
المبادئ العامة لحقوق الإنسان في خطبة الوداع مقارنة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان
General principles of human rights in the farewell sermon
Compared to the Universal Declaration of Human Right
أ مشارك د. منصور محمد أحمد يوسف، جامعة المدينة العالمية (ميديو)- ماليزيا.
Mansour Mohamed Ahmed Yousef, Al-Madinah International University (MEDIU- Malaysia
بحث منشور في مجلة جيل حقوق الانسان العدد 40 الصفحة 11.
Abstrac:
The issue of human rights is one of the issues of great importance in the Western world in the modern era, at the level of peoples, countries, organizations and international bodies. The “Universal Declaration of Human Rights” approved by the United Nations General Assembly on the tenth of December 1948 AD, which is what some glorify As the first declaration issued by a world body, this is an outright fallacy; Because the contemplator in the Prophetic Sunnah in general, and in the farewell sermon in particular, which was delivered by the Messenger of Islam and all mankind e more than fourteen centuries ago, and it was a farewell meeting between the Messenger of God e and his nation, and he laid in it the principles of mercy, humanity and human rights, is considered as the first universal declaration of human rights.
This research defines the farewell sermon, which is one of the prophetic documents that is an important source of legitimate politics, as well as the general principles of human rights established by the farewell sermon, and makes a comparison between the farewell sermon and the Universal Declaration of Human Rights.
key words: General principles, human rights, farewell pilgrimage, universal declaration.
مستخلص:
تحظى قضية حقوق الإنسان من القضايا بأهمية كبرى في العالم الغربي في العصر الحديث، على مستوى الشُّعوب، والدُّول، والمنظمات والهيئات لدولية، ويُعَدُّ “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من شهر ديسمبر 1948م، وهو ما يتغنَّى به البعض باعتباره أول إعلان يصدر عن هيئة عالمية، وهذا يُعَدُّ مغالطةً صريحةً؛ لأنَّ المتأمل في السُّنَّة النَّبوية عامةً، وفي خطبة الوداع خاصةً والتي ألقها رسول الإسلام والبشرية جمعاء e منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وكانت لقاء وداع بين رسول الله e وأمته، وأرسى فيها مبادئ الرحمة والإنسانية وحقوق الإنسان، تُعتبر بمثابة الإعلان العالمي الأول لحقوق الإنسان.
وهذا البحث يُعرِّف بخطبة الوداع، وهي من ﺍﻟﻮﺛﺎئق النَّبوية التي تعتبر مصدرًا مهمًّا من مصادر السِّياسة ﺍﻟشَّرﻋﻴﺔ، كما المبادئ العامة لحقوق الإنسان التي رسختها خطبة الوداع، ويعقد مقارنةً بين خطبة الوداع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
الكلمات المفتاحية: المبادئ العامة، حقوق الإنسان، حجة الوداع، الإعلان العالمي.
مقدمة:
تُعَدُّ قضية حقوق الإنسان من القضايا التي تحظى بأهمية كبرى في العالم الغربي في العصر الحديث، على مستوى الشُّعوب، والدُّول، والمنظمات والهيئات لدولية.
ويُعَدُّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من شهر ديسمبر 1948م، تتويجًا لجهود المفكرين والمصلحين في العالم الغربي، وقد صدر ذلك الإعلان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة، تعبيرًا عن الرَّغبة في وحدة حقوق الإنسان في المجتمع الدولي الذي قاسى من ويلات الحرب.
وإذا كان البعض يتغنَّى بذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتباره أول إعلان يصدر عن هيئة عالمية- فإنَّ هذا يُعَدُّ مغالطةً صريحةً؛ لأنَّ المتأمل في السُّنَّة النَّبوية عامةً، وفي خطبة الوداع خاصةً والتي ألقها رسول الإسلام والبشرية جمعاء e منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وكانت لقاء وداع بين رسول الله e وأمته، حيث لخَّص فيها مقاصد الإسلام في كلمات جامعة، وأرسى فيها مبادئ الرحمة والإنسانية وحقوق الإنسان، تُعتبر بمثابة الإعلان العالمي الأول لحقوق الإنسان.
أهمية البحث: اهتمت السُّنَّة النَّبوية المشرفة بحقوق الإنسان وأصَّلت لها، خاصةً ما ورد في خطبة الوداع التي قرَّر فيها رسول الله e المبادئ العامة لحقوق الإنسان، بما يُعَدُّ سبقًا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من شهر ديسمبر 1948م.
أسئلة البحث: يحاول هذا البحث الإجابة عن هذه الأسئلة:
- ما سياق خطبة الوداع عند أهل الحديث والسِّيرة؟
- ما المبادئ العامة لحقوق الإنسان التي رسختها خطبة الوداع؟
- ما أبرز الفروق بين خطبة الوداع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟
أهداف البحث: يهدف هذا البحث إلى:
(1) سرد سياقة خطبة الوداع عند أهل الحديث والسِّيرة.
(2) إظهار المبادئ العامة لحقوق الإنسان التي رسختها خطبة الوداع.
(4) المقارنة بين خطبة الوداع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
منهج البحث: اقتضت طبيعة البحث استخدام المنهج الوصفي التَّحليلي؛ وذلك بوصف خطبة الوداع وتحليل ما فيها من مبادئ حقوق الإنسان، واستخدام المنهج المقارن للمقارنة بين حجة الوداع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
تقسيمات البحث:
سأقسم هذا البحث إلى ثلاث مباحث: المبحث الأول: سياقة خطبة الوداع عند أهل الحديث والسِّيرة. المبحث الثاني: التَّأسيس لمبادئ حقوق الإنسان خطبة الوداع. المبحث الثالث: المقارنة بين خطبة الوداع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
المبحث الأول: سياقة خطبة الوداع عند أهل الحديث والسِّيرة
اشتهر برواية حجة الوداع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صحيح مسلم([1])، قال الإمام النَّووي: «هو أحسن الصَّحابة سِياقةً لرواية حديث حجة الوداع، فإنَّه ذكرها من حين خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى آخرها، فهو أضبط لها من غيره»([2]) .
وقال أيضًا: «وهو حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ونفائس من مهمات القواعد، وهو من أفراد مسلم لم يروه البخاري في صحيحه، ورواه أبو داود([3]) كرواية مسلم، قال القاضي وقد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا وصنَّف فيه أبو بكر بن المنذر جزءًا كبيرًا وخرَّج فيه من الفقه مائةً ونيفًا وخمسين نوعًا، ولو تقصى لزيد على هذا القدر قريب منه»([4])، وقال عن هذه الخطبة الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة كتابه لسان الميزان: «وقد بلغت التَّواتر»([5]).
وقد روى هذا الحديث عن سيدنا جابر بن عبد الله سبعة من ثقات أصحابه الأكابر([6]). منهم محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو جعفر الباقر (وهي التي سأعتمد نصَّها في هذا البحث).
وهذا نص رواية مسلم في صحيحه: «إنَّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
ألا كلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوعٌ([7])، ودماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة بن الحارث، كان مُسْتَرْضَعًا في بني سعد فقتلته هُذيل، وربا الجاهلية موضوعٌ، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب؛ فإنَّه موضوعٌ كله.
فاتقوا الله في النِّساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده، إن اعتصمتم به؛ كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟»، قالوا: نشهد أنَّك قد بلَّغت، وأدَّيت، ونصحت، فقال بإصبعه السَّبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد». ثلاث مرات.
وقد ذكرها ابن هشام في “السِّيرة النَّبوية”، وفيها زيادة: «أيها النَّاس، اسمعوا قولي فإنِّي لا أدرى لعليِّ لا ألقاكم بعد عامي هذا، بهذا الموقف أبدًا.
أيها النَّاس، إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحُرمة يومكم هذا، وكحُرمة شهركم هذا، وإنَّكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم وقد بلغت، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى مَنِ ائتمنه عليها.
وإنَّ كلَّ ربا موضوع، ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تُظلمون، قضى الله أنَّه لا ربا وإنَّ ربا عباس بن عبد المطلب موضوعٌ كلُّه.
وإنَّ كلَّ دمٍ كان في الجاهلية موضوعٌ، وإنَّ أول دمائكم أضع دمَ ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، وكان مُسْتَرْضَعًا في بني ليث فقتلته هُذيل، فهو أولُّ ما أبدأ به من دماء الجاهلية.
أما بعد: أيها الناس، فإنَّ الشَّيطان قد يئس([8]) من أن يُعبد بأرضكم هذه أبدًا، ولكنه أن يُطع فيما سوى ذلك، فقد رضى به فيما تُحَقِّرون من أعمالكم([9])، فاحذروه على دينكم.
أيها الناس، إنَّ النسيئ زيادةٌ في الكفر يُضلُّ به الذين كفروا يُحلونه عامًا، ويُحرمونه عامًا ليواطئوا عدة ما حرَّم الله؛ فيُحلوا ما حرَّم الله ويحرموا ما أحل الله، وإنَّ الزَّمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإنَّ عدَّة الشُّهور عند الله اثنا عشر شهرًا منها أربعةٌ حرم؛ ثلاثة متوالية ورجب مُضَر الذى بين جُمادى وشعبان.
