يتعذر الحصول معها على الموافقة قبل التدخل.
– أن المريض في حالة صحية خطرة تعرضه للموت، تتطلب التدخل السريع قبل الحصول على الموافقة.
– أن لا يوجد مع المريض أحد من أقاربه الذين لهم حق الموافقة مع ضيق الوقت”.
وقرر المجمع بخصوص الإذن بالعلاج في الحالات المستعجلة في دورته التاسعة عشرة ما يأتي([27]):
1- يقصد بالحالات المستعجلة: الحالات المرضية التي تستدعي إجراء عمل علاجي أو جراحي دون أي تأخير، نظراً لخطورة الوضع الصحي الذي يعاني منه المريض إنقاذاً لحياته أو منعاً لتلف عضو من أعضائه من مثل:
أ- الحالات التي تتطلب إجراء ولادة قيصرية إنقاذاً لحياة الأم أو الجنين أو هما معاً، كما في حالة التفاف الحبل السري، وحالة التمزق الرحمي عند الأم أثناء الولادة.
ب-الحالات التي تتطلب إجراء جراحة ضرورية كما في حالة الزائدة الملتهبة.
ج-الحالات التي تتطلب إجراء علاجياً معيناً من مثل غسيل الكلى ونقل الدم.
2-إذا كان المريض كامل الأهلية وتام الوعي ولديه قدرة على الاستيعاب واتخاذ القرار دون إكراه وقرر الأطباء أن حالته مستعجلة وأن حاجته لإجراء علاجي أو جراحي أصبحت أمراً ضرورياً. فإن إعطاء الإذن بعلاجه واجب شرعاً يأثم المريض بتركه. ويجوز للطبيب إجراء التدخل العلاجي اللازم إنقاذاً لحياة المريض استناداً لأحكام الضرورة في الشريعة.
3-إذا كان المريض ناقص الأهلية ورفض وليه إعطاء الإذن الطبي لعلاجه في الحالات المستعجلة فلا يعتد برفضه وينتقل الحق في الإذن إلى ولي الأمر أو من ينيبه من الجهات المختصة في الدولة.
3-إذا كانت الجراحة القيصرية ضرورية لإنقاذ حياة الجنين أو الأم أو هما معاً ورفض الزوجان أو أحدهما الإذن بذلك، فلا يعتد بهذا الرفض وينتقل الحق بذلك إلى ولي الأمر أو من ينيبه في إجراء هذه الجراحة.
5-يشترط للتدخل الطبي في الحالات المستعجلة ما يأتي:
أ- أن يشرح الطبيب للمريض أو وليه أهمية العلاج الطبي وخطورة الحالة المرضية والآثار المترتبة على رفضه وفي حالة الإصرار على الرفض يقوم الطبيب بتوثيق ذلك.
ب-أن يقوم الطبيب ببذل جهد كبير لإقناع المريض وأهله للرجوع عن رفضه للإذن تفادياً لتردي حالته.
ج-يتولى فريق طبي لا يقل عن ثلاثة أطباء استشاريين، على ألا يكون الطبيب المعالج من بينهم، التأكد من تشخيص المرض والعلاج المقترح له مع إعداد محضر بذلك موقع عليه من الفريق، وإعلام إدارة المستشفى بذلك”.
وهذه التفصيلات لإظهار أهمية حفظ النفس ورعاية حق المريض في الحياة، حيث يرى الفقهاء أن نصرة المستغيث وإعانته لتحقيق مقصد حفظ النفس في هذه الحالة من الأمور التي تجيز للمكلف ترك الواجبات والتكاليف الشرعية كالصلاة، والصيام ونحو ذلك، بقصد رعاية هذا المقصد، وبيان ذلك:
أن الحنفية يقولون: “المصلي متى سمع أحداً يستغيث وإن لم يقصده بالنداء أو كان أجنبياً وإن لم يعلم ما حل به أو علم وكان له قدرة على إغاثته وتخليصه وجب عليه إغاثته وقطع الصلاة فرضاً كان أو غيره”([28]). وفي الفقه المالكي: من تكلم عمداً لغير إصلاح صلاته أو جهلاً أو إكراهاً أو لما وجب عليه من إنقاذ غريق مثلاً فإن صلاته باطلة([29]). ويرى الشافعية أن: “الشخص الصائم لو رأى مشرفا على الهلاك وافتقر في تخليصه إلى الفطر فله ذلك ويلزمه القضاء”([30]). ويقول الفقه الحنبلي بأنه: “يجب إنقاذ غريق ونحوه فيقطع الصلاة لذلك فرضا كانت أو نفلا لأنه يمكن تدارك الصلاة بالقضاء بخلاف الغريق ونحوه فان آبى قطع الصلاة للإنقاذ يكون آثم”([31]).
ويقول ابن حزم: “ومما كتبه الله تعالى -أيضاً- علينا استنقاذ كل متورط من الموت، إما بيد ظالم -كافرٍ أو مؤمنٍ متعدٍ- أو حية، أو سبع، أو نار، أو سيل، أو حيوان، أو من علةٍ صعبة نقدر على معافاته منها، أو من أي وجهٍ كان، فوعدنا على ذلك الأجر الجزيل الذي لا يضيعه ربنا تعالى الحافظ علينا صالح أعمالنا وسيئه، ففرض علينا أن نأتي من كل ذلك ما افترضه الله تعالى علينا”([32]).
