الشورى كقيمة سياسية في فكر محمد عابد الجابري
Shura as a political value in the thought of Muhammad Abid al-Jabri
نورالدين اليزيد، باحث دكتوراه، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب
Noureddine El-Yazid, Doctorant, Université Mohammed V, Rabat, Maroc
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 30 الصفحة 63.
Abstract:
In this article, we tried to follow the research of the writer and thinker Muhammad Abed Al-Jabri for the concept of “Shura” in the Arab and Islamic heritage, so that we insisted on the student’s assertion that this concept is not enough to describe any Islamic political system based on it only because it raises it and echo it, it is applied in modern democratic states, that is, when the concept of shura becomes a human value with its weight in the system of government. In the context of his presentation of the kind of shura that he hoped to see, we saw how al-Jabri strongly defended the return to the first foundations of our Arab and Islamic heritage (the Qur’an and the Prophet’s Hadith) away from that stereotypical image of the “fundamentalists” , And that there were motives and reasons for making them do that, and those motives to satisfy the ruler or the current rejecting everything that is imported from the occident contemporary.
In the article, we also touched on Jabri’s criticisms for advocates of occident democracy as they were, but rather had to re-read our heritage in a rational way that imitates modernity but does not break with our traditions.
Keywords: Shura in Islam, Democracy, Modern Country, Heritage, Political thought
ملخص:
حاولنا في هذه الدراسة تتبّع بحْث الكاتب والمفكر محمد عابد الجابري في مفهوم “الشورى” في التراث العربي والإسلامي؛ بحيث وقفنا على تأكيد الدارس بأن هذا المفهوم لا يكفي وصف أي نظام سياسي إسلامي بأنه يقوم عليه فقط لأنه يرفعه ويردده، ما لم يتخذ أبعاده الحقيقية تماما كما هو معمول به في الدول الديمقراطية الحديثة، أي عندما يصبح مفهوم الشورى ذا قيمة إنسانية لها وزنها في نظام الحكم.
وفي سياق تقديمه لنوع الشورى المأمولة في تصوره، رأينا كيف أن الجابري دافع بشدة عن العودة إلى الأسس الأولى لتراثنا العربي والإسلامي (القرآن والأحاديث النبوية)، بعيدا عن تلك الصورة النمطية -ربما- التي قدمها من سماهم “الأصوليين” للشورى كمقابل لـ”الديمقراطية”، والتي كانت هناك دوافع وأسباب جعلتهم يَقْدمون على فعلهم ذاك، ومن تلك الدوافع إرضاء الحاكم أو التيار الرافض لكل ما هو مستورد من الغرب المعاصر.
وفي المقال تطرقنا أيضا إلى مكامن النقد الذي وجهه الجابري للداعين إلى الأخذ بالديمقراطية الغربية كما هي، بينما الأحرى كان عليهم الرجوع إلى إعادة قراءة تراثنا بطريقة عقلانية تحاكي الحداثة والمعاصرة لكن لا تقطع مع تقاليدنا.
الكلمات المفتاحية: الشورى في الإسلام، الديمقراطية، الدولة الحديثة، التراث، الفكر السياسي
مقدمة:
رغم أن تراثنا العربي الفكري وخاصة منه الفقه الإسلامي خلا من باب خاص بـ”الشورى”، إلا أن مفهوم هذه المفردة احتل حيزا مُهما في المشروع الفكري الكبير للمفكر العربي محمد عابد الجابري، الذي بحث في التراث العربي الإسلامي بما في ذلك القرآن والسنة، من أجل التدقيق في مفهوم “الشورى” وتبيان مدى دوره في تأسيس الدولة الإسلامية، بدءا من عهد الصحابة إلى عصرنا الحالي.
وبرأي محمد عابد الجابري[1]فإن القرآن الكريم جعل من الشورى خصلة من الخصال الحميدة، جنبا إلى جنب مع الإيمان بالله والتوكل عليه وتجنب الكبائر وإقامة الصلاة، فقال تعالى: “فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا، وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، وإذا ما غضبوا هم يغفرون. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون”.
ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى نفسه متوجها بالخطاب إلى النبي ليجعل من الشورى صفة من الصفات الحميدة التي يجب أن تُبنى عليها علاقته بأصحابه، فقال تعالى: “فبِما رحمة من الله لِنْت لهم، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر”[2]. وعلى هذا النهج سارت السنة النبوية وسار عليه الصحابة والأتباع من بعد، حيث أكدوا أن الحكم والولاية العامة على المسلمين حق للأمة ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ” وجاء في زيادة: “إنه لا خلافة إلا عن مشورة”[3].
إن المفاهيم الموظفة في الخطاب العربي الحديث والمعاصر، مستقاة كلها من الماضي العربي الإسلامي أو من الحاضر الأوروبي، حيث تدل تلك المفاهيم في كِلتي الحالتين على واقع، ليس هو الواقع العربي الراهن، بل على واقع معتم غير محدد، مستنسخ إما من صورة الماضي الممجد وإما من صورة “الغرب-المستقبل” المأمول[4].
من هنا انقطاع العلاقة بين الفكر العربي وموضوعه: الواقع العربي، الأمر الذي يجعل من خطابه خطاب تضمين لا خطاب مضمون: إن مفاهيم النهضة والثورة والأصالة والمعاصرة والشورى والديمقراطية والعروبة والإسلام والحكومة الإسلامية والوحدة العربية والاشتراكية والبرجوازية والبروليتاريا والصراع الطبقي…إلخ، مفاهيم غير محددة في الخطاب العربي، بمعنى أنها لا تحيل إلى شيء واضح ومحدد في الواقع العربي. ولذلك فهي عندما يوظفها هذا الخطاب تكون قابلة لأن تدخل مع بعضها أو تتحول إلى “بدائل” خطابية كلامية بدل أن تكون دَوَالَّ على معطيات واقعية[5].
ولعل انتفاء تلك العلاقة بين تراث الفكر العربي وواقع البلدان العربية مرده إلى عوامل مختلفة، أثرت بشكل أو بآخر على مساهمة هذا التراث في النهوض العربي. ولذلك فإننا نجد الباحث يصر على أن تمجيده للماضي هو رد فعل من “القرون الوسطى” بكل ما يترتب عليه (معاداة للديمقراطية) من عواقب، أي استمرار تلك العلاقة التي تربط الحاكم بالمحكوم، حيث يتم اختزالها في حالة القطيع الذي يتولى الحاكم قيادته إلى حيث يريد؛ إنه رد الفعل المنتشر -للأسف- على نطاق واسع في العالم العربي الإسلامي المعاصر، حيث نجد تراجعا إلى المواقف المتخلفة التي تصبح بمثابة أسوار تدافع عن ركود وهمي للهوية، وبدل هذا التراجع، يرى الجابري أن المرء منا يحتاج إلى تنظيم نهج تطلعي يحول هذا الوهم، دون إهمال للتقاليد، إلى روح من العقلانية والديمقراطية[6]؛ ولعل ذلك هو ما جعل مشروع الجابري (الفكري) مشروعا إيديولوجي يفترض تجاوز الخيبات والانكسارات والتعثرات، التي وقعت الأمة العربية فيها، ولن يتأتى ذلك -حسبه- إلا بإعادة القراءة النقدية للتراث العربي الإسلامي، وبالضبط الاشتغال على مفهوم العقل الذي ينتج هذا الفكر[7].
وفي هذا السياق يحذر الجابري[8]من أن استمرارية التهديد الخارجي للعملية النهضوية العربية (إسرائيل والإمبريالية العالمية) قد جعل توظيف التراث كسلاح إيديولوجي ضد “الآخر” يطمس ويقمع المحاولات التي كانت ترمي إلى توظيفه في العملية النهضوية، كتلك التي قامت بها سلفية الأفغاني وعبده ومن سار على دربهما في المشرق والمغرب، والتي تتمثل في محاربة الشعوذة والصوفية الطرقية والفكر الخرافي باسم الدين من جهة، وفي تضمين بعض المفاهيم التراثية مضامين عصرية ليبرالية من جهة أخرى، كتضمين “الشورى الإسلامية” وبعض تطبيقاتها معنى الديمقراطية الحديثة ونظمها.. إلخ.
