أسلوب الالتفات في القرآن الكريم: بين تشكيل البنية وبناء المعنى
The Apostrophe style in the Holy Quran: Between structural composition and semantic construction
د. كمال ذاكير، أستاذ باحث، الكلية المتعددة التخصصات، خريبكة، جامعة السلطان مولاي سليمان Dakir Kamal, polydisciplinary faculty of Khouribga, University Sultan Moulay Slimane
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 69 الصفحة 67.
ملخص:
يروم المقال كشف وظيفة أسلوب الالتفات في تشكيل البنية وبناء المعنى في القرآن الكريم؛ إذ عادة ما يُنظر إلى الالتفات على أنه مجرد حلية أسلوبية تروم دفع الملل والسآمة عن السامع دون أن يكون له دور مباشر في تحديد دلالة النص، وهذا ما سعى المقال إلى تفنيده. من هذا المنطلق، انقسم المقال إلى محورين؛ اهتم الأول بتوضيح فاعلية الالتفات في تشكيل بنية النص، ورسم معالمه. في حين، انبرى الآخر إلى تجلية وظائف هذا أسلوب في بناء المعنى القرآني.
الكلمات المفتاحية: الالتفات، البنية، الدلالة، القرآن الكريم.
Abstract:
The article aims to reveal the Apostrophe style functions, in the composition of the structure and the construction of meaning, in the Holy Quran; because this style is typically considered as a rhetorical improver; that renews the receiver’s attention, and breaks the monotony of the text, without occupying a fundamental role in the meaning determination; that’s what the article refutes.
From this perspective, the article was divided into two axes: The first was anxious to explain the style effectiveness in the elaboration of the text structure and to draw its characteristics. However, the other one proceeded to the demonstration of the style functions in the Quranic meaning construction.
Keywords: Apostrophe; structure; meaning; the Holy Quran.
مقدمة:
حظي أسلوب الالتفات باهتمام البلاغيين قديما وحديثا، فقد وضعه ابن المعتز (-296ه) على رأس “محاسن الكلام” في كتابه “البديع”، معرفا إياه بقوله: “وهو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة وما يشبه ذلك، ومن الالتفات الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر”[1]، ونفهم من كلامه أن الالتفات، في أصل وضعه، تحول يعتري الضمائر العائدة إلى المرجع نفسه، وهذا ما استقر عليه رأي الجمهور فيما بعد.
لكن ابن المعتز قد أشار في تعريفه، أيضا، إلى أن للالتفات مظهرا معنويا يرتبط بتغير أغراض الخطاب، وتحول المتكلم من معنى إلى الآخر، الأمر الذي جعل الالتفات يتداخل مع مجموعة من الأساليب البلاغية، مثل: “الاعتراض”[2] و”الاستطراد”[3]، و”الاستدراك”[4]، و”التذييل”[5]، وغيرها.
بل إن كلام ابن المعتز أسس لمنظور مواز لأسلوب الالتفات في تاريخ البلاغة العربية، منظور أبعد الالتفات عن حقل الضمائر، محررا إياه من كل قيد، لأن تركيز أصحابه انصب على دراسة التحولات في الخطاب على المستويين المعنوي والأسلوبي، ومن رواد هذا الطرح قدامة بن جعفر (-337هـ) الذي عد الالتفات من نعوت المعاني؛ فهو عنده استجابة آنية لحاجة يرى باث الخطاب أن من شأنها أن توضح وجهة نظره، وترد على منتقديه، وتمكنه من الاحتجاج لدعواه[6]. وقد تأثر العديد من البلاغيين بتصوره منهم: أبو علي الحاتمي (-388هـ)، وأبو هلال العسكري (-395هـ)، وأبو منصور الثعالبي (-429هـ)، وأبو طاهر البغدادي (-517هـ)، وحازم القرطاجني (-684هـ)[7].
والحقيقة أن هذا الفهم الموسع لأسلوب الالتفات يتداخل مع مفهوم الانزياح في الدراسات الغربية، ولعل هذا ما نستشفه من كلام الصفدي (-764هـ) حين عرف الالتفات بقوله: “هو الخروج من نوع إلى نوع، وسلوك سبيل بعد سبيل حتى إن التخلصات هي نوع من الالتفات”[8]؛ إذ تسعى دراسة الالتفات وفق هذا التوجه، شأنها في ذلك شأن الانزياح، إلى “التقاط النتوءات أو التحولات التعبيرية في لغة الأدب للكشف عن شحناتها التأثيرية أو الدلالية”[9].
ولكن هل أساء هؤلاء البلاغيون فهم كلام ابن المعتز حين أبعدوا الالتفات عن حقل الضمائر؟ مخالفين بذلك رأي الجمهور؛ لأن تعريف ابن المعتز يومئ إلى إمكانية اضطلاع تبديل الضمير بوظيفة التنبيه إلى تغير المعنى في الخطاب. وهذا ما جعل المقال ينطلق من فرضية مفادها أن الالتفات على مستوى الضمير لا تقتصر وظيفته على تطرية نشاط السامع، وتكسير رتابة النص، كما درج على ذلك جمهور البلاغيين، وإنما تمتد إلى تبئير التغيرات الدلالية، وتسليط الضوء على التحولات الأسلوبية في الخطاب. وبما أن الالتفات من الخصائص الأسلوبية المميزة للقرآن الكريم، فقد اتخذ البحث آياته متنا للدراسة.
