الإسلاميون وحق المواطنة لغير المسلمين: قراءة في الحالة المصرية
Islamists and the right to citizenship for non-Muslims: reading in the Egyptian case
الدكتور المحجوب لال، باحث في الفكر السياسي والإسلامي، المغرب.
Dr. EL MAHJOUB LALA, Researcher in Political and Islamic Thought, Morrocco.
بحث منشور في مجلة جيل حقوق الانسان العدد 40 الصفحة 41.
مستخلص:دور الإسلاميين في تطوير الممارسة السياسية والحقوقية جد أساسي في الوطن العربي، ومن ذلك دور جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لكن هذا الدور بحاجة إلى تطوير ونقد وإعادة مراجعة، حيث تركز الدراسة على تبيان رؤية جماعة الإخوان المسلمين لقضية المواطنة وحقوق الأقباط، ثم أهم التغيرات والتطورات التي عرفتها هذه الرؤية، منذ تأسيس الإخوان عام 1928 إلى 2013، والأفق الإصلاحي الممكن لعناصرها ومرتكزاتها، بما يسهم في تحقيق الإصلاح السياسي بالدولة المصرية، وصولا إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حقيقية.
كلمات مفتاحية: المواطنة – الإخوان المسلمون – الديمقراطية – الإصلاح السياسي.
Abstract:
The role of Islamists in the development of political and human rights practice is very essential in the Arab world, including the role of the Muslim Brotherhood in Egypt, but this role needs to be developed, criticized and reviewed, the study focuses on showing the Muslim Brotherhood’s vision of citizenship and Coptic rights, and then the most important changes and developments that have been known in this vision, since the founding of the Brotherhood in 1928 to 2013, and the possible reformist horizon of its elements and pillars, contributing to the political reform of the Egyptian state, to build a real civil democratic state.
Key Words: citizenship – Muslim Brotherhood – Democratic – Politic Reform.
توطئة:
تعد مسألة المواطنة من القضايا الأساسية التي تفرض نفسها في العالم العربي عامة، وفي الدول ذات الأقليات الدينية أو العرقية خاصة، لما لها من أثر في تغذية الصراعات السياسية بالدولة الوطنية، حال غياب نظام حكم سياسي عادل، بل إنها تُستغل في كثير من الأحيان لإعاقة بناء الدولة المواطِنة.
وتفرض هذه المسألة – أي المواطنة – أهميتها القائمة وضرورة تعزيزها ودسترتها وتفعليها، في أنها لا تنحصر فقط في الحقوق والواجبات، ولا في الامتيازات التي تتيحها هذه القيمة السياسية، بل إنها أكبر من ذلك وأعمق، لتعلقها بالانتماء الوجداني للجماعة، والتشارك الجماعي في القيم العامة المؤسِّسَة لشخصية مواطني الدولة، هذا الشعور والتشارك يتأثران بكل وجه من وجوه التمييز بين أبناء الوطن، سواء أكان هذا التمييز على المستوى المادي أم المعنوي، المباشر أم الرمزي.
وتُبين التجارب التاريخية في عدد من الدول، أنّ تَحقق المواطنة على المستوى الإجرائي، يتأثر بمدى تحقق السيادة للدولة واستقلالها عن الاحتلال المباشر أو التبعية السياسية للخارج، ذلك أنّ نجاح الدولة في تحقيق سيادتها، يجعل تمتع المواطن بحقوقه وممارسته لمشمولات المواطنة ذا أثر حقيقي وفاعل. وهنا، وجب الانتباه إلى قضية شائكة تطرحها مسألة المواطنة، وهي أن تداولها في بعض المناطق من العالم، ارتبط بالمسألة الثقافية والحقوق الروحية لأقليات ما في دولة معينة، ومنهجيا، يُمكن التأكيد أن اسقاط هذا النوع من المقاربة على الحالة العربية والإسلامية يفقد بعض أسسه الموضوعية، ذلك أن الصراع القائم بين الهويات المشكلة للجماعة الوطنية في بعض الدول والتجارب، لا يحضر بالقوة نفسها في الحالة العربية الإسلامية، إذ أن المرجعية الحاكمة للتعامل مع الأقليات أو الآخر غير المسلم، قد وضع الكتاب والسنة أسسها الرئيسة، ويبقى الدور الراهن موكول على عاتق العلماء والخبراء والساسة لأجل ضمان العدل والمساواة وعدم التمييز بين ساكني الدولة الإسلامية[1].
وارتباطا بالفكرة أعلاه، يمكن التأكيد أنّ منطق الأقلية القائم على البعد الثقافي أو الديني منطق وافد على الثقافة العربية الإسلامية، لأن منطق الأخيرة وفق ما جاء في القرآن والسنة هو الأغلبية والأقلية المساندة لأفكار وقيم في مقابل أخرى، وعليه، فالمواطنة في الدولة الإسلامية ـ نظريا ـ لا تقيم التقابل بين المواطنين على أساس الانتماء الديني والهوياتي، لأنه من المعطى القدري وليس من المكتسب البشري، وإنما يكون التمييز والاصطفاف بين المكتسب الفكري والتصوري، المتعلق بالآراء والتوجهات المقدمة لتطوير المجتمع والإسهام في النهضة والعمران، بناء على ثوابت المجتمع ومرجعية[2] الجماعة الوطنية[3]، وما استقرت عليه منظومته الدستورانية[4].
إنّ العناصر السالفة، ذات علاقة وطيدة بالإشكاليات التي يطرحها الملف القبطي في مصر، وبصفة أولية، لنا أن نقول إن اختيار الحالة المصرية ليس من باب الصدفة، وإنما أملته الضرورة العلمية، المرتبطة بالنموذج الأقدر على مقاربة موقف الإسلاميين من ملف المواطنة، ولأن الإخوان المسلمين يشكلون القوة الحركية الإسلامية/السياسية الأولى في العالم العربي، ولأن أفكار الجماعة الأم بمصر تؤثر على كثير من الحركات السياسية ذات المرجعية الإسلامية في عدد من الأقطار العربية، ولأن موقف الإخوان المسلمين من ملف الأقباط وقضية المواطنة عموما يسهم في تطوير التجربة السياسية المصرية أو تأخيرها، فإن هذه العناصر مجتمعة، تبرز الأهمية الموضوعية لاتخاذ الحالة المصرية وتجربة الإخوان المسلمين موضوعا للدراسة والبحث والتحليل.
وقد يبرز تساؤل موضوعي يرتبط بالنموذج المدروس، والقائل إن الجماعة اليوم في أزمة داخلية كبيرة، وأن حضورها العملي في الحياة الدعوية والسياسية والمجتمعية المصرية شبه معدوم، نظرا لطبيعة علاقتها بالنظام السياسي القائم في مصر، إلا أن الجواب عن هذا التساؤل، يتجسد في أمرين؛ أولهما أن الجماعة هي أم الحركات الإسلامية في مصر وقد عانت/وقعت في أزمات مماثلة منذ تأسيسها عام 1928 على يد حسن البنا إلى اليوم، ودراسة هذه الأزمات تبرز أن الجماعة قد تعاني من تضييق أو منع أو “محنة” لسنوات عدة، غير أن هذه التجارب والأزمات تبرز أن الجماعة قادرة على الانبعاث من جديد، ومرام هذه الدراسة، استباق العودة إلى الحياة المصرية في الأفق المنظور، بتحليل موقف الجماعة من قضية المواطنة والأقباط، وأهمية مراجعة هذا الموقف وإعادة تقييمه بما يسهم في بناء دولة ديمقراطية حقيقية.
وأما الأمر الثاني، فيتمثل في أن الوضع الحقوقي والسياسي في مصر ما يزال يعيش أزماته القديمة، إذ لم يعالج التدخل العسكري في الحياة المصرية خلال يونيو 2013 ما تعيشه مصر من اختلالات وتناقضات كبيرة، سياسية واقتصادية واجتماعية، مما يعني أن ظهور حراك جديد في الحالة المصرية مستقبلا، أمر شبه مؤكد، خاصة، وأن مطلب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بوصفها أهم مطالب ثورة يناير 2011 لم تصل بعد إلى مرحلة التنفيذ والتفعيل، مما يعني أن هذه المطالب ما تزال قائمة، وأن ظهور قوى شبابية أو مجتمعية تطالب بها من جديد، مسألة وقت لا أكثر.
إشكالية الدراسة:
تداوُلُ الإخوان المسلمين للملف القبطي، غالبا ما يتم في إطار الحديث عن الحقوق الخاصة بالأقباط داخل المجتمع الإسلامي، من زاوية الضمانات التي كفلها الإسلام في تشريعه للأقليات الدينية في الدولة الإسلامية. هذا التداول وإن كان مُتَمَاهيا مع تعبير كثير من المفكرين الإسلاميين[5]، إلا أنه تأويل يتضمن في عمقه فلسفة أوروبية تميز بين الأكثرية والأقلية الدينية، هذه الأقليات (دينية، عرقية، اثنية..( تلجأ إلى النضال السياسي واستثمار كل وسائل الضغط الشعبي والمادي لأجل تحصيل المزيد من الحقوق والامتيازات، غير أن الأقليات -إن صح إطلاق هذا الوصف على غير المسلمين بالمجتمع الإسلامي- هم جزء من هذا المجتمع، ومتحصل مكانتهم ودورهم السياسي فيه لا تنتج عن عددهم أو سلطة تأثيرهم المادي في الدولة، كما لا تنتج عن نضالهم لتحصين حقوقهم أو ضمان المزيد منها، إنما مكانتهم وحقوقهم يضمنا الدستور الأسمى للدولة الإسلامية المتمثل في الشريعة نفسها.
