حداثة التّواصل: التّفعيل السّيميائيّ للنّصوص في ضوء نظريّة التّلقّي سلطة النّص أم سلطة القارئ/المتلقّي
The semiotic activation of texts in the light of the Theory of Reception, the authority of the text or the authority of the reader
أ/أسماء الصّمايريّة- المعهد العالي للإنسانيّات ـ جامعة قفصة ـ تونس
Asma Essmairiaـ The Higher Institue of Applied Stadies in Humanities of Gafsa ـTunis
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 70 الصفحة 37.
Abstract:
The relationship of the reader with the text has been controversial among critical analysts and researchers. Hence, attitudes were multiple and varied to a large extent. The Reception Theory, which dealt with these two poles (the reader / text), heralded an important shift in the hegemonic perceptions of them. So, it established a new vision that offers a semiotic relationship that combines the reader and the “read text”; a relationship in which each part seconds the other in some way, from which each derives its being and even its value. So, we opted for discussing the modernity of communication: the semiotic activation of texts in the light of the Theory of Reception, the authority of the text or the authority of the reader/ receiver to establish a new method of understanding and reading that reviews the meaning and depth of literary work through a set of mechanisms and strategies that go beyond ready-made-ness; a method that is based on a semiotic activation in which the reader and the text are unite. Thus, the authority of the text functions effectively through its contact with the authority of the reader, and it is involved in a strategy or planning that reflects the analytical system that enabled the reader to diagnose the paths leading to the semiosis. This represents an internal reflection of the structures of the text that played a great inspiring role in enticing the reader.
Keywords: text, reader, semiotic, Reception Theory, authority.
ملخّص:
شكلت علاقة القارئ بالنّص مركز تجاذب بين الدّراسات والبحوث النّقدية، فتعدّدت بخصوصها الآراء وتباينت إلى حدّ بعيد، وتعدّ نظريّة التّلقّي التي تعاملت مع هذين القطبين (القارئ /النّص) إيذانا بتحوّل جديد في التصورات السائدة حولهما، حيث أرست رؤية جديدة تحيلنا على علاقة سيميائيّة تجمع القارئ بالنّص المقروء، علاقة يكون فيها كلّ طرف داعما للآخر بشكل ما، يستمدّ منه وجوده بل وقيمته. من هنا، جاء تخيّرنا لمبحث حداثة التواصل: التفعيل السيميائي للنصوص في ضوء نظرية التلقي، سلطة النّص أم سلطة القارئ/المتلقي ليرسي طريقة جديدة في الفهم والقراءة تمهّد لإعادة النّظر في معنى العمل الأدبي وعمقه عبر جملة من الآليّات والاستراتيجيّات التي تتجاوز الجاهزيّات، طريقة تقوم على تفعيل سيميائيّ يتّحد فيه القارئ والنّص معًا، فتؤدّي سلطة النّص وظيفتها أداء فاعلا عبر التقائها بسلطة القارئ وتنخرط ضمن خطّة أو تخطيط يعكس المنظومة التّحليليّة التي مكّنت القارئ من تشخيص المسالك والدّروب المؤدّية إلى السّيميوزيس الذي يمثّل انعكاسا داخليّا لمركّبات النّصّ التي لعبت دورا إيحائيّا كبيرا في جذب القارئ.
الكلمات المفاتيح: النّص، القارئ، السيميائي، نظريّة التّلقّي، سلطة.
مقدّمة:
ننـطلق، في معالجة هذه المسألة، من بعض الدراسات والبحوث المعاصرة حول التلقّي الذي عـرف تطوّرا خاصة مع نظريّة التّلقّي التي بدأت بالتّبلور في أواخر السّتّينات، ومثّلت ثورة حقيقية على مختلف الاتّجاهات النقديّة التي سعت إلى الاهتمام بدور المتلقّي في العمليّة الإبداعية إلا أنّهـا وسمت بالقصور لأنّها لم تعتبره (القارئ) بؤرة استقصاء تتمحور حوله كل عناصر النّص[1].
وإنّ المتمعّن في الدّراسات النّقديّة الغربيّة يجد أنّ من أهمّ الطّروحات التي فرضت نفسها بقوّة، وشكّلت نقطة تحوّل حاسمة هدمت سلطة المؤلّف ونفثت في النّقد الأدبي حياة جديدة أحدثت فيه تغييرا جذريّا، هي العلاقة بين النّص والقارئ، تــحــوّل تـزامن مع تـطوّر المناهج النّقديّة، خاصّة ما بعد البنيوية وظهور التّفكيكيّة والتأويليّة والسّيــميائيّة…التي حملت بديلا في تعاملها مع النّصوص مفاده أنّ إنتاج المعنى مرتبط بتفاعل تأويليّ بين النّص والقارئ.
وقد رأينا أن نجري في هذا المقال، دراسة لقضيّـة التّلقّي انطلاقا من مدرسة كونستانس الألمانيّة، وسيكون تركيزنا على ولفغانغ ايزر “(” VOL- GAGENE IZER) و”هانز روبيرت ياوس”(HANZ – ROBERT JAOUS) اللذين أوليا أهميّة كبرى للقارئ في علاقته بالنّص، وأسّسا فعليّا لنظريّة التّلقّي، لننظر في مفاهيمها الإجرائية التي وضعاها في محاولة لبناء تصوّر جديد للعمليّة الإبداعيّة، ونتبيّن كيف يتمّ تفعيل النّصوص سيميائيّا في ضوء هذه النّظريّة والنظر فيها من خلال مقدّمة كتاب كليلة ودمنة لابن المقفع، تلك المقدّمة التي اهتمّت بالنّص والقارئ وبطريقة التّلقّي، والتي حاول من خلالها ابن المقفّع وضع القارئ في مساره الصحيح قبل قراءة الكتاب، وإنّ اهتمامنا بالمقدّمة علاوة على ما ذكرناه يعود إلى أنّ المقدّمة “بوصلة موجّهة يهتدي بواسطتها القارئ إلى القراءة الجيّدة التي تجنّبه كلّ شطط في التأويل والتّقدير”[2].
1-نـظريّة التّلقّي:
إنّ العمل الأدبي، أوّلا وقبل كلّ شيء، خطاب لغويّ يقوم على حركة تفاعليّة بين ثلاثة أطراف (المؤلّف-النّصّ-القارئ) مثّلت كلّ منها مرحلة من مراحل نظريّة الأدب في مسارها التّطوّريّ، فكانت كلّ مرحلة تؤكّد أهمّيّة جانب على حساب الجوانب الأخرى:
المؤلّف: منشئ النّص ومبدعه، جعلته المناهج السّياقيّة (التاريخي-الاجتماعي-النّفسي) في قمّة اهتماماتها، واعتبرته العنصر الوحيد الفاعل. ودعت إلى الإلمام بالمرجعيّات الخارجيّة التي تحيط بحياة المؤلّف وظروفه الاجتماعيّة والنفسيّة.
النّصّ: اهتمّت به المناهج البنيويّة وهي مناهج داخليّة، دعت إلى التّحليل المحايث للنّص. تحليل يفتح النّصّ على نفسه ويغلقه أمام المرجعيات الخارجية، حين أُعلن عن موت المؤلّف(رولان بارت).
المتلقّي/القارئ: حظي مع نظريّة التّلقّي بمكانة جعلت منه طرفا منتجا للمعنى في النّصوص.
