قيم المواطنة في المنهاج التربويّ التونسيّ بين التصوّر والممارسة من وجهة نظر عيّنة من مدرّسات ومدرّسي التربية المدنيّة
The Values of Citizenship in the Tunisian Educational Curriculum between Visualization and Practice from the Point of View of a Sample of Teachers in Civic Education
د. محمّد بالرّاشد/جامعة جندوبة، تونس
Dr. Mohamed BERRACHED, University of Jendouba-Tunisia
مقال منشور مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 73 الصفحة 25.
ملخص :
تتميّز تجربة التربية على المواطنة في تونس باعتماد مقاربة أفقيّة تجعل من هذه التربية مسألة تهمّ مختلف الموادّ الدّراسيّة. إلا أن هذا التوجّه صاحبه إفراد التربية المدنيّة بموقع خاص جعلها بمثابة قاطرة المنظومة التربية التونسيّة في التربية على المواطنة. ومن هنا يكون من المفيد أن تناول واقع نقل قيم المواطنة وتجذيرها لدى المتعلّمين من وجهة نظر أحد الفاعلين التربويّين (عيّنة من أساتذة التربية المدنيّة) بغية الوقوف على نقاط القوّة والضعف في هذه التربية أو بالأصحّ على العلاقة بين التصوّر النظريّ الذي يرسمه المنهاج والممارسة الفعليّة واليوميّة في الوسط التربويّ ذلك أنّ نجاح توطين ثقافة المواطنة في مجتمع تونسيّ قيد التحوّل نحو الديمقراطيّة، يمرّ حتما عبر سدّ الفجوة بين الأسّ النظريّ والتحقيق العمليّ في مختلف المجالات وبالتحديد في ميدان التربية وعلى وجه خاص في التربية على المواطنة.
الكلمات المفتاحية: المواطنة، قيم المواطنة، التربية المدنيّة، المنهاج.
Abstract :
The experience of citizenship education in Tunisia is characterized by the adoption of a horizontal approach that makes it cross-curricular. However, this approach was accompanied by an endeavor to offer civic education a unique position, as it was the locomotive of the system for education on citizenship. Hence, it is useful to address the validity of transmitting the values of citizenship and its roots to learners from the position of one of the educational actors (professors of civic education) in order to understand the strengths and weaknesses of this instruction. More precisely, the aim here is to comprehend the relationship between the theoretical perception outlined by the curriculum and the concrete day-to-day enactment in the educational environment, because the success of settling the culture of citizenship in the Tunisian society which is in transition towards democracy is certainly enacted by bridging the gap between the theoretical and the practical dimensions in various fields, particularly in the arena of education and more specifically in education for citizenship.
Key words: citizenship, values of citizenship, civic education, curriculum.
مقدمة :
عاد سؤال المواطنة بقوّة في المجتمع التونسيّ بعدما عرفته البلاد من تحوّل بدأ مع نهاية 2010 ومطلع سنة 2011، وبدا البحث جادّا عن سبل تفعيل المواطنة وجعلها الأساس الوحيد للعقد الاجتماعيّ الجديد، الذي يطمح التونسيّون إلى إرسائه حتى يكون المنظّم لعيشهم المشترك، بعد أن انتهى العقد الأوّل (الذي بُني بعد الاستقلال سنة 1956) إلى فشل تجلّى في تصلّب النّظام السياسيّ وجموده، واهتزاز البنية الاجتماعية تحت ضغوط البطالة (ولا سيّما بطالة أصحاب الشهادات العلميّة) والفقر وعودة الانتماءات الأوّليّة (الولاء للمنطقة / للعرش). وقد نجم عن هذا التصلّب والجمود انكماش النّاس وابتعادهم عن المشاركة الفاعلة في تدبير الشأن العام وصنع السياسة العامة التي اقترنت في الذاكرة الجماعيّة بالمكاسب الشخصيّة وخدمة المقرّبين والموالين.
شكّل دستور 2014 الأرضيّة التشريعيّة والقانونيّة للمواطنة، حيث نصّ في فصله الثّاني على أن “تونس دولة مدنيّة، تقوم على المواطنة وإرادة الشعب، وعلويّة القانون”. لكنّ هذه الأرضيّة الدستوريّة تحتاج إلى آلية تعمل على تجسيم المواطنة في الواقع اليوميّ. ويبدو أنّ هذه الآليّة الأكثر قدرة على إرساء المواطنة وتجذيرها في المجتمع التونسيّ – كما هو الأمر في أيّ مجتمع آخر- هي التربية نظرا إلى أنّ العمليّة التربويّة هادفة ومنظّمة وتلامس مختلف الشّرائح الاجتماعية، وتمتدّ على فترة زمنيّة طويلة نسبيّا.
