تفعيل التشريع الاجتهادي:مفهومه ومقاصده عند الدكتور أحمد الخمليشي[1]
Activating Ijtihad Legislation: Its Concept and Intentions by Dr. Ahmed Al-Khamlishi
الدكتور عبد الحق الإدريسي كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل القنيطرة
Abdelhaq Elidrissi Faculty of Arts and Humanities, Ibn Tofail University, Kenitra
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات المقارنة العدد 12 الصفحة 27.
Abstract:
There have been many reviving studies that attempted to link the Islamic jurisprudence to reality in order to reestablish jurisprudential rule on public life after its role was limited to individual matters and personal emerging issues.
One of these reviving attempts worthy of discovey, elucidation, study and evalution is what was tackled by Doctor Ahmed Alkhamlishi in his scientific project published in his scientific series “Wijhatu Nadzar/وجهة نظر” and in other books and researches.
The main issue addressed in this project was basically how to transform Islamic jurisprudence into mandatory legal rules; and seeking ways to include legal judgements in the social organization mandatory rules. In fact, Doctor Alkhamlishi considered the scientific means whereby jurisprudential deduction can acquire mandatory legislative status.
The following article seeks to track Dr. Alkhamlishi’s reviving project landmarks and to find out his method by discerning its characteristics, as only on this basis can any construction, addition, development and evaluation be accomplished.
However, the discovery, discernment, study, understanding, valuation and the evaluation of Dr. Alkhamlishi’s reviving project to the extent of attaining benefit from it by renewing Islamic jurisprudence study and implementing it in the organization of life matters, and constructing a legislative theory and a legal system haven’t yet been achieved.
ملخص :تعددت المحاولات التجديدية التي تهدف إلى ربط الفقه الإسلامي بالواقع، بغية استعادة الفقه حاكميته على الحياة العامة بعدما انحصر فعله ودوره في القضايا الفردية والنوازل الخاصة من حياة الإنسان. ومن هذه المحاولات التجديدية التي تستحق الكشف والبيان، والدراسة والتقويم، ما تناوله الدكتور أحمد الخمليشي في مشروعه العلمي في سلسلته العلمية “وجهة نظر”، وفي غيرها من الكتب والأبحاث.
وقد كان الإشكال الأساس الذي اشتغل عليه وبنى عليه مشروعه، هو كيفية نقل الحكم الفقهي إلى قاعدة قانونية ملزمة؟ والبحث عن سبل إدماج الأحكام الشرعية ضمن القواعد الملزمة في التنظيم الاجتماعي؟ والنظر في الوسائل العملية التي يكتسب بها الاجتهاد الفقهي الصفة التشريعية الملزمة؟
ويسعى هذا المقال إلى تتبع معالم المشروع التجديدي لأحمد الخمليشي، وكشف منهجه، وبيان خصائصه، وتقويمه، وعلى أساس معالم هذا المشروع التجديدي يمكن البناء والإضافة والتطوير والتقويم.
غير أن المشروع التجديدي لأحمد الخمليشي، لم ينل حظه الكافي من الكشف والاستيعاب، ومن الدراسة والفهم، ومن التقييم والتقويم، بما يُمَكن من الاستفادة منه في تجديد دراسة الفقه الإسلامي وتقنينه وإعماله في تنظيم شؤون الحياة، وصولا إلى بناء نظرية علمية تشريعية، ومنظومة قانونية.
الكلمات المفتاحية: التشريع الاجتهادي، إعمال التشريع، تجديد الاجتهاد، تدبير الاختلاف، الدكتور أحمد الخمليشي.
مقدمة
تعددت المحاولات الاجتهادية التجديدية لتجديد الفكر والفقه والاجتهاد الإسلامي، بغية استعادة الفقه حاكميته على الحياة العامة، بعدما انحصر فعله ودوره في القضايا الفردية والنوازل الخاصة من حياة الإنسان، حتى أصبحت هذه المحاولات الاجتهادية التجديدية ظاهرة علمية واجتماعية لها منظرون ودعاة؛ ولها قضايا وموضوعات؛ ولها مراكز ومؤسسات؛ ولها مناهج ومقاصد وأهداف…
ويهمنا من هذه المحاولات التجديدية ما ارتبط منها بمنهجية التشريع وإعماله وصياغة القوانين والتشريعات المنظمة للحياة العامة، وليس المحاولات التجديدية التي تهدف إلى تجديد وإصلاح مناهج التفكير أو التعليم.
ومن هذه المحاولات التجديدية التي تستحق الكشف والبيان، والدراسة والتقويم، ما تناوله الدكتور أحمد الخمليشي في مشروعه العلمي في سلسلته العلمية “وجهة نظر”، وفي غيرها من الكتب والأبحاث.
فقد أخذت المواضيع المرتبطة بتفعيل الاجتهاد وإعمال التشريع وتجديد علم أصول الفقه حيزا كبيرا من أبحاث الدكتور أحمد الخمليشي، حيث جعل من قضية إعمال الاجتهاد والتشريع مشروعا علميا له، أصدر حوله عدة أبحاث وكتب، والمتفحص لعناوين الكتب التي أصدرها ضمن سلسلته “وجهة نظر” يتبين له أن قضية الاجتهاد والتجديد وإعمال التشريع، تندرج ضمن مشروعه العلمي وموقفه الشمولي والتي ضمنها آراءه في الاجتهاد وسبل إعماله.
وتتجلى فرضية الدكتور الخمليشي التي انطلق منها كالآتي:
“إذا كان النظام الاجتماعي الذي نعيشه اليوم يفرض طريقا واحدة لصياغة التنظيم الإلزامي لسلوك الأفراد وعلاقاتهم وهي طريق التشريع أو التقنين بالمفهوم السائد لدى كل المجتمعات، لذا يجب أن نبحث عن الوسيلة التي يكتسب بها الحكم الشرعي القوة الإلزامية التي تسهر الدولة على احترامها في التطبيق، ولن تكون هذه الوسيلة غير صياغة الحكم في شكل النص التشريعي الآمر”[2].