ونستطيع تلخيص هذه المراحل التطوّريّة للنّظريّة الأدبية في القول الآتي “وبذلك نجد أنّ العمر المنهجي الحديث ينطوي على ثلاث لحظات: لحظة المؤلّف، وتمثّلت في نقد القرن التاسع عشر التاريخي، النّفسي، والاجتماعي…ثم لحظة النّص التي جسدها النّقد البنائي في الستّينات من هذا القرن، وأخيرا لحظة القارئ أو المتلقّي كما في اتجاهات ما بعد البنيوية، ولا سيّما نظريّة التّلقّي في السّبعينات منه”[3].
جاء في أبسط تعريفات نظرية التّلقّي أنّها نظريّة يتمّ فيها تبئير الفعل النّقديّ على المتلقّي الذي تناسته مختلف المذاهب التي تناولت العمل الأدبي، والتي انصبّ جام اهتمامها على المؤلف الخالق والمنشئ للنّصّ والمبدع له، فعلى الرغم من أهميّة إسهاماتها في المجال الأدبي إلا أنّها درست النّصوص بعيون مؤلّفيها، وانحصرت في نطاق تصوّراتهم. لقد قلبت هذه النظرية كافة موازين العملية النّقديّة، وجاءت لتؤسس قراءة مختلفة ترتكز على إضافة عناصر جديدة تساهم في الكشف عن دلالات جوهريّة عند تأويل نصّ ما، دعامتها الأساسيّة هو المتلقّي. فكانت أهمّ نقطة قامت بها هي التّحوّل من المؤلّف-النّص، إلـى المتلقّي-النّص، ويرى حسن البنّا أنّ نظريّة التّلقي تُعَدُّ فرعًا من الدّراسات الأدبية الحديثة المهتمّة بالطّرق التّي يتمّ بها استقبال الأعمال الأدبيّة من قِبل القُرّاء “بدلا من الترّكيز التّقليدي على عمليّة إنتاج النّصوص أو فحصها في حدّ ذاته.”[4] تُعزى هذه النّظريّة إلى كـلّ من ولفغانغ ايزر و”هانز روبيرت ياوس” قطبا مدرسة كونستانس الألمانيّة l’ école de constance التي سلّطت الضوء على المتلقّي بوصفه أحد أهمّ عناصر العمليّة الإبداعية، وقرنت الإبداع بالتّلازم بين النّصّ والمتلقّي، معتمدة على مجموعة من المفاهيم الإجرائية.
2-النّص والمتلقّي والقراءة:
اتّجه النّقد الجديد خاصّة مع نظريّة التّلقّي إلى خلق معادلة أدبية جديدة في علاقة النّصّ الأدبيّ بالمتلقّي، وإنّ الباحث في مختلف النّظريّات المدافعة عن المتلقّي يلحظ اتّفاقها حول أمرين: أوّلا، نبذ المتلقّي التّقليدي السّلبيّ الذي لا يعدو أن يكون متقبّلا لنصّ جاهز، وإعادة مركزته، وإعطائه دورا في عمليّة بناء النّصّ سيميائيّا أي أن يكون طرفا مشاركا في بناء المعنى. ثانيا، أنّ النّص لا يحمل معنى جاهزا مكتملا، بقدر ما هو مليء بالثّغرات والبياضات التي على القارئ استنطاقها حتى يكشف المسكوت عنه، فتنبني العلاقة بين النّص والقارئ على أساس من الجدليّة المستمرّة.
وقد سعى كلّ من “ايزر”[5] و”ياوس”[6] إلى محاولة إقامة نظريّة تُعنى بدراسة هذه العلاقة، وجعلت من القارئ شريكا رئيسا في العمليّة الإبداعيّة. ويرى “ايزر” ضمن كتابه وفي إطار دفاعه عن مكانة المتلقّي أنّ “العمل الأدبي له قطبين القطب الفنّيّ يتعلّق بالنّص الذي أنتجه الكاتب، بينما القطب الجمالي يتعلّق بالتّحقّق على مستوى القارئ…إنّ موقع العمل الأدبي هو النّقطة التي يلتقي فيها النّصّ والقارئ”[7]، معنى هذا أنّ لا حدود تفصل القارئ عن النّص فهما قطبان متداخلان متلاحمان والعلاقة بينهما “علاقة حوار وتداخل وتفاعل فلا يمكن الفصل بين فهمنا للنّص وبين النّصّ ذاته”[8].
أ-فاعليّة النّص من فاعليّة المتلقّي:
إنّ عمليّة التّلقّي لا تتّصل بالقارئ فحسب وإنّما أيضا ترتبط بالنّصّ ومبدعه. يتضمّن كلّ نصّ استراتيجيّات نصّيّة (Des stratégies textuelles) التي تعني مجموعة من القوانين التي تؤطّر عمليّة التّواصل بين المتن والقارئ، فتضبط موضوع النّصّ، إنّها “المسؤولة عن كيفية توزيع وترتيب عناصر السجلّ على النّسيج النّصّي، وبالتّالي على ضوئها يتحدّد النّصّ في بنائه وشكله الخاصّ”[9] ويقصد بالسّجل مجمل الإحالات الضّروريّة إلى كلّ ما يسبق النّص من نصوص أخرى. ومن ثمّ، يرتكز فهم القارئ على تدبّر بُناه المختلفة، واستكناه الغامض فيه وسبر العميق من الدّلالات عبر استقراء الرّموز والعلامات ، فينتقل القارئ من المتقبّل السّلبيّ إلى المنتج لدلالات النّصّ.
ولا بدّ في هذا المستوى من الإشارة إلى مصطلح ظهر في النّقد الأنجلوساكسوني الذي عرف أيضا بـ”نقد استجابة القارئ” (Raeder response critisme reception) بهذا يصبح التّلقّي رديف الاستجابة (الاستجابة للنّصّ) هذا المصطلح الذي ظهر في مقال لعبد القادر المومني حين ذهب إلى أنّ النّصوص هي المسؤولة عن مدى تفاعل القارئ إذ أنّها تتفاوت “في استفزاز القارئ لمباشرة القراءة، وأيضا مصطلح “التجاوب”[10] الذي ظهر مع “إيزر” وهذا ما يحيلنا على القول بتفاوت القراءة والاستجابة للنّص المقروء، ونركّز على القارئ بوصفه منتجا للنّص، قادرا على إعادة كتابته وهو توكيد يمثّل أحد الاتّجاهات البارزة في النّقد الغربي المعاصر”[11]. إنّ العمل الأدبيّ يحيا عندما يكون فعّالا، وإنّ المتلقّي هو الذي يقوم بهذا التّفعيل النّصّي، ودرجة تفاعله وتجاوبه هي ما يحكم على نصّ إمّا بالموت أو بالحياة والاستمرار، ونجد أنّ بارت قد صنّف فعل القراءة حسب تفاعل المتلقي مع النّص إلى صنفين:
-القراءة الاستهلاكيّة: التي لا توجد فيها إضافة ولا يعمل فيها القارئ ذهنه، وتكون غايته القصوى من ورائها الوصول إلى دلالة النّص المعطاة.
-القراءة المنتجة: وهي قراءة يقتحم فيها القارئ عمق النّص ويؤوله تأويلا منتجا لدلالات جديدة تعيد تشكيل النّص وفق منظور القارئ، إنّها قراءة عارفة بعبارة رشيد بن حدو[12] تعطي للنّص معان جديدة. من هنا يمكن القول إنّ مهمة القارئ أصبحت أكثر تعقيدا ولم تعد بالبساطة التي كانت عليها من قبل، مثلما أنّ القارئ ذاته قد تغيّر، وتحوّل من قارئ مُفرغ إلى آخر بكفاءات ذهنية ومعارف واسعة، وتحوّل النّص من وعاء تصبّ فيه أفكار معطاة إلى فضاء يستحقّ المساءلة والبحث والتّدبّر والتأويل.
