تأثر الشعر الفارسيّ بموضوعات الشعر العربيّ
Persian poetry was influenced by themes of Arabic poetry
محمد آدم عبدالرحمن صالح، جامعة الخرطوم – كلية التربية – قسم اللغة العربية ـ السودان
Mohamad Adam Abdalrhman Saleh, University of Khartoum – College of Education – Department of Arabic Language
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 72 الصفحة 105.
مستخلص
هدف البحثُ إلى دراسة أثر الشعر العربيّ في موضوعات الشعر الفارسيّ وأسلوبه، وبيان مدى تأثير المقدمات الطلليّة والخمريّة في الشعر العربي على نظيراتها في الشعر الفارسيّ. استخدم الباحث المنهج التحليليّ المقارن وذلك بعرض النصوص العربيّة والفارسيّة ثم تحليلها ومقارنتها وصولاً إلى النتائج. توصّلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها: تأثر الشعراء الفرس في أشعارهم بمقدمات الأشعار العربية، فوقفوا على الأطلال وبكوها، ووصفوا الصحاري ومشقّة عبورها، ووصفوا رواحلهم التي توصلهم إلى ممدوحيهم. قلّد الشعراء الفرس في وصفهم الخمر أبا نواس وغيره من شعراء العربية، فوصفوا مجالسها والاستمتاع بشربها، ووصفوها هي وتتبعوا تولدها ومراحل تكوينها. تم تضمين الأشعار والأمثال العربية والأحاديث النبويّة والآيات القرآنية في الشعر الفارسيّ، وقد كثر هذا التضمين حتى أصبح أثراً بارزاً من آثار العربية في الشعر الفارسيّ
الكلمات المفتاحية: الوقوف على الأطلال – الخمريات – الشعر الفارسي – التضمين
Abstract
The aim of the research is to study the impact of Arabic poetry on the topics and style of Persian poetry, and to explain the extent of the influence of the Talli and Khumri premises in Arabic poetry on their counterparts in Persian poetry. The researcher used the comparative analytical method by presenting the Arabic and Persian texts, then analyzing and comparing them to reach to the results. The study has revealed several results, the most important of which are: Persian poets were influenced in their poetry by the introductions of Arabic poetry, and they stood upon the ruins and wept, and described the deserts and the hardships of crossing them. They describe their vehicles that lead them to those whom they praise. The Persian poets imitated their description of wine, Abu Nawas and other Arab poets. They described its sittings and the enjoyment of drinking it. They described it and traced its generation and stages of formation. Arabic poems, proverbs, hadiths, and Quranic verses were included in Persian poetry. This inclusion increased until it became a prominent effect of Arabic in Persian poetry
key words: Standing on the Atlal – wines – Persian poetry – embed
نشأةُ الشعر الفارسي
توقّفت اللّغة الفارسيّة عن أنْ تكون لغة رسميّة وأدبيّة بعد دخول العرب إيران على مدى قرنين تقريباً كانت السيادة فيهما للغةِ العربيّة، سواءً في النواحي الرسميّة والأدبيّة، ثم بدأت اللغة الفارسيّة تظهرُ في ثوبها الجديد كلغة قوميّة وأدبيّة في القرن الثالث الهجري، وكان من الطبيعي ألاّ يظهر في إيران خلال القرنين الأولين أدبٌ إيراني قوميّ نظراً للصبغة الإسلاميّة التي طغت على جميع البلاد التي فتحتها العرب من بينها إيران([1])، وقد أقبل الإيرانيون بعد الفتح العربيّ ودخول العرب بلادهم على تعلُّم اللغة العربيّة لغة الدّين والأحكام، واستطاع كثيرون منهم أن يجيدوا هذه اللغة ويبرزوا فيها، وأنْ يستوعبوا الأب العربي وأخذ ذووا المواهب منهم يمارسون مواهبهم في نظم الشعر بالعربية، وأدّى هذا بالطبع إلى ضعف اللغة الفارسيّة والأدب الفارسيّ فأصابها وهن شديد أنزلها إلى لغة العامة وأدب العامّة، واستتبع هذا أنّ شعر هذه الفئة وهذا الأدب أصبح من الشعر العاميّ الذي لا يرقى إلى مرتبة الأشعار الأدبيّة التي تقال في حضرة الحكام والأمراء، أو الأشعار التي تكتب وتدوّن([2]).
أمّا الشعر الفارسيّ الأدبيّ فقد قُدّر له البعث في نهاية القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث، وصادف بعثه حركة الطموح القوميّ الإيرانيّ التي ظهرت في أواخر القرن الثاني الهجري عندما حاول الإيرانيون الاستقلال عن الخلافة العباسية وإقامة دولتهم من جديد فأخذوا يجتهدون في بعث لغتهم الفارسية من جديد، واستطاعوا أنْ يرقوا بها مرة ثانية إلى مرتبة اللغات الأدبيّة التي يمكن أن تكون وعاءً لشعر أدبيٍّ لا تملّه الأسماع ولا تأنفه الطباع، ولم يكن أمام الفرس من مثال يُحتذى سوى الأدب العربي في موضوعاته وأساليبه، ناهيك عمّا دخل لغة الفرس من ألفاظ تكاد تبلغ في القرن السادس والسابع والثامن ثمانين في المائة([3])، وقد قلّدوا القوافي والأوزان العربية واحتفظوا بالمصطلحات نفسها وإنْ جدّدوا فيها ونوّعوا وأضافوا إليها إضافات كثيرة، وفي هذا الأخذ الجم يقول عوفي: ( حتى إذا سطعت شمس الملّة الحنيفيّة على بلاد العجم جاور ذوو الطباع اللطيفة من الفرس فضلاء العرب، واقتبسوا من أنوارهم، ووقفوا على أساليبهم، واطلعوا على دقائق البحور والدوائر وتعلّموا الوزن والقافية ثم نسجوا على هذا المنوال([4])).
إلمام الأدباء الفرس بالثقافة العربيّة
إن الشعراء والكتاب الفرس هم أوّل من بدأ يغترف من العربية وآدابها، فكان للشعر النصيب الأوفر من التأثّر بالأدب العربي، لذا نجد أن أغلب خصائص الشعر الفارسي قد أخذتْ من خصائص الشعر العربي من حيث العروض ومن حيث نظام القصيدة، بل وحتى في الأغراض من مدح وهجاء وفخر وغزل وغيرها من الفنون كانت تسير على غرار ما سار عليه الشعر العربي، ويرجع ذلك إلى الثقافة العربية العالية التي ينبغي أن يتثقّف بها الشاعر والكاتب الفارسيّ حتى يُعرف فضله ويذيع صيته، يقول نظامي عروضي (لا يبلغ كلام الكاتب درجة عالية حتى يأخذ من كل علم نصيباً ومن كل أستاذ نكته، ويسمع من كل حكيم لطيفة ويقتبس من كل أدب طرفة، فينبغي أن يعتاد على قراءة كتاب رب العزّة وأحاديث المصطفى وآثار الصحابة وأمثال العرب وكلمات العجم ومطالعة كتب السلف والنظر في صحف الخلف مثل: ترسّل الصاحب بن عبّاد والصابي وقابوس، وألفاظ الحمادي وإمامي وقدامة بن جعفر ومقامات بديع الزمان والحريري وحميد، وتوقيعات البلعي وأحمد بن الحسن ورسائل عبد الحميد. ومن دواوين العرب ديوان المتنبي والابيوري والغزي، ومن شعر العجم الأرزقي ومثنوي الفردوسي ومدائح عنصري[5]) والناظر إلى أشعارهم يدرك إلى أي مدى كان التأثير العربي طاغياً على صورها وأساليبها، يقول محمد غنيمي ( لقد نشأ شعرهم متأثراً بالشعر العربي شكلاً ومضموناً بحيث انتقل نظام القصيدة من العربية إلى الفارسية الدريّة بموسيقاها من التزام قافية واحدة في القصيدة كلها، بموضوعاتها الغنائية من مدح وهجاء وحماسة ووصف وغزل[6]) لذا نجد الكتّاب والشعراء الفرس افتتنوا بأقرانهم العرب وقلّدوهم في أشعارهم، لهذا فلا غرو أن نجد دواوين الشعراء طافحة بالآثار العربية وفنونها الأدبية حتى يبلغ اعجابهم بالعربية حداً جعل البعض منهم يفتخر بحفظ الشعر العربي وإتقانه، قال ذلك منوچهری في قوله[7]:
من بسی دیوان شعر تازیان دارم زبر | تو ندانی خواند الا هبی بصحنک فاصبحینا |
ومعناه: إنني أحفظ كثيرًا من دواوين أشعار العرب
وأنت لا تستطيع قراءة( ألا هبي بصحنك فاصبحينا)
فهو يفتخر بحفظه للكثير من دواوين الشعراء العرب، وقد ضمّن شطرًا من معلقة عمرو بن كلثوم[8]:
ألآ هُبيّ بصحنِك فاصبِحينا | ولا تبقِي خمورَ الأندَرينا |
وفي قصيدة أخرى يفتخر بحفظه أيضاً لأشهر القصائد العربية مضمّناً ذلك في بيت من الشعر يقول فيه[9]:
آنکه گفت: آذنتنا آنکه گفت: الذاهبین | انکه گفت: السیف اصدق انکه گفت: ابلی الهوی |
ومعناه:
ذلك الذي قال: آذنتنا، وذلك الذي قال الذاهبين
وذلك الذي قال: السيف أصدق، وذلك الذي قال: أبلى الهوى
(فآذنتنا) هي مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكري[10]:
آذنتْنا ببينِها أسماءُ | ربّ ثاوٍ يُملُّ منه الثواءُ ث |
و(الذاهبين) من مطلع قصيدة امرئ القيس[11]:
ألا يا عينُ بكّي لي شِنينا | وبكّي لي الملوكَ الذّاهبينَا |
وأما قوله ( السيف أصدق) فهو من مطلع قصيدة أبي تمّام[12]:
السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ | في حده الحدُّ بين الجد واللعبِ |
وأما قوله (أبلى الهوى) فهو من مطلع قصيدة المتنبي[13]:
أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني | وفرّق الهجرُ بين الجفن والوسن |
وهكذا تم تضمين الأشعار والأمثال العربية والأحاديث النبوية والآيات القرآنية في الشعر الفارسي، وقد كثر هذا التضمين في الشعر الفارسي حتى أصبح أثراً بارزاً من آثار العربية في الشعر الفارسي، وقد قسم بعض الباحثين هذا التضمين إلى نوعين:[14]الأول: تضمين لفظي مباشر، أي أن الشاعر يضمّن البيت أو البيتين أو شطراً من البيت تضميناً حرفيًا كما هو، وأما النوع الثاني فهو التضمين الضمني أو غير الباشر، وهو تضمين معنى البيت، وقد يأخذ الشاعر بعض التشبيهات أو الاستعارات من بعض الشعراء العرب أو يحاكي أسلوبهم ، ومن أمثلة التضمين المعنوي قول الخيام في إحدى رباعياته[15]:
هر ذره که در خاک زمینی بوده است |
پیش از من وتو تاج ونگینی بوده است |
گرد از رخ نازنین به ازرم فشان |
کانهم رخ خوب ونازنین بوده است |
معناها
كل الذرات كانت في التراب
كانت قبل أن أكون أنا وأنت تاج وجوهرة
أزل الغبار عن وجه المحبوب بلطف وحنان
لأنه كان جزءًا من وجه الممدوح الجميل.
