فاعلية الإسهامات السوسيوثقافية للمرأة الجزائرية وتقييمها
The effectiveness and evaluation of the socio-cultural contributions of Algerian women.
ط.د معنصر مسعودة/جامعة وهران، الجزائر
PhD Student .Manser Messaouda/University OF Oran, Algeria
مقال منشور مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 73 الصفحة 83.
ملخص:ليس ثمة شك في أن الوجود المتزايد للمرأة الجزائرية في الحياة العامة يمثل أحد ركائز التغيير الاجتماعي والثقافي الذي تعيشه الجزائر منذ أكثر من خمسين سنة من استقلالها. تمثل مواكبة المرأة الجزائرية لمسار التغيير الحاصل انعكاسا لدورها وفعاليتها وإسهاماتها في مختلف الميادين. سواء تعلق الأمر بالمدرسة أو الأسرة أو العمل أو الحياة الثقافية.إن التغيرات التي لحقت بوضع المرأة الجزائرية إيجابا وسلبا ضمن رؤية تتبنى مفهوم الثقافة الواسع، الذي يعبر عن مجموع السمات الروحية، والمادية، والفكرية، والعاطفية، التي تميز المجتمعات، والتي تشمل: الفنون والآداب، وحقوق الإنسان، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات. ويتمثل دور المرأة في بناء المجتمع في تربية الأبناء وإنشاؤهم، فالأطفال هم حجر هم حجر الأساس التربوي للمجتمع ، فبدءًا من مرحلة ما قبل الولادة، تبدأ المرأة بالاهتمام بتغذية الجنين وصحته، وبعد الولادة تقوم بتربية الأطفال وتنشئتهم ، كما تزرع فيهم القيم الأخلاقية والسلوكيات الصحيحة، فالمرأة تبني الأسرة، والأسرة تبني المجتمع.
الكلمات المفتاحية : المرأة – الدور الاجتماعي – الدور الثقافي – الإسهامات- المجتمع.Abstract:
There is no doubt that the growing presence of Algerian women in public life is one of the pillars of the social and cultural change that Algeria has been experiencing for more than 50 years of its independence. The fact that Algerian women are keeping pace with the path of change is a reflection of their role, effectiveness and contributions in various fields. The changes in the status of Algerian women are positive and negative within a vision that embraces the broad concept of culture, which reflects the sum of spiritual, material, intellectual and emotional features that characterize societies, including: arts and literature, human rights, value systems, traditions and beliefs. The role of women in building society is to raise and raise children, women begin to take care of the nutrition and health of the foetus, and after birth they raise and raise children, as well as cultivate moral values and correct behaviors, women adopt the family, and the family adopts society.
Keywords: Women, Social Role, Cultural Role, Contributions, Society.
تمهيد:
المرأة هي أساس نهضة أي مجتمع، فهي النواة الأولى لقيام المجتمعات القوية المتماسكة، من خلال دورها في تربية وتنشئة الأبناء و توجيه ومساعدة الزوج في أعماله، لذلك فإن الأسرة هي أهم مؤسسة تربوية وعمود البيت هو المرأة، فإن كانت واعية لدورها ، كانت قاعدة المجتمعات صلبة وراسخة، وإن كانت سطحية منحرفة فإن قاعدة المجتمع ستكون متهالكة ستنهار سريعا وينهار معها الأبناء.
ليس ثمة شك في أن الوجود المتزايد للمرأة الجزائرية في الحياة العامة يمثل أحد ركائز التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر منذ خمسين سنة من استقلالها. تمثل مواكبة المرأة الجزائرية لمسار التغيير الحاصل انعكاسا لدورها وفعاليتها في مختلف الميادين. سواء تعلق الأمر بالمدرسة أو الأسرة أو العمل أو الحياة السياسية، إنّ أداء المرأة و تأثيرها في عملية التغيير و كذلك تأثرها به إنّما يقاس بالدور المنوط بالسياسات العمومية و بمستوى أدائها و فعاليتها[1].
منذ بداية العقد العالمي للمرأة 1985وحتى مؤتمر بكين 1996، بدأ الاهتمام العالمي بقضية تنمية المرأة وتمكينها من أداء أدوارها بفعالية مثل الرجل، والمشاركة في اتخاذ القرار في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد واكب هذا الاهتمام العالمي اهتمام كثير من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، وذلك من خلال عقد سلسلة من الندوات والمناقشات وورش العمل والمؤتمرات، كان آخرها منتدى قمة المرأة العربية بالمنامة في أبريل 2000، ومؤتمر القمة الاستثنائية للمرأة العربية بالمغرب “نوفمبر 2001″، بالإضافة إلى عدة منتديات حول المرأة والسياسة، والمرأة والمجتمع، والمرأة والإعلام، والمرأة والاقتصاد، والمرأة في بلاد المهجر، التي عقدت في عدة دول عربية[2].
تعتبر مشاركة المرأة في الحياة العامة مشاركةً كاملةً وعادلةً أمراً ضرورياً لبناء أنظمة ديمقراطية قوية ونابضة بالحياة. من هنا، أصبحت المشاركة الفاعلة للمرأة واضطلاعها بالأدوار القيادية على المستوى الوطني، والمحلي، محطّ تركيز في سياسات التنمية العالمية. ومع ذلك، قد يطرح البعض أسئلةً من قبيل ما أهمية أن تصبح المرأة فاعلا اجتماعيا وثقافيا يساهم في التنمية الوطنية بمعية الرجل. ما حاجة البلد لمزيد من النساء ليشاركن في جميع جوانب التنمية منها خاصة الاجتماعية والثقافية؟ وهل تدرّ مشاركة وإسهامات المرأة في الحياة الاجتماعية و الثقافية فوائد ملموسةً ذلك استجابة أكبر لاحتياجات التنمية الوطنية؟.
1-التمثّلات الاجتماعية والثقافية التي يعكسها حضور المرأة في الحياة العامة :
خلال الخمسين سنة التي أعقبت الاستقلال. ارتكز حضور المرأة على مسايرة التحوّلات من جهة، وعلى موقف الحكومات الجزائرية و سياساتها إزاء المرأة بشكل خاص، أي إزاء الروابط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تعكسها المشاركة النسوية و الروابط الاجتماعية بين الجنسين بشكل خاص ولا سيما فيما يتعلق بمسألة المساواة.