في سبيل التحقق من صحة الفرضية السابقة، انقسم المقال إلى محورين، اهتم الأول بدراسة وظيفة الالتفات في تشكيل بنية النص، وكان هدفه الإجابة عن سؤالين مركزيين، هما:
- ما أبرز بنيات التقابل التي يولدها تشغيل أسلوب الالتفات بين أجزاء النص القرآني؟
- كيف يتيح الالتفات للنص القرآني إمكانية التعالي عن بنية الزمن؟
في حين، انبرى المحور الآخر إلى تجلية دور الالتفات في بناء المعنى، وذلك على افتراض أنه منبه أسلوبي يضطلع بمجموعة من الوظائف المسهمة في تحديد دلالة الخطاب. على هذا الأساس، فقد تركز الاهتمام في هذا المحور على الإجابة عن السؤال الآتي:
- كيف يبئر أسلوب الالتفات المعنى، ويسهم في تنويعه داخل الخطاب القرآني؟
يسهم أسلوب الالتفات في رسم منعرجات دلالية داخل النص الواحد، من خلال وضع تقابلات معنوية وتركيبية بين الجمل الملتفت منها والملتفت إليها، كما يمكّن من خرق بنية الزمن؛ فقد ينقل الخطاب من الأزمنة الغابرة إلى زمن النبوة بسلاسة، وقد يحوّل الخطاب من فضاء الدنيا إلى عوالم الآخرة، وقد يسهم في صياغة النواميس الكونية المتعالية عن الزمان والمكان.
يمكّن أسلوب الالتفات من إنشاء أشكال مختلفة من التقابل، ينبّه الضمير الملتفت إليه على وقوعها، كما هو الحال في سورة الفاتحة مثلا، عندما كان قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[10] إشارة انطلاق للتقابلات الحاصلة بين جزئي السورة الكريمة؛ إذ نميز في السورة بين غرضي الثناء والدعاء، وقد شكل الالتفات منعطفا وانتقالا في الغرض؛ فبعد الثناء عليه سبحانه في الجزء الأول من السورة جاء الدعاء، “ولا شك أن الدعاء يقتضي الخطاب فكان قوله: إياك نعبد تخلصا يجيء بعده: اهدنا الصراط”[11]، وغيره من ضمائر الخطاب الموجهة إليه سبحانه.
ونلاحظ أن سلسلة ضمائر الخطاب قد جاءت مرتبطة بدلالة مقابلتها من ضمائر الغيبة الواردة في مستهل السورة الكريمة؛ فلئن كان الحمد قولا باللسان فإن العبادة شكر بالأفعال، وبما أن الله رب واحد للعالمين، الشيء الذي يعكس توحيد الربوبية، فإنه المستحق للعبادة دون سواه، الأمر الذي يترجم توحيد العبودية. وإذا كان اسم الرحمن عاما وشاملا لـ”جلائل النعم وعظائمها وأصولها”[12]، فإنه قد جاء مناسبا لطلب الاستعانة المحيط بالأمور كلها دينيّها ودنيويّها. وإذا كان اسم الرحيم خاصا “يتناول ما دق منها ولطف”[13]، فإن طلب الهداية إلى الصراط المستقيم مختص بأمور الدين أساسا، وذلك طمعا في إنعامه سبحانه، وخوفا من سخطه وغضبه، إقرارا له سبحانه بالملك “القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة”[14]، والقدرة على التقرير في مصير خلقه يوم العرض بين يديه، كما جاء في النصف الأول من السورة، المتوافق مع آخرها؛ فالإنعام والغضب وغيرها تختص بمن يملك القدرة والسلطة. وتوضح الخطاطة الآتية أوجه التقابل الدلالي القائمة بين طرفي الالتفات في السورة الكريمة:
لم يقتصر التقابل في السورة الكريمة على الجانب الدلالي، بل امتد إلى الجانب التركيبي كذلك، الشيء الذي أضفى توازنا بديعا على أجزاء السورة، كان الالتفات واسطة عقده، فقد تألف الجزء الأول من السورة من جمل اسمية تعكس صفة الثبات والاستمرارية التي تتصف بها الذات العلية، بوصفها المعني بخطاب الثناء. في المقابل، تكون الجزء الآخر من السورة من جمل فعلية تومئ إلى الطابع المؤقت الذي يميز الخلق. في حين، استهلت آية الالتفات: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾[15] باسم، على الرغم من كونها جملة فعلية، لتشعر من جهة بالتغيير الحاصل في نوع الجمل، بين جزأي السورة، ولتجلي من جهة أخرى طبيعة العلاقة التي تربط العباد برب العباد. وحتى يكتمل التقابل التركيبي بين طرفي السورة، نجد أن ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ تمثل نتيجة منطقية لخطاب الاعتراف بالله ربا، وأن ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ تعد مقدمة لخطاب الدعاء الذي جاء بعدها، ومن شأن الخطاطة الآتية أن تجلي جوانب التقابل التركيبي بين جزأي السورة الكريمة:
يمتلك أسلوب الالتفات القدرة على تجميع فترات زمنية متباعدة في الخطاب نفسه، نتيجة التحول الذي يعتري الضمائر العائدة إلى المرجع عينه، ومن نماذج خرق بنية الزمن التي يولدها الالتفات في القرآن الكريم، نذكر قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾[16]، والذي تضمن التفاتا من الغيبة في قوله تعالى: “آيَاتِ رَبِّهِ” إلى التكلم في “إِنَّا” المحمّل بالتهديد الشديد للظالمين نظير إعراضهم عن آياته سبحانه، الأمر الذي جعلهم يصنّفون في دائرة المجرمين، “وقد يقال: إن المجرمين أعم من الظالمين فيكون دخولهم في الانتقام من المجرمين أخرويا”[17] يتجاوز حدود الدنيا ليصل إلى دار الخلود. وبذلك، يكون الالتفات مشعرا بهذا الصدع الزمني الواقع في الآية، والذي نقلنا بسلاسة ويسر من الأرض إلى السماء.
وقد يساعد أسلوب الالتفات على صياغة القوانين الكونية المجردة عن الزمان والمكان، كما في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾[18]؛ إذ جاء التحول من الخطاب في قوله تعالى على لسان خليله إبراهيم: “إِنَّكَ تَعْلَمُ” إلى الغيبة في قوله: “وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ” لينبه على القاعدة العامة المبينة لعظمته سبحانه، وبما أنها قد وردت في صورة تذييل، فقد “أُظهر فيها اسم الجلالة ليكون التذييل مستقلا بنفسه بمنزلة المثل والكلام الجامع”[19] الصالح على مر الأزمان.