وبالنسبة للجابري فإن ما يسميه “التيار السلفي النهضوي” إذا كان لم يعادِ الديمقراطية بصورة مطلقة فقد فضل ترجمتها إلى “الشورى”، وهو يعلم أن الشورى في الفقه السياسي الإسلامي تعتبر غير ملزمة، وإنها فضلا عن ذلك من اختصاص “أهل الحل والعقد”، أي رؤساء القوم وأكابرهم. ومع أن رجال السلفية النهضوية لم يتقيدوا صراحة بهذا المفهوم الفقهي للشورى فهم لم يتمكنوا مع ذلك من التعبير عنها بمضمون إيجابي معاصر[9].
وقبل ختم هذه التوطئة لابد من التنويه إلى أن انسياقنا المبدئي إلى اختيار موضوعة تتعلق بالفكر السياسي، وتحديدا بالفكر السياسي الإسلامي، والنبش عليها في أدبيات وأبحاث مفكر وباحث من طينة محمد عابد الجابري، فإنما مرده إلى أننا أمام مفكر شمولي كرس حياته العلمية والفكرية في عديد من المجالات الدينية والتراثية والفلسفية والاجتماعية والسياسية، بحيث –كما قال أحد الباحثين- من الصعب تحديد مفكِّرنا في درج واحد من مكتبة ضخمة، ومن الصعب، كذلك، أن نقول إن الجابري يهتم بهذا المجال دون غيره، فهو بالجملة مفكر متعدد المجالات، لا نستطيع تحديد واحد منها دون الإشارة إلى الأخرى[10].
وأخيرا وتأسيسا على ما سبق فإن موقف “المُشكك” في جعل مفهوم “الشورى” توازي أو تعني “الديمقراطية” عند الآخرين غير العرب، الذي أبان عنه الجابري في بحثه عن مفهوم “الشورى” في التراث العربي، وفي الفكري السياسي الإسلامي تحديدا، لا شك أنه موقف انتهى إليه الباحث بعد تمحيص دقيق في كتب التراث، جعله لا يقدم لنا فقط مفهوما موضوعيا لـ”الشورى” بل ويُقر بكون العرب طبقوا في وقت من الأوقات هذا المفهوم بشكل يضاهي ما تعنيه الكلمة في البلدان العصرية الليبيرالية، أي “الديمقراطية”، من هنا يمكننا استنتاج السؤال الرئيسي لهذه المقالة التالي.
إلى أي مدى استطاع الجابري تقديم مفهوم متوازن للشورى له أصوله في التراث ومنفتح على التجارب الحديثة؟
مبدئيا يمكن القول إن المفكر العربي محمد عابد الجابري، الذي كرس مشروعه الفكري المهم لدراسة العقل العربي والإسلامي وعلاقته بالتراث وبالآخر الغربي، استطاع أن يقدم لنا تصورا موضوعيا ومتوازنا إلى حد كبير لمفهوم الشورى، كما تداولته نصوص التراث العربي الإسلامي، عدا عن كون الباحث واعتبارا لما قدمه من تفسيرات وحجج نظرية وعملية مؤسَّسة للشورى عبر مراحل تاريخية مختلفة، قدم لنا وصفة لإعادة دراسة الفكر السياسي الإسلامي أملا في التوصل إلى المعنى الحقيقي لعديد الأشياء والمفاهيم ومنها مفهوم “الشورى”.
مسار المقالة
للإجابة عن السؤال المركزي ارتأينا أن نقدم (أولا) التصور العام لمفهوم الشورى كما جاء في كتابات محمد عابد الجابري التي بحثت في القرآن الكريم والسُّنة وبعض تطبيقات الفقه السياسي العربي، وذلك من خلال تتبع ما جاء بالخصوص في كتاب محمد عابد الجابري وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر.
ثم نبرز(ثانيا) مكانة الشورى في الفكر السياسي العربي الإسلامي، وسنعرج في هذا المحور على بعض تطبيقات الشورى في تراثنا كما جاءت تحديدا في كتابي الجابري “قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة”، و”إشكاليات الفكر العربي المعاصر”. قبل أن نقوم مع المفكر بـمقاربة لعلاقة الشورى بالديمقراطية(ثالثا)، لنستنتج ما إذا كانت تعني ما تعنيه هذه الكلمة الغربية من خلال تصفحنا للمراجع المشار إليها بالإضافة إلى أخرى.
وعلى سبيل الختم سنحاول تقديم خلاصة مركزة لدراسة الجابري حول الشورى، مُبرزين إلى أي حد استطاع المفكر المساهمة في “سد” هذا الفراغ في الفقه والفكر السياسي الإسلاميين -إن كان حقا- كما ذهب إلى ذلك الدارس في مختلف كتاباته.
أولا: مفهوم الشورى كما ورد في التراث
يرى محمد عابد الجابري[11]أن المفكر داخل المرجعية يستند في بحثه عن معنى “الشورى” إلى القرآن، من دون شك، وبالخصوص إلى قوله تعالى: “..وشاورهم في الأمر..”، وقوله “وأمرهم شورى بينهم..”. غير أن المعنى اللغوي لكلمة “شورى” مثله مثل سياق الآيتين، لا يسمح بـ”استنباط” تصور دقيق ومفصل عن الحكم كما ينبغي أن يكون، من المنظور الإسلامي؛ ذلك أن “الشورى”، كما تتحدد في المرجعية اللغوية، هي من “شرى” بمعنى أخذ. والمثال الذي تورده المعاجم في شرح هذا المعنى ويعتمده المفسرون كذلك، هو قول العرب: “شرَت العسل: أخذته مِن مأخذه”. ومنه “شاورتُ فُلانا.. أظهرتُ ما عندي وما عنده من الرأي”. وإذن فالشورى هي أخذ الرأي من مأخذه، أي ممن هو أهل لأن يؤخذ منه. وأخذ الرأي لا يعني قط وجوب الالتزام به تماما كما أن “من يؤخذ منهم الرأي” غير معينين ولا محصورين. وإذن فالشورى ليست فقط غير ملزمة للحاكم بل إن أهلها غير مضبوطين أيضا وإنما يجمعهم تعبير “أهل الحل والعقد”، والمقصود بهم كل من له سلطة ما في المجتمع: علمية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية ولكن دون تحديد لا للكم ولا للكيف ولا للجهة ولا للزمن.
هذا عن معنى الشورى كما يتحدد في المرجعية اللغوية، أما سياق الآيتين المذكورتين فهو لا يفيد الأمر الوجوب، وهذا ما يتضح من كلام المفسرين. نقرأ عند بعضهم في معنى قوله تعالى: “..فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر..”، والخطاب موجه إلى النبي (ص) وضمير الجمع يعود على المسلمين وكانوا قد انهزموا في غزوة “أحُد”، نقرأ ما يلي:
“فاعف عنهم: أي ما كان منهم يوم أحُد مما يختص بك. واستغفر لهم: فيما يخص بحق الله إتماما للشفقة عليهم. وشاورهم في الأمر: أي في أمر الحرب ونحوه مما لم ينزل عليك فيه وحي تطيِيباً لنفوسهم وترويحا لقلوبهم ورفعا لأقدارهم..”. أما الآية الثانية التي ورد فيها قوله تعالى: “وأمرهم شورى بينهم” فهي تتحدث عن خصائل الذين آمنوا أي جماعة المؤمنين عموما، وليس عن الحاكم تخصيصا، مما يعني أن الشورى فضيلة في كل مؤمن: المؤمن يستشير أخاه المؤمن في كل ما ينوي القيام به، ولكن العمل برأي من نستشيره غير واجب[12].