ومن ثم فالخمليشي يرى أن “الجدل النظري حول الإصلاح والتجديد لا يفيد شيئا ما دام وضع القاعدة القانونية محكوما بالتنظيمات الدستورية القائمة”[3].فمن الضروري إذن؛ الربط بين النظر والتطبيق، بالبحث عن وسائل التعايش أو التكامل بين الاجتهاد ومؤسسات التشريع[4].
تتمحور أطروحة الدكتور أحمد الخمليشي في موضوع إعمال التشريع في عنصرين:
- استثمار المؤسسات الدستورية القائمة في الدولة المعاصرة بعد تقويمها وإصلاحها.
- إدماج الأحكام الشرعية ضمن القواعد الملزمة للتنظيم الاجتماعي بالطرق الدستورية.
لذلك يرى الخمليشي أن أصعب مشكل يواجهه الفكر الفقهي والاجتهاد الإسلامي يتمحور حول كيفية نقل الحكم الفقهي وتحويل الرأي الاجتهادي إلى قاعدة قانونية ملزمة ليسهل تطبيقه في شؤون الاجتماع الإنساني؟ عن طريق البحث عن سبل إدماج الأحكام الشرعية ضمن القواعد الملزمة في التنظيم الاجتماعي، والنظر في الوسائل العملية التي يكتسب بها الاجتهاد الصفة التشريعية الملزمة.
ويمكن أن نصوغ الإشكالية المحورية لأطروحة الدكتور أحمد الخمليشي في الأسئلة التالية:
- الحكم الفقهي أو الرأي الاجتهادي ليست له أية نافذة مباشرة لاكتساب صفة القاعدة الملزمة في كل مجالات المعاملات. فما الحل؟
- ما هي سبل إدماج الأحكام الشرعية ضمن القواعد الملزمة في التنظيم الاجتماعي؟
- ما هي الوسائل التي يكتسب بها الحكم الشرعي قوة القاعدة الملزمة في التطبيق؟ أي القوة الإلزامية التي تسهر الدولة على احترامها؟
وسنعرض لمقترحه وفق العناصر التالية:
المبحث الأول: مفهوم التشريع الاجتهادي ومجاله ومقاصده
الفرع الأول: مفهوم التشريع الاجتهادي ومجاله
المسألة الأولى: مفهوم التشريع الاجتهادي
المسألة الثانية: مجال التشريع الاجتهادي
الفرع الثاني: أهداف التشريع وإعمال الاجتهاد
المبحث الثاني: سبل إعمال التشريع الاجتهادي
الفرع الأول: المبادئ العامة
الفرع الثاني: خطوات الإعمال
خاتمة.
المبحث الأول: مفهوم التشريع الاجتهادي ومجاله ومقاصده
الفرع الأول: مفهوم التشريع الاجتهادي ومجاله
المسألة الأولى: مفهوم التشريع الاجتهادي
يمكن أن نستنتج مفهوما تقريبيا للتشريع الاجتهادي انطلاقا من أبحاث الدكتور أحمد الخمليشي فهو: “صياغة أحكام التنظيم الاجتماعي فيما لم يرد به نص من قبل المؤسسة الدستورية التي يرتضيها المجتمع، بمقاييس تحقيق العدل والخير، وتفادي الظلم والتعسف، في ظل القيم القرآنية بشرط عدم مصادمة حكم من الأحكام القطعية للشريعة”[5].
وهو كذلك “القواعد التي توضع لتنظيم مؤسسات الدولة وتدبير شؤونها، والسير بالمجتمع نحو حياة أفضل دون التقيد بالمقاييس التي يلتزم بها الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية”[6].
يؤكد الخمليشي على الصفة الاجتهادية للتشريع في كثير من المواقع في كتبه، وهو يقصد بذلك “الاجتهاد الذي يكون للتطبيق العام، أي الذي يكتسي صفة القاعدة القانونية الملزمة في تنظيم العلاقات الفردية والعامة، ويسهر القضاء على احترامها. والاجتهاد بهذا المفهوم يتعين أن يكون جماعيا”[7].
عناصر التعريف:
يؤخذ من هذين النصين أن:
- موضوعه: وضع القواعد القانونية الملزمة لتنظيم مؤسسات الدولة وتسيير مرافق المجتمع، وصياغة أحكام التنظيم الاجتماعي، وتدبير العلاقات الفردية والعامة.
- مصدره: يصدر عن المؤسسة الدستورية التي يرتضيها المجتمع، بمقاييس تحقيق العدل والخير، وتفادي الظلم والتعسف. فالجهة المكلفة بالتشريع الاجتهادي في القضايا العامة هي المؤسسة الدستورية التي يتفق عليها المجتمع. فالتشريع الاجتهادي تشريع شوري جماعي مؤسسي.
- ضوابطه: التشريع اجتهاد في ظل القيم القرآنية بشرط عدم مصادمة حكم من الأحكام القطعية للشريعة، ولا يشترط – في نظره- التقيد بالمقاييس التي يلتزم بها الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية. والاكتفاء بعدم مصادمة الأحكام الاستدلالية للنصوص القطعية في الشريعة، أما اشتراط استناد الحكم الاجتهادي إلى أصل قريب أو بعيد في نصوص الشريعة يتعذر تطبيقه عمليا.
- قوته الإلزامية: يكتسي صفة القاعدة القانونية الملزمة في تنظيم العلاقات الفردية والعامة، ويسهر القضاء على احترامها.
- هدفه: يهدف التشريع الاجتهادي إلى صياغة أحكام التنظيم الاجتماعي فيما لم يرد به نص، وتنظيم مؤسسات الدولة وتسيير مرافق المجتمع، وتدبير العلاقات الفردية والعامة. وتنظيم المجتمع وتحقيق العدل وتفادي الظلم في إطار القيم الشرعية دون مخالفة النصوص القطعية.
