الاستراتيجية التنموية لإدارة الأزمات مع تفشي الجائحة الوبائية: (المجتمع اللبناني أنموذجاً)
“Development Strategy for Crisis Management with the Outbreak of the Epidemic Pandemic” (Lebanese society an example)
د. فداء إبراهيم المصري، أستاذ مساعد في الجامعة اللبنانية، معهد العلوم الاجتماعية.
Fida Ibrahim Al-Masry, Lebanese University, Institute of Social Sciences.
ورقة منشورة في كتاب أعمال المؤتمر الدولي المحكم حول الحجر الصحي الصفحة 55.
Abstract
The study presented the concept of pandemic management growth with accuracy and objectivity to overcome the effects of the crisis. It is considered one of the new concepts to be tackled in the field. This descriptive and exploratory study analyzed data to reveal the reality of society’s management of the various crises that the citizen is going through, concurrent with the spread of the global health crisis of the Corona pandemic. Research findings and conclusions proved the necessity for embracing and fostering the standards and elements of developmental crisis management using modern methods to confront emerging disasters. This happens when boosting several elements: knowledge, intelligence, experience, and responsibility. These elements will foster the goals of sustainable human development to be able to face the crises with a scientific management process.
Keys: crisis management concept, crisis path, elements of crisis management, developmental planning, sustainable human development.
مستخلص:
طرحت الدراسة مفهوم (إدارة التنموي للأزمات) حسب التخطيط التنموي بوعي وموضوعية في سبيل تخطي آثار الأزمة؛ وهو يعتبر من المفاهيم المستجدة على مفهوم التنمية البشرية. إذ تمت حسب المنهج الوصفي الاستكشافي من خلال تحليل المضمون لأجل تبيان واقع المجتمع في ادارته لمختلف الأزمات التي يمر بها المواطن، والمتزامنة مع انتشار أزمة الصحية العالمية لجائحة كورونا. كما توصلت بأنه على المجتمع تبني معايير وعناصر الإدارة التنموية للأزمات بالطرق الحديثة، من خلال تفعيل كل من عنصر “المعرفة، والذكاء، والخبرة، والمسؤولية” من أجل مواجهة الكوارث المستجدة عليه. وهذه العناصر سوف تكون كفيلة في تعزيز أهداف التنمية البشرية المستدامة، من خلال عقلنة الأزمات بأساليب وطرق علمية خلال ادارتهم للأزمة.
مفاتيح الدراسة: مفهوم إدارة الأزمة، مسار حدوث الأزمة، عناصر إدارة الأزمة، التخطيط التنموي، التنمية البشرية المستدامة.
مقدمة:
استطاع الإنسان بفضل تقدمه العلمي والتقني أن يحدث فجوة في البنّية الطبيعية تسببت له بالضرر مما أحدثت له نكبات عدة سواء على صعيد صحته أو بيئته، مما يتسبب ذلك في حدوت أزمات عليه التعامل معها بوعي وحذر شديدين. وبالتالي يشهد المجتمع الإنساني المعاصر أزمات كثيرة تُصيب بنيان المجتمع ونسيجه سواء على المستوى الكوني أو المحلي، وذلك من خلال نكبات تحدث فجائية غالباً؛ سواء من فعل الإنسان أو من فعل الطبيعة وكوارثها، وتُسهم بالتالي بانعكاسات مؤذية على المجتمع البشري مما يدفع به الى تحلي بأسس إدارة الأزمات من أجل تخفيف تداعياتها عليه.
والجدير بالذكر هنا “شهدت أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين زيادة ملحوظة في الاهتمام بإدارة الكوارث. وقد ساهمت فيه عدة عناصر، مثل التطور التكنولوجي، والنمو الحضري، والنمو السكاني في جميع أنحاء العالم، والإرهاب، وتغير المناخ، وكذلك الأوبئة الحيوانية والأوبئة، مما أدى إلى زيادة القدرة التخريبية للكوارث. فيتعرض الناس وكذلك ممتلكاتهم وأنشطتهم للخطر بشكل متزايد. وهذا يدعونا لأن نسأل أنفسنا السؤال عن درجة استعداد الدول لمواجهة مثل هذه الحالات الطارئة[1]“.
فإن لم تستعد الحكومات كافة الى إدارة الكوارث بحكمة ووعي عالٍ سوف تُؤثر هذه النكبات المستجدة عليها؛ في استقرارها بحيث تُهدد أمنها وأمن مواطنيها. كما يُعتبر حقل إدارة الأزمات من الحقول الهامة التي تُفعل العملية التنموية كاستراتيجية تساعد الإنسان على تخطي الأزمة بأقل الأضرار وتخفف عن كاهله الأعباء الناتجة عن الأزمة بمختلف الميادين.
وبما أن الأزمات لا يمكن للإنسان تجنبها بسهولة كونها تحدث بصورة غير متوقعة ودون تحذيرات في كثير من الأحيان خاصة مع الكوارث الطبيعية بالأخص أو مع اهمال بشري فيجب تعامل معها بعقلانية ووفق استراتيجية محددة. فعلى المجتمع بكامل قواه سواء القوى الرسمية أو قوى المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات أو قوى فردية شبابية أن يتعاونوا في كيفية إدارة الأزمة، وأن يتعلموا كيفية تخطيها عبر إيجاد المقتضى المناسب لها، وإيجاد سبل مواجهتها لأجل ضمان الخروج منها بأقل الخسائر والأضرار.
وتتفاوت أداء القوى في كيفية إدارة الأزمة، أو في كيفية العمل على التعاون في تخطيها بأقل الأضرار وبسلام، فهناك الشائع العام من الفئات البشرية من تتعامل مع الأزمات بسلبية جداً واتكالية ولا مبالاة، فتعمد على إلقاء اللوم على الآخرين المسببين لها، أو على الأحداث والكوارث الطبيعية، دون أي مبادرة فعلية خلاقة للتخفيف منها. بينما نجد بالمقابل قوى فاعلة عقلانية وناضجة في وعيها تجاه كيفية إدارة الأزمات فتعمد على تدخل تنموي إلى ساحة العمل مدركة بكيفية التعامل مع الأزمة، ومدركة بالآلية التنبّئية المناسبة للخروج منها أو إيجاد الحلول الاصلاحية المناسبة لأجل الخروج منها عبر التعامل المخطط والمناسب لطبيعتها والكفيل في تحقيق عناصر التنمية البشرية المستدامة.
لذا يُعد التخطيط التنموي جوهر إدارة الأزمات ومحورها لأجل تخطي آثارها، فهو يساعد في الإرشاد وفي كيفية التعامل الأزمات سواء الصحية منها أو الاقتصادية أو الأمنية، مع ضمان القضاء عليها، وذلك لما يمتاز به التخطيط من اعتماده على قواعد المنهج العلمي في كشف عن مسببات الحقيقية للأزمة وتقصي واقعها ومظاهرها وكشف النقاب عنها، مما يساهم في معالجة الأزمة بكفاءة عالية وعدم انتشارها في أماكن أخرى، معتمدة في استراتيجية تخطيطها على عناصر أربعة متداخلة ألا وهي “الخبرة والذكاء والمعرفة وحس المسؤولية“، كي يؤدي التعامل الخلاق لها، مما يتعزز معها التنمية البشرية المستدامة.
“من هنا على المنظمات والمؤسسات الفاعلة في الدولة، أن تمارس عملية التخطيط لأجل عدم الخوض في هذه المشاكل أولا، ومن ثم تجنب عواقب الأزمة وكيفية الخروج منها بأقل الأضرار، وعليها أن تفكر بنفسها وبباقي أجزاء المنظمة أيضاً، كي لا تنعكس الأزمات على باقي أجزاء المنظمة، وبالتالي قد تفقد القدرة على القيام بمهامها ووظائفها كما يجب”[2].
والمجتمع اللبناني كباقي المجتمعات العربية؛ يعيش أزمات ونكبات متوالية ولعل النكبة الصحية والاقتصادية الخانقة المتزامنة مع انتشار كوفيد-19 يعتبر آخرها، الأمر الذي يتطلب استنفار مجتمعي رسمي ومدني وأهلي من أجل تخطي مصاعبها والالتزام بالإجراءات المتخذة في التعامل معها وفق تخطيط وبرمجة تنموية منظمة. من هنا شكل (السبب والخلفية) الحقيقية الكامنة وراء اجراء هذه الدراسة؛ ألا وهو الكشف عن كيفية إدارة الأزمات من قبل المعنيين سواء على الصعيد الرسمي أو الصعيد المجتمعي، كما ان السبب الآخر الذي يكمن وراء تنفيذ هذه الدراسة هو الفضول العلمي في الكشف عن مقتضيات النظرية والسوسيولوجية لمفهوم إدارة الأزمات وكشف عن أهم عناصرها التي تسهم في احداث التنمية المستدامة.