وهكذا فكل ما ينبغي للحاكم فعلُه هو أن يستشير، أما القرار فيتحمل مسؤوليته وحده وأهل الشورى لا يتحملون مسؤولية خطأ الحاكم حتى ولو كان عمله هو نفس ما أشاروا به عليه، وفي المقابل فهو غير مسؤول أمامهم[13].
ذلك هو المضمون الذي تقدمه لنا المرجعية التراثية عن مفهوم الشورى وهو مفهوم يندرج في دائرة “مكارم الأخلاق” و”محاسن العادات”، وليس في دائرة الفروض والواجبات.
بهذا المعنى فإن “الشورى” إلى جانب كل من “المسؤولية” وما عبر عنه الرسول الكريم بقوله “أنتم أدرى بشؤون دنياكم” تصبح هي “الأسس الثلاث” التي تقوم عليها “الخُلقية الإسلامية” في شؤون الحكم والسياسة(..). ومن هنا يتجلى بوضوح أن إعادة بناء الفكر السياسي في الإسلام يجب أن تنطلق، لا من الرجوع إلى آراء الماوردي وغيره، فهي ليست آراء ملزمة لنا، بل إنما أملتها ظروف عصرهم، بل يجب أن تنطلق عملية بناء الفكر السياسي الإسلامي المعاصر من إعادة تأصيل المبادئ الثلاثة المنوه بها أعلاه، وذلك بالصورة التي تجعلها تستجيب لحاجات عصرنا ومتطلباته”[14].
وفي مراجعته للتراث مُنقّبا عن مفهوم الشورى وما إذا تم الأخذ بها وإلى أي مستوى في ممارسة الحكم، نجد مفكرنا محمد الجابري غير مقتنع كثيرا بما وقف عليه، بحيث يؤكد أن الفقه الإسلامي ظل “خاليا” –على كثرة أبوابه- من باب بعنوان “باب الشورى”، وليس منهم من جعل “الشورى” شرطا في الخلافة. ذلك أن التصور الفقهي الإسلامي لمسألة الخلافة ينبني على أن الخليفة مسؤول أمام الله وحده وليس أمام من بايعوه طوعا أو كرها، والعقد الذي بينه وبينهم، وهو نظري، ينحصر كله في أن يحكم فيهم بما أنزل الله، وليس في ما أنزل الله ما يوجب عليه التزام العمل برأي الناس، لا عامتهم ولا خاصتهم[15].وهذا ما جعل البعض يصف الجابري في هذا الباب بـ”المتحفظ” على ربط الدعوة المحمدية بالمشروع السياسي؛ وهو تحفظ على المرويات التي تواترت في التاريخ العربي، والتي يجملها في لون الحديث عن الماضي، أو بصيغة الماضي، بواسطة ما حصل في الحاضر، بأنها نوعٌ من “التجاوز” السائد في كلام العرب[16].
ثانيا: بعض ممارسات الشورى في الفقه والفكر الإسلاميين
في سياق تعمقه في البحث في مفهوم “الشورى”، ينفي الجابري[17]أن يكون هناك نص تشريعي لا في القرآن ولا في السنة، ينظم مسألة الحكم، وبما أن النبي (ص) قد توفي من دون أن يعين من يخلفه ومن دون أن يبين طريقة تعيينه ومن دون أن يحدد اختصاصاته ولا مدة ولايته، فإن المسألة برمتها قد بقيت تنتمي إلى جنس المسائل التي يصدق عليها قوله عليه السلام: “أنتم أدرى بشؤون دنياكم”، فهي إذن متروكة لـ”الدراية” و”الاجتهاد”.
ولقد تم تعيين أبي بكر في ظروف استعجالية استثنائية، فكان تعيينه “فلتة” كما قال عمر بن الخطاب، مشيرا بذلك إلى أن بيعة أبي بكر قد تمت من دون تدبير سابق، وأن مبادرة الأنصار إلى الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لاختيار واحد منهم خليفة هو الذي جعل الأمور بالطريقة التي بها مرت، حيث احتدم النقاش وتباينت الآراء، وكاد أن يتطور النزاع إلى ما لا تحمد عقباه لولا أن بادر عمر إلى مبايعة أبي بكر فتبعه المهاجرون والأنصار… وقد تلافى أبو بكر تكرار مثل تلك “الفلتة” بتعيينه عمر بن الخطاب بعد استشارة الناس وحصول رضاهم، وتلافاها عمر بتعيين ستة يرشحون واحدا من بينهم، وقد وقع الاختيار على عثمان[18].
لكن السؤال المطروح هنا هو إلى أي حد التزم القوم/الصحابة بما أوصى به الرسول الأكرم حين قال: “أنتم أدرى بشؤون دنياكم”؟ هنا يجيب أحد الباحثين وهو بصدد البحث في الفكر السياسي لِعابد الجابري، بقول إن الصراع حول مسألة الخلافة تحكّمت فيه القبيلة من حيث قوتها، ووزنها، وسلالتها، ووحدتها، وغير ذلك… فعامل القبيلة هو بوصلة الصراع السياسي، إن لم نقل خريطة ميزان القوى بين هذا الطرف أو ذاك، وهذا ما يؤكده التهميش الذي مورس على علي بن أبي طالب منذ اليوم الأول، رغم تقربه من النبي رمزيا وماديا؛ فمن جهة ظل علي بن أبي طالب معزولًا دون ارتباط بقبائل أخرى على مستوى النسب والزواج، ومن جهة أخرى ظل وفيًا لدعوة النبي منذ طفولته عبر شَهْرِ سيفه ضد القبائل الأخرى التي تم غزوها، والنتيجة أن ثمة ثأْرا عالقًا بينه وبين تلك القبائل[19].
وفي التراث العربي الإسلامي أيضا لمّا كلم معاوية عبدالله ابن عمر في أمر استخلاف ابنه يزيد قالله ابن عمر: “إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم”[20].
إذن لم تكن هناك طريقة واحدة لتعيين “الخليفة”، فبقي الباب مفتوحا لكل الاجتهادات وأيضا لكل الاحتمالات. وإذا كان من الممكن الرجوع بجذور الثورة على عثمان إلى الصراع الذي احتدم بين مؤيديه وبين أنصار علي بن أبي طالب أيام “الشورى”، أي خلال تلك المداولات والنقاشات التي أسفرت عن تعيين عثمان خليفة، فإن ما حدث من ميوعة سياسية ومن فتنة دموية انتهت بقتل عثمان ما كان ليحدث بالصورة التي بها حدث لو لم يكن هناك فراغ دستوري[21]، أضف إلى ذلك أن استمرار فشل علي بن أبي طالب في الحكم، بعد اغتيال عثمان بن عفان، شكل إشارة قوية لدور القبيلة في الحُكم، الذي لم يستطع الإسلام محوه أو القطع معه، بقدر ما ظلّ حاضرا في هندسة الدولة؛ بمعنى أننا لا يمكن تمثل الدولة في الإسلام دون بيان حدود القبيلة في نظامها العام[22].
ويورد التاريخ الإسلامي أن الفوضى التي لحقت بأركان الدولة الإسلامية في ذاك العهد، إلى حد حمل السلاح ضد الحاكم كانت بالأساس بسبب تخلي هذا الحاكم عن مبدأ “الشورى”، ويروي ابن كثير في هذا الصدد إنه “لمّا أخذت البيعة لِيزيد في حياة أبيه، كان الحسين ممن امتنع من مبايعته هو وابن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وابن عمر وابن عباس”، وقد كان امتناع هؤلاء الصحابة، وهم أعلم الناس في زمانهم لعلمهم الأكيد بآثار الاستبداد على الأمة، وخطره عليهم، بل وصل الأمر إلى الخروج المسلح بعد وفاة معاوية، ولم تستقر الدولة لِيَزيد، وقد استمر الخروج المسلح على الاستبداد زمنا طويلا[23].