ولأن الشريعة تسمو على غيرها من التشريعات، ولأنها ملزمة للدولة ولباقي المؤسسات، فإنّ الاجتهاد الفكري والفقهي والسياسي في هذا الجانب، يضمن حقوق كل المكونات الدينية في المجتمع الإسلامي، مما ينقل النقاش السياسي حول حقوق الأقليات الدينية في جانبها السياسي، من دائرة الصراع والضغط الداخلي والخارجي، إلى دائرة النقاش العلمي والفقهي، الذي ينطلق من النص ويجيب عن أسئلة الراهن.
والإشكالية الرئيسية التي تبحثها الدراسة، هي موقف جماعة الإخوان المسلمين من قضية المواطنة وحقوق الأقباط، وأهم التغييرات والتطورات التي عرفها هذا الموقف منذ تأسيس الجماعة إلى غاية 2013.
فرضية الدراسة:
تنطلق الدراسة من فرضية أساسية مؤداها أن “جماعة الإخوان المسلمين تعاملت مع قضية المواطنة بمنطق تقليدي، لم يستثمر فرص الاجتهاد الديني والسياسي المتاح أمامها لأجل بلورة تصور جديد لمفهوم المواطنة وحقوق الأقلية الدينية في الدولة الإسلامية، مما أثر على تصورها وتجربتها العملية لإصلاح الحياة السياسية والإسهام في بناء الدولة الديمقراطية الحقيقية”.
المنهج المعتمد:
تقتضي طبيعة الدراسة، الوصفية التحليلية الاستشرافية، استخدام منهج مزدوج على الشكل الآتي:
المنهج الوصفي التحليلي: يتجسد استخدام المنهج الوصفي التحليلي من خلال دراسة وتنظيم المعلومات المتوصل إليها، ثم وصفها وتصنيفها وربط بعضها ببعض، بغية الوصول إلى فهم مرتكزات التفكير السياسي لدى الفئة المدروسة، ووضع استنتاجات تفسر التغيير والتطور الذي عرفته، بما يعين على الوصول إلى تنبؤات سياسية أكثر موضوعية بخصوص دورها وأثرها في تحقيق الإصلاح والتغيير السياسي بمصر.
المنهج التاريخي: استُخدم المنهج التاريخي في الدراسة لتوثيق أهم المراحل التي عرفها فكر جماعة الإخوان المسلمين في موضوع المواطنة والأقباط، سواء فيما يتعلق بالمفاهيم والمواقف، مرورا باستخلاص أهم الأفكار الواردة في الوثائق والإنتاج المكتوب، وصولا إلى قراءة وتحليل المواقف التاريخية، التأسيسية والراهنة، المشَكِّلَة لرؤية الجماعة بخصوص مسألة المواطنة.
أسئلة الدراسة:
سنعمل في هذا الدراسة على الإجابة عن جملة أسئلة مرتبطة بما سلف ذكره، وهي:
ـ ما الفكرة التي حملتها جماعة الإخوان المسلمين عن مسألة المواطنة تعريفا وحدا؟
ـ كيف تعامل مؤسس الجماعة حسن البنا مع هذه المسألة؟ وما التطور الذي حدث في فكر الجماعة بعد دخول الألفية الجديدة في مقاربتها لهذه الإشكالية؟
ـ ما الأفكار التي قدمتها جماعة الإخوان بخصوص ملف الأقباط وحقوقهم السياسية بصفتهم مواطنين بالدولة المصرية؟
ـ ما أهم الثغرات ومعالم الإصلاح الواجب إدخالها على مقاربة الجماعة لمسألة المواطنة ولملف الأقباط، بما يسهم في تحقيق الإصلاح والتغيير السياسي في البلاد، بمشاركة جميع مكونات الجماعة الوطنية المصرية؟
أولا: فكرة المواطنة في الفكر المعاصر:
يُعَدُّ مفهوم المواطنة من المفاهيم الواردة للحقل السياسي العربي، إذ لم “يدخل المصطلح أو المفهوم أو الكلمة في القاموس العربي حتى فترة قريبة. فكلمة المواطنة أو المواطن غير موجودة في الفكر السياسي العربي حتى القرن التاسع عشر، ولم يستخدمه مفكرون أمثال ابن خلدون والماوردي والفارابي. لذلك يمكن القول إنّ مصدر المواطن والمواطن هو الحضارة الغربية الممتدة من أثينا القديمة وحتى الثورة الفرنسية”[6].
وقد ركزت فلسفة الأنوار في تعريفها للمفهوم على دور ومكانة الفرد بالدولة والمجتمع، فالمواطنة بهذا المعنى “هي الدور الإيجابي للفرد بصفته مواطنا، وأكد الفيلسوف روسو على مفهوم المواطنة معلنا أنه يعتمد على دعامتين أساسيتين: المشاركة الإيجابية من جانب الفرد في عملية الحكم، والمساواة الكاملة بين أبناء المجتمع الواحد كلهم”[7].
وفي العقود الأخيرة، ظهرت بعض المقولات والآراء والأفكار التي تتحدث عن مواطنة عابرة للحدود، مقولات متماشية مع التوجه القائم على فلسفة النهايات، أي نهاية التاريخ ونهاية الجغرافيا ونهاية الإيديولوجيا، وهي في المجمل أفكار متأثرة بالنظرية الرأسمالية وسيطرة السوق على الفكر والقيم الإنسانية، “ويعتبر الياباني كينشي أوهيمي (Kenichi Ohamae) في كتابيه المشهورين “نهاية الدولة القومية” و”عالم بلا حدود”، من أبرز رواد الاتجاه القائل بمواطنة عابرة للحدود. يؤكد أوهيمي في معرض تحليله لهذه التحولات، أنّ “المحددات الخارجية للقرار السياسي للدولة أصبحت تفوق وبشكل مضطرد المحددات الداخلية، وهو الأمر الذي يعني أنّ الدولة تتحول بشكل تدريجي من متغير مستقل إلى متغير تابع من التفاعل الدولي. فالدولة كما يراها أوهيمي لم تعد ظاهرة طبيعية ضرورية لتنظيم النشاط الإنساني، لقد شكلّت العولمة تحديا كبيرا لسيادة الدولة الوطنية وشرعيتها وهددت هويتها الوطنية واستقلاليتها السياسية، وذلك بنقل جزء كبير من سلطاتها إلى الأعلى؛ لمؤسسات فوق وطنية وإلى الأسفل إلى منظمات المجتمع المدني على المستوى المحلي”[8]. ومن أهم ما يُنتقد على هذا النوع من الأطروحات النظرية، أنها تغفل الجانب الروحي والإنساني في الانتماء للوطن، وتعطي لسطوة المادة وسيطرتها المكانة الأقوى في تحديد الانتماء الوطني للإنسان.
ويرى طارق البشري أنّ المواطنة هي الوصف الجامع للأفراد والجماعات الذي تتشكل منهم الجامعة السياسية وتقوم بهم الدولة، وأنّ الوصف الجامع الذي تقوم به المواطنة هو ما يتعين أن يقوم به معيار التسوية بين المواطنين، وحيثما توافر هذا الوصف وجبت التسوية التامة بين من يتوافر فيهم هذا الوصف وجبت الصلاحية للمشاركة في النشاط العام بينهم جميعا[9]، ويركز البشري وكثير من المفكرين على المواطنة كعنصر ربط بين المواطنين، وواحد من الأسس التي تبنى عليها الدولة.
وبالعودة إلى الأفكار المتعلقة بالمواطنة في إطار الدولة الحديثة، نجد أنّ أغلب الباحثين يربطون بين المواطنة ومشمولاتها، حيث يصبح هذا المفهوم دالا على “صفة المواطن التي تترتب عليها حقوقه والتزاماته كمواطن”[10]. وهي بهذا المعنى تطلق على كل كائن بشري (فاعل بشري) إذا كان يتمتع بخصائص اجتماعية معينة لها معناها السياسي المعتد به قانونا، مثال الحقوق والواجبات والالتزامات، والحرية في اتخاذ القرارات التي تمثل شأنا يتصل بمصلحته الخاصة، وفي المشاركة في المصالح العامة وكذلك المشاركة في حياة المجتمع المدني[11]، هذه المشاركة، “وتحديدا المشاركة في الحياة العامة للمدينة وللوطن عموما، قد تأخذ أشكال اتفاقية-تعاقدية مثل المشاركة في الانتخابات التي تنظمها الحكومات، أو غير اتفاقية تحيل في إطار مبادرات جماعية مستقلة، أو الانتماء إلى رابطات ذات طابع محلي-اجتماعي (العون الشعبي) أو اجتماعي مهني (النقابات) أو دولي”[12]. ويضمن عنصر الحق في المشاركة للمواطن، اعتمادا على مبدأ المواطنة الجامع بين أعضاء المجتمع، حق الفرد في المشاركة السياسية عن طريق الانتخاب أو الترشح، وكذا تولي المهام الإدارية للدولة ومؤسساتها الرسمية، مع ما يستتبع ذلك من مراقبة للشأن العام وإمكانية محاسبة القائمين عليه.
لقد دفعت المساواة أمام القانون، والمشاركة في الحياة العامة، بعض الباحثين للتأكيد أنّ مسألة المواطنة وتعزيز قيمها وممارساتها هو من صميم مقاصد الدين الإسلامي، انطلاقا من أنّ المواطنة بما هي تكييف وتكيف للأفراد الذين تتكون منهم المجتمعات والجماعات في الوطن الواحد، وظل الدولة الجامعة، هي النصاب الضامن لنظام العلائق الإنساني الذي يدخل في مقاصد الشريعة، بل ربما كان محورها أو عمودها الفقري، بحسب أصولنا المؤسسة وحراكنا التاريخي والحضاري المعياري، أي الذي تشكل المسألة الأخلاقية حجر الزاوية في عمارته[13].
إنّ من أهم ما نخلص إليه بخصوص مسألة المواطنة، استنادا إلى الدراسات العلمية التي تناولت الموضوع ما يلي:
أولا: أنّ الدولة الحديثة هي دولة مواطنة وليست دولة رعايا، بمعنى أنها توجب وجود تعاقد بين المواطنين والمؤسسات السياسية، يضمن حقوق الأفراد ويحدد واجباتهم.