أما بعد: أيها الناس، فإنَّ لكم على نسائكم حقًّا ولهن عليكم حقًّا لكم عليهن أن لا يُوطئن فُرُشكم أحدًا تكرهونه وعليهن أن لا يأتين بفاحشةٍ مُبينةٍ؛ فإن فعلن فإن اللهَ قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنِّساء خيرًا؛ فإنَّهن عندكم عَوَانٌ لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنَّكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، فاعقلوا أيها الناس قولي فإنِّي قد بلغت.
وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا أمرًا بينا كتاب الله وسنة نبيه.
أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه تعلمُنَّ أنَّ كلَّ مسلمٍ أخٌ للمسلم، وأن المسلمين إخوةٌ فلا يحلُّ لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت».
فذكر لي أن النَّاس قالوا: اللهم نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اشهد»([10]).
المبحث الثاني: التَّأسيس لمبادئ حقوق الإنسان في خطبة الوداع.
لقد كرَّم الإسلامُ الإنسانَ باعتباره المـُسْتَخْلَف في أرض الله، وجعله الله مُكوَّنًا من جسد وروح، فهو بحاجة لإشباع متطلبات جسده وروحه، دون أن يطغى جانبٌ منهما على الآخر، وقد كرَّمه الله تعالى، فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا}[سورة الإسراء: 70]، وأحسن خلقه، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة، فقال تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِين * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين}[سورة ص:71 – 72 ].
لذلك، فمن الواجب على المسلمين أن يُعلنوا في الآفاق تكريم الإسلام للإنسان، ويُظهروا الحقوق التي منحها الله له، لا سيما في هذا الزمان الذي أُهدرت فيه هذه الحقوق، وداستها المنظمات العالمية.
ولو تأملنا خطبة الوداع على قلة كلماتها، ودققنا النظر فيها لوجدنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
(أ)حق الحياة:
أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع خطبة الوادع لمبدأ مهمٍّ جدًّا من المبادئ العامة لحقوق الإنسان هو حق الإنسان في الحياة، والأمن على دمه وماله وعرضه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ دماءكم وأموالكم حرامٌ عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا».
وتُعَدُّ حرمة الدم والمال والعِرْض في الإسلام من أهم مقاصد الشَّريعة الإسلامية، بل من الضَّرورات الخمس التي اتفقت أمة الإسلام، وسائر الأمم عليها، قال الشَّاطبي :«فقد اتفقت الأمة – بل سائر الملل- على أنَّ الشَّريعة وُضِعَتْ للمحافظة على الضروريات الخمس- وهي: الدِّين، والنَّفس، والنَّسل، والمال، والعقل- وعلمها عند الأمة كالضَّروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل عُلمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد»([11]).
وقد توعد القرآن الكريم من يعتدَّي على النَّفس البشرية بأشد الوعيد فقال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[سورة النساء: 93].
قال ابن كثير([12]): «وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم، الذي هو مقرون بالشِّرك بالله في غير ما آية في كتاب الله، حيث يقول سبحانه: {َالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [سورة الفرقان: 68]، وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا}إلى أن قال: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[سورة الأنعام: 151]».
والأحاديث في تحريم القتل وانتهاك حرمة المسلم كثيرة جدًّا؛ فمن ذلك:
ما ثبت في الصَّحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ»([13]).
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم»([14]).
ومن حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن أهل السَّماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار»([15]).
(ب) حق العدل:
كما أرسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع خطبة الوادع لمبدأ مهمٍّ جدًّا من المبادئ العامة لحقوق الإنسان هو حق الإنسان في أن تقوم حياته على العدل، فقد حذَّر من كل صور الظلم، وكل أمور الجاهلية فقال: «ألا كلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإنَّ أول دم أضع من دمائنا دم بن ربيعة بن الحارث، كان مُسْترضعًا في بني سعد فقتلته هُذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب؛ فإنه موضوع كله».
فقد قامت السماوات والأرض على العدل، وهو اسم من أسماء الله الحسنى، ولم يرسل الله الرسل، أو ينزل الكتب إلا من أجله، فقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[سورة الحديد: 25]، وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ}[سورة النحل: 90].
وشدَّد الله سبحانه على أن تكون معاملة اليتامى في أموالهم بالقسط، فقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ}[سورة الأنعام: 152]، وقال جل شأنه: {وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ}[سورة النساء: 127].
وأمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بالقسط بين أهل الكتاب، فقال سبحانه: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [سورة المائدة: 42]، وقال مخاطبًا عامة المؤمنين: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}[سورة النساء: 58]
ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ…» الحديث([16]).
وكما أمر الله تعالى بالعدل في كل شأن من شئون الحياة، فقد حرَّم سبحانه الظلم بكل صوره، وبالغ الله سبحانه فحرمه على نفسه، ففي حديث أبى ذرٍّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: «يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا…» الحديث([17]).
(ج) الحقوق الزَّوجية:
أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطلع خطبة الوادع للحقوق الأساسية في الحياة الزَّوجية، والتي تُنظم العلاقة بين الرجل والمرأة، فقال صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
فالعلاقةُ بين الرجل والمرأة ترسي القواعدَ لبناء المجتمع المسلم، فهي اللبنة الأولى فيه، فإذا كانت قائمة على التقوى والصلاح صلُح المجتمع بأكمله، وقد بيَّن لنا الله تعالى دستور العلاقة بين الزوجين أجمل بيان وأكمله فقال سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[سورة البقرة: 228].
قال الإمام القرطبي: « أي: لهن من حقوق الزوجية على الرجال مثل ما للرجال عليهن؛ ولهذا قال ابن عباس: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي، وما أحب أن أستنظف كل حقي الذي لي عليها فتستوجب حقها الذي لها علي ، لأن الله تعالى قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي: زينة من غير مأثم. وعنه أيضًا: أي: لهن من حُسن الصحبة والعِشْرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لأزواجهن»([18]).
قال ابن كثير:« قوله: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أي: في الفضيلة في الخُلُق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[سورة النساء: 34]، وقوله: {وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم}أي: عزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره، حكيم في أمره وشرعه وقدره»([19]). وهذا تحذير من الله سبحانه وتعالى لمن يخالف أوامره ويعبث بالأسرة ومقدراتها.
* هذا، وقد برزت خلال الأيام الماضية قضية (الاغتصاب الزَّوجي)([20])، واحتلت مساحةً كبيرةً عبر مواقع التَّواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة في مصر، وتصدرت “تريند” محرك البحث جوجل كأكثر ما يبحث عنه المصريون، وتناول تلك القضية العديد من الإعلاميين عبر حلقاتهم التلفزيونية، وأصبحت معركة حامية الوطيس تدور رحاها بين عدد من الدُّعاة المعروفين يتراشقون فيها بالفتاوى والأحكام الشَّرعية: ما بين حقِّ الزَّوج فى معاشرة زوجته دون رضاها، وبين اعتبار الأمر اغتصاب، ووحشية، واعتداء صارخ على حقوق المرأة.
وبقدر سخونة القضية تاهت المسألة الشرعية ليُتهم أئمة المذاهب الأربعة بتكريس اغتصاب الزوج لزوجته، وتدَّخل في القضية شيخ الأزهر الشَّريف، ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية.
وقد استشهد بعض الدُّعاة بحديث نبوي، فهم البعض أنَّه يُجيز ما يُسمَّى بـــــــ(الاغتصاب الزَّوجي)، وهذا الحديث هو قوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السَّماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها».
بدايةً، فالذي دعاني أن أتناول هذه القضية ضمن هذا البحث: أنها من القضايا التي لازالت أصداؤها ساخنة حتى الآن، كما أنَّ لها تعلُّقًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع ودعوته لحماية الحقوق الزَّوجية.
(أ)تحرير مصطلح (الاغتصاب الزَّوجي): هذا المصطلح ليس له وجود في الشَّرع الإسلامي، بل هو مصطلح معاصر، ويمكن أن يكون بديلًا له مصطلح (الإكراه)-وهو منهيٌّ عنه أيضًا-في إطار العلاقة الزَّوجية التي هي علاقةٌ روحيَّةٌ وإنسانيَّةٌ قوامُها الدِّين، والرَّحمةُ، والاحترامُ المتبادل، وحفظُ الأمانات، ومراعاةُ الخصوصية، حتى حين البحث عن حلول للمشكلات، فالزَّواج الشَّرعي مُكتمِلُ الشُّروط والأركان لا تُناسبُه أوصافُ الجرائم فلا يصحُّ إطلاق مصطلح (الاغتصاب الزَّوجي) على العلاقة الزَّوجية.
(ب)الحديث المُستشهد به: هو حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ، هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»([21]).
وفي ضوء هذا الحديث يمكن توضيح بعض النِّقاط([22]):
(1) لا دلالة في هذا الحديث الشَّريف على جواز إيذاءِ الزَّوجة؛ جسديًّا أو نفسيًّا، أو إغفال تضرُّرها من فُحش أخلاق الزوج أو سوء عِشْرته، أو إجبارها على العلاقة الزَّوجية.