وبرأي بعض الدارسين فإن أهم ما يمكن استخلاصه من تجربة معاوية والأمويين فيما بعد، هو إيجاد تصور إيديولوجي يدافعون من خلاله على النظام السياسي، وقد وجدوه في “الجبرية”، لكن بالمقابل، سيجدون في الحديث النبوي[24] (وإن كان ضعيفًا حسب الجابري) جسرًا لتقديم نظامهم السياسي كنظام مُلك، بمعنى أنهم وجدوا في القرآن والحديث، مع إغفالهم الخلفاء الراشدين الثلاثة، أفُقا عاما لتبرير فعلهم السياسي[25].
وإذا كان الجابري قد أرجع تنصيب أبي بكر لخلافة الرسول إلى ما أجمع عليه المهاجرون والأنصار وتدخُّل عمر بن الخطاب، الذي حسم الموقف في الأخير، أي أرجع المسألة للعامل الدنيوي على حساب غياب الديني، فإن محمود أمين العالم[26]يرد هنا على الجابري بكون “القبيلة” لم تكن لها “الكلمة الأولى والأخيرة” في اختيار أبي بكر للخلافة، بل كان للعقيدة كذلك، لما يعنيه أبو بكر من قيمة دينية بصلته الحميمة بالنبي.
ولم تكن الثغرات الدستورية (بالمعنى الحديث) التي برزت في أواخر عهد عثمان والتي كانت وراء “انقلاب الخلافة إلى المُلك” هي وحدها الدروس السياسية التي يمكن استخلاصها من التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية. هناك جوانب أخرى لا بد من إبرازها، وبالخصوص منها الكيفية التي دأب الحكام في الإسلام على اعتمادها في إضفاء الشرعية على حكمهم، ابتداء من معاوية أول “ملك” في الإسلام[27]، الذي سيؤسس نظام حكمه بشكل جديد، ينبني على رؤية جديدة/قديمة، من خلال الآليات التنظيمية والسياسية التي دشنها منذ هيمنته على السلطة السياسية، من قبيل إيجاد تصور ديني عام يكون مسوغًا لنظام الحكم، بل يكون جامعًا للجموع تحت رايته؛ و”شعرة” معاوية التي تحيل إلى ربط الصلة بجميع القبائل حتى المتمردة منها، وإطلاق الحرية الفكرية شريطة ألا تكون مقرونة بالفعل، بالإضافة إلى كونه أخرج العرب من حرب أهلية مدمرة[28].
لقد كان معاوية يعرف جيدا أنه اغتصب الحكم بالسيف، وأنه بالتالي يفتقد الشرعية التي تأسس عليها الحكم في الإسلام منذ أبي بكر، شرعية “الشورى”، فراح يلتمس الشرعية لحكمه من “القضاء والقدر” من جهة، ومن العمل، من جهة أخرى، على استرضاء الناس بالتلويح لهم بإشراكهم في ثمار الحكم، خصوصا المادية منها. بل إن معاوية مثَّل وجهاً من أوجه “الواقعية السياسية” التي تقوم على التسليم بالأمر الواقع، حين خطب في المدينة بعد تمام “البيعة” له عام الجماعة فقال: “أما بعد فإني ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة”، ثم قال إنه حاول أن يحمل نفسه على سيرة أبي بكر أو عمر أو عثمان، ولكنها أبت ذلك ولم تستطعه، ثم أضاف قائلا: ” فسلكت بها طريقا لي ولكم فيه منفعة: مواكلة حسنة ومشاربة جميلة. فإن لم تجدوني خيركم فإني خير لكم ولاية..”[29]. وسار “الخلفاء” الأمويون من بعده (معاوية) على هذا النهج فاعتمدوا القول بالجبر كإيديولوجيا والعطاء كممارسة سياسية، فكان هذا وذاك هو أساس الشرعية التي بنوا عليها حكمهم[30]، لكن ذلك لم يسعف الأمويين في الاستمرار في الحكم بحيث جاء العباسيون الذين أنشأوا دولتهم بتحالف مع معارضي الأمويين، وتدبير الاختلاف المميز لهؤلاء، من أجل الثورة وقيام دولتهم، حيث إذا توقفنا عند الثورة على الحكم الأموي، سنجد شعاراتها بينة من خلال شعار الدعوة (الرضا من آل محمد)، المضمون السياسي العملي، المضمون السياسي للشرعية القُرشية، والمضمون الديني- السياسي للشورى، إضافة إلى توظيف شعار العمل بالكتاب والسنة[31].
إنه الاستيلاء والسيطرة على أمر الأمة دون رضى منها، ما يفتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان، وهو ما يسمى “الاستبداد السياسي” (بمفهومنا المعاصر)؛ فالحكم والولاية العامة على المسلمين حق للأمة، ولا يجوز الانفراد بها دون مشورة لهم كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من بايع رجلاً من غير مشورة المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا”، وجاء في زيادة: “إنه لا خلافة إلا عن مشورة”[32].ولذلك فقد عمد الجابري (من خلال مشروعه الفكري في جانبه السياسي) إلى الكشف عن أقنعة الاستبداد في التاريخ العربي الإسلامي، عبر وضع إشكالية الديني والسياسي موضع سؤال فلسفي عميق، لأجل رسم العلائق بينهما منذ البعثة المحمدية إلى الدولة العباسية، فكل مرحلة من هذه المراحل تحمل نظاما فكريًا وسياسيًا يتحالف أو يختلف عن المرحلة السابقة له[33].
وفي ما يمثل مفهوما أو تعريفا آخر مغايرا وبعيدا كل البعد عن تدخل الإنسان في صُنع طريقة الحُكم، نقف عند تجريد تام للمشيئة الإنسانية في هذا الصدد، حيث برأي الجابري فإن العباسيين “رفعوا شعار القدر”، أي القول بحرية الإنسان واختياره، وبالتالي مسؤوليته على أعماله. من أجل ذلك عمدوا إلى التماس الشرعية لحكمهم، لا من القضاء والقدر، كما فعل الأمويون، بل من “إرادة الله ومشيئته”، فقالوا إن الله هو الذي شاء أن يحكموا، وأنهم إنما يحكمون بإرادته ويتصرفون بمشيئته”[34].
لكن “محمد الجابري” سيحمل سؤاله حول “الشورى” إلى “الفكر الخلدوني” محاولا الإجابة عن سؤال حول “السبب” الذي جعل الدولة العربية الإسلامية دولة “الهيمنة والمركزية الشديدة”. وعن ما إذا كانت مسألة الدولة التي رسم ابن خلدون صورتها في مقدمته تطابق فعلا الدولة العربية الإسلامية كما عرفها التاريخ فعلا(..)[35].