وأما النموذج القانوني لفعل الامتناع فهو مستمد من القاعدة القانونية الآمرة، فطبيعة القواعد القانونية في التشريع الجنائي المتمثل في قانون العقوبات آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها على أساس مبدأ (لا جريمة ولا عقوبة الا بنص)، فإما القيام بعمل ما أو الامتناع عن القيام بعمل ما، وبالتالي هو ظاهرة لا ينتج عنها نشاط بل ينتفي هذا النشاط المشكل للجريمة وتسمى (الجريمة السلبية). وهي من الجرائم المادية التي تتطلب حصول نتيجة جرمية معينة يربطها سلوك ليحدث تغيير في العالم الخارجي، ويتكون بنيانها القانوني من الركن المادي بعناصره الثلاث من فعل ونتيجة ورابطة سببية بالإضافة للركن المعنوي ويتضمن علم الجاني بماهية هذا الفعل وارادته المتجهة الى القيام بالفعل واحداث النتيجة الجرمية.
المبحث الثالث:
الحالات التي قد يمتنع فيها الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في الفقه الإسلامي والقانون
ينظر في طبيعة الامتناع المبرر من خلال إمكانية المخالفة لأمر واجب سواء أكان ذلك بناء على الشرع أو أنه انتظم وفق اتفاق بين الإفراد، وهو في حالتنا الاتفاق المبرم بين الطبيب والمريض، وبمقتضى ذلك فإن الامتناع غير المبرر الذي يترتب عليه المساءلة والعقاب هو الفعل أو التصرف الذي يترك الشخص بمقتضاه الواجب العيني حسب الشرع أو الاتفاق([33])، وهذا يؤسس لطبيعة امتناع الطبيب عن إنقاذ المريض وفق الحالات التي يجب فيها القيام بذلك، وكذلك الحالات التي لا يتعلق بها الوجوب لعدم تحقق أسباب ذلك، وعليه فإن هذا المبحث جاء ليركز على الامتناع المشروع وطبيعة الحالات التي لا تتعلق بالواجبات المفروضة على الطبيب حيث لا يقبل منه تركها، بل يجوز له أن يمتنع عن عمله الطبي ويحدد علاقاته مع المرضى بمقتضاها، وبيان هذه الحالات فيما يأتي:
المطلب الأول: الحالات التي يجوز للطبيب فيها أن يمتنع عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون
وتتمثل هذه الحالات بما يأتي([34]):
- أن يكون الطبيب غير قادر على إنقاذ المريض لعدم توفر الإمكانات اللازمة لقيام بذلك، من حيث التخصص أو المعدات والتجهيزات المتعلقة بطبيعة عمله وواقع القيام بذلك من حيث المهنة.
- أن يكون الطبيب مريضاً غير قادر على إنقاذ غيره، والمرض يمنعه من عمله لضعفه ورفع الحرج عنه شرعًا.
- أن يكون الامتناع لمخالفة المريض للتعليمات التي يحددها له الطبيب بمقتضى المهنة والإجراءات الصحية المرتبطة بالمرض.
- أن تكون مزاولة العمل الطبي في حالة الأمراض المعدية المحققة أو المحتملة، والتي قد يتعرض فيها الطبيب للضرر وللعدوى ممن يخالطهم ويعالجهم من المرضى لتحقق إصابتهم بأمراض معدية، وخاصة إذا لم يتوفر للطبيب ومراكز العلاج ما يحميهم من هذه الأمراض من معدات وإجراءات صحية معتبرة.
- إذا استعان المريض بطبيب آخر دون موافق الطبيب الأول المشرف على العلاج، أو أن طلب المعالجة قد جاء دون الحاجة، أو أن الحال لا تقتضي ذلك من الناحية الطبية والأخلاقية.
- أن يتعرض الطبيب لإكراه أو إجبار يمنعه من مساعدة المريض، وهنا لا يجب عليه التدخل للمعالجة، لأن ذلك يعرضه للضرر وإلقاء النفس في التهلكة، وقد نهي عن ذلك شرعًا بقوله تعالى: ﴿ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾([35])، ولأن الإكراه الحاصل هنا ينافي الرضا والاختيار، وحتى الطبيب يؤاخذ عن فعله يجب أن يصدر ذلك منه عن رضا واختيار([36])، وهذا غير متحقق هنا، وبالتالي فيجوز له الامتناع عن تقديم العلاج في هذه الحالة.
- أن يكون امتناع الطبيب نتيجة وجود قوة قاهرة أو حدث مفاجئ يؤثر في عمل الطبيب ويمنعه من تقديم العلاج، ويرفع المسؤولية عنه، فلا يؤاخذ ويعد امتناعه مشروعًا.
- أن يلحق بالطبيب حال علاجه أي ضرر أو أذى كان، فإذا ترتب على العلاج ذلك؛ فيحق له الامتناع، حيث لا ضرر ولا ضرار شرعًا.
- أن ينشغل الطبيب بعلاج مريض آخر قبل طلب المعالجة، ولا يمكنه تركه لتحقق الخطر على المريض إن ترك، وهنا يشرع امتناعه عن تقديم العلاج للمريض المتأخر.