(2) في هذا الحديث الشَّريف حرمة امتناع الزوجة عن زوجها بغير عُذرٍ([23])، وبالمثل يحرَّم على الزوج الامتناع عن زوجته بغير عذرٍ كذلك، وأوجب عليه إعفافها بقدر حاجتها واستطاعته.
(3) الحقوقُ الزوجيةُ مرتبطةٌ ومتشابكةٌ ومُرَتَّبةٌ على بعضها، وحديثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور موجَّهٌ للحياة الزوجية المستقرة التي لا يُفرِّط فيها أحدُ الزوجين في حقوق صاحبه.
(4) قصرُ فهم مسألةٍ متعددةِ الأوجه والأحوال على نصٍّ واحدٍ، وإسقاطُه على جميع حالاتها غيرِ المتشابهة؛ منهجُ فهمٍ خاطئٌ مُخالفٌ لقواعدِ العلمِ الصحيحةِ.
(5) حين رغَّب الحديثُ الشَّريفُ الزوجةَ في رعاية حقِّ زوجِها عليها؛ أَمَرَتْ أدلةٌ أخرى الزوجَ بحسنِ عشرة زوجته، منها قولُه سبحانه: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}. [النساء: 19]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ»([24]). أي: أوصيتكم بهن خيرًا، فاقبلوا وصيتي فيهن.
وقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
(6) نهى الشَّرعُ الإسلامي أن يُفرِّط أحدُ الزَّوجين في الحقِّ الإنساني لصاحبه أو في علاقتهما الخاصة، والذي يحصلُ به مقصودُ الزواج من المودة والرحمة والإعفاف وإعمار الأرض.
(7)نهي الشَّرع الإسلامي عن إلحاق أحد الزَّوجين الضَّررَ بصاحبه، سواء أكان الضررُ حِسِّيًّا أم معنويًّا، لقوله صلى الله عليه وسلم:« لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»([25]).
وإجمالًا: فإنَّه عند جَمْع الأحكام الشَّرعية المتعلقة بالزَّواج في الإسلام؛ نرى صورةً كاملةً من تشريعات حكيمة، قرَّرت حقوقَ كل طرف، وحقوق صاحبه عليه، وواجبات كل طرف، وواجبات صاحبِه تجاهه، في فقهٍ مرنٍ مُتكامل، يزيل الضَّرر، ويجعل لكلِّ حالةٍ حُكمًا يُناسبها، ولا يكون ذلك إلا بجمع الأدلة الواردة في المسألة الواحدة، وباعتبار مُقرَّراتِ الدِّين وضوابطِه ومقاصدِه من قِبل أهل الفُتيا والاختصاص.
(د) حق الرَّابطة:
أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوادع لحقوق رابطة الأخوة الإيمانية، فقال صلى الله عليه وسلم:«أيها الناس، اسمعوا قولي واعقلوه: تعلمُنَّ أنَّ كل مسلم أخ للمسلم، وأنَّ المسلمين إخوة، فلا يحلُّ لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس، فلا تظلمن أنفسكم».
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوضح لنا أن الرابطة التي كونت هذه الأخوة هي الإسلام والإيمان، فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[سورة الحُجُرات: 10] قال البيضاوي: «من حيث إنهم منتسبون إلى أصل واحد وهو الإيمان”([26])، وقال الخازن: “أي: في الدِّين والولاية، ذلك أن الإيمان وقد عقد بين أهله من السبب والقرابة كعقد النَّسب الملاصق، وإنَّ بينهم ما بين الإخوة من النَّسب والإسلام لهم كالأب»([27])، إذن فلا أخوَّة بلا إيمان، ولا إيمان بدون أخوَّة.
ولا يُكوِّن هذه الرابطة سوى الإيمان بالله تعالى، ولو جمعتَ كل أموال الدنيا لما استطعت تكوينها من دونه: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم}[سورة الأنفال: 63].
فلو قويت الرابطة الإيمانية في إذا قويت في المجتمعات الإسلامية فلن تجد في هذا المجتمع حسدًا وحقدًا بين المسلمين؛ لأن هذه الرابطة تَحُول بين المسلم وبين ذلك.
(ه) حق الحاكمية:
أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم ليكون دستورًا للمسلمين، وسمَّاه بأسماء كثيرة، منها: الرُّوح قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}[سورة الشورى: 52]، قال البيضاوي: «يعني ما أوحي إليه وسمَّاه روحًا؛ لأن القلوب تحيا به، وقيل: جبريل، والمعنى: أرسلناه إليك بالوحي {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ}[سورة الشورى: 52] أي: قبل الوحي…{وَلَكِن جَعَلْنَاهُ}، أي: الرُّوح، أو الكتاب، أو الإيمان {نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا}بالتَّوفيق للقبول والنَّظر فيه{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}هو الإسلام»([28]).
وما شقي المسلمون هذه الأيام إلا بعدم اعتصامهم وتمسكهم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهو ما قاله صلى الله عليه وسلم في خطبته الكريمة: « وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده، إن اعتصمتم به؛ كتاب الله»، وعدم الاعتصام بهذين الأصلين يؤدى حتمًا إلى ضلال، كما يفهم بالمخالفة من قوله صلى الله عليه وسلم: «لن تضلوا بعدى أبدًا».
وينبغي على الأمة كلها أن تنطلق من هذين المصدرين: كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أخذ بهما فإنَّه لن يضل أبدًا، وليس لأحدٍ كائنًا من كان أن يحول بين الأمة وبين قانونها الذي به تحيا، وبه تنتصر، فهو النور والصراط المستقيم.
المبحث الثالث: المقارنة بين خطبة الوداع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
إذا كان مفكرو الغرب يفاخرون بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإنَّ علينا-نحن المسلمين- أن نفاخر بأنَّ خطبة الوداع تُعَدُّ أول ميثاق عالمي لحقوق الإنسان، فـــ” حقوق الإنسان التي قرَّرها الإسلام منذ أربعة عشر قرنًا، وأكدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته المشرفة، وفي خطبة الوداع ليست منحةً من حاكم، أو قرارًا صادرًا عن سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنَّما هي حقوقٌ مُلْزمةٌ بحكم مصدرها الإلهي، لا تقبل الحذف ولا النَّسخ ولا التَّعطيل، ولا يُسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز التنازل عنه”([29]).
“إنَّ آخر ما أمَّلت فيه الإنسانية من قواعد وضمانات لكرامة الجنس البشري كان من أبجديات الإسلام، وأنَّ إعلان الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان ترديد للوصايا النَّبيلة التي تلقاها المسلمون عن الإنسان الكبير والرسول الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
إنَّ مبادئ حقوق الإنسان التي طالما صدَّرها الإسلام للناس يُعاد تصديرها إلينا علي أنَّها كشف إنساني ما عرفناه يومًا، ولا عشنا به دهرًا.
إن مبادئ حقوق الإنسان التي انتشرت في الغرب وانسجمت مع فطرة الله التي فطر الناس عليها ليست مخترعات حديثة ولكنَّها مأنوسة لنا- نحن المسلمين- مدروسة في ديننا منذ قرون”([30]).
“والحق أنَّ الإسلام هو أول مَنْ قرَّر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورة وأوسع نطاق، وأنَّ الأمم الإسلامية في عهد الرسول-عليه السَّلام- والخلفاء الراشدين من بعده، كانت أسبق الأمم في السَّير عليها([31]).
وفي هذا المبحث أُبرز مزايا حقوق الإنسان التي قرَّرتها خطبة الوداع، وأهم الفروق بين خطبة الوداع والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وذلك في مطلبين: المطلب الأول: مزايا حقوق الإنسان في خطبة الوداع. المطلب الثاني: التَّحفظ على بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
المطلب الأول: مزايا حقوق الإنسان في خطبة الوداع
ليس الهدف من إظهار مزايا حقوق الإنسان في خطبة الوداع مجرد “التِّيه والاستعلاء” على الأمم والحضارات الأخرى بقدر ما هو إنصاف للإسلام من أعدائه الذي يوجهون إليه الطَّعنات المسمومة صباح مسا، وإنصافه أيضًا من بعض أبنائه الذين يسيرون في “الرِّكاب الفكري” لهؤلاء الأعداء([32]).
ومن خلال قراءة نصوص ميثاق حقوق الإنسان الوارد في خطبة الوداع، يتضح لنا انفراد وخصوصية حقوق الإنسان في الإسلام عن نظيرتها الغربية بعدة أمور([33]):
(أ) ربانية المصدر:
مصدر حقوق الإنسان في القوانين الوضعية الغربية هو الإنسان، الذي يعتريه النَّقص، ويخطئ أكثر مما يصيب؛ وإن أحاط بجزئيةٍ، غفل عن أكثرها، وإن أدرك أمرًا قصَّر عن آخر؛ كما أنَّ الإنسان بطبيعته يغلب عليه الهوى، فيرى الحقَّ ولا يتَّبعه؛ ومما يدلُّ على ذلك أنَّ المجتمعات الغربية تسمح بالزِّنا، وشرب الخمر، وغير ذلك من الفواحش التي لا يشك عاقل أنَّها مضرة بالمجتمع.