يقتضي توطين المواطنة أساسا للعقد الاجتماعيّ تبيئة ثقافة المواطنة، بمعنى العمل على جعل قيم المواطنة فاعلة ومساهمة بشكل فعّال وناجع في تشكيل مواقف الأفراد وميولاتهم، ومن ثمة في توجيه سلوكهم اليوميّ وعلاقاتهم الاجتماعية، وهو هدف لا يمكن تحقيقه بمجرّد إصدار النّصوص القانونيّة فحسب، بل لابدّ من عمليّة تربويّة تسانده، وتعمل على تجسيمه في الواقع. وضمن هذا السّياق تتنزّل هذه الدّراسة التي تهدف إلى تبيّن العلاقة بين التصوّر والواقع في توطين قيم المواطنة لدى النّاشئة التونسيّة من خلال وجهة نظر عيّنة من أساتذة التربية المدنيّة بجهتي سليانة والكاف (الشّمال الغربيّ التونسيّ).
إشكاليّة الدّراسة:
لعلّ من أبرز التحوّلات التي عرفتها البلاد التونسيّة بعد الثورة، تلك التي عرفها الخطاب السياسيّ والتي بموجبها لم تعد الكلمة “المفتاح” “الزعيم” أو “الرئيس”. فالخطاب السياسيّ كما الخطاب الإعلاميّ يشدّد على “الرؤساء الثلاثة” (في إشارة منه إلى رئيس الجمهوريّة ورئيس مجلس نوّاب الشعب ورئيس الحكومة). وقد نجم عن هذا التحوّل في الخطاب السياسيّ بروز مصطلح “المواطن” و”المواطنة”، وبات مختلف الفاعلين السياسييّن والإعلاميّين يقاربون المسائل بالقول إن من حقّ “المواطن” أن يعرف، وإن من حقّ “المواطن” أن يطّلع على ما يجري، وإن من حقّ “المواطن” أن يسائل المسؤول…الخ. وعليه، بات من الضّروريّ مساءلة الواقع بحثا عن سبل تكوين المواطن وعن طرق نشر ثقافة المواطنة التّي سيمكّن اكتسابها الأفراد من امتلاك مهارات المشاركة الفاعلة في صُنع السياسة العامة.
ونظرا إلى الدور المهمّ الذي يمكن أن تضطلع به المؤسّسة التربويّة في نشر تلك الثّقافة وتوطينها لدى النّاشئة، فإنّ المدرسة التّونسيّة مدعوّة إلى تبيّن أهميّة الدور الموكول إليها وخطورته في الآن ذاته، بمعنى أن جعل ثقافة المواطنة مشكّلة لمواقف المتعلّمين وميولاتهم واتّجاهاتهم يقتضي من المدرسة ما هو أشمل وأعمق من تقديم محتويات معرفيّة نظريّة حول المواطن والمواطنة وثقافة المواطنة. إن ما يُقدّم إلى المتعلّم بطريقة تلقينيّة لن يتعدّى اهتمامه به مرحلة الامتحان.
وبما أنّ إصلاح المنظومة التربويّة تأخّر على الرّغم من أنّه كان من أبرز شعارات مرحلة ما بعد الثورة (عُقِد أوّل مؤتمر لإصلاح النّظام التربويّ بعد الثورة التونسيّة في مارس 2012، ومع ذلك ظلّت الأمور تراوح مكانها)، فإنّه بات من الوجيه النّظر في مدى استجابة المناهج الحاليّة للتربية على المواطنة. ومن هنا هدفت هذه الدراسة إلى تبيّن طبيعة حضور قيم االمواطنة في المنهاج التربويّ التونسيّ الحاليّ (الذي بدأ العمل به سنة 2002 إثر صدور القانون التوجيهيّ للتربية والتعليم المدرسيّ في جويلية 2002) ووجوهه من خلال وجهة نظر عيّنة من مدرّسات التربية المدنيّة ومدرّسيها. فهذه المادة التي يصرّح منهاجها علنا بالمواطنة، وتُعلن برامجها الرّسميّة ses programmes officiels أنّها تنشد تكوين المواطن الفاعل الحرّ والمسؤول، تعدّ قاطرة المنظومة التربويّة التونسيّة في مجال التربية على حقوق الإنسان والمواطنة. بمعنى أنها ليست المادّة الدراسيّة الوحيدة المعنيّة بالتربية على المواطنة، ومن ثم ببناء ثقافة المواطنة، ولكنّها الأكثر بروزا من ناحية حضور مسألة المواطنة في منهاجها. ومن هذا المنطلق تروم الدراسة الإجابة عن الأسئلة الآتية:
*ما طبيعة حضور قيم المواطنة في منهاج التربية المدنيّة بالمنظومة التربويّة التونسيّة؟
*هل تُساعد الكتب المدرسيّة الحاليّة على نشر تلك القيم وترسيخها لدى النّاشئة؟
* هل نظام التّأديب المدرسيّ المعتمد حاليا بالوسط المدرسيّ التونسيّ يُيسّر توطين قيم المواطنة أم يُعمّق الفجوة بين النّظري والواقعيّ؟
*هل هناك تعاضد وتكامل بين الموادّ الدّراسيّة المختلفة في عمليّة توطين قيم المواطنة لدى المتعلّمين؟
*هل تساعد تكنولوجيا المعلومات والاتّصال على توفير سبل أنجع لتربية النّاشئة التونسيّة على قيم المواطنة؟
*أيدور للتكوين الأساسيّ والمستمرّ في تنمية كفايات المدرّسات والمدرّسين في عمليّة النقل التعليميّ –التعلّميّla transposition didactique لقيم المواطنة؟
فرضيّات الدّراسة:
للإجابة عن التساؤلات المثارة أعلاه، تمّ الانطلاق من الفرضيات الآتية:
- قد يكون لقيم المواطنة حضور صريح وواضح في منهاج التربية المدنيّة بالمرحلتين الإعداديّة والثّانويّة، دون أن تكون لذلك الحضور دعائم بيداغوجيّة ناجعة.