وكان “إيزر” قد تحدّث عن “الأثر الإستيطيقي أو الجمالي الذي يحدثه النّصّ فيؤثّر في قدرة القارئ على التّمثّل والاستيعاب. وقد وضعت نظرية التّلقي مجموعة من الإجراءات التّحليليّة التي تمّ بواسطتها رصد مدى فاعليّة القارئ في تعامله مع النّص وهي كالآتي:
-أفق الانتظار (التّوقّع): (HORIZONS D’ATTENTE):
يُعدّ هذا المفهوم أساس نظرية التّلقّي، وقد أخذ “ياوس” مفهوم “الافق” من “غادامير (Gadamier) وأضاف إليه “الانتظار” الذي أخذه من مفهوم “خيبة الانتظار” عند “كارل بوبر (Karl.R.Popper) ويعني أفق التّوقّع/الانتظار الأثر الذي يتركه العمل الأدبيّ في القارئ، وهو أيضا التّقبّل المسبق الذي يتحدّد في إطار مجموعة من المرجعيّات الفكريّة والفنّيّة. بهذا يكون “ياوس” قد ربط بين “الجنس الأدبي وما سبقه من قوانين تتمثّل فيما يطلق عليه التّراث أو التقاليد السائدة التي تشكل لدى القارئ أفق توقّعاته”[13] إنّ مباشرة القارئ لنصّ جديد يستدعي جملة من الأعمال السابقة له التي تهيّئه ذهنيا إلى تقبّله فيقيس (القارئ) مدى انتماء النّص المقروء ومطابقته للنّماذج السابقة التي استحضرها أو انحرافه وخروجه عنها، فيكون هذا التّحكيم معيارا لتبيّن قيمة ذاك العمل. ويتحقّق رضا القارئ متى ما تماشى النّصّ مع ما خمّن له مسبقا. ويرى “”ياوس” أنّ هذا الصّنف من الأعمال لا يحقّق فائدة لأنّ طاقاته الإبداعية مستهلكة والقارئ أدركها قبل أن ينظر في محتواه. وأنّ الجماليّة عنده لا تتحقّق إلا متى خيّب العمل أفق انتظار القارئ وشوّش ذهنه وأثار دهشته بل وأصابه بالصّدمة، الصّدمة مما لم يتوقّعه. كما أنّ انفتاح النّص على نصوص أخرى مثلما بيّنت ذلك “جوليا كريستيفا” حين ذهبت إلى أنّ “النّص الأدبي خطاب يخترق حاليّا وجه العلم والإيديولوجيا والسّياسة ويتطلّع لمواجهتها وفتحها وإعادة سهرها(!)، ومن حيث هو خطاب متعدّد، ومتعدّد اللسان أحيانا، متعدّد الأصوات غالبا”[14] يفتح أفق التّأويل فيه ويجعله قابلا لتأويلات عديدة تطرح وجهات نظر متنوّعة في قراءته. ويذهب سعيد يقطين إلى أنّ “جزءا من نصّيّة النّص تتجلّى من خلال “التّناصّ” كممارسة تبرز عبرها قدرة الكاتب على التّفاعل مع نصوص غيره من الكتاب وعلى إنتاجه لنصّ جدي، هذه القدرة التي لا تتأتّى إلا بامتلاء خلفيّته النّصيّة بما تراكم قبله من تجارب نصيّة وقدرته على تحويل تلك الخلفية إلى تجربة جديدة قابلة لأن تسهم في التّراكم النّصي القابل للتحويل والاستمرار بشكل دائم”[15] تلك التراكمات والتّجارب هي سلاح القارئ وزاده في مباشرته لنصّ ما.
-المسافة الجماليّة: ( Distance Esthétique):
تنبّه “ياوس” إلى أنّ القارئ يتعامل مع النّص انطلاقا من عتاد ثقافي ومعرفي مخزّن في ذهنه، يوظّفه في مساره نحو إدراك المعنى والبحث في ما لم يُقل صراحة. من هنا، اعتبر “ياوس” أنّ الجهد الذي يبذله المتلقي، والطّرق التي يسلكها للبحث عن المعاني المبثوثة في عمق النّصّ وكشفها هي ما يمكن تسميته بـ”المسافة الجماليّة” التي تعكس الفرق بين ظاهر النّص وأفق انتظاره، إنّ قيمة العمل الأدبي تظهر متى طالت الدّروب التي يسلكها المتلقّي وهو يدقّ أبواب المعنى، لأنّ النّص متى ما وضع معانيه في السطح ، ومتى ما أغلق باب المساءلة والبحث فإنّه قد فقد قيمته، وانتفت أيّة عمليّة تأويل وسبر للبنى الدّاخليّة. إنّها النقطة التي تتحدّد فيها فاعليّة القارئ في مباشرته للعمل، بل ومن خلالها تتحدّد قيمته ومستواه هو الآخر.
-منطق السؤال والجواب: (la logique des questionnaires):
يتّخذ التّفاعل بين النّص والقارئ صيغة السؤال والجواب التي اعتبرتها نظريّة التلقّي تجديدا ينضاف إلى الإجراءات النّقديّة التي بها نباشر نصّا أدبيّا ما. حيث يرى “ياوس” أنّ عمليّة إدراك معاني العمل الأدبي تفرض على القارئ أن يدرك الأسئلة التي يطرحها النّصّ، والتي تعتبر بداية مسار تأويلي لفهمــه عبر إجابة القارئ على تلك الأسئلة، فيُخلَقُ حوار بين النّص والمتلقّي، حوار جدليّ بين “المقول والمسكوت عنه”[16] هنا يصبح دور المتلقّي مزدوجا؛ الكشف عن السؤال المضمّن في المتن- فالنّص لا يطرح سؤالا مباشرا صريحا وإنّما بطريقة خفيّة – وتأويل الجواب الذي يتمّ فيه تجاوز منطوق النّص إلى المسكوت عنه أو ما يسمّى أيضا باللامقول فينشأ حوار تفاعليّ ينشّط عمليّة التّأويل ويكشف عن حداثة التّواصل بين النّص والقارئ، يتمّ فيها التفعيل السيميائي لدلالات النّصّ، تفعيلٌ يتجاوز مجرّد التّفسير التّقليدي إلى آخر يُنتج المعنى ويشكّله، فالفراغات ليست إلا معان غائبة يحتاج إحضارها إلى قارئ نشط قادر على تشكيل الدّلالة فيتّضح لنا “أنّ علائق الحضور تشير إلى عناصر البنية اللغويّة الظاهرة للنّص، وهي بنية غير مغلقة لأنّها تنفتح على بنية أخرى وتستدعيها، تلك هي بنية الغياب أو المسكوت عنه بما لم يشأ قائله أن يقوله صراحة”[17] فلم يعد “النّص الأدبي مجرّد واحة يلقي القارئ بجسده على عشبها طلبا للراحة والاسترخاء، بل أصبح منتجا له ومشاركا فيه بصورة أو بأخرى”[18] إنّ النّصّ حسب “إيزر” يحتوي فراغات أو فجوات تحثّ القارئ على المشاركة في الإنتاج وعلى التّفاعل معها لتأويلها فيدخل عبرها في علاقة تحاوريّة. فالنّص المفتوح يثير قراءات لا حصر لها، ولا يمكن الحكم في التّعامل معه على قراءة ما بأنّها الأفضل في تأويل النّصّ، الأمر الذي يعزّز فكرة كون النّص لا وجود حقيقي له ولا يكتمل دلاليّا إلا بوجود القارئ، ذلك أنّه (النّصّ) هو الذي يجذب القارئ إليه، وقصديّته هي ما يحدّد توجّه التّأويلات.