أمَّا مصدر حقوق الإنسان في الإسلام فهو كتاب الله المعجز، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، فهي تشريعات ربانية، لا خلل فيها، ولا نقص، ولا تقصير، ولا ضيق نظر، فهي متوازنة، كما أنَّها تراعي مصلحة الفرد في المجتمع، وتراعي مصلحة المجتمع.
“فالفارق الأساس والجوهري بين التَّشريع الإسلامي، وبين كل النُّظم القانونية الوضعية، يظهر أثره في حقوق الإنسان ظهورًا وافيًا.
ففي الشَّرع الإسلامي، تعتبر الشريعة الإسلامية، هي مصدر الحقوق كلها، ولا يوجد حقٌّ مقرَّرٌ للإنسان يخرج عن نصوصها أو قواعدها الكلية، وبذلك تكون الشَّريعة الإسلامية، هي أساس الحق ومصدره، وسنده وضمان وجوده والحفاظ عليه في المجتمع.
أما في التصور الوضعي فإنَّ الأمر على العكس من ذلك تمامًا. إنَّ الحقَّ فيه، هو أساس التَّشريع والقانون.
هذه هي القاعدة، ومعناها: أنَّ كل ما يراه المجتمع حقًّا، يصبح – تبعًا لذلك- قانونًا ونظامًا في المجتمع، فالحقُّ هنا، أساس القانون والنِّظام، الذي تضعه السُّلطة القائمة، أيًّا كان مصدر شرعيتها.
وليس مصدره تشريعًا ربانيًّا، ولكن مصدره، ما يراه النَّاس في وقت معين ومكان معين ومجتمع بذاته. وهو أيضًا، ما لا يراه جميع الناس، بل تراه الأغلبية منهم، أيًّا كان قدر هذه الأغلبية.
أما نحن- المسلمين- فإننا نملك معيارًا عامًّا ومُجَرَّدًا لتحديد الحقوق، هو الشَّرع الإلهي، وهو معيار، يخضع له الجميع عن إيمان واقتناع.
بينما الأمر في النُّظم الوضعية على خلاف ذلك؛ إذ إنَّ المعيار الذي تتحدد الحقوق على أساسه، معيارٌ نسبيٌّ بطبيعته، وقابل للتغيير بحسب الزَّمان والمكان والمجتمعات، واختلاف مواريثها الدينية والثَّقافية، وهو معيار، قابل للجدل والمناقشة والإقرار والإنكار، بحسب اختلاف الظروف في المجتمع، والسُّلطة القائمة عليه، وقد يصبح هو الأساس، بينما لا يُقِرُّ ذلك مجتمع آخر، أو المجتمع نفسه في وقت لاحق.
ومهما حاولت النُّظم الوضعية، أن تتجنب هذه النِّسبية، بإسناد حقوق الإنسان إلى ضمير الجماعة، فإنَّ هذا الضمير يتكون وِفْقًا لمعطياتٍ نسبيةٍ زمانيًّا ومكانيًّا، لا سيما أنَّ لفظ الجماعة، ينبغي أن ينصرف في هذا المجال إلى الجماعة الإنسانية كلها، وهو أمر لا وجود له حتى الآن في الواقع المعيش.
بينما يترسخ هذا المبدأ، وهو الوحدة الإنسانية في الإسلام، والذي جاء أساسه في القرآن الكريم واضحًا، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات: 13].
والإنسانية كلها في النَّظر الإسلامي، جاءت من نفس واحدة، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [سورة النساء: 1].
وفي الشَّرع الإسلامي، تظهر سلامة القاعدة وصحتها. إنَّ الشَّريعة أساسُ الحقِّ ومصدره، وهي شرع الله عز وجل لبني الإنسان في كل زمان ومكان.
هنا يكون للحق مصدر إلهي، عُلْويٌّ، بعيدٌ عن قيود الزَّمان والمكان، واختلاف الظُّروف والأحوال في المجتمعات الإنسانية.
والسُّلطة في النَّظر الإسلامي تُعَدُّ في مركز الأمين، الذي يرعي مصالح النَّاس، فهي ليست طرفًا في مواجهة النَّاس يحمون أنفسهم منه، وهي سلطة تتقيد بالشَّريعة الإسلامية في نصوصها ومبادئها الكلية.
وهذه الفكرة، وهي أمانة السُّلطة ومسئوليتها عن الناس، فكرة إسلامية المنشأ والمصدر، وهي تجعل المجتمع يتعاون مع السلطة.
ونؤكد هنا، أنَّ الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في العرض والتَّقويم، يعبر عن فكر الغرب وحضارته فحسب. وبعض المعايير التي يأخذ بها أساسًا للحكم والتَّقويم، تكشف ذلك بوضوح”([34]).
(ب)إلزامية التَّنفيذ:
حقوق الإنسان في القوانين الوضعية الغربية ليست إلا مجرد تصريحات، وتوصيات صادرة عن الأمم المتحدة، لا إجبار وإلزام فيها، ولا يترتب على الإخلال بها أيُّ جزاءٍ قانونيٍّ، بل صارت في العقود الأخيرة أداة من أدوات الضَّغط والتَّدخل في شئون الدول ومحاولة الاستحواذ والسَّيطرة على مقدراتها، ألعوبة يتلاعبون بها لصالح أجندات ومشاريع استعمارية؛ لذلك نجد أن منظمات حقوق الإنسان لا تتكلم إلا عن دول العالم الإسلامي، أما الانتهاكات في الغرب فيغضون الطرف عنها كأنَّها لم تقع من الأصل.
أمَّا حقوق الإنسان في الإسلام فأبدية، ثابتة، إلزامية، لا تقبل: الجزئية، والحذف، والتَّبديل. وعلى الفرد: الأخذ بها؛ راجيًا ثواب الله، خائفًا من عقابه، ومن تُسَوِّل له نفسه العبثَ بها، فإنَّ من حقِّ السُّلطة العامة في الإسلام، إجباره على تنفذيها، وإيقاع العقوبة الشَّرعية عليه، في حال إخلاله بها.
(ج)الأسبقية:
إنَّ أول وثيقة لحقوق الإنسان عرفها الغرب، كانت ما جاء به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في القرن الثالث عشر الميلادي حينما صدرت الماجنا كارتا سنة 1215م في إنجلترا، التي اكتسب الشعب الإنجليزي بمقتضاها، حقَّه في تجنب المظالم المالية، التي كانت توقعها به السُّلطة وقتذاك.
وقد تضمنت وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776م ما يُعَدُّ من حقوق الإنسان، بتأكيدها على الحقِّ في الحياة والحرية والمساواة.
وأصدرت الثورة الفرنسية وثيقة إعلان حقوق الإنسان في 26/8/ 1789م، وهي تُعَدُّ إعلانًا عن هذه الحقوق.
وهكذا سبقت هذه المواثيق، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في10/12/ 1948م، الذي يعد خطوةً هامةً وحاسمةً، بعد جهود المفكرين والفلاسفة الأوروبيين لعدة قرون، والتي استهدفت حماية الشعوب من المعاناة والآلام، التي كانت ترزأ تحتها من السُّلطات الإدارية والدِّينية في أوروبا، خلال عصور الظَّلام، وبدايات عصر النَّهضة الأوروبية.
تلك المعاناة التي ترجع إلى استبداد الحكم الإقطاعي ورجال الكنيسة، واندفاع الكنيسة إلى محاربة كل الاتجاهات الفكرية، التي تسعى إلى تحرير عقل الإنسان ونفسه. وهذه العوامل كلها، لم يكن لها وجود في الإسلام، عقيدة وشريعة، أو حضارة([35]).
أما حقوق الإنسان في الإسلام فبدأت بظهور الإسلام نفسه، وقد اشتملت على حقوق ثابتة لله تعالى، وحقوق للعباد؛ كحقوقه المدنية، والسِّياسية، والاجتماعية، والثَّقافية، إلي غير ذلك من الحقوق الأخرى.
وما كانت الآيات القرآنية، وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقيقتها إلا مواثيق وقوانين.
ويُعَدُّ من أشهر المواثيق في الإسلام لحقوق الإنسان ما جاء في خطبة الوداع.
(د)الضَّمان والحماية:
حقوق الإنسان في القوانين الوضعية الغربية لا تعدو أن تكون توصيات أدبية، ومحاولات لم تصل إلى حَدِّ التَّنفيذ.
وهي تقوم على أمرين: الأول: محاولة الاتفاق على أساس عام ومعترف به بين الدول جميعًا..
الثاني: محاولة وضع جزاءات مُلْزمة، تدين الدولة التي تنتهك حقوق الإنسان.
وتلك التوصيات لا تعدو-في حقيقتها- أن تكون حبرًا على ورق، يتلاعب بها واضعوها حسبما تُمليه عليه أهواؤهم، وشهواتهم، ومصالحهم، وإن كان فيه الضَّرر البالغ على الأفراد، بل وعلى الأمم.