هذا الوصف ليس ببعيد عن قول أبي العلاء المعري[16]:
خفّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ربّ لحدٍ قد صَار لحداً مراراً | أرض إلاّ من هذه الأجسادِ ضاحكاً من تزاحمِ الأضّدادِ |
هذا وقد سار كثير من شعراء الفرس في بناء القصيدة الفارسية على نمط القصائد العربية، فبدؤوا قصائد المدح بالوقوف على الأطلال وبكاء الديار والتغزُّل في المحبوبة ووصف الرحلة إليها وما واجهه فيها من صعاب متطرقاً إلى وصف راحلته والصحراء والوحوش التي قابلته. وهذا هو نهج القصيدة العربية القديمة.
ويعتبر منوچهری من النماذج الفريدة التي يتجلى في شعرها بوضوح الأثر العربي ومدى تأثّر الشعر الفارسي بالشعر العربي وأفكاره وصوره، ففي كل قصيدة له فكرة أخذها أو قافية أو وزن استعارهما أو معاني وألفاظ اقتبسها من الأشعار العربية، كما تتناثر هنا وهناك أسماء لشعراء عرب في أشعاره، يقول[17]:
امرؤ القيس ولبيد وأخطل وأعشى قيس ما همه بر نظم وشعر وقافيه نوحه كنيم | بر طللها نوحه كردندى وبر رسم بلى نه بر اطلال وديار ونه وحوش ونه ظبى |
ویقول أيضاً[18]:
كرم مرزوق گردانی به خدمت | همان گویم که اعشی گفت ودعبل |
معناه:
فإن رزقتني وأنا في خدمتك
قلتُ فيك المدح كما قال الأعشى ودعبل.
وقد تأثر منوچهری بالمعلقات الجاهلية خاصة معلقة امرئ القيس، وقد ظهر تأثره بها في مواضع مختلفة من ديوانه حتى أنه استعار وقائعها لنفسه وكأنّه كان امرؤ القيس عندما عقر للعذارى مطيته، بل إنه استعار اسم عنيزة في احدى قصائده[19].
الوقوف على الأطلال في أشعارهم
على عادة الشعر الجاهلي يبدأ منوچهری بعض قصائده بالغزل والنسيب كما هو الحال في قصيدته التي مطلعها[20]:
الا یا خیمگی خیمه فروهل | که پیشاهنگ پیرون شد ز منزل |
معناه:
ألا أيها الخيام أنزل خيمتك
فقد تقدم دليل القافلة وخرج
ثم تحدث عن فراق محبوبته له وكيف أنه نظر إلى محيط القافلة فلم ير إنسيّاً ولا راكباً ولا راجلاً ولكنّه رأى بجانبه ناقته التي هي كالعفريت الذي قيدت يداه وقدميه بالسلاسل، فحلّ قيودها وركب عليها كعرش بلقيس فقفزت به كالريح مسرعة تطوي الصحاري كما يطوي المساح الأرض، وكانت الصحاري صعبة وباردة يتجمد فيها الدم في الجسد، وأحواض الماء فيها تشبه صحون الثلج، يقول[21]:
چو برگشت از من آن معشوق ممشوق نگه کردم بگرد کاروانگاه نه وحش دیدم انجا ونه انس نجیب خویش را دیدم بیک سو گشادم هر دو زانو بندش از دست نشستم از برش چون عرش بلقیس همی راندم نجیب خویش چون باد چون مساحی پیماید زمین را همی رفتم شتابان در بیابان پیابانی چنان سخت وچنان سرد ز بادش خون همی بفسرد در تن | نهادم صابری را سنگ بر دل بجای خیمه وجای رواحل نه راکب انجا ونه راجل چو دیوی دست وپا اندر سلاسل فرو هشتم هویدش تا به کاهل بجست او چون عفریت هایل همی گفتم که اللهم سهل بپیمودم به پای او مراحل همی کردم بیک منزل دو منزل کزو خارج بناشد هیچ داخل که بادش داشت طبع زهر قاتل |
معناها[22]
- وحين فارقني ذلك المعشوق الممشوق
وضعت حجر الصبر على صدري
- ونظرت إلى محيط القافلة
وإلى مكان الخيمة ومكان الرواحل
- فلا وحشيًا رأيت هناك ولا إنسيًا
ولا راكبا رأيتُ ولا راجل
- لكن رأيت ناقتي بجانبي
كأنها عفريت يده وقدمه مقيدان بالسلاسل
- فحللتُ القيد من ركبتيها الأماميتين
وألقيتُ الهودج على كاهلها
- وركبت عليها كعرش بلقيس
وقفزت مثل عفريت هائل
- وحين سقت ناقتي مثل الريح
قلتُ اللهمّ سهّل
- وطويت بها المراحل
كما يطوي المساح الأرض
- وسرت مسرعًا في الصحراء
وقطعت المنزلين في منزل واحد
- وكانت الصحراء باردة وصعبة
فمن يدخل فيها لا يستطيع الخروج منها
- إذ أنّ من ريحها يتجمد الدم في الجسد
فرياحها لها خاصية السم القاتل
وهكذا يمضي الشاعر في وصف الصحراء وناقته القوية التي استطاع بها اجتياز هذه الصحراء حتى أوصلته إلى ممدوحه، فيمدحه بأبيات هي في مجملها ترجمة لما كان يمدح به الشعراء العرب ملوك بني أمية وبني العباس، يمدحه بالكرم الفياض وبلاغة الكلام والشجاعة وخوف الخصوم منه ساعة الغضب، ثم يطلب منه العطايا الجزيلة لأنه فاضل لا يقصد إلا فاضلًا مثله، وأخيرًا يدعو له بثبات الملك ونفاذ البصيرة.
وفي هذه القصيدة يبدو الأثر العربي جليًّا واضحًا، فهي معان عربية بلغةٍ فارسية.
وقد تطور الوقوف على الأطلال عند الفرس كما عند العرب قبلهم، فوقفوا على الآثار، وفي الوقوف على الآثار -كما يقول محمد غنيمي[23]– طابع عاطفي يشعر فيه الشاعر بمجدٍ غابر، وعزّ دائر، ويأسى لماض خالد، وقد يهرب من حاضره ليستروح في ذلك الماضي، وقد تشوب الوقوف على الآثار روعة الإعجاب أو الرغبة في العظة والاعتبار، ويستتبع وصف الآثار الإشادة بحضارة أهلها، إما لأنهم من بني الوطن أو من أبناء القومية، وإما لما بينهم وبين أبناء القوم من صلات، ويمثل هلال لمثل هذا النوع من الوقوف على الآثار في الشعر العربي بالبحتري ووقوفه على إيوان كسرى بالمدائن في سينيته الشهيرة:
صنتُ نفسي عمّا يدنّسُ نفسي | وترفعتُ عن جَدا كل جِبسِ |
وجعل هلال[24] مثال هذا النوع من الشعر الفارسي قصيدة لخاقاني في إيوان كسرى انوشروان بالمدائن، وهو نفس موضوع قصيدة البحتري السابقة الذكر، وفيها -كما يقول هلال- يستنطق الايوان حكمًا ومواعظ، ويعتبر في موقفه باكيًا على أمجاد الفرس الدائرة.
ويمكن أن نضع مع هذا النوع من القصائد قصيدتي سعدي الشيرازي في رثاء المستعصم والخلافة وبغداد. إحدى القصيدتين فارسية وتبلغ ثمانية وعشرون بيتًا مطلعها[25]:
آسمان را حق بود گر خون بگرید بر زمین | بر زوال ملک مستعصم امیر مؤمنین |
المعنى: للسماء حق إذا بكت دما على وجه الأرض
لزوال ملك المستعصم أمير المؤمنين
والقصيدة الثانية عربية من أطول قصائده، بل لعلها أطولها على الإطلاق سواءً في قصائده العربية أو الفارسية، إذ تبلغ مائة واثنين وعشرين بيتًا، ولعلّه رغب أن يشارك المسلمين كافة شعورهم، فينشدهم قصيدة بلغتهم الدينية المشتركة بينهم، يقول في القصيدة[26]:
حبستُ بدَمعي المدامعَ لا تَجري نسيمُ صَبا بغدادَ بعد خرابِها لأنّ هلاك النّفسِ عند أولي النُهى زجرتُ طبيبًا جسّ نبضي مداويًا لزمتُ اصطباراً حيث كنتُ مفارقاً | فلمّا طغّى الماءُ استطال على السكرِ تمنّيتُ لو كانت تمرّ على قبري أحبُّ له من عيشِ مُنقبضِ الصدر إليك فما شَكواي من مرضٍ تبري وهذا فراقُ لا يعالجُ بالصبر |
وقد أجريت حول هذه القصيدة مجموعة من الدراسات بهدف بيان الأثر العربي فيها وما حوته من تضمينات قرآنية أو شعرية أو من أمثال وأقوال عربية، ومن هذه الدراسات (سعدي الشيرازي وحاضرة الإسلام من خلال قصيدته الرائية في رثاء بغداد) فيروز حريرچی وآخرون[27]، يقرر المؤلفون أن القرآن الكريم من أهمّ المصادر الدينية لقصيدته الرائية وهو المصدر الرئيس للألفاظ والصور الفنية عنده، ومن المفردات التي استعان بها في قصيدته، نجدها في قوله:
ولو كان كسرى في زمان حياته | لقال إلهي اشدد به أزري |
وفي البيت مبالغة واقتباس من قوله تعالى[28](وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)) والأمثلة كثيرة ومتعددة لا مجال لحصرها، وكان تأثّر سعدي بالحديث النبوي الشريف كتأثره بالقرآن الكريم[29]وانعكس ذلك على أدبه حيث استلهم محتواه ومعناه، فأورده في إشارات وتلميحات حيناً، وبشكل صريح ومباشر أحياناً أخرى، يقول:
وفي الخبر المروي دينُ محمدٍ | يعود غريبا مثل مبتدأ الأمر |
وفيه إشارة صريحة إلى الحديث النبوي الشريف (إنّ الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء[30]).