- ألا يتمكن الطبيب من الوصول إلى مركز العلاج في الوقت المناسب لأمور تقتضيها طبيعة الطريق ووسائل المواصلات التي يستقلها الطبيب.
- أن يكون باستطاعة المريض وأقاربه طلب طبيب آخر يمكنه الحضور وتقديم العلاج، ولا يتوقف ذلك على طبيب واحد فقط، وعندها يسوغ للطبيب الامتناع عن تقديم العلاج.
وبالنظر إلى نصوص قانون الصحة العامة رقم 20 لسنة 2004 نجده خاليًا من الحالات التي يجوز للطبيب القبول أو الرفض في تقديم العلاج، إلا انه في نص المادة (63) حظر مزاولة المهن الصحية دون الحصول على الترخيص من الجهات ذات العلاقة، لكن المشرع في قانون الصحة العامة تطرق إلى حالة من الحالات الصريحة التي تجيز للطبيب رفض تقديم العلاج وهي حالة إجهاض المرأة بنص المادة (8) من قانون الصحة العامة لسنة 2004، لاعتبارات قانونية وشرعية، إذ يشكل القيام بهذا الفعل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات وهي جريمة الإجهاض، في المقابل تناول المشرع وفي ذات المادة ضرورة تدخل الطبيب والقيام بفعل الإجهاض إذا كانت حالة الحمل تشكل خطرا على حياة الأم، فإذا استوجبت الضرورة القيام بفعل الإجهاض لإنقاذ حياتها يتطلب ذلك بعض الشروط وهي:
- الموافقة الخطية المسبقة من المرأة الحامل.
- شهادة طبيبين مختصين وان تتم العملية في مؤسسة صحية.
أما قانون رقم (1) لسنة 2006 بشأن المجلس الطبي الفلسطيني فقد جاء على تنظيم هيئة طبية علمية تهدف إلى رفع المستوى العلمي والعملي للأطباء في مختلف الفروع الطبية، وعليه فلم يذكر في طياته ما يتعلق بحالات امتناع أو قبول الطبيب في علاج المريض.
لكن في القرار بقانون رقم (31) لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية وردت بعض حالات الامتناع وبعض الحالات الصريحة التي يجوز للطبيب الامتناع فيها عن تقديم العلاج دون إن يترتب عليه أي مسؤولية جزائية أو مدنية وهي كالآتي:
حالات يجوز الامتناع فيها[37]:
- يجوز للطبيب أن يرفض تقديم العلاج دون رضاء المريض، فعلاقة الطبيب بالمريض علاقة عقدية يجب الالتزام بضوابطها وفقا للقوانين والتشريعات ذات الصلة وهي علاقة قائمة على الثقة توجب على الطبيب أن يشرح للمريض حالته المرضية.
- في حالة وجود طبيب بديل يجوز للطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج لأسباب مهنية أو أسباب شخصية.
- يجوز للطبيب الامتناع إذا كانت رخصة مزاولته للمهنة منتهية الصلاحية.
- يحق للطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج في مراكز صحية غير مرخصة وفقا للقوانين والتشريعات النافذة.
- يجوز للطبيب الامتناع عن إجراء العمليات الجراحية إذا كانت الحالة الصحية لا تسمح بذلك وفقا للفحوصات والإجراءات السابقة على إجراء العمليات الجراحية.
المطلب الثاني: الحالات التي لا يجوز للطبيب فيها أن يمتنع عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون
ومع القول بجواز امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في الحالات السابقة؛ فإن الفقه الإسلامي يوجب على الطبيب القيام بعلاج المريض ويحظر عليه الامتناع عن تقديم العلاج، لأن عمله في هذه الحالة من قبيل الحفاظ على النفس وهو أمر واجب لا يتحقق القيام به إلا بتقديم العلاج، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وفق قواعد الفقه الإسلامي ومبادئه، حيث قرر مجمع الفقه الإسلامي وجوب الضمان على الطبيب إذا لحق ضرر بالمريض عند امتناعه عن أداء الواجب الطبي ورفضه تقديم العلاج للمريض حال ضرورة إنقاذه وإسعافه وقت حصول الحوادث([38]). وتتمثل الحالات التي يجب فيها على الطبيب تقديم العلاج ويحظر امتناعه فيها عن القيام بذلك فيما يأتي([39]):
- حالات الطوارئ والحوادث التي تتطلب علاجًا مستعجلًا، مع توفر قدرة الطبيب على تقديم الخدمة الطبية وتمكنه من تقديم العلاج وفق المستطاع.
- حالة الضرورة القائمة على حفظ النفس من خلال وجود المريض قيد العناية المكثفة، وتكون حياته معرضة للهلاك والخطر إن لم يحصل على العلاج المناسب بناء على توفر الإمكانيات والتجهيزات الطبية.
- أن يأتي المريض إلى الطبيب في عيادته الخاصة، الكائنة في مكان ناء ينحصر فيها تقديم العلاج بعيادة هذا الطبيب فقط، أو أن الطبيب هو الطرف الوحيد القادر على تقديم العلاج أو تقدير الموقف الطبي وفق الإمكانيات المتاحة له، إلا إذا تعلق بذلك ظرف قاهر يمنعه من القيام بذلك.