وعليه تكمن أهمية دراستنا هذه من خلال طرحها لمفهوم مستجد على الساحة التنموية يتمثل بمفهوم إدارة الأزمات كسبيل تنموي فعال، وهو يعتبر تخصص مستقل وان يتم طرحه بشكل خجول من قبل الأكاديميين، فإدارة الأزمات تُشكل من الحقول المستجدة على قضايا التنمية وعناصرها. فنعمل على إيجاد طبيعة العلاقة بين حقل إدارة الأزمة من جهة وحقل التنمية المستدامة من جهة أخرى، وهو ما قد سوف يغني دراستنا معرفياً، مما تُسهم في الإثراء النظري لمقتضياتها عبر مسار دراستنا وهذا ما سوف يضفي أهمية أخرى لها.
بناءً على ما قد تقدم فإن “إدارة الأزمات مجابهة الأزمة عند حدوثها وليس الاستعداد لها قبل حدوثها، ويكون هدفها تجاوز الأزمة، وتعني بالأساس كيفية التغلب على الأزمات. والتعامل مع الأزمات بكفاءة وفاعلية ودراسة أسباب الأزمة لاستخلاص النتائج لمنع حدوثها أو تحسين طرق التعامل معها مستقبلاً. وتتطلب تكوين فريق متميز وشامل يكون ممثلاً لأعلى سلطة لأن الأزمة تتطلب ردود أفعال غير تقليدية مقيدة بضيق الوقت وضغوط الموقف. والتدريب على التخطيط للأزمات لأن التخطيط يتيح لفريق عمل إدارة الأزمات القدرة على إجراء رد فعل منظم وفعّال لمواجهة الأزمة بكفاءة عالية والاستعداد للتعامل مع المواقف الطارئة غير المخطط لها التي قد تصاحب الأزمة[3]“. وبالتالي فإن هناك شروط ومعايير يتطلبها مصطلح إدارة الأزمات من أجل ترشيد الفئات والمعنيين في تعاملهم مع حدث مأزوم أو نكبة مجتمعية بعد حدوثها من أجل مواجهتها بفعالية وضمن رؤية تنموية مستدامة، أي “ ما هي المقتضيات النظرية والسوسيولوجية لمصطلح إدارة الأزمات من أجل تفعيل التنمية المستدامة أثناء تفشي الأوبئة والنكبات؟ وبناءً عليها نتفرع بعدد من التساؤلات نعمل على تفكيكها تباعا ً.
- ماهي أبرز الطروحات النظرية المتعلقة بمفهوم إدارة الأزمات وتداعياتها التنموية؟
- ما هي أهم الأزمات التي يعيشها المجتمع اللبناني الراهن ومسار حدوثها؟
- ما هي أهم نماذج إدارة الأزمات السائدة في المجتمع اللبناني خلال تعامله معها؟
- كيف تظهر مسار التخطيط التنموي في إدارة الأزمات والتعامل معها أثناء حدوثها؟
- ما هي أهم عناصر إدارة الأزمة تجاه تحقيق التنمية البشرية المستدامة؟
إزاء هذه التساؤلات سوف تشكل منطلقات الدراسة التي نسعى في الإجابة عليها حسب قواعد البحث العلمي وما يقتضيه من قواعد ومسار يتناسب مع أصول البحوث النظرية التي تقع من ضمنها هذه الدراسة. وأفضل المناهج التي تتناسب مع طبيعة دراستنا الموسومة هو منهج تحليل مضمون، بالاعتماد على أسلوب الاستكشاف والاستنباط السوسيولوجي، وما يقتضيه من استخدام لنوع من التحليل الكيفي النوعي فضلاً عن استخدام الملاحظة المعمقة. بالوقت عينه نشير الى حدود الدراسة المكانية أي المجتمع اللبناني ككل، والموضوعية الأزمات وآليتها السائدة في المجتمع، والزمانية أي الفترة المتزامنة مع انتشار جائحة كورونا بين مطلع عام 2020 ومطلع عام 2021.
أما متغيرات الدراسة فيمكن توزيعها بين متغير تابع وهو، مسار حدوث الأزمة، مفهوم إدارة الأزمة، عناصر إدارة الأزمة. ومتغير مستقل التخطيط التنموي، التنمية البشرية المستدامة. وعليه تكمن خطة دراستنا هذه عبر خطة الدراسة حيث نطرح أولاً، مفهوم اللغوي لإدارة التنموية الأزمة. وثانيا ً، الأزمات التي يعيشها المجتمع اللبناني الراهن ومسارها للأزمة. أما ثالثا ً نعمل على طرح أبرز النماذج المحلية في التعامل مع إدارة الأزمات وما تقتصيه من عناصر لأجل استدامة التنمية البشرية، وأخيراً نوجز بأبرز النتائج وما تتضمنه من الخلاصة وأهم التوصيات.
أولاً: مفهوم اللغوي والاصطلاحي لإدارة التنموية للأزمات
يُعد تعرض المجتمع للأزمات بأنه من الأمور الطبيعية الممكن حدوثه، لا سيما في ظل التطور الكبير للمجتمع الإنساني وتطور الصناعي والكيميائي والبيولوجي، مما يؤدي الى بروز أزمة أو نكبة ما بشكل مفاجئ طوال الوقت جراء تدخل الإنساني التقني والعلمي، لذلك وجب الاستعداد المجتمعي الملائم للتعاطي بشكل مرن مع حدوثها والتخفيف من آثارها عن طريق إيجاد الآلية المناسبة لمواجهتها، مع التعرف على كيفية التعامل في ظل الظروف المختلفة المرافقة لها كي يتم التقليل من المخاطر والخروج بأقل الخسائر الممكنة. ولكي ندرك المعنى العلمي لمفهوم إدارة التنموية للأزمات لا بد لنا من تفكك عناصرها، عبر تقصي مفهوم كل من الأزمة من جهة، ومفهوم التنمية البشرية المستدامة من جهة أخرى حتى يتسنى لنا أدراك المعنى الموضوعي والاجرائي لمفهوم الإدارة التنموية للأزمات والأوبئة.
- مفهوم الأزمة وتداعياتها.
تُعتبر الأزمة كمفهوم سوسيولوجي موضوعي بأنها عبارة عن بروز لخطر ما تحت تأثير عوامل أسباب مؤدية لحدوثها ومسببة لها، سواء عوامل طبيعية أو عوامل بشرية صرف من صنع الانسان وإهماله، وهذا الخطر نفسه سوف يُهدد الأمن المجتمعي عبر عرقلة سير العمليات أو المؤسسات ونظمها مما يؤثر سلباً عليها ويتسبب بكارثة خاصةً إذا لم يتم التعامل معها بالشكل العلمي الصحيح والمناسب.
بالمقابل يبدو لنا بـــــــ “أن إنهاء الأزمة ليس بالمهمة السهلة بسبب الطبيعة متعددة التخصصات لمفهوم الأزمة، فهناك خلاف حول ما يشكل مفهوم الأزمة. فعلى الرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه لمفهوم الأزمة، إلا أن هناك إجماعًا عامًا على أن (حدوث الأزمة) يتم بطريقة غير متوقعة للغاية وغير مؤكدة بطبيعتها. وهنا نقترح تعريف نظري وتطبيقي لإدارة الأزمات. إذ، يرى عبد الهادي أن مفهوم الأزمة هو مفهوم اصطلاحي يستخدمه العرب كمؤشر للدلالة على الشدة والجفاف. وفي اللغة الإنجليزية يعني التغيير للأفضل أو للأسوأ. أما أصل كلمة أزمة، في اللغة الإنجليزية تعود الى أواخر القرون الوسطى (تُشير إلى نقطة تحول للمرض): اللاتينية الطبية، ومن اليونانية krisis، “قرار”، ومن krinein “تقرر” يشكل الظهور العام لهذا المفهوم إلى أوائل القرن السابع عشر كــــ (نقطة حاسمة)[4]“
أما معنى كلمة أزمة في اللغة العربية حسب معجم المعاني الجامع “شِدَّة وضيق، مشكلة أزمة ماليَّة/ سياسيَّة/ دوليَّة. أزمة منتصف العُمر أي فترة من القلق والارتياب النفسيّ يتعرَّض لها بعض الناس في منتصف العمر.
أُصِيبَ بِأَزْمَةٍ قَلْبِيَّةٍ أي نَوْبَةٍ. أما أزمة البطالة عدم توفُّر عمل للقادرين عليه ممَّا يُسبِّب تكاثر عدد العاطلين عن العمل. أما تعريف ومعنى أزمة في قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصرة، أزمة ج، أزَم وإزَم وأزَمات. أزمة أي قحط، جدب. وأزمة أيضًا يقصد بالضيق وشدة كــــــ «أزمة سياسية، أزمة نفسية». وأزمة في الاقتصاد أي اختلال التوازن الاقتصادي لاختلال التوازن بين الإنتاج والاستهلاك.”[5]
وبالتالي يتفق كل من التفسير العربي والإنكليزي على أن معنى اللغوي للأزمة بأنها تشتمل على الشدة والنكبة والضيق وبالتالي لها تأثيرات سلبية على حياة الفرد والمجتمع معاً، وبالتالي يؤدي وجودها أولاً إلى فقدان الأمان أي زعزعة الأمن المجتمعي والأمن الفردي مع حدوث ضعف الاستقرار الاجتماعي جراء فقدان الأمان، وبعضها دموي يأخذ صورة الإيذاء الجسدي وإصابة الأفراد في صحتهم خسارة الأرواح. وتؤدي ثانياً إلى ظهور خسارة المالية والمادية نظراً لتداعياتها على المجتمع وحدوث اختلال بالانتظام العام المجتمعي، فيحدث توقف سير المؤسسات ونظمها المختلفة كتوقف سير العمليات السائدة في نظم المجتمع وبنيته، أو تلف الأصول بواسطة تخريب البنية التحتية لها، وضعضعة الأبنية وما تسببه من تلف للممتلكات المادية.