المسألة الثانية: مجال التشريع الاجتهادي
يؤكد الخمليشي على أن مجال التشريع الاجتهادي قاصر على الأحكام الاجتهادية الخاصة بمجال العلاقات الاجتماعية وتنظيم المجتمع ومؤسسات الدولة وعلاقاتها بالدول الأخرى، سواء اعتمد فيها نص تفصيلي ظني الدلالة؛ أو النصوص الإجمالية المعبر عنها بمبادئ الشريعة وقيمها العليا. أما الأحكام المرتبطة بالعقيدة والعبادات والأخلاق…، والأحكام المنظمة لعلاقات اجتماعية وردت بنصوص قطعية الدلالة لا مجال فيها للاجتهاد والتفسير. لأن تحديدها وشكل أدائها لا علاقة للقانون به[8].
فالتشريع مرتبط بالقضايا العامة التي لا نص فيها، التي يحتاج فيها المجتمع إلى قواعد ملزمة، وبذلك فهو عمل جماعي تتصدى له الهيئة الدستورية التي يختارها المجتمع.
والخمليشي هنا يميز بين نوعين من الاجتهاد، الأول اجتهاد الفكر والتنظير، والثاني اجتهاد التطبيق بمعنى تنظيم المجتمع بالأحكام الملزمة وفقا لنصوص الشريعة وروحها، ويرجع إلى المجتمع بكامله يمارسه بالطريقة الدستورية التي يراها ملائمة لظروفه وأحواله[9]. فالعمل الفقهي يختلف كل الاختلاف عن العمل التشريعي.[10]
فمجال التشريع الاجتهادي عند الخمليشي يعنى بالأحكام المنظمة لشؤون الحياة العامة في المجتمع، بما يشمل ذلك من مؤسسات النظام السياسي، وعلاقات الدولة بالأفراد، وعلاقات هؤلاء فيما بينهم، فضلا عن علاقات المجتمعات السياسية بعضها ببعض أو العلاقات الدولية بالاصطلاح المتداول.
والتشريع الذي يهدف إلى صياغة أحكام المعاملات يدخل في مقتضى التكليف ويتميز بالخصائص التالية:
- “أنه تكليف جماعي وهذا ما تلخصه الآية الجامعة “وأمرهم شورى بينهم”[11]والشورى ليس من شرطها إشراك جميع أفراد الأمة في الإدلاء بآرائهم في كل شأن من شؤون الحياة، ومع ذلك هو مناقض لشرعنة التقليد وفرضه على الجميع منذ عشرة قرون لم يعترف خلالها لأحد بصفة “مجتهد”.”[12]
- والاجتهاد بهذا المفهوم يتعين أن يكون جماعيا فالأفراد وإن كان يحق لأي واحد منهم التعبير عن رأيه، والميل للتفسير أو الاستنتاج الذي يراه ملائما، إلا أن رفع الرأي الفردي إلى مرتبة التشريع الملزم، أمر متعذر لتعدد الآراء واختلافها.
- إن جميع الأجيال مخاطبة به فلا وجود لجيل معفي من وجوب فهم نصوص الشريعة وتفسيرها والاكتفاء بالتقليد الأعمى للجيل الذي سبقه.
- إن التكليف بتفسير النصوص التفصيلية الظنية الدلالة وبتفادي مخالفة أو مصادمة مبادئ الشريعة وقيمها هو تكليف ببذل عناية وليس تكليفا بتحقيق غاية، لأن التكليف في ذلك بتحقيق الغاية يعتبر تكليفا بالمحال أو تكليفا بما لا يطاق وهو أمر ممتنع”[13].
الفرع الثاني: أهداف التشريع وإعمال الاجتهاد
ينطلق الخمليشي في أطروحته التجديدية من ضرورة استئناف النظر التجديدي الاجتهادي في المادة الأصولية والفقهية من عدة اعتبارات منهجية وموضوعية منها:
- “المطلوب تحمل مسؤولية التكليف التي تفرض على كل جيل مواصلة البناء بالانطلاق من الحاجات الفعلية للمجتمع للبحث عن الحلول الملائمة لها من نصوص الشريعة ومبادئها الكلية”.[14]
- ربط الاتصال بين الفقه والاجتهاد وبين الواقع، عن طريق “البحث عن الوسيلة القادرة على مسايرة هذا الواقع الدستوري الذي لا يبدو مخالفا للإسلام، وفي الوقت نفسه تحقق تلك الوسيلة ارتباط تنظيم المجتمع بالشريعة، وشعور الفرد المسلم بعدم مخالفة أو انتهاك أحكام وقيم دينه في الأنظمة الاجتماعية التي يطلب منها الامتثال لها”[15].
- شعور المواطن بقدسية القاعدة القانونية لعلمه بمصدرها الديني الذي يحس معه بمراقبة ذاتية في تطبيقها، لأن الله يعلم سره ونجواه، والكل يعلم ما نعانيه من انعدام هذا الدافع الذاتي في التعامل مع أحكام القانون نتيجة شيوع التمييز بين “أحكام الشرع” وبين “القانون الوضعي” الذي لا علاقة له بالدين وبالتالي لا حساب على مخالفته بين يدي الله.
- تحقيق وحدة المنظومة القانونية التي توجه حياة المجتمع ومسيرته بدل الازدواجية والتناقض الملاحظين في كل المجتمعات الإسلامية[16].
- استرجاع الوحدة التشريعية وإنهاء الوضعية الشاذة التي يعيش فيها المجتمع المسلم بنقل الأحكام الفقهية دون مناقشة في الأحوال الشخصية واعتماد قوانين الغرب ونماذج حضارته فيما عدا ذلك من مؤسسات المجتمع ومرافقه المختلفة .