- أن يكون عمل الطبيب في المستشفى سواء أكان عامًا أم خاصًا، ويأتي عنده مريض يطلب العلاج الطبي وتكيف حالته الصحية أنها لا تحتمل التأخير، مع قدرة الطبيب على القيام بذلك من الناحية الوظيفية والمهنية وهنا يحظر على الطبيب الامتناع عن تقديم العلاج لتحقيق مصلحة المريض والعمل على مساعدته وتخليصه مما يعاني منه.
- أن يكون عمل الطبيب في مركز صحي بناء على علاقة تعاقدية طبيعية بينه وبين هذه المؤسسة أو موظفيها، وبالتالي فإن عمله مرتبط بهذه العلاقة ولا يجوز له مخالفتها أو الانفكاك عنها بمقتضى العقد، وبالتالي يحظر عليه الامتناع عن تقديم العلاج في هذه الحالة لالتزامه بمقتضى العقد وحفاظه على آثاره المشروعة.
وفي القرار بقانون رقم (31) لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية وردت بعض حالات التي لا يجوز فيها الامتناع عن تقديم العلاج وهي كالآتي[40]:
- علاج حالات الطوارئ والإسعاف، فلا يجوز للطبيب الامتناع عن تقديم العلاج فهذه حالة ضرورة تقتضي من الطبيب التدخل للعلاج وفقا لأخلاقيات المهنة وقسم مزاولة المهنة.
- علاج حالات الطوارئ والاستعجال التي يتعذر فيها الحصول على موافقة المريض بتقديم العلاج لأي سبب مشروع.
- إذا قررت لجنة طبية أن رفض المريض للعلاج يؤدي إلى مضاعفات تضر بالآخرين أو يصعب معها العلاج مستقبلا لا يجوز للطبيب أن يمتنع عن تقديم العلاج حتى لو رفض المريض ان يقدم له العلاج.
- لا يجوز للطبيب الامتناع عن إجراء العمليات الجراحية دون موافقة المريض خطيا إلا إذا قرر طبيبان مختصان على الأقل أن العملية ضرورية ومستعجلة وكان الحصول على الموافقة متعذرًا.
ولقد كان الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية أكثر وضوحًا وشمولًا لحالات الامتناع عن تقديم العلاج، وخاصة فيما يتعلق بالحالات التي لا يجوز للطبيب فيها أن يمتنع عن تقديم العلاج، حيث جاء في نص المادة (9) ما نصه: “لا يجوز للطبيب الامتناع عن علاج المريض في الحالات الطارئة، ولا الانقطاع عن علاجه في جميع الأحوال، إلا إذا رفض التعليمات التي حددها الطبيب، أو استعان بطبيب آخر دون موافقة الطبيب المشرف على علاجه. ولا يجوز للطبيب أن يمتنع عن علاج مريض، ما لم تكن حالته خارجة عن اختصاصه”، ونصت المادة (10) على أنه: “على الطبيب أن يستمر في تقديم العلاج اللازم للمريض في الحالات الإسعافية حتى تنتفي الحاجة إليه، أو حتى تنتقل رعايته إلى طبيب كفء” ونصت المادة (14) على انه” لا يجوز معالجة المريض دون رضاه، إلا في الحالات التي تتطلب تدخلا طبياً طارئاً ويتعذر فيها الحصول على الموافقة، أو إذا كان مرضه معدياً، أو مهدداً للصحة العمومية، أو كان يشكل خطراً على الآخرين وفقاً للقوانين النافذة. ويتحقق رضاء المريض بموافقته الصريحة أو الضمنية، إن كان كامل الأهلية، أو بموافقة من ينوب عنه قانوناً في حالة كونه قاصراً أو فاقداً للوعي أو فاقداً لأي شرط من شروط الأهلية. ويجب أن تكون الموافقة كتابية مستنيرة مبنية على المعرفة في العمليات والتدخلات الجراحية”.
وجاء في المادة (105): “على الطبيب المصاب بمرض من الأمراض السارية communicable، أن يتوقف عن مزاولة أي نشاط من شأنه المجازفة بنقل المرض إلى مرضاه أو زملائه أو غيرهم، وعليه في هذه الحالة أن يستشير السلطة المختصة بالمنشأة الصحية لتحديد المهام التي يقوم بها”.
المطلب الثالث: موقف الفقه الإسلامي والقانون من طبيعة امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض وفق الحال التي تقتضي ذلك.
ومع تعدد حالات تقديم العلاج للمريض من حيث الوجوب وعدمه؛ فإن الاهتمام بالأخلاق الإسلامية حال ممارسة العمل الطبي مسألة جوهرية، وذلك لاعتبارها نظامًا إنسانيًا تقتضيها طبيعة هذه المهنة، فمن التزم مراقبة الله تعالى في عمله وحرص على الرضى والقبول فيه؛ وجب عليه أن يراعي هذه الأخلاق والقيم الإسلامية الأصيلة لإظهار أهمية العمل الطبي وطبيعة ذلك في إرساء قواعد الرسالة الطبية السامية المنبثقة من تعاليم الإسلام وقواعده المؤثرة في الواقع الإنساني المعاش، حيث يكون من أسس إظهار ذلك تصرف الطبيب عند قيامه بعلاج المريض وفق الحالات السابق ذكرها.