ثانيا: أنّ هذا التعاقد هو عقد اجتماعي سياسي، تتحدد عبره شرعية النظام السياسي القائم بالدولة بمقدار ما تلتزم السلطة السياسية وتحترم هذا التعاقد.
ثالثا: أنّ بذرة الديمقراطية الحقيقية لا تنمو بصورة سليمة وطبيعية إلا في ظل نظام سياسي يقوم على قيمة المواطنة، بمعنى أنّ هذه القيمة تشكل ما يسمى بالأرضية التحتية للبناء الوطني الديمقراطي.
رابعا: أنّ المواطنة هي عنصر الربط بين مكونات الحياة السياسية بالبلاد، عرقيا ودينيا واثنيا وجغرافيا، كما أنها أداةٌ للربط السياسي بين هذه المكونات في اختلافها وتنوعها الفكري والسياسي والإيديولوجي، وعليه، تصير المواطنة العنصر الرئيس في تحقيق الوحدة السياسية للدولة وتجاوز كل أثر سلبي محتمل لأشكال التنوع والاختلاف الموروثة والمستجدة بالمجتمع.
واستنادا لما تم استخلاصه، يمكننا الانطلاق إلى السؤالين التاليين: ما مفهوم المواطنة والوطنية عند البنا ولدى جماعة الإخوان المسلمين؟ ثم أهم التطورات والتغيرات التي لحقت مقاربة الجماعة لهذه القيمة السياسية الأساسية؟
ثانيا – المواطنة والوطنية عند البنا:
إنّ المتأمل لمفهوم الوطنية في فكر البنا كما وردت في “رسالة دعوتنا” يحمل معانٍ عدة، منها أنها وطنية الحنين؛ أي حب هذه الأرض والحنين إليها والانعطاف نحوها، ووطنية الحرية والعزة بما يؤكد العمل بكل جهد لتحرير البلد من الغاصبين، وتوفير استقلاله وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه، وهي وطنية المجتمع بتقوية الرابطة بين أبناء القطر الواحد، وهي وطنية الفتح، وليست وطنية الحزبية وتقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتراشق بالسباب وتترامى بالتهم، ويكيد بعضها لبعض[14]. وبهذه الصورة المجملة يوضح البنا موقفه من مفهوم الوطنية والمواطنة، وهو مفهوم متأثر بالواقع السياسي الذي عاشته مصر حينها، والمتمثل في الاحتلال البريطاني للبلاد، والأزمة السياسية المتعلقة بالصراع على السلطة، ومتأثر أيضا بالخلفية الفكرية التي ينطلق منها البنا وهي المرجعية الإسلامية.
وعلى هذا الأساس، فمرجعية البنا جعلته يحصر الرابط الممكن بين أبناء الوطن الإسلامي وتوحدهم في حاضرهم ومستقبلهم، في الرابط الديني أو رابط العقيدة، ولذلك قال في رسالته “إلى أي شيء ندعو الناس؟”: إنّ الأخوة الإسلامية جعلت كل مسلم يعتقد أنّ كل شبر من الأرض -فيه أخ يدين بدين القرآن الكريم- قطعة من الأرض الإسلامية العامة التي يفرض الإسلام على كل أبنائه أن يعملوا لحمايتها وإسعادها، فكان عن ذلك أن اتسع أفق الوطن الإسلامي، وسمت عن حدود الوطنية الجغرافية، والوطنية الدموية، إلى وطنية المبادئ السامية والعقائد الخالصة الصحيحة، والحقائق التي جعلها الله للعالم هدى ونورا. وبهذا يجتمع للمسلم ما لم يجتمع لغيره من أبناء الأمم الأخرى، أن يعمل للوطن، وأن يعمل للإنسانية كلها دون تعارض أو اختلاف، ولم يجتمعا من قبل في مبدإ من المبادئ التي عرفها الناس من قبل ومن بعد. ومن أدركوا الإسلام حق الإدراك علموا أنه -بحق- صيانة للوطن ورحمة للعالمين[15].
ولنا أن نكتشف من القول السابق أنّ الأولوية عند البنا في مسألة العمل على إسعاد الآخر هي للمسلم، بصرف النظر عن مكان وجوده، وفي هذا تعارض واضح مع وصف الرحمة العالمية الذي ختم به البنا قوله، ذلك أنّ مفهوم الرحمة العالمية لا يعني حصر الإسعاد على المشابه عقيدة وإيمانا، وإنما يتجاوزه ليشمل بني الإنسان كلهم.
وقد رد البنا على من يربط الوطنية فقط بالنضال لتحرير البلد، أو أنها سبيل تقوية روابط المجتمع بعضه ببعض، بقوله: إذا كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وأُلفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها، فذلك أمر مركوز في فِطَرِ النفوس من جهة، مأمور به في الإسلام من جهة أخرى. وإن كانوا يريدون أنّ من الواجب العمل بكل جهد في تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله له، وغرس مبادئ العزة والحرية في نفوس أبنائه، فنحن معهم في ذلك أيضا، وقد شدد الإسلام في ذلك أبلغ التشديد. وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد، وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية في مصالحهم، فذلك نوافقهم فيه أيضا، ويراه الإسلام فريضة لازمة. وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلاد وسيادة الأرض فقد فرض ذلك الإسلام ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح. وإن كانوا يريدون بالوطنية تقسيم الأمة إلى طوائف تتناحر، وتتضاغن، وتتراشق بالسباب، وتترامى بالتهم، ويكيد بعضها لبعض، وتتشيع لمناهج وضعية أملتها الأهواء، وشكلتها الغايات والأغراض، وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصية، والعدو يستغل كل ذلك لمصلحته، ويزيد وقود هذه النار اشتعالا، فتلك وطنية زائفة لا خير فيها لدعاتها ولا للناس”[16].
ويجعل البنا الانتماء للرابطة العقدية بين أبناء الوطن أولى وأعلى من الانتماء للرابطة الوطنية، ولذلك يرى أنه يوجد خلافٌ في مرجعية التضحية والنضال الذي يقوم به المسلم أو غير المسلم من أبناء مصر لأجل البلد، حيث يجعل الدافع المحرك للقبطي هو الدافع الوطني فقط، بينما يرى الدافع الذي يحرك المسلم يتجاوز البعد الوطني إلى أنه فريضة وضرورة إسلامية، وبهذا تكون الروابط بين المصريين في نظر البنا هي على مستويين؛ مستوى أعلى تتعلق بالرابط العقدي، ومستوى أدنى من الأول تتعلق بالانتماء الجغرافي والمكاني.
وقد حاول البنا أن يؤصل لموقفه من مسألة الأقباط أو الأقلية المسيحية بمصر، عبر الاستشهاد بعدد من آيات القرآن التي تنص على حماية الأقليات الدينية بالمجتمع الإسلامي، وتوصي بالبر والإحسان إليهم، وعلى آيات أخرى تلزم المسلم بالإيمان بكل الرسالات السماوية واحترامها لأنها من مصدر إلهي واحد، وهو الإيمان الذي ينفي على المسلم التعصب الأعمى لعقيدته الإسلامية، وذلك بما يمنعه من العدوان على أتباع الديانات الأخرى، ويضمن إسهامه الحقيقي في وحدة المجتمع وعدم تمزيق اتصاله[17].
وفي علاقة بالمفاهيم المرتبطة بمسألة المواطنة والوطنية، تحدث البنا عن مفهوم القومية، وهو عنده على مستويات عدة، أوضح موقفه من كل واحدة منها، وذلك انطلاقا من فكرته الإسلامية، وهي:
– قومية المجد؛ قال البنا: إن كان الذين يعتزون بمبدأ القومية يريدون من ذلك أن يسير الأحفاد على طريق الأجداد، والأخلاف على طريق الأسلاف، الذين آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، ونشروا الإسلام عقيدة وشريعة ونظام حياة، وحكموا الناس بعدل الإسلام وأناروا عقول البشرية بنور الإيمان، فهذا مقصد نبيل ومعنى حسن جميل يُقره الإسلام ويشجعه.
ـ قومية الأمة؛ قال البنا: إذا كان يراد بهذا المصطلح أنّ أمته أولى بخيره وماله وجهده من غيرهم من الأمم فهذا معنى يشجعه الإسلام، ويعتبر الإنفاق على الأقرباء له أجرين: أجر الصدقة وأجر القرابة.
ـ قومية الجاهلية؛ حذر البنا من هذه القومية ورفضها بشدة، ذلك لأن هذه القومية عند المنادين بها تعني إحياء عادات الجاهلية التي قضى عليها الإسلام، والتعصب للجنس والتعالي على الآخرين وإن كانوا مسلمين، والمناداة بالقيم الجاهلية والعادات الجاهلية بديلا عن القيم الإسلامية والمعاني الإيمانية والأخلاق الإسلامية الفاضلة.
ـ قومية العدوان؛ وهذه القومية يدل عليها عنوانها ومصطلحها فهي تقوم على انتقاص حقوق الناس وظلمهم والاعتداء عليها بغير وجه حق، وكانت هذه الجاهلية بأبشع صورها. لقد اعتبر هذه القومية نقيضة للدين الإسلامي، منعدمة الإنسانية، وهذا معنى ذميم نتيجته المُرة أن يتناحر الجنس البشري في سبيل وَهمٍ من الأوهام لا حقيقة له ولا خير فيه.
ـ القومية الإسلامية؛ يرى البنا معنى إسلاميا للقومية، وهذا المعنى يقوم على رابطة العقيدة، فكل من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا في عقيدة الإخوان المسلمين هو من الأمة الإسلامية، وعلى المسلمين أن يحبوه وينصروه ويبذلوا دماءهم وأموالهم في الدفاع عنه وحمايته. القومية الإسلامية عند البنا هي قومية إنسانية تستوعب جميع الأجناس والألوان والبلدان، ولهذا يرى أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة الدم والعشيرة والمصالح ورابطة الأرض، وهي وحدها تصلح لتجميع النوع الإنساني في أمة إسلامية إنسانية[18].