- معالجة سلبية المجتمع وعدم شعوره بالمسؤولية تجاه الأحكام القانونية المنظمة للمجتمع، وذلك عن طريق إشراك المجتمع في هذه المسؤولية وتحسيسه بأنه مطالب أولا بفهم مبادئ الشريعة، وثانيا بتنفيذ هذه الأحكام وتطبيقها، وأن الأمر لا يهم الفقهاء وحدهم وإنما يهم المجتمع ككل، ويهم كل فرد من أفراده بوصفه مخاطبا شخصيا بتكاليف رسالة السماء التي يؤمن بها[17].
- الوصول إلى تنظيم كل مرافق المجتمع، وتلبية كل حاجياته التشريعية وفق مبادئ الشريعة وقيمها، لأن تنظيم المجتمع والتخطيط لسير مؤسساته ليس شيئا أجنبيا عن الشريعة، وقد أطلق القدماء على ذلك مصطلح “السياسة” أو “السياسة الشرعية”[18].
- إن صياغة الأنظمة التفصيلية لشؤون الحياة اليومية يجد فيها المسلم ضالته بعد أن وجد نفسه طيلة فترة غير قصيرة أمام قوانين نقلت إليه من بيئة غير بيئته ولم يجد بعد طول انتظار ما يعوض به ما استعاره من الآخرين، وليكون هذا التنظيم كذلك هو الحجة والناطق بصدق ما نقوله عن شمولية الشريعة ومسايرتها للتطور والحداثة[19].
المبحث الثاني: سبل إعمال التشريع الاجتهادي
الفرع الأول: المبادئ العامة
- يذهب الخمليشي إلى ضرورة “الاعتراف بصفة الحاكمية للإنسان الذي يضع آلاف الأحكام في تنظيم تعايشه والعلاقات بين أفراده، وكيف لا تنسب إليه تلك الأحكام والدين يقوم على محاسبته على ما فعل من خير أو شر؟”[20] ومن ثم يرى أن صفة الحاكم “ينبغي أن تضاف في أصول الفقه إلى الله بمفهوم أن منه صدرت النصوص التشريعية الواردة في شريعة الإسلام كان النص جزئيا أو كليا، وتضاف هذه الصفة كذلك إلى الأمة بمفهوم كونها القائمة بتطبيق تلك النصوص وتفسيرها وبالتشريع التفصيلي في ظل مبادئها العامة وقيمها الكلية”[21].
- يرى الخمليشي “أن دارس أصول الفقه لا يستقل بالاجتهاد ولو تعلق الأمر بتفسير نص تفصيلي، لأن هذا التفسير يفرض استحضار المبادئ العامة للشريعة وكلياتها فضلا عن المعرفة الخاصة بالواقع التي قد يكون لها تأثير عليه”[22]، أما إذا تعلق الاجتهاد بالمعاني من المصالح والمفاسد فالمجتهد وغيره مشتركون في فهمها وتنزيلها، لأن العقلاء مشتركون في فهمها، ولا يشترط لذلك العلم بالعربية، أما إذا ارتبط الاجتهاد بتحقيق المناط؛ فلا يتوقف ذلك على العلم بالعربية أو بمقاصد الشريعة؛ وإلا لم يوجد مجتهد. كما ذهب إلى ذلك الشاطبي وهذا الأمر لا يؤثر على تخصص المجتهد/ دارس أصول الفقه في معرفة الضوابط الموضوعة لتفسير النصوص التفصيلية [23].
- إشراك “المتخصصين” في الفقه الإسلامي في لجان صياغة مشاريع القوانين، ثم نشر هذه المشروعات وإفساح المجال لمناقشتها، بالوسائل المتاحة للنشر والتعبير عن الرأي من كل من أنس من نفسه القدرة على هذه المناقشة حتى من ناحية مدى مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية [24].
- التفتح المتبادل ويعني به تفتح العلماء على التنظيم العام للمجتمع، والتعرف على مشاكله وعلى وسائل إصلاح مختلف مرافقه. ومن ناحية ثانية تفتح المجتمع على مفهوم الدين والمبادئ العامة لنصوصه المعتمدة في تنظيم العلاقات الاجتماعية.
- اندماج العلماء في المجتمع بوصفه صاحبا لرأي الأخير في التقرير وهذا الاندماج لا يفقد ميزة التخصص التي تمكنه ممن إقناع الآخرين بأسس ومبررات الأحكام التي يرونها تطبيقا سليما لنصوص الشريعة.
- الإدماج بين الشرعي وغير الشرعي من شؤون الأمة أي إنهاء ما كان يعرف بالحكم الشرعي والسياسة الشرعية، فتنظيم المجتمع والتخطيط لسير مؤسساته ليس شيئا أجنبيا عن الشريعة، وقد أطلق القدماء على ذلك مصطلح السياسة وأحيانا سموها السياسة الشرعية.[25] لأن الإبقاء على الفصل بين ما هو مدني يدخل في اجتهاد الدولة وبين ما هو شرعي يختص العلماء بالاجتهاد فيه، لا ينتج عنه أكثر من تعميق الهوة والإبقاء على الأحكام الشرعية بعيدة عن التطبيق.[26]
- المفهوم الشرعي للمصلحة والمفسدة لا يختلف عن مفهومهما الاجتماعي الذي يتوصل إليه العقل السديد، والفكر السليم، وهذا ما يسمح بجعل الأحكام مسايرة لتجدد الحياة، ومتلائمة مع الأوضاع الاجتماعية المختلفة تؤكد هذا قاعدة “الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما”[27]. فالمصلحة وإن كان مفهومها شرعيا إلا أن مقاييس الشريعة المستقرأة من أدلتها حول المصلحة لا تتعارض مع مقاييس العقل والفطرة السليمة[28].