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية: “يجب على الطبيب الموظف لعلاج المرضى الذي عنده القدرة لمعالجة الناس بذل ما في وسعه لعلاجهم رجاء شفائهم، أو التخفيف من آلامهم، ويدل لذلك النصوص العامة في الشريعة التي تفيد التعاون وإعانة المحتاج وإغاثة الملهوف، إضافة إلى أن الطبيب في عمله الوظيفي يجب عليه أداء وظيفته على الوجه الأكمل، ومن ذلك معالجة المرضى الذين يلجئون إليه، فلا يجوز له ردهم أو التساهل في علاجهم”([41]).
ومن الأدلة على أهمية علاج المريض وحظر امتناع الطبيب عن تقديم العلاج له وفق الحال الذي يقتضي ذلك ما يأتي:
قول الله تبارك وتعالى: ﴿ من قتل نفسًا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا ﴾([42])، فالإنقاذ من الهلاك وتقديم العلاج للمريض حال طلب ذلك أو حاجته إليه يعد من قبيل الأحياء الواجب شرعًا في هذه الآية([43]).
وقوله تعالى: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ﴾([44])، فهو سبحانه وتعالى يأمر بالتعاون على البر والتقوى وينهى عن الإثم والعدوان، وهذا عام في كل أنواع التعاون على الخير ومنها تقديم العلاج للمريض حال الحاجة إليه([45]).
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: “من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل”([46])، حث نبوي على وجوب تقديم النفع للناس بجميع صور النفع ومجالاته، وذلك وفق القدرة والاستطاعة، ومن باب النفع تقديم العلاج له وتحقيق الحرص على حفظ نفسه ([47]).
وعن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل([48])، فالحديث يظهر وجوب بذل المنافع التي تزيد عن الحاجة، سواء تعلق ذلك بمنافع الأموال كفضل الماء والزاد، أو تعلق ذلك بفضل منافع الأبدان كقيام الطبيب بعمله في تقديم العلاج ورعاية حق المريض في الحياة المطلوب شرعًا([49]).
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”([50])، ومن حب الإنسان لنفسه أن يمنع عنها الضرر ويرفع عنها الهلاك والمفسدة، وكما هذا التصرف يحرص عليه في حق النفس لا بد أن يكون في حق غيره، لاعتبار ذلك من تمام الإيمان المأمور به شرعًا([51]).
ومن الأدلة المهمة في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”([52])، حيث لا يقبل الإضرار بنفس الإنسان ومتعلقاته وكذلك إضراره بغيره ومتعلقاتهم حيث يعد من قبيل ذلك امتناعه عن تقديم العلاج المطلوب للمريض وفق قدرته واستطاعته ([53]).
وأما طبيعة الامتناع عن تقديم العلاج في التشريع الجنائي؛ فلم يعرف قانون العقوبات الامتناع ولم يجرم صراحة فعل الامتناع (الفعل الإيجابي بطريق الامتناع)، ولم يجرم صراحة كذلك امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض، بل اعتبر المشرع كل من يخالف النصوص القانونية الآمرة في قانون العقوبات يعتبر مرتكب للسلوك المجرم معاقب عليه بعقوبة جزائية، فلم يدخل المشرع في تفاصيل السلوك المتطلب لقيام الجريمة سواء كان بفعل إيجابي أو سلبي.
وهذا يتضح من خلال النصوص العامة في قانون العقوبات، حيث عاقب المشرع على الامتناع عندما لم يتطلب نوعًا معينًا من السلوك المجرم لقيام الجريمة، ففي نص المادة (343) حيث جاء على انه” من سبب موت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة اشهر إلى ثلاث سنوات”.
والتسبب بالموت هنا قد يكون بقيام الجاني بفعل إيجابي وقد يمتنع الشخص عن القيام بفعل إيجابي يتسبب بإحداث نتيجة جرمية يعاقب عليها قانون العقوبات، وفي المادة (326) والتي نصت على انه” من قتل إنسانًا قصدًا عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة” فلم يهتم المشرع بنوع الفعل الذي تسبب بالقتل فقد يكون إيجابي بإطلاق النار وقد يكون سلبي بترك احدهم يغرق دون إنقاذه بهدف قتله.
أما نص المادة (331) والتي نصت صراحة على فعل الامتناع حيث جاء فيها” إذا تسببت امرأة بفعل أو ترك مقصود في قتل وليدها …” وهنا يتضح أن المشرع عاقب على الفعل السلبي (فعل الامتناع) الذي يشكل جريمة موصوفة بوصف الجنحة يعاقب عليها قانون العقوبات.
خاتمة: وبعد هذه المحطة في تناول موضوع “مشروعية امتناع الطبيب عن علاج المريض في الفقه الإسلامي والقانون” فإنه يمكن تلخيص أهم ما جاء في هذا البحث من نتائج وذلك فيما يأتي:
- إن حفظ النفس من المقاصد الضرورية المعتبرة في للشريعة الإسلامية التي يجب رعايتها والعمل على احترامها في كل حال.