وذهب الباحثون إلى أنّ الشاعر استخدم موروثه الثقافي العربي الذي اكتسبه من تتلمذه في مدارس البلدان العربية ومراكز تعلمها، وقد تمثل هذا الموروث العربي في الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة والأبيات الشعرية القديمة بألفاظها وأفكارها وصورها وموسيقاها، ويبدو تأثير الثقافة العربية القديمة واضحا في قصيدته باستخدامه لأساليب التعبير العربية كالقسم في قوله:
لعمرك لو عاينتَ ليلة نفرهم | كأنّ العذارى في الدجى شهبٌ تسري |
وكقوله أيضاً:
وما الشعرُ أيمَ اللهِ لستُ بمدّعٍ | ولو كان عندي ما ببابلَ من سحر |
فكلمتا (لعمرك) و(ايم الله) تعبيران عربيان متفردان، ومصدرهما بالنسبة لسعدي هو أفق ثقافته الواسعة في لغة الضاد. وهكذا وقف الباحثون عند كل بيت في القصيدة مرجعين الأساليب والعبارات والاقتباسات العربية إلى أصلها العربي، وهي كثيرة مما يدل على عمق ثقافة سعدي وتعمقه في معرفة الأدب العربي مثله مثل كل الشعراء المتحدثين باللغتين العربية والفارسية.
تأثر الرودكب بأبي نواس في خمرياته
ومن أعظم الشعراء الذين تأثر شعرهم بالآداب العربية وأثروا في غيرهم من شعراء الفرس، الشاعر رودكي سمرقندي. لم يكن رودكي سمرقندي أوّل من نظم الشعر الفارسي على الطريقة العربية في الأدب الفارسيّ الإسلامي ولكنّه أوّل شاعر كبير غنائي في أدب الفرس، وأوّل من اكتمل به معنى هذا الشعر لديهم، وتتلمذ عليه كبار شعراء الفرس الغنائيين الذين أتوا بعده وشهدوا له بالفضل[31]. جاء في مقدمة الديوان (اول شاعری که بعد از اسلام در عجم صاحب دیوان شعر شد او بود. اگرچه پیش ازو ابوالعباس مروزی وابو حفص حکیم سغدی سمرقندی وحنظلة بادغیسی وشهید بلخی اشعار گفته بودند. ولی اشعار رودکی به جهت قدمت وهم بفصاحت از سایرین ممتاز است[32]) فهو أول شاعر من شعراء العجم صاحب ديوان، على الرغم من أنه سُبق إلى قول الشعر، ويمتاز شعره عن سابقيه بالفصاحة والبلاغة.
وكان رودكي على ثقافة عربية واسعة، شأنه في ذلك شأن جميع من أسهموا في نهضة الأدب الفارسي شعره ونثره، فقد كانوا كلهم ذووا لسانين: عربي وفارسي، وقد أظهر هو نبوغا في إقباله على العربية وتعلّمه إيّاها حتى قيل أنّه أتمّ حفظ القرآن في سن الثامنة[33]. فهو في شعره قد تفوق على جميع شعراء عصره، وقد عدّ نفسه ندَّا وقريناً لخمس من كبار الشعر العرب المشهورين: جرير وأبو تمام وحسان وصريع الغواني وسحبان بن زفر الوائلي، يقول[34]:
جز به سزاوار میر گفت ندانم سخن شکوهم که عجز من بنماید | ورچه جریرم به شعر وطایی وحسان ورچه صریعم وابا فصاحت سحبان |
معناه: – لا أعرف قولاً إلاّ بما يليق بالأمير
على الرغم من أنني في الشعر جرير والطايي وحسان
- وإنني لفي وجل عظيم من أن يتضح أمري
على الرغم من أنني كصريع الغواني وأبا الفصاحة سحبان
وللرودكي أشعار كثيرة تأثّر فيها بالشعر العربي من حيث الشكل والمضمون في المدح والوصف وغيرها، إلاّ أنّه اشتهر بالخمريات التي جارى بها خمريات أبي نواس وأشعاره، وتعدّ خمريات أبي نواس مصدراً لخمريات الرودكي في كثير من الأحيان حيث يعنى بتوصيف الخمر وتوليدها ويسوق دقائق صنعها، وكان أبو نواس أوّل من عنى بتصوير هذه المعاني الدقيقة في الخمريات وأشهر من وصفوها، يقول هلال[35]🙁 تدلنا القرائن التاريخية على أن الرودكي- وهو رائد هذا المجال في الأدب الفارسي- لابد أن يكون قد اعتمد على أبي نواس في الموضوعات والمعاني حين ارتاد هذا الميدان في تغنيه بالخمر، ولا يتلاقى الشاعران في التغني بالخمر بعامة، ولا في تحديد آداب الشراب ونوع النظرة إلى شرابها وكفى، بل في موضوع توالد الخمر وصنعها وفي كثير من تفصيلات المعاني في هذا الموضوع مما يؤيد تأثّر الرودكي بشاعر العرب) ولنضرب مثالاً لكلا الشاعرين نبيّن من خلاله التلاقي في الأفكار بينهما، يقول أبو نواس في إحدى خمرياته[36]:
لنا خمرٌ وليس بخمر نخلٍ كرائم في السماء زهينَ طولاً | ولكن من نتاج الباسقات ففات ثمارُها أيدي الجُنات | ||
بدا الياقوت وانتسبت إليه فضُمّن صفوُ ما يجنون منها وقلت استعجلوا فاستعجلوها ذوائبُ أمُّها جُعلت سياطاً فولدت السياط لها هديرا نسجتُ لها عمائمَ من تراب فلما قيل قد بلغت كشفنا الـــــ | بحمرٍ أو بصفرٍ فاقعات خوابي كالرجال مقيّرات بضرب بالسياط محدرجات تُحثُ فما تَنَاهى ضاربات كترجيع الفحول الهادرات وماءٍ محكمات موثقات عمائم عن وجوه مشرقات |
هذه الأبيات والمعاني التي تضمنتها هي واحدة من مصادر الروكي ومرجعياته لمّا وصف الخمر وطريقة تكونها، ولا بد أن يكون قد قرأها وفقه معناها جيداً، ويعد أبو نواس أوّل من تكلم عن تولد الخمر في الشعر العربي، وتأثر الرودكي به في أشهر خمرياته.
ومن أشهر خمريات الرودكي قصيدته (مادر مى) أي (أم الخمر) يقول فيها[37]:
مادر می را بکرد باید قربان بچهٔ او را ازو گرفت ندانی جز که نباشد حلال دور بکردن تا نخورد شیر هفت مه به تمامی آن گه شاید ز روی دین و ره داد چون بسپاری به حبس بچهٔ او را باز چو آید به هوش و حال ببیند زر بر آتش کجا بخواهی پالود | بچهٔ او را گرفت و کرد به زندان تاش نکویی نخست و زو نکشی جان بچهٔ کوچک ز شیر مادر و پستان از سر اردیبهشت تا بن آبان بچه به زندان تنگ و مادر قربان هفت شباروز خیره ماند و حیران جوش بر آرد، بنالد از دل سوزان جوشد، لیکن ز غم نجوشد چندان ؟ | ||
باز به کردار اشتری که بود مست مرد حرس کفکهاش پاک بگیرد چون بنشیند تمام و صافی گردد چند ازو سرخ چون عقیق یمانی ورش ببویی، گمان بری که گل سرخ هم به خم اندر همی گدازد چونین آن گه اگر نیم شب درش بگشایی ور به بلور اندرون ببینی گویی: وانک به شادی یکی قدح بخورد زوی انده ده ساله را به طنجه براند | کفک بر آرد ز خشم و راند سلطان تا بشود تیرگیش و گردد رخشان گونهٔ یاقوت سرخ گیرد و مرجان چند ازو لعل چون نگین بدخشان بوی بدو داد و مشک و عنبر با بان تا به گه نوبهار و نیمهٔ نیسان چشمهٔ خورشید را ببینی تابان گوهر سرخست به کف موسی عمران رنج نبیند از آن فراز و نه احزان شادی نو را ز ری بیارد و عمان |
وترجمة الأبيات كالآتي:
- يجب جعل أم الخمر قرباناً ++ وانتزع وليدها وايداعه السجن
- إنك لن تستطيع انتزاع وليدها منها ++ ما لم تذقه أولاً
- وإن لم يكن حلالاً ابعاد ++ الصغير عن ثدي الأم ولبنها
- حتى يفطم عن درّها سبعة أشهر بتمامها ++ من أول أبريل حتى آخر أكتوبر
- بعد ذلك ينبغي عدلا وديناً ++ أن يقرّب الابن – في مضيق السجن- من الأم
- فحين تودع أنت صغيرها حبيساً ++ يبقى سبعة أيام ولياليها فاقدا الوعي حيران
- وحين يعود لوعيه فيرى من جديد ++ ينهض منتحيا من قلب محترق
- إنّه ذهبٌ فوق النار فكيف تريد تطهيره ++ ولنّه من غيظ يغلي شديدا
- وكأنّه مثل بعير كان ثملا++ فعلا حلقومه هدير يسوقه سلطان الغضب
- فينظفه الحارث من رغاء هديره ++ ويزيل كدرته فيصير متلألئاً
- فإذا استقرّ وصار صافياً ++ اتخذ لون الياقوت الأحمر والمرجان
- فبعضه أحمر كالعقيق اليماني ++ وبعضه الآخر ياقوتي كخاتم مجلوب من بدخشان
- ولو تشم رائحته تظن أن الورد الأحمر ++ وهبه الرائحة وكذلك المسك والعنبر والبان
- وقد يُترك كذلك في أحشاء الدن ++ حتى فصل الربيع ومنتصف أبريل
- وحينئذ لو تفتح بابه منتصف الليل ++ فإنّك ترى عين الشمس مشرقة
- ولو تراه في فنينة بلورية تقول ++ إنه الجوهر الأحمر في كف موسى بن عمران
- ولو يشرب من شخص قدحاً في سرور ++ فلن ير الآلام والأحزان بعد ذلك
- وينتزع منك هم عشرة سنين في لحظة ++ ويجلب لك السرور من الري أو عمان
وفي الأبيات السابقة دقة في تتبع تولد الخمر، وتفصيل ما تمر به من مراحل، يتأثر فيها كثيراً بتشبيهات أبي نواس وصوره.