لا بد من الملاحظة أولا أن الدراسات و الأبحاث المتعلقة بمسألة وضعية المرأة في الجزائر قد اقترنت أولا و لفترة طويلة بوضعيتها القانونية. لقد خيّم قانون الأسرة لمدة عشريتين من الزمن على مسألة حقوقها ومكانتها داخل الأسرة والمجتمع من جهة و في الشأن العام من جهة أخرى. ومن ثمّ ارتكزت أغلب الدراسات على الجانب الحقوقي. ثانيا، عُنيت كثير من الدراسات بالجانب الاجتماعي فقد و اكبت كثير من الأبحاث التي ميزت مختلف التغيرات والأحداث الاجتماعية والاقتصادية التي عرفتها الجزائر والتي ارتبطت بشكل مباشر بالخيارات الإيديولوجية للنظام السياسي. ويمكن أخيرا، كان لتزايد الاهتمام بدراسات الجندر (التي تولي اهتماما للجانب الثقافي في دراسة الخصائص والروابط الاجتماعية بين الجنسين) في العالم ولا سيما في المحيط الأكاديمي الأثر الكبير في مواكبة عدد من الباحثين والباحثات في الجزائر لهذا الموضوع[3].
إنّ التغيير المهم الذي مسّ شؤون المرأة غداة الاستقلال قد اهتم وبشكل يبدو معبّرا عن حركية التغيير التي سعى إليها النظام السياسي، الجانب التقليدي في الحياة الأسرية والاجتماعية بشكل خاص، ولكنّ ذلك لم يتم إلاّ في مجالات محدودة جدا. والقانون الذي صادق عليه المجلس التأسيسي في 29 جوان 1963، والمعروف بقانون خميستي، مثّل واحدة من أهم المراحل التي أولت لمكانة المرأة اهتماما يتجه نحو إشراكها في الحياة العامة وإعطائها فرصة للتعليم، بإقرار القانون المذكور عدم أهلية الفتاة للزواج قبل سنة 16 عشر، اتجه اهتمام الحكومة إلى تعليم الفتيات. ارتفعت نسبة التعليم من 37 % سنة 1966 ثم إلى 92 % سنة 2008. وكان لهذا الارتفاع الملحوظ أثره الإيجابي في زيادة نسبة اليد العاملة التي تضاعفت أكثر من ثلاث مرّات في أقل من أربعين سنة ( %5,2سنة 1977إلى17.7 % سنة 2011).
رغم هذا الارتفاع تبقى هذه النسبة ضعيفة مقارنة بدول مجاورة حيث تبلغ هذه النسب 26 % في المغرب و 25 % في تونس. و لكن أهم التغيرات التي حصلت، و التي يجوز وصفها بالتطوّر الكمّي بشأن مشاركة المرأة الجزائرية تتمثّل في قطاع التعليم. ارتفعت نسبة تمدرس الفتيات ما بين 6 إلى 15 سنة من %36,90 سنة 1966 إلى 92 % سنة 2008. وبينما لم يكن عدد الطالبات الجزائريات سنة 1963 يتجاوز 420 طالبة من مجموع 2750 طالب، أي بنسبة 15 % فقط، فإن نسبة الطالبات في التعليم العالي قد ارتفعت إلى 59% في قسم التدرج مقارنة بـ 38 % لدى الطلبة من الذكور، لكن هذه النسبة تقل في قسم ما بعد التدرج لتبلغ 48 %، بينما تصل نسبة الذكور إلى 52 %. يبيّن هذا التفاوت في نسبة تسجيل الطالبات يبن القسمين (التدرج وما بعد التّدرج) أنّ هناك اتجاها أكبر لدى الفتيات المتخرّجات من الجامعة نحو الحياة العملية أو الحياة الأسرية، ولكن إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ضعف الوجود النسوي في الحياة المهنية، أمكن الاستنتاج أيضا أن نسبة النساء حاملات الشهادات الجامعية تمثّلن نسبة هامة من البطالين. يعكس هذا التناقض جانبا من التغيّرات الاجتماعية “غير المتوازنة” من حيث عاملين مهمّين هما : نسبة التمدرس و التعليم من جهة، والمشاركة في الحياة المهنية من جهة أخرى، فالتطور الكمّي إذن لا يمثل فقط جانبا إيجابيا ومهمّا عند الأخذ بعين الاعتبار مكانة المرأة الجزائرية اليوم، كما يرد ذلك غالبا في الإحصائيات المقدّمة، ولا سيما في المناسبات السنوية للعيد العالمي للمرأة، و لذلك ينبغي مراعاة هذا التناقض. إنه يمثل في حدّ ذاته أحد أكبر عناصر التفاوت في المساواة بين الجنسين.
يطرح عمل المرأة الجزائرية أيضا مشكل تقلص المجالات المتاحة أمامها في هذا الشأن، فسنة تلوى الأخرى يتجه نشاط النساء المهني إلى القطاع الإداري، ولا سيما التعليم والصّحة حيث تصل نسبة تواجد النساء إلى 63.70 %. وتتقلص نسبة النساء العاملات في التجارة و النقل و الزراعة بشكل كبير أيضا. يبرز هذا التفاوت أيضا مدى تكريس الفئوية المهنية لدى النساء العاملات بما يؤكد غياب استراتيجية إدماج فعال للنساء حاملات الشهادات الجامعية و كذلك شهادات التكوين المهني. و من المفارقات المسجلة بشأن عمل المرأة مقارنة بالرجل، يمكن الإشارة خاصة إلى أن نسبة كبيرة من النساء العاملات هن عازبات وذلك بنسبة 53 %، بينما نسبة الرجال العاملين غير المتزوجين تبلغ 29 %. تعكس هذه الملاحظة جانبا من الدينامية التي تميّز نشاط المرأة غير المتزوجة و تبيّن في الوقت ذاته أن الزواج يلعب دورا مؤثرا في النشاط المهني للمرأة بحيث يضعف نشاط النساء المتزوجات ليصل إلى 39 % بينما يقارب الـ 60 % عند الرجال المتزوجين. وهذا الحال لا يخص فقط بالمجتمع الجزائري، بل هو مرتبط في كثير من الأحيان بكل العلاقات التي تتعلق بالصراع والاندماج بين الأسرة والعائلة عندما تكون المرأة هي الفاعل، وهو مجال يستدعي البحث أكثر في الظروف التي من خلالها يتم تحديد الآثار الإيجابية والسلبية على كل امرأة فيما يتعلق بالعمل و بالأسرة[4].