- يحتاج الوقوف على ماهية امتناع الطبيب عن تقديم العلاج ومعرفة طبيعة ذلك وتكييفه والحالات المتعلقة بذلك إلى الرجوع إلى كتابات الأطباء المختصة بذلك.
- إن العلاقة بين الطبيب والمريض متلقي العلاج مبنية على عقدية قائمة على الثقة وبذل العناية المطلوبة، لذا يتوجب على الطرفين الالتزام بالقواعد الطبية وفقا للتشريعات والقوانين ذات العلاقة.
- وجود نقص حاد في التوعية بمبادئ الأخلاقيات الطبية لدى مقدمي الخدمات الصحية بشكل عام.
- ان امتناع الطبيب عن تقديم العلاج للمريض في بعض الحالات يتنافى مع أخلاقيات مهنة الطب باعتبارها مهنة إنسانية، ويتنافى مع القواعد القانونية بشأن الحماية والصحة والسلامة ذات العلاقة خصوصًا في حالات الطوارئ وحالات الضرورة أيضًا.
- إن مبدأ الشرعية الجنائية يلزم الطبيب بتقديم العلاج وعدم الامتناع لأن رفضه يؤدي به إلى تحمله للمسؤولية الجزائية وفقا لقانون العقوبات النافذ.
- إن مهنة الطب مهنة إنسانية تستدعى تقديم المساعدة للآخرين في حالات الخطر وهذا ما لم توضحه القوانين ذات العلاقة بكل وضوح، فقد غفلت عن تنظيم هذه الحالات وعن ذكر البعض منها.
- هناك حالات لا يجوز للطبيب الامتناع عن تقديم العلاج وهناك ما يسمح له بالامتناع دون ترتب أي مسؤولية، لكن القوانين الطبية ذات العلاقة لم توضح ماهية هذه الأسباب والظروف التي تعطي الحق للطبيب برفض العلاج.
- إن الشريعة الإسلامية بتعاليمها وقواعدها ونصوصها تحث على علاج المريض وتقديم العون له في جوانب الحياة كافة.
- مع تعدد حالات تقديم العلاج للمريض من حيث الوجوب وعدمه؛ فإن الاهتمام بالأخلاق الإسلامية حال ممارسة العمل الطبي مسألة جوهرية، وذلك لاعتبارها نظامًا إنسانيًا تقتضيها طبيعة هذه المهنة.
- من النصوص القانونية المعمول بها في موضوع البحث نصوص الدستور الطبي الأردني وفيه: “باستثناء الحالات المستعجلة، وظروف الطواريء، فللطبيب الحق في أن يمتنع عن بذل العناية الطبية للمريض لأسباب مهنية أو شخصية”.
- يقع على عاتق كل طبيب يعلم بالخطر الواقع أو المتوقع على النفس الإنسانية أن يقف عند مسؤوليته الأخلاقية والمهنية والدينية فلا يضر نفسه ولا يضر غيره، لأنه لا ضرر ولا ضرار وفق المفهوم الشرعي.
- إن أخلاقيات المهنة التي تحكم عمل الطبيب والطواقم الصحية مسألة واضحة في كتب الفقه الإسلامي وهي قضية جوهرية فيه، لا يمكن تجاهل ذلك أو غض النظر عنها، لتعلقها بالموازنة بين المصالح والمفاسد المتعارضة، ورفع الضرر والضرار.
التوصيات: وهي متمثلة بالآتي:
- إن التزام الطبيب بقواعد الصحة والسلامة تفرض عليه واجب الالتزام بأخلاقيات المهنة كما تفرض على المشرع ضرورة التدخل لتنظيم قانون خاص بأخلاقيات مهنة الطب لفرض بذل العناية الفائقة عند تقديم العلاج.
- بالرغم مما ذكر في القوانين الصحية وتشريعات الحماية من حالات لامتناع الطبيب أو عدم امتناعه عن تقديم العلاج إلى أنها جاءت قاصرة عن توضيح الأسباب الخاصة برفض العلاج وهذا يستدعى تدخل المشرع لذكر هذه الأسباب على سبيل الحصر وليس المثال.
- نوصي بتنظيم بعض الحالات التي يحق للطبيب فيها الامتناع عن تقديم العلاج والتي لم تأت على ذكرها القوانين ذات العلاقة خصوصًا بعض الحالات التي ذكرت في الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاقيات الطبية والصحية.
- لا بد من توسيع نطاق الرقابة الصحية على المراكز الصحية وضبطها بما يخدم الصحة والسلامة العامة وعدم إعطاء تراخيص لمراكز غير خاضعة لرقابة وزارة الصحة.
وأخيراً؛ فإننا نتوجه إلى الله سبحانه بخالص الدعاء أن يوفقنا لتحصيل العلم، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزدنا علماً، إنه سميع مجيب الدعاء.
قائمة المصادر والمراجع
- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، الصحيح، بيت الأفكار الدولية، الرياض، (د.ط)، 1998م.
- البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار عالم الكتب، الرياض، 2003م.
- ابن حجر، الإمام الحافظ احمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، المطبعة السلفية، القاهرة، (د.ط).
- ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد، المحلى شرح المجلى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1997م.
- ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار، دار الكتب العلمية، الريا، (د.ط)، 2003م.
- ابن فارس، زكريا أبي حسين أحمد، معجم المقاييس في اللغة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1994م.