كما تؤدي الأزمة ثالثاً إلى خسارة السمعة جراء إيذاء سمعة المنتجات الكامنة وراء ظهور هذه النكبة مثلاً، مما تتسبب في فقدان العملاء للرغبة في الشراء أو نتيجة الحصول على الغرامات المالية وهذا ما يتسبب في بروز أزمات عميقة على المؤسسات والعلامات التجارية بشكل سيء، الأمر الذي يفقد ثقة المستهلك لها، مؤدياً إلى خسارة سمعتها وخسارة هويتها التجارية واحياناً إلى الإفلاس. وأخيراً تؤدي الى اضطراب نفسي رابعاً، وما يسببه الأزمة من أضرار نفسية بليغة على النفس البشرية بشكلها متوسط وكبير ويتطلب تدخل علاجي لأجل تخفيف هول الأزمة عن صاحبها وتجاوزها بأمان دون أي اضطرابات سلوكية وجسدية ممكن أن تحدث جرائها مستقبلاً.
- مفهوم التنمية البشرية المستدامة.
إن ظهور مفهوم التنمية وما تطاله من أبعاد يعود الى النصف الثاني من القرن العشرين، وقد ظهر هذا المفهوم كانعكاس للنمو الاقتصادي، وتحرير الإنتاج من التبعية وتعزيز الإنتاج القومي عبر تعزيز فرص الاستثمار بمختلف القطاعات الإنتاجية للدولة. وعمدت جميع الدول العربية على ركب موجة هذا المفهوم والعمل على تبنيه ضمن ادارتها للموارد الطبيعية التي تمتلكها من أجل احداث زيادة في النمو وان بشكل متفاوت بين دولة عربية وأخرى، “ولعل العبرة الأساسية مما سبق تتمثل في أهمية تركيز الدول العربية على تحريك مشروعها الإقليمي للتكامل الاقتصادي لتوظيف الطاقات التجارية والاستثمارية التي يتيحها تحرير انتقال عناصر الإنتاج، وتتمكن بالتالي في اللحاق بالركب العالمي لبناء سلاسل الامداد الخاصة بها، والارتباط بالسلاسل العالمية للإنتاج”[6].
وقد عمدت جميع الدول العربية الى تبني مفهوم التخطيط التنموي، مرتكزة بشكل رئيسي على التنمية الاقتصادية، والجدير بالذكر هنا بأن التنمية الاقتصادية لم تستطع ان تحقق الرفاهية التي تشكل الهدف الرئيسي لمفهوم التنمية وهذا ما يُفسر انتشار للكثير من الأزمات التي تواجهها ولم تستطع معظم الدول العربية على التحرر من الفاقة والعوز والبطالة. وبالتالي نستنتج بأن التنمية الاقتصادية لا تعني بالضرورة مكافحة البؤس والفقر والتدهور الاجتماعي أي ان التنمية الاقتصادية قد ركزت محورها على زيادة الإنتاج والإنتاجية والنمو التصاعدي الصرف على حساب أبعاد عديدة أخرى ولا سيما البعد الاجتماعي البشري. وهذا ما دفع المعنيين الى إعادة النظر في تحديد مفهوم التنمية والعمل على شموليتها لميادين مختلفة من أجل تحقق رفاهية الإنسان وتعزيز أمنه المجتمعي ضد أي خطر ممكن أن تواجهه.
كما لم تتبنى الدول العربية كافة مفهوم التنمية المتكاملة للأبعاد إلا مع ظهور مفهوم التنمية البشرية المستدامة حيث “ظهر مصطلح “التنمية المستدامة” لأول مرة في منشور أصدره الاتحاد الدولي من أجل حماية البيئة سنة 1980، لكن تداوله على نطاق واسع لم يحصل إلا بعد أن أُعِيد استخدامه في تقرير “مستقبلنا المشترك” المعروف باسم “تقرير برونتلاند”، والذي صدر 1987 عن اللجنة العالمية للبيئة والتنمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، تحت إشراف رئيسة وزراء النرويج آنذاك غرو هارلم برونتلاند.”[7].
ويقصد بالتنمية البشرية المستدامة بأنها عبارة عن تنمية شاملة ومتكاملة، ويجب ان تخطط لبرامج يمكن لها أن تحدث التغيير الإيجابي في حياة الانسان عبر الاستثمار الأمثل لموارده ورأسمال البشري في ظل الحفاظ على الموارد الطبيعية والمادية والمعنوية للأجيال المقبلة.
هناك اجتهادات فلسفية سوسيولوجية مختلفة أسهمت في ضبط وتحديد معنى المقصود للتنمية البشرية المستدامة وما تطاله من أبعاد ومتغيرات، “قد أورد (1996 Fowke & Prasad) أكثر من ثمانين تعريفاً مختلفاً وفي الغالب متنافساً وأحياناً متناقضاً. ومن أهم تلك التعريفات وأوسعها انتشاراً ذلك الوارد في تقرير بروندتلاند (نشر من قبل اللجنة غبر الحكومية التي أنشأتها الأمم المتحدة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين بزعامة جروهارلن بروندتلاند لتقديم تقرير عن القضايا البيئية)، والذي عرف التنمية المستدامة على أنها “التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”[8].
وبناء عليه، يُقصد بالتنمية البشرية المستدامة بتلك المخطط التنموي الذي يمكنها من تحقيق كامل في إشباع حاجيات الأجيال الحالية والمقبلة، وهذا ما يمكن أن يؤدي الى تعزيز رفاهيتهم عبر مواجهة كافة أزماتهم ومن ضمنها أزمة الفقر والبطالة أو أزمة ناتجة عن كوارث ونكبات مختلفة، بطريقة مستدامة أي دون استنزاف الموارد المجتمع، ودون المساس وبقدرة الأجيال القادمة على إشباع حاجاتهم ومتطلباتهم الحياتية المختلفة، آخذة بعين الاعتبار تحديات مختلفة كآليات الحفاظ على النظم الطبيعية والبيئية ومحدودية مواردها الغير قابلة للتجدد والتعامل مع هذه التحديات بمنظار إدارة واعية ورشيدة للأزمات وهذا ما سوف نفصله عبر طرح مفهوم إدارة تنموية للأزمات.
- مفهوم الإدارة التنموية للأزمات والأوبئة.
من خلال ما تقدمنا به عبر طرح مفهوم الأزمة من جهة ومفهوم التنمية البشرية من جهة أخرى نتوصل الى تحديد مفهوم إدارة التنموية للأزمة ويقصد بها بــــــــــ” الآلية المتبعة عبر الترشيد والتعامل الواعٍ للمعنيين مع طبيعة الأزمة، انطلاقاً من التعرف عليها بشكل جيد وعلمي من قبلهم، والتعرف على مكامنها وما تحدثه من نكبات ومشاكل وشدّة على حياة المجتمع والفرد معاً. لأجل إيجاد استراتيجية تتناسب مع مواجهتها بذكاء وحذر في تعاملهم مع حيثياتها بدقة، وما يتمتعون به من إحساس بالمسؤولة مستثمرين خبراتهم المختلفة في وضع إمكاناتهم لرصد الأزمة والعمل على إدارتها بنجاح من أجل الوصول الى تخطيها دون أي عواقب وما تساعده من تحقيق أهداف تنموية تعمل عليها وذلك بشكل مستدام أي ترشيد الأزمات بما يحافظ على الرأسمال البشري والمجتمعي للأجيال القادمة”. وبالتالي يكمن عناصر الإدارة التنموية البشرية المستدامة للأزمات في عناصر أساسية يتم استثمارها عبر المعرفة، والذكاء، والخبرة وأخيرا المسؤولية من أجل مواجهة الأزمات والتخفيف من تداعياتها وتخطي تحدياتها المختلفة السلبية على حياة المجتمع بكامل أنساقه.
ولعل إدارة الأزمات تشكل أحد ركائز التخطيط التنموي الذي يساعد المعنيين على تحقيق أهداف التنمية البشرية المستدامة، “فقد اهتمت أهداف التنمية البشرية المستدامة بالغذاء الصحي وتحقيق الأمن الغذائي للفرد والعائلة والدولة وأكدت على تحسين الإنتاجية وزيادة العائد من الزراعة المنزلية والمزروعات الصغيرة”[9]، ذلك دعماً للأمن الغذائي وترشيد استهلاك الإنسان لمصادر غذائه المتزامن مع نضوب الأرض وانهيار المؤسسات جراء الأزمة بمختلف مصادرها وأنواعها. خاصة أن من أكثر النتائج الوخيمة للأزمات تتمثل في فقدان الأمن الغذائية وحلول النكبات الصحية على الإنسان الأمر الذي يدفع الكثير من المعنيين الى التدخل من جانب إنساني لأجل مساندة الإنسان لأخيه الإنسان ودعمه على تجاوز أزمته.