هذا وفي ديوان منوجهر الكثير الكثير من الأشعار الخمرية التي يمكن بيان تأثرها بخمريات الشعر العربي في العصر الجاهلي والعصور التي تلته، علق صاحب الديوان على أبيات له يقول فيها[38]:
ازاده رفیقان منا من چو بمیرم از دانهٔ انگور بسازید حنوطم در سایهٔ رز اندر، گوری بکنیدم | از سرخترین باده بشویید تن من وز برگ رز سبز ردا و کفن من تا نیکترین جایی باشد وطن من |
معنى الأبيات:
- يا رفاقي الأحرار عندما أموت
غسلوا جسدي بالخمر الحمراء
- واجعلوا حنوطي من حبات العنب
واجعلوا ردائي وكفني من ورق العنب لأخضر
- واحفروا قبري في ظل كرمة العنب
حتى يكون موطني أطيب الأماكن
يقول محقق الديوان: هذه القطعة مأخوذة بتمامها من أشعار العرب، وهذا المضمون نجده أولاً في شعر أبي محجن الثقفي في أبيات نقلها ابن عبد ربه في كتابه يقول فيها:
إذا مِتُّ فادفنّي إلى ظل كرمةٍ ولا تدفنني في الفلاة فأنّني | تروّي عظامي بعد موتي عروقُها أخاف إذا ما متُّ ألاّ أذوقها |
وفي هذا المعنى يقول التنوخي:
وإذا مِتّ اسطحانِي وافرشَا واقطَعا لي كفنًا من زقّها وادفنانِي يا نديميّ إلى ليظل الفرع مني ظاهراً | من غصونِ الكَرم تَحتي فِراشا وانفُخا من عليه وارْشُشَا أصل كرمٍ فرعُه قد عرَشا ويروي الأصلَ مني العطشا[39] |
فالشاعر منوجهري في أبياته حريصاً على ملازمة الخمر وأسبابه حتى بعد موته، فأوصى أن يغسل بها، وأن يجعل حنوطه من العنب التي تصنع منه، ثم يدفن في ظلها. وهذا المعني موجود في بيتي أبي محجن وأبيات التنوخي، ولا شك أنّ منوجهري اطلع على هذه الأشعار وأشباهها.
الخاتمة
- نشأ الشعر الفارسيّ متأثراً بالشعر العربيّ شكلاً ومضموناً بحيث انتقل نظام القصيدة من العربيّة إلى الفارسية.
- تثقف الشعراء الفرس بثقافة عربيّة واسعة مكّنتهم من تقليد الشعراء العرب في شعرهم وموضوعاته، فأغلب خصائص الشعر الفارسيّ أخذت من خصائص الشعر العربيّ كنظام القصيدة والعروض والاقفية، بل حتى الأغراض من مدح وهجاء وفخر وغزل وغيرها من الفنون كانت تسير على غرار ما سار عليه الشعر العربي.
- تأثر الشعراء الفرس في أشعارهم بمقدمات الأشعار العربية، فوقفوا على الأطلال وبكوها، ووصفوا الصحاري ومشقّة عبورها، ووصفوا رواحلهم التي توصلهم إلى مموحيهم.
- قلّد الشعراء الفرس في وصفهم الخمر أبا نواس وغيره من شعراء العربية، فوصفوا مجالسها والاستمتاع بشربها، ووصفوها هي وتتبعوا تولدها ومراحل تكوينها.
- تم تضمين الأشعار والأمثال العربية والأحاديث النبويّة والآيات القرآنية في الشعر الفارسيّ، وقد كثر هذا التضمين حتى أصبح أثراً بارزاً من آثار العربية في الشعر الفارسيّ
المصادر والمراجع العربية
- الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ط10، 2009م
- دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، بدون ط
- سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ط2 1395 هـ – 1975
- فنون الشعر الفارسي، اسعاد عبدالهادي، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، ط2 1981م
الدواوين الشعرية
- ديوان عمرو بن كلثوم، تحقيق أميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط2 1996م
- ديوان الحارث بن حلّزة، تحقيق اميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط1 1991م
- ديوان إمرئ القيس، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة، ط5
- ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي.
- رباعيات عمر الخيام، تعريب السيد أحمد الصافي النجفي
- سقط الزند، أبو العلاء المعري، دار صادر للطباعة والنشر 1975م
- شرح ديوان أبي لطيب المتنبي لأبي العلاء المعري (معجز أحمد)،تحقيق عبدالجبار دياب، دار المعارف ط2 1992م.
- ديوان منوجهري، ترجمة وتعليق محمد نور الدين عبدالمنعم، ط1 2002م المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة،
المجلات والدوريات
- الاقتباس والتضمين في الشعر الفارس، حسين مزهر حمادي، مجلة دراسات إيرانية، العدد(8-9)
- مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، أكاديمية العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، السنة الخامسة عشر، العدد الأول 1433ه.ق
- سعدي الشيرازي وحاضرة الإسلام من خلال قصيدته الرائية في رثاء بغداد، فيروز حريرجي وآخرون، مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، أكاديمية العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، السنة الخامسة عشر، العدد الأول 1433ه.ق ص41-62
- نشأة الشعر الفارسي الإسلامي، إبراهيم أمين الشواربي، بحث مستخرج من مجلة كلية الأداب، جامعة القاهرة العدد الثامن، المجلد الأول مايو 1946.
المصادر والمراجع الفارسية
- چهار مقاله. احمد بن عمر بن علي نظامی عروضی سمرقندي، بتصحيح محمد غزويني، به كوشش محمد معين، انتشارات ارمغان، چاب اول
- سبك شناسى يا تاريخ تطور نر فارسى، محمد تقي بهار، چاب 4( تهران موسسه انتشارات امیر 1321ه.ش
- كليات سعدي (مصلح الدين سعدي) بتصحيح محمد علي فوغي، انتشارات هرمس، چاب اول 1385ه
- لباب الألباب، محمد عوفي به اهتمام ادور براون انگلیسی. مطبعة بربل، لندن
الدواوين الشعرية
- ديوان رودكي سمرقندي، نسخه سعيد نفيسى بر اساس براگینسکی چاب اول 1373
- دیوان منوچهری دامغاني، بكوشش دكتر محمد دبير سياقي، تهران، چاب سوم 1327ه خورشیدی
[1]– نشأة الشعر الفارسي الإسلامي، إبراهيم أمين الشواربي، بحث مستخرج من مجلة كلية الأداب، جامعة القاهرة العدد الثامن، المجلد الأول مايو 1946.
[2]– فنون الشعر الفارسي، اسعاد عبدالهادي، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، ط2 1981م، ص17
[3] – سبك شناسى يا تاريخ تطور نر فارسى، محمد تقي بهار، چاب 4( تهران موسسه انتشارات امیر 1321ه.ش ج2 ص57
[4] – لباب الألباب، محمد عوفي به اهتمام ادور براون انگلیسی. مطبعة بربل، لندن.ج1 ص20
[5] – چهار مقاله. احمد بن عمر بن علي نظامی عروضی سمرقندي، بتصحيح محمد غزويني، به كوشش محمد معين، انتشارات ارمغان، چاب اول ص22
[6] – الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ط10، 2009م، ص288
[7] – دیوان منوچهری دامغاني، بكوشش دكتر محمد دبير سياقي، تهران، چاب سوم 1327ه خورشیدی ص81
[8] – ديوان عمرو بن كلثوم، تحقيق أميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط2 1996م ص 64
[9] – دیوان منوچهری فارسی ص
[10] – ديوان الحارث بن حلّزة، تحقيق اميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط1 1991م ص19
[11] – ديوان إمرئ القيس، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة، ط5 ص200
[12] – ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق محمد عبده عزام، دار المعارف ط5، ص40
[13] – شرح ديوان أبي لطيب المتنبي لأبي العلاء المعري (معجز أحمد)،تحقيق عبدالجبار دياب، دار المعارف ط2 1992م، ص9
[14] – الاقتباس والتضمين في الشعر الفارس، حسين مزهر حمادي، مجلة دراسات إيرانية، العدد(8-9) ص164
[15] – رباعيات عمر الخيام، تعريب السيد أحمد الصافي النجفي ص1
[16] – سقط الزند، أبو العلاء المعري، دار صادر للطباعة والنشر 1975م ص7
[17] – ديوان منوچهری دامغانی ص 140
[18] – ديوان منوچهری دامغانی ص58
[19] – مقدمة ديوان منوجهري، ترجمة وتعليق محمد نور الدين عبدالمنعم، ط1 2002م المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ص6، والبيت هو:
عنیزه برفت از تو وکرد منزل به مقراط وسقط اللوی وعقیقا.
وفي البيت أسماء أمكنة مستعارة من بيت امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
[20] – ديون منوچهری دامغاني، فارسي ص53
[21] – ديون منوچهری دامغاني، فارسي ص55
[22] – ترجمة هذه الأبيات مأخوذة من ديوان منوجهر النسخة العربية ص141 وتتميز هذه النسخة بعدم ذكر الأصل الفارسي
[23] – الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال ص160
[24] – الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال ص 163، لم يذكر محمد غنيمي أبياتا منها، ولم أجد الديوان الفارسي للاطلاع عليها.
[25] – كليات سعدي (مصلح الدين سعدي) بتصحيح محمد علي فوغي، انتشارات هرمس، چاب اول 1385ه ص983
[26] – كليات سعدي ص1139
[27] – مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، أكاديمية العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، السنة الخامسة عشر، العدد الأول 1433ه.ق ص41-62
[28]– سورة طه
[29] – المرجع السابق ص48
[30] – سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ط2 1395 هـ – 1975 م، ج5 ص18.
[31] – دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، بدون ط ص170
[32] – ديوان رودكي سمرقندي، نسخه سعيد نفيسى بر اساس براگینسکی چاب اول 1373 ص22
[33]– دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، محمد غنيمي هلال، ص171
[34] – ديوان رودكي سمرقندي ص103
[35] – دراسات ونماذج ص178
[36] الديوان أبي نواس، دار صادر بيروت ص118
[37] – ديوان رودكي سمرقندي ص98
[38] – ديوان منوچهری – فارسی ص69
[39] – ديوان منوچهری – فارسی ص250
تأثر الشعر الفارسيّ بموضوعات الشعر العربيّ
Persian poetry was influenced by themes of Arabic poetry
محمد آدم عبدالرحمن صالح، جامعة الخرطوم – كلية التربية – قسم اللغة العربية ـ السودان
Mohamad Adam Abdalrhman Saleh, University of Khartoum – College of Education – Department of Arabic Language
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 72 الصفحة 105.
