نظم قسم الدراسات الأدبية والفكرية بمركز جيل البحث العلمي ندوة علمية افتراضية احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية الذي يتزامن مع 18 ديسمبر من كل سنة ، وذلك تحت إشراف رئيسته الأستاذة الدكتورة سرور طالبي وإدارة رئيسة تحرير مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الدكتورة غزلان هاشمي ومشاركة أسماء علمية وازنة من عدة جامعات عربية، نذكر منها الجزائر قطر، العراق، سوريا، ليبيا، مبرزين أهمية اللغة العربية في سياق معولم ومفخخ.
وفي كلمتها الافتتاحية ركزت الأستاذة سرور على الإنجازات المستمرة والنوعية التي يحققها مركز جيل البحث العلمي منذ عشر سنوات وأثنت على جهود كل عضو من أعضاء مختلف أقسامه ولجانه العلمية، معلنة عن صدور عدد جديد من مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية ومجلة سلسلة المؤتمرات اللتين تساهمان من دون أدنى شك في إثراء المكتبات العربية بالمقالات العلمية المحكمة قائلة ” الحمد لله الذي قدرنا وقدّر لنا أن نخدم العلم والعلماء”.
أما الدكتورة غزلان فبعد أن رحبت بالحضور شرحت أسباب اختيار محاور هذه الندوة كونها الأكثر اهتماما وتشكل مشاغل أساسية لدى الباحث اليوم وكذا مستعمل اللغة العربية، وتتمثل في: “اللغة العربية والهوية، اللغة العربية ووسائل التواصل الاجتماعي، اللغة العربية والخطاب الإعلامي وأخيرا اللغة العربية والخطاب السياسي”.
أما أ.د. العربي دين (من جامعة سعيدة بالجزائر) فلقد قدم مداخلة موسومة بـ”اللغة العربية بين تجاذبات الهوية والسياسات اللغوية في الوطن العربي” والتي حاول فيها ضبط لفظة الهوية وبين نسبتها اللغوية، حيث وضح أنها كلمة محدثة، وتساءل على إثرها: هل يحق لنا الحديث عن سياسة لغوية تضمن الهوية وإلى أي مدى تساهم الفعاليات السياسة اللغوية في تنمية العربية؟ وهل هناك تخطيط لغوي تحت ما يسمى السياسات اللغوية؟ كما قدم الأستاذ العربي تعريفا للسياسة اللغوية، بين أنها ليست حبرا على ورق، فمجمل ما وجد في البلدان العربية احتفالات وشعارات أخذت مكانا لها، وهنا عاد إلى التاريخ العربي وبين فيه بعض إرهاصات هذا التطبيق مثل زمن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
قدم بعدها أ.د. عبد الحق بلعابد (مدير مشروع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية بدولة قطر) مداخلة تحت عنوان: “اللغة العربية بين ارتهان الواقع ورهانات المستقبل”، بين فيها الرهانات التكنولوجية التي تقف أمامها اللغة العربية ، حيث تحدث عن ” العقل العربي اللغوي بين صنعة العلم والصناعة العلمية” مبينا أن اللغة تخلق العقل وتسدده، كما وضح سبب تراجع مهمة العقل والذي ربطه بعدة صعوبات وعراقيل منها: المناهج والإعلام،كما تحدث عن اللغة العربية من معرفة المجتمع إلى مجتمع المعرفة.
ثم قدم أ.د.عصام الكوسي (رئيس قسم اللغة العربية في جامعة البعث في سوريا) مداخلة تحت عنوان: “أثر وسائل التواصل الاجتماعي في تغريب اللغة العربية”، بين فيها أن لغة التواصل الاجتماعي بعيدة عن اللغة العربية معرجا على جذور شبكات التواصل الاجتماعي وعلى مفهومها ومدى تأثيرها على الكتابة باللغة العربية الفصيحة كما تحدث عن التبسيط في خطابات رجال السياسة والمثقفين والاعلاميين والذي لا يخلو من الأخطاء الشائعة.
ثم قدم أ.د. وسام البكري (الجامعة المستنصرية في العراق) مداخلة تحت عنوان: “اللغة العربية ووسائل التواصل الاجتماعي: الواقع والمأمول” بين فيها أن العالم يشهد تحولات في عدة مجالات ومنها مجال الاتصالات وتكنولوجيا التواصل، ووضح أن مواقع التواصل الاجتماعي له إيجابيات، منها المساهمة في تعليم اللغة العربية الفصيحة عبر برامج تهتم بتعليم اللغة السليمة، وهذه الخيارات لها محاذير كثيرة حسب رأيه منها ماتعلق بهمزة القطع والوصل، ومن التأثيرات الإيجابية ذكر تعزيز البحوث الأصيلة والرصينة المنشورة، وأما التأثيرات السلبية منها الرسوم التي يبتدعها المتواصلون أو تعبيرات باللغة الأجنبية واستخدام الأرقام وغيرها كثير.