أمَّا حقوق الإنسان في الإسلام فهي محميةٌ مصونةٌ؛ لأنها: مُقدسة، ومُحترمة، وثابتة، ومعتدلة:
(1) مُقدسة: قد أُلبست الهيبة والاحترام؛ لأنها مُنَزَّلةٌ من لدون حكيم خبير، وهذا يُشَكِّلُ رادعًا للأفراد والحكام على حدٍّ سواء عن تعديها أو تجاوزها.
(2) محترمة: واحترامها نابعٌ من داخل النَّفس المؤمنة بالله.
(3) ثابتة: فلا يمكن إلغاؤها، أو نسخها، أو تعديلها.
(4) معتدلة: فهي خاليةٌ من الإفراط والتَّفريط.
(ه)الشُّمولية:
يتميَّز الإسلام عن غيره بالشُّمولية، ومن حقوق الإنسان التي لم ترد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي:
(1)حقوق اليتامى: ففي المادة 25 بند ( 2 ) للأمومة والطفولة حقٌّ في رعاية ومساعدة خاصَّتين. ولجميع الأطفال حقُّ التمتُّع بذات الحماية الاجتماعية سواء وُلِدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.
أشارت المادة إلى حق رعاية الطِّفل، أمَّا الإسلام فقد تميز بأن أولى اليتامى عنايةً خاصةً، وحَفِظَ حقوقهم، وأمر بالإحسان إليهم، بكافة أنواع الإحسان، بل ورتَّبَ على ذلك الأجر، والثَّواب، وحذَّر من المساس بتلك الحقوق.
(2)حق ضعاف العقول: فقد كفل لهم الإسلام لضعاف العقول حق الرِّعاية والاهتمام، وأمر بحسن معاملتهم، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} [سورة النساء: 5].
(3)حق الميراث: قد غفلت أو تغافلت الوثائق البشرية عن هذا الحق، بينما نَظَّم الإسلام هذا الحقَّ، وأقرَّه في أروع صوره، وأبطل ما كان عليه الناس قبل الإسلام، من إسقاط حقِّ المرأة في الميراث؛ قال تعالى:{لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [سورة النساء: 7]، وقد أفاض الإسلام في هذا الأمر، وبيّن مقدار الأنصبة في الآيات من 10 إلى 13، و167 من سورة النساء.
(4) حق الدِّفاع عن النَّفس: هذا الحق من الحقوق التي لم يذكرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بينما ورد في العديد من الآيات والأحاديث التي تُقِرُّ هذا الحق وتنظمه؛ كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [سورة البقرة: 194].
(5)حق العفو: ما لم يهتم به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: العفو، ويتبعه حقُّ الرحمة، والتَّسامح، والإحسان من غير استسلام، أو ذُلٍّ، وهذا ما اهتم به الإسلام.
المطلب الثاني: التَّحفظ على بعض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
يُعَدُّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقةً تاريخيةً هامةً في تاريخ حقوق الإنسان، صاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، واعتمدت الجمعية العامة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في باريس في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948م بموجب القرار 217 ألف بوصفه أنَّه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم. وهو يحدد، و للمرة الأولى، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميًّا. وترجمت تلك الحقوق إلى 500 لغة من لغات العالم ([36]).
ويتكون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من ديباجة و30 مادة ، نذكر في هذا المطلب بعض المفاهيم التي وردت فيه وهي تختلف في منظورها الغربي عن منظور الشَّريعة الإسلامية، مثل الحرية والمساواة:
(أ)الحرية: في المواد 2، 18، 19:
المادة 2: لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلًّا أو موضوعًا تحت الوصاية أو غير متمتِّع بالحكم الذاتي أم خاضعًا لأيِّ قيد آخر على سيادته.
المادة 18: لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
المادة 19: لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقِّيها ونقلها إلى الآخرين، بأيَّة وسيلة ودونما اعتبار للحدود.
فيمكن أن يُتحفظ عليها بما يلي: في الغرب: لم تصبح كلمة الحرية التي تؤثر في الأفراد والجماعات في الغرب، عقيدة راسخة، إلا بعد كفاح طويل ومرير دام عدة قرون.
ولم يتخلص الناس في أوروبا من استبداد حكام الإقطاع وسلطان رجال الكنيسة، وجمودهم، ووقوفهم في وجه كل نزعة للتحرر الإنساني، والتَّقدم العلمي، إلا بعد جهد كبير بذله كتاب وفلاسفة، دام عشرات السنين. ومع ذلك، لم يتحدد معنى الحرية تحديدًا واضحًا حتى الآن.
لكن في المفهوم الإسلامي: تُعتبر الشَّريعة أساس الحق، وليس الحق أساس الشَّريعة. فالحق في الحرية، هو وسيلة كبرى لتحقيق غايات نبيلة وسامية، تتفق مع كرامة الإنسان ورسالته في استخلافه في الأرض.
ومن أجل ذلك، بدأ الإسلام بتحرير الإنسان من العبودية لغير الله عز وجل، وتحريره من شهوات نفسه ونزوات غريزته.
فالحرية كما يرى علماء المسلمين، هي قدرة الإنسان على التَّصرف، إلا لمانع من أذى أو ضرر له أو لغيره.
وفي الإسلام يجب على الإنسان أن يتحرر من عبودية غير الله تعالى، وسمَّى الله عبادة الإنسان غير الله طاغوتا، وأمر الناس أن يكفروا به، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [سورةالنساء: 60].
ولما كان الرِّقُّ نظامًا اقتصاديًّا عرفته كل الحضارات، فقد سلك الإسلام وسيلةً ناجعةً للتَّخلص منه، فضيَّق من موارده، حتى اقتصرت على ما يكون منه في قتال مشروع، مع جواز عدم اتباعه حتى في هذه الحالة، ثم وسَّع أشد التَّوسعة في تحرير الأرقاء، ولفظ “الرَّقيق” في ذاته، يُشير إلى رِقَّة المعاملة لهم والإحسان إليهم، ويجوز في الإسلام، أن يتَّفقَ الرَّقيق مع سيده على عتقه نظير مال، قال الله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [سورة النور: 33]. ويجب في الإسلام تحرير الرقيق جزاء على أخطاء يرتكبها الإنسان، كالقتل الخطأ أو تجاوز بعض الشعائر الدينية، حتى إنَّ الهزل من السَّيد وتلَفُّظه بعتق الرَّقيق خطأً أو هزلًا، ينتج أثره في تحرر الرقيق.
وهو ما لم تستطع تحقيقه شعارات الحرية الزائفة مع وجود الرِّقِّ فعلًا وحقيقةً، في مجتمعات تعرضت للغزو والنَّهب الاستعماري خلال القرن الماضي.
ومن قبل ذلك بقرون، اختطف الغربيون مئات الألوف من أبناء أفريقيا، ليعملوا لهم دون أجر في مزارعهم.
ويكفي أنَّه لم يبق في بلد إسلامي مجتمع له كيان، أصله الأول الرَّقيق.
بينما لا يزال في الولايات المتحدة الأمريكية، مجتمع الزنوج من عدة ملايين.
أمَّا بالنسبة لحرية الرَّأي: فواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو واجب المجتمع كله، ولا بدَّ من قيام أهل العلم والرأي به، حتى يكون المجتمع قد وفَّى بواجبه الديني، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [سورة آل عمران: 104].
والمسلمون مطالبون بالتَّناصح والتَّشاور في أمورهم العامة. قال الله تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [سورة آل عمران: 159].
ويمتدح الله، المجتمع المسلم الذي يكون من صفاته وآدابه الشورى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [سورة الشورى: 38].
فلا حرج على المسلم، أن ينصح لأولي الأمر، كما في الحديث الشريف: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ “، قَالُوا: لِمَنْ؟ قَالَ: ” لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ»([37])، فالمشاركة بالرأي، مكفولة بحكم الشورى، الذي يجب على الأمة كلها أن تعمل به، وتستطيع الأمة أن تقوم به بأي طريق يحقق فائدة التَّشاور والتَّناصح في الأمور العامة، وفق توجيهات الإسلام وهديه.
لقد تقرر في الإسلام فيما يتعلق بالشورى أنها قيمة كبرى، وترك تطبيقها بما يحقق الهدف منها إلى أهل الحل والعقد، يختارون ما يرونه في شكلها ونظامها وإجراءاتها.
ولا حدَّ لحرية الرأي والفكر في الإسلام، إلا الحفاظ على أصول الدين وأركان الإسلام وقيمه وحدوده، ورعاية المصالح العامة.
فحرية الرأي المنضبطة بضوابط الشرَّع الحنيف، تبني المجتمع الإسلامي، وتصحح أخطاءه، وتبصره بطريق الهداية والفلاح في أموره العامة.
ولم تكن حرية الفكر والرأي، مطلقةً في أي مجتمع، للذين يخرجون على ما تقرر من أصول الاعتقاد ومكارم الأخلاق، مهما كانت معتقداتهم، فالحرية المطلقة، هي الفوضى المطلقة.
وتكفل الشَّريعة للرجل والمرأة على السَّواء، ما تواضع علماء القانون على تسميته بالحرية المدنية.
إن الحرية قيمة كبرى في الإسلام، تسمو بالإنسان في حياته المادية والروحية، وليست انفلاتًا مما في الإسلام من قواعد السُّلوك الاجتماعي أو الخُلُقي، الذي يحفظ للمجتمع مصالحه وتماسكه.