- ابن القيم، الطب النبوي، دار الأرقم بن أبي الأرقم، د.ط، بيروت.
- الخطيب، هشام وآخرون، الطبيب المسلم وأخلاقيات المهنة، ( د.م)، ط1، 1991م.
- خلاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، دار الكتب العلمية، بيروت، 2006م، (د، ط).
- الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، دار الحديث، القاهرة، (د.ط)، 2004م.
- السراج، عبود، شرح قانون العقوبات القسم العام، منشورات جامعة دمشق، 2007.
- سليم، أيمن سعد، الامتناع مصدر للمسؤولية المدنية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، (د.ط)، 2003م.
- سويلم، محمد أحمد، مسؤولية الطبيب والجراح، منشاة المعارف، الإسكندرية، ط1، 2009م.
- الصويص، سهيل يوسف، مسؤولية الطبيب، دار ورد الأردنية، عمان، ط2، 2007م.
- علي بن خلف، كفاية الطالب الرباني على رسالة أبو زيد القيرواني، دار الفكر، بيروت، (د.ط)، 1992م.
- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، السعودية، الفتوى رقم (25913)، برابط: https://www.al-amen.com/vb/showthread.php?t=15084
- الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، بيت الأفكار الدولية، عمان، الرياض، 2004م.
- القاضي، هشام مجاهد، الامتناع عن العلاج المريض بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، (د،ط)، 2006م.
- قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 67 (7/5)، في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12ذو القعدة1412هـ الموافق 9-14 مايو1992م.
- القرطبي، أبو عبد الله محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر، بيروت، (د،ط)، 1978م.
- كنعان، أحمد، الموسوعة الطبية الفقهية، دار النفائس، بيروت، ( د، ط)، 2000م.
- الكيلاني، جمال زيد، المسؤولية جراء الامتناع عن تقديم الواجب العام عند الحاجة، مجلة جامعة النجاح للأبحاث، المجلد 19(1)، 2005م.
- ابن ماجه، الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد، سنن ابن ماجه، دار الحديث، القاهرة، (د.ط) ( د.ت).
- المجالي، نظام توفيق، شرح قانون العقوبات القسم العام، دار الثقافة، ط4، عمان، 2012.
- مسلم، أبو الحسين بن الحجاج النيسابوري ، الصحيح ، دار طيبة ، الرياض، ط1، 2006م.
- المنصور، محمد حسين، المسؤولية الطبية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، (د،ط)، 2001م.
- الموسى، عبد الله بن إبراهيم، امتناع الطبيب عن العلاج، مجلة الشريعة والقانون، العدد 24، 2010م.
- الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاق الطبية والصحية، برابط: http://hrlibrary.umn.edu/arabic/Islamic-Code-Ethics-Cover-2004.html
- النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، المكتب الإسلامي، بيروت، (د،ط)، 1992م.
[1] – البخاري ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ، الصحيح ، بيت الأفكار الدولية ،الرياض ،(د، ط)، 1998م ، كتاب الطب باب، ما انزل ما انزل الله داء ألا انزل له شفاء حديث رقم 5678، ص1116.
[2] – ابن القيم، الطب النبوي، دار الأرقم بن أبي الأرقم، د.ط، بيروت، ص14.
[3] – خلاف، عبد الوهاب ، علم أصول الفقه ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2006م، (د، ط) ، ص160.
[4] – سورة هود- آية 61 .
[5] – مسلم، أبو الحسين بن الحجاج النيسابوري ، الصحيح ، دار طيبة ، الرياض ، ط1 ، 2006م ، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القران ، حديث رقم 2699، ص1242.
[6] – مسلم، الصحيح، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القران ، حديث رقم 2699، ص1242.
[7] – الميثاق الإسلامي العالمي للأخلاق الطبية والصحية، برابط: http://hrlibrary.umn.edu/arabic/Islamic-Code-Ethics-Cover-2004.html
[8] – خلاف، علم أصول الفقه، ص84.
[9] – البخاري، الصحيح، كتاب الطب، باب هل يداوي الرجل المرأة أو المرأة الرجل، ح برقم 5679، ص1116
[10] – مسلم، الصحيح، كتاب الجهاد والسير، باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم، ح برقم 3484.
[11] – مسلم، الصحيح، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القران ، ح برقم 2699، ص1242.
[12] – مسلم، الصحيح، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ، باب فضل الاجتماع على تلاوة القران ، ح برقم 2699، ص1242.
[13] – قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 67 (7/5)، في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12ذو القعدة1412هـ الموافق 9-14 مايو1992م، انظر: مجلة المجمع، العدد السابع، ج3، ص563.
[14] – ابن القيم، إعلام الموقعين، 3/108.
[15]. انظر: الفيروزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، بيت الأفكار الدولية، عمان، الرياض، 2004م، ص1660.
[16] .الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، دار الحديث، القاهرة، (د.ط)، 2004م، ص342.
[17] . سليم، أيمن سعد، الامتناع مصدر للمسؤولية المدنية دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، (د.ط)، سنة 2003م، ص53.
[18]. المجالي، نظام توفيق، شرح قانون العقوبات القسم العام، دار الثقافة، ط4، عمان، 2012، ص238.