- إن التقرير الفردي للمصلحة التي يرتبط بها الحكم عرضة للخطأ والانزلاق في حالات غير قليلة، لكن عندما يكون التقرير جماعيا يبدو من النادر أن ينحرف الفهم الجماعي عن المقياس الشرعي للمصلحة[29].
- عدم تجاهل النظام الدستوري والقانوني القائم الذي يعتمد على العمل “المؤسسي” والذي من مميزاته الفصل بين الشخصية القانونية للدولة وشخص الحاكم، وينظم المؤسسات الممارسة لسلطات التشريع والتنفيذ والقضاء، ويميز بين حرية إبداء الرأي الشخصي وبين تقرير الحكم الملزم للمجتمع كله، ويعتمد في كل ذلك على نصوص مكتوبة معلنة تضبط مرافق المجتمع وحقوق الأفراد والتزاماتهم، فمن غير اللائق – في نظره – أن يمارس الفقهاء شؤون حياتهم اليومية وفق النظام الدستوري المعمول به، ثم يتجاهلونه في أبحاثهم وكتاباتهم أثناء تناولهم ذات الموضوعات التي ينظمها هذا النظام، ويكتفون بالحديث عن ولي الأمر بصلاحياته المطلقة، ووجوب تقليد المجتهد الفرد وإسناد مهمة تحديد المصلحة والمفسدة له[30].
الفرع الثاني: خطوات الإعمال
المسألة الأولى: تدبير الاختلاف
تدبير الاختلاف خطوة مهمة في نظر الدكتور الخمليشي في طريق تجديد الاجتهاد، وإعمال التشريع، وهو- في نظره – يمر بمرحلتين:
الأولى: مرحلة إنتاج الآراء المختلف فيها.
الثانية: مرحلة تدبير وإدارة الآراء المختلف فيها
الأولى: مرحلة إنتاج الآراء المختلف فيها
- “ضرورة الرجوع دوما إلى نصوص الشريعة ومبادئها الكلية لاستلهام الأحكام الملائمة للعلاقات التي يعيشها المجتمع فعلا، فهذه النصوص والمبادئ لم تنته معانيها ودلالتها بما فسرها وشرحها به السابقون، ولن تنته بما يمكن أن يضاف الآن من تفسير وتأويل”[31].
- إنتاج الآراء والأحكام التشريعية لا يقتصر على الفقيه المجتهد وحده “لأن مرافق التنظيم الاجتماعي المطروحة للنقاش اتسعت كثيرا عن تلك التي كانت فتوى العالم كافية للإحاطة بها، وأصبحت موضوع عشرات من التخصصات يستحيل أن يلم بها شخص واحد مهما أوتي من العبقرية والنبوغ”[32]، ثم إن المجتمعات الإنسانية ومنها المسلمة انتقلت من مرحلة تشخيص التقرير إلى مرحلة مَأْسَسَتِهِ، فلم يعد مقبولا إسناد التقرير إلى فرد أو مجموعة أفراد بأشخاصهم أيا كانت الصفة التي يحملونها، وإنما الذي يسند إليه ذلك هو المؤسسة التي يشكلها المجتمع لتعبر عن إرادته بوسائل يحتفظ معها بالرقابة والتوجيه عن طريق الشفافية في العمل وحرية إبداء الرأي والنقد
- كل التخصصات المعرفية مؤهلة وملزمة بالمساهمة في إعادة قراءة نصوص الشريعة واستخلاص الأحكام الواجبة التطبيق على الواقع الذي يحياه الناس ويعيشونه بكل ظروفه وملابساته، ويتأكد كذلك أن المجتمع كله مطلوب منه قراءة نصوص الشريعة وهو ما يزكيه التكليف الشخصي لكل مسلم بالإلمام بأحكام دينه
- النتيجة الأساس لإعادة قراءة نصوص الشريعة لاستخلاص الأحكام الخاصة بالتنظيم الاجتماعي بمختلف فروعه ومرافقه هي اختلاف الآراء في كثير من الجزئيات وحتى في بعض المبادئ والقواعد العامة وهو ما يحتاج إلى تدبير الاختلاف.
- الآراء قد تكون كثيرة، وقد تكون متناقضة، ولكن لا خطر في ذلك ولا شذوذ، تغلب عليها الأولون بوسائل متعددة، ويمكن أن نتغلب عليها نحن عن طريق مؤسسات التشريع الدستورية التي تملك صلاحية إصدار النص، فبمقتضى هذه الصلاحية يمكنها أن توفق بين اتجاهات الرأي المختلفة، وتعتمد الرأي الأقوى سندا، أو الأكثر ملاءمة للتطبيق. ولا غنى عن هذا الاحتكام إلى مؤسسات التشريع لضرورة الحسم في اختلاف الآراء، وتوحيد قواعد القانون الملزمة”[33]
الثانية: مرحلة تدبير وإدارة الآراء المختلف فيها
وهي مجموعة من “الإجراءات التي يتفق عليها المجتمع، والتي توصل إلى الحكم الواجب التطبيق دون إكراه ولا مصادرة للحق في إبداء الرأي”[34]. عن طريق “التمييز بين حق الفرد في إبداء الرأي والدفاع عنه بالحسنى وبين حق المجتمع في تقرير ما يراه صالحا من بين مختلف الآراء، وهو ما يشجع على الإبداع والخلق ويحقق وحدة الأمة وعزتها”[35]. وللوصول لهذه الغاية يحدد الخمليشي مجموعة من الشروط:
- “اعتبار الرأي الفقهي تفسيرا شخصيا للنص ينحصر الدفاع عنه في المسوغات التي أسس عليها وليس بوصفه حكما شرعيا أو حكم الله الذي ما بعده إلا الضلال”.[36] فالرأي الاجتهادي يختلف عن الحكم الشرعي الواجب التطبيق باعتبار الأول رأيا شخصيا يستأنس به وغير ملزم، بينما الثاني هو ما تقرره الأمة بالوسيلة التي تختارها لهذا التقرير.