وفي الإسلام لا حرية لأحد في نشر الفساد أو الرذيلة أو الفتنة في المجتمع؛ لأن الحرية لا تنزل بصاحبها إلى الشر والإفساد، ولا تبيح له أن يؤذي غيره، أو يعرض المجتمع للخطر.
وكم قاست مجتمعات عديدة في العصر الحديث، من الانفلات، وإهدار الفضيلة، وذبحها على مذبح الشَّهوات، وإهدار كرامة النَّفس والجسد الإنساني باسم الحرية.
فالحرية حق للإنسان، ولكنها مثل كل الحقوق، لها وظيفة اجتماعية، لا يجوز إهدارها، ولا تجاوزها، ولها ضوابطها وقيودها ومجالاتها([38]).
وأما المادة 16: ( 1 ) للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
(2) لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملً لا إكراهَ فيه. (3) الأسرةُ هي الخليةُ الطبيعيةُ والأساسيةُ في المجتمع، ولها حقُّ التمتُّع بحماية المجتمع والدولة.
فيمكن أن يُتحفظ عليها بما يلي: بأنها توسَّعت حتى أعطـت للمرأة والرجل حقَّ الزواج ما دامت الرَّغبة موجودة لديهما، متجاهلةً موافقة الوالدين والشُّهود… إلخ.
لكن حجة الوادع زادت في الحقوق الزَّوجية: أن ركَّزت على حقِّ الرجل على المرأة وحق المرأة على الرجل؛ حيث نبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم الرِّجال أن يتقوا الله في النساء؛ لأنهنَّ أمانة في أعناقهم، وأشار صلى الله عليه وسلم إلى واجب النِّساء ألا يدخل عليهن من يكرهونه، فإن فعلن ذلك فليُضربن ضربًا غير مُبرح، وأكَّد صلى الله عليه وسلم على مسؤولية الأزواج في مقومات الحياة من الرِّزق والكسوة بالمعروف.
وذلك ما أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته، فقال: «فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف».
(ب) المساواة:
ففي المادة 1: يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضًا بروح الإخاء.
فيمكن أن يُتحفظ عليها بما يلي:
تُعَدُّ المساواة بين الناس على اختلاف الأجناس والألوان واللغات، مبدأً أصيلًا في الشَّرع الإسلامي، ولم يكن هذا المبدأ على أهميته وظهوره، قائمًا في الحضارات القديمة، كالحضارة المصرية أو الفارسية أو الرومانية؛ إذ كان سائدًا تقسيم الناس إلى طبقات اجتماعية.
وكانت التَّفرقة بين البشر في المجتمعات القديمة، تستند إلى الجنس واللون، والغنى والفقر، والقوة والضَّعف، والحرية والعبودية.
وفي العصر الحديث، رفعت الثورة الفرنسية سنة 1789م، شعار المساواة.
غير أن التَّجارب العملية، تُعَلِّمُ الإنسان أنَّ المبادئ والشِّعارات وحدها لا تكفي، دون أن يكون هناك ما يُحَدِّدُ المضامين، ويفتح طريق التَّطبيق، ويفرض الجزاء عند المخالفة.
وذلك ما نجده في التشريع الإسلامي في مبدأ المساواة بين الناس. فهي تسوية أصلية بحكم الشَّرع، ومضمونها مُحدَّدٌ، وأساليب تطبيقها واضحةٌ، والجزاء عند مخالفتها قائمٌ، وهو جزاءٌ دنيويٌّ وأخرويٌّ.
إن التَّسوية بين البشر، تعني التَّسوية بينهم في حقوق الكيان الإنساني، الذي يتساوى فيه كل الناس.
أما التَّسوية الحسابية في الحقوق الفرعية التي تؤدي إلى المساواة بين غير المتماثلين، فإنَّها معنًى يختلف عن التَّسوية في الآدمية التي كرمها الله، والتي تستند إلى مبادئ ثابتة وأصل واضح، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1]فالناس كلهم من نفس واحدة.
ويبين الحديث الشريف هذا الأصل في المساواة: « إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ فَخْرَهُمْ بِرِجَالٍ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عِنْدَ اللهِ مِنْ عِدَّتِهِمْ مِنَ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتَنَ»([39]).
هذه قاعدة الإسلام الأصلية في المساواة، كما تحددت في آيات القرآن الكريم، وبيَّنتها السُّنَّة المشرفة.
وحينما تختلف أحوال الناس، وأوضاعهم، وتختلف أزمنتهم وأمكنتهم، ويوجد التَّنوع في الأجناس والألوان واللغات، والغنى والفقر، والقوة والضعف، والعلم والجهل، ويختلف الموقع الاجتماعي والاقتصادي بين الناس، حينذاك تفرض المجتمعات معايير للتَّفاضل بين الناس، إزاء هذا التنوع والاختلاف.
ولا بدَّ من وضع معيار للتَّفاضل؛ لأنَّ المساواة المطلقة لا تكون إلا في الكيان الإنساني، والمشكلة تبدأ عند وضع هذا المعيار، بحيث لا يُخل بمبدأ المساواة في ذاته، ويجعل التَّفاضل وسيلة نموٍّ ورقيٍّ، وليس ذريعةً للظُّلم والتَّفرقة بين الناس.
وهذا ما جاء في الشَّرع الإسلامي، فقد ترك كل المعايير السَّائدة للتَّفاضل، كالقوة والضَّعف، والموقع الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو الطبقة التي ينتمي إليها الإنسان، أو الجنس واللون.
فكل هذه المعايير، كانت قائمةً في المجتمعات القديمة، حتى أنكر بعض الفلاسفة الأقدمين، مبدأ المساواة ذاته، مثل أفلاطون الذي قرر أن بعض الناس خُلقوا؛ للحكم والسَّيطرة، وبعضهم خُلق؛ لكي يكون محكومًا يعمل من أجل غيره.
وجاء في الإسلام معيار للتَّفاضل، يتساوى أمامه الخلقُ جميعًا على اختلاف الأجناس والألوان، والحرية والعبودية، إنَّه معيار التَّقوى، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات: 13].
إنَّ معيار التَّفاضل هنا، يستطيع الارتقاء إليه كل البشر، ولا يُقَسِّم الناس إلى طبقات يعلو بعضها بعضًا، وهو معيار يدفع إلى الرُّقي والسُّمو بالإنسان.
إن التَّقوى معيار الكرامة الإنسانية عند الله عز وجل، ومع ذلك فهي معيار الصَّلاح في الدنيا، وهو معيارٌ حقيقيٌّ وعمليٌّ؛ إذ إن صلاح الإنسان في دنياه، يجعله أفضل لنفسه وللمجتمع الذي يعيش فيه، من غيره الذي لا يُفيد نفسه ولا مجتمعه بشيء.
وقد هدم الدين الإسلامي بهذا المعيار الحقيقي الذي يرتقي بحياة الإنسان والمجتمع، كل المعايير الزائفة، التي أشار القرآن الكريم إلى الكثير منها.
وبين النبي صلى الله عليه وسلم معنى المساواة، حين شَفَعَ وجهاءٌ من القوم، في إعفاء امرأةٍ شريفةٍ وَجَبَ عليها حدُّ السَّرقة، حتى لا توقع عليها العقوبة، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ونبَّه إلى عدم جواز الشَّفاعة في حدود الله؛ لأنَّ ذلك يُخل بمبدأ المساواة بين الناس، ويؤدي إلى إيثار ذوي الوجاهة بإعفائهم من العقاب، مع إقامة الحدود على ضعفاء الناس، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ ذلك الأمر إذا ساد في مجتمع أدَّى به إلى الزَّوال، فقال: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»([40]).
ويعيب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد أصحابه الملازمين له على الحبِّ والتَّلقي منه، أنه عيَّر صاحبًا له بلونه، فحين عيَّر أبو ذر الغفاري بلال بن رباح بلونه الأسود، غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقال للصحابي الجليل: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ»([41]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى»([42]).
وأقامت الشَّريعة الإسلامية أصل المساواة في أحكامها، على النحو الذي يجعل هذا المبدأ وسيلة لرقي الإنسان، وتحصيل مصالح الحياة.
إنَّ المرأة في الإسلام مكلفة مثل الرجل، بما أمر الله به وما نهى عنه، وإنَّ جزاءها مثله، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة النحل: 97].
وكلٌّ من الرجل والمرأة، له حقوق وعليه واجبات، وهي حقوق وواجبات تكاملية، تجعل من حقوق الرجل وواجباته، وحقوق المرأة وواجباتها، كلًّا متكاملًا في وحدة واحدة، تصلح بها حياة الأسرة.
فإذا كان من حقَّ الرجل الطَّلاق، فإنَّ من حقِّ المرأة الخروج من زوجية تضرها- بشروط معينة- ولها الحقُّ في طلب التَّطليق إذا أُضيرت من زوجها، الذي لا يكون أمينًا عليها.