مستخلص
هدف البحثُ إلى دراسة أثر الشعر العربيّ في موضوعات الشعر الفارسيّ وأسلوبه، وبيان مدى تأثير المقدمات الطلليّة والخمريّة في الشعر العربي على نظيراتها في الشعر الفارسيّ. استخدم الباحث المنهج التحليليّ المقارن وذلك بعرض النصوص العربيّة والفارسيّة ثم تحليلها ومقارنتها وصولاً إلى النتائج. توصّلت الدراسة إلى عدة نتائج أهمها: تأثر الشعراء الفرس في أشعارهم بمقدمات الأشعار العربية، فوقفوا على الأطلال وبكوها، ووصفوا الصحاري ومشقّة عبورها، ووصفوا رواحلهم التي توصلهم إلى ممدوحيهم. قلّد الشعراء الفرس في وصفهم الخمر أبا نواس وغيره من شعراء العربية، فوصفوا مجالسها والاستمتاع بشربها، ووصفوها هي وتتبعوا تولدها ومراحل تكوينها. تم تضمين الأشعار والأمثال العربية والأحاديث النبويّة والآيات القرآنية في الشعر الفارسيّ، وقد كثر هذا التضمين حتى أصبح أثراً بارزاً من آثار العربية في الشعر الفارسيّ
الكلمات المفتاحية: الوقوف على الأطلال – الخمريات – الشعر الفارسي – التضمين
Abstract
The aim of the research is to study the impact of Arabic poetry on the topics and style of Persian poetry, and to explain the extent of the influence of the Talli and Khumri premises in Arabic poetry on their counterparts in Persian poetry. The researcher used the comparative analytical method by presenting the Arabic and Persian texts, then analyzing and comparing them to reach to the results. The study has revealed several results, the most important of which are: Persian poets were influenced in their poetry by the introductions of Arabic poetry, and they stood upon the ruins and wept, and described the deserts and the hardships of crossing them. They describe their vehicles that lead them to those whom they praise. The Persian poets imitated their description of wine, Abu Nawas and other Arab poets. They described its sittings and the enjoyment of drinking it. They described it and traced its generation and stages of formation. Arabic poems, proverbs, hadiths, and Quranic verses were included in Persian poetry. This inclusion increased until it became a prominent effect of Arabic in Persian poetry
key words: Standing on the Atlal – wines – Persian poetry – embed
نشأةُ الشعر الفارسي
توقّفت اللّغة الفارسيّة عن أنْ تكون لغة رسميّة وأدبيّة بعد دخول العرب إيران على مدى قرنين تقريباً كانت السيادة فيهما للغةِ العربيّة، سواءً في النواحي الرسميّة والأدبيّة، ثم بدأت اللغة الفارسيّة تظهرُ في ثوبها الجديد كلغة قوميّة وأدبيّة في القرن الثالث الهجري، وكان من الطبيعي ألاّ يظهر في إيران خلال القرنين الأولين أدبٌ إيراني قوميّ نظراً للصبغة الإسلاميّة التي طغت على جميع البلاد التي فتحتها العرب من بينها إيران([1])، وقد أقبل الإيرانيون بعد الفتح العربيّ ودخول العرب بلادهم على تعلُّم اللغة العربيّة لغة الدّين والأحكام، واستطاع كثيرون منهم أن يجيدوا هذه اللغة ويبرزوا فيها، وأنْ يستوعبوا الأب العربي وأخذ ذووا المواهب منهم يمارسون مواهبهم في نظم الشعر بالعربية، وأدّى هذا بالطبع إلى ضعف اللغة الفارسيّة والأدب الفارسيّ فأصابها وهن شديد أنزلها إلى لغة العامة وأدب العامّة، واستتبع هذا أنّ شعر هذه الفئة وهذا الأدب أصبح من الشعر العاميّ الذي لا يرقى إلى مرتبة الأشعار الأدبيّة التي تقال في حضرة الحكام والأمراء، أو الأشعار التي تكتب وتدوّن([2]).
أمّا الشعر الفارسيّ الأدبيّ فقد قُدّر له البعث في نهاية القرن الثاني الهجري وأوائل القرن الثالث، وصادف بعثه حركة الطموح القوميّ الإيرانيّ التي ظهرت في أواخر القرن الثاني الهجري عندما حاول الإيرانيون الاستقلال عن الخلافة العباسية وإقامة دولتهم من جديد فأخذوا يجتهدون في بعث لغتهم الفارسية من جديد، واستطاعوا أنْ يرقوا بها مرة ثانية إلى مرتبة اللغات الأدبيّة التي يمكن أن تكون وعاءً لشعر أدبيٍّ لا تملّه الأسماع ولا تأنفه الطباع، ولم يكن أمام الفرس من مثال يُحتذى سوى الأدب العربي في موضوعاته وأساليبه، ناهيك عمّا دخل لغة الفرس من ألفاظ تكاد تبلغ في القرن السادس والسابع والثامن ثمانين في المائة([3])، وقد قلّدوا القوافي والأوزان العربية واحتفظوا بالمصطلحات نفسها وإنْ جدّدوا فيها ونوّعوا وأضافوا إليها إضافات كثيرة، وفي هذا الأخذ الجم يقول عوفي: ( حتى إذا سطعت شمس الملّة الحنيفيّة على بلاد العجم جاور ذوو الطباع اللطيفة من الفرس فضلاء العرب، واقتبسوا من أنوارهم، ووقفوا على أساليبهم، واطلعوا على دقائق البحور والدوائر وتعلّموا الوزن والقافية ثم نسجوا على هذا المنوال([4])).
إلمام الأدباء الفرس بالثقافة العربيّة
إن الشعراء والكتاب الفرس هم أوّل من بدأ يغترف من العربية وآدابها، فكان للشعر النصيب الأوفر من التأثّر بالأدب العربي، لذا نجد أن أغلب خصائص الشعر الفارسي قد أخذتْ من خصائص الشعر العربي من حيث العروض ومن حيث نظام القصيدة، بل وحتى في الأغراض من مدح وهجاء وفخر وغزل وغيرها من الفنون كانت تسير على غرار ما سار عليه الشعر العربي، ويرجع ذلك إلى الثقافة العربية العالية التي ينبغي أن يتثقّف بها الشاعر والكاتب الفارسيّ حتى يُعرف فضله ويذيع صيته، يقول نظامي عروضي (لا يبلغ كلام الكاتب درجة عالية حتى يأخذ من كل علم نصيباً ومن كل أستاذ نكته، ويسمع من كل حكيم لطيفة ويقتبس من كل أدب طرفة، فينبغي أن يعتاد على قراءة كتاب رب العزّة وأحاديث المصطفى وآثار الصحابة وأمثال العرب وكلمات العجم ومطالعة كتب السلف والنظر في صحف الخلف مثل: ترسّل الصاحب بن عبّاد والصابي وقابوس، وألفاظ الحمادي وإمامي وقدامة بن جعفر ومقامات بديع الزمان والحريري وحميد، وتوقيعات البلعي وأحمد بن الحسن ورسائل عبد الحميد. ومن دواوين العرب ديوان المتنبي والابيوري والغزي، ومن شعر العجم الأرزقي ومثنوي الفردوسي ومدائح عنصري[5]) والناظر إلى أشعارهم يدرك إلى أي مدى كان التأثير العربي طاغياً على صورها وأساليبها، يقول محمد غنيمي ( لقد نشأ شعرهم متأثراً بالشعر العربي شكلاً ومضموناً بحيث انتقل نظام القصيدة من العربية إلى الفارسية الدريّة بموسيقاها من التزام قافية واحدة في القصيدة كلها، بموضوعاتها الغنائية من مدح وهجاء وحماسة ووصف وغزل[6]) لذا نجد الكتّاب والشعراء الفرس افتتنوا بأقرانهم العرب وقلّدوهم في أشعارهم، لهذا فلا غرو أن نجد دواوين الشعراء طافحة بالآثار العربية وفنونها الأدبية حتى يبلغ اعجابهم بالعربية حداً جعل البعض منهم يفتخر بحفظ الشعر العربي وإتقانه، قال ذلك منوچهری في قوله[7]:
من بسی دیوان شعر تازیان دارم زبر | تو ندانی خواند الا هبی بصحنک فاصبحینا |
ومعناه: إنني أحفظ كثيرًا من دواوين أشعار العرب
وأنت لا تستطيع قراءة( ألا هبي بصحنك فاصبحينا)
فهو يفتخر بحفظه للكثير من دواوين الشعراء العرب، وقد ضمّن شطرًا من معلقة عمرو بن كلثوم[8]:
ألآ هُبيّ بصحنِك فاصبِحينا | ولا تبقِي خمورَ الأندَرينا |
وفي قصيدة أخرى يفتخر بحفظه أيضاً لأشهر القصائد العربية مضمّناً ذلك في بيت من الشعر يقول فيه[9]:
آنکه گفت: آذنتنا آنکه گفت: الذاهبین | انکه گفت: السیف اصدق انکه گفت: ابلی الهوی |
ومعناه:
ذلك الذي قال: آذنتنا، وذلك الذي قال الذاهبين
وذلك الذي قال: السيف أصدق، وذلك الذي قال: أبلى الهوى
(فآذنتنا) هي مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكري[10]:
آذنتْنا ببينِها أسماءُ | ربّ ثاوٍ يُملُّ منه الثواءُ ث |
و(الذاهبين) من مطلع قصيدة امرئ القيس[11]:
ألا يا عينُ بكّي لي شِنينا | وبكّي لي الملوكَ الذّاهبينَا |
وأما قوله ( السيف أصدق) فهو من مطلع قصيدة أبي تمّام[12]:
السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ | في حده الحدُّ بين الجد واللعبِ |
وأما قوله (أبلى الهوى) فهو من مطلع قصيدة المتنبي[13]:
أبلى الهوى أسفاً يوم النوى بدني | وفرّق الهجرُ بين الجفن والوسن |
وهكذا تم تضمين الأشعار والأمثال العربية والأحاديث النبوية والآيات القرآنية في الشعر الفارسي، وقد كثر هذا التضمين في الشعر الفارسي حتى أصبح أثراً بارزاً من آثار العربية في الشعر الفارسي، وقد قسم بعض الباحثين هذا التضمين إلى نوعين:[14]الأول: تضمين لفظي مباشر، أي أن الشاعر يضمّن البيت أو البيتين أو شطراً من البيت تضميناً حرفيًا كما هو، وأما النوع الثاني فهو التضمين الضمني أو غير الباشر، وهو تضمين معنى البيت، وقد يأخذ الشاعر بعض التشبيهات أو الاستعارات من بعض الشعراء العرب أو يحاكي أسلوبهم ، ومن أمثلة التضمين المعنوي قول الخيام في إحدى رباعياته[15]:
هر ذره که در خاک زمینی بوده است |
پیش از من وتو تاج ونگینی بوده است |
گرد از رخ نازنین به ازرم فشان |
کانهم رخ خوب ونازنین بوده است |
معناها
كل الذرات كانت في التراب
كانت قبل أن أكون أنا وأنت تاج وجوهرة
أزل الغبار عن وجه المحبوب بلطف وحنان
لأنه كان جزءًا من وجه الممدوح الجميل.