وهنا يتساءل الجابري عن سر طغيان مفاهيم “العنف” في الخطاب السياسي الخلدوني الذي يعد “قمة” الخطاب السياسي العربي. في ذات الوقت لا يتردد الباحث في التذكير بأن “القرآن والحديث يشتملان على ما يمكن أن يعتبر، على الأقل، أصولا لأخلاقية الحكم في الإسلام، مثل مدح الشورى والترغيب فيها، والدعوة إلى إقامة العدل، وإلى التكفل بالفقراء والمساكين ومن في معناهم…”[36]
إن ما يلفت النظر في الخطاب السياسي الخلدوني هو أنه خطاب تهيمن فيه المفاهيم والعبارات الدالة على الاستبداد والعنف، وكأن الطابع الاستبدادي لـ”الدولة العصبية” كما حللها ابن خلدون قد انعكس عليه واحتواه احتواء؛ وهكذا، فبالإضافة إلى المفاهيم التي ابتكرها ابن خلدون كمفهوم “الدولة الشخصية” و”الدولة الكلية” والتي تعبر عن طبيعة هذه الدولة، طبيعتها الاستبدادية، نجد الخطاب الخلدوني حول ما يسميه “أطوار الدولة” يستعيد مفاهيم وعبارات الخطاب العربي القديم حول “أيام العرب” وحروبهم وغزواتهم، ويوظفها للحديث عن تصرفات صاحب الدولة إزاء عشيرته ورعيته؛ من ذلك مثلا المفاهيم والعبارات التالية التي تتكرر بشكل لافت للنظر في الخطاب السياسي الخلدوني: غلبة المدافع والممانع، الافتراس، الإستطانة، الاستيلاء على الملك، انتزاعه، استبداد صاحب الدولة على قومه، الانفراد بالمجد، كبحهم من التطاول، جدع أنوف العصبيات(…)”[37].
ويظهر جليا من خلال تعريج الدارس على فكر ابن خلدون القائم على “عصبية الدولة” أنه يريد تقديم مفهوم فارق وحاسم لمعنى الشورى؛ أولا بالنظر لما توفر لدى ابن خلدون من قدرة هائلة على تسمية الأمور بمسمياتها حتى ولو أضر ذلك بفكره الشمولي المتنوع والغني، وثانيا لربما حتى يتسنى لقارئ فكر الجابري أن يخرج بتصور مكتمل لموقفه من مفردة “الشورى”، فما هي خلاصة أو خلاصات الجابري حول الشورى المستخلصة من دراسته للفكر الخلدوني؟
برأي الدارس فإن الشورى في مضمونها التراثي العربي الإسلامي، لا تقوم بديلا عن الاستبداد مطلقا بل فقط عن نوع من الاستبداد هو ذلك الذي يمارسه الحاكم الظالم: الاستبداد الذي يترتب عنه ظلم. والحاكم يتفادى الظلم ويتجنبه –عندما تكون له رغبة في ذلك أي عندما يهديه الله سواء السبيل- باعتماد المشورة أو الشورى التي تعني رأي أهل الحل والعقد من الفقهاء والعلماء وأكابر القوم قبل الإقدام على أي عمل”[38].
ويجاري الجابري في هذا الرأي جانبٌ معتبر من الفقهاء والباحثين في التراث، بحيث إن المواقف القوية التي تقوم ضد الاستبداد تدل على بطلان نسبة إقرار الاستبداد إلى الدين؛ إن الدين لم يأمر بالتغلب والظلم، بل أمر بالشورى {وشاورهم في الأمر} [آل عمران/159]، {وأمرهم شورى بينهم}[الشورى/38]، وقد أجمع الصحابة على أن الولاية العامة لا تكون إلا بشورى ورضى من الأمة وهذا ما كانت به الولاية لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعا[39].
وبرأي الجابري فإن الحضور المكثف والقوي لمفاهيم “العنف” وعباراته في الخطاب الخلدوني، تُغيب بصورة تامة المفاهيم التي تقابلها وتضادها، ويعني المفاهيم التي يتشكل منها عادة الخطاب السياسي “المدني” مثل مفاهيم: الحقوق والواجبات، الحرية، المسؤولية، العدل، قانون، الفرد، الشخص، الحكومة، الانتخاب…وغيرها من المفاهيم السائدة في الأدبيات السياسية اليونانية.
أما مفهوم “الشورى” ومفهوم “أهل الحل والعقد” وهما مفهومان إسلاميان، فإن ابن خلدون لا يرى لهما معنى في الواقع إلا إذا تعلق الأمر بأصحاب العصبية الممثلين للقبائل والعشائر صاحبة الشأن. أما غيرهم مثل الفقهاء والقضاة والعلماء…إلخ فهم لا يمثلون قوة مادية (=عصبية) وبالتالي فلا مكان لهم في الشورى في نظر صاحب المقدمة”[40]؛ وبالنسبة للجابري فإنه إذا كان المجال السياسي (في تلك الحقب من تاريخ المسلمين) مجالا قد مورس فيه نوع من الضغط السياسي، فإنه لم يكن مجالا يصنع فيه القرار، لقد بقيت “القبيلة” هي صاحبة الأمر في الدولة طوال العصر كله[41].
ويرد ابن خلدون على الذين يؤاخذون الملوك على إخراجهم الفقهاء والقضاة من الشورى محتجين بالحديث النبوي القائل: “العلماء ورثة الأنبياء”، يرد عليهم قائلا: إن “حكم الملك والسلطان إنما يجري على ما تقتضيه طبيعة العمران، وإلا كان بعيدا عن السياسة[42].
يواصل محمد عابد الجابري تسليط الضوء على الموقف الخلدوني المانِع على العلماء “حقهم” -الكلام لصاحب المقالة- في الشورى، وهو المنع الأقرب إلى الاتهام بعدم أهلية نخبة من الناس (العلماء والقضاة) بالشورى رغم أنهم الأولى –إن كان ولا بد من أولويات- بهذا، ما قد يحيل على “حيف خلدوني” يصعب تبريره ! ولعل هذا ما جعل البعض ينوه إلى أن الجابري في دراساته البحثية في التراث فإنه كان يرى أن الوحي (القرآن) موجّه إلى البشر في وضعهم التاريخي المعاش، وبالتالي فلا يمكن فهم الوحي/القرآن بشكل صحيح إلا من خلال الأخذ بالاعتبار السياق التاريخي والاجتماعي، مع تأكيده على أن ذلك السياق لا يعني أنه محصن من النقد أو التحول، إنه التحول الذي يحدث لكن مع إدراك كامل للظروف السائدة[43].
وفي سياق هذا التبرير يورد الجابري ما رآه صاحب “المقدمة” من أن طبيعة العمران في هؤلاء (=الفقهاء.. إلخ) لا تقتضي لهم شيئا من ذلك لأن الشورى والحل والعقد لا تكون إلا لصاحب عصبية يقتدر بها على حل أو عقد أو فعل أو ترك، وأما من لا عصبية له ولا يملك من أمر نفسه شيئا ولا من حمايتها وإنما هو عيال على غيره فأي مدخل له في الشورى أو أي معنى يدعو إلى اعتباره فيها، اللهم إلا شُوراه فيما يعلمه من الأحكام الشرعية فموجودة في الاستفتاء خاصة (=طلب الفتوى منه) وأما شوراه في السياسة فهو بعيد عنها لفقدانه العصبية والقيام على معرفة أحوالها وأحكامها، وإنما إكرامهم من تبرعات الملوك والأمراء”[44].
ويصل الجابري إلى استنتاج أن السياسة الممكنة التي تقتضيها طبائع العمران، تتحدد في الخطاب الخلدوني، أول ما تتحدد، بالمفاهيم التالية: الحاكم، وجوب الانقياد، الثواب والعقاب، مصالح السلطان، وبالتالي فالسياسة هنا فعل يتجه من أعلى إلى أسفل (من السلطان إلى الرعية) ولا مجال فيها للعكس، أعني: اتجاه الفعل السياسي من أسفل (الرعية) إلى أعلى (السلطان). ولذلك يرفض ابن خلدون “الشورى” بالمعنى الذي يعطيها لها الفقهاء وهو المعنى الذي يريد قلب الفعل السياسي ليتجه من “أسفل” (=أهل الحل والعقد من الفقهاء والقضاة وغيرهم) إلى أعلى، وهذا ما يخالف “طبائع العمران” في نظر صاحب المقدمة. ولنفس السبب يرفض ابن خلدون “السياسة المدنية” كذلك، أعني يرفض اعتبارها قابلة للتطبيق[45].