يُشكل الأمن الغذائي العبء الأكبر على المعنيين في مواجهته وذلك بسبب الفوضى وعدم تبني إدارة فاعلة للأزمة من أجل توفير للإنسان حاجاته. ويكمن تعزيز الأمن الغذائي والمجتمعي عبر إدارة رشيدة وتنموية للأزمات وتخطيط مسؤول وذكي لها حتى يتم مواجهتها في أقل الخسائر. ولعل الأزمة الصحية المتمثلة عبر انتشار جائحة كوفيد-19 قد تسببت بالويلات الكثيرة على المجتمع الإنساني ككل، وتسبب بالأزمة الاقتصادية العالمية مما سوف تؤدي الى فقدان الأمن الغذائي إذا لم يتسارع المعنيين في إدارة تنموية رشيدة لها، ومكافحة مخاطرها بمسؤولية وحرص شديد. وسوف نعمل عبر القسم اللاحق بتفصيل أنواع الأزمات التي يتعرض لها المجتمع اللبناني المتزامنة مع انتشار ازمة الصحية جراء انتشار فيروس الوبائي كوفيد-19 في المجتمع الكوني، والذي يهدد أمن المواطن المحلي ويهدد الاستقرار المجتمعي العالمي جراء انتشار جائحة كورونا بشكل سريع وواسع بين صفوف المواطنين، قبل تفصيل مقتضيات الإدارة التنموية للأزمات.
ثانيا ً: الأزمات التي يعيشها المجتمع اللبناني الراهن ومسارها للأزمة
منذ مطلع 2019وحتى وقتنا الراهن؛ فإن المجتمع اللبناني يعايش الأزمة تلو الأزمة، وشكلت معها ظرف قاسٍ على المواطن اللبناني، فهو يواجه بشكل الأزمة تلو الأزمة ونكبة تليها نكبة بشكل متتابعة ومتداخلة، ليواجه مع هذه الأزمات النكبة الصحية الأخيرة المتمثلة بجائحة كورونا.
فهذه الأزمات الخانقة خلقت لديه تعثرات حياتية بمختلف الميادين ومناحي الحياة سواء الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى البيئية. وهذا ما نعمل عبر هذا القسم عليه من ابراز لهذه الأزمات وما يسودها من عوامل ومسببات لها قد ساهمت في تأججها وبلوغ حدتها بطريقة بات المواطن لا يستطيع ان يقاوم انعكاساتها عليه. الأمر الذي دفع به الى ارتكاب الجرائم وتجاوز القوانين جراء عجزه عن إدارة أزمته بطريقة عقلانية رشيدة ومستدامة.
- أبرز الأزمات والأوبئة المنتشرة في المجتمع اللبنانية الراهن.
من الوقائع الكبرى التي مرت على لبنان وأنهكت معها البلاد والعباد؛ حتى باتوا لا يستطيعون نسيان هذا العام الذي قد مر عليهم بالكثير من التخبط، عايش معها المواطن الكثير من الأزمات المتتالية عبر أشهر السنة، انه حقاً عاماً استثنائياً في حدوث الكم الهائل للكوارث والأزمات سواء الطبيعية منها أو المفتعلة من صنع الإنسان نفسه جراء طمعه وجهله اللامحدود. ونفصل تباعاً هذه الأزمات التي يعايشها المواطن دفعة واحدة في ظل نظام سياسي متفكك، حيث نعمل على ابرازها حسب طبيعة ميادينها.
- أزمة بيئية: تعتبر الأزمة البيئة من القنبلة الموقوتة في المجتمع اللبناني يدفع ثمنها المواطن من صحته وأمنه وسلامته. فالمجتمع اللبناني يسوده أزمة تلوث عميقة، سواء تلوث مصادره المائية البحرية والنهرية، مع نهب مبرمج للجبال عبر الكسارات التي تقضم الجبال دون أي رادع بيئي في ظل غياب السياسات البيئية وضعف الرقابة القانونية، فضلاً عن انتهاك الغابات والأشجار المعمرة لصالح الباطون المسلح من قبل بعض الأطراف. ولعل الحريق الهائل الذي نشب في شهر أيلول من عام 2019 يعتبر من أقوى الحرائق على الاطلاق. حيث ” أعلن الصليب الأحمر اللبناني، في بيان، أن الحرائق اندلعت في غابات عدد من المناطق، وأتت على مساحات واسعة من الأشجار الحرجية (الغابية) المتنوعة، ولامست المنازل في عدد منها، دون تحديد أي أضرار محتملة. من جانبه، قال رئيس قسم التدريب في الدفاع المدني (إطفاء) نبيل صلحان خلال 24 ساعة، حدثت 105 حرائق بمختلف المناطق اللبنانية. وأوضح صلحان، في تصريحات إعلامية، أنّه منذ عشرات السنين لم نشهد حرائق بهذا الحجم، مؤكدًا أنّ الحريق الذي يندلع عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل يطرح علامات استفهام، دون تفاصيل أخرى”.[10] فضلاً عن أزمة بيئية كارثية تتمثل بسوء إدارة النفايات ومعالجتها التي برزت الى العلن بشكل كارثي منذ بدايات “صيف 2015 في لبنان وكان صيفاً “كريه الرائحة”، حيث تراكمت تلال القمامة في مختلف أنحاء العاصمة بيروت وبلدات محافظة جبل لبنان، وذلك في الأحياء الفقيرة والثرية على حدٍ سواء. ومع تضخم تلال القمامة بدأت السلطات في رشها بمسحوق من السم الأبيض لكي تبعد عنها الفئران والحشرات ولكن هذا الاجراء لم يحول دون انبعاث الروائح الكريهة منها”[11]. وقد دفع المواطن الثمن الكبير من صحته جراء تفشي الروائح الكريهة وتكاثر الجراثيم وتبدل في ايكولوجية البيئة والهوائية المتزامنة مع انفجار الكيميائي في بيروت مؤخراً؛ سواء في المدينة أو الريف في ظل تقاذف التهم وعدم إيجاد حلول وسياسات مناسبة في معالجة أزمة النفايات التي ما زالت مستمرة للوقت الراهن.
- أزمة سياسية: يعيش لبنان أسوء أزماته السياسية لا سيما منذ عام 2005 المتزامن مع اغتيال دولة الرئيس رفيق الحريري وما يعايشه الساسة من عراقيل وأزمات حكم مزمنة، سواء عراقيل التشكيل البرلماني أو الحكومي أو الرئاسي. وذلك يعود إلى سياسة عمدت معها تعزيز الولاء الحزبي المناطقي الطائفي على حساب الولاء المؤسساتي للبنان. كما يعاني المواطن من أزمة حكم انعكست سلباً على كافة مناحي الحياة التي يعيشها بمساوئ مختلفة. كان نتيجة لهذه الأزمة اندلاع الثورة في 17 تشرين جراء تأجج النفوس ضد الطبقة الحاكمة وما سببته لهم من افقار وتهميش وضعف للخدمات في كافة القطاعات، مع ارتفاع وتيرة الضرائب دون تلقي أي مقابل خدماتي يشعر معها المواطن بالاستقرار ولا سيما فشل كبير في إدارة الخدمات البنيوية للدولة كالكهرباء والاتصالات والتعليم والصحة في ظل استمرارية أزمة حكم آخر فصولها استقالة الحكومة الحالية مع عدم التوافق على أي حكومة بديلة في المنظور القريب. في ظل بروز أزمة فساد عميقة وعدم وجود سياسات إصلاحية حقيقية في إدارة المؤسسات التابعة للدولة، مع سيطرة بنيوية للقطاع الخاص على قرارات السلطة اللبنانية، بحيث باتت عاجزة أمام توفير أبسط الحقوق للمواطن.