إن طرح مثل هذا الإشكال في موضوع المرأة والتغيير الاجتماعي والثقافي في الجزائر يحيلنا إلى البحث في أهمية الروابط الاجتماعية والعلاقات الأسرية في تحديد مدى إدماج المرأة في الحياة الاجتماعية والثقافية ومدى نجاعة مشاركتها. وقد أشارت دراسة لفريق من الباحثين في المركز الوطني للبحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية إلى أنّ النساء الجزائريات يتأقلمن مع مختلف التغيرات الحاصلة في المجتمع، و في مختلف المستويات الاقتصادية، الاجتماعية والعائلية. ولكن ثمّة مجموعة من المشاكل تعترض المرأة الجزائرية، فحسب ذات الدراسة فإن العديد من الصّعوبات تمسّ بحياتهن وتثير شعورا من القلق لديهنّ، و يمكن حصر أهم هذه الصعوبات في الوسط المهني كالنقل و التحرّش وعدم المساواة في الأجر والترقية، ونقص دور الحضانة إضافة إلى تلك المشاكل المرتبطة بالوسط العائلي أيضا بسبب ما تتعرض إليه كثير من النساء من مختلف مظاهر سوء معاملة و عنف زوجي[5].
وقد تزايد الاهتمام العالمي بشكل ملحوظ بقضية المرأة وضرورة مشاركتها وإدماجها في عمليات المساواة، والتنمية، والسلام، منذ المؤتمر العالمي الأول للمرأة في المكسيك عام 1975 والثاني في كوبنهاجن 1980، والمؤتمر الثالث في نيروبي 1985[6]، كما بدأ ذلك واضحاً في نتائج المؤتمر الدولي الرابع للمرأة في بكين 1996 حيث أكدت نتائج وتوصيات هذه اللقاءات على بعض المصطلحات أو المناهج التي تحمل مفاهيم تنموية هامة مثل منهج التمكين للمرأة والذي يهدف إلى تعزيز صورة المرأة عن نفسها، وثقتها بقدراتها الذاتية، وقيمتها في المنزل والمجتمع .
وبالرغم من تلك المؤتمرات الدولية التي نادت بحقوق المرأة نجد حضوراً غير ملموس للمرأة في مجالات الحياة المختلفة ، وذلك بسبب العادات والتقاليد والميراث الفكري والثقافي السائد، أضف على ذلك أسباب وعوامل أخرى منها ارتفاع نسبة الأمية، وانخفاض وعي المرأة بدورها وحقوقها، فضلا عن الأعباء الثقيلة التي تقع على المرأة داخل المنزل وخارجه.
وأكدت على حق المرأة في المشاركة الفعالة في الحوار والمناقشة، والتحليل للظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المؤثرة في قدراتها ومكانتها إضافة إلى حقها في المشاركة في صنع القرارات الخاصة بها وبأسرتها، وحقها في التوعية والتدريب، لتصبح عاملاً فاعلاً في المجتمع بهدف تحقيق العدل والمساواة بمفهومها الشامل وعلى المستويات كافة .
2-أهمية دور المرأة:
تميزت المرأة بمشاركتها في العديد من المجالات عبر العصور، حيث لعبت العديد من الأدوار سواء كانت كاتبة أو شاعرة أو فنانة أو غيرها من المهن في كافة المجالات، بالإضافة إلى أنها أم عظيمة قادرة على تحمل مسئولية بيتها بشكل ممتاز.
إن للمرأة دورا وأثرا في التربية ، فتعتبر المرأة الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية وهي التي تغرس لدى الطفل المعايير التي يتحكم من خلالها في ما يتلقاه فيما بعد من سائر المؤسسات في المجتمع ، فهو حينما يغدو إلى المدرسة ينظر إلى أستاذه من خلال ما يتلقاه في البيت من تربية وهو يختار زملاءه في المدرسة من خلال ما نشأ عليه داخل أسرته , ويقيم ما يسمع وما يرى من مواقف تقابله في الحياة من خلال ما غرسته لديه أمه خاصة , وهنا يكمن دورها وأهميتها وخطرها في الميدان التربوي.
كذلك لا ننسى دور الأم المهم في مرحلة الطفولة المبكرة فهي مهمة لتنشئة الطفل ، ودور الأم فيها اكبر من غيرها ، ففي مرحلة الرضاعة هي أكثر من يتعامل مع الطفل ، وليس الأمر فقط تأثيرا طبيا أو صحيا ، وإنما لها أثار نفسية أهمها إشعار الطفل بالحنان والقرب الذي يحتاج إليه ، ولهذا يوصي الأطباء الأم أن تحرص على إرضاع الطفل ، وأن تعتني به وتقترب منه حتى لو لم ترضعه . فالمقصود هنا أن الأم تتعامل في هذه المرحلة مع طفلها أكثر مما يتعامل معه الأب ، وفي هذه المرحلة بالذات سوف يكتسب العديد من العادات ، ويكتسب السلوك الذي يصعب تغييره في المستقبل ، وهنا تكمن خطورة دور الأم فهي البوابة على هذه المرحلة الخطرة من حياة الطفل فيما بعد [7].
2-1-مساهمة المرأة في التنمية الثقافية:
عرفت د. نادية جمال الدين الدور بأنه مجموعة من الصفات والتوقعات المحددة اجتماعياً والمرتبطة بمكانة معينة . والدور له أهمية اجتماعية لأنه يوضح أن أنشطة الأفراد محكومة اجتماعياً ، وتتبع نماذج سلوكية محددة ، فالمرأة في أسرتها تشغل مكانة اجتماعية معينة ، ويتوقع منها القيام بمجموعة من الأنماط السلوكية تمثل الدور المطلوب منها[8] .
وتمثل الدور الثقافي للمرأة في قدرتها على تقييم ما تتلقاه من معارف ومعلومات من وسائل الإعلام المختلفة بما يدعم دورها في معايشة قضايا العصر والانفتاح على العالم الخارجي ، ويلعب التعليم دوراً هاماً في هذا المجال حيث أنه كلما نالت المرأة قسطاً أكبر من التعليم كلما كانت أكثر فهماً وإدراكاً ومقاومة للإيحاءات السلبية التي قد ينقلها الاتصال بالعالم الخارجي .وبالنسبة للمرأة فالدور المعياري لها كامرأة وزوجة وأم ، أي الدور الذي يتوقعه منها القيام به ، يتفق اتفاقاً كبيراً مع دورها الفعلي إن لم يتطابق معه .