ويطرح موقف البنا من مسألة الوطنية والمواطنة بعض الإشكالات الأساسية، منها:
الإشكالية الأولى: أنّ فهم البنا وجماعة الإخوان المسلمين لمسألة النصرة ما يزال فهما قاصرا على الرابط العقدي، ذلك أنّ مناصرة المظلومين والمحرومين والمضطهدين من أبناء الإسلام في العالم بأسره، لا يجب أن تعني أنّ النضال لأجل رفع الظلم والقهر ينحصر على دين المقهور، لأن رسالة الإسلام الإنسانية والحضارية تنتصر للمظلومين والمقهورين في العالم كله، بصرف النظر عن دينهم وانتمائهم، ليس فقط لأن الجهاد في الإسلام يضمن الحرية وعلى رأسها حرية الاعتقاد والتدين، ولكن أيضا لأن المسلم غير ملزم بإقرار العالم بالإسلام أو التدين به، بل العمل على إشاعة قيم العدل والإنصاف والمحبة والسلام، وهي بلا شك، قيم لا تنحصر على العالم الإسلامي، بل يسعى المسلم إلى الإسهام في ضمانها وتحقيقها، وهي بالمحصلة جهد إنساني تختلف مرجعيات وخلفيات الساعين إليه.
الإشكالية الثانية: تتعلق بتوسيع معنى الوطنية إلى كل رابطة بين الناس ولو كانت فئوية، فالرابطة الحزبية مثلا، لا يمكن أن توصف بأنها وطنية حزبية، فهي كالانتماء إلى جمعيات المجتمع الأهلي، النقابي منه والخيري والتنموي، فلا يقال وطنية جمعوية أو نقابية، وسبب هذا الخلط الذي وقع فيه البنا يعود إلى مسألة الرابطة، التي تُشكل الفكرة الأساسية في مسألة المواطنة والوطنية عند مؤسس الإخوان.
ثالثا: تحولات الإخوان المسلمين في مقاربة إشكالية المواطنة.
بقيت إشكالية المواطنة مطروحة بحدة منذ البنا إلى ما بعد دخول الألفية الجديدة، وأعيد إحياء النقاش السياسي حولها بقوة بعد ثورة يناير، وقبل الوصول إلى ما قدمته الجماعة من أجوبة عن هذا الإشكال خلال تلك الفترة، وجب الوقوف عند أهم ما وصلت إليه جماعة الإخوان المسلمين في تصورها الفكري لمسألة المواطنة خلال العقد الأول من القرن الحالي.
ومن خلال قراءة الوثائق التي أصدرتها الجماعة بخصوص موضوع المواطنة، وكذا انتاج بعض قياداتها، ونخص بالتحديد؛ أولا: مبادرة 2004، ثانيا: البرنامج الانتخابي لعام 2005، ثالثا: برنامج الإخوان المسلمين لانتخابات 2007، نصل إلى الآتي:
- مبادرة 2004: التأكيد على مبدأ المواطنة وعدم التمييز بين المصريين، فقد ورد فيها:
- أنّ الأقباط هم شركاء الوطن والمصير، لهم مثل ما لنا وعليهم مثل ما علينا.
- حرية الاعتقاد والعبادة محترمة للجميع، والتعاون في كل ما يخدم الوطن ويحقق الخير لكل المواطنين أمر لازم.
- تأكيد الوحدة الوطنية وعدم السماح لأي نشاط يؤدي إلى إثارة مشاعر التفرقة الدينية أو التعصب الطائفي.
- الحرص على روح الأخوة المصرية التي أظلت أبناء مصر على مر القرون مسلمين وأقباطا، وإشاعة الأصول الداعية إلى المحبة والمودة بينهم لتمكين الأمة من العمل المتكامل لبناء مستقبلها، وحماية لها من ويلات التعصب الطائفي المقيت، وعدم السماح لأي محاولات تؤدي لإثارة مشاعر التفرقة أو التعصب الطائفي بين المصريين[19].
- البرنامج الانتخابي لعام 2005: المواطنة حقوق ملزمة.
تحدثت جماعة الإخوان المسلمين في هذا البرنامج عن مسألة المواطنة من حيث مقتضياتها، أي من جانب الحقوق الأساسية المؤسِّسَة لهذا المفهوم، والتي تقوم على حرية الاعتقاد، وحرية الرأي والتعبير، وحرية تكوين الأحزاب والتنقل والسفر، والحق في تكوين الجمعيات الأهلية، وفي التداول السلمي للسلطة، والحق في الشغل والرعاية الاجتماعية.. وقد أطلقت الجماعة على هذه الحقوق مسمى “منظومة حقوق المواطنة”[20].
- برنامج الإخوان المسلمين لانتخابات 2007: المواطنة أساس الدولة.
ورد مفهوم المواطنة حين الحديث عن الدولة المنشودة، والتي تقوم على مبدأ المواطنة. فمصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها، وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية، يكفلها القانون وفق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص.. وتعتبر المواطنة هي القاعدة التي تنطلق منها المطالبة بالديمقراطية، ليس بغرض تداول السلطة فحسب، بل بغرض ممارسة الديمقراطية. ورغم أن الجماعة تقول في الوثيقة ذاتها، إنه “يجب أن تعزز النصوص القانونية معاملة كل المواطنين على قدم المساواة دون تمييز، وعلى الدولة والمجتمع العمل على ضمان قيام الأوضاع الاجتماعية اللازمة لتحقيق الإنصاف، وأن يُمَكَّنَ الأفراد من المشاركة بفاعلية في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم، وخاصة في القرارات السياسية”[21]، فإنها في الآن نفسه تقيم تمييزا في تولي منصب رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وتقصي منهما “الأقباط” و”المرأة”، وإقصاء المسيحيين من هذه المهام بحسب الإخوان راجع لسبب عقدي، يتعلق بالأدوار الدينية التي يقوم بها الرئيس، والتي لا يمكن لغير المسلم أن يشرع في تنفيذها، وأما المرأة فيعود لأسباب عملية تتعلق بمسؤولية الرئيس في الولاية وقيادة الجيش، والتي تتعارض مع طبيعة المرأة وأدوارها الاجتماعية والإنسانية الأخرى.
إنّ الاستنتاجات السابقة حول مفهوم المواطنة في الفكر السياسي لدى جماعة الإخوان المسلمين، خلال العقد الأول من القرن الحالي، تمكننا من تسجيل ما يلي:
أولا: أنه تم التعامل بجمود مع مفهوم المواطنة، إذ لم يخضع هذا المفهوم للتفكر والتأمل اللازم، ومما يدل على هذا الأمر، محدودية إنتاج الجماعة الفكري والنظري في مقاربة مسألة المواطنة، حيث نجد أن أغلب الوثائق تتحدث عن مدلول ومعنى المواطنة بمفاهيم قديمة أو أخرى عامة يعوزها الاجتهاد، فهي مثلا تتحدث عن منصب رئاسة الدولة ورئيس الوزراء بنوع من القداسة الدينية.
ويلاحظ أيضا أنّ الحيز الكبير الذي أولاه البنا لفكرة المواطنة، بتنوعها وتعددها واختلافها، ومحاولته إبداء الرأي في كل واحدة منها، لم يكن هو الاهتمام نفسه من لدن الجماعة في العقود الأخيرة، فما تزال الجماعة تتحدث عن حقوق ومكانة الأقباط وحقوق المواطنين عموما في الدولة، دون أن يكون للإخوان المسلمين نظرية جديدة أو متجددة في المجال السياسي بخصوص مسألة المواطنة، لاسيما وأنّ الشريعة الإسلامية تحدثت عن مبادئ كلية ولم تتحدث عن مقررات تفصيلية.
ثانيا: إنّ تتبع الحياة السياسية المصرية، يؤكد أنّ مسألة المواطنة ليست أزمة أقباط فقط، ولكنها أزمة مجتمع ككل، ذلك أنّ حرية الشعب مقيدة، وإمكانية تأثيره في الحياة السياسية محدودة، وفاعلية المنظمات الأهلية والحقوقية متعلقة بمزاج السلطة ورهاناتها المحلية أو الدولية، وعليه، فإن الوضع القائم يفرض على جماعة الإخوان المسلمين توسيع التفكير في مجال المواطنة، بالانتقال من التمييز بين المصري المسلم ونظيره القبطي، إلى التمييز بين المصري العامل على بناء دولة المواطنة ومن يدعم نظام الاستبداد. ومن شأن توسيع هذا الأفق، أن يمنح الجماعة مساحة تحرك كبرى مع باقي الشركاء في العملية السياسية، من أجل توحيد الجهود في إطار معركتهم الموحدة، لإقرار سيادة الشعب على السلطة السياسية والمؤسسات المنتخبة.
ثالثا: توسيع مساحة تحرك الإخوان المسلمين في مقاربة موضوع المواطنة يسمح لها بتجاوز إشكالية أخرى طرحها هذا الموضوع، والمتمثلة في مكانة هذه القيمة السياسية العملية في الحياة، من أعلى إلى أدنى؛ أي من هرم السلطة السياسية تجاه المجتمع، بمعنى من زاوية الإيمان بإمكانات الأخير وقدرته الذاتية والمستقلة على تدبير شؤونه، وممارسة حقوقه كاملة في المواطنة. وأفقيا من الجانب المتعلق بالمؤسسات والتنظيمات الحزبية والحركية والاجتماعية، بمعنى من زاوية أفكارها وتصوراتها عن مسألة المواطنة، ومدى إسهامها العملي في توسيع مساحات استفادة المواطن من حقوق المواطنة أو العكس.