- أزمة اقتصادية: يعد الأزمة الاقتصادية التي تواجه لبنان ليست وليدة عام 2019 انما يعود في تاريخ حدوثها الى أنظمة سياسية سابقة، جراء سوء إدارة الحكومة اللبنانية المتعاقبة ما بعد الحرب الأهلية، وعجزها في بناء اقتصاد انتاجي، بل قامت الحكومات المتعاقبة منذ عهد الرئيس الياس الهرواي ورئيس الحكومة رفيق الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري الى بناء اقتصاد ريعي متسلحين بالاعتماد على انعاش النظام المصرفي والنظام السياحي والتجاري، والذي رابوا أموالهم عشرات الأضعاف على حساب بناء اقتصاد منتج زراعي أو صناعي لعدم وجود سياسات تنموية متوازنة بين القطاعات جميعها، مع اضعاف ممنهج لكل من القطاع الزراعي والصناعي، حيث أن هذين القطاعين متداخلان في لبنان وما يزال يسيطر عليهما الطرق التقليدية البسيطة لصالح انماء قطاع التجارة والخدمات لا سيما الخدمات المصرفية والسياحية. “لا أحد ينكر الصناعة ودورها في النهوض بالاقتصاد الوطني ودعمه، ولا يسمح لنا المجال هنا بالكلام عن مزايا التصنيع وفوائده خاصة أن لبنان من الدول النامية وبحاجة إلى تطوير هذا القطاع الهام وتنشيطه. ولكن الصناعة تستند إلى خطط علمية سليمة حتى لا تعود بالضرر على الأوضاع الزراعية”[12]. وبالتالي فإن هناك غياب شبه كلي للخطط التنموية لدى كل من القطاع الزراعي والصناعي، كما انها تفتقد للأسس العلمية والبحثية في النهوض بها، الأمر الذي يدفع ثمنه النظام الاقتصادي والنقدي في لبنان ولعل انهيار قيمة العملة اللبنانية آخر فصول التدهور الاقتصادي، حيث انخفضت بشكل كبير أمام الدولار، وتشرذم السوق النقد في لبنان مؤخراً في ظل غياب السياسات الإصلاحية ومماطلة السلطة في اتخاذ القرار الذي يمكن ان ينقذ النظام الاقتصادي والمالي من التدهور، خاصة ان هذا التدهور طال اقفال قسري لعدد كبير من المؤسسات الإنتاجية والتجارية والسياحية متزامنة مع اعلان الإفلاس وتسريح العمال جراء العجز والتدهور الكبير الذي طالها لا سيما مع بداية النصف الأول من عام 2020.
- أزمة صحية: وقد تمثلت هذه الأزمة مع حلول ضيف ثقيل منذ شباط 2020 جراء انتشار فيروس كورونا المستجد عالمياً، وكان لا بد من اعتماد سياسات وقائية وتدابير احترازية من قبل السلطة لأجل فرملة انتشار هذا الفيروس الخطير المعدٍ حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية. ومن أبرز الإجراءات اغلاق قسري تام للمؤسسات المختلفة، مع اتباع سياسات التباعد الاجتماعي، والوقاية عبر لبس الكفوف والكمامة والالتزام بالحجر المنزلي. غير ان انتشار جائحة كورونا كان وقعها ثقيل على اللبناني بسبب ظهور الوباء بشكل متزامن مع أزمات بيئية وسياسية واقتصادية متشابكة مع بعضها البعض وسببت له الكثير من الانعكاسات السلبية جراء الحجر المنزلي كالضجر، والقلق والاكتئاب مع تدهور الحالة النفسية للمواطن في ظل فقدان ثقته بالدولة وفقدان ثقته بأي اجراء إصلاحي حقيقي ممكن ان تقدمه له. وفي هذا الصدد انقسم المجتمع بين فريقين في تعاملهما مع الجائحة الكورونية، الفريق الأول من اقتنع بوجود هذا الفيروس الخطير والمميت وتعامل معه بوعي والالتزام بالإرشادات الوقائية المطلوبة حرصاً على سلامته وسلامة أحجبته، خاصة ان هذا المرض ينتصر على كل شخص ضعيف في جهازه المناعي. أما الفريق الثاني من لم يقتنع بوجود هذا الفيروس وتعامل معه بقلة وعي، وبيقين منه على أساس انه يشبه حالة الإنفلونزا العادية ولا يتطلب هذا الوباء أي تدابير احترازية له، فعاش حياته بشكل طبيعي من دون التقيد بأي إجراءات وقائية، متابعين نشاطهم المهني الخاص جراء عدم توفير الدولة لهم أبسط مقومات الصمود في الحجر المنزلي في ظل تفشي أزمة اقتصادية كارثية من جهة، مع وجود قسم كبير من المواطنين يميلون الى التحرر من القيود والضوابط ويميلون الى تحقيق ملذاتهم ونقاهاتهم من جهة أخرى. وهذا ما تسبب في انتشار كبير وسريع دخل مرحلة الخطر مع الفورة الثانية له في شهر آب جراء الاستهتار واللامبالاة من قبل المواطنين، الأمر الذي أدى بمجلس الدفاع الأعلى الى إعادة اغلاق عام خلال شهر آب الجاري وعودة الى الحجر التام إلى أخر العام 2019، لأجل انقاذ الوضع الصحي الخطير. وننوه هنا بأن المواطن اللبناني يواجه هذا الوباء في ظل انتشار أزمات صحية متنوعة جراء ارتفاع نسبة الأمراض السرطانية، وتدهور قطاع الاستشفائي بسبب تلكؤ الدولة عن دفع مستحقات المستشفيات الخاصة، واضعاف القدرة التجهيزية للمستشفيات الحكومية بمختلف المناطق.
- أزمة اجتماعية: يشهد المواطن اللبناني خلال عام 2019 أزمة اجتماعية غير مسبوقة منذ زمن طويل، وجاءت هذه الأزمة بشكل متزامن مع الأزمات السياسية والاقتصادية والبيئية المختلفة، فقد ارتفع معها نسبة البطالة بشكل كبير وضخم خاصة مع افلاس المؤسسات والتسريح الوظيفي للعمال “يقترب لبنان من تحقيق رقم قياسي في معدلات البطالة في ظل اقتصاد متأزم يعاني نقصاً حاداُ في النقد الأجنبي وعجزا في سداد الديون، حيث تتوقع مؤسسات عالمية ارتفاع حجم البطالة إلى مليون عاطل قبل نهاية 2020”[13]. وهذا الواقع المأزوم له وقع سلبي على قدرة المواطن الشرائية، وقدرته على تحقيق الأمن الغذائي، وأصبح الشعب اللبناني يأُن تحت عجلة الفقر ورحى التشرد وفقدان الأمن الغذائي، والذي يدفع ثمنه الأطفال والمسنين بالدرجة الأولى. ويشير العديد من الخبراء بأن لبنان يعيش أسوء كارثة إنسانية منذ ولادة لبنان الكبير عام 1920.
- أزمة أمنية: إضافة الى جميع الأزمات التي قمنا باستعراضها آنفاً يعيش المواطن اللبناني أزمة أمنية خانقة ومتنقلة ولا سيما بشكل متزامن مع التفلت الأمني ومع اندلاع الثورة في 17 تشرين الثاني حيث واجه المواطنين الكثير من التحديات الأمنية، عبر انتشار مظاهر الخطف، السرقات، الاعتداء المسلح على المصارف وتفجيرها، الاعتداء المسلح على المحال والممتلكات الخاصة، ولعل آخر فصولها انفجار مرفئ بيروت في (4 آب) الجاري عشية موعد انعقاد المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الشهيد الحريري، ويعتبر ثالث أَكبر انفجار نووي سام في المجتمع الإنساني الحديث، وهو شبيه بانفجار قنبلة هيروشيما. ” قوة الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت قبل أيام، تعادل قوة “قنبلة نووية تكتيكية”، وفق وسيم جابر، الباحث في فيزياء وتكنولوجيا النانو بالمعهد العالي للفيزياء في فرنسا”[14]. وقد تسبب هذا الانفجار بكارثة إنسانية ومجتمعية خطيرة على العاصمة بيروت طالت جميع الفئات ومختلف الجنسيات المقيمة لدينا، وقد أدت الى دمار شامل للمرفأ ومحيطه، وتضعضع عدد كبير من الوحدات السكنية، فضلاً عن خسارة كبيرة بالأرواح وما زالت بيروت تلملم جراحها لكي تستعيد عافيتها جراء هذه النكبة الأمنية الخطيرة. وفي هذا السياق فقد “أفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بأن نحو 80 ألف طفل لبناني فقدوا منازلهم وأصبحوا نازحين بسبب انفجار مرفأ بيروت الثلاثاء الماضي.وأضافت يونيسيف في تقرير لها أن ثمة أطفالاً ما زالوا مفقودين أما من نجا منهم فيعانون صدمة نفسية”[15]. وهذا ما يتطلب تظافر الجهود من أجل توفير الدعم النفسي للمتضررين جراء هذه الكارثة الأمنية مع توفير سبل العلاج الطبي وصحي المناسب لهم.
- أسبابها حدوث الأزمات وانتشارها.