يرجع اهتمام المجتمع بالدور والثقافي للمرأة إلى إيمان أفراده بالبيئة التي يعيش فيها الطفل في السنوات الأولى من عمره، وعلى نموه مستقبلاً، فالمرأة تلعب دوراً رئيساً في تنمية الموارد البشرية الصغيرة، فالأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى لتربية الطفل وتنشئته، فيها يوضع حجر الأساس التربوي حيث يكون الطفل عجينة طيعة يتقبل التوجيه ويتعوده ويلتقط ما يدور حوله من صور وعادات وتقاليد وثقافة البيئة التي يعيش فيها، ويتعلم مبادئ الحياة الاجتماعية والمعارف والعادات الصحية السليمة[9].
ورعاية المرأة لأبنائها تبدأ قبل ميلادهم، وذلك من خلال اختيارها التغذية السليمة المتكاملة التي تفيد صحتها أثناء الحمل والرضاعة، وذلك وقاية وحماية للأطفال، حتى لا يتعرضون في هذه المرحلة إلى تأخر النمو أو قلة الحيوية ونقص المناعة، وزيادة القابلية للأمراض المعدية، ليعيشوا رجالاً أصحاء أقوياء.
وتنمي المرأة طاقات أبنائها عن طريق إشراكهم في ممارسة الرياضة، وكذلك تنمية الوعي الفكري والثقافي لديهم، وتوعيتهم أخلاقيا وسياسياً حتى لا يقعوا فريسة لموجات التطرف، وترسخ فيهم القيم والسلوك والعادات الإسلامية المطلوبة، وهذه التنمية والتربية تقوم على أساس أن كل ما يتلقاه الطفل من عناية ورعاية وتنمية في السنوات الأولى من عمره يشكل أقصى حد ما سيكون عليه عند بلوغه. ودور المرأة لا ينحصر في ذلك فقط بل يتعداه إلى ما تقوم به من أعمال الاقتصاد المنزلي الخاصة بترتيب المنزل وتنظيفه، وتصنيع الغذاء، وتوزيع دخل الأسرة على بنود الإنفاق المنزلي، كما أنها في بعض الأحيان تتحمل المسؤولية كاملة في حالة غياب الزوج أو وفاته، هذا بالإضافة إلى عملها خارج المنزل[10].
وتعتمد درجة إسهامات المرأة الثقافية على مدى الخدمات المقدمة من المجتمع التي تساعدها على القيام بهذه الأدوار، وتتمثل في منشآت للخدمات الاجتماعية كالوحدات الاجتماعية، ودور الحضانة، ومراكز التدريب والتكوين المهني، ومكاتب التوجيه والاستشارات الأسرية، ومراكز الخدمات الصحية المتمثلة في المستشفيات العامة ومستشفيات الولادة، ومراكز رعاية الطفولة والأمومة، والمستوصفات، ومراكز تنظيم الأسرة، ومنشآت الخدمات الثقافية من وسائل الإعلام، والمكتبات، والأندية الرياضية والاجتماعية.[11]
فإذا كان المجتمع يريد الاستفادة من مساهمة النساء كاملة في التنمية، فعليه أن يساعدهن على أداء دورهن بالإعداد والإجراءات التي تساعدهن على تحمل مسؤوليتهن، ويتضمن هذا الإعداد إلمامهن بالمعلومات الكافية في النواحي الصحية والثقافية والبيئية، كما يتضمن هذا الإعداد تنمية مهاراتهن على استخدام هذه المعلومات في كل نواحي الحياة، وتدعيم اتجاهاتهن، وإيمانهن بأهمية دورهن في تنمية مجتمعهن وتنمية الوعي الثقافي لديهن لتتعرفن على ما يدور حولهن في العالم المحلي والخارجي، ولتعرفن حقوقهن وواجباتهن، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق المزيد من الخدمات التعليمية والبرامج الثقافية المقدمة للمرأة.
2-2-الدور الاجتماعي للمرأة:
تُعتبر الأسرة هي الركن الأساسي في تكوين أي مجتمع وتحكُم الروابِط الاجتماعية فشخصيّة الفرد تتكوّن في الأساس منذ صغره فإذا كانت تربيته سليمة والبيئة التي تربى فيها صحية خالية من المشاكِل فيخرج فرداً طبيعيّاً محباّ للحياة الاجتماعية بينما البيئة التي تفتقر إلى التربية الرصينة فإنّ أفرادها في الغالب يُعانون من مشاكِل في التواصُل مع الآخرين مما يضع المرأة أمام حتمية تحمل مسؤولية الدور الذي يساهم في بناء المجتمع[12].
حرمت بعض النّساء من حقّ التّعليم في الماضي وذلك لاعتقاد المجتمع بأنّها ليست بحاجة إلى شهادة تعليمية ويكفيها أنْ تتعلَّم القراءة والكتابة أو أنّها بتعلُّمها تأخذ دوراً لا يحقّ لها فالرّجل في نظرهم أحقُّ أنْ يَكون متعلّماً ومثقّفاً وناجحاً في حياته العمليّة ولكن من يقوم بتربية الأولاد ومن يسهر اللّيالي محاولاً تدريسهم. ومن يشقى ويتعب لِغرس القيم والمبادئ والأخلاق فيهم؟ لا نَغفل هنا دور المرأة غير المتعلّمة ولا نقلّل من شأنها فالله سبحانه وتعالى زَرَع فيها من الحبّ والحنان والخوف على أولادها ما يلزمها لرعايتهم والاهتمام بهم أحسن اهتمام فهي بحبّها تحرص على أن لا يُصيبهم أيّ مكروه وتحاول جاهدةً أنْ تُؤمّن لهم من سُبُل الحياة بما يضمن مُستقبلاً واعداً ومشرقاً لهم سواءً من النّاحية الاجتماعية أو من النّاحية التعليمية وتطمح كل أم ّ إلى أنْ يعيش أبناؤها حياةً أفضل من حياتها وأنْ توصلهم لِمراتبَ أعلى ممّا كانت تحلم به[13].
سواءً أكانت المرأة متعلّمة أو غير متعلّمة فهي أساسُ هذا المجتمع ومن واجبنا أنْ نعتني بها ولا نقلّل من قيمتها فمن دونها فسدت المجتمعات ولم تكن لِتظهر الفئة العُظمى من المفكّرين والمبدعين والقادة فهي التي تَحرص على النّهوض بهم وتوفير سبل الرّاحة والفرص لهم.