-اندماج الآفاق: (Fusion des horizons):
“اندماج الآفاق هو الاحتكاك بتجارب وشهادات الآخرين إزاء النّصّ المقروء فتندمجُ بهذا أفكار القارئ الحاضر بأفكار القارئ الماضي فبفضله يتمكنّ المؤرّخ الأدبيّ من الارتحال إلى الآخرين والاستنجاد بآرائهم و تطويعها لتخدم أفكارنَا”[19] إنّ القارئ لا يباشر النّص انطلاقا من فراغ ذهني بل يتوجّه إلى تأويله وهو مزوّد بتراكمات معرفيّة تمكّنه من تحديد مسارات القراءة التي بها يتحقّق التّفاعل، وهو أيضا ملزم بالإلمام بالمعايير التي تتطلّبها قراءة كلّ جنس أدبي وإدراك التّعالق بين النّصوص، هذا فضلا عن معرفة السّياق التّاريخي الذي أوجد فيه النّص فيتمّ الانصهار بين السياق التّاريخي للنّصّ وبين الأفكار الحديثة الأمر الذي يساعد على توليد معان جديدة للنّص في عمليّة تأويل تراعي مختلف الرؤى التأويليّة لقرّاء سبقوه، وتراعي أيضا مختلف النّصوص المشابهة للنّص الذي يباشره. والقارئ عليه أن يتسلّح ويعتمد على آليّات تأويليّة يستخدمها حتّى يتمكّن من إدراك مدلول هذا الخطاب الموجّه إليه مشفّرا.
– مواقع اللاّتحديد: (les limites indéterminée ):
تتميّز أغلب النّصوص بعدم الإفصاح التّام عن معانيها ودلالاتها، فدومًا توجد دلالات مغيّبة ومعان مستترة، وكثيرا ما يصمت النّص ليترك للقارئ مجالاً للتأويل ومساحة للإضافة، و”تتمثّل مواقع اللاّتحديد في الأفكار الغامضة، الرموز المبهمة، الألغاز، الإيحاءات الضّمنّية و المفارقات هذه الأمور كلّها، يسعى القارئ أو المتلقيّ وراء ملئها أو إزاحة غموضها و التباسها بما ادّخره من قدرات معرفية وموسوعية”[20].
ب-فاعليّة المتلقّي من فاعليّة النّص:
يذهب “إيزر” إلى أنّ للنّص مفهومين “الأوّل مرتبط بالمؤلّف والثّاني بالقارئ”[21] ونجد “أمبرتو ايكو” يستعمل مصطلح “القارئ النّموذجي” في تصوّره للمتلقّي، قارئ يجب أن يكون بكفاءات متعدّدة موسوعيّة ومعجميّة وأسلوبيّة ولغويّة، لأنّ القارئ المصاب بقصور موسوعيّ “يجد نفسه على قاب قوسين أو أدنى ممّــا يعوزه”[22] وتلك الكفاءات تلزم المؤلّف أن يتسلّح بأخرى مماثلة تضاهي تلك التي يمتلكها القارئ، حينها فقط يحدث “التعاضد أو التعاون بين القارئ النموذجي والنّصّ.
إنّ مسألة فاعليّة القارئ المؤثّرة في فاعليّة النّصّ تضع موضوع القراءة وإشكال العلاقة بينها وبين النّص موضع مساءلة وبحث، ذلك أنّها من أكثر المواضيع حداثة واكتساحا لمجال النّقد الأدبي. إنّ القراءة التي نعنيها هنا ليست تلك التي يمرّ فيها البصر على الأسطر أو تلك القراءة التّقبّليّة التي يُكتفى فيها بالتّقبّل السّلبيّ للنّص ظنّا بأنّ معناه قد اكتمل وضُبط مسبقا من طرف كاتبه، بـل إننا نعني بها قراءة تحقّق حداثة التواصل عبر التّفاعل السّيميائيّ بين النّص وقارئه، تفاعل خلاّق تُقرأ فيه الرّموز والعلامات وتُخلق فيه الدّلالات والمعاني اختلاقا وتنتجُ إنتاجا منذ أوّل احتكاك بصري مع النّص المكتوب “إنها قراءة فنّيّة وفعّالة منتجة تعيد تشكيل النّصّ وإنتاج المعنى وتسهم في تجديد النّصّ”[23]. مثل هذه القراءة تحتاج قارئا فطنا، خلاّقا، ومُبدعا، يفعل في “التّوليد مثلما يفعل الكاتب في البناء والتّكوين ويكون قادرا على تحيين « Actualisation » النّص بالطّريقة التي كان يفكر بها الكاتب”[24]، ويكون فعل القراءة هنا تفاعل سيميائيّ متأرجح بين أهليّة القارئ والأهليّة التي يستدعيها النّص حتى تتمّ قراءته[25].
يستدعي القارئ حسب “ايكو” فرضيّة “الطّوبيك” التي استعار مصطلحها من اللسانيّات وعرّفها بكونها “نقطة إرساء بدئيّة داخل مسار تأويليّ، فكلّ قراءة تنطلق من تصوّر أوّليّ – بشكل حدسيّ في غالب الأحيان- للمعنى من أجل تحيين مجموع الإمكانات الدّلاليّة أو البعض منها، ويمكن موقع طوبيك من هذا التّحيين أساسا في محاولة محاصرة شظايا المعنى، فهو يستخدم من أجل ضبط السيميوزيس من خلال تقليصها، ومن أجل توجيه التّحيينات”[26]، بهذا يشكّل الطوبيك خطاطة أوّليّة يتبنّاها القارئ ويباشر وفقها علامات التأويل اللاحقة[27]، ويقوم النّصّ بالتّفاعل مع هذه الفرضيّة لاحقا بحيث تكون القراءة تدخّلا يعمل على تنشيط النّص وإحيائه ذلك أنّ “النّصّ لا تدبّ فيه الحياة إلاّ إذا تحقّق، كما أنّ عمليّة تحقيق النّصّ لا تتمّ إلا إذا أحيل النّص إلى حركة، عندما تتحوّل المنظورات المختلفة التي يقدّمها للقارئ إلى علاقة ديناميّة بين مخطّطات النّص الاستراتيجية ووجهات نظر القارئ المخطّطة كذلك”[28].