ثالثا: الشورى والديمقراطية أية علاقة؟
في هذا المحور يسعى الجابري إلى جعل المتتبع لفكره يأخذ مسافة معتبرة ما بين مفهوم “الشورى” في التراث الفكري العربي والمفهوم الدال عليها –إنْ سلمنا بذلك- في عصرنا الحالي وهو “الديمقراطية”، بل نجد الرجل في موقف أشبه بالمُتهِم لمن سمّاهم “الأصوليين” بأنهم يبخسون “الديمقراطية” قدرها مقابل إعطائهم التفوق لـ”الشورى” !
وبرأي الدارس، عندما بدأ العرب في الاحتكاك مع الغرب وفكره الليبرالي، وكان ذلك في القرن الماضي، عمد فريق منهم، وبصورة خاصة أولائك الذين أطلق عليهم في ما بعد اسم “السلفيون”، إلى البحث لكل مفهوم من المفاهيم الليبرالية الأوروبية عما يوازنه أو يقاربه في الفكر العربي الإسلامي “القديم”. فلم يترددوا، في المطابقة بين مفهوم “الديمقراطية” الأوروبي ومفهوم “الشورى” الإسلامي. ومنذ ذلك الوقت والديمقراطية تعني لدى المفكر الذي يفكر داخل المرجعية التراثية وبواسطة معطياتها وحدها شيئا واحدا هو: الشورى. وقد تطور الأمر بهذا النوع من الموازنة والمقارنة إلى أن أصبح المفكر السلفي أو الأصولي –لا فرق- يستنكف من استعمال كلمة “ديمقراطية” معتبرا كلمة “الشورى” أكثر تعبيرا عن المعنى “المقصود”[46].
ويزيد الجابري إماطته اللثام عن خلفيات هذا النزوع الصارخ للسلفيين إلى رفع يافطة “الشورى” التي تمتح من تراثنا العربي الإسلامي بقوله “لقد تجنب السلفي شعار الديمقراطية وألح على شعار “الشورى” للسبب نفسه الذي جعل الليبيرالي العربي يوظف شعار العلمانية بدل الديمقراطية. لقد كان السلفي يرى هو الآخر أن تطبيق الديمقراطية بالمعنى الذي تعنيه في إطارها المرجعي الأصلي (أوروبا) معناه تسليم الحكم للنخبة العصرية، وهو ليس منها، تلك النخبة التي أخذت تضايقه على الحل والعقد في كل مجال”[47].
ويذهب الجابري في سبيله إلى التشكيك في ما يزعم مَن سماهم “السلفيين” و”الأصوليين” مِن أن الشورى هي مرادف للديمقراطية، إلى حد محاسبة النوايا عند هؤلاء، والقول إن توجههم كان ينطوي على خلفيات إيديولوجية. لكن بالمقابل وإن كان الجابري يقر بضرورة الأخذ بالديمقراطية لخروج العرب والمسلمين من أجواء الحكم القمعي والاستبدادي، فإنه يدعو إلى تلك الديمقراطية الموجودة أسسها في القرآن نفسه وفي الأحاديث النبوية وتطبيقاتها، إذ أن الحل أو السبيل إلى الديمقراطية هو “داخلي” بالعالم الإسلامي المُفضّل لاستيراد أو فرض ديمقراطية ذات خصائص غربية، إنه يكمن في تقاليد المسلمين الدينية وفي تراثهم الثقافي من خلال ما يسمى “الشورى” الحقة كما جاءت في النصوص الإسلامية[48].وبالنسبة للباحث محمد عابد الجابري فإن “تطلعاتنا” نحو الحداثة يجب أن تستند بالضرورة على مكوناتنا الإبداعية، بحيث يكون العقل حاضرا في ثقافتنا من أجل إطلاق دينامية التغيير الداخلية؛ وهكذا فإنه في سياق الثقافة العربية الإسلامية، لا يمكن للحداثة أن تعني دحض التقاليد أو الانفصال التام عن الماضي، بل هي محاولة لرفع مستوى الطريقة التي نفترض بها علاقتنا بالتقاليد على مستوى ما نسميه “المعاصرة”، وهو ما يعني اللحاق بالإنجازات الكبيرة التي يتم تحقيقها في جميع بقاع العالم[49].
في هذا الصدد يرى الجابري أن السلفيين عمدوا إلى الموازنة بين الديمقراطية والشورى لا لأنهم كانوا يطابقون بينهما أو يجهلون الفروق التي تباعد بينهما، بل لقد فعلوا ذلك في إطار ممارسة إيديولوجية تستهدف من جهة طمأنة المتشددين المتزمتين من “علماء الدين”، ولربما الحكام أيضا، بأن المناداة بالديمقراطية لا يعني إدخال بدعة أو بضاعة دخيلة إلى دار الإسلام، إذ الديمقراطية ما هي إلا الاسم الذي يطلقه الغربيون على ما نعبر عنه نحن بالشورى…[50]. إنه إذا كان التيار السلفي النهضوي لم يعادِ الديمقراطية بصورة مطلقة، فقد فضل ترجمتها إلى “الشورى” وهو يعلم أن الشورى في الفقه السياسي الإسلامي تعتبر غير ملزمة، وإنها فضلا عن ذلك، من اختصاص “أهل الحل والعقد”، أي رؤساء القوم وأكابرهم، ومع أن رجال السلفية النهضوية لم يتقيدوا صراحة بهذا المفهوم الفقهي للشورى فهم لم يتمكنوا مع ذلك من التعبير عنها بمضمون إيجابي معاصر[51].
وتستهدف هذه الممارسة الإيديولوجية من جهة أخرى الارتفاع بمعطيات تراثنا ومقومات حضارتنا إلى مستوى العصر، الشيء الذي يعني أن مشاكلنا تجد حلها في تراثنا الديني والفكري وأن المسألة كلها منحصرة في الكيفية التي ينبغي أن نفهم بها هذا التراث…وتلك آلية معروفة من آليات تأكيد الذات والدفاع عن النفس[52]. بمعنى أن الجابري وضع سؤال الحداثة كسؤال عربي، أي في نطاق البحث عن الإضاءات القوية في التراث العربي ذاته، وهذه استراتيجية فكرية تروم الخصوصية العربية في ذلك، وكأنه يرى أن نهضتنا لا تستقيم بالسير خلف الآخر، ونقل طرائقه ووسائله، بل إن الحداثة يجب استجلاؤها من داخلنا[53].
من هنا تتضح لنا حقيقة الصراع الإيديولوجي في الفكر العربي الحديث والمعاصر بوصفه صراعا يقوده ويغذيه الاختلاف بين سلطتين مرجعيتين، أو سلطات مرجعية متنافرة يشد كل منها صاحبه إلى النموذج الذي يشكل قوام تلك السلطة. ومن هنا كان الخطاب العربي المعاصر يطرح، باسم الواقع العربي، قضايا تجد أصلها وفصلها في النموذج/السلف لا في ذلك الواقع. ومن هنا أيضا كانت المفاهيم الإيديولوجية في الخطاب العربي المعاصر- وهي مستوردة كما قلنا إما من الماضي أو من الغرب- مفاهيم تقوم بوظيفة التمويه والتضليل: إنها تغطي على النقص في الجانب المعرفي داخل الخطاب الذي يوظفها، الخطاب العربي المعاصر[54].
وفي موقف يبدو أكثر جلاء من تموقعه إزاء مفهوم “الشورى” في مقابل “الديمقراطية” يذهب الجابري بعيدا في هذا النقاش ليؤكد أنه لا يكفي أن يقال إن الحكم في الإسلام مبني على “الشورى” وعلى “العدل” وعلى “الإخاء”…إلخ. فجميع الديانات وجميع المذاهب السياسية والاجتماعية ترفع شعارات من هذا النوع لسبب بسيط هو أنها شعارات تعبر عن قيم إنسانية خالدة ومُثل عليا يتطلع البشر جميعا في كل وقت إلى تحقيقها[55].