ويبقى الوجه الأبرز للانتقال عبر الزمن، الذي من شأن الالتفات أن يتيحه، متمثلا في استحضار النبي صلى الله عليه وسلم في خضم الأحداث الماضية في أثناء سرد القصص القرآني، والوقائع المستقبلية عند الإخبار بأحوال الآخرة. ونمثل للشكل الأول بقوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾[20]، فقد مكّن الالتفات من التكلم في قوله: “بَارَكْنَا” إلى الغيبة عند قوله: “رَبِّكَ”، قبل العودة إلى التكلم من جديد في قوله: “دَمَّرْنَا”، من إشراك الرسول صلى الله عليه وسلم في سير الأحداث، الشيء الذي أسهم في ردم الفجوة الزمنية الفاصلة بين زمن موسى عليه السلام، وزمن الرسالة المحمدية.
ونورد تمثيلا للآخر قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا﴾[21]، فقد أتاح الالتفات من التكلم في قوله تعالى: “فَلَمْ نُغَادِرْ” إلى الغيبة في قوله: “عَلَى رَبِّكَ”، قبل العودة إلى تشغيل ضمائر التكلم من جديد في قوله: “لَقَدْ جِئْتُمُونَا” إمكانية إشراك الرسول، عليه الصلاة والسلام، في الإخبار عن أهوال القيامة وزمن الحشر المباين لزمن بعثته صلى الله عليه وسلم.
ثم إن ضمائر الحضور، وعلى رأسها ضمائر المخاطبة، تمكن عند الالتفات إليها من تجديد المعني بالخطاب على مر الزمن؛ الشيء الذي يعطي للخطاب القرآني صبغة الراهنية، ونمثل لهذه الخاصية بقوله تعالى: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[22]؛ إذ مكّن الالتفات إلى ضمير المخاطب في قوله تعالى: “أَفَلَا تَعْقِلُونَ” من إقحام السامعين عموما في الموعظة الإلهية التي تقدمها الآية القرآنية.
تعطي الأسماء المعرفة بـ”ال” الجنس هذه الإمكانية أيضا ؛ إذ يدخل تحتها كل أفراد جنسها ما بقيت الأرض ومن عليها، ونورد قوله تعالى في سورة الفتح: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾[23] نموذجا على ذلك؛ إذ توسط ضمير الغيبة المتمثل في قوله تعالى: “آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ” سلسلتين من ضمائر الخطاب، الأمر الذي يجعل الصفة غير مخصوصة بالمؤمنين الذين حضروا صلح الحديبية فقط، بل شاملة لكل من اتصف بخصالهم إلى أن تقوم الساعة؛ فلو قيل “آية لهم” عطفا على ضمائر الخطاب قبلها وبعدها لاختصت الآية بمن عاصر الصلح دون غيرهم.
يتسم أسلوب الالتفات بقدرته على تبئير المعنى؛ فهو منبه أسلوبي يؤشر على تغير الغرض في الخطاب، كما يمكن تركيز معناه، ولأسلوب الالتفات أيضا القدرة على جعل الخطاب متعدد الدلالات، وذلك تبعا لطبيعة قائله، والمرجع الذي تعود إليه ضمائره، والقراءة القرآنية التي تتيحه؛ إذ نجد الالتفات متحصلا في قراءة دون أخرى، إضافة إلى الموقع الذي تحتله جمل الالتفات داخل التركيب، والذي قد يؤدي تغيره إلى تغير المعنى المراد.
1.2. الالتفات منبه أسلوبي على تغير الغرض:
يشكّل الالتفات أحد المنبهات الأسلوبية التي تحيلنا على طبيعة المقام في المقطع القرآني؛ فالتحول في الضمير مع ثبات المرجع دليل على تغيّر نوع الإحالة داخل الخطاب، “فلئن كانت الإحالة بضمير الغائب نصية مقالية فهو يحال بواسطته على سابق مذكور في النص عادة، فإن الإحالة بضمير المخاطب (والحضور عامة) إحالة مقامية”[24]. بهذا تكون ضمائر الخطاب والتكلم أشد ارتباطا بالمقام، في الوقت الذي تظل فيه ضمائر الغيبة حبيسة النص والسياق اللغوي.
هذا المعطى يجعل غاية الالتفات عموما لا تنحصر فقط في تجديد نشاط السامع، كما روّج لذلك جمهور البلاغيين، وإنما تمتدّ ليصبح الالتفات مجدِّدا للدماء التي تسري في شرايين النص؛ فاعتماد ضمير الغيبة وحده، “مدعاة إلى أن ينغلق الكلام القرآني على نفسه، وإلى أن تنحصر وظيفته في مجرد الإخبار”[25]. في حين، يعد تبديل الضمير مؤشرا على تغير مقام الخطاب وتغير أغراضه، فقد يكون هذا التغير خروجا عن غرض إلى آخر مختلف عنه، وقد يكون التغير عارضا؛ إذ سرعان ما يعود الخطاب إلى غرضه الأصلي الذي جاء من أجله، وقد يكون متلاحقا؛ فبعد الغرض الأول يأتي غرض ثان، يعد مقدمة لغرض جديد مخالف لسابقيْه.
نقصد بالخروج الانتقال من غرض أول إلى غرض آخر، دون نية العودة إلى الأول. ولعل الالتفات الحاصل في سورة الفاتحة خير نموذج لهذا التحول الدلالي؛ إذ كان الالتفات في قوله تعالى: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾[26] مؤذنا بالانتقال من غرض الثناء إلى غرض الدعاء الذي استمر إلى نهاية السورة الكريمة.
وقد يكون هذا الالتفات مؤشرا على قرب انتهاء السورة، كما هو الحال في سورة الحشر مثلا؛ إذ كان في الالتفات إلى التكلم الوارد في قوله تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾[27] تحول إلى غرض التنويه بهدي القرآن العظيم، و”إيذان بانتهاء السورة لأنه انتقال بعد طول الكلام في غرض فتح قرى اليهود وما ينال المنافقين من جرائه من خسران في الدنيا والآخرة”[28]، والذي استخدمت فيه سلسلة طويلة من ضمائر الغيبة، امتدت من بداية السورة.