3-التّفعيل السّيميائي للنصّ: سلطة النّص أم سلطة القارئ:
يتحدّد النّص الأدبيّ ويُضبط في ما هو مكتوب “إنّه الكلام وقد أثبتته الكتابة”[29] الأمر الذي يفترض وجود مؤلّف-نصّ- قارئ ثمّ تسقط الإحالة على المؤلّف حال تشكّل النّص كتابة، ليعاد تأسيسه قراءة وتأويلا من خلال المتلقّي. والنّصّ أيضا “نسيج من الكلمات المرتّبة ترتيبا يهيئ معنى”[30] لكنّه لا يطرح معنى معيّن بقدر ما يفتح للقارئ إمكانات للتأويل متعدّدة، ونص “كليلة ودمنة” لابن المقفع- الذي أولينا فيه العناية للمقدّمة[31] التي اهتمّت بالقارئ في علاقته بالنّصّ- لئن كان مندرجا ضمن النّصوص القديمة فإنّه مازال قابلاً لتأويلات لا متناهية تفتح أهليّة القارئ أفقها وتفكّ قيدها، ولعلّ هذا ما دفع بصاحبه إلى التوجه في مقدّمة الكتاب وتحديدا في “باب عرض الكتاب” إلى القارئ، بل إلى أصناف القراء الذين قد يقع الكتاب بين أيديهم بقوله: “أمّا الكتاب فجمع حكمة ولهوًا، فاختاره الحكماء لحكمته، والسفهاء للهوه..”[32] وقد تمّ ضبطهم في أنواع ثلاثة هي كالآتي:
-قارئ حكيم عارم ببواطن الأمور وهو الذي يهتم بالجانب العميق في كتاب كليلة ودمنة وهو الجانب الحكمي الفلسفي.
-قارئ بسيط يكتفي بالبحث في الكتاب عند جانبه المسلّي الكامن ذلك أنّ الكتاب جرى على ألسنة الحيوانات حمل العديد من الحكايات.
-قارئ ناشئ وجد الكتاب بين يديه ولم يعرف قيمته الأدبيّة والفلسفيّة والنّقديّة…
يبدو أنّ صاحب كليلة ودمنة يدرك جيّدا أنّ القراء تختلف مستوياتهم وغاياتهم ومقارباتهم للنّصوص وتأويلاتهم لها بين السّطحيّة والعمق وبين عدم إدراك قيمة النّصّ وهو ما ينعكس على محاوراتهم للنّصّ، وإنّ هذا في الحقيقة ليس إلا دعوة للقراء إلى تدبّر النّص ومحاولة الوصول إلى بناه العميقة حيث تكمن الدّلالة، وضرورة تجاوز المعنى الظاهريّ السّطحي الذي هو اللهو والتسلية في هذا الكتاب، واتّخاذه سبيلا للنّفاذ إلى البواطن: الحكمة والنّقد. وإنّ ما يتركه النّصّ من فراغات وبياضات وفجوات على غرار عدم الإبانة عن سبب إجراء الحكايات على ألسنة الحيوانات، وعلى غرار ما تضمّنه النّص من علامات طباعيّة تحمل دلالات مسكوت عنها تمثّل فضاء للتفاعل السيميائي بينه وبين متلقّيه، إنّها مساحات “مفرغة” تشدّ القارئ وتستفزّه، وهذه القيم السّالبة أو الأفكار غير المكتملة تمدّ أواصر الاتّصال بين النّص وقارئه وتتحوّل لحظة استجابة القارئ لها إلى حوافز تخلق أفكارا جديدة تكمل دلالات النّص وتضيف إليها.
والفراغ مثلما بيّنه “إيزر” فإنّه “شاغر في النّظام الإجمالي للنّص يؤدّي ملؤه إلى تفاعل أنماط النّصّ…إنّ الفراغات تعيق تماسك النّص، وبذلك تحوّل نفسها إلى حوافز لخلق الأفكار”[33]، وتتطلّب منه جهدا كبيرا، ليبحث فيها عمّا قيل وعمّا لم يقل.
غير أنّ مثل هذا الأمر لا يسيّج مهمّة القارئ ويقوْلبُها في عمليّة القراءة وملء الفراغات فقط، بقدر ما يتجاوزها إلى تشكيل فضاء جدليّ يتمّ فيه التّبادل الدّلالي بين النّص وقارئه، جدليّة تبدأ مع عمليّة الاستقبال الأولى للنّص ولا تنغلق حتى بعد انتهائه واكتمال توزيعـه على الفضاء الورقي، وقارئ كليلة ودمنة ملزم في مرحلة أولى بالبحث عن السبب الذي دفع بصاحب الكتاب إلى نقل أفكاره ورؤاه النّاقدة على ألسنة البهائم، إنّه مجبر على إعمال الفكر في ما وراء السطور، فالنّص قدّم إليه كل الشفرات والعلامات الضروريّة لعمليّة التّأويل والفهم، وأوكل إليه مهمّة تفعيله سيميائيّا في تعاضد دلاليّ بينهما. ويرى “إيزر” أنّ القارئ يجب أن يكون في عمليّة التّأويل” منغمسا في النّصّ، يعيش عمليّة الصّنعة الخياليّة للنّصّ من أوّلها إلى آخرها”[34]، يقتحم النّصّ في بنيته السّطحيّة والعميقة مدركا لمختلف الأساليب المعتمدة في بناء المتن متبيّنا مواطن الفجوات/الفراغات، هذه هي المرحلة التي يتمّ فيها الالتحام التّفاعليّ بين القارئ والنّص حيث تبدأ مرحلة إنتاج المعنى الذي لا يمكن بأي وجه تثبيته ومحاصرته، إنّه متجدّد باستمرار ممتدّ يسابق أفق توقّعات القارئ، تحاول الإشارات الاصطلاحيّة التّدلال عليه وتقريبه لكنّها لا تسلّمه كاملا بل دائما ما تجعل الدّلالات مفتوحة مما يفتح القراءات على تأويلات لا حصر لها تعيد في كلّ مرّة بناء معان جديدة، قراءات لا تتعارض مع بعضها “فالإطّلاع على قراءات النّص عبر العصور يعني أنّ القراءات لا تلغي بعضها وإنّما تتكامل عبر العصور والأزمنة”[35] ومتى لم يبحث القارئ في النّص ويتدبّر معانيه ويبحث في ما تضمّنه من رموز فإنّه لا يصل إلى معنى ولا يظفر بدلالة، وتنتفي الفائدة من قراءته ويحيد عن المستوى العميق إلى أخر سطحيّ أجوف وفي هذا الإطار يقول ابن المقفع ” وينبغي لمن قرأ هذا الكتاب أن يعرف الوجوه التي صيغت له، وإلى أيّة غاية جرى مؤلفه فيه عندما نسبه إلى البهائم وأضافه إلى غير مفصح؛ وغير ذلك من الأوضاع التي جعلها أمثالا؛ فإنّ قارئه متى لم يفعل ذلك لم يدر ما أريد بتلك المعاني، ولا أيّ ثمرة يجتني منها، ولا أيّ نتيجة تحصل له من مقدّمات ما تضمّنه هذا الكتاب (…) كذلك من قرأ هذا الكتاب، ولم يفهم ما فيه، ولم يعلم غرضه ظاهرا وباطنا، لم ينتفع أبدا بما بدا له من خطّه ونقشه (…) وينبغي لمن طلب أمرا أن يكون له فيه غاية ونهاية، ويعمل بها، ويقف عندها”[36].