- تدبير الشؤون العامة والتقرير فيها وفي تنظيم العلاقات الخاصة مسؤولية وحق الجميع، ولا تقسيم بين مقرر ومنفذ، أو مجتهد ومقلد.
- تدبير الاختلاف عن طريق المؤسسة التي يختارها المجتمع وهي في الدولة المعاصرة البرلمان، لأن أكثرية القواعد تختلف حولها الآراء ولكن عندما يصادق عليها البرلمان يلتزم الجميع باحترامها وتطبيقها. خاصة وأن أغلب القوانين التي يصدرها البرلمان لا تخالف الشريعة من حيث المضمون، والمطلوب هو انتفاء هذه المخالفة، وليس ضرورة إسناد كل حكم إلى نص شرعي دلالة أو قياسا، وإن كانت في مجملها لا تصاغ بناء على تفسير فعلي لنصوص الشريعة، كما أن إجراءات إقرارها تختلف عن تلك الواردة في أصول الفقه لتقرير الحكم الشرعي[37].
- اللجوء إلى مبدأ الأغلبية للحسم في القضايا الخلافية حيث لا بديل عن ذلك لإنهائه، لأن إنهاءه ضرورة شرعية حتمية، رغم ما في نظام الأخذ بالأغلبية من عيوب خصوصا مع الأنماط المقتبسة من الغرب في صنع هذه الأغلبية[38].
المسألة الثانية: المناقشة والإقناع التي تتطلب معرفة ما لدى الآخرين والإقناع يكون بالبرهنة على سلامة الرأي الذي يدعو إليه من حيث علاقته بالنصوص ومقاصدها وحياة الناس وواقعهم. وتكون المناقشة ببيان الحكم الصحيح بالحجة المقنعة، “لأن إبداء الرأي بنسبة حكم إلى الشريعة لا يقبل إلا إذا كان مرفقا بالبيان والمبررات التي يتمكن القارئ من خلالها تقييم ما فيها من صواب أو خطأ. وهو ما يفرض عرضه بأسلوب الحوار والإقناع وتقديم حجج وسند التفسير الذي انتهى إليه صاحب الرأي”[39].
ويجب الاعتراف بأن لكل مسلم أنس من نفسه القدرة على إبداء الرأي أن يساهم في مناقشة الموضوعات المتعلقة بتطبيق كليات الشريعة على الجزئيات باعتبار ذلك يشارك فيه الجمهور مثل العدل والظلم والمعروف والمنكر… التي يدرك مدى تحققها في واقع الحياة بالخبرة المكتسبة بهذه الوقائع مع عدم مصادمة نص قطعي للشريعة[40].
وبهذا يجب إشراك المتخصصين في الفقه الإسلامي في لجان صياغة مشاريع القوانين، ثم نشر هذه المشروعات وإفساح المجال لمناقشتها، بالوسائل المتاحة للنشر والتعبير عن الرأي من كل من أنس من نفسه القدرة على هذه المناقشة حتى من ناحية مدى مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية.[41]
ثم إنه يتعذر اليوم إصدار قانون حتى في المجالات التي تناولها بتفصيل الفقهاء قديما دون الاستعانة بالمتخصصين في فروع المعرفة، ولا يقتصر دورهم على الاجتهاد بتحقيق المناط فقط، وإنما يساعدون على تخريج مناط الحكم وتنقيحه، وتعيين الحكم المحقق للمصلحة في الأدلة الظنية، لأن المعارف المتوفرة لديهم تعين الفقيه على استخراج الأحكام وتنقيحها، خاصة في مواطن الخلاف[42].
المسألة الثالثة: تهييء المشروع عن طريق لجنة أو لجان مشتركة من ذوي الاختصاص والكفاءات في الموضوع الذي يراد صياغة المشروع فيه من فقهاء وغيرهم لأن تنظيم المجتمع لم يعد ممكنا بالرؤية من زاوية واحدة وإن بلغ صاحبها أعلى درجات النبوغ في تخصصه.[43]
ويكون دور الفقيه بيان النص الشرعي وطريق تفسيره إذا كان الأمر مرتبطا بالاجتهاد في الحكم الشرعي، أو بيان تعارض أو عدم تعارض القاعدة المقترحة مع مبادئ الشريعة ومقاصدها إذا كان الأمر مرتبطا بالاجتهاد في السياسة الشرعية، ودور غير الفقيه في الحالتين تحليل الموضوع كل من زاوية تخصصه، وبذلك يتحقق تصور متكامل يسمح بإضفاء الصفة التشريعية على القاعدة موضوع المناقشة بالطريق الدستوري السليم[44].
المسألة الرابعة: إحالة المشروع بما يرافقه من أعمال تحضيرية على المؤسسة الدستورية المؤهلة لإصدار القانون والتي ينبغي أن تكون متوفرة كذلك على القادرين على المناقشة والأخذ والرد من مختلف فروع المعرفة واتجاهات الرأي العام[45].
المسألة الخامسة: ضرورة إيجاد “مؤسسة” تسند إليها صلاحية الاستئناس بالآراء الاجتهادية الفردية وتقرير الحكم الملزم في الواقعة موضوع الاختلاف.
يرى الخمليشي: “أن أهم عقبة في سبيل تطبيق الأحكام الشرعية هو غياب الوضع الدستوري الملائم لبلورتها في شكل القاعدة القانونية الملزمة”[46].
هذه المؤسسة يتعين أن تكون واحدة، تعلق الأمر بصلاحية التشريع أو التنظيم، أخذا للعبرة من ثنائية المجتهد وولي الأمر، وما نتج عنها من خلل في التنظيم وفتور في التلاحم، تطور إلى التوجس والمواجهة في حالات غير قليلة.