أشرنا في بداية المقال إلى أن أسلوب الالتفات يتداخل مع مجموعة من الأساليب البلاغية، يأتي في مقدمتها أسلوب الاعتراض، لدرجة جعلت مجموعة من البلاغيين يرادفون بين الأسلوبين[29]، وهو ما اعترض عليه أبو القاسم السجلماسي، بقوله: “غلط من عدهما نوعا واحدا غير متباين”[30]. ولعل مرد التداخل بين الأسلوبين راجع إلى أن الالتفات يعد مؤشرا أسلوبيا على وجود اعتراض في الخطاب.
فقد يشعر الالتفات ببداية المقطع المعترض، كما هو الحال في قوله تعالى: ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا﴾[31]، إذ يعد الالتفات من ضمائر الغيبة العائدة إليه سبحانه إلى التكلم في قوله تعالى: “وَلَقَدْ صَرَّفْنَا” مؤشرا على تحول عرضي همّ الغرض من إيراد الخطاب؛ فبعد أن “ذكر فظاعة قولهم بأن الملائكة بنات الله أعقب ذلك بأن في القرآن هديا كافيا، ولكنهم يزدادون نفورا من تدبره. فجملة ولقد صرفنا في هذا القرآن معترضة”[32]بين الآيتين؛ وسرعان ما عاد الخطاب إلى غرضه الأصلي المتمثل في “إبطال تعدد الآلهة زيادة في استئصال عقائد المشركين من عروقها”[33].
وقد يدل الالتفات على نهاية الاعتراض، ومثال ذلكالالتفات على نهاية الاعتراض]حكم المترادفين قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ﴾[34]، فبعد الاعتراض الوارد في قوله تعالى: “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى” كانت العودة إلى استخدام ضمائر المتكلم في قوله: “رُسُلُنَا”، عطفا على “آيَاتِنَا” الواردة في الآية التي سبقت الاعتراض، لتنبئ بنهايته؛ فجملة: “أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ” “عطف بيان لجملة: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. وبذلك، يكون الخطاب قد ائتلف بعدما تخلله من اعتراض.
قد تتلاحق الالتفاتات في الخطاب، لتكون منبهة على تنوع الأغراض التي يروم الخطاب تبليغها، الأمر الذي يجعلنا أمام ثلاثة أغراض، على الأقل، تفصل بينها حالتي التفات على التوالي؛ ونمثل لهذه الوظيفة التي يضطلع بها أسلوب الالتفات في الفصل بين أغراض الخطاب، بقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[35]؛ فقد جاء الالتفات إلى ضمير المتكلم العائد إلى الله سبحانه، في قوله: “إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ”، منبها على تغير الغرض من الخطاب؛ فبعد أن تركز مراده تعالى في بداية السورة على “الوعد بالفتح والنصر وما اقتضاه ذلك مما اتصل به ذكره”[36]، انتقل بداية إلى بيان الغرض من بعثة وإرسال النبي، عليه الصلاة والسلام، ليكون مقدمة لذكر ما جرى في صلح الحديبية، والذي كان الالتفات الذي اعترى الضمائر العائدة إلى الرسول الكريم مؤشرا عليه، والمتمثل في الانتقال من ضمير الغيبة في قوله: “رَسُولِهِ” إلى الخطاب عند قوله في مستهل الآية العاشرة: “إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ”.
وتجمل الخطاطة الموالية وظيفة الالتفات في الفصل بين أغراض الخطاب في الآيات السابقة:
يساعد أسلوب الالتفات على تركيز المعنى، الذي يروم الخطاب إيصاله إلى المتلقي. وقد رصدنا في القرآن الكريم عدة طرق تمكّن أسلوب الالتفات من تحقيق هذه الغاية، نذكر منها: تكثيف الدلالة وإيجاز العبارة، قصر الغرض وتخصيصه بمرجع الضمير، الارتقاء بالدرجة.
يمكّن أسلوب الالتفات من تكثيف الدلالة، وإيجاز العبارة، ومن الآيات القرآنية التي أدى فيها الالتفات هذه الوظيفة نذكر قوله تعالى: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾[37]؛ فقد جاء الالتفات من التكلم في قوله: “آتَيْناهُمْ” إلى الغيبة عند قوله تعالى: “نِعْمَةَ اللَّهِ” في موقع تذييل أريد به الحكم على بني إسرائيل بتبديل نعمة الله، الأمر الذي يجعلهم مستحقين للعقوبة.
ويرى ابن عاشور (-1973م) أن هذا الالتفات قد أغنى عن الإطناب، وبيّن المعنى بأقصر عبارة، بقوله: “فيغني مثله في الكلام عن ذكر جمل كثيرة إيجازا بديعا من إيجاز الحذف وإيجاز القصر معا، لأنه يفيد مفاد أن يقال كم آتيناهم من آية بينة هي نعمة عليهم فلم يقدروها حق قدرها، فبدلوا نعمة الله بضدها بعد ظهورها فاستحقوا العقاب، لأن من يبدل نعمة الله فالله معاقبه، ولأنه يفيد بهذا العموم حكما جامعا يشمل المقصودين وغيرهم ممن يشبههم، ولذلك يكون ذكر مثل هذا الكلام الجامع بعد حكم جزئي تقدمه في الأصل تعريضا يشبه التصريح”[38].
نفهم من كلام ابن عاشور أن أسلوب الالتفات في الآية الكريمة قد ولّد إيجازا مركبا من إيجاز حذف وقصر في آن واحد، ومكّن من خلال صيغة العموم التي اكتنفته من ضرب عصفورين بحجر واحد؛ فقد أوقع حكم التبديل على بني إسرائيل، وأشرك فيه كل من اقتدى بخطاهم، وشابه فعله إجرامهم.
