النساء في مهب فيروس العنف الأسري: النساء في مهب كورونا–الجائحة المستترة-
الدكتورة عبداللاوي خديجة، أستاذة محاضرة أ، جامعة بلحاج بوشعيب عين تموشنت -الجزائر-
مداخلة ألقيت خلال مؤتمر الحجر الصحي التداعيات والحلول
رغم كل الانجازات التي حققتها المرأة في مجالات مختلفة، فإنها مازالت تعد من الفئات الهشة، وذلك من خلال تعرضها لكل أساليب العنف. وعليه، تعتبر ظاهرة العنف ضد المرأة أحد المواضيع الأكثر أهمية وحضورا على الساحة المحلية والدولية في الواقع المعاصر، والمشرع الجزائري على غرار الكثير من التشريعات قام بالتدخل التشريعي لتجريم العنف ضد النساء من خلال تعديله لقانون العقوبات بموجب القانون رقم 15-19 المؤرخ في 30 ديسمبر 2015 بسن نصوص جنائية تجرم مختلف صور العنف ضد المرأة مع تشديد العقوبات المرتبطة بها وإبرام عدة اتفاقيات دولية.
والجدير بالذكر، أن هذا القانون بحسب رأي البعض يعد انتصارا للمرأة التي تعاني من العنف بكل أشكال. من ثم، بالرغم من بعض النقائص التي تضمنها هذا القانون سيقلل من ظاهرة العنف التي طالما ظلت تعاني منها المرأة الجزائرية في الأسرة كزوجة التي تعنف من طرف زوجها وكموظفة، حيث يعد العنف ضد المرأة من الآليات الاجتماعية الحاسمة التي تفرض بها على المرأة وضعية التبعية للرجل.
والذي يهمنا في هذا الموضوع العنف ضد المرأة خلال جائحة كورونا الحالية المتزايد، على الرغم أنه يفترض أن تكون الأسرة الصغيرة مكانا آمنا للمرأة، خصوصا في الظروف الصعبة التي تعيشها البشرية جمعاء مع تفشي جائحة كورونا.
وعليه، نجد أنفسنا أمام مجموعة من الاشكاليات أهمها: إذا كان العنف الأسري منتشرا قبل جائحة كورونا، ما الذي ينتظر ضحايا العنف الأسري في زمن كورونا؟.
إذ تحولت البيوت إلى مكان خطير جدا لضحايا العنف الأسري خلال جائحة كورونا، وانضم إلى دائرة العنف معنفون جدد. والجدير بالذكر،أن العنف الأسري كان يعد واحدا من أكبر انتهاكات حقوق الانسان حول العالم قبل تفشي فيروس كورونا.
لكن أثبتت الاحصائيات الحديثة في أرجاء العالم تصاعد كبير ومذهل حول العنف الأسري، حيث أوضح التقرير الصادر عن الأمم المتحدة أن أشكال العنف الأسري تضاعف منذ بداية تفشي فيروس كورونا، حيث يعود في الأساس إلى زيادة القلق والتوتر الناجم عن فقدان الأمن الوظيفي والاجتماعي والصحي، بالإضافة إلى خسارة الوظائف بعد اتخاذ تدابير الحجر الصحي.
ومما يستحق الذكر، أن عدد من فقدوا وظائفهم في العالم مثال ذلك الولايات المتحدة بلغ نحو 22 مليون شخص، فيما ارتفع عدد العاطلين عن العمل في إسبانيا إلى نحو 3.9 مليون شخص، وهو رقم قريب من العديد من الدول الأوروبية.