ويرى الخمليشي أنه إذا حسنت النيات أمكن التغلب على العقبات والوصول إلى إيجاد مؤسسة للاجتهاد الجماعي المطلوب، في إطار مبادئ الشريعة الجامعة بين الحزم والمرونة: الحزم من حيث إضفاء الصفة الإلزامية في التطبيق على هذا الاجتهاد، والمرونة من حيث وجود المجال للمناقشة مع الآخرين، ونشر الرأي والآراء المخالفة والدفاع عنها بأسلوب المناقشة العلمية وفي حدود التعبير عن الرأي التي تنظمها قوانين الحريات العامة[47].
المسألة السادسة: صياغة الحكم في شكل النص التشريعي الآمر، عن طريق التشريع والتقنين، لأن النظام الاجتماعي الذي نعيشه اليوم يفرض طريقا واحدا لصياغة التنظيم الإلزامي لسلوك الأفراد وعلاقاتهم وهي طريق التشريع والتقنين، ولذلك يتعين البحث عن الوسيلة التي يكتسب بها الحكم الشرعي القوة الإلزامية التي تسهر الدولة على احترامها في التطبيق[48].
المسألة السابعة: تطبيق الرأي الاجتهادي،عن طريق إعطاء سلطة التقرير للأمة/المجتمع كان الرأي واحدا أو متعددا وقرار التطبيق يبقى قابلا للمراجعة في أي وقت، فقد يكشف التطبيق عن خطئه، أو يظهر تفسير للنص الشرعي يبدو أقرب إلى الحق فضلا عن أن كل جيل مخاطب بفهم نصوص شريعته في ظل ظروف الحياة التي يعيشها وليس بالتقليد الأصم لفهم من سبقه[49].
المسألة الثامنة: المراجعة، إن أحكام الشريعة الخاصة بتنظيم المجتمع ومؤسساته والعلاقات بين أفراده “المعاملات” يجمعها مبدأ “جلب المصالح ودرء المفاسد” وهو ما يفرض مراعاة الظروف المحيطة بالواقع المراد تنظيمه وهذه الظروف سريعة التغير والتحول، مما يفرض المراجعة المتواصلة لأنظمة مرافق المجتمع ومصالح أفراده.[50]
والخلاصة
أن الأهداف تتلخص في الوصول إلى تنظيم المجتمع في كل مرافقه وسلوك أفراده، وفقا لأحكام الشريعة، بشكل يجمع بين المحافظة على الهوية، والقدرة على المساهمة في إغناء وتوجيه حضارة الإنسان.[51]
إن الخمليشي يعتقد أن الصواب هو الاعتراف أن مجتمع اليوم لم يعد ممكنا تنظيمه باجتهاد فرد وإن جمع كل شروط الاجتهاد المقررة في أصول الفقه وزاد عليها، وأن النظام المؤسسي الذي نعيشه هو المؤهل لممارسة الاجتهاد في سن القواعد المنظمة للمجتمع في ظل المرجعية الإسلامية كما يفهمها المجتمع نفسه.
وإذا وجدت عيوب أو ثغرات في النظام المؤسسي القائم، فعلى كل من يرى ذلك بيانه حتى يتم إصلاح الأداء التشريعي لهذه المؤسسات، واقتراح الوسائل التي تجعل مؤسسات المجتمع أقرب ما تكون إلى تمثيله والتعبير عن إرادته وحماية ثوابته، فالمجتمع هو المخاطب بنصوص الشريعة وبتدبير طرق تفسيرها وتطبيقها[52].
فالخمليشي يرى أن الأنظمة الدستورية السائدة في الدول الإسلامية تضم العناصر الأساسية لما تأمر به آية الشورى، وما تنبغي العناية به هو الجوانب السلبية التي تكاد تجردها من أهدافها الجوهرية، لذلك يجب تقويمها بما يراعي مميزات المجتمع وخصائصه، وتخليصها من الشوائب، وتأصيلها على ضوء نصوص الشريعة ومبادئها العامة، في اتجاه تحقيق التوازن بين حقوق والتزامات الفرد والمجتمع، وترسيخ دولة المؤسسات وفي مقدمتها مؤسسة التشريع حتى يتحقق فيها التمثيل الحقيقي لإرادة الأمة[53].
إن “معالجة الواقع ونشر الوعي لتتكون الإرادة الجماعية التي تسهل بعد ذلك الخطوات الأخرى نحو الاندماج الاجتماعي وإنهاء الفصل بين اجتهاد الدولة والاجتهاد الفقهي ووحدة مؤسسة التشريع شكلا وموضوعا، إنها خطوات تكتب بسهولة ولكن تحقيقها عصي الانقياد، لا غنى عن العمل الجدي المتواصل وإخلاص النيات إضافة إلى عامل الزمن”[54].
المراجع
- أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء الأول، “المرأة والأسرة – الفكر الفقهي”.
- أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء الثاني، “الأسرة والطفل والمرأة، أصول الفقه والفكر الفقهي” (دار نشر المعرفة، الرباط، 1998).
- أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء الثالث “الفكر الفقهي ومنطلقات أصول الفقه”.
- أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء الرابع، “خلل يجب أن نعيه”.
- أحمد الخمليشي، سلسلة ” وجهة نظر” الجزء الخامس، “لماذا لا نربط بين التنظير والممارسة”.
- أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء السادس، “جمود الفقه الإسلامي أسبابه التاريخية والفكرية ومحاولة العلاج”.
- أحمد الخمليشي، “وجهة نظر”، الجزء السابع، “الاجتهاد تصورا وممارسة”.
- أحمد الخمليشي، “في نقد المنظومة الفقهية” مقال منشور على شبكة الانترنيت، على الموقع التالي (http://mominoun.com/article)
[1] – يعد الفقيه القانوني الدكتور أحمد الخمليشي قامة علمية متميزة في الفكر القانوني وفي الدراسات الفقهية، ولد أحمد الخمليشي بمدينة الحسيمة شمال المغرب، يوم 15 مارس 1935 م, حصل على الباكالوريا عام 1957 م، والإجازة في القانون الخاص من كلية الحقوق بالرباط عام 1960 م, كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص من كلية الحقوق بالرباط عام 1962 م , وحصل على الدكتوراه في القانون الخاص من كلية الحقوق بالرباط عام 1974 م.