يسهم أسلوب الالتفات، أيضا، في قصر الغرض على المرجع الذي يعود إليه ضميراه، ومن النماذج التي يزخر بها القرآن الكريم في هذا الباب نورد قوله تعالى في سورة الروم: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾[39]؛ فبعد سلسلة من ضمائر الخطاب العائدة إلى المؤمنين وقع الالتفات إلى ضمائر الغيبة تنويها بقدرهم، تنويه تضمن ضمير الفصل (هُمُ) “لقصر جنس المضعفين على هؤلاء، وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد بإضعاف من عداهم لأن إضعاف من عداهم إضعاف دنيوي زائل.”[40]
تجدر الإشارة إلى أن القصر متحقق في الآية، حتى في غياب ضمير الفصل، نظرا إلى تعريف طرفيه، إلا أن توظيف ضمير الفصل قد أكد القصر على هؤلاء دون غيرهم، وأسهم بذلك في الارتقاء بدرجته.
يمكّن أسلوب الالتفات من زيادة تركيز دلالة الآية القرآنية، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾[41]؛ فقد جاء الالتفات إلى الخطاب عند قوله: “وَإِنْ مِنْكُمْ” للارتقاء بدرجة توعد الكفار وتهديدهم، وقطع المجال أمام أيّ لبس قد يتسبب فيه توظيف ضمائر الغيبة[42] الواردة في قوله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾[43].
وتبقى صيغة الالتفات من الغيبة إلى التكلم أكثر صيغ الالتفات تعبيرا عن هذا الغرض؛ ففي قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى﴾[44] أبرز الالتفات إلى التكلم في قوله: “أَخْرَجْنَا” خاصية الارتقاء في درجة المحاجة؛ فبعد “أن حج المشركين بحجة انفراده بخلق الأرض وتسخير السماء مما لا سبيل بهم إلى نكرانه ارتقى إلى صيغة المتكلم المطاع فإن الذي خلق الأرض وسخر السماء حقيق بأن تطيعه القوى والعناصر”[45].
يتبيّن من قول ابن عاشور أن الحجج المقدمة بضمير الغيبة الملتفت عنه لا يستطيع المشركون إنكارها، فهم يقرّون لله بخلق السماوات والأرض مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[46]. وبذلك، فتسخير السماء، وإنزال الماء منها بيده سبحانه إلا أنهم قد يتوهمون أن المطر هو المسبب للإنبات، ودرءً لهذا الوهم ارتقت درجة الاستدلال في هذه الآية ونظيراتها[47] لتكشف عبر إسناد فعل الإنبات إليه سبحانه أنه المختص به، “ولا يدخل تحت قدرة أحد”[48] سواه، وأن دور الماء مقتصر على التحفيز فقط، فقد اقتضت مشيئته عز وجل أن تجعل لكل شيء سببا؛ فكان الماء سببا في إخراج النبات، ولولا مشيئته ما كان للماء دور في عملية الإنبات.
يسهم أسلوب الالتفات في تنويع المعاني، وذلك عبر عدة طرق نذكر منها: ترميز الخطاب، وجعله مزدوج الدلالة أو الغرض، كما أنّ الالتفات من شأنه أن يجعل المعنى مشروطا بمجموعة من المتغيرات، الأمر الذي يجعل الخطاب القرآني حمال أوجه، قد تكون جميعا من مراده عز وجل.
يسهم أسلوب الالتفات في وضع شفرات داخل الخطاب، تجعل الضمير الملتفت إليه عائدا إلى فئة معينة من جنس مرجع الضمير موضوع الالتفات، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾[49]؛ فبعد سلسلة من ضمائر الخطاب في الآية الأولى وقع الالتفات إلى ضمائر الغيبة في ختام الآية الثانية، ليحمل إشارة إلى “فريق خاص وهم السيارة والملاحون فإن هدايتهم بهذه النجوم لا غير.”[50]
ولعل الأمر نفسه يتكرر في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[51]؛ إذ أومأ الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، الوارد في بداية الآية الأولى، إلى الانتقال من ذكر النعمة التي تشمل كل السامعين، ومكن من التحضير لذكر النقمة المختصة بالمشركين، اختصاص ظهر في الآية الموالية بعد أن أنجاهم سبحانه؛ فإذا هم يبغون في الأرض بغير الحق، وهذا ليس من خصال المؤمنين، ليصبح ضمير الغيبة في الآيتين رمزا للمشركين. وقد عبّر ابن عاشور عن هذا النوع من تشفير الخطاب بقوله: “وهذا ضرب من الالتفات لم ينبه عليه أهل المعاني وهو كالتخصيص بطريق الرمز.”[52]
يمكّن توظيف أسلوب الالتفات داخل الخطاب من جعله مزدوج الدلالة، بل حتى متضاد الأغراض، ونعرض فيما يلي مجموعة من الآيات التي من شأنها أن تظهر قدرة أسلوب الالتفات على تأدية هذه الوظيفة المزدوجة في القرآن الكريم.
- الالتفات وازدواجية المرجع:
قد يتولد عن تشغيل أسلوب الالتفات في الخطاب القرآني نوع من الإبهام في تحديد مرجع الضمير، الشيء الذي يؤدي إلى تباين المعنى بحسب المرجع المفترض للضميرين موضوع الالتفات، ونذكر من النماذج القرآنية الواردة ضمن هذا الضرب، قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾[53]؛ فلئن كان الخطاب واردا لإبطال دعوى المشركين، فإن “كنايته تعريض بالنصارى الذين شابهوا المشركين في نسبة الولد إلى الله”[54]، وهذا يجعل مرجع الضمير مزدوجا، لكن دون أن يورث ذلك تنوعا في الغرض الذي بقي على حاله، وإن اختلفت أسماء أدعياء الله بين الطوائف التي تجرأت على نسبة الابن له سبحانه، وهو الأحد الصمد.
وإذا كانت ازدواجية المرجع في الآية السابقة لم تفض إلى ازدواجية الغرض، فإن الالتفات إلى الخطاب في قوله تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾[55] قد حقق هذه الغاية؛ إذ مكّن قوله سبحانه: “أَفَلَا تَعْقِلُونَ” من الجمع بين مرجع الكفار الذي تعود إليه ضمائر الغيبة الواردة في الآية الأولى، وبين مرجع المؤمنين الذي ترجع إليه ضمائر الغيبة الحاضرة في الثانية. وبذلك، يصبح الاستفهام مستعملا “في التوبيخ إن كان خطابا للمشركين، أو في التحذير إن كان خطابا للمؤمنين”[56]، الأمر الذي يجعل الخطاب مستوعبا لعموم متلقيه على مر الأزمان، كما بيناه آنفا.