ويمكن لجماعة الإخوان المسلمين مِن خلال العنصرين الأخيرين، المتعلق أولهما بتوسعة مجال التفكير، وثانيهما بتوسعة مجال الحركة والعمل، أن تنجح في تحقيقهما عبر العمل على إعادة ترتيب مفاهيمها السياسية. وفي الوقت الذي يحضر مفهوم الشريعة وتطبيقها وفكرة الشورى وإلزامها لدى الإخوان المسلمين، وهو حضور شرعي وقانوني، متحقق عبر ضمان حق مكونات المجموع الوطني في التفكير في المسألة السياسية والصالح العام من الخلفية الفكرية التي يؤمنون بصلاحها وصوابها، فإن هذه الحرية لا تكون مجردة عن حاجات المجتمع الأهلي وانتظاراته، واستيعابٍ حقيقي لكل ما يهدد بناءه المجتمعي وتماسكه الداخلي، إذ تعد مسألة المواطنة وفي صلبها قضية الأقباط واحدة من أبرز الملفات التي “قد” تهدد أي تحول لإقامة نظام عادل وديمقراطي، بسبب التخوف المطروح من المشروع السياسي للجماعة.
إن أهمية المفاهيم الإسلامية في تحقيق بُعد الأصالة المفهومية، لا تلغي ضرورة التفكير الاجتهادي والتجديدي في طرح هذه المفاهيم واستعمالها، وذلك عبر تقديم بعض هذه المفاهيم أو تأخيرها، وتوسعة معناها أو تطويره، من باب واجب المرحلة أو العصر، وهي المقاربة التي ستسهم في تبديد التخوف القبطي والتيارات السياسية الأخرى من الفكرة السياسية الإسلامية بالرؤية الإخوانية، لاسيما وأنّ تركيز التفكير في مسألة المواطنة يستدعي تفكيرا جديا على مستوى إقرار المساواة الحقيقية بين المواطنين أمام القانون، والعدل في الاستفادة من الثروة الوطنية بين مجموع أبناء الشعب، وتحقيق الكرامة لكل أبناء الوطن بالمدن والقرى، وعدم التمييز بين المواطنين على أساس المعطى القدري في تولي المهام والمناصب الإدارية والسياسية من أدنى مستوى إلى أعلاه، وضمان حق الجميع في المشاركة السياسية والفعل السياسي بحرية، وضمان أجواء الإبداع والتنافس الخلاق بين الجميع، الهادف للصلاح الفردي والجماعي والإنساني، وتأصيل حق المجتمع في الحفاظ على ثقافته وموروثه الديني وحماية هذا الموروث وتطويره وغيرها… هذه العناصر تشكل في مجموعها فكرة المواطنة الشاملة أو الشمولية، أي في أبعادها المختلفة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية.
وتحقيق المواطنة بالمعنى الشمولي مرتكز بناء الدولة المواطنة، دولة الرشد السياسي، التي تتجاوز ثغرات ونقائص واختلال الدولة الوطنية، المتمثل أساسا في مسعى فرض فكرتها وسلطتها على المجتمع، والتحكم في توجهات الناس أو تسفيه اختياراتهم، وهو التوجه الذي قام على إقصاء تيارات أساسية من المجتمع، وعلى استخدام قوة السلطة لفرض الرأي والسياسات العامة، المؤدية إلى تزايد التناقضات البنيوية بالمجتمع المحلي، سواء بين الطبقات الاجتماعية بسبب غياب العدالة الاجتماعية والمجالية، أو بين المواطنين والمؤسسات السياسية بسبب غياب روح العدل وقداسة قيمة المسؤولية.
وعليه، فإن القيمة السياسية الحضارية التي يَسَعُ جماعة الإخوان المسلمين إضافتها بخصوص مسألة المواطنة، تتمثل أساسا في محورية الإنسان، وهي المحورية التي تتحقق بالتركيز على نهضة الإنسان، وإثراء وجوده، وتشجيع الإيجابي في شخصه، وإحياء مقومات فطرته النبيلة، المتسامية على كل مُعطى، والمنتصرة لأصل الإنسان، هذا المخلوق الحرُّ الـمُكَرَّم.
رابعا: الإخوان المسلمون والملف القبطي.
لدراسة موقف الإخوان المسلمين من المسألة القبطية، يتوجب بداية الرجوع إلى موقف حسن البنا من ثلاث قضايا رئيسية، وهي: أولا؛ الوضع العام للأقباط بالمجتمع الإسلامي. ثانيا؛ الموقف من مسألة الجزية. ثالثا؛ تولي الأقباط لمناصب المسؤولية بالدولة.
ذكر البنا في المسألة الأولى، الخاصة بالوضع العام للأقباط بالمجتمع الإسلامي، “أنّ الإسلام نظر إلى غير المسلمين بحسب موقفهم من المسلمين، فإن سالموهم وأوفوا بالتزاماتهم نحوهم، ولم يساعدوا عدوا عليهم، فقد أوجب على المسلمين أن يبروهم، ويحسنوا معاملتهم ويحموهم ويؤمنوهم على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.. أما إذا كان غير المسلمين قد نقضوا ما بينهم وبين المسلمين من عهود وغدروا بهم وقاتلوهم، وأسهموا في إخراج المسلمين من ديارهم، فيحرم على المسلمين أن يتولوهم، فإن فعلوا ذلك كانوا ظالمين لأنفسهم لأنهم عرّضوها لسخط الله وسخط الناس، وكانوا ظالمين لإخوانهم المسلمين لأنهم أعانوا عدوهم عليهم ولم يقوموا بواجب نصرتهم”[22].
وأما المسألة الثانية المتعلقة بإعطاء الجزية، فقد استطاع البنا أن يقدم قراءة تاريخية واقعية لهذه القضية، “فعندما سئل عن هذه المسألة قال إنّ الجزية أصبحت غير ذات موضوع ما دام كل المواطنين ينخرطون في الخدمة العسكرية ويدافعون عن الوطن سواء بسواء، وقد كان المسلمون قديماً هم الذين يدفعون ضريبة الدم، فعلى الآخرين أن يدفعوا ضريبة المال. فإذا اشتركوا مع المسلمين في القتال ضد أعدائهم سقطت عنهم الجزية. فقد كان يفسر الجزية بأنها بدل خدمة عسكرية، مُؤَسِّسَاً بذلك قراءة تنويرية تجاه العلاقة مع الآخر غير المسلم”[23]، وهي القراءة التي كانت بحاجة إلى مواصلة اجتهاد لأجل تطوير العقل السياسي للإخوان المسلمين في تعامله مع أتباع الديانات بالدولة الإسلامية نظريا والدولة الوطنية واقعيا.
وأما قضية الاستعانة بغير المسلمين وتوليتهم المناصب بالدولة المسلمة، فقد قال البنا بجواز استعانة الحكومة الإسلامية بغير المسلمين وقيَّد ذلك بقيدين هما: حالة الضرورة، وألا تكون في مناصب الولاية العامة. ومناصب الولاية العامة كثيرة منها القضاء سواء كان قضاء حِسبة أو مظالم أو خصومات، ومنها أهل العقد والحل الذين يكون من بينهم الخليفة ويختارونه، وكذلك ولاة الأقاليم وولاية الصلاة وولاية الحج وولاية الخراج وولاية الجهاد وولاية الصدقات وولاية الفيء والغنيمة، وولاية التفويض وغيرها من مناصب الولاية العامة[24].
والملاحظ أنّ مناصب الولاية العامة التي ذكرها البنا كثيرة جدا، ومنها بعض المهام التي لا تتأثر بطبيعة دين القائم بها، إن كان مسلما أو غير مسلم، لأنه يأخذ عنها أجرا من الحكومة أو الدولة، وهذا ما تنبهت إليه الجماعة في العقود الأخيرة، فلم يعد التمييز في شغل مناصب الولاية العامة قائما في جانبه السياسي إلا على منصبي رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء، نظرا لربط الإخوان المسلمين بينهما وبين بعض المهام الدينية.
إنّ تعميق النظر في الوثائق الأخيرة التي أصدرتها الجماعة قبل ثورة يناير 2011، ناقشت موضوع المسألة القبطية من ثلاث زوايا أساسية:
أولا: من الناحية النظرية والفكرية، يضع الإخوان حرية الاعتقاد على رأس الحريات التي تطالب الجماعة بتنزيلها على أرض الواقع، إضافة إلى باقي الحريات المتعلقة بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ثانيا: يرى الإخوان أنّ حملهم شعار “الإسلام هو الحل”، يتفق مع الدستور والقانون وأحكام القضاء، ويمثل هوية وثقافة وتاريخ الأمة، ويعزز حقوق المواطنة والعدالة بين كل أبناء الأمة دون تمييز على أساس الاعتقاد أو اللون أو الجنس، وكثيرا ما يتم الرجوع من طرف الجماعة في وثائقها إلى النصوص الإسلامية لتحديد الحل الذي جاء به الإسلام بخصوص حقوق وواجبات الأقباط أو أتباع الديانات الأخرى في المنظور الإسلامي.
ثالثا: تقول الجماعة إنّ الأقباط شركاء في الوطن، شركاء في مواجهة الاستبداد وفي بناء النهضة المصرية، التي لا يمكن أن تتحقق دون إشراك مختلف القوى المجتمعية، ولذلك، تردد الجماعة قولها برابطة المواطنة بين جميع المصريين، ورفضها للفتنة الطائفية التي تسعى بعض الجهات إلى إذكاء نارها بين المسلمين والأقباط، عبر افتعال بعض الأحداث أو تضخيم بعض المواقف والتصريحات.