انتهج النظام السياسي الجزائري بعد الاستقلال استراتيجية تنموية، كان الهدف من ورائها هدم البنى الاجتماعية والاقتصادية القديمة وإقامة بنى حديثة اعتبرها القائمون على هذه الاستراتيجية أكثر رشاده وعقلانية. وعلى اثر ذلك سعت الدولة لترقية المرأة وتحسين وضعها وإزالة كل العقبات التي حالت دون وصولها إلى المراتب التي تستحقها في مختلف المجالات، وهذا انطلاقا من أن الاهتمام بوضعية المرأة يشكل إحدى مؤشرات التطور في أي مجتمع، فلا يمكن الحديث عن مجتمع حديث أو عصري، ما لم تتمتع فيه المرأة بمكانتها الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وتتحقق فيه مكانتها الإنسانية[14].
فمجتمع في اتجاه التحديث هو مجتمع يولي أهمية كبرى لوضعية المرأة من أجل إدماجها في عملية التنمية، من حيث التعليم وتوفير سبل الرعاية الاجتماعية ودعم مشاركتها في المجتمع على كافة المستويات.
وكنتيجة لذلك، شهد عمل المرأة تطورا كبيرا، وهذا يشكل انعكاسا طبيعيا لتطور وضعها التعليمي، فقد تعزز وجود المرأة في مختلف أوجه النشاط في قطاع الوظيف العمومي والقطاع الاقتصادي، وفي تقلد المسؤوليات واحتلال مراكز السلطة والقرار، وهو ما تعكسه المعطيات الإحصائية والمؤشرات الآتية:
–الوظيف العمومي: بلغ عدد النساء العاملات في الوظيف العمومي 607 160امرأة أي بنسبة 31,8% من العدد الإجمالي.
–التربية والتعليم: يعتبر قطاع التربية والتعليم إلى جانب قطاع الصحة والقضاء من أكبر المجالات التي استقطبت المرأة الجزائرية، حيث بلغت نسبة المعلمات والأستاذات 53% من مجموع هيئة التدريس .إضافة إلى ذلك يمثل تمدرس الفتيات نسبة 49,27 % (في الابتدائي والمتوسط والثانوي). ويمثل التأطير في قطاع التربية تقريبا 62 % من النساء.
-قطاع الصحة: يمثل التأطير النسوي في قطاع الصحة65%.حيث بلغت نسبة النساء 54% من مجموع الموظفين في مجال الطب التخصصي و73% في الصيدلة.
–قطاع القضاء: بلغ عدد النساء القاضيات 957 من مجموع 2897 قاضيا سنة 2004، أما حاليا فقد عدد النساء القضاة 2064 قاضية بنسبة 41,41 % من العدد الإجمالي .أما مناصب المسؤولية فقد تقلدت المرأة منصب رئيس مجلس الدولة ، ورئاسة مجلس قضائي إضافة إلى 29 منصب رئيسة محكمة. كما دخلت المرأة مجالات كانت حكرا على الرجال دون غيرهم، فحسب إحصائيات 1999 بلغ عدد النساء في منصب محضر قضائي 84 امرأة بنسبة 9 %، في منصب محافظ بيع بالمزاد العلني وفي منصب ترجمان رسمي 82 امرأة بنسبة %54[15].
–المجال العسكري: انخرط في المجال العسكري عدد كبير من النساء، خاصة في المجال الصحة العسكرية، الإدارة والدرك الوطني. وتقلدت رتبا عليا في المؤسسة العسكرية كان أعلاها رتبة جنرال وهي سابقة في تاريخ الجزائر المستقلة.
–مجال الأمن الوطني: لقد تعزز عدد النساء في مجال الأمن الوطني، فبعد توقف توظيف النساء لفترة طويلة بعدما انطلق في بداية السبعينات، تم من جديد فتح المجال لهن، من خلال توظيف سنوي في مختلف الرتب، وقد بلغ عدد الشرطيات 9700 شرطية سنة 2011 من بينهن 7300 عون للأمن العمومي و369 حافظة للأمن العمومي، فيما بلغ عدد مفتشات الشرطة 1086 مفتشة وعدد الضابطات 634، و129 محافظة شرطة و 22 عميدة شرطة، كما توجد 5 نساء في رتبة عميد أول للشرطة.
–المجال السياسي: لقد حققت المرأة الجزائرية عددا من المكتسبات على الصعيد السياسي، حيث تكرست مشاركتها في المجالس المنتخبة المحلية والتشريعية، ومنذ مجيء الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم أحدث تعديلات جوهرية في القوانين المتعلقة بالأسرة والمرأة والطفولة، ففي عام 2008 أقر في التعديل الدستوري مبدأ ترقية المشاركة السياسية للمرأة، وتم بموجب هذا المبدأ تعديل قانون الانتخابات، الذي أقر تمثيلا نسبيا للمرأة في المجالس المنتخبة بـ 30%. وسمح ذلك ببلوغ عدد كبير من النساء مقاعد البرلمان، حيث تشغل النساء145 مقعدا في البرلمان من أصل 462 مقعدا، بنسبة 31.6%، وهي نسبة كبيرة مقارنة مع نسبة 7% في البرلمان السابق. وبذلك أصبحت الجزائر تتصدر تصنيف الدول العربية في تمثيل النساء في البرلمان، قبل تونس التي تحتل المرتبة 34 عالميا بنسبة 26.7 بالمائة، ثم العراق في المرتبة 38 بنسبة 25.2 % والسودان في المرتبة 41 بنسبة 24.6% ، ثم موريتانيا في المرتبة 55 بنسبة 22.1 %. كما سمح التصنيف الجديد باحتلال الجزائر مراتب متقدمة مقارنة بعدد من الدول الغربية، مثل فرنسا التي تحتل المرتبة 69.
–المجال الاقتصادي: حسب المؤشرات الإحصائية بلغت نسبة المساهمة الفعلية في النشاط الاقتصادي للنساء المشتغلات 1.904.000 بـنسبة % 17,6 من العدد الإجمالي للسكان المشتغلين الذين يقدرون بـ10.788.000 . وكانت تقدر هذه النسبة بـ % 5 سنة 1977 و% 8,1 سنة 1987[16].