بعده قدم د.حمازة محمد الطاهر (جامعة عنابة بالجزائر) مداخلة تحت عنوان: “تَوسُّل المؤرخين بالعربيّة دفاعا عن الهويّة تاريخ الجزائر الثقافي لأبي القاسم سعد الله نموذجا” حيث قال فيها أن هناك ربط بين التاريخ والهوية العربية، لأن العربية وجدت في التاريخ والتاريخ في حد ذاته بطاقة هوية، كما وضح طرح الشريف الجرجاني والمناوفي في التوقيف بين علاقة الهوية بالثقافة، من خلال نموذج فتح الله كولن ومالك بن نبي، مضيفا أن الثقافة هي هوية الوطن وحينما نتحدث عن القومية نتحدث عن العربية التي هي الرابط الأساسي بين البلدان العربية، وقد أتى برأي مغاير للمفكر المغربي عبد الله العروي الذي يرى أن اللغة مرآة تنعكس فيها الثقافة والحضارة وليس العكس، مدافعا عن أطروحة أبي القاسم سعد الله التي كانت معاكسة لأطروحة العروي، كما تعرض لكتابه “تاريخ الجزائر الثقافي ” من أجل توضيح رؤيته في هذه المسألة.
كما قدم أ.د. خليفة العتيري (جامعة الزنتان في ليبيا) مداخلة تحت عنوان: “العربية أغنى لغات العالم” بين فيها أن العربية لغة سامقة وليست بحاجة لإطراء، فهي تطري نفسها بذاتها، كما هي لغة القرآن الكريم وهي أغنى اللغات، وبين أن القرآن الكريم هو من حفظ هذه اللغة، فأول كتاب ألف في النحو جاء بعد قرنين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن لها خصائص ضمنت لها الصدارة منها الفصاحة والخصائص الصوتية والمرونة والتوسع، وقد تفرع العديد من العلوم المتخصصة فيها التي لا توجد في بقية اللغات.
وأخيرا ختم اللقاء بمداخلة للدكتورة خاوة نادية (جامعة سوق أهراس في الجزائر) تحت عنوان: “اللغة العربية كغطاء إيديولوجي سياسي في الخطاب الإعلامي”، حاولت فيها الدفاع عن اللغة العربية في سياق كولونيالي عالمي مثل الخطاب الإعلامي، بحيث تطرقت إلى إشكاليتين: مقولة الإسلام في الخطاب الإعلامي الذي اتخذ وجهتين: التلاعب السياسي بالمقدس واتخاذه غطاء إيديولوجيا لضمان المصالح الأمريكية، ومقولة العربية واستعمالها كغطاء إيديولوجي، كما تعرضت فيها إلى علاقة الهوية وظاهرة العروبة التي كانت محل صراع بين أطراف سياسية مختلفة، وبينت أهمية اللغة العربية في راهن اليوم مع ما يشهده العالم العربي من تحديات خاصة في سياق الصراع العالمي وإيديولوجيا الاصطفاء والنظرة الممسوسة بالتحيز .أعقب ذلك نقاش مفتوح.
ولقد خرجت الندوة بمجموعة من التوصيات نذكر أهمها كالآتي:
- خلق هيئة عربية جامعة للنظر في اهتمامات اللغة العربية وتعمل على توحيد السياسات اللغوية في الوطن العربي.
- التعاون البناء بين مجامع اللغة العربية في الوطن العربي من جهة ووزارات التربية والتعليم العالي من جهة أخرى.
- دعوة القائمين على شؤون اللغة إلى استلهام تخطيط لغوي شامل يستنبط محتواه من توجهات البلدان العربية في تعليم اللغة العربية .
- انجاز مناهج دراسية أصيلة وإبداعها إما من التراث وإما من خلال المحاينة.
- تطوير مناهج اللغة العربية وأساليب تعليمها وتصفية الأبواب النحوية القديمة التي لم تعد مستخدمة في عصرنا.
- تفعيل الخط الإسلامي بمختلف أنماطه من أجل مواكبة الرقمنة.
- ابتكار تطبيقات في وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى الخطأ والصواب في أثناء الكتابة.
- زيادة الوعي اللغوي والسياسي لدى جيل الشباب ليتمسكوا باللغة الفصحى للمحافظة على الهوية العربية.
- تشجيع التعلم الذاتي للغة العربية من خلال تطبيقات وبرامج جاذبة للأطفال.
- تكثيف نشاط الأكاديميين والباحثين والمثقفين في وسائل التواصل الاجتماعي بنشر موضوعاتهم الثقافية والعلمية لتكونة سمة بارزة وغالبة على المنشورات التي لا تقيم وزنا للعربية الفصيحة المشتركة.
- إثراء المحتوى الرقمي العربي على الشابكة.
- التشجيع على التعليم المعزز بالرقمنة للغة العربية في الجامعات العربية.