إنّ تأمل زوايا النظر الثلاث السابقة، تفاعلا مع مسعى الإخوان المسلمين لتنزيل الإصلاح السياسي بصورة خاصة، والإصلاح الشمولي بصورة عامة، يؤكد حاجة جماعة الإخوان المسلمين إلى إعادة النظر في مقاربتها للملف القبطي على مستويات متعددة، وهي:
- مراجعة الشعار الانتخابي للجماعة؛ انطلاقا من التساؤل الآتي: كيف يمكن لقبطي أن يرفع شعار الإسلام هو الحل ويصدح به، دون أن يشعر بالتناقض الذاتي بين قوله واعتقاده؟ ولأنّ البرنامج الانتخابي هو برنامج سياسي لتحقيق أهداف مشتركة، قوامها الحرية والعدالة والمساواة، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، وصيانة سيادة الدولة، فإنها بالضرورة قيم عليا غير مختلف حولها في الحقل السياسي من منظور حضاري أو إنساني، ويمكن أن تكون أرضية للتفاهم، وتكون أيضا أرضية لاستقطاب الأقباط للجماعة على مستوى البرنامج السياسي وليس الدعوي، للفروق الواقعية بين الحقلين.
- استثمار الملف القبطي لمجابهة الاستبداد؛ ذلك أنّ الأقباط بقوتهم العددية والمادية والاقتصادية الكبيرة، لهم الحرية في الاختيار بين المشاريع السياسية التي يرون أنها الأنسب لمصر عموما ولهم خصوصا، ولا شك أنّ عدم اقتناعهم بطرح جماعة الإخوان المسلمين، يعني بالضرورة الانتصار للطرح المضاد، وأمام ضعف النقيض الإيديولوجي، فإنّ المنافس الأقوى للإخوان المسلمين هو السلطة القائمة، والتي تستغل الأقباط من أجل التخويف من فكر الإخوان من جهة، وتستثمر الوتر الطائفي لتحقيق مكاسب سياسية داخلية وخارجية من جهة أخرى، مما يعني إلزامية عمل الجماعة على دفع الأقباط نحو دعم الانتقال الديمقراطي والإصلاح والتغيير السياسي، الأمر الذي يفترض طرح كل تخوفات الأقباط، ووضع التصور الملائم والمتجاوز لحالة اللبس المعيشة.
- الانفتاح الاجتماعي والثقافي على الأقباط، فالجماعة راكمت خبرات مشهودة في تقديم الخدمات الاجتماعية والخيرية لفئات عريضة من الشعب المصري، بصرف النظر عن ديانة المستفيدين، كما اتسم عملها الاجتماعي بحركية وحيوية كبيرة، وهذا العمل، يمكن أن يكون أرضية مشتركة للعمل بين شباب الإخوان المسلمين ونظرائهم الأقباط، وبين نساء الإخوان والأخوات المسيحيات، لاسيما وأنّ المقصد الإنساني واحد لا يتعدد ولا يتناقض، ومحور التلاقي بين الإخوان والأقباط سيكون حول أرضية قيمية إنسانية، تتعلق أساسا بمسألة التسامح وتكريم الإنسان والمحبة الإنسانية، والإخاء والرحمة، والتحرر من ثقل المادة وسطوتها على الإنسان.
إنّ مقاربة جماعة الإخوان المسلمين لمسألة الأقباط تحتاج إلى بذل جهد مضاعف للتفكير فيها انطلاقا من مطلب الحرية، والمقصود من هذه المقاربة، ضمان حرية الأقباط الدينية وممارسة اختياراتهم الحياتية والثقافية في ظل المجتمع المحلي، بالموازاة مع إمكانية تحقيق الذات، وتقلد كلِّ المهام غير الدينية الإسلامية، وفق مبدأ الاستحقاق والكفاءة والمقدرة، دون أن يكون المانع هو طبيعة الانتساب الديني، فيحرم القبطي من شغل منصب سياسي أو إداري أو عسكري بسبب عقيدته، مما يضطره للتنازل عن عقيدته للاستفادة من بعض الحقوق السياسية، أو التنازل عن طموحه ورغبته في خدمة مجتمعه انتصارا لخياره الروحي وحريته الدينية.
خامسا: حق المواطنة أساس الدولة المدنية.
يبين استقراء الكتابات التي تطرقت إلى مسألة الدولة المدنية، أنها دولة تقوم على ثلاثة مبادئ أساسية:
أولا: مدنية السلطة الحاكمة؛ أي أنها سلطة غير عسكرية، بل إنَّ العسكر أو الجيش في هذا النموذج السياسي هم مؤسسة من بين مؤسسات أخرى، لها أدوراها الدقيقة والواضحة، كما أنها مؤسسة خاضعة لسلطة المدني والسياسي، ومراقبة من طرف البرلمان ولجانه المختصة.
ثانيا: لا سلطة لرجال الدين على المجتمع، فلا يتدخلون في الحياة للتأثير فيها باسم الإرادة الإلهية، فهم جزء من قوى الأمة أو الدولة وبعضٌ من تياراتها الفكرية والمدنية، لهم رأيهم وأفكارهم التي تبسط بوضوح للمجتمع، وتسيَّج بثابت النسبية والرأي البشري حين يتعلق الأمر بتأويل النصوص المقدسة أو تحليلها، ويكون بهذا المعنى رأيهم واجتهادهم يحتمل الصواب والخطأ، ويقبل الأخذ والرد.
ثالثا: المساواة أمام القانون، بصرف النظر عن دين المواطنين أو انتماءاتهم الجغرافية والفكرية والجنسية. والقضاء في الدولة المدنية سلطة مستقلة عن باقي السلطات، لكنه يتكامل معها ويتعاون، لأجل سيادة دولة الحق والقانون.
ولأن الدولة المدنية لا تقيم أي تمييز بين المواطنين على أساس انتمائهم الديني، وجب الوقوف عند موقف جماعة الإخوان المسلمين من هذا المفهوم، أي الدولة المدنية، وعن الإجابات التي تضمنها تصور الجماعة لمسألة المواطنة في ظل هذه الدولة. ويتبين من خلال تتبع البرنامج الانتخابي لجماعة الإخوان لعامي 2005 و2007، وتحديدا حين حديثها عن مسألة الدولة، أن الجماعة أكدت إيمانها بصفتها المدنية، لكنها سرعان ما عادت لتقول بمسعى إقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة والحدود.
وهكذا أوردت في البرنامج الانتخابي لعام 2005[25]، أنَّ: الإسلام يرفض السلطة الدينية فالدولة في الإسلام دولةٌ مدنيةٌ، تضع الأمة نُظُمَها ومؤسساتِها، وهي مصدر السلطات، وهذا اجتهاد بشري ضمن اجتهادات بشرية أخرى تُغيَّر وتُحَسَّن في إطار ثوابت الشريعة ومرجعيتها الحاكمة لسلطات الأمة والدولة، في نسق فكري متميز، فهي دولةٌ مدنيةٌ قامت وتقوم بتنفيذ الشريعة وإقامة حدود الله، وليس في الإسلام سلطة دينية لأحدٍ ـ مهما علا شأنه ـ على أحد إلا سلطة الموعظة الحسنة والدعوة إلى الخير والتنفير من الشر، وهي سلطةٌ خوَّلها الله لكل المسلمين.. أدناهم وأعلاهم. أما سلطة الحاكم فهي سلطةٌ بموجب العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، تقيمها الأمة، وتطور مؤسساتها المدنية، فالمدنية تنفي القدسية والكهانة عن الدولة مع بقاء مرجعيتها إسلاميةً شرعيةً؛ لأن الإسلام وضع حدودًا ورسم حقوقًا.. إنها دولةٌ تمزج بين الدين والدولة دونما فصل أو اتحاد؛ لذا فإن الأمة هي التي تولي الحاكم، وهي صاحبة الحق في السيطرة عليه، وهي تخلعه متى رأت ذلك من مصلحتها، فهو حاكمٌ مدنيٌّ من جميع الوجوه.
ويذكر مرشد الجماعة حينها محمد مهدي عاكف، في خاتمة الوثيقة أنّ الهدف لدى جماعةِ الإخوان من دخول مجلس الشعب أو دخول باقي المجالس المنتخبة والنقابات المهنية وكل مؤسسات المجتمع المدني، هو في النهاية إقامة المجتمع المسلم الذي يؤدي إلى إقامةِ الدولة الإسلامية التي يتحقق فيها الخير للناس جميعًا، مسلمين وغير مسلمين.
أما في البرنامج الانتخابي لجماعة الإخوان المسلمين لعام 2007[26]، فقد أفردت الجماعة مسألة الدولة مساحة كبيرة في البرنامج، وتحدثت فيه أنّ الدولة في منظورها هي دولة تقوم على مبدإ المواطنة، فمصر دولة لكل المواطنين الذين يتمتعون بجنسيتها وجميع المواطنين يتمتعون بحقوق وواجبات متساوية، يكفلها القانون وفق مبدأي المساواة وتكافؤ الفرص. وبينت أنَّ المواطنة هي القاعدة التي تنطلق منها المطالبة بالديمقراطية، ليس بغرض تداول السلطة فحسب، بل بغرض ممارسة الديمقراطية، المتجاهل لمبدأ الأغلبية. ويجب أن تُعزز النصوص القانونية معاملة كل المواطنين على قدم المساواة دون تمييز، وعلى الدولة والمجتمع العمل على ضمان قيام الأوضاع الاجتماعية اللازمة لتحقيق الإنصاف، وأن يُمَكَّنَ الأفراد من المشاركة بفاعلية في اتخاذ القرارات التي تؤثر في حياتهم، وخاصة في القرارات السياسية.
ويرصد البرنامج سمات الدولة في تصور جماعة الإخوان المسلمين، فهي دولة دستورية، تقوم على دعامات ثلاث؛ السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والتي تعمل بشكل متمايز ومتكامل ومتضامن في آن واحد، بوصف هذه الدعامات مانعاً من الاستبداد واحتكار السلطة، والمقرر شرعاً هو سد ذرائع الفساد وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وهي أيضا دولة تقوم على الشورى، ودولة سيادة القانون، ودولة مدنية. ورغم أنَّ الصفة الأخيرة، التي من معانيها عدم التمييز بين المواطنين على أساس ديني، إلا أنَّ الإخوان المسلمين يرون أنّ منصب رئيس الدولة ومنصب رئيس الوزراء لا يتولاهما الأقباط، نظرا لأن للدولة وظائف دينية أساسية، فهي مسؤولة عن حماية وحراسة الدين.