من خلال ما تقدم، يتضح لنا جليا أن المرأة الجزائرية اقتحمت بقوة مختلف أوجه النشاط في المجتمع، فاتسعت بذلك مشاركتها في الحياة العامة وفي مراكز السلطة واتخاذ القرار، وهو ما يعكس تطور مكانتها الاجتماعية وتحسن ملحوظ في وضعها الاجتماعي. ونستنتج من خلال التغيرات التي تم رصدها في عالم المرأة في مجال التعليم والعمل وكذا المنظومة القانونية، أن الفعل التحديثي للدولة استطاع أن يحقق المساواة النسبية بين الرجل والمرأة في المجتمع الجزائري خارج المنزل بفعل ديمقراطية التعليم وإلزاميته، قوانين العمل، الانتخابات، الجنسية. وكذا داخل المنزل بفعل قوانين الأحوال الشخصية، وكل ذلك له انعكاسات على التغير القيمي لجهة المساواة.
3-تطور الأوضاع الاجتماعية والثقافية للمرأة في بلدان العالم النامية :
منذ العقد العالمي للمرأة (1975-1985)، بدأت الحكومات تهتم بأوضاع المرأة في كافة المجالات وتعمل على تحسينها، وتمكين المرأة من المشاركة الفعالة في جميع مجالات الحياة، واستهدفت العقود الماضية في معظم البلدان الإسلامية التوسع في نطاق الخدمات الاجتماعية ومرافق البنية الأساسية وتوسيع نطاق التماسك الاجتماعي والمزيد من التحسينات في كافة جوانب الرفاه الاجتماعي.[17]
وبذلت الحكومات المركزية في معظم هذه البلدان جهوداً كبيرة لتوسيع نطاق حصول جميع الأطفال على خدمات التعليم الأساسي، كما وسعت في الوقت نفسه فرص الحصول عليه بالمجان لجميع الأطفال، وعملت على رفع مستوى تعليم البنات لإيمان هذه المجتمعات أن تعليم البنات هو الاستثمار الوحيد الأكثر فاعلية سواء عملت المرأة خارج البيت أم لم تعمل، فهو يعود بمجموعة من المنافع الإيجابية على أفراد الأسرة وتحسين أوضاعها الصحية والغذائية، وتحسين فترات الحمل والولادة، وتخفيض معدلات وفيات الأطفال وإصابتهم بالأمراض، بالإضافة إلى تحسين مستوى تعليم الأطفال، ويؤكد هذا تقرير التنمية البشرية لعام 2000، فهو يركز على الصحة والتغذية والتعليم لا لقيمتهما فحسب، بل أيضاً لتأثيراتها الإيجابية المباشرة وغير المباشرة على رأس المال البشري والإنتاجية والقدرة على المشاركة والتفاعل الاجتماعي. ولنتأمل تأثيرات التعليم، فالعنف المنزلي لا يتأثر بعدد سنوات الزواج أو عمر المرأة وترتيبات المعيشة أو تعليم الزوج، وإنما تتأثر بتعليم المرأة، فقد لوحظ في الهند إذا كانت المرأة قد نالت تعليماً ثانوياً فإن معدل حدوث هذا العنف ينخفض بأكثر من الثلثين.
ولقد حققت البلدان النامية ومعظمها من دول العالم الإسلامي الكثير فيما يتعلق بالغذاء والصحة والتعليم، ففي الفترة من عام 1980 إلى عام 1999 انخفضت نسبة سوء التغذية ونسبة الأطفال ناقصي الوزن من 37% إلى 27%، وخلال الفترة نفسها انخفض معدل الوفيات بين الأطفال بأكثر من 50%، فبعد أن كانت 168 حالة لكل ألف مولود أصبحت 93 حالة. وخلال الفترة من 1970 إلى عام 1999 زادت نسبة من يحصلون على مياه صالحة للشرب في المناطق الريفية في العالم النامي أكثر من أربع مرات، إذ ارتفعت من 13% إلى 71%..واهتمت مصر بصحة المرأة وتبنت مفهوم الصحة الإنجابية، وكان هذا بناء على توصيات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بالقاهرة 1994 الذي نص على أن مبادئ المساواة بين الجنسين، وحق المرأة في الصحة الإنجابية حيويان للتنمية البشرية[18].
ويعني مفهوم الصحة الإنجابية تقديم الخدمات التي تحتاجها المرأة بين فترات الحمل والولادة، مع الاهتمام بالصحة النفسية والاجتماعية للمرأة، وهذا المفهوم يتجاوز مرحلة العمر الإنجابي ويبدأ بالطفولة ويستمر إلى المراهقة والشباب والنضج وحتى بعد انقطاع الدورة الشهرية للمرأة، وبذلك أصبحت المرأة في مصر هدفاً لمجموعة من المساعدات والخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية في فترات عمرها المختلفة وأثناء الحمل والولادة وما بينهما، وانعكس هذا الوضع على تونس أيضاً فهي من بلدان شمال أفريقيا بالغة الاهتمام بالنهوض بالمرأة. وتجاوبت إيران مع قضايا العصر ووافقت على تنفيذ برامج واسعة لتحديد النسل في سبيل بناء دولة عصرية، وفرضت على كل المقبلين على الزواج من الجنسين ابتداء من عام 1994 ضرورة الانتظام في محاضرات ودروس تنظيم الأسرة قبل الزواج، وأصدرت فتوى تبيح تنظيم الأسرة وتعقيم النساء والرجال للحد من النسل، وحدّت من الزواج المبكر للفتيات[19].
وبالنسبة للخدمات التعليمية، فقد انخفضت الأمية في الدول النامية بحوالي النصف، حيث زاد معدل معرفة القراءة والكتابة بين البالغين بمقدار النصف : من 48% في عام 1970 إلى 72% عام 1998، وزادت نسبة القيد الصافية في المرحلتين الابتدائية والثانوية معاً من 50% عام 1970 إلى 72% عام 1998.
وفي مصر ارتفعت نسبة القيد الصافي للصف الأول الابتدائي من 75.12% عــام 92/1993 إلى 86.81% عام 98/1999، وكانت نسبة القيد للإناث 45.7% عام 92/1993، وارتفعت إلى 48% لعام 98/1999، أي أن نسبة الملتحقات من الإناث بالصف الأول تقترب من نسبة تمثيل الإناث في المجتمع المصري 49% تقريباً حسب إحصاء عام 1996.وهذا يعد أحد المؤشرات الهامة الدالة على تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية وأن قضية النوع في التعليم أوشكت على الانتهاء.