والنّصّ الجيّد ليس الذي يمدّ القارئ بكل شيء وإنما هو ذاك الذي يكتنفه بعض الغموض في حلقة من حلقاته، هذا الغموض اعتبره أصحاب نظريّة التّلقي أحد أهمّ مميزات العمل الأدبي، وقد أشار “إيزر” إلى هذا في قوله “والعمل الناجح للأدب يجب ألا يكون واضحا تماما في الطريقة التي يقدّم بها عناصره، وإلا فالقارئ سيخسر اهتمامه. فلو نظم النّص الأدبي عناصره بعلانيّة شديدة فإن الفرص أمامنا كقراء إمّا أن تكون في رفض النّص بسبب السأم، وإمّا أن نكون قرّاء سلبيين”[37]، وفي نفس الإطار يقول ابن المقفع في المقدّمة: “وقد ينبغي للناظر في كتابا هذا ألا تكون غايته التصفّح لتزاويقه، بل يشرف على ما يتضمن من أمثال، حتى ينتهي منه ويقف عند كلّ مثل وكلمة، ويعمل فيها رويّته”[38] بهذا يكون النّصّ قد تضمّن مستويين أحدهما صريح ظاهرٌ، الدّلالة فيه شحيحة والتوقّف عندها لا يمنح القارئ منفعة ولا يُعمل له عقلاً، ولا يبعث فيه الشّكّ، ذلك أنّه يمنحه معان سطحيّة يتبلّد بها الذّهن لا تستفزّه ولا تثير حيرته، ومستوى ثان ضمنيّ عميق مشحون بدلالات لا تقف عند حدّ معيّن، تتفاعل مع قدرة القارئ الفطن على مساءلتها، والبحث فيها وتقليبها على كافة وجوهها إعمالا للعقل ومحاولة لفكّ الرّموز والإشارات المودعة في البنى الدّاخليّة، إنّه مستوى يكتنفه الغموض بدل الوضوح ويغلب عليه التّرميز يدفع بالقارئ إلى المشاركة في بناء الدّلالة عبر إعادة إنتاج النّصّ وتأويله، هذا التّأويل الذي يفترض قطعًا تعدّد الدّلالات بتعدّد القراءات.
من هنا، فإنّ القراءة تمثّل في أصلها تفاعل ديناميكي سيميائيّ بين النّص والقارئ، إذ يترك النّص مجالا للقارئ حتّى يثريه ويضيف إليه، معملا عقله، مستخدما مخيّلتـه، ومستندا إلى خبراته مستغلا الزخم المعرفي المتراكم في ذهنه، ذاك المجال أو الفسحة التي منها ينفذ القارئ إلى النّصّ يمكن أن تأتي على أشكال عديدة، على غرار الفجوات والفراغات والمصطلحات المشفّرة والرّموز والعلامات، هذا النّوع من النّصوص هو فقط ما يحقق مقولة الاستجابة، ويعمّق التواصل، والتّفاعل المنتج، فالنّص البسيط الواضح الذي لا يترك فراغات لا يشدّ القارئ بقدر ما يصيبه بالملل وينفّره.
تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إنّه لا مجال إلى الجزم بأنّ عمليّة التّفعيل السّيميائي تتعلّق بالنّصّ وحده أو بالقارئ لوحده وإنّما هي وليدة تفاعل جدليّ تسير فيه القراءة في اتّجاهين؛ من النص إلى القارئ ومن القارئ إلى النّص: في علاقة تبادليّة كلّ يقدّم إلى الآخر في حركة أخذ وعطاء مستمرّين. إنّ العلاقة التي تجمع بين الطّرفين “تقوم على جدليّة التّفاعل بينهما في ضوء استراتيجيّات عدّة”[39] ذلك أنّ لكلّ منهما( القارئ والمؤلّف) استراتيجية نصيّة يتحقق عبرهما الاشتراك النّصّي. فتؤدّي سلطة النّص وظيفتها أداء فاعلا عبر التقائها بسلطة القارئ فتنخرط ضمن خطّة أو تخطيط يعكس المنظومة التّحليليّة التي مكّنت القارئ من تشخيص المسالك والدّروب المؤدّية إلى السّيميوزيس الذي يمثّل انعكاسا داخليّا لمركّبات النّصّ التي لعبت دورا إيحائيّا كبيرا في جذب القارئ. بهذا نكون قد تبيّنّا في المقدّمة التي عرضنا إليها أنّ ابن المقفّع قد بدا واعيا بأنّ مسألة التّلقّي لها أهميّة بالغة في فهم النّصوص، لهذا وجدناه يشدّد في أكثر من موضع على ضرورة التّعمّق والتّروّي حتّى تكون القراءة منتجة للدّلالات لا قراءة يمرّ فيها البصر على الأسطر، بل قراءة تدرك المعاني المخفيّة في البنى المستترة للنّصّ.
وهكذا، فإنّ “المناوشة الفكريّة والنّفسيّة بين المتلقّي والنّصّ المثقل بالغموض، والمبني من خلال الأساليب البلاغيّة، تجعل المتلقّي أكثر تحفّزا وقلقا وتوتّرا إزاء المفاجآت والاحتمالات المتعدّدة، والدّلالات المتباينة للمعاني، لمعرفة التناسق بين هذه المعاني والتّعابير الشّعريّة وذلك للوصول إلى إدراك سرّ النّص الإبداعي وغايته، وفك ألغازه وصوره ودلالاته، والوقوف على الإهتزاز الحاصل بين المعاني والتّعابير قبل دخولها النّص، ولعلّ هذا التّوتّر والمتابعة بين المتلقّي والنّصّ يخلق نوعا من الدّهشة واللذّة الغامرة للمتلقّي”[40] وهو أيضا ما يزيح الغموض ويحوّل حالة الاغتراب التي يستشعرها القارئ حال مباشرته للنّص إلى ألفة تمهّد لعمليّة تواصل تفاعليّة وسيميائيّة منتجة وخلاقة.
إنّ كسر مقولة سلطة النّص ومركزيّته قد ساهم في تعزيز التّفعيل السّيميائي للنّصوص، تفعيل يتّحد فيه القارئ والنّص على حد سواء دون تغليب أحدهما على الآخر، بل إنّ كلّا منهما يستمدّ من الآخر وجوده واستحقاقه. فينظر القارئ إلى النّص أفقا آخر مفتوحا على جميع التأويلات، وطريقة جديدة في الفهم والقراءة تمهّد لإعادة النّظر في معنى العمل الأدبي وعمقه عبر جملة من الآليّات والاستراتيجيّات التي تتجاوز الجاهزيّات.
خاتمة
في الختام نقول بأنّ الاهتمام بالقراءة وكيفيّة تحقيقها على النّحو الذي يؤدّي إلى نتائج ذات أهمّيّة تثري النّصوص، وتعيد صياغتها وتركيبها، هوّ ما أولى القارئ ودوره في العمليّة الإبداعيّة اهتماما كبيرا، وهو أيضا ما دفع بابن المقفّع إلى تخصيص مقدّمة يتوجّه بها إلى مختلف أصناف القرّاء ويحثّهم على ضرورة إدامة النّظر والتّروّي والتماس الجواهر في المعاني والمقاصد، الأمر الذي يثبت كون القراءة ليست مجرّد تقبّل محايد للنّص، بقدر ما هي تعامل واع يعزّز مكانة القارئ وإسهاماته في فهم الأدب. وإنّ اشتغالنا في هذا المبحث على التّفعيل السيميائي للنّصوص، والبحث في مسألة النّص والقارئ، انطلاقا من مقدّمة ابن المقفع في كتاب كليلة ودمنة، لا يُؤكّد مركزيّة القارئ على حساب النّص بقدر ما ينظر إليهما عنصرين متكاملين معا بحيث أنّ غياب أحدهما ينفي وجود الآخر، فلا قارئ بلا نصّ ولا نصّ بلا قارئ، إنّها علاقة تلازميّة تقوم على حداثة التّواصل الجدليّ الذي يمكّن من تأويل النّصوص سيميائيّا عبر حوار فعّال يبحث عن الدلالة في البنيات السطحيّة والعميقة، ويقدّم تأويلا يضيف إلى النّص ويثريه.