هذا الوصف ليس ببعيد عن قول أبي العلاء المعري[16]:
خفّف الوطءَ ما أظنُّ أديم ال ربّ لحدٍ قد صَار لحداً مراراً | أرض إلاّ من هذه الأجسادِ ضاحكاً من تزاحمِ الأضّدادِ |
هذا وقد سار كثير من شعراء الفرس في بناء القصيدة الفارسية على نمط القصائد العربية، فبدؤوا قصائد المدح بالوقوف على الأطلال وبكاء الديار والتغزُّل في المحبوبة ووصف الرحلة إليها وما واجهه فيها من صعاب متطرقاً إلى وصف راحلته والصحراء والوحوش التي قابلته. وهذا هو نهج القصيدة العربية القديمة.
ويعتبر منوچهری من النماذج الفريدة التي يتجلى في شعرها بوضوح الأثر العربي ومدى تأثّر الشعر الفارسي بالشعر العربي وأفكاره وصوره، ففي كل قصيدة له فكرة أخذها أو قافية أو وزن استعارهما أو معاني وألفاظ اقتبسها من الأشعار العربية، كما تتناثر هنا وهناك أسماء لشعراء عرب في أشعاره، يقول[17]:
امرؤ القيس ولبيد وأخطل وأعشى قيس ما همه بر نظم وشعر وقافيه نوحه كنيم | بر طللها نوحه كردندى وبر رسم بلى نه بر اطلال وديار ونه وحوش ونه ظبى |
ویقول أيضاً[18]:
كرم مرزوق گردانی به خدمت | همان گویم که اعشی گفت ودعبل |
معناه:
فإن رزقتني وأنا في خدمتك
قلتُ فيك المدح كما قال الأعشى ودعبل.
وقد تأثر منوچهری بالمعلقات الجاهلية خاصة معلقة امرئ القيس، وقد ظهر تأثره بها في مواضع مختلفة من ديوانه حتى أنه استعار وقائعها لنفسه وكأنّه كان امرؤ القيس عندما عقر للعذارى مطيته، بل إنه استعار اسم عنيزة في احدى قصائده[19].
الوقوف على الأطلال في أشعارهم
على عادة الشعر الجاهلي يبدأ منوچهری بعض قصائده بالغزل والنسيب كما هو الحال في قصيدته التي مطلعها[20]:
الا یا خیمگی خیمه فروهل | که پیشاهنگ پیرون شد ز منزل |
معناه:
ألا أيها الخيام أنزل خيمتك
فقد تقدم دليل القافلة وخرج
ثم تحدث عن فراق محبوبته له وكيف أنه نظر إلى محيط القافلة فلم ير إنسيّاً ولا راكباً ولا راجلاً ولكنّه رأى بجانبه ناقته التي هي كالعفريت الذي قيدت يداه وقدميه بالسلاسل، فحلّ قيودها وركب عليها كعرش بلقيس فقفزت به كالريح مسرعة تطوي الصحاري كما يطوي المساح الأرض، وكانت الصحاري صعبة وباردة يتجمد فيها الدم في الجسد، وأحواض الماء فيها تشبه صحون الثلج، يقول[21]:
چو برگشت از من آن معشوق ممشوق نگه کردم بگرد کاروانگاه نه وحش دیدم انجا ونه انس نجیب خویش را دیدم بیک سو گشادم هر دو زانو بندش از دست نشستم از برش چون عرش بلقیس همی راندم نجیب خویش چون باد چون مساحی پیماید زمین را همی رفتم شتابان در بیابان پیابانی چنان سخت وچنان سرد ز بادش خون همی بفسرد در تن | نهادم صابری را سنگ بر دل بجای خیمه وجای رواحل نه راکب انجا ونه راجل چو دیوی دست وپا اندر سلاسل فرو هشتم هویدش تا به کاهل بجست او چون عفریت هایل همی گفتم که اللهم سهل بپیمودم به پای او مراحل همی کردم بیک منزل دو منزل کزو خارج بناشد هیچ داخل که بادش داشت طبع زهر قاتل |
معناها[22]
- وحين فارقني ذلك المعشوق الممشوق
وضعت حجر الصبر على صدري
- ونظرت إلى محيط القافلة
وإلى مكان الخيمة ومكان الرواحل
- فلا وحشيًا رأيت هناك ولا إنسيًا
ولا راكبا رأيتُ ولا راجل
- لكن رأيت ناقتي بجانبي
كأنها عفريت يده وقدمه مقيدان بالسلاسل
- فحللتُ القيد من ركبتيها الأماميتين
وألقيتُ الهودج على كاهلها
- وركبت عليها كعرش بلقيس
وقفزت مثل عفريت هائل
- وحين سقت ناقتي مثل الريح
قلتُ اللهمّ سهّل
- وطويت بها المراحل
كما يطوي المساح الأرض
- وسرت مسرعًا في الصحراء
وقطعت المنزلين في منزل واحد
- وكانت الصحراء باردة وصعبة
فمن يدخل فيها لا يستطيع الخروج منها
- إذ أنّ من ريحها يتجمد الدم في الجسد
فرياحها لها خاصية السم القاتل
وهكذا يمضي الشاعر في وصف الصحراء وناقته القوية التي استطاع بها اجتياز هذه الصحراء حتى أوصلته إلى ممدوحه، فيمدحه بأبيات هي في مجملها ترجمة لما كان يمدح به الشعراء العرب ملوك بني أمية وبني العباس، يمدحه بالكرم الفياض وبلاغة الكلام والشجاعة وخوف الخصوم منه ساعة الغضب، ثم يطلب منه العطايا الجزيلة لأنه فاضل لا يقصد إلا فاضلًا مثله، وأخيرًا يدعو له بثبات الملك ونفاذ البصيرة.
وفي هذه القصيدة يبدو الأثر العربي جليًّا واضحًا، فهي معان عربية بلغةٍ فارسية.
وقد تطور الوقوف على الأطلال عند الفرس كما عند العرب قبلهم، فوقفوا على الآثار، وفي الوقوف على الآثار -كما يقول محمد غنيمي[23]– طابع عاطفي يشعر فيه الشاعر بمجدٍ غابر، وعزّ دائر، ويأسى لماض خالد، وقد يهرب من حاضره ليستروح في ذلك الماضي، وقد تشوب الوقوف على الآثار روعة الإعجاب أو الرغبة في العظة والاعتبار، ويستتبع وصف الآثار الإشادة بحضارة أهلها، إما لأنهم من بني الوطن أو من أبناء القومية، وإما لما بينهم وبين أبناء القوم من صلات، ويمثل هلال لمثل هذا النوع من الوقوف على الآثار في الشعر العربي بالبحتري ووقوفه على إيوان كسرى بالمدائن في سينيته الشهيرة:
صنتُ نفسي عمّا يدنّسُ نفسي | وترفعتُ عن جَدا كل جِبسِ |
وجعل هلال[24] مثال هذا النوع من الشعر الفارسي قصيدة لخاقاني في إيوان كسرى انوشروان بالمدائن، وهو نفس موضوع قصيدة البحتري السابقة الذكر، وفيها -كما يقول هلال- يستنطق الايوان حكمًا ومواعظ، ويعتبر في موقفه باكيًا على أمجاد الفرس الدائرة.
ويمكن أن نضع مع هذا النوع من القصائد قصيدتي سعدي الشيرازي في رثاء المستعصم والخلافة وبغداد. إحدى القصيدتين فارسية وتبلغ ثمانية وعشرون بيتًا مطلعها[25]:
آسمان را حق بود گر خون بگرید بر زمین | بر زوال ملک مستعصم امیر مؤمنین |
المعنى: للسماء حق إذا بكت دما على وجه الأرض
لزوال ملك المستعصم أمير المؤمنين
والقصيدة الثانية عربية من أطول قصائده، بل لعلها أطولها على الإطلاق سواءً في قصائده العربية أو الفارسية، إذ تبلغ مائة واثنين وعشرين بيتًا، ولعلّه رغب أن يشارك المسلمين كافة شعورهم، فينشدهم قصيدة بلغتهم الدينية المشتركة بينهم، يقول في القصيدة[26]:
حبستُ بدَمعي المدامعَ لا تَجري نسيمُ صَبا بغدادَ بعد خرابِها لأنّ هلاك النّفسِ عند أولي النُهى زجرتُ طبيبًا جسّ نبضي مداويًا لزمتُ اصطباراً حيث كنتُ مفارقاً | فلمّا طغّى الماءُ استطال على السكرِ تمنّيتُ لو كانت تمرّ على قبري أحبُّ له من عيشِ مُنقبضِ الصدر إليك فما شَكواي من مرضٍ تبري وهذا فراقُ لا يعالجُ بالصبر |
وقد أجريت حول هذه القصيدة مجموعة من الدراسات بهدف بيان الأثر العربي فيها وما حوته من تضمينات قرآنية أو شعرية أو من أمثال وأقوال عربية، ومن هذه الدراسات (سعدي الشيرازي وحاضرة الإسلام من خلال قصيدته الرائية في رثاء بغداد) فيروز حريرچی وآخرون[27]، يقرر المؤلفون أن القرآن الكريم من أهمّ المصادر الدينية لقصيدته الرائية وهو المصدر الرئيس للألفاظ والصور الفنية عنده، ومن المفردات التي استعان بها في قصيدته، نجدها في قوله:
ولو كان كسرى في زمان حياته | لقال إلهي اشدد به أزري |
وفي البيت مبالغة واقتباس من قوله تعالى[28](وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31)) والأمثلة كثيرة ومتعددة لا مجال لحصرها، وكان تأثّر سعدي بالحديث النبوي الشريف كتأثره بالقرآن الكريم[29]وانعكس ذلك على أدبه حيث استلهم محتواه ومعناه، فأورده في إشارات وتلميحات حيناً، وبشكل صريح ومباشر أحياناً أخرى، يقول:
وفي الخبر المروي دينُ محمدٍ | يعود غريبا مثل مبتدأ الأمر |
وفيه إشارة صريحة إلى الحديث النبوي الشريف (إنّ الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء[30]).