أما بالنسبة للإناث البالغات، فقد انخفضت الأمية بينهن من 61.8% عام 1986 إلى 43.4% عام 1999.
وفي عام 1998 كانت إيران واحدة من 10 دول في العالم تخلصت من الفجوة الخطيرة في الفرق بين تعليم الأولاد والبنات، ووجدت 95% من البنات أماكن لهن في المدارس الابتدائية والإعدادية، وبلغت نسبة طالبات الجامعة حوالي 40% من حجم الطلبة في التعليم العالي، واقتصرت 30% من الكليات على البنات فقط[20].
وتـشير أيـضاً إحـدى الـدراسات عـن تنظـيم الأسـرة وسلطة المرأة في المجـتمع الحضـري بالمـملكة العربية السـعودية إلـى أن المـرأة فـي المجتمعات العـربية تتمـتع بسلـطة غيـر رسـمية، وأنها تمــارس سيطرة قوية على قرارات أقاربها الأقـربين بالنسـبة لشـؤون الزواج، وقد عزز هذه السلطة غير الرسمية للمرأة في الأسـر موضع الدراسـة، سـفرها المـتكرر للخارج، وإقامتها الطويلة بعيداً عن الوطن ودراسة أبنائها بالمدارس الأجنبية. أما الكويت فتمثل مكانة الصدارة بين بلدان الخليج فيما يتعلق بالحرية والمكانة الاجتماعية التي تتمتع بها المرأة.
أما المرأة في منطقة شمال إفريقيا (تونس والجزائر والمغرب) فقد اكتسبت قدراً من السلطة داخل إطار الأسرة، وذلك نتيجة لدخول المرأة مجال العمل خارج البيت، ولاستقلالها الاقتصادي، وقد أسفر هذا عن تغير في الأوضاع الاجتماعية والثقافية للنساء[21].
4-التحديات القائمة أمام المشاركة الفعلية للمرأة الجزائرية في عملية التنمية:
لقد أصبحت المرأة الجزائرية شريكا للرجل في دفع عجلة التنميــة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك بفضل تواجدها في شتى مواقع العمل والإنتاج والإبداع والخدمة وفي دوائر اتخاذ القرار. إلا أنها تواجه تحديات صعبة، لا بد من تجاوزها حتى تكون في مستوى الدور المنتظر منها في عملية التنمية، هذه التحديات تتمثل في:
1-إذا ما تأملنا أوضاع المرأة العاملة في الجزائر، نلاحظ وجود العديد من الشواهد الواقعية، التي تؤكد على وجود توجه نحو تغليب البعد الحقوقي على البعد الإلتزامي، ففي حالات عديدة نجد المرأة تطالب بمزيد من الحقوق، وفي نفس الوقت تحاول التهرب من أداء الواجبات والالتزامات بحجة نوعها الاجتماعي، وهو ما يتنافى والمناداة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، ومن أبرز هذه الشواهد:
-رفض العديد من الصيادلة الالتزام بالمناوبة الليلية، بحجة أن أكثر من 80 % من مستخدمي القطاع، هم من النساء، وهو المشكل الذي طرحته النقابة الوطنية للصيادلة الخواص على الوزارة الوصية من أجل تأجيل العمل الليلي واقتصار المناوبة على أيام العطل والأعياد، مستندة في ذلك إلى قانون العمل الذي لا يجبر المرأة على العمل خلال الفترات الليلية، ويترتب على هذا الإخلال بالواجب، المساس بمصالح المرضى، ومن ثمّة بروز مشاكل صحية كبيرة في حالات الضرورة القصوى.
-اختلال التغطية الصحية بالعديد من ولايات الجنوب، وحدوث عجز كبير في تخصّصات عديدة، نتيجة بروز إشكالية الخدمة المدنية والعمل بولايات الجنوب بسبب رفض عدد كبير من الإطارات الطبية النسوية التنقل إلى الولايات الداخلية والجنوبية للعمل هناك، في إطار الخدمة المدنية. وقد أصبح هذا الأمر مطروح بحدة في السنوات الأخير خاصة، إذا علمنا بأن أكثر من 80 % من ممارسي الصحة من النساء.
-تشير العديد من الدراسات، إلى أن فئة العاملات في العديد من المؤسسات لا يرغبن في متابعة تربصات والمشاركة في الندوات والملتقيات التي تنظم في أماكن بعيدة عن مقر سكنهن، وذلك لالتزامات ﺃسرية وأسباب عائلية. مما يؤثر سلبا على مستوى تأهيل وكفاءة العديد منهن، انطلاقا من كون الهدف النهائي للتكوين هو الوصول لتحسين قدرات الفرد ومهاراته، وبالتالي رفع قدرته على التحكم أكثر في العمل.
-وهذا ما أشار إليه تقرير التنمية البشرية العربي لعام 2002، والذي اعتبر نقص تمكين المرأة من أحد أهم أسباب المشاكل التي تواجه التنمية في البلدان العربية، والتي هي بحاجة لكل طاقاتها البشرية. ويعكس الواقع أن وضع المرأة العربية العاملة ما يزال بعيدا كل البعد عن الوضع الأمثل لاستخدام الرصيد البشري العربي وهو الشرط الأساسي لانطلاق التنمية الشاملة.
-هناك توجه لدى النساء العاملات في العديد من القطاعات، لاسيما الأجهزة النظامية، للاستفادة أكثر من الامتيازات المهنية، وتجنب قدر الإمكان الاكراهات والالتزامات المهنية التي تفرضها المهنة، كالتحويلات خارج ولاية الإقامة، العمل الليلي، والمشاركة في المهام الخطيرة، الأمر الذي يخل بالموازنة بين الحقوق والواجبات، ويكرس المساواة مع الرجل إلا في جهة الحقوق.
2-إن المبالغة والارتجالية في التوجه نحو تمكين المرأة استجابة للضغوط الممارسة من طرف الحركة النسائية المطالبة بتحسين وضعية المرأة، يمكن أن يؤدي إلى نتائج وخيمة ويولد انزعاج وعدوانية لدى الرجال، ففي حالات عديدة نجد فئات من النساء يرتفعن في السلم والمكانة الاجتماعية إلى القمة وبسرعة فائقة دون وجود قاعدة موضوعية تبرر ذلك، مما قد يؤدي إلى تراجع قيم العمل والأداء والفعالية والكفاءة والامتياز….إلخ، وهي عناصر قيمية أساسية لقيام مجتمع مؤسس على الاستغلال الرشيد لموارده البشرية.