على ضوء الأزمات التي يعايشها المواطن اللبناني الراهن ولا سيما في ظل انتشار الأزمة الصحية العالمية المستجدة كوفيد نجد أنه يعيش الويلات سواء في معيشته جراء ارتفاع الفاحش للأسعار وتدني القدرة الشرائية، بشكل متزامن مع تدهور قيمة العملة اللبنانية بشكل كبير وفقدان قيمة الرواتب إضافة إلى تضخم كبير بالسوق النقدي، الأمر الذي يجعله ضمن بؤرة الفقر والعوز الشديد خاصة مع دخوله موسم المدارس في أيلول المقبل ويُنبأ بأن لبنان أمام أسوء كارثة إنسانية يعيشها منذ الحرب الأهلية التي انتهت أوائل 1990، “فاليوم أصبح لبنان في حالة جمود تام، تعطلت الحركة الاقتصادية تمامًا وأصيبت القطاعات الإنتاجية بشلل وأصبحت الحاجة ملحة إلى تأمين الغذاء للمواطنين، مع ارتفاع أرقام البطالة، وتدني مداخيل القسم الأكبر من اللبنانيين، وانهيار أعمال المياومين، بالتزامن مع الارتفاع الجنوني الحاصل بالأسعار .وعلى الرغم من أن صحة المواطنين هي الأهم في هذه المرحلة الخطيرة، إلا أن هذا لا ينفي أن استمرار حالة التعبئة العامة في ظلّ تفشي كورونا يعني أن اللبنانيين أمام خطر الموت فقراً وجوعاً وليس بسبب هذا الوباء”[16]. وهذه الأزمات المتشابكة مع بعضها البعض تعود إلى الأسباب التالية:
- الفراغ السياسي في تشكيل السلطة التي مر بها المجتمع اللبناني لا سيما منذ 2005.
- النظام الاقتصادي الريعي مع ضعف السياسات التنموية للبنية الاقتصادية الإنتاجية.
- اعتماد السلطة اللبنانية على التجارة في توفير حاجيات السوق الاستهلاكية مع ارتباط العملة اللبنانية بالدولار الأمريكي.
- الهدر والفساد المالي والرشوة المنتشرة بشكل كبير مما استنزف احتياط المالي للبنك المركزي اللبناني.
- ارتفاع حجم المديونية وفشل الحكومة في السداد بالوقت المناسب.
- فشل الحكومة في إدارة الموارد عبر تفشي الفساد الإداري وضعف السياسات التنموية البيئية والاجتماعية.
- اعتماد مبدأ المحاصصة التوافقية في التعيينات الإدارية الرسمية، مع تفشي الوظائف السياسية لأجل تنفيعات انتخابية على حساب الحاجة الفعلية من وظائف الدولة، الأمر الذي أدى الى تضخم حجم القطاع العام واستنزاف الخزينة لصالح الأجور.
- عدم تطبيق مبدأ العدالة في توزيع الأجور بين القطاعات وبمختلف المراتب الوظيفية، مع وجود جمع لأكثر من مدخول لبعض المحظيين، الأمر الذي أدى الى خلق هوة طبقية عميقة، وارتفاع حجم الفقر لدى سواد الأعظم من المجتمع.
- عدم بسط الدولة نفوذها على كامل أراضيها في ظل السلاح المتفلت بمختلف المناطق.
- عدم قدرة الدولة على تطبيق بنود ومعايير الحوكمة الرشيدة في إدارة وزاراتها للمؤسسات.
- ضعف القضاء اللبناني بسبب التعيينات وفق مبدأ المحاصصة التوافقية على حساب الكفاءة والاستقلالية والشفافية.
- فقدان المواطن ثقته بالدولة وفقدان ثقته بأي دور تنموي ممكن أن تسهم في اصلاح حقيقي للمؤسسات بمختلف قطاعاتها ومجالات عملها وخدماتها.
- عدم وعي المواطن والمسؤولين لعناصر إدارة الأزمات ومسارها التنموي، مع ضعف إدارة الأزمة من قبل المواطن في تعاطيه مع الأحداث والكوارث بسلبية وطرق تقليدية.
- الطرق تقليدية في إدارة الأزمات وسبل مواجهتها.
من خلال ملاحظتنا ومعايشتنا للواقع اللبناني نجد بأن هناك تفاوت كبير بين القوى في تعاملها مع الأزمة، سواء قوى رسمية، أو قوى مدنية أو أهلية. فقد وجدنا بأن هناك تدرج في تعامل الفئات مع الأزمات وتدرج في أساليب تعاطيهم لها، وتفاعلهم مع حيثياتها وتداعياتها رغم ان التعاطي معها من قبلهم قد اتسم بالمنحى التقليدي في ادارتهم لها. وهذا التدرج سوف نبينه من خلال أساليب تعامل الفئات مع الأزمات المتلاحقة بمختلف ميادينها حسب الآتي.
إن السواد الأعظم من المواطنين اللبنانيين يتم تعاطيهم مع الأزمات بالطرق التقليدية أي بجهل وقلة دراية لأطر إدارة التنموية للأزمات، بسبب عدم المامهم بها، وعدم مقدرتهم على التعاطي مع الكوارث وفقاً لاستراتيجية واعية ممكن ان تخفف من حدة آثارها على حياتهم. وتتمثل سلوكياتهم بالأطر التقليدية الممتدة إلى (إنكار الأزمة) وعدم الاعتراف بحدوثها أو وجودها. فالكثير من المواطنين اللبنانيين ينكرون وجود أزمة اقتصادية أو صحية أو مالية نظراً للتعتيم إعلامي من قبل المعنيين، وكثرة الاشاعات المتناقلة حول الأزمات المتعاقبة والمتداخلة عبر وسائط الاتصال الجماهرية. والتي تتمحور حول إنكار حدوثها أو انتشارها مع اظهار أن الأحوال على أحسن ما يرام من اجل تقزيم الأزمة والسيطرة عليها ظناً منهم انهم يسهمون في تلاشيها وفق انكارهم لها. كذلك هناك بعض منهم من يعمل على (كبت الأزمة) وترحيل ظهورها في فكرهم وعقلهم الباطني، وسلوكياتهم وطرق تعاطيهم مع طبيعتها، علّهم يعمدون الى تدميرها بقصد اخمادها وعدم تأجيج وجودها في حياتهم، مع تدهور الحالة النفسية لديهم أثناء التعاطي معها عبر تبني أساليب عنيفة ورد فعل صدامي لإنكار وجودها وكبتها.
بالمقابل هناك من يلجأ الى التقليل من شأن الأزمة ومفاعيلها عبر (تبخيس الأزمة) أي التقليل من شأنها وشأن تداعياتها بأنها بسيطة ولا تحتمل هذا التضخيم والتهويل لها، وبالتالي يكون صاحبها قد اعترف بوجودها، ولكن هذا الاعتراف مشروط على أنه يعتبرها أزمة غير هامة. اما قسم آخر من المواطنين اللبناني من عمدوا الى (تنفيس الأزمة) وذلك من خلال بثّ الرسائل السخرية وتعليقات مضحكة ومركبة من حيثيات الأزمة وواقعها، لأجل تنفيس شحنة الغضب المتزامنة مع المواطنين تجاهها، وبالتالي يتم تنفيس المواقف بشحن ذهنية تنطبع بذهنيهم للحؤول من حالة الغليان أو الغضب والحيلولة دون الانفجار البركاني. وهذه الأساليب التنفيسية للأزمة رافقت حياة المواطن بجميع الأزمات التي يعايشها، أي منذ اندلاع ثورة تشرين 2019 حتى انتشار كورونا مروراً بانفجار بيروت في 4 آب مؤخراً. حيث لحظنا بأنه تم كبّ هائل عبر مختلف وسائل الاتصال الجماهرية من النكت السياسية والسخرية الاجتماعية المستخدمة من قبلهم من أجل (تنفيس الاحتقان) تجاه الأزمة. وبالتالي يسمح لهم بما يسمى (تفريغ الأزمة) وبحسب هذا الأسلوب يتم إيجاد مسارات بديلة من قبل المعنيين من أجل تلطيف الأزمة وتلطيف الواقع دون أيجاد سياسات حقيقية لمواجهة الأزمة من جذورها، فيتم تفريغ الأزمة عبر تبني أساليب تلطيفية تسهم في معالجة بعض الانعكاسات الجانبية وتخفف معها من حدة الصدمة على المواطن.
أما البعض الآخر من المواطنين فيتم لهم (التكييف مع الأزمة)، عبر الرضوخ لها والرضوخ لآثارها محملين النتائج على الآخر أي المعنيين، فيتأقلمون تدريجياً معها بعد حدوث صدمة سلبية من جراء اندلاعها وهذا ما نشهده من تعايش وتكييف للمواطن مع الغلاء الكبير والفاحش للسلع الاستهلاكية راضخين لتداعيات الأزمة المالية وتدهور قيمتها، وسرعان ما يتأقلم مع تداعياتها الكثيرة على حياتهم وواقعهم الاجتماعي والمعيشي، محملين أعبائها على قدر الله وقدرته في تغيير الأحوال وتبديل الواقع المأزوم، دون أي مبادرة خلاقة من قبلهم لأجل مواجهتها أو مواجهة تداعياتها بشكل علمي وضمن حدود إدارة تنموية فاعلة للأزمات، وهذا ما يستوجب تحفيز طرق حديثة تتسم بعناصر الإدارة التنموية للأزمات.
- الطرق الحديثة في إدارة الأزمة وعناصرها في تحقيق التنمية البشرية المستدامة.