وذهب الباحثون إلى أنّ الشاعر استخدم موروثه الثقافي العربي الذي اكتسبه من تتلمذه في مدارس البلدان العربية ومراكز تعلمها، وقد تمثل هذا الموروث العربي في الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة والأبيات الشعرية القديمة بألفاظها وأفكارها وصورها وموسيقاها، ويبدو تأثير الثقافة العربية القديمة واضحا في قصيدته باستخدامه لأساليب التعبير العربية كالقسم في قوله:
لعمرك لو عاينتَ ليلة نفرهم | كأنّ العذارى في الدجى شهبٌ تسري |
وكقوله أيضاً:
وما الشعرُ أيمَ اللهِ لستُ بمدّعٍ | ولو كان عندي ما ببابلَ من سحر |
فكلمتا (لعمرك) و(ايم الله) تعبيران عربيان متفردان، ومصدرهما بالنسبة لسعدي هو أفق ثقافته الواسعة في لغة الضاد. وهكذا وقف الباحثون عند كل بيت في القصيدة مرجعين الأساليب والعبارات والاقتباسات العربية إلى أصلها العربي، وهي كثيرة مما يدل على عمق ثقافة سعدي وتعمقه في معرفة الأدب العربي مثله مثل كل الشعراء المتحدثين باللغتين العربية والفارسية.
تأثر الرودكب بأبي نواس في خمرياته
ومن أعظم الشعراء الذين تأثر شعرهم بالآداب العربية وأثروا في غيرهم من شعراء الفرس، الشاعر رودكي سمرقندي. لم يكن رودكي سمرقندي أوّل من نظم الشعر الفارسي على الطريقة العربية في الأدب الفارسيّ الإسلامي ولكنّه أوّل شاعر كبير غنائي في أدب الفرس، وأوّل من اكتمل به معنى هذا الشعر لديهم، وتتلمذ عليه كبار شعراء الفرس الغنائيين الذين أتوا بعده وشهدوا له بالفضل[31]. جاء في مقدمة الديوان (اول شاعری که بعد از اسلام در عجم صاحب دیوان شعر شد او بود. اگرچه پیش ازو ابوالعباس مروزی وابو حفص حکیم سغدی سمرقندی وحنظلة بادغیسی وشهید بلخی اشعار گفته بودند. ولی اشعار رودکی به جهت قدمت وهم بفصاحت از سایرین ممتاز است[32]) فهو أول شاعر من شعراء العجم صاحب ديوان، على الرغم من أنه سُبق إلى قول الشعر، ويمتاز شعره عن سابقيه بالفصاحة والبلاغة.
وكان رودكي على ثقافة عربية واسعة، شأنه في ذلك شأن جميع من أسهموا في نهضة الأدب الفارسي شعره ونثره، فقد كانوا كلهم ذووا لسانين: عربي وفارسي، وقد أظهر هو نبوغا في إقباله على العربية وتعلّمه إيّاها حتى قيل أنّه أتمّ حفظ القرآن في سن الثامنة[33]. فهو في شعره قد تفوق على جميع شعراء عصره، وقد عدّ نفسه ندَّا وقريناً لخمس من كبار الشعر العرب المشهورين: جرير وأبو تمام وحسان وصريع الغواني وسحبان بن زفر الوائلي، يقول[34]:
جز به سزاوار میر گفت ندانم سخن شکوهم که عجز من بنماید | ورچه جریرم به شعر وطایی وحسان ورچه صریعم وابا فصاحت سحبان |
معناه: – لا أعرف قولاً إلاّ بما يليق بالأمير
على الرغم من أنني في الشعر جرير والطايي وحسان
- وإنني لفي وجل عظيم من أن يتضح أمري
على الرغم من أنني كصريع الغواني وأبا الفصاحة سحبان
وللرودكي أشعار كثيرة تأثّر فيها بالشعر العربي من حيث الشكل والمضمون في المدح والوصف وغيرها، إلاّ أنّه اشتهر بالخمريات التي جارى بها خمريات أبي نواس وأشعاره، وتعدّ خمريات أبي نواس مصدراً لخمريات الرودكي في كثير من الأحيان حيث يعنى بتوصيف الخمر وتوليدها ويسوق دقائق صنعها، وكان أبو نواس أوّل من عنى بتصوير هذه المعاني الدقيقة في الخمريات وأشهر من وصفوها، يقول هلال[35]🙁 تدلنا القرائن التاريخية على أن الرودكي- وهو رائد هذا المجال في الأدب الفارسي- لابد أن يكون قد اعتمد على أبي نواس في الموضوعات والمعاني حين ارتاد هذا الميدان في تغنيه بالخمر، ولا يتلاقى الشاعران في التغني بالخمر بعامة، ولا في تحديد آداب الشراب ونوع النظرة إلى شرابها وكفى، بل في موضوع توالد الخمر وصنعها وفي كثير من تفصيلات المعاني في هذا الموضوع مما يؤيد تأثّر الرودكي بشاعر العرب) ولنضرب مثالاً لكلا الشاعرين نبيّن من خلاله التلاقي في الأفكار بينهما، يقول أبو نواس في إحدى خمرياته[36]:
لنا خمرٌ وليس بخمر نخلٍ كرائم في السماء زهينَ طولاً | ولكن من نتاج الباسقات ففات ثمارُها أيدي الجُنات | ||
بدا الياقوت وانتسبت إليه فضُمّن صفوُ ما يجنون منها وقلت استعجلوا فاستعجلوها ذوائبُ أمُّها جُعلت سياطاً فولدت السياط لها هديرا نسجتُ لها عمائمَ من تراب فلما قيل قد بلغت كشفنا الـــــ | بحمرٍ أو بصفرٍ فاقعات خوابي كالرجال مقيّرات بضرب بالسياط محدرجات تُحثُ فما تَنَاهى ضاربات كترجيع الفحول الهادرات وماءٍ محكمات موثقات عمائم عن وجوه مشرقات |
هذه الأبيات والمعاني التي تضمنتها هي واحدة من مصادر الروكي ومرجعياته لمّا وصف الخمر وطريقة تكونها، ولا بد أن يكون قد قرأها وفقه معناها جيداً، ويعد أبو نواس أوّل من تكلم عن تولد الخمر في الشعر العربي، وتأثر الرودكي به في أشهر خمرياته.
ومن أشهر خمريات الرودكي قصيدته (مادر مى) أي (أم الخمر) يقول فيها[37]:
مادر می را بکرد باید قربان بچهٔ او را ازو گرفت ندانی جز که نباشد حلال دور بکردن تا نخورد شیر هفت مه به تمامی آن گه شاید ز روی دین و ره داد چون بسپاری به حبس بچهٔ او را باز چو آید به هوش و حال ببیند زر بر آتش کجا بخواهی پالود | بچهٔ او را گرفت و کرد به زندان تاش نکویی نخست و زو نکشی جان بچهٔ کوچک ز شیر مادر و پستان از سر اردیبهشت تا بن آبان بچه به زندان تنگ و مادر قربان هفت شباروز خیره ماند و حیران جوش بر آرد، بنالد از دل سوزان جوشد، لیکن ز غم نجوشد چندان ؟ | ||
باز به کردار اشتری که بود مست مرد حرس کفکهاش پاک بگیرد چون بنشیند تمام و صافی گردد چند ازو سرخ چون عقیق یمانی ورش ببویی، گمان بری که گل سرخ هم به خم اندر همی گدازد چونین آن گه اگر نیم شب درش بگشایی ور به بلور اندرون ببینی گویی: وانک به شادی یکی قدح بخورد زوی انده ده ساله را به طنجه براند | کفک بر آرد ز خشم و راند سلطان تا بشود تیرگیش و گردد رخشان گونهٔ یاقوت سرخ گیرد و مرجان چند ازو لعل چون نگین بدخشان بوی بدو داد و مشک و عنبر با بان تا به گه نوبهار و نیمهٔ نیسان چشمهٔ خورشید را ببینی تابان گوهر سرخست به کف موسی عمران رنج نبیند از آن فراز و نه احزان شادی نو را ز ری بیارد و عمان |
وترجمة الأبيات كالآتي:
- يجب جعل أم الخمر قرباناً ++ وانتزع وليدها وايداعه السجن
- إنك لن تستطيع انتزاع وليدها منها ++ ما لم تذقه أولاً
- وإن لم يكن حلالاً ابعاد ++ الصغير عن ثدي الأم ولبنها
- حتى يفطم عن درّها سبعة أشهر بتمامها ++ من أول أبريل حتى آخر أكتوبر
- بعد ذلك ينبغي عدلا وديناً ++ أن يقرّب الابن – في مضيق السجن- من الأم
- فحين تودع أنت صغيرها حبيساً ++ يبقى سبعة أيام ولياليها فاقدا الوعي حيران
- وحين يعود لوعيه فيرى من جديد ++ ينهض منتحيا من قلب محترق
- إنّه ذهبٌ فوق النار فكيف تريد تطهيره ++ ولنّه من غيظ يغلي شديدا
- وكأنّه مثل بعير كان ثملا++ فعلا حلقومه هدير يسوقه سلطان الغضب
- فينظفه الحارث من رغاء هديره ++ ويزيل كدرته فيصير متلألئاً
- فإذا استقرّ وصار صافياً ++ اتخذ لون الياقوت الأحمر والمرجان
- فبعضه أحمر كالعقيق اليماني ++ وبعضه الآخر ياقوتي كخاتم مجلوب من بدخشان
- ولو تشم رائحته تظن أن الورد الأحمر ++ وهبه الرائحة وكذلك المسك والعنبر والبان
- وقد يُترك كذلك في أحشاء الدن ++ حتى فصل الربيع ومنتصف أبريل
- وحينئذ لو تفتح بابه منتصف الليل ++ فإنّك ترى عين الشمس مشرقة
- ولو تراه في فنينة بلورية تقول ++ إنه الجوهر الأحمر في كف موسى بن عمران
- ولو يشرب من شخص قدحاً في سرور ++ فلن ير الآلام والأحزان بعد ذلك
- وينتزع منك هم عشرة سنين في لحظة ++ ويجلب لك السرور من الري أو عمان
وفي الأبيات السابقة دقة في تتبع تولد الخمر، وتفصيل ما تمر به من مراحل، يتأثر فيها كثيراً بتشبيهات أبي نواس وصوره.