3-إن الإفراط في المساواة بين الرجال والنساء والاندفاع نحو تعزيز حقوق المرأة تحت ضغط الحركات النسوية، قد تؤدي إلى ظهور أشكال جديدة من العلاقات تهدم قيما وتركيبات اجتماعية مهمة جدا كالأسرة على غرار قانون تجريم العنف ضد المرأة الذي يراه البعض مخالفا للشريعة الإسلامية ومنافيا لقيم المجتمع الجزائري[22].
خاتمة:
برزت المرأة في عصرنا هذا ولعبت أدواراً عديدة فظهرت كقائدة لبلادها والمرأة الطّبيبة والمرأة المعلّمة وأخذت دوراً حتى في مجالات الحِرف اليدوية الّتي عُرفتْ بأنّها من قوة الرّجال ولكنّها برعت في كلِّ دور لعبت فيه وستُبدع أكثر وأكثر إذا آمن المجتمع بها وأعطاها من الفرص ما أعطى للرّجل فلها الحقّ في البحث عن ذاتها وممارسة المهنة الّتي تُناسبها تماماً كحقّ الرّجل. فالمرأة شريكا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية وتطوير المجتمع، فلا يمكن أن نحقق أي تقدم فعلي دون إشراك المرأة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، كيف لا والمرأة تشكل نصف سكان الجزائر، وهو ما شكل أحد أهم الدوافع التي جعلت من انخراطها داخل المجتمع بشكل فعلي أمرا ملحا، على اعتبار أنه لا يمكن لهذا المجتمع أن يحقق قفزة نوعية في مجال التنمية ونصفه مشلول.كما يمكن القول أن إدماج المرأة في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية السياسية للدولة وترقية دورها، يرتبط بتمكينها الفعلي في التنمية، بشكل لا يتعارض وخصوصية المجتمع ونسقه القيمي، وهذا انطلاقا من أن أدوار الرجال والنساء تختلف من ثقافة إلى أخرى.
قائمة المراجع:
1- السويد محمد: مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دط ، 1990.
2- بورغدة وحيدة: “المشاركة السياسية للمرأة العربية ،الجزائر :حالة الجزائر”، المجلة العربية للعلوم السياسية ، العدد 36، الجزائر ، 2012.
3- حسن محمد بيومي علي : الاتجاهات النفسية للشباب السعودي نحو عمل المرأة في المجتمع ، جامعة الملك عبد العزيز، جدة ، دط ، 1978.
4-علي مانع : جنوح الأ حداث والتغير الاجتماعي في الجزائر المعاصرة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، دط، 1996.
4-فتحي بالحاج: المرأة رهان للحداثة العربية، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، على لموقع:http://www.mokarabat.com/s6656.htm بتاريخ: 24-06-2020.
5- شلوفي فريدة : المرأة المقاولة في الجزائر ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة قسنطينة ، الجزائر، 2009.
6–Khodja, S: Nous les algériennes la grande solitude, Alger, Éditions Casbah, Alger,2002.
[1]– حسن محمد بيومي علي: الاتجاهات النفسية للشباب السعودي نحو عمل المرأة في المجتمع ، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، دط، 1978،ص 31.
[2]– بورغدة وحيدة، :”المشاركة السياسية للمرأة العربية ،الجزائر :حالة الجزائر”، المجلة العربية للعلوم السياسية ،2012، الجزائر، العدد 36، ص 2.
[3]-Khodja, S : Nous les algériennes la grande solitude, Éditions Casbah, Alger,2002, p166.
[4]-بورغدة وحيدة: “المشاركة السياسية للمرأة العربية ،الجزائر :حالة الجزائر”، المجلة العربية للعلوم السياسية ،2012، الجزائر، العدد 36،ص ص 44-59.
[5]-Khodja, S : Nous les algériennes la grande solitude, Éditions Casbah, Alger,2002,p68.
[6]– السويد محمد: مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دط ، 1990.ص 13.
[7]-علي مانع : جنوح الأحداث والتغير الاجتماعي في الجزائر المعاصرة ، ديوان المطبوعات الجامعية ، الجزائر، دط، 1996، ص 75.
[8]-شلوفي فريدة :المرأة المقاولة في الجزائر ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة قسنطينة ، الجزائر ، 2009، ص 23.
[9]-بورغدة وحيدة : المشاركة السياسية للمرأة العربية ،الجزائر :حالة الجزائر”، المجلة العربية للعلوم السياسية ،2012، الجزائر، العدد 36، ص 60.
[10]-Khodja, S : Nous les algériennes la grande solitude, Éditions Casbah, Alger,2002,p169
[11]-حسن محمد بيومي علي: الاتجاهات النفسية للشباب السعودي نحو عمل المرأة في المجتمع ، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، دط ،1978،ص23.
[12]-السويد محمد: مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دط ، 1990،ص31.
[13]-شلوفي فريدة : المرأة المقاولة في الجزائر ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة قسنطينة ، الجزائر ، 2009،ص 25.
[14]-Khodja, S : Nous les algériennes la grande solitude, Éditions Casbah, Alger,2002,p175
[15]-شلوفي فريدة : المرأة المقاولة في الجزائر ، رسالة ماجستيرغير منشورة ، جامعة قسنطينة ، الجزائر ، 2009،ص ص 46-48.
[16]– بورغدة وحيدة: المشاركة السياسية للمرأة العربية ،الجزائر :حالة الجزائر”، المجلة العربية للعلوم السياسية ،2012، الجزائر، العدد 36 ، ص ص 63-66.
[17]– السويد محمد: مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري ، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دط ، 1990،ص 84
[18]– شلوفي فريدة : المرأة المقاولة في الجزائر ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة قسنطينة ، الجزائر ، 2009، ص ص 50-59.
[19]-فتحي بالحاج: المرأة رهان للحداثة العربية، مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية، على الموقع :http://www.mokarabat.com/s6656.htm بتاريخ: 24-06-2020.
[20]-Khodja, S : Nous les algériennes la grande solitude, Éditions Casbah, Alger,2002, pp 176-178.
[21]– شلوفي فريدة : المرأة المقاولة في الجزائر، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة قسنطينة ، الجزائر ، 2009. ص 65.
[22]– شلوفي فريدة : المرأة المقاولة في الجزائر ، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة قسنطينة ، الجزائر ، 2009.، ص ص 82-86.