هذا الاستثناء يحتاج إلى إعادة قراءة جديدة، وذلك بالإجابة عن الأسئلة التالية: ما الأثر الذي سيخلفه تولي قبطي رئاسة الدولة أو الوزراء على المرتكزات التي تقوم عليها الدولة، باعتبارها دولة دستورية، وشورية، وقانونية، ومدنية؟ هل يمكنه أن يحل حراما أو يحرم حلالا؟ هل يمكنه ولوج حرب خارجية دون تنسيق مؤسسي ودواع موضوعية؟ هل يؤثر انتخابه على المجتمع المدني والحركات أو التنظيمات الدعوية والإسلامية لصالح نظيرتها المسيحية؟ بل هل يمكنه الوصول للرئاسة تحت يافطة حزب ديني أو تيار ديني مسيحي؟
إن الجواب الموحد للأسئلة أعلاه هو النفي، لأن هذه الممارسات المخالفة للدستور، والمعارضة والمهددة لاختيارات المجتمع، غير مسموح بالوقوع فيها، بصرف النظر عن دين رئيس الدولة أو رئيس الحكومة، كما أنّ الدولة المعاصرة هي دولة المؤسسات، المانعة لتحكم الرئيس أو السلطة التنفيذية في القرار السياسي ومصادرة حق بقية الفاعلين في الحياة السياسية، بل إنَّ الدولة المعاصرة تشهد بروز سلطتين في غاية التأثير والحيوية، وهما السلطة الرابعة أي الإعلام والصحافة، والسلطة الخامسة، وهي المجتمع المدني.
ومن الناحية المؤسساتية، وما دام الحديث عن دولة مدنية ديمقراطية دستورية يقول الإخوان بسعيهم لها، فإن من مقومات هذه الدولة وجود أحزاب سياسية بمرجعيات متعددة، سمتها أنها مدنية وسياسية وليست دينية فقط، فلا توجد أحزاب خاصة بالمسيحيين وأخرى حصرا على المسلمين، ولأن الأمر كذلك، فإن أبناء الديانتين -بصفتهم الوطنية لا الدينية- لهم الحق في اختيار الأحزاب والتيارات الفكرية التي يرون أنفسهم قريبين منها، أو تعكس انتظاراتهم واختياراتهم المجتمعية، مما يعني أنّ فرز قيادة قبطية على رأس الدولة أو الحكومة، لن يمثل انتماءه الديني في ذلك المنصب، بل سيمثل الجميع، ومن مهامه العملية تنزيل البرنامج الذي تم اختياره شعبيا لتولي ذلكم المنصب على أساسه، سواء أكان رئيسا للدولة أم للوزراء، فكيف يمكن تبرير إقصاء كفاءة وطنية أو قيادة سياسية من تولي منصب هي أهل له بمبرر الانتماء الديني؟
ومما يجعل مبررات إقصاء المواطنين المصريين غير المسلمين من تولي رئاسة الدولة والحكومة في غير محلها، أنَّ مختلف المهام المتعلقة بما يسمى حراسة الدين، موكولة إلى مؤسسات أخرى، سمتها الغالبة أو الواجبة هي الاستقلالية عن السلطة التنفيذية، من قبيل مشيخة الأزهر ومؤسسة الفتوى ومؤسسة الكنيسة، والهيئات المكلفة بالأوقاف والحج وغيرها، والأولى لجماعة الإخوان المسلمين أن لا تلجأ إلى الدساتير القائمة لتبرير عدم المساواة بين المواطنين في تولي المناصب العامة، بل أن تجتهد في الدفع باتجاه تمكين المجتمع المدني من سلطته التاريخية التي احتوتها السلطة السياسية وتحكمت فيها لأسباب مختلفة، وخصوصا مسألة الأوقاف ومؤسسات العلماء ومؤسسة المسجد والمجتمع المدني، بصورة تحرر الإرادة الشعبية وتطلق حرية المجتمع في المبادرة الحرة والفاعلة، وتحصر دور الدولة في الجوانب العملية المتعلقة بالأمن والتنظيم والتشريع وتسهيل حياة المواطنين، عبر تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بخلق الثروة وتحقيق التنمية والتنمية المستدامة، ومراعاة حاجيات الجيل الراهن وحفظ حق الأجيال المقبلة في ثروات البلد والوطن. وبهذا التوجه، يمكن للجماعة ضمان عدم قدرة النظام على الاستفراد بالحكم أو الاستبداد بالسلطة، بل يجعل القوة الأولى والفاعلية الكبرى للمجتمع وليس للنظام السياسي.
إنّ تمكين المجتمع وقواه الحية من تدبير الشأن السياسي وتحديد مخرجاته، ينطلق من جعل مبعث فكرة التغيير والإصلاح المنشود داخلي “جواني”، ومن أسفل إلى أعلى، ومن المركز إلى المحيط، وهذا ما يجعله ـ بحكم المشاركة المجتمعية ـ أكثر قوة وفاعلية وتأثيرا، وعلى هذا الأساس، فهو إصلاح ذاتي مدني اختياري ومتنوع، يحرر الدولة من همِّ الدعوة الذي أرادت الجماعة أن تجله عنوانا عريضا لها، ويحرر النص الديني من الارتهان لسلطة الدولة في التنزيل والتطبيق، ويحرر أفراد المجتمع من الارتهان لمصالحهم المادية والمعنوية، لأن الانتصار يكون في الختم لقوة الحجة وسلامة المنطق وأثر الفكرة على واقع الناس، وما هي الشريعة المأمول تطبيقها، سوى تحرير للإنسان وإسعاد له وضمان لتوازنه النفسي والاجتماعي.
وبهذا يمكن لجماعة الإخوان المسلمين أن تحقق الإضافة الإصلاحية الفاعلة في الحياة المصرية، لأن الحركة الإسلامية والإخوان في عمقها، أمامها ثقل وأمانة الإسهام الفاعل في إصلاح المجتمع، وهو دورها الرئيس الذي لم تنتصب له أية حركة أخرى سواء بالحجم نفسه أو التضحيات التاريخية ذاتها، بخلاف إصلاح الدولة، فهو أمر تشترك فيه الحركة الإسلامية مع غيرها من الحركات على اختلاف مشاربها وانتماءاتها، ولا يصح بحال أن يَعتقد الإخوان أنَّ الدولة المصرية لن ينصلح حالها إلا بالرؤية التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين، بل إنَّ التجربة التاريخية، القديمة والمعاصرة، أثبتت أنّ الإصلاح السياسي بالإمكان تحقيقه عبر الانتصار للقيم والمبادئ السياسية الإنسانية والحضارية، وهي بالطبع لا تنحصر في رؤية الجماعة، بل هي مبثوثة في تيارات وتوجهات أخرى، بالمجتمع المصري وبغيره من المجتمعات الإنسانية.
تركيب:
لقد تطرقنا في هذا الدراسة إلى قضية أساسية في مجال الإصلاح السياسي، وهي “قضية تعزيز قيم المواطنة”، وضمنها “قضية الأقباط بالمجتمع المصري”، و”الدولة المدنية كمرتكز تعزيز المواطنة”، وإضافة إلى ما توصلنا إليه من مخرجات ذُكر بعضها أعلاه، يمكننا تأكيد ما يلي:
أولا: إنّ استئصال الاستبداد وحل بنيته بالحالة المصرية ضرورة سياسية لتعزيز وتفعيل المواطنة الحقة بالمجتمع، وذلك لارتباط الاستبداد بالقضايا المؤثرة على تنزيل التعاقد بين المواطن والدولة، لاسيما ما يتعلق بحق المواطن في العيش الكريم، والتوزيع العادل للثروة القومية، وتحسين الخدمات الإدارية والعامة، ومحاربة الفساد، ومواجهة استغلال مؤسسات الدولة للأغراض الشخصية والخاصة، وغيرها…
ثانيا: تعزيز قيم المواطنة وفق الشروط السابقة، مرهون بمدى تحقيق الدولة لسيادتها الحقيقية على سلطتها وصلاحياتها وحقوقها السياسية والاقتصادية والثقافية، في مواجهة القوى الخارجية أو جماعات الضغط الداخلية.
ثالثا: إنّ أزمة الاستبداد القائم واختلال قيم المواطنة وتنزيل مشمولاتها العملية، راجع في جزء كبير منه إلى الفجوة التي وقعت خلال العقود الأخيرة ما بعد تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي، والتي فتحت السوق الوطنية أمام المنتج الأجنبي، وحسنت بعض الصناعات المحلية، وخدمات الصحة والتعليم، لكنها تجاهلت الإشراك العام للطبقة المتوسطة الجديدة في إصلاح النموذج السياسي بالبلاد، أمر أثَّرَ سلبا على الحقوق السياسية والفكرية لعموم المواطنين، وعلى قضايا الحريات العامة الواجب حمايتها، بوصفها دعائم لحقوق المواطنة.
رابعا: نجاح الأمة المصرية في التنزيل السليم لقيم المواطنة يمر عبر تعزيز روابط التضامن والاعتراف المتبادل والتعاون الشامل بين أبناء البلد، والقطع مع كل أشكال التمييز بين المواطنين على أساس ديني، وسد مداخل الصراع العقدي والخلاف المذهبي بين المواطنين، وهي مهمة بحاجة لمشاركة جادة من الإخوان المسلمين، بمزيد من الاجتهاد في الرؤية الإصلاحية والأفكار الإسلامية المقدمة من الجماعة لإصلاح الأوضاع العامة المصرية.