إن إدارة الأزمات الفعلية يجب أن تنطلق من منطلقات تنموية من قبل المعنيين وجميع الفئات بمختلف مواقعهم الوظيفية والطبقية، حيث أن آثار الأزمة يحصدها الجميع دون استثناء. ولعل إدارة التنموية للأزمة تنطلق من خلال عقلنة الأزمة، وعقلنة تداعياتها ومخلفاتها، خاصة انها تحدث بشكل فجائي وعنيف وشديد بالغالب، وبالتالي يجب عقلنتها لكي يتم التخفيف من تحدياتها السلبية على حياة المواطن، وعلى حياة الأجيال المقبلة، بالتالي ضمان مواجهة الأزمة بأقل الخسائر مع الحفاظ على المكتسبات والحفاظ على موارد المجتمع من تداعياتها. والمقصود بعقلنة الأزمة أي التعامل معها بوعي وحس للمسؤولية وبمعرفة علمية لحيثياتها مع إيجاد السبل المناسبة لمواجهتها والتخفيف من حدة انتشارها أو علاجها دون أي مخاطر.
- البحث والمعرفة: ويكمن ذلك من خلال تنفيذ البحوث والدراسات من قبل المختصين، لكي يتم الكشف عن طبيعتها للأزمة، مع تقصى واقع الأزمة وعواملها لكي يتم الكشف عن السبل الأنسب لتعامل معها وتدارك انعكاساتها السلبية.
- الذكاء في التنبؤ: أن يتحلى المواطن والمعنيين أو المختصين بالذكاء الاجتماعي في التعاطي مع الأزمات وأن يتنبأ خطورتها وطبيعتها وحجم تأثيرها السلبي، لكي يتم التعامل معها بعقلانية التي تساعده في التنبؤ الإصلاحي للخطوات الأمثل في تعاطيهم مع هذه الأزمات المستجدة، وبالتالي التوصل الى الطرق الصحيحة والمناسبة لمواجهتها من خلال التخطيط القصير والمتوسط والبعيد المدى مستقبلاً لأجل تبني الآلية المناسبة لها بموضوعية وحكمة.
- المسؤولية: من ادق العناصر التي تساند الإدارة التنموية للأزمة هو التحلي بروح المسؤولية لدى المواطنين والمعنيين كون هذا العنصر يساعد الفرد على الوعي الذاتي وإيجاد المكامن الحقيقي في إدارة الأزمة وتحمل مسؤولياته السلوكية في التعامل سواء عبر المواقف أو عدم الانجرار وراء الاشاعات المغلوطة التي تسهم في تضليل الرأي العام تجاهها.
- الخبرة: ويكمن هذا العنصر في استثمار الفرد لخبراته الحياتية أو خبرات وتجارب الآخرين المثمرة أثناء مواجهتهم لأزمات مماثلة، وذلك من أجل تكوين الرؤية الصائبة للحلول الأمثل في مواجهتها، وكثيراً ما تساعد الخبرة المعنيين في اختصار الوقت والجهد والهدر أثناء اتخاذ القرار حول آلية المناسبة للتعامل مع النكبة، سواء المواطنين العادين أو المواطنين في موقع القرار؛ وبالتالي تساند الخبرة في إيجاد الأفق الإصلاحية المناسبة خلال إدارة التنموية للأزمات وكعنصر هام لها في الوقت عينه.
- الرؤية المتفائلة: ويكمن هذا العنصر من خلال رؤية تفاؤلية لإدارة الأزمة، عبر استثمار الجانب الإيجابي لها، والابتعاد عن الرؤية التشاؤمية الهادمة. فتكمن الرؤية التفاؤلية من خلال الثقة بالنفس والقدرات على التجاوز هذه النكبة بأقل الخسائر من خلال تبني الأطر التخفيفية لمآثرها النفسية، وغالباً ما تداخل معها البرمجة العصبية الذهنية معها لأجل برمجة الذهن والقدرات ذاتياً لرؤية النصف الكوب الملآن، عبر تعويم الجانب الإيجابي في حياة الفرد والمجتمع ككل.
إن هذه العناصر تتفاعل مع بعضها البعض في تكوين العناصر الفاعلة لإدارة الأزمة بالطرق العلمية عبر عقلنتها، وترشيد تداعيتها من أجل إيجاد التغيير الإيجابي الذي يساند المجتمع في تحقيق التنمية البشرية المستدامة، خلال التعامل مع النكبات والكوارث، مما يؤدي الى تقليص من مخاطرها وتخطي عقباتها بسلام وأمان، مع ترشيد الأجيال المقبلة لآلية التعامل مع مثلها مستقبلاً من خلال تخطيط تنموي فعال يمكن أن يتم معه ترشيد لمخاطر الأزمة وتداعياتها، وتقليص آثارها بأقل الأضرار.
ثالثاً: الخلاصة، أبرز النتائج وأهم التوصيات
نتوصل عبر دراستنا هذه بأن المجتمع اللبناني بحاجة إلى تبني معايير وعناصر الإدارة التنموية للأزمات من خلال تفعيل “المعرفة، والذكاء، والخبرة، والمسؤولية” من مواجهة الأزمة الصحية العالمية المتزامنة مع جائحة كورونا المستجدة عليه، والمتزامنة مع أزمات اجتماعية واقتصادية وبيئية ومعيشية بالوقت عينه. وان هذه العناصر سوف تكون كفيلة في تعزيز أهداف التنمية البشرية المستدامة، من خلال عقلنة الأزمات بأساليب وطرق حديثة خلال ادارة الأزمة. وعليه نتوصل الى عدد من التوصيات يمكن أن تساند الإدارة التنموية للأزمات من خلال الإجراءات الآتية:
- تفعيل وعي المواطن والمسؤولين لعناصر إدارة الأزمات ومسارها التنموي من خلال الندوات والمحاضرات وحلقات النقاش البناءة وفقاً للمعرفة والخبرة في مواجهة تداعيات الأزمة عبر تفعيل روح التضامن والتكافل المجتمعي أثناء مواجهة الكوارث الإنسانية المختلفة.
- تفعيل آليات إعلامية متنوعة في نشر المعرفة وتوعية الأفراد والجماعات حول حيثيات الأزمة التي يواجهونها وضمان تعاونهم مع السلطة في التخفيف من تداعياتها أو مواجهتها بصبر وحكمة ومسؤولية.
- على الحكومة تبني أسس الحوكمة الرشيدة في إدارة الموارد والمؤسسات سواء في التعيينات أو الترقيات من أجل مواجهة الفساد الإداري مع إيجاد السياسات التنموية البيئية والاجتماعية التي تتناسب مع حاجات الأفراد وأولوياتهم.
- تعزيز المواطنة الحقة لدى المواطن وتعزيزي ثقته بالدولة وثقته بدوره التنموي الخلاق من خلال بناء دولة المؤسسات ودولة القانون التي توفر له حقوقه كي يستطيع أن يقوم بواجباته المختلفة تجاه وطنه.
- إعادة الهيبة والاستقلالية للجسم القضائي اللبناني عبر تعيينات شفافة وعادلة وفق الكفاءة والنزاهة.
- تعديل قانون الانتخابي البرلماني بما يسمح في تشكيل سلطة تعكس طموح الشعب وتطلعاتهم.
- بناء نظام اقتصادي منتج من خلال تبني السياسات التنموية للبنية الاقتصادية الإنتاجية، سواء القطاع الصناعي والزراعي.
- تبني سياسة إصلاحي نقدية للمال العام عبر إقرار قانون الاثراء الغير مشروع، وإقرار قانون مواجهة الفساد والهدر المالي، مما يساعد في معالجة الدين العام وخفضه واستدمه مواجهته للأجيال المقبلة.
- تطبيق مبدأ العدالة في توزيع الأجور بين القطاعات وبمختلف المراتب الوظيفية خلال اصلاح قانون الأجور عبر إقرار سلسلة ر تب جديدة تأخذ بعين الاعتبار الغلاء والتضخم المالي.
- بسط الدولة نفوذها على كامل أراضيها من خلال تفعيل قوى الأمن والجسم القضائي في موجهة السلاح المتفلت بمختلف المناطق وإنزال أقصى العقاب على كل من يخل بالأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي، أو الأمن الصحي-البيئي.
قائمة المصار والمراجع:
- تضامن الإلكتروني: “أزمة نفايات في لبنان: من احتجاجات إلى حركة شعبية إلى انتخابات بلدية”، مقال منشور في موقع التضامن الالكتروني تم استرجاعه في 26-آب-2020. http://www.tadamun.co/
- حسين الطلافحة وعمر ملاعب(2017) : “من الأهداف التنموية للألفية إلى خطة التنمية المستدامة 2030: التقييم والمستجدات”، منشورات المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد المائة والثامن والثلاثون، ص:14.
- الجزيرة نت(2020): “فقدوا منازلهم وتعرضوا لصدمات نفسية.. يونيسيف: أضرار كارثية لانفجار بيروت على الأطفال” مقال صحفي وارد عبر موقع الجزيرة الإلكتروني، في 7 آب 2020، وتم استرجاعه في 26 آب 2020.