ولعلّ ما يحتسب لنظريّة التّلقّي، وكذا للسيميائيّة، هو إعلاؤهما لثنائية (النّص-المتلقّي) وكسرهما لمقولة المعنى الواحد إلى المعاني المتعدّدة بتعدّد التأويلات والقراءات، مثلما “أقصت حالات الانقياد اللاواعية للنصّ المتمثّلة بقراءات الحدس (…) وبدت الجماليّة تغييبا معتمدا لمسارات الذّات والموضوع لإنتاج نصّ جديد تتجلّى فيه أشكال الوعي المتظافرة “وعي النّص ووعي القارئ”[41]، تلك النّقطة التي يلتحم فيها النّص برموزه وعلاماته بقدرة القارئ على ملء الثغرات واستقراء العلامات واستكناه الرّموز وتتبّع دلالاتها في عمق النّص، فتتفجّر طاقات دلاليّة تنطلق من تراكمات معرفيّة ووعي بكل ما يحيط بالنّص وإلمام بمختلف التأويلات لتنتج نصّا جديدا تحكمه ذات تعرف جيّدا كيف تمسك بالسيميوزيس النّصي.
من هنا، نكون قد وقفنا على قدرة القارئ على فك عقال الدّلالة في النّصّ وفتحها على إمكانات للتأويل لا متناهية يكون هوّ المسؤول عن إقفالها عند حدّ يرتئيه مناسبا، في عمليّة يكون فيها النّص منبع الدّلالة ومكمنها، مثلما مكّننا تطبيق هذه النظريّة على مقدّمة كتاب كليلة ودمنة التي جاءت لتهدي القارئ إلى الطّريق الصّحيح قبل الخوض في عمليّة القراءة، مقدّمة قدّمت من النصائح والمواعظ ما ينبغي على القارئ أن يتسلّح به قبل مباشرته النّص، وليس نصّ كليلة ودمنة فحسب بل جميع النّصوص على مختلف أشكالها وأجناسها، مثلما تمكّنّا أيضا من تبيّن فاعليّة نظريّة التّلقّي في مقاربة النّصوص سيميائيا بحثا عن الدّلالة.
المصادر والمراجع
1-المصادر:
– ابن المقفع (عبد الله) “كليلة ودمنة”، دار الكتب، 2005.
2-المراجع:
أ-المراجع العربيّة:
-ابراهيم (نبيلة)”القارئ في النّص: نظريّة التأثير والاتّصال، مجلّة فصول، مج5، ع1، 1984.
-اسماعيل (سامي) “جماليّات التّلقّي”، ط1، الأعلى للثّقافة، القاهرة، مصر، 2002.
– أشهبون (عبد المالك) “عتبات الكتابة في الرواية العربية”، اللاذقيّة، دار الحوار، ط1، 2009.
– بنكراد (سعيد)”النّصّ السّردي نحو سيميائيّات للإيديولوجيا، ط1، دار الأمان، 1996.
– “السيميوزيس والقراءة والتّأويل، علامات، ع 1988/10.
– بن حدو (رشيد) “العلاقة بين القارئ والنّص”، الفكر العربي المعاصر، ع19، لبنان، 1994.
-خرماش (محمد): مقال بعنوان النّص الأدبي وإشكاليّة القراءة والتّأويل، بحث مقدّم لمؤتمر النّقد الأدبي السابع، جامعة اليرموك، إربد، الأردن، 22/7/1998.
– درابسة (محمود) “التّلقّي والإبداع: قراءات في النّقد العربي القديم”، دط، الأردن: مؤسسة حمادة للدّراسات الجامعيّة والنّشر، الدّمام، مكتبة المتنبّي، 2003.
– شرفي(عبد الكريم) “من فلسفات التّأويل إلى نظريّات القراءة”، ط1، الدّار العربيّة للعلوم، بيروت، لبنان، 2007.
– عبد العظيم (محمد)”معاني النّص الشعري، طرق الإنتاج وسبل الإستقطار، ندوة صناعة المعنى وتأويل النّصّ”، دط، منشورات كليّة الآداب تونس، مج8، 1992.
– عمري( سعيد)”الرّواية من منظور نظرية التّلقّي مع نموذج تحليلي حول رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ”، ط1، منشورات مشروع البحث النّقدي، المغرب، فاس، 2009.
– عودة خضر (ناظم)”الأصول المعرفيّة لنظريّة التّلقّي”، ط1، دار الشروق للنّشر والتّوزيع، عمان، الأردن، 1997.
– عيّاد (شكري) “دائرة الإبداع” دار إلياس العصريّة، القاهرة، 1986.
– عيسى (فوزي) “النّص الشعري وآليّات القراءة، منشأة المعارف الإسكندريّة، دط، دت.
– كاصد (سلمان)”عالم النّص- دراسة بنيوية في الأساليب السّردية-” دار الكندي، الأردن، 2003.
– المبارك(مـحمّد)”استقبال النص عند العرب”، ط1، المؤسسة العربية للدّراسات والنّشر، بيروت، 1999.
– موسى صالح(بشرى) “نظرية التلقي، أصول وتطبيقات، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الدّار البيضاء، المغرب، 2001.
– يقطين (سعيد)”الرّواية والتراث السّردي”، المركز الثقافي العربي، المغرب، الدّار البيضاء، 1992.
ب-المراجع المترجمة:
– إيزر(فولفغانغ) “فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في الأدب”، ترجمة: حميد الحميداني وجيلاني الكدية، منشورات مكتبة المناهل، فاس.
– إيكو(أمبرتو) “التّأويل بين السّيميائيّات والتّفكيكيّة، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، ط1، المركز الثقافي العربي، 2000.
– “القارئ في الحكاية”، ترجمة أنطوان أبو زيد، ط1، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1996.
– راي (ويليم) “المعنى الأدبي من الظّاهريّة إلى التّفكيكيّة”، تر:يوئيل يوسف عزيز، ط1، دار المأمون للنّشر والتّوزيع، بغداد، 1987.
– سي هولب (روبرت) “نظريّة الاستقبال”، تر: رعد عبد الجليل جواد، ط1، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، اللاذقيّة، 1992.
– كريستيفا (جوليا) “علم النّص” تر: فريد الزّاهي، ط2، دار توبقال للنّشر، الدّار البيضاء، 1997.
ج-المراجع الأعجميّة:
-Jauss(Hans Robert) « pour une esthétique de la réception » traduit par :Claude Maillard, préface de : Jaen starobinski, ed gallimard, paris, 1978
-Iser (Wolfgang) « L’acte de lecture. Théorie de l’effet esthétique ». Bruxelles: Mardaga; 1985.
-Iser W., 1970, L’Appel du texte. L’indétermination comme condition d’effet esthétique de la prose littéraire, trad. de l’allemand par V. Platini, Paris, Éd. Allia, 2012.
-Iser W., 1972, Der implizite Leser (Le Lecteur implicite), Munich, W. Fink.
-Iser W., 1976, L’Acte de lecture. Théorie de l’effet esthétique, trad. de l’allemand par E. Sznycer, Bruxelles, P. Mardaga, 1985.
– Ricoeur(Paul) « Ou’est ce qu’un texte-le livre : du texte à l’action », Paris, Essai d’herméneutique II, Ed.Seuil
[1] – مـحمّد المبارك”استقبال النص عند العرب”، ط1، المؤسسة العربية للدّراسات والنّشر، بيروت، 1999، ص51.