ولمعرفة أية “شورى” يريد الجابري لأمته فإن علينا اقتفاء دراسته وتتبعه لمفهوم “الشورى” عند واحد من أبرز شيوخ السلفية النهضوية، وهو محمد عبده، الذي يكتفي، بحسب الجابري، بالقول إنها تعني غياب ما يسميه بـ”الاستبداد المطلق”، أي “تصرف الواحد في الكل على وجه الإطلاق في الإرادة، إن شاء وافق الشرع والقانون وإن شاء خالفهما”، أما ما يسميه بـ”الاستبداد المقيد” ويعني به “استقلال الحاكم في تنفيذ القانون المرسوم والشرع المسنون”، فهو في نظره لا يتعارض مع “الشورى”، وفي جميع الأحوال فـ”الشورى” لا تعني عنده أكثر من “مناصحة الأمراء” (..)[56]؛ ولعل هذه التبريرات الداعمة للاستبداد هي التي استنفرت بعض الدارسين لمزيد من الاجتهاد في التراث نفسه، حيث وفي رد فعل واضح على الاستبداد المنتصر، منذ سبعينيات القرن العشرين، لوحظ اهتمام متجدد بكل من المصادر الدينية المعيارية للإسلام (الكتاب والسنة بالخصوص) والأدب السياسي الكلاسيكي، بحيث أعيد ضخ روح جديدة في عدد معين من النصوص مثل “ميثاق المدينة” (الصحيفة/ دستور المدينة المنورة)، ومداولات “سقيفة بن ساعدة”، وما إلى ذلك، لإعطاء شرعية دينية بحتة لضرورة إنشاء المؤسسات الديمقراطية؛ فهل هي إعادة تأسيس لمفهوم الديمقراطية انطلاقا من مصادر إسلامية دينية وعلمانية أم أنها ببساطة جزء من منطق الغضب السياسي الرافض للاستبداد السائد؟[57]
إنها نفس التبريرات التي جعلت مفكرنا عابد الجابري يستنتج أن موقف السلفية المعاصرة والجماعات الإسلامية المتفرعة عنها لا يختلف عن موقف الشيخ محمد عبده وغيره من رواد السلفية الحديثة، بل إنها تذهب إلى أبعد من ذلك، إذ تنظر بعين الريبة إلى الديمقراطية بدعوى أنها لا يمكن أن تسفر إلا عن وضع مماثل للوضع القائم، الوضع الذي يستولي فيه على مقاليد الحكم أفراد من “الأقلية المقلدة للغرب”، الشيء الذي يعني في نظرها استبعاد الأغلبية الساحقة من الجماهير المسلمة[58].بينما هناك من الدارسين من توصل إلى أن الجابري ميز في بحوثته في التراث بين “المجتمع السياسي” و”المجتمع المدني”، بينما بالنسبة لدولة الفتوحات، التي حكمها الخلفاء الراشدون، فكانت من النوع الثيوقراطي، التي لم يكن هناك أي سبب لوجودها، وبالتالي تم استبدالها بالدولة السياسية (دولة الملك السياسي)[59].
وبالنسبة للجابري أيضا لا بد من الإشارة إلى أنه يصر على التأكيد بأنه لا يوجد أي إحساس لديه بسؤال محدد يتعلق بعلاقة الإسلام بالديمقراطية، والسؤال المركزي الذي يشغله هو عن حقيقة وجود عجز ديمقراطي مرتبط بدول العالم الثالث، المصطلح الذي تم إنشاؤه خلال الحرب الباردة لتحديد الفضاء الذي كان يدور فيه صراع عنيف بين الغرب الرأسمالي والمعسكر الشيوعي، حيث كانت السياسة الرئيسية للمعسكر الغربي تقوم على تنظيم الانقلابات وتثبيت الأنظمة الدكتاتورية في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا[60].
وفي الأخير نجد الدارس لا يتردد، بغض النظر عن التسمية، في القبول بمفهوم الشورى لكن بشرط تحديد الكيفية التي تُمارس أو تُطبق بها، بمعنى أن تكون فيها الكلمة الأولى والأخيرة للشعب أو لممثليهم (البرلمان).
فيخلص الجابري معتبرا أن تحديد طريقة ممارسة “الشورى” بالانتخاب الديمقراطي الحر، وإن تحديد مدة ولاية رئيس الدولة في حال النظام الجمهوري مع إسناد مهام السلطة التنفيذية لحكومة مسؤولة أمام البرلمان، في حال النظام الملكي والجمهوري معا، وإن تحديد اختصاصات كل من رئيس الدولة والحكومة والبرلمان بصورة تجعل هذا الأخير هو وحده مصدر السلطة، تلك مبادئ لا يمكن ممارسة “الشورى” في العصر الحاضر من دون إقرارها والعمل بها[61].
خاتمة
في سياق بحثه في مفهوم “الشورى” وجدنا المفكر محمد عابد الجابري يحشد كل المبررات والحجج، سواء من القرآن أو السنة ومن بعض التطبيقات السياسية اللاحقة وخاصة كما وردت في ممارسات الدولتين الأموية والعباسية، وفي “مقدمة” ابن خلدون، ثم في العصر الحديث، ليؤكد أن الاكتفاء بترديد “الشورى” كمفهوم عام لا يكفي لأن يبرر نظام الدولة على أنه إسلامي يطبق الشريعة ولاسيما مبدأ الشورى، بل لابد أن يكون ذلك في إطار توزيع للسلط يجعل “الشورى” أكثر من مجرد “قيمة إنسانية”، أي أن تكون إحدى الأسس والمرتكزات لأي نظام سياسي؛ وهو في تفسيره لهذا المفهوم لا يجد أي حرج في القول بضرورة إعادة قراءة التراث واستعمال التفسير القمين بجعل القرآن والسُّنة يسايران السياقين التاريخي والاجتماعي للمسلمين، وهذا قطعا لن يمس بروحهما ومكانتهما، بعكس ما يريد بعض علماء الدين إقناع إما الحاكم أو المحكومين/الناس به.
ولعل الجابري هنا وإنْ كان يعطي قيمة اعتبارية مُثلى للشورى، كما جاءت في التراث العربي الإسلامي ويشي بإمكانية أن تكون مقابلا للديمقراطية كما هي معروفة في العصور الحديثة، لاسيما إذا ارتبطت “الشورى” بمجموعة من الشروط الموضوعية، إلا أن مفكرنا لا يجد غضاضة في توجيه الانتقاد –وإن كان مبطنا- لمن يسميهم الأصوليين الذي ينتصرون بشكل أعمى ومبالغ فيه للشورى على حساب “الديمقراطية”، ويبخسون الأخيرة امتيازاتها وتفوقها كقيمة إنسانية بوأت حضارات مختلفة مراتبَ التقدم والتنمية الإنسانيين.
لكن مع ذلك، في المقابل، وبالرغم من إعلاء الجابري لقيمة “الديمقراطية”، في سياق مقارنتها مع الشورى –وتحديدا تلك التي دعا إليها “الأصوليون”- فإننا نجده يذهب بعيدا في الإشادة بـ”الشورى”، لكن تلك المستقاة والمبنية على نصوص القرآن والأحاديث النبوية، التي وحدها يمكن أن تكون موازية ومساوية للديمقراطية كما يمارسها الغرب في عصورنا الحديثة، وبرأيه وحدها يمكنها أن تخلص العرب والمسلمين من حكم الاستبداد والتسلط؛ هنا نجد الباحث محمد الجابري يتخذ مسافة من النقد إزاء هؤلاء العرب والمسلمين المهرولين إلى استيراد تلك الديمقراطية بخصائصها في بلدانهم، بينما الحل عندهم هنا في داخل تراثهم (الكتاب والسنة وتطبيقاتها) حيث توجد أسس الشورى تلك المثلى التي يمكن أن تضاهي الديمقراطية.