- جزيرة نت للدراسات، )2015): ” التنمية المستدامة”، مقال منشور عبر موقع الجزيرة الإلكتروني في تاريخ 30 -11-2015، تم استرجاعه في تاريخ 25-آب-2020. https://www.aljazeera.net/encyclopedia/conceptsandterminology/2015
https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/8/7/%D8%A7%D8%A7-91
- سهى جمال (2020): “اللبنانيون… بين عزل كورونا والقحط المعيشي، بعد أيام من التعبئة العامة… صرخات المواطنين بدأت تعلو”، مقال الكتروني وارد في موقع المجلة في 27 آذار 2020، تم استرجاعه في 26 آب 2020. https://arb.majalla.com/node/83636
- عبد الرحمن محمد الحسن (2011): “التنمية المستدامة ومتطلبات تحقيقها”، بحث مقدم الى مؤتمر تحت عنوان استراتيجية الحكومة في القضاء على البطالة وتحقيق التنمية المستدامة، جامعة المسيلة في 15-16\11\2011، منشور الكترونياً بصيغة (pdf) تم استرجاعه فقي 25-8-2020.
https://www.researchgate.net/profile/Abdelrhman_Mohammed_Elhassan/publication
- فاطمة عبد الله الدربي (2020): “إدارة الأزمات”، مقال منشور في موقع البيان الإلكتروني، في 20 أبريل 2020، وتم استرجاعه في 23 آب 2020. https://www.albayan.ae/opinions/by-the-way/2020-04-20-1.3835934
- فهيمة رضا (2017): “فن إدارة الأزمات والتعامل معها”، من كتاب إدارة الأزمات للدكتور يوسف أحمد، مقال إلكتروني منشور عبر موقع نبأ الإلكتروني، في 21-12-2017، تم استرجاعه في 22 آب 2020. https://m.annabaa.org/arabic/ahlalbayt/13592
- كارول صباغ (2020): “لبنان يقترب من لقب بلد المليون عاطل”، مقال صحفي منشور في موقع العين الإخبارية الإلكترونية بتاريخ 22-7-2020، تم استرجاعه في تاريخ 26-آب- 2020.
https://al-ain.com/article/lebanon-million-unemployed-next-3-months
- محمود محمد العلي (2007): “التنمية الصناعية وأثرها في الاقتصاد اللبناني ما بين 1943-2003″، منشورات المركز الجامعي للتكنولوجيا، طرابلس-لبنان، ص:58
- مصطفى رعد (2020): “انفجار بيروت: رحلة الغازات السامة وآثارها الضارة على البيئة”، مقال الكتروني وارد في موقع للعلم (scientific American)، في 11 آب 2020، وتم استرجاعه في 26 آب 2020. https://www.scientificamerican.com/arabic/articles
- معجم المعاني الجامع العربي الالكتروني، تم استرجاعه في 25 آب 2020.
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8k%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9
- نواف أبو شمالة (2016): “التكامل الاقتصادي: آليات تعزيز التعاون الاقتصادي العربي”، من منشورات المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد (50)، ص:33.
- وسيم سيف الدين (2019): “حرائق هائلة تجتاح لبنان وتلامس منازلها وأنباء عن صابات”، مقال صحفي وارد عبر موقع الأناضول الإلكتروني في 15-10-2019، تم استرجاعه في 25 آب 2020. https://www.aa.com.tr/ar
- Houssem Barkaoui, Alain Guinet, Tao Wang, Nadine Meskens. (2016)) “Les plans de gestion de crises dans les pays francophones”. La 8ème conférence francophone en Gestion et Ingénierie des Systèmes Hospitaliers GISEH, Jul 2016, Casablanca, Maroc. 2016, Publication électronique au format ( pdf), récupérée le 15-2-2021.
file:///C:/Users/Al-Ain%20For%20Computer/Downloads/PlansdegestiondecriseGISEH2016.pdf
- Khaled Zamoum and Tevhide Serra Gorpe (2018): “Crisis Management: A Historical and Conceptual Approach for a Better Understanding of Today’s Crises”, Selection of our books indexed in the Book Citation Index in Web of Science™ Core Collection (BKCI), Electronic publication (pdf), Retrieved August 25, 2020, p:5-6.
[1] Houssem Barkaoui, Alain Guinet, Tao Wang, Nadine Meskens. (2016)) “Les plans de gestion de crises dans les pays francophones”. La 8ème conférence francophone en Gestion et Ingénierie des Systèmes Hospitaliers GISEH, Jul 2016, Casablanca, Maroc. 2016, Publication électronique au format ( pdf), récupérée le 15-2-2021.
[2] فهيمة رضا (2017): “فن إدارة الأزمات والتعامل معها”، من كتاب إدارة الأزمات للدكتور يوسف أحمد، مقال إلكتروني منشور عبر موقع نبأ الإلكتروني، في 21-12-2017، تم استرجاعه في 22 آب 2020. https://m.annabaa.org/arabic/ahlalbayt/13592
[3] فاطمة عبد الله الدربي (2020): “إدارة الأزمات”، مقال منشور في موقع البيان الإلكتروني، في 20 أبريل 2020، وتم استرجاعه في 23 آب 2020. https://www.albayan.ae/opinions/by-the-way/2020-04-20-1.3835934
[4] Khaled Zamoum and Tevhide Serra Gorpe (2018): “Crisis Management: A Historical and Conceptual Approach for a Better Understanding of Today’s Crises”, Selection of our books indexed in the Book Citation Index in Web of Science™ Core Collection (BKCI), Electronic publication (pdf), Retrieved August 25, 2020, p:5-6.
[5] معجم المعاني الجامع العربي الالكتروني، تم استرجاعه في 25 آب 2020.
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8k%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9
[6] نواف أبو شمالة (2016): “التكامل الاقتصادي: آليات تعزيز التعاون الاقتصادي العربي”، من منشورات المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد (50)، ص:33.
[7] جزيرة نت للدراسات، )2015): ” التنمية المستدامة”، مقال منشور عبر موقع الجزيرة الإلكتروني في تاريخ 30 -11-2015، تم استرجاعه في تاريخ 25-آب-2020. https://www.aljazeera.net/encyclopedia/conceptsandterminology/2015
[8] عبد الرحمن محمد الحسن (2011): “التنمية المستدامة ومتطلبات تحقيقها”، بحث مقدم الى مؤتمر تحت عنوان استراتيجية الحكومة في القضاء على البطالة وتحقيق التنمية المستدامة، جامعة المسيلة في 15-16\11\2011، منشور الكترونياً بصيغة (pdf) تم استرجاعه فقي 25-8-2020. https://www.researchgate.net/profile/Abdelrhman_Mohammed_Elhassan/publication
[9] حسين الطلافحة وعمر ملاعب(2017) : “من الأهداف التنموية للألفية إلى خطة التنمية المستدامة 2030: التقييم والمستجدات”، منشورات المعهد العربي للتخطيط، الكويت، العدد المائة والثامن والثلاثون، ص:14.
[10] وسيم سيف الدين (2019): “حرائق هائلة تجتاح لبنان وتلامس منازلها وأنباء عن صابات”، مقال صحفي وارد عبر موقع الأناضول الإلكتروني في 15-10-2019، تم استرجاعه في 25 آب 2020. https://www.aa.com.tr/ar/
[11] تضامن الإلكتروني: “أزمة نفايات في لبنان: من احتجاجات إلى حركة شعبية إلى انتخابات بلدية”، مقال منشور في موقع التضامن الالكتروني تم استرجاعه في 26-آب-2020. http://www.tadamun.co/
[12] محمود محمد العلي (2007): “التنمية الصناعية وأثرها في الاقتصاد اللبناني ما بين 1943-2003″، منشورات المركز الجامعي للتكنولوجيا، طرابلس-لبنان، ص:58
[13] كارول صباغ (2020): “لبنان يقترب من لقب بلد المليون عاطل”، مقال صحفي منشور في موقع العين الإخبارية الإلكترونية بتاريخ 22-7-2020، تم استرجاعه في تاريخ 26-آب- 2020. https://al-ain.com/article/lebanon-million-unemployed-next-3-months
[14] مصطفى رعد (2020): “انفجار بيروت: رحلة الغازات السامة وآثارها الضارة على البيئة”، مقال الكتروني وارد في موقع للعلم (scientific American)، في 11 آب 2020، وتم استرجاعه في 26 آب 2020. https://www.scientificamerican.com/arabic/articles
[15] الجزيرة نت(2020): “فقدوا منازلهم وتعرضوا لصدمات نفسية.. يونيسيف: أضرار كارثية لانفجار بيروت على الأطفال” مقال صحفي وارد عبر موقع الجزيرة الإلكتروني، في 7 آب 2020، وتم استرجاعه في 26 آب 2020.
https://www.aljazeera.net/news/politics/2020/8/7/%D8%A7%D8%A7-91
[16] سهى جمال (2020): “اللبنانيون… بين عزل كورونا والقحط المعيشي، بعد أيام من التعبئة العامة… صرخات المواطنين بدأت تعلو”، مقال الكتروني وارد في موقع المجلة في 27 آذار 2020، تم استرجاعه في 26 آب 2020. https://arb.majalla.com/node/83636/