- الالتفات وتعارض الأغراض:
قد تتعدد أغراض الخطاب في ضوء تشغيل أسلوب الالتفات، بل قد تؤدي بعض توظيفاته إلى تضاد الأغراض، ونمثل لهذا الضرب بقوله تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾[57]، فقد تضمنت الآية التفاتا إلى خطاب المشركين، بعد أن أخبر عنهم بطريق الغيبة ابتداء من قوله تعالى: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾[58]، “ليجمع في توجيه الاستدلال إليهم بين طريقي التعريض والتصريح”[59]، وهما غرضان متضادان مكّن أسلوب الالتفات من الجمع بينهما.
نقصد بالالتفات المشروط حالات الالتفات التي لا تتحقق إلا بوجه واحد، على الأقل، الشيء الذي يجعل معاني الخطاب تتنوع بحسب إمكانات التأويل المتاحة، ومن أوجه الالتفات المشروط التي وقفنا عليها في القرآن الكريم الالتفات المشروط: بمرجع الضمير، بقائل الخطاب، بقراءة قرآنية، بموقعه في التركيب.
- الالتفات المشروط بمرجع الضمير:
رأينا في ضرب الالتفات المزدوج أن مرجع الضمير قد يتعدد، وأن تعدده يولّد حالات التفات متباينة، غير أن ما يميز الالتفات المشروط بالمرجع هو أن تحققه مرهون بعودة ضميريه إلى المرجع نفسه، الشيء الذي يفضي إلى تعدد إمكانات التأويل، ومن أمثلة هذا الضرب في القرآن الكريم نجد قوله تعالى في مستهل سورة الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[60]؛ إذ تضمنت الآية الكريمة حالة التفات مؤكدة وهي المتمثلة في التحول من ضمائر الغيبة العائدة إليه سبحانه، الواردة في بداية الآية، إلى ضمائر التكلم، ابتداء من قوله تعالى: “بَارَكْنَا”، غير أن العودة من جديد إلى ضمائر الغيبة في نهاية الآية، عند قوله: “إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”، خلّف نوعا من اللبس؛ نظرا إلى تقدم مرجعين محتملين لهذه الضمائر في الآية هما: الله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، المضاف إليه سبحانه، عند قوله: “بِعَبْدِهِ”، الأمر الذي فتح الباب أمام تأويلات المفسرين.
فإذا كان جمهور المفسرين، وعلى رأسهم الزمخشري الذي عدّ الضمائر عائدة إلى الله عز وجل على طريقة الالتفات[61]، فإن ابن عاشور قد جعلها للنبي عليه الصلاة والسلام[62]، معتبرا الالتفات الأول ممهدا لتحديد معادها، بقوله: “والالتفات هنا امتاز بلطائف[…] منها: التوطئة والتمهيد إلى محمل معاد الضمير في قوله: إنه هو السميع البصير، فيتبادر عود ذلك الضمير إلى غير من عاد إليه ضمير لنريه لأن الشأن تناسق الضمائر، ولأن العود إلى الالتفات بالقرب ليس من الأحسن.”[63]
وفي رأي ابن عاشور بعد نظر؛ لأن صفة السمع والبصر متحققة لله تعالى بنص القرآن[64]، ومتحصلة لنبيه في الآية الكريمة إثباتا لتحقق حدث الإسراء والمعراج في حال يقظته جسدا وروحا، كما أشار إلى ذلك الرازي، في مفاتيح الغيب، بقوله: “الذي يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد صلى الله عليه وسلم وجسده من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن والخبر، أما القرآن فهو هذه الآية، وتقرير الدليل أن العبد اسم لمجموع الجسد والروح، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا لمجموع الجسد والروح.”[65]
نفهم من تخريج ابن عاشور أن قوله تعالى: “”إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” جاء تأكيدا لانتقال الرسول الأكرم جسدا وروحا إلى المسجد الأقصى، ومنه إلى السماوات العلا، وذلك حتى يتقرر عند السامع أنه صلى الله عليه وسلم كان مدركا بحواسه لآيات الله من خلال جارحتي الأذن والعين في بعدهما المادي والجسدي، وعبر الإدراك والبصيرة باعتبار أبعادهما الروحية.
على هذا الأساس، يمكن القول إن ضمائر الغيبة الواردة في نهاية الآية، موضوع تنازع بين مرجعين، نظرا إلى كون صفتي السمع والبصر من الصفات الواجبة في حقه تعالى، والمقصودة لنبيه في الآية حتى يقتنع السامعون بتحقق الحدث جسدا وروحا، وإلى هذا التأويل أومأ ابن عاشور، بعد أن عرض آراء المفسرين، بقوله: “ولعل احتماله للمعنيين مقصود.”[66]
- الالتفات المشروط بقائل الخطاب:
يرتبط تحقق بعض حالات الالتفات، في الخطاب القرآني، بالمرسِل الذي تنقل على لسانه الأقوال، الأمر الذي ينتج تعددا دلاليا، يجعل المعاني تتنوع بحسب القائل المفترض، كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾[67] الذي تضمن التفاتا من الغيبة في قوله: “رَبِّكِ” إلى التكلم عند قوله: “عِبَادِي”، غير أن هذا الالتفات لا يتأكد وقوعه إلا إذا كان النداء المتقدم في الآية الأولى لله عز وجل، وليس منقولا على لسان الملائكة[68].
فإذا كان الكلام لله سبحانه تجلت في الآية مظاهر الاختصاص والتشريف[69]؛ فهو بارئ النفس، ومتوفيها، ومكرمها بالدخول إلى جنته، وإن كان القول للملائكة بدا منه تقديرها لنفس المؤمن، وإجلالها لسعيه في الحياة الدنيا، وتبشيرها له برضوان الله، قبل أن يتأذن سبحانه بأن يولج المؤمن نعيم جنته.