هذا وفي ديوان منوجهر الكثير الكثير من الأشعار الخمرية التي يمكن بيان تأثرها بخمريات الشعر العربي في العصر الجاهلي والعصور التي تلته، علق صاحب الديوان على أبيات له يقول فيها[38]:
ازاده رفیقان منا من چو بمیرم از دانهٔ انگور بسازید حنوطم در سایهٔ رز اندر، گوری بکنیدم | از سرخترین باده بشویید تن من وز برگ رز سبز ردا و کفن من تا نیکترین جایی باشد وطن من |
معنى الأبيات:
- يا رفاقي الأحرار عندما أموت
غسلوا جسدي بالخمر الحمراء
- واجعلوا حنوطي من حبات العنب
واجعلوا ردائي وكفني من ورق العنب لأخضر
- واحفروا قبري في ظل كرمة العنب
حتى يكون موطني أطيب الأماكن
يقول محقق الديوان: هذه القطعة مأخوذة بتمامها من أشعار العرب، وهذا المضمون نجده أولاً في شعر أبي محجن الثقفي في أبيات نقلها ابن عبد ربه في كتابه يقول فيها:
إذا مِتُّ فادفنّي إلى ظل كرمةٍ ولا تدفنني في الفلاة فأنّني | تروّي عظامي بعد موتي عروقُها أخاف إذا ما متُّ ألاّ أذوقها |
وفي هذا المعنى يقول التنوخي:
وإذا مِتّ اسطحانِي وافرشَا واقطَعا لي كفنًا من زقّها وادفنانِي يا نديميّ إلى ليظل الفرع مني ظاهراً | من غصونِ الكَرم تَحتي فِراشا وانفُخا من عليه وارْشُشَا أصل كرمٍ فرعُه قد عرَشا ويروي الأصلَ مني العطشا[39] |
فالشاعر منوجهري في أبياته حريصاً على ملازمة الخمر وأسبابه حتى بعد موته، فأوصى أن يغسل بها، وأن يجعل حنوطه من العنب التي تصنع منه، ثم يدفن في ظلها. وهذا المعني موجود في بيتي أبي محجن وأبيات التنوخي، ولا شك أنّ منوجهري اطلع على هذه الأشعار وأشباهها.
الخاتمة
- نشأ الشعر الفارسيّ متأثراً بالشعر العربيّ شكلاً ومضموناً بحيث انتقل نظام القصيدة من العربيّة إلى الفارسية.
- تثقف الشعراء الفرس بثقافة عربيّة واسعة مكّنتهم من تقليد الشعراء العرب في شعرهم وموضوعاته، فأغلب خصائص الشعر الفارسيّ أخذت من خصائص الشعر العربيّ كنظام القصيدة والعروض والاقفية، بل حتى الأغراض من مدح وهجاء وفخر وغزل وغيرها من الفنون كانت تسير على غرار ما سار عليه الشعر العربي.
- تأثر الشعراء الفرس في أشعارهم بمقدمات الأشعار العربية، فوقفوا على الأطلال وبكوها، ووصفوا الصحاري ومشقّة عبورها، ووصفوا رواحلهم التي توصلهم إلى مموحيهم.
- قلّد الشعراء الفرس في وصفهم الخمر أبا نواس وغيره من شعراء العربية، فوصفوا مجالسها والاستمتاع بشربها، ووصفوها هي وتتبعوا تولدها ومراحل تكوينها.
- تم تضمين الأشعار والأمثال العربية والأحاديث النبويّة والآيات القرآنية في الشعر الفارسيّ، وقد كثر هذا التضمين حتى أصبح أثراً بارزاً من آثار العربية في الشعر الفارسيّ
المصادر والمراجع العربية
- الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ط10، 2009م
- دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، بدون ط
- سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ط2 1395 هـ – 1975
- فنون الشعر الفارسي، اسعاد عبدالهادي، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، ط2 1981م
الدواوين الشعرية
- ديوان عمرو بن كلثوم، تحقيق أميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط2 1996م
- ديوان الحارث بن حلّزة، تحقيق اميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط1 1991م
- ديوان إمرئ القيس، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة، ط5
- ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي.
- رباعيات عمر الخيام، تعريب السيد أحمد الصافي النجفي
- سقط الزند، أبو العلاء المعري، دار صادر للطباعة والنشر 1975م
- شرح ديوان أبي لطيب المتنبي لأبي العلاء المعري (معجز أحمد)،تحقيق عبدالجبار دياب، دار المعارف ط2 1992م.
- ديوان منوجهري، ترجمة وتعليق محمد نور الدين عبدالمنعم، ط1 2002م المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة،
المجلات والدوريات
- الاقتباس والتضمين في الشعر الفارس، حسين مزهر حمادي، مجلة دراسات إيرانية، العدد(8-9)
- مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، أكاديمية العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، السنة الخامسة عشر، العدد الأول 1433ه.ق
- سعدي الشيرازي وحاضرة الإسلام من خلال قصيدته الرائية في رثاء بغداد، فيروز حريرجي وآخرون، مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، أكاديمية العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، السنة الخامسة عشر، العدد الأول 1433ه.ق ص41-62
- نشأة الشعر الفارسي الإسلامي، إبراهيم أمين الشواربي، بحث مستخرج من مجلة كلية الأداب، جامعة القاهرة العدد الثامن، المجلد الأول مايو 1946.
المصادر والمراجع الفارسية
- چهار مقاله. احمد بن عمر بن علي نظامی عروضی سمرقندي، بتصحيح محمد غزويني، به كوشش محمد معين، انتشارات ارمغان، چاب اول
- سبك شناسى يا تاريخ تطور نر فارسى، محمد تقي بهار، چاب 4( تهران موسسه انتشارات امیر 1321ه.ش
- كليات سعدي (مصلح الدين سعدي) بتصحيح محمد علي فوغي، انتشارات هرمس، چاب اول 1385ه
- لباب الألباب، محمد عوفي به اهتمام ادور براون انگلیسی. مطبعة بربل، لندن
الدواوين الشعرية
- ديوان رودكي سمرقندي، نسخه سعيد نفيسى بر اساس براگینسکی چاب اول 1373
- دیوان منوچهری دامغاني، بكوشش دكتر محمد دبير سياقي، تهران، چاب سوم 1327ه خورشیدی
[1]– نشأة الشعر الفارسي الإسلامي، إبراهيم أمين الشواربي، بحث مستخرج من مجلة كلية الأداب، جامعة القاهرة العدد الثامن، المجلد الأول مايو 1946.
[2]– فنون الشعر الفارسي، اسعاد عبدالهادي، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، ط2 1981م، ص17
[3] – سبك شناسى يا تاريخ تطور نر فارسى، محمد تقي بهار، چاب 4( تهران موسسه انتشارات امیر 1321ه.ش ج2 ص57
[4] – لباب الألباب، محمد عوفي به اهتمام ادور براون انگلیسی. مطبعة بربل، لندن.ج1 ص20
[5] – چهار مقاله. احمد بن عمر بن علي نظامی عروضی سمرقندي، بتصحيح محمد غزويني، به كوشش محمد معين، انتشارات ارمغان، چاب اول ص22
[6] – الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ط10، 2009م، ص288
[7] – دیوان منوچهری دامغاني، بكوشش دكتر محمد دبير سياقي، تهران، چاب سوم 1327ه خورشیدی ص81
[8] – ديوان عمرو بن كلثوم، تحقيق أميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط2 1996م ص 64
[9] – دیوان منوچهری فارسی ص
[10] – ديوان الحارث بن حلّزة، تحقيق اميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي، بيروت ط1 1991م ص19
[11] – ديوان إمرئ القيس، تحقيق: محمد أبوالفضل إبراهيم، دار المعارف القاهرة، ط5 ص200
[12] – ديوان أبي تمام بشرح الخطيب التبريزي، تحقيق محمد عبده عزام، دار المعارف ط5، ص40
[13] – شرح ديوان أبي لطيب المتنبي لأبي العلاء المعري (معجز أحمد)،تحقيق عبدالجبار دياب، دار المعارف ط2 1992م، ص9
[14] – الاقتباس والتضمين في الشعر الفارس، حسين مزهر حمادي، مجلة دراسات إيرانية، العدد(8-9) ص164
[15] – رباعيات عمر الخيام، تعريب السيد أحمد الصافي النجفي ص1
[16] – سقط الزند، أبو العلاء المعري، دار صادر للطباعة والنشر 1975م ص7
[17] – ديوان منوچهری دامغانی ص 140
[18] – ديوان منوچهری دامغانی ص58
[19] – مقدمة ديوان منوجهري، ترجمة وتعليق محمد نور الدين عبدالمنعم، ط1 2002م المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ص6، والبيت هو:
عنیزه برفت از تو وکرد منزل به مقراط وسقط اللوی وعقیقا.
وفي البيت أسماء أمكنة مستعارة من بيت امرئ القيس:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
[20] – ديون منوچهری دامغاني، فارسي ص53
[21] – ديون منوچهری دامغاني، فارسي ص55
[22] – ترجمة هذه الأبيات مأخوذة من ديوان منوجهر النسخة العربية ص141 وتتميز هذه النسخة بعدم ذكر الأصل الفارسي
[23] – الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال ص160
[24] – الأدب المقارن، محمد غنيمي هلال ص 163، لم يذكر محمد غنيمي أبياتا منها، ولم أجد الديوان الفارسي للاطلاع عليها.
[25] – كليات سعدي (مصلح الدين سعدي) بتصحيح محمد علي فوغي، انتشارات هرمس، چاب اول 1385ه ص983
[26] – كليات سعدي ص1139
[27] – مجلة آفاق الحضارة الإسلامية، أكاديمية العلوم الإنسانية والدراسات الثقافية، السنة الخامسة عشر، العدد الأول 1433ه.ق ص41-62
[28]– سورة طه
[29] – المرجع السابق ص48
[30] – سنن الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى (المتوفى: 279هـ)، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ط2 1395 هـ – 1975 م، ج5 ص18.
[31] – دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، محمد غنيمي هلال، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، بدون ط ص170
[32] – ديوان رودكي سمرقندي، نسخه سعيد نفيسى بر اساس براگینسکی چاب اول 1373 ص22
[33]– دراسات ونماذج في مذاهب الشعر ونقده، محمد غنيمي هلال، ص171
[34] – ديوان رودكي سمرقندي ص103
[35] – دراسات ونماذج ص178
[36] الديوان أبي نواس، دار صادر بيروت ص118
[37] – ديوان رودكي سمرقندي ص98
[38] – ديوان منوچهری – فارسی ص69
[39] – ديوان منوچهری – فارسی ص250