[2] -عبد المالك أشهبون “عتبات الكتابة في الرواية العربية”، اللاذقيّة، دار الحوار، ط1، 2009، ص 74.
[3] – بشرى موسى صالح “نظرية التلقي، أصول وتطبيقات، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، لبنان، الدّار البيضاء، المغرب، 2001، ص32.
[4]-حسن البنا عزّ الدّين، قراءة الآخر/ قراءة الأنا: نظرية التّلقّي وتطبيقاتها في النّقد العربي المعاصر، ط1، الهيئة العامّة لقصور الثّقافة، القاهرة، 2008، ص25.
[5] -Wolfgang Iser W. « L’acte de lecture. Théorie de l’effet esthétique ». Bruxelles: Mardaga ;1985 p48
[6] -Hans Robert Jauss « Toward An Aeshetic Of Reception Translation From German By Timothy Bahti,University Of Minnesotta Press 1982, p48
[7] -Wolfgang Iser W. « L’acte de lecture. Théorie de l’effet esthétique ». p :48.
للتّوسّع ينظر أيضا:
-Iser W.,1970, L’appel du texte. L’indétermination comme condition d’effet esthétique de la prose littéraire, tard. De l’allemand par V.Platini, Paris, Ed. Allia, 2012.
-Iser W., 1972, Der implizite Leser (Le Lecteur implicite), Munich, W. Fink.
-Iser W., 1976, L’Acte de lecture. Théorie de l’effet esthétique, trad. de l’allemand par E. Sznycer, Bruxelles, P. Mardaga, 1985.
[8]– المرجع نفسه، ص48.
[9] – عبد الكريم شرفي “من فلسفات التّأويل إلى نظريّات القراءة”، ط1، الدّار العربيّة للعلوم، بيروت، لبنان،2007، ص201.
[10] – فولفغانغ إيزر “فعل القراءة، نظرية جمالية التجاوب في الأدب”، ترجمة: حميد الحميداني وجيلاني الكدية، منشورات مكتبة المناهل، فاس، ص 12.
[11] – ناظم عودة خضر”الأصول المعرفيّة لنظريّة التّلقّي”، ط1، دار الشروق للنّشر والتّوزيع، عمان، الأردن، 1997، ص17.
[12] – رشيد بن حدو “العلاقة بين القارئ والنّص”، الفكر العربي المعاصر، ع19، لبنان، 1994، ص477.
[13] – عبد الناصر حسن محمد “نظريّة التّلقّي بين باوس وإيزر”، دار النهضة العربيّة، القاهرة 2002، ص21.
[14] – جوليا كريستيفا “علم النّص” تر: فريد الزّاهي، ط2، دار توبقال للنّشر، الدّار البيضاء، 1997، ص13.
[15] – سعيد يقطين “الرّواية والتراث السّردي”، المركز الثقافي العربي، المغرب، الدّار البيضاء، 1992، ص 45.
[16] – Iser « L’acte de lecture », p298.
[17]– بسام قطوس “استراتيجيّات القراءة، التّأصيل والإجراء النّقدي”، دط، دار الكندي للنّشر والتوزيع، أربد، 1998، ص58.
[18]– فوزي عيسى “النّص الشعري وآليّات القراءة، دط، منشأة المعارف الإسكندريّة، دت، ص22.
[19] – سعيد عمري”الرّواية من منظور نظرية التّلقّي مع نموذج تحليلي حول رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ”، ط1، منشورات مشروع البحث النّقدي، المغرب، فاس، 2009، ص35.
[20] – المرجع نفسه، ص36.
[21] -Wolfgang Iser « L’acte de lecture , Théorie de l’éffet eshétique », p10.
[22] – أمبرتو ايكو”القارئ في الحكاية”، ترجمة أنطوان أبو زيد، ط1، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1996، ص68.
[23] – محمد عبد العظيم “معاني النّص الشعري، طرق الإنتاج وسبل الإستقطار، ندوة صناعة المعنى وتأويل النّصّ”، دط، منشورات كليّة الآداب تونس، مج8، 1992، ص227.
[24] – محمّد خرماش “فعل القراءة وإشكاليّة التّلقّي، مجلّة علامات، ع100، 1998، ص53.
[25] – أمبرتو إيكو “التّأويل بين السّيميائيّات والتّفكيكيّة، ترجمة وتقديم سعيد بنكراد، ط1، المركز الثقافي العربي، 2000، ص86.
[26] – سعيد بنكراد” النّصّ السّردي نحو سيميائيّات الإيديولوجيا، ط1، دار الأمان، 1996، ص 103.
[27] – سعيد بنكراد “السيميوزيس والقراءة والتّأويل، علامات، ع 1988/10، ص ص 49-50.
[28] – نبيلة ابراهيم “القارئ في النّص: نظريّة التأثير والاتّصال، مجلّة فصول، مج5، ع1، 1984، ص ص 101-108.
[29]-Paul ricoeur « Ou’est ce qu’un texte-le livre : du texte à l’action », Paris, Essai d’herméneutique II, Ed.Seuil, p 33.
[30] – محمد خرماش مقال بعنوان النّص الأدبي وإشكاليّة القراءة والتّأويل، بحث مقدّم لمؤتمر النّقد الأدبي السابع، جامعة اليرموك، إربد، الأردن، 22/7/1998، ص20.
[31] – تضمّن كتاب كليلة ودمنة ثلاث مقدّمات تسمّى كلّ منها بابًا وهي كالآتي: الأولى كتبها علي بن الشاه الفارسي ويتحدّث فيها عن الأسباب السياسية والاجتماعية والثقافية … التي أدّت إلى تأليف الكتاب، والثانية فهي تتحدّث عن رحلة برزويه إلى الهند وحصوله على نسخة من الكتاب، أمّا الثالثة فهي التي نحن بصددها وهي باب عرض الكتاب.
[32] -عبد الله ابن المقفع “كليلة ودمنة”، دار الكتب، 2005، ص39.
[33] – ويليم راي “المعنى الأدبي من الظّاهريّة إلى التّفكيكيّة”، تر: يوئيل يوسف عزيز، ط1، دار المأمون للنّشر والتّوزيع، بغداد، 1987، ص46.
[34]– Wolfgang Iser « L’acte de lecture , Théorie de l’éffet eshétique », p69.
[35]– Jauss(Hans Robert) « pour une esthétique de la réception » traduit par :Claude Maillard, préface de : Jaen starobinski, ed gallimard, paris, 1978, p14.
[36] – عبد الله ابن المقفع “كليلة ودمنة”، ص ص 39-40-41-42.
[37] – روبرت سي هولب “نظريّة الاستقبال”، تر: رعد عبد الجليل جواد، ط1، دار الحوار للنّشر والتّوزيع، اللاذقيّة، 1992، ص ص39-40.
[38] – عبد الله ابن المقفع “كليلة ودمنة”، ص ص 45-46.
[39] – سامي اسماعيل “جماليّات التّلقّي”، ط1،الأعلى للثّقافة، القاهرة، مصر، 2002، ص111.
[40] – محمود درابسة “التّلقّي والإبداع: قراءات في النّقد العربي القديم”، دط، الأردن: مؤسسة حمادة للدّراسات الجامعيّة والنّشر، الدّمام، مكتبة المتنبّي، 2003، ص ص 54-55.
[41] – بشرى موسى صالح “نظريّة التّلقّي”، ص ص 52-53.