- الالتفات المشروط بقراءة قرآنية:
يعدّ تعدد القراءات القرآنية من مظاهر رحمته سبحانه بعباده، تنوع يجعل المعنى موزعا بينها جميعا، ويحيل أي تفسير يقتصر على إحداها دون الإلمام بغيرها من القراءات المتواترة تفسيرا جزئيا يعتريه القصور عن فهم مراد الله تعالى. فقد يؤدى تعدد القراءات القرآنية في بعض آيات الذكر الحكيم إلى تنوع المعنى المراد، ونمثل لذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾[70] على قراءة أبي عمرو، ليصبح الصد عن مخاطبة الكفار في ختام الآية “لتعجب المؤمنين من حالهم”[71] معنى إضافيا تنفرد به هذه القراءة، في الوقت الذي تَركّز فيه اهتمام بقية القراءات على غرض التوبيخ المترتب عن مواجهتهم بالخطاب منذ بداية الآية الكريمة.
- الالتفات المشروط بموقعه في التركيب:
قد يتحكم موقع الجمل المحتضنة لضمائر الالتفات في إثبات وقوعه من عدمه، وهذا يفضي إلى تغير المعنى المراد في ضوء طبيعة موقع الجملة في التركيب، ونورد تمثيلا لهذا الضرب قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾[72]؛ إذ لا يمكن عدّ الإخبار عن الكفار بضمير الغيبة الوارد في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا” التفاتا من الخطاب، المتقدم في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾[73]، إلا إذا كان قوله تعالى في الآية الموالية: ﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ﴾[74] في موقع المحكي بالقول، وذلك حتى يكون في “التعبير عنهم بالذين أجرموا إظهار في مقام الإضمار على طريقة الالتفات”[75].
وإذا جعلت الآيات السابقة معترضة، عدّت جملة “إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا” واقعة “موقع بدل الاشتمال لمضمون جملة: إنهم لصالوا الجحيم [المطففين: 16]”[76]، وعلى هذا التخريج لن يكون التعبير بـ”الذين أجرموا” من باب الالتفات، بل سيُعدّ الكلام موافقا لمقتضى الظاهر.
خاتمة:
يتضح في ختام هذا المقال أن أسلوب الالتفات، وفق فهم الجمهور، يمكن من تبئير التغيرات الدلالية، ويسلط الضوء على التحولات الأسلوبية في القرآن الكريم؛ ذلك أن وظيفته لا تقتصر على دفع السآمة عن السامعين وتجديد نشاطهم، كما روج لذلك العديد من البلاغيين، وإنما تمتد إلى تشكيل بنية النص، وتسهم في إنشاء معنى الخطاب.
فقد بيّن المقال أن أسلوب الالتفات يسهم في تكوين بنية النص القرآني، وذلك عبر التقابلات الدلالية والتركيبية التي ينسجها بين الجمل الملتفت منها والملتفت إليها، كما أوضح المقال قدرة هذا الأسلوب على رسم عوالم متوازية داخل النص عبر الجمع بين فترات زمنية متباعدة، الشيء الذي يحرر القرآن الكريم من قيود الإحالة المقالية، ويفتح الخطاب الإلهي على سياقاته التواصلية، بشكل يجعل آيات الذكر الحكيم تتعالى عن بنية الزمن.
ثم إن أسلوب الالتفات يتسم بقدرته على تبئير المعنى؛ فهو أحد المنبهات الأسلوبية التي تحيلنا على طبيعة المقام في المقطع القرآني؛ فالتحول في الضمير مع ثبات المرجع دليل على تغيّر نوع الإحالة داخل الخطاب وتبدل أغراضه. هذا فضلا عن كون الأسلوب تقنية تتيح تركيز المعنى في ذهن السامع، وذلك من خلال تكثيف الدلالة، وقصر الغرض وتخصيصه بمرجع الضمير، وكذا الارتقاء في درجة الاستدلال.
كما يساعد أسلوب الالتفات على تنويع المعاني، وذلك عبر عدة طرق ذكرنا منها: ترميز الخطاب، وازدواجية المرجع والغرض، بالإضافة إلى أنّ الالتفات من شأنه أن يجعل المعنى مشروطا بمجموعة من المتغيرات، الأمر الذي يجعل الخطاب القرآني حمال أوجه، قد تكون جميعا من مراده تعالى.
وبذلك، يغدو الالتفات علامة سيميائية توجه قراءة النص القرآني، وتنظم عملية التلقي والتأويل، الأمر الذي يجعل دراسته أعمق بكثير من مجرد ملاحظة التغير على مستوى الضمير، فهذا التغيير يومئ إلى معان ودلالات لا تزال في حاجة إلى مزيد من البحث والتأصيل.
لائحة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم، برواية حفص عن عاصم.
- الكتب العربية والمترجمة:
– ابن أبي الاصبع، عبد العظيم بن الواحد بن ظافر: تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر، تقديم وتحقيق: حنفي محمد شرف، لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة، 1983م.
– الرازي، فخر الدين: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، ط3/1420ه.
– ابن رشيق، أبو علي الحسن: العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت-لبنان، ط5/1981م.
– الزمخشري، جار الله أبو القاسم محمود بن عمر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوّض، مكتبة العبيكان، 1998م.
– السجلماسي، أبو محمد القاسم بن محمد: المنزع البديع، تحقيق: علال الغازي، مكتبة المعارف، الرباط، 1981م
– أبو السعود، محمد بن محمد بن مصطفى العمادي: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، (د.ت).
– الصفدي، خليل بن أيبك: الغيث المنسجم في شرح لامية العجم، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 2016م.
– صولة، عبد الله: الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبية، دار الفارابي، بيروت-لبنان، ط2/2007م.
– طبل، حسن: أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، دار الفكر العربي، 1998م.
– ابن عاشور، محمد الطاهر: التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر- تونس، ط2/1984م.
– العلوي، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم: الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، المكتبة العصرية- بيروت، 2003م.