ولها أهليتها الكاملة وذمتها المالية المستقلة. وهي كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ النِّساء شقائق الرِّجال»([43])، ومع التَّسوية في الكيان الإنساني، ومع الحقوق والواجبات التي تتكامل في الأسرة، ففي الإسلام دعوة إلى التَّوصية بالمرأة، ومعاشرتها بالمعروف، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[سورة النساء: 19]، وفيه نداء إلى الرَّجل ألا يسارع إلى كراهة امرأته ولو كان فيها بعض ما يُعاب، قال سبحانه: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[سورة النساء: 19].
وفي هذه التَّسوية التَّكاملية، مصلحة المرأة والرجل، ومصلحة الأسرة، ثم المجتمع الإنساني([44]).
الخاتمة:
بعد هذه الدراسة المختصرة لموضوع: (المبادئ العامة لحقوق الإنسان في خطبة الوداع مقارنةً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان) يمكن تسجيل أهم النَّتائج التالية:
(1) تُعَدُّ خطبة الوداع من ﺍﻟﻮﺛﺎئق النَّبوية ﺍﻟﱵ تعتبر مصدرًا مهمًّا من مصادر السِّياسة ﺍﻟشَّرﻋﻴﺔ.
(2) أسست خطبة الوداع مع قلة كلماتها لمبادئ حقوق الإنسان بما سبقت به الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
(3) من مبادئ حقوق الإنسان التي أسستها حجة الوداع: حقُّ الحياة، وحقُّ العدل، والحقوق الزَّوجية، وحقُّ الرَّابطة، وحقُّ الحاكمية.
(4) يُعَدُّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقةً تاريخيةً هامةً في تاريخ حقوق الإنسان، بوصفه أنَّه المعيار المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم.
(5) من خلال قراءة نصوص ميثاق حقوق الإنسان الوارد في خطبة الوداع، يتضح لنا انفراد وخصوصية حقوق الإنسان في الإسلام عن نظيرتها الغربية بعدة أمور، هي: ربانية المصدر، وإلزامية التَّنفيذ، والأسبقية، والضَّمان والحماية، والشُّمولية.
(6) يمكن التَّحفظ على بعض المفاهيم التي وردت في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي تختلف في منظورها الغربي عن منظور الشَّريعة الإسلامية، مثل الحرية، المساواة.
أهم التَّوصيات:
(1) أوصي الباحثين بالدراسة المستفيضة لمجموعة الوثائق الخمسة المتعلقة بحقوق الانسان وهي :الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسِّياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثَّقافية، والبرتوكول الاختياري الأول والثاني الملحقين بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسِّياسية، وبيان مدى ما فيهما من تطابق أو اختلاف في الشَّريعة الإسلامية.
(2) أوصي الباحثين بدراسة الوثائق في عصر النُّبوة الزَّاهر مثل: صحيفة المدينة، وصلح الحُديبية، واستنباط الأحكام التي يمكن أن تُنَزَّل على أرض الواقع ليستفيد منه العَالَم المعاصر
(3) أوصي الباحثين بدراسة الوثائق في عصر الخلافة الرّاشدة، مثل الوثيقة العُمرية، واستنباط الأحكام التي يمكن أن تُنَزَّل على أرض الواقع ليستفيد منه العَالَم المعاصر.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم.
- الإسلام وحقوق الإنسان د/ محمد عمارة، سلسلة عالم المعرفة، العدد 89، مايو 1985م.
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على موقع الأمم المتحدة http://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/
- أنورا التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي، تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
- البداية والنهاية لابن كثير، حققه ودقَّق أصوله وعلَّق حواشيه علي شيري، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى 1408ه-1988م.
- البيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام، الذي أصدر المجلس الإسلامي الدولي في لندن- أبريل 1980م.
- تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للقاضي ناصر الدين البيضاوي، تحقيق لجنة مختصة بإشراف نور الدين طالب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 1433هـ – 2012م.
- تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل، دار الفكر، بيروت، 1399هـ -1979م.
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير، تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ – 1999م.
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، تحقيق هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423هـ- 2003م.
- جريدة الأهرام القاهرية مقال بعنوان: “الأزهر” يحسم الجدل حول أزمة الاغتصاب الزوجي https://gate.ahram.org.eg/News/2814472.aspxبتاريخ 21/6/2021م.
- حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، منشورات المكتب الإسلامي، الطبعة السابعة، 1405ه-1985م.
- حجة الوداع لابن حزم، حققه وقدم له وعلَّق عليه أبو صهيب الكرمي، بيت الأفكار الدولية للنشر، 1418ه-1998م.
- حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة للشيخ/ محمد الغزالي، دار نهضة مصر، الطبعة الرابعة، أغسطس 2005م.
- حقوق الإنسان في الإسلام للدكتور/ عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي، وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد- المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1419هـ.
- حقوق الإنسان في الإسلام، أ د/ علي عبد الواحد وافي، تقديم أ د/ إبراهيم الهدهد.
- سنن ابن ماجه، تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، دار الرسالة العالمية، الطبعة الأولى، 1430 هـ- 2009م.
- سنن أبي داود، دار الكتاب العربي، بيروت.
- سنن الترمذي، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرين، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
- سنن النسائي الصغرى (المجتبى)، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثانية، 1406ه – 1986م.
- السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق د/ محمد فهمي السرجاني بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، الناشر مكتبة حميدو بالإسكندرية، دار التوفيقية للطباعة بالأزهر، بدون تاريخ
- شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بــــــ (الكاشف عن حقائق السنن) للطيبي، تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة – الرياض)، الطبعة الأولى، 1417هـ – 1997م، و
- شرح مصابيح السنة للإمام البغوي لمحمَّدُ بنُ عزِّ الدِّينِ عبدِ اللطيف بنِ عبد العزيز الكَرمانيّ، الحنفيُّ، المشهور بابن المَلَك، تحقيق ودراسة لجنة مختصة من المحققين بإشراف نور الدين طالب، إدارة الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى، 1433هـ – 2012م.
- صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة الأولى، 1422هـ -2001م.
- صحيح الترغيب والترهيب للألباني، مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الخامسة.
- صحيح مسلم تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة الحلبي، 1374هـ-1954م.
- قواعد الأمن والسَّلام العالمي من خلال حجة الوداع (دراسة تحليلية مقارنة) د/ منصور محمد أحمد يوسف، مجلة جامعة المدينة العالمية- ماليزيا “مجمع”، العدد (36) أبريل 2021م.
- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني، تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2002م.
- مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري، إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء- الجامعة السلفية – بنارس الهند، الطبعة الثالثة- 1404هـ، 1984م.
- مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري، دار الفكر، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1422هـ – 2002م
- المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392ه.
- الموافقات للشاطبي، تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1417هـ-1997م.
- موقع الأمم المتحدة http://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/ تاريخ الدخول 21/6/2021م.
- موقع مصراوي
- موقع ملتقى الخطباء https://khutabaa.com/index.php/ar مقال بعنوان: خطبة الوداع وأول ميثاق عالمي لحقوق الإنسان لشريف عبد العزيز تاريخ الدخول 21/6/2021م.
([1]) صحيح مسلم 2/886 ح (1218) باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب الحج، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مطبعة الحلبي، 1374هـ-1954م.
([2]) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي 8/135 دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية، 1392ه.
([3]) سنن أبي داود 2/122ح (1907)كتاب الحج، باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، دار الكتاب العربي، بيروت.
([5]) لسان الميزان 1/190 تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى، 2002م.
([6]) ينظر باقي الروايات في كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها عنه جابر رضي الله عنه للشيخ محمد ناصر الدين الألباني ص37-41، منشورات المكتب الإسلامي، الطبعة السابعة، 1405ه-1985م.
([7]) أي: أبطلت ذلك وتجافيت عنه، حتى صار كالشيء الموضوع تحت قدمي، يعني: لا مؤاخذة عليه بعد الإسلام بما فعله في الجاهلية. شرح الطيبي على مشكاة المصابيح المسمى بــــــ (الكاشف عن حقائق السنن) للطيبي 6/ 1965 تحقيق د. عبد الحميد هنداوي، مكتبة نزار مصطفى الباز (مكة المكرمة – الرياض)، الطبعة الأولى، 1417هـ – 1997م، وتحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للقاضي ناصر الدين البيضاوي 2/139 تحقيق لجنة مختصة بإشراف نور الدين طالب، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، 1433 هـ – 2012م، وشرح مصابيح السنة للإمام البغوي لمحمَّدُ بنُ عزِّ الدِّينِ عبدِ اللطيف بنِ عبد العزيز الكَرمانيّ، الحنفيُّ، المشهور بابن المَلَك 3/262 تحقيق ودراسة لجنة مختصة من المحققين بإشراف نور الدين طالب، إدارة الثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى، 1433هـ – 2012م.
([8]) قال القاري: أَيْ مِنْ أَنْ يُطَاعَ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ عَبَدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ. انْتَهَى
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ أَنْ يَعُودَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّنَمِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مِثْلُ أَصْحَابِ مَسْلَمَةَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنِ ارْتَدَّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الصَّنَمَ.