وختاما، وبعد أن تبين من خلال الوقوف عند تصور جماعة الإخوان المسلمين لمسألة المواطنة، سواء في فكر حسن البنا أو في تصورها خلال القرن الجاري، صحة الفرضية التي انطلقت منها الدراسة، والقائلة إنّ “جماعة الإخوان المسلمين تعاملت مع قضية المواطنة بمنطق تقليدي، لم يستثمر فرص الاجتهاد الديني والسياسي المتاح أمامها لأجل بلورة تصور جديد لمفهوم المواطنة وحقوق الأقلية الدينية في الدولة الإسلامية، مما أثر على تصورها وتجربتها العملية لإصلاح الحياة السياسية والإسهام في بناء الدولة الديمقراطية الحقيقية”، يمكن أن نخلص إلى أن الاستبداد أكبر خطر يواجه استقرار الدولة وأمن المجتمع، ولذلك كان تعزيز قيم المواطنة، وإشراك الأقباط في مجابهة الاستبداد، من المداخل الأساسية للنجاح في رهانات الإصلاح السياسي بالبلاد، وأن الوصول إلى هذه الغاية، يفترض مشاركة مختلف القوى الحزبية والسياسية والمدنية، ومن ضمنها جماعة الإخوان المسلمين، والتي يتوجب أن تعيد قراءة تصورها لمسألة المواطنة، وتجدد البناء الفكري الذي تنطلق منه في إقرار عناصر هذا التصور.
لائحة المراجع:
- أندرو إدجار وبيتر سيدجويك، موسوعة النظرية الثقافية، ترجمة هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة، القاهرة مصر، 2014، الطبعة الثانية.
- حسن البنا، مجموعة الرسائل، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة مصر، 2006، الطبعة الأولى.
- حسن طارق، دستورانية ما بعد انفجارات 2011، قراءات في تجارب المغرب وتونس ومصر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت لبنان، 2016، الطبعة الأولى.
- سحر محي الدين الفكي، المواطنة والوحدة الوطنية في الوطن العربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء المغرب، 2010 الطبعة الأولى.
- سعيد بن ناصر الغامدي، المرجعية في المفهوم والمآلات، مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث، بيروت لبنان، 2015، الطبعة الأولى.
- سيدي محمد ولد يب، الدولة وإشكالية المواطنة، كنوز المعرفة، عمان الأردن، 2011، الطبعة الأولى.
- طارق البشري، التجدد الحضاري، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت لبنان، 2015، الطبعة الأولى.
- طارق البشري، نحو تيار أساسي للأمة، دار الشروق، مصر القاهرة، 2011، الطبعة الأولى.
- عبد الغني عماد، الإسلاميون بين الثورة والدولة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، 2013، الطبعة الأولى.
- عمار جفال، المواطنة والوحدة الوطنية في الوطن العربي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء المغرب، 2010 الطبعة الأولى.
- محمد عبد القادر أبو فارس، الفقه السياسي عند حسن البنا، دار البشير للثقافة والعلوم، طنطا مصر، 1999، الطبعة الأولى.
- محمد عمارة، الإسلام والأقليات، الماضي والحاضر والمستقبل، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة مصر، 2003، الطبعة الأولى.
- هادي العلوي، قاموس الدولة والاقتصاد، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 1997، الطبعة الأولى.
- هاني فحص، مأزق الدولة بين الإسلاميين والعلمانيين، جسور للترجمة والنشر، بيروت لبنان، 2016، الطبعة الأولى.
- هيثم أبو خليل، إخوان إصلاحيون، دار دَوّن للنشر والتوزيع، القاهرة مصر، 2013، الطبعة الثالثة.
المواقع الإلكترونية والبرامج الانتخابية:
- إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية، كتب عربية، منشور إلكتروني.
- البرنامج الانتخابي لجماعة الإخوان المسلمين لسنة 2005:
https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title
- برنامج الإخوان المسلمين لانتخابات 2005: https://www.ikhwanwiki.com
- برنامج الإخوان المسلمين لانتخابات 2007: https://www.ikhwanwiki.com
- برنامج حزب الإخوان المسلمين، الإصدار الأول، 25 أغسطس 2007:
https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title
- مبادرة جماعة الإخوان المسلمين للإصلاح الداخلي في مصر 2004: https://www.ikhwanwiki.com
[1] – المقصود بالدولة الإسلامية هنا: الدولة التي تنص في دستورها أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، وأن القرآن والسنة ومصادر التشريع الإسلامي الأخرى هي المصادر الأساسية للتشريع.
[2] – يخلص سعيد بن ناصر الغامدي في كتابه “المرجعية في المفهوم والمآلات”، الصادر عن مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث، بيروت لبنان، 2015، الطبعة الأولى، ص 105، بعد دراسة المرجعية وأقسامها وآثارها الاعتقادية والعملية، أن مفهوم المرجعية: هو “الإطار الكلي والأساس المنهجي، المستند إلى مصادر وأدلة معينة لتكوين معرفة ما أو إدراك ما ينبني عليه قول أو مذهب أو اتجاه يتمثل في الواقع علما أو عملا”.
[3] – المقصود بالجماعة الوطنية: وحدة الانتماء الجماعي الرئيسية التي يقوم بها التكوين السياسي، وهي تضم العديد من القوى والجماعات المكونة لعناصر الجماعة السياسية. للاستزادة، انظر: “طارق البشري، نحو تيار أساسي للأمة، دار الشروق، مصر القاهرة، 2011، الطبعة الأولى”.
[4] – الدستورانية هي تلك المنظومة من الآليات التي تتيح ميلاد نسق فاعل من القيود التي تهم ممارسة الحكم، أكان ذلك من خلال توزيع السلطات، أم قواعد المنافسة، أم المسؤولية السياسية للحكومة. انظر: حسن طارق، دستورانية ما بعد انفجارات 2011، قراءات في تجارب المغرب وتونس ومصر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت لبنان، 2016، الطبعة الأولى، ص 11.
[5] – من ذلك قول محمد عمارة: “يلزم الأقباط في الحالة المصرية، مثلما هو وضع المسلمين في الدول الغربية، باحترام القوانين الجاري بها العمل بالدولة، على اعتبار أنها صادرة عن الإرادة العامة للمجتمع، وبالمقابل، فإن هذه القوانين نفسها، تضمن لهذه الفئات حريتها في ممارسة شعائرها الدينية والتعبدية وتنزيل تشريعاتها الخاصة على أحوالها الأسرية والشخصية”. انظر: محمد عمارة، الإسلام والأقليات، الماضي والحاضر والمستقبل، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة مصر، 2003، الطبعة الأولى، ص 53/54.
[6] – سحر محي الدين الفكي، المواطنة والوحدة الوطنية في الوطن العربي، مؤلف جماعي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء المغرب، 2010 الطبعة الأولى، ص 242/243.
[7] – إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي، الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية، كتب عربية، منشور إلكتروني، ص 437/438.
[8] – عمار جفال، المواطنة والوحدة الوطنية في الوطن العربي، مؤلف جماعي، ص 29.
[9] – طارق البشري، التجدد الحضاري، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت لبنان، 2015، الطبعة الأولى، ص 220.
[10] – هادي العلوي، قاموس الدولة والاقتصاد، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 1997، الطبعة الأولى، ص 33.
[11] – أندرو إدجار وبيتر سيدجويك، موسوعة النظرية الثقافية، ترجمة هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة، القاهرة مصر، 2014، الطبعة الثانية، ص 628.
[12] – سيدي محمد ولد يب، الدولة وإشكالية المواطنة، كنوز المعرفة، عمان الأردن، 2011، الطبعة الأولى، ص 15.
[13] – هاني فحص، مأزق الدولة بين الإسلاميين والعلمانيين، جسور للترجمة والنشر، بيروت لبنان، 2016، الطبعة الأولى، ص 81.
[14] – هيثم أبو خليل، إخوان إصلاحيون، دار دَوّن للنشر والتوزيع، القاهرة مصر، 2013، الطبعة الثالثة، ص 13/14.
[15] – حسن البنا، مجموعة الرسائل، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة مصر، 2006، الطبعة الأولى، ص 69.
[16] – حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة دعوتنا 1935، ص 132/134.
[17] – حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة النور 1936، ص 170.
[18] – محمد عبد القادر أبو فارس، الفقه السياسي عند حسن البنا، دار البشير للثقافة والعلوم، طنطا مصر، 1999، الطبعة الأولى، ص 86/89. وأيضا: حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة إلى أي شيء ندعو الناس 1934، ورسالة دعوتنا 1935.
[19] – مبادرة جماعة الإخوان المسلمين للإصلاح الداخلي في مصر 2004: https://www.ikhwanwiki.com، تم الاطلاع على الوثيقة بالموقع الالكتروني يوم السبت 19 غشت 2020، على الساعة الخامسة بتوقيت غرينتش.
[20] – برنامج الإخوان المسلمين لانتخابات 2005: https://www.ikhwanwiki.com، تم الاصلاح على الوثيقة بالموقع الالكتروني يوم الاثنين 31 غشت 2020، على الساعة العاشرة بتوقيت غرينتش.
[21] – برنامج الإخوان المسلمين لانتخابات 2007: https://www.ikhwanwiki.com، تم الاطلاع على الوثيقة بالموقع الالكتروني يوم الثلاثاء 21 أبريل 2020، على الساعة الثالثة بتوقيت غرينتش.
[22] – محمد عبد القادر أبو فارس، الفقه السياسي عند حسن البنا، ص 65.
[23] – عبد الغني عماد، الإسلاميون بين الثورة والدولة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت لبنان، 2013، الطبعة الأولى، ص 228.
[24] – محمد عبد القادر أبو فارس، الفقه السياسي عند حسن البنا، ص 66/76.
[25] – البرنامج البرنامج الانتخابي لجماعة الإخوان المسلمين لسنة 2005: https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title
[26] – برنامج حزب الإخوان المسلمين، الإصدار الأول، 25 أغسطس 2007: https://www.ikhwanwiki.com/index.php?title، تم الاطلاع على الوثيقة بالموقع الالكتروني يوم الخميس 09 يوليوز 2020، على الساعة العاشرة صباحا بتوقيت غرينتش.