كما أشار التقرير إلى تسجيل زيادة كبيرة في الشكاوى من العنف الأسري، وذلك في كل من الولايات المتحدة، كندا، بريطانيا وألمانيا، فرنسا …..الخ، حيث تعرضت 243 مليون امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 15 و 49 عام خلال الشهر الاثنين الماضية لعنف جسدي أو جنسي من قبل شريك أو أحد أفراد العائلة، لكن الأرقام الحقيقية بحسب المتوقع قد تكون أعلى بكثير. أما بالنسبة للدول العربية ، فحسب تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ووكالات الأمم المتحدة أن تتحمّل المرأة الوزر الأكبر لما تولّده الجائحة من مخاطر صحية وعنف في العالم العربي. ويشير التقرير إلى أنّ ذلك يُترجَم في طرق عدّة، من بينها الجسدي والعاطفي والاقتصادي، في وقت يقدم المعتدون على عزل المرأة بالكامل وحرمانها من أيّ تفاعل اجتماعي مع أفراد العائلة والأصدقاء حتى عبر الإنترنت في خلال هذه الأوقات مع تفشّي الفيروس. ويوضح التقرير نفسه أنّ دولاً عربية قليلة توثّق أصلاً حالات العنف الأسري، الأمر الذي يصعّب أكثر معرفة مستوى زيادة انتشاره وعواقبها اليوم. كذلك يتوقّع أن تواجه الناجيات من العنف الأسري صعوبة في طلب المساعدة وتلقّيها في ظلّ انتشار الفيروس لأسباب عدّة، من بينها القيود المفروضة على التنقّل ومحدودية الخدمات المتوفرة ونقص في معرفة ما إذا كانت تلك الخدمات متوفرة أصلاً في البلدان التي يعشنَ فيها. يضيف التقرير أنّ “بعض الدول العربية تفتقر أصلاً إلى الخدمات الضرورية للناجيات من العنف الأسري. وخلال تفشّي فيروس كورونا، قد يصعب على مزوّدي الخدمات الطبية والقانونية والنفسية ومراكز الإيواء الوصول إلى هؤلاء النساء”. وتجدر الإشارة إلى أنّ الوضع أصبح أكثر تعقيدا في المناطق التي تعيش صراعات وأوضاعاً إنسانية متردية، كسوريا وليبيا واليمن وفلسطين المحتلة.
أما في الجزائر فقد دقت جمعيات حقوقية جزائرية، ناقوس الخطر حول ظاهرة تزايد العنف المنزلي، في ظل إجراءات الحجر وحظر التجول للوقاية من كورونا، وأكدت هذه الجمعيات، أن المعنفات في الوسط الأسري، تفاقمت مشكلتهن، وتعقدت حالتهن النفسية، نتيجة توتر العلاقات العائلية، الخاضعة للحجر الصحي، حيث جعل المرأة، تعاني في صمت وتواجه هاجس العنف النفسي والجسدي من جهة، والخوف من الوباء من جهة أخرى ، حيث كشفت بعض الجمعيات استقبال 70 اتصال في الأسبوع لنساء معنفات.
وفي الختام، فان سبل وقاية المرأة من العنف الأسري واجب ديني ووطني يحتم تظافر مختلف الجهود، ويشد على ضرورة أن تجتمع فيه جميع مؤسسات المجتمع، وكذلك الأفراد.
- تحسين ظروف المعيشة وتوفير فرص عمل للعاطلين عن العمل.
- الكشف عن الأسباب التي تؤدي للعنف مع الوقاية منها.
- توعية الأسر بنتائج العنف الأسري النفسية والاجتماعية وآثاره السلبية على المجتمع والفرد.
- ايجاد مراكز للمتضررين من العنف الأسري للاهتمام بقضاياهم وتوفير الحماية لهم وإعادة تأهيلهم.
- وضع رقم أخضر لاستقبال مكالمات النساء المعنفات خلال فترة الحجر الصحي.
وفي الأخير،نظل جميعنا نحلم بمجتمع يتفهم الصحة النفسية والجسدية لكل امرأة في أي مكان في العالم، حيث يصل صوت المرأة في أي مكان عاليا مسموعا وأن نحارب الخوف والوصمة الاجتماعية. لكي تعيش أي امرأة حياة أفضل يجب أن تنجو من العنف والعنف المنزلي فالمرأة هي المجتمع ولا بد للمجتمع أن ينشأ سليما معافى.