– قدامة، أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي: نقد الشعر، تحقيق: كمال مصطفى، مكتبة الخانجي- القاهرة، ط4/2015م.
– القزويني، جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر: الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 2003م.
– ابن المعتز، أبو العباس عبد الله ابن المعتز بالله العباسي: كتاب البديع، تحقيق: عرفان مطرجي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت- لبنان، 2012م.
[1]– عبد الله بن المعتز: كتاب البديع، تحقيق: عرفان مطرجي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت- لبنان، ط1/2012م، ص 73.
[2]– الاعتراض هو: “أن يؤتى في أثناء الكلام، أو بين كلامين متصلين معنى، بجملة أو أكثر لا محل لها من الإعراب لنكتة”. (جلال الدين القزويني: الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق: إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، ط1/2003م، ص 158).
[3] – الاستطراد: “أن يشرع المتكلم في شيء من فنون الكلام، ثم يستمر عليه فيخرج إلى غيره، ثم يرجع إلى ما كان عليه من قبل”. (ابن حمزة العلوي: الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، المكتبة العصرية- بيروت، ط1/1423هـ، 3/ 8).
[4]– الاستدراك: “وهو على قسمين: قسم يتقدم الاستدراك فيه تقرير لما أخبر به المتكلم وتوكيد. وقسم لا يتقدمه ذلك”. (ابن أبي الاصبع المصري: تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر، تقديم وتحقيق: حنفي محمد شرف، لجنة إحياء التراث الإسلامي بالقاهرة، 1983م، ص331).
[5]– التذييل: “وهو أن يذيل المتكلم كلامه بجملة يتحقق فيها ما قبلها من الكلام، وتلك الجملة على قسمين: قسم لا يزيد على المعنى الأول، وإنما يؤتى به للتوكيد والتحقيق. وقسم يخرجه المتكلم مخرج المثل السائر ليحقق به ما قبله.” (ابن أبي الاصبع: تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر، ص 387).
[6]– عرف قدامة بن جعفر الالتفات بقوله: “وهو أن يكون الشاعر آخذاً في معنى، فكأنه يعترضه إما شك فيه أو ظن بأن راداً يرد عليه قوله، أو سائلاً يسأله عن سببه، فيعود راجعاً على ما قدّمه، فإما أن يؤكده أو يذكر سببه أو يحل الشك فيه” (قدامة بن جعفر: نقد الشعر، تحقيق: كمال مصطفى، مكتبة الخانجي- القاهرة، ط4/2015م، ص 146).
[7]– ينظر: حسن طبل: أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، دار الفكر العربي، 1998م، ص 18.
[8]– خليل بن أيبك الصفدي: الغيث المنسجم في شرح لامية العجم، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان، 2016م، 1/257.
[9]– حسن طبل: أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، ص 33.
[10]– الفاتحة: 5.
[11]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، الدار التونسية للنشر- تونس، ط2/1984م، 1/179.
[12]– الزمخشري: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق وتعليق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوّض، مكتبة العبيكان، ط1/1998م، 1/110-111.
[13]– المرجع نفسه، 1/111.
[14]– أبو السعود العمادي: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، (د.ت)، 1/15.
[15]– الفاتحة: 5.
[16]– السجدة: 22.
[17]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 21/234.
[18]– إبراهيم: 38.
[19]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 13/243.
[20]– الأعراف: 137.
[21]– الكهف: 47-48.
[22]– الأنعام: 32.
[23]– الفتح: 20.
[24]– عبد الله صولة: الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبية، دار الفارابي، بيروت-لبنان، ط2/2007م، ص 462.
[25]– المرجع نفسه.
[26]– الفاتحة: 5.
[27]– الحشر: 21.
[28]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 28/116.
[29] – استهل ابن رشيق القيرواني (-456هـ) تعريف الالتفات بقوله: “هو الاعتراض عند قوم، وسماه آخرون الاستدراك” (ابن رشيق القيرواني: العمدة في محاسن الشعر وآدابه، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت-لبنان، ط5/1981م، 2/45).
[30]– أبو القاسم السجلماسي: المنزع البديع، تحقيق: علال الغازي، مكتبة المعارف- الرباط، 1981م، ص 442.
[31]– الإسراء: 40-42.
[32]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 15/109.
[33]– المرجع نفسه، 15/110.
[34]– الأعراف: 36-37.
[35]– الفتح: 8-10.
[36]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 26/155.
[37]– البقرة: 211.
[38]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 2/291.
[39]– الروم: 39.
[40]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 21/106.
[41]– مريم: 71.
[42]– ينظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، 16/149.
[43]– مريم: 68.
[44]– طه: 53.
[45]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 16/237-238.
[46]– لقمان: 25، والزمر: 38.
[47]– نذكر منها الآيات الآتية: الأنعام: 99، فاطر:35، النمل: 60، الزخرف: 11.
[48]– الزمخشري: الكشاف، 4/87.
[49]– النحل: 15-16.
[50]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 14/122.
[51] – يونس: 22-23.
[52]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 11/135.
[54]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 16/169.
[55]– الأنعام: 31-32.
[56]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 7/195.
[57]– الزمر: 6.
[58]– الزمر: 3.
[59]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 23/331.
[60]– الإسراء: 1.
[61]– ينظر: الزمخشري: الكشاف، 3/493.
[62]– ينظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، 15/22.
[63]– المرجع نفسه، 15/21-22.
[64]– ينظر: سورة غافر الآية: 20 و56، وسورة الشورى الآية: 11.
[65]– الفخر الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، ط3/1420ه، 20/295.
[66] – ابن عاشور: التحرير والتنوير، 15/22.
[68]– ينظر: ابن عاشور: التحرير والتنوير، 30/341.
[69]– ينظر: المرجع نفسه.
[70]– القصص: 60.
[71]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 20/154.
[72]– المطففين: 29.
[73]– المطففين: 17.
[74]– المطففين: 18.
[75]– ابن عاشور: التحرير والتنوير، 30/209.
[76]– المرجع نفسه.