اشتغل في سلك القضاء، حيث شغل منصب قاض في محكمة الاستئناف، ورئيس للمحكمة الإقليمية من 1960 إلى 1970 م. ثم اشتغل أستاذا بكلية الحقوق بالرباط من 1971 إلى 2000. و هو الآن يشغل منصب مدير لمؤسسة دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا بالرباط، وهي مؤسسة للتعليم العالي الإسلامي.
من مؤلفات الدكتور أحمد الخمليشي “شرح القانون الجنائي العام” (مجلد) و “شرح القانون الجنائي الخاص” (مجلدين) و”شرح قانون المسطرة الجنائية” (مجلدين) و”التعليق على مدونة الأحوال الشخصية” (مجلدين) و”المسؤولية المدنية للأبوين على أبنائهما القاصرين” (مجلد) و”دراسة تمهيدية لمشروع القانون العربي الموحد في مجال رعاية الأحداث”. و”تشريعات قضاء التحقيق في الدول العربية”. كما اصدر سلسلة من الكتب تحت عنوان “وجهة نظر” حول نقد الفكر الفقهي الإسلامي ووسائل تجديده، وسبل إعماله وتفعيله، (صدرت منها ثمانية أجزاء). كما له عدة أبحاث ومقالات ومشاركات علمية قدمت في مؤتمرات وندوات داخل المغرب وخارجه.
[2] – أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء الأول، “المرأة والأسرة – الفكر الفقهي”، ص 220.
[3] – وجهة نظر، 1/ 234.
[4] – وجهة نظر، 1/ 185.
[5]– أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء الثالث “الفكر الفقهي ومنطلقات أصول الفقه”، ص 70.
[6]– وجهة نظر، 1/238.
[7]– وجهة نظر، 1/177.
[8]– ينظر: أحمد الخمليشي، “وجهة نظر”، الجزء السابع، “الاجتهاد تصورا وممارسة”، ص 16.
[9]– أحمد الخمليشي، “وجهة نظر”، الجزء الثاني، “الأسرة والطفل والمرأة، أصول الفقه والفكر الفقهي” (دار نشر المعرفة، الرباط، 1998) ص 143.
[10] – وجهة نظر، 1/185.
[11] – الشورى، 38.
[12] – وجهة نظر، 7/18.
[13]– وجهة نظر، 7/18- 19.
[14]– أحمد الخمليشي، سلسلة ” وجهة نظر” الجزء الخامس، “لماذا لا نربط بين التنظير والممارسة”، ص 70.
[15]– وجهة نظر، 5/114.
[16]– وجهة نظر، 3/74.
[17]– أحمد الخمليشي، “وجهة نظر”، الجزء الثاني، “الأسرة والطفل والمرأة، أصول الفقه والفكر الفقهي” (دار نشر المعرفة، الرباط، 1998) ص 144.
[18]– وجهة نظر، 1/231.
[19]– وجهة نظر، 2/155.
[20]– أحمد الخمليشي، سلسلة “وجهة نظر”، الجزء السادس، “جمود الفقه الإسلامي أسبابه التاريخية والفكرية ومحاولة العلاج” ، ص 72.
[21]– وجهة نظر، 6/ 71.
[22] – وجهة نظر، 6/89.
[23]– ينظر: وجهة نظر، 6/88-89. وقد استدل الخمليشي بقول الشاطبي:”وأما المعاني مجرَّدة؛ فالعقلاء مشتركون في فهمها، فلا يختص بذلك لسان دون غيره، فإذن من فهم مقاصد الشرع من وضع الأحكام، وبلغ فيها رتبة العلم بها، ولو كان فهمه لها من طريق الترجمة باللسان الأعجمي؛ فلا فرق بينه وبين من فهمها من طريق اللسان العربي، ولذلك يوقع المجتهدون الأحكام الشرعية على الوقائع القولية التي ليست بعربية، ويعتبرون المعاني، ولا يعتبرون الألفاظ في كثير من النوازل” الموافقات: 5/ 125
[24]– وجهة نظر، 1/185.
[25]– وجهة نظر، 1/232.
[26] – وجهة نظر، 1/232.
[27] – وجهة نظر، 1/154.
[28] – وجهة نظر، 1/212.
[29] – وجهة نظر، 1/213
[30]– ينظر: وجهة نظر، 6/99.
[31]– وجهة نظر، 5/70.
[32]– وجهة نظر، 5/73.
[33] – وجهة نظر، 1/186.
[34]– وجهة نظر، 5/77.
[35]– وجهة نظر، 5/80.
[36]– وجهة نظر، 5/77.
[37]– ينظر: وجهة نظر، 5/77-78.
[38]– وجهة نظر، 3/71، – 1/231.
[39]– وجهة نظر، 5/19.
[40]– وجهة نظر، 3/105.
[41] – وجهة نظر، 1/185.
[42]– ينظر: وجهة نظر، 1/182-183-184.
[43]– وجهة نظر، 2/184. – 1/191.
[44]– ينظر: وجهة نظر، 1/257.
[45]– وجهة نظر، 2/184.
[46]– وجهة نظر، 1/ 226.
[47] – وجهة نظر، 1/ 178.
[48]– ينظر: وجهة نظر، 1/220.
[49]– وجهة نظر، 6/80.
[50]– وجهة نظر، 7/13.
[51] – وجهة نظر، 4/1.
[52]– وجهة نظر، 7/41.
[53]– في نقد المنظومة الفقهية: مقال منشور على شبكة الانترنيت، على الموقع التالي(http://mominoun.com/article) ص9.
[54] – وجهة نظر، 1/234.