إن المشكلة بالنسبة لباحثنا محمد الجابري تكمن في الكيفية التي ينبغي بها فهْم التراث، فالحداثة أو المعاصرة لا يجب أن تعني القطيعة مع ماضينا ودحض التقاليد العربية الإسلامية، بل ينبغي هنا في إطار ما سماه “دينامية” التغيير والبحث الداخلي، أن يُعطى للعقل مكانتُه بالكيفية التي تجعل من علاقتنا بالتقاليد في مستوى “الحداثة” و”المعاصرة”.
قائمة المراجع:
- حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (بنية العقل السياسي العربي: المحددات والمرتكزات)، مقالة منشورة في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، المغرب، 21 غشت 2013.
- حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من الردة إلى الفتنة)، مقالة منشورة في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، المغرب، 22 غشت 2013.
- حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من دولة المُلك إلى الأحكام السلطانية)، مقالة منشورة في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، المغرب، 26 غشت 2013.
- عبدالرحيم بن صمايل السلمي، الاستبداد السياسي، منشورة على الرابط:http://bit.ly/3aKBWtL
- محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، سلسلة الثقافة القومية (29). الطبعة الثالثة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2009.
- محمد عابد الجابري، التراث والحداثة: دراسات.. ومناقشات، ط 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2006.
- محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، ط 2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 1990.
- محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، كتاب في جريدة، عدد 95، منظمة اليونسكو، بيروت، لبنان، 2006.
- محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، ط 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 2004.
- محمد عبدالباقي الهرماسي، القومية والديمقراطية في الوطن العربي.. أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، ط 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، 2002.
- محمودأمين العالم، العقل السياسي العربي، المستقبل العربي، ع140،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، لبنان، 1990.
- AbderrezakDourari, 2000, De la laïcité en Islam selon Mohammad Abid Al-Jâbirî, Revue algérienne d’anthropologie et de sciences sociales (Insaniatإنسانيات), 2000
10.Fred Dallmayr, Opening the Doors of Ijtihad, 13 June 2011, Look at: http://bit.ly/2W46dQ6
- Mohamed Abed Al-Jabri’s new Averroism, 11 July 2011, At: http://bit.ly/3358Ti3
- Mohamed BEDDY EBNOU, ISLAM ET DEMOCRATIE: FACE A LA MODERNITE, FONDATION POUR L’INNOVATION POLITIQUE (fondapol.org), France, 2015
[1]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، سلسلة الثقافة القومية (29). الطبعة الثالثة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت -لبنان، 2009، ص88
[2]– محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، ط 2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، 1990، ص56
[3]– عبدالرحيم بن صمايل السلمي، الاستبداد السياسي، منشورة على الرابط المختصر:http://bit.ly/3aKBWtL ، تمت الزيارة في 5 مايو 2019
[4]– محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص56
[5]– محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص56
[6]– Fred Dallmayr, Opening the Doors of Ijtihad,13 June 2011, Look at: http://bit.ly/2W46dQ6
[7]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (بنية العقل السياسي العربي: المحددات والمرتكزات)، مقالة منشورة في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، المغرب، 21 غشت 2013
[8]– محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص34
[9]– محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، كتاب في جريدة، عدد 95، منظمة اليونسكو، بيروت–لبنان، 2006، ص7
[10]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (بنية العقل السياسي العربي: المحددات والمرتكزات)، مقال منشور بجريدة “الاتحاد الاشتراكي”، المغرب، 21 غشت 2013.
[11]– محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، ط 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت–لبنان، 2004، ص115
[12]– محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، نفس المرجع، ص118
[13]– محمد عابد الجابري، نفس المرجع، ص118
[14]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص89
[15]– محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص114
[16]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (بنية العقل السياسي العربي: المحددات والمرتكزات)، مرجع سابق.
[17]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص74
[18]– محمد عابد الجابري، نفس المرجع، ص73
[19]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من الردة إلى الفتنة)، مقالة منشورة في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، المغرب، 22 غشت 2013
[20]– عبدالرحيم بن صمايل السلمي، مرجع سابق
[21]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص73
[22]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من الردة إلى الفتنة)، مرجع سابق
[23]– عبدالرحيم بن صمايل السلمي، مرجع سابق
[24]– الحديث هو: “كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية فقام وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر عن رسول الله، فأولئك جهالكم ، فإياكم والأماني التي تُضل أهلها فإني سمعت رسول الله (ص) يقول، إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين”.
[25]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من دولة المُلك إلى الأحكام السلطانية)، مقالة منشورة في جريدة “الاتحاد الاشتراكي”، المغرب، 26 غشت 2013
[26]– محمود أمين العالم، العقل السياسي العربي، المستقبل العربي، ع140، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت–لبنان، 1990، ص45
[27]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص83
[28]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من دولة المُلك إلى الأحكام السلطانية)، مرجع سابق
[29]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص83
[30]– محمد عابد الجابري، نفس المرجع سابق، ص83
[31]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من دولة المُلك إلى الأحكام السلطانية)، مرجع سابق
[32]– عبدالرحيم بن صمايل السلمي، مرجع سابق
[33]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من دولة المُلك إلى الأحكام السلطانية)، مرجع سابق
[34]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص84
[35]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): مرجع سابق، ص34
[36]– محمد عابد الجابري، التراث والحداثة: دراسات.. ومناقشات، ط 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان، 2006، ص228
[37]– محمد عابد الجابري، نفس المرجع، ص228
[38]– محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص228-229
[39]– عبدالرحيم بن صمايل السلمي، مرجع سابق
[40]– محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص228-229
[41]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من دولة المُلك إلى الأحكام السلطانية)، مرجع سابق
[42]– محمد عابد الجابري، التراث والحداثة: دراسات.. ومناقشات، مرجع سابق، ص229
[43] – Fred Dallmayr,Op cit.
[44]– محمد عابد الجابري، التراث والحداثة: دراسات.. ومناقشات، مرجع سابق،ص229
[45]– محمد عابد الجابري، نفس المرجع، ص230
[46]– محمد عابد الجابري، وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص116
[47]– محمد عبدالباقي الهرماسي، القومية والديمقراطية في الوطن العربي.. أزمة الديمقراطية في الوطن العربي، ط 3، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، 2002، ص174
[48]– Mohamed Abed Al-Jabri’s new Averroism, 11 July 2011, At: http://bit.ly/3358Ti3
[49]– Fred Dallmayr, Op cit.
[50]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص73
[51]– محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، كتاب في جريدة، عدد 95، منظمة اليونسكو، بيروت–لبنان، 2006، ص7
[52]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص73
[53]– حسن إغلان، السياسي في فكر محمد عابد الجابري (من دولة المُلك إلى الأحكام السلطانية)، مرجع سابق
[54]– محمد عابد الجابري، إشكاليات الفكر العربي المعاصر، مرجع سابق، ص56
[55]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص73
[56]– محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص7
[57]– Mohamed BEDDY EBNOU, ISLAM ET DEMOCRATIE: FACE A LA MODERNITE, FONDATION POUR L’INNOVATION POLITIQUE (fondapol.org), France, 2015, P:24
[58]– محمد عابد الجابري، الديمقراطية وحقوق الإنسان، مرجع سابق، ص7
[59]– AbderrezakDourari, 2000, De la laïcité en Islam selon Mohammad Abid Al-Jâbirî, Revue algérienne d’anthropologie et de sciences sociales (Insaniatإنسانيات), 2000, P:75-97
[60]– Mohamed BEDDY EBNOU, Op cit, P: 23-24
[61]– محمد عابد الجابري، قضايا الفكر العربي(4): الدين والدولة وتطبيق الشريعة، مرجع سابق، ص82