[19]. السراج، عبود، شرح قانون العقوبات القسم العام، منشورات جامعة دمشق، 2007، ص284.
[20]. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، دار الحديث، القاهرة، 2003م، د.ط، 4/588، ابن فارس، زكريا أبي حسين أحمد، معجم المقاييس في اللغة، دار الفكر، بيروت، ط1، 1994م، ص480، إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، المكتبة الإسلامية، استنابول، د.ت، د.ط، 1/431.
[21]. كنعان، أحمد، الموسوعة الطبية الفقهية، دار النفائس، بيروت، ( د، ط)، 2000م. ص78.
[22]. منصور، محمد حسين، المسؤولية الطبية، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، (د،ط)، 2001م، ص37.
[23]. الصويص، سهيل يوسف، مسؤولية الطبيب، دار ورد الأردنية، عمان، ط2، 2007م، ص112.
.[24] كنعان، الموسوعة الطبية الفقهية، ص641، سويلم، محمد أحمد، مسؤولية الطبيب والجراح، منشاة المعارف، الإسكندرية، ط1، 2009م، ص42.
[25]. قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 67 (7/5)، في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12ذو القعدة1412هـ الموافق 9-14 مايو1992م، انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد السابع، ج3، ص563.
[26]. قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 172 (10/18( بشأن الإذن في العمليات الجراحية المستعجلة، في الدورة الثامنة عشرة، في بوتراجايا (ماليزيا) من 24 إلى 29 جمادى الآخرة 1428هـ، الموافق 9-14 تموز (يوليو) 2007م.
[27]. قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 184 (10/19( بشأن الإذن في العمليات الطبية المستعجلة، في الدورة التاسعة عشرة، في إمارة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة) من 1 إلى 5 جمادى الأولى 1430هـ، الموافق 26-30 نيسان (إبريل) 2009م.
[28]. ابن عابدين، محمد أمين، رد المحتار على الدر المختار، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، 2003م، 6/504.
[29]. المنوفي، علي بن خلف، كفاية الطالب الرباني على رسالة أبو زيد القيرواني، دار الفكر، بيروت، (د.ط)، 1992م، 2/532.
[30]. النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف، روضة الطالبين وعمدة المفتين، المكتب الإسلامي، بيروت، (د،ط)، 1992م، 2/384.
[31]. البهوتي منصور بن يونس بن إدريس، كشاف القناع عن متن الإقناع، دار عالم الكتب، الرياض، 2003م، ص451.
[32]. ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد، المحلى شرح المجلى، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1997م، 12/168.
[33] . القاضي، هشام مجاهد، الامتناع عن العلاج المريض بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، (د،ط)، 2006م، ص30.
[34] الموسى، عبد الله بن إبراهيم، امتناع الطبيب عن العلاج، مجلة الشريعة والقانون، العدد 24، 2010م، ص319.
[35]. سورة البقرة، آية 190 .
[36]. القاضي، الامتناع عن علاج المريض، ص159.
[37] انظر: نص المادة 10 ونص المادة 11 من القرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية.
[38]. قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 142 (15/8)، بشأن ضمان الطبيب، في دورته الخامسة عشرة بمسقط (سلطنة عُمان) 14 – 19 المحرم 1425هـ، الموافق 6 – 11 آذار ( مارس ) 2004م.
[39] . الخطيب، هشام وآخرون، الطبيب المسلم وأخلاقيات المهنة، ( د.م)، ط1، 1991م، ص 113، ص160.
[40] انظر نص المادة 10 ونص المادة 11 من القرار بقانون رقم 31 لسنة 2018 بشأن الحماية والسلامة الطبية والصحية.
[41]. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية، الفتوى رقم (25913)، برابط: https://www.al-amen.com/vb/showthread.php?t=15084
[42]. سورة المائدة ، أية رقم 32 .
[43]. القرطبي، أبو عبد الله محمد بن احمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، دار الفكر، بيروت، (د،ط)، 1978م، 6/164.
[44]. سورة المائدة ، آية 2.
[45]. القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 6/46.
[46]. مسلم ، الصحيح ، كتاب السلام ، باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة ، ح برقم 2199، ص1048.
[47] الكيلاني، جمال زيد، المسؤولية جراء الامتناع عن تقديم الواجب العام عند الحاجة، مجلة جامعة النجاح للأبحاث، المجلد 19(1)، 2005م، ص194
[48]. مسلم، الصحيح، كتاب اللقطة، باب استحباب المؤاساة بفضول المال، ح برقم 1728، ص827.
[49] . الموسى، عبد الله بن إبراهيم، امتناع الطبيب عن العلاج، مجلة الشريعة والقانون، العدد 24، 2010م، ص282.
[50]. البخاري، الصحيح، كتاب الإيمان، باب من الإيمان ان يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ح برقم 13، ص26.
[51]. ابن حجر ، الإمام الحافظ احمد بن حجر العسقلاني ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري ،المطبعة السلفية ، القاهرة ،( د، ط)، ج1، ص58.
[52]. ابن ماجه، الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد، سنن ابن ماجه، دار الحديث، القاهرة، (د.ط)، ( د.ت)، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره، ج2، ص784.
[53] الموسى، امتناع الطبيب عن العلاج، ص309.