وَيُحْتَمَلُ مَعْنًى آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ أَشَارَ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّينَ مِنْ أُمَّتِي لَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ كَمَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَتَبَدَّلَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَيَظْهَرَ الْإِشْرَاكُ وَيَسْتَمِرَّ وَيَصِيرَ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ، وَلَا يُنَافِيهِ ارْتِدَادُ مَنِ ارتدد بَلْ لَوْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ أَيْضًا لَمْ يَضُرَّ فِي الْمَقْصُودِ. مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري 9/318 إدارة البحوث العلمية والدعوة والإفتاء- الجامعة السلفية – بنارس الهند، الطبعة الثالثة- 1404هـ، 1984م.
([9])”فيما تحقرون” بتشديد القاف من التَّحقير، وفي بعض النُّسخ تحتقرون. “من أعمالكم” أي: دون الكفر من القتل والنهب ونحوهما من الكبائر وتحقير الصغائر، فسيرضى الشيطان بهذا المــُحْتَقَرُ حيث لم يحصل له الذَّنب الأكبر؛ ولهذا ترى المعاصي من الكذب والخيانة ونحوهما توجد كثيرًا في المسلمين وقليلًا في الكافرين؛ لأنه قد رضي من الكفار بالكفر، فلا يوسوس لهم في الجزئيات، وحيث لا يرضى عن المسلمين بالكفر فيرميهم في المعاصي. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري 5/ 1843 دار الفكر، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1422هـ – 2002م
([10]) السيرة النبوية 1/8 تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل – بيروت، الطبعة الأولى، 1411ه. وينظر: بحث قواعد الأمن والسَّلام العالمي من خلال حجة الوداع (دراسة تحليلية مقارنة) د/ منصور محمد أحمد يوسف، مجلة جامعة المدينة العالمية- ماليزيا “مجمع”، العدد (36) أبريل 2021م.
([11]) الموافقات1/31 تحقيق أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة الأولى، 1417هـ-1997م.
([12]) تفسير القرآن العظيم 2/ 376 تحقيق سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1420هـ – 1999م. بتصرف يسير.
([13]) صحيح البخاري 9/2 (6864)، وصحيح مسلم 3/ 1304 ح (1678).
([14]) سنن النسائي الصغرى (المجتبى) 7/82 (3987)كتاب تحريم الدم، باب تعظيم الدم، تحقيق عبد الفتاح أبو غدة، مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة الثانية، 1406ه – 1986م، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/315 (2439) مكتبة المعارف بالرياض، الطبعة الخامسة.
([15]) سنن الترمذي 4/17(1398) أبواب الديات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب الحكم في الدماء، تحقيق أحمد محمد شاكر وآخرين، دار إحياء التراث العربي، بيروت، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 2/316 (2442).
([16]) صحيح البخاري 1/133 (660) كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، وصحيح مسلم 2/715 (1031)كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة.
([17]) صحيح مسلم 2/ 1994ح (1994) كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم.
([18]) الجامع لأحكام القرآن 3/124 تحقيق هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423هـ- 2003م.
([20]) حيث ظهرت ندى عادل، طليقة مخرج الإعلانات والمغني تميم يونس، يوم الجمعة 18/6/2021م في فيديو على حسابها في موقع «انستجرام»، وهي تبكي مُعلنة تعرضها للاغتصاب الزوجي، مشيرة إلى أنها ظلت لفترة تتجنب الحديث في هذا الموضوع على الرغم من تلقي طلبات عديدة لها بتناول هذه القضية، وأنها منزعجة من عدم توافر قانون في مصر لحماية الزوجة، كذلك هناك بعض الشُّيوخ يدافعون عن الاغتصاب الزوجي. ينظر: موقع مصراوي
تاريخ الدخول 18/6/2021م. فيما نفى زوجها الفنان تميم يونس واقعة اغتصاب زوجته في فيديو بثه على الانستجرام عبر خاصية الأستوري، مشددًا أن هذا الأمر لم يحدث.
([21]) صحيح البخاري 7/30 حديث (5194) كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، صحيح مسلم 2/ 1059 حديث (1436) كِتَابُ النِّكَاحِ، بَابُ تَحْرِيمِ امْتِنَاعِهَا مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا. واللفظ لمسلم، ولفظ البخاري: «حَتَّى تَرْجِعَ».
([22])ينظر: موقع بوابة الأهرام مقال بعنوان: “الأزهر” يحسم الجدل حول أزمة الاغتصاب الزوجي https://gate.ahram.org.eg/News/2814472.aspxبتاريخ 21/6/2021 بتصرف.
([23]) ينظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي10/7 دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الثانية، 1392ه.
([24]) صحيح البخاري 4/ 133 حديث (3331) كِتَابُ أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ، بَابُ خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وصحيح مسلم 2/ 1091 حديث (1468) كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء. واللفظ للبخاري.
([25]) سنن ابن ماجه 3/430 حديث (2340) تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرين، دار الرسالة العالمية، الطبعة الأولى، 1430 هـ- 2009م، أَبْوَابُ الْأَحْكَامِ، بَابُ مَنْ بَنَى فِي حَقِّهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ. وقال محققوه: ” صحيح لغيره”.
([26]) أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي 1/216.
([27]) تفسير الخازن المسمى لباب التأويل في معاني التنزيل 6/224، دار الفكر، بيروت، 1399 هـ- 1979م.
([28]) أنورا التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي 5/85 تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
([29]) من تقديم سالم عزام للبيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام، الذي أصدر المجلس الإسلامي الدولي في لندن- أبريل 1980م. ينظر: كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة للشيخ/ محمد الغزالي ص 206 دار نهضة مصر، الطبعة الرابعة، أغسطس 2005م.
([30]) ينظر: كتاب حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة للشيخ/ محمد الغزالي ص 6، 7 بتصرف.
([31]) مقدمة علي عبد الواحد وافي لكتابة حقوق الإنسان في الإسلام ص 8 تقديم إبراهيم الهدهد.
([32]) مقدمة محمد عمارة لكتابه الإسلام وحقوق الإنسان ص 12 سلسلة عالم المعرفة، العدد 89، مايو 1985 بتصرف يسير.
([33]) لقد استفدت في هذا المطلب من موقع ملتقى الخطباء https://khutabaa.com/index.php/ar مقال بعنوان: خطبة الوداع وأول ميثاق عالمي لحقوق الإنسان لشريف عبد العزيز تاريخ الدخول 22/6/2021م. بتصرف.
([34]) ينظر: حقوق الإنسان في الإسلام/ عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي ص28-31 وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد- المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1419هـ. بتصرف يسير.
([35]) ينظر: حقوق الإنسان في الإسلام عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي ص11-13. بتصرف يسير.
([36]) موقع الأمم المتحدة http://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/ تاريخ الدخول 21/6/2021م.
([37]) مسند أحمد بن حنبل 5/318 حديث (3280)، وقال محققوه: “صحيح لغيره”.
([38]) ينظر: حقوق الإنسان في الإسلام عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي ص 60-67. بتصرف.
([39]) مسند الإمام أحمد بن حنبل 14/349 حديث (8735)، وقال محققوه: ” إسناده حسن”. وقوله: ” عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ”: الكبر والنَّخوة. و”الجِعْلان”: دُويبة سوداء تدير الأوساخ بأنفها. قاله السِّندي في حاشيته على مسند أحمد بن حنبل.
([40]) صحيح البخاري 4/175حديث(3475) كِتَابُ أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ، بَابُ حَدِيثِ الغَارِ، وصحيح مسلم 3/ 1315حديث(1688) كِتَابُ الْحُدُودِ، بَابُ قَطْعِ السَّارِقِ الشَّرِيفِ وَغَيْرِهِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الشَّفَاعَةِ فِي الْحُدُودِ. من حديث عائشة رضي الله عنها. واللفظ للبخاري.
([41]) صحيح البخاري 8/16حديث (6050) كِتَابُ الإِيمَانِ، بَابٌ: المَعَاصِي مِنْ أَمْرِ الجَاهِلِيَّةِ، وَلاَ يُكَفَّرُ صَاحِبُهَا بِارْتِكَابِهَا إِلَّا بِالشِّرْكِ، وصحيح مسلم 2/ 1282 حديث (1661) كِتَابُ الْأَيْمَانِ، بَابُ إِطْعَامِ الْمَمْلُوكِ مِمَّا يَأْكُلُ، وَإِلْبَاسُهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ. من حديث الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، واللفظ للبخاري.
([42]) مسند الإمام أحمد بن حنبل 38/474 حديث (23489)، وقال محققوه: “إسناده صحيح”.
([43]) سنن أبي داود 1/61 حديث (236) كتاب الطهارة، باب في الرجل يجد البلة في منامه، وسنن الترمذي 1/ 189 حديث (113) أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما. من حديث عائشة رضي الله عنها، واللفظ للترمذي.
([44]) ينظر: حقوق الإنسان في الإسلام للدكتور/ عبد الله بن عبد المحسن بن عبد الرحمن التركي ص 68-81. بتصرف.