- من المحتمل أن حضور قيم المواطنة في منهاج التربية المدنيّة بالمرحلتين المذكورتين يصطدم في غالب الأحيان بما يُعرف بالمنهج الخفيّ القائم على تصوّرات ورؤى مغايرة تماما لقيم المواطنة، وبالتحديد على المستويين التربويّ التنظيميّ والتربويّ البيداغوجيّ.
- يمكن أن توفّر تكنولوجيا المعلومات والاتّصال محامل بيداغوجيّة des supports pédagogiques تساعد على نشر قيم المواطنة وترسيخها لدى الناشئة متى توفّر المناخ المناسب والملائم لاستخدامها، كما يمكن أن تكون عاملا مساعدا على تجويد تكوين المدرّسين.
أهميّة الدراسة وأهدافها:
تستمدّ هذه الدراسة أهميّتها من كونها تُلامس مسألة تربويّة في غاية الأهميّة، ألا وهي تكوين المواطن ودور المؤسّسة التربويّة في ذلك من خلال مساءلة المنهاج التربويّ الخاص بمادة التربية المدنيّة. بمعنى أن أهميّة الدّراسة تكمن في رغبتها في تبيّن الموجود والمنشود في التربية على المواطنة من خلال منهاج التربية المدنيّة بالنّظر للتحوّل الاجتماعيّ الذي يعيشه المجتمع التونسيّ، وما يترتّب عليه من تغيّر يلامس منظومة قيم العيش المشترك.
من هذا المنطلق، تعمل الدراسة على تبيّن وجهة نظر أحد الفاعلين التربويّين وهم أساتذة التربية المدنيّة بالشمال الغربيّ التونسيّ حول نقاط قوّة وضعف منهاج التربية المدنيّة في مجال التربية المدنيّة. فهذه التربية التي أوكلت إليها مهمّة قيادة المنظومة التربويّة في مجال ترسيخ ثقافة المواطنة، تحتاج إلى رؤية تحليليّة نقديّة مصحوبة برؤية استشرافيّة حتّى تحقّق أهدافها على الوجه المطلوب، وهو عمل طويل مدى لا تشكّل هذه الدّراسة إلا خطوة صغيرة منه.
منهجيّة الدّراسة:
تندرج هذه الدّراسة في سياق ما يُعرف بسوسيولوجيا المنهاج، أو علم الاجتماع التربويّ الجديد. ويتلخّص هذا “الاتّجاه في أن علم اجتماع التربية القديم- كما عبّر عنه الاتّجاه الوظيفيّ أو الماركسيّ- قد اهتمّ فقط بتحليل العلاقات البنيويّة خارج المدرسة وأغفل تحليل الحقائق اليوميّة، حيث يرى أصحاب هذا الاتّجاه أنّ المدرسة كميدان من ميادين تفاعل الإنسان في الحياة اليوميّة تسيطر عليها مجموعة من القيم والافتراضات والمعاني والرّموز أصبحت تبدو كأشياء طبيعيّة ومسلّم بها. والخطورة في هذه الأشياء أنّها توجّه السّلوك والتّفاعل اليوميّ، ومن ثمّ تحافظ على بقاء الأمر الواقع. لذلك يذهب أصحاب هذا الاتّجاه إلى دراسة “المعانيّ” كما هي في عقول الفاعلين التربويّين، ثم كيف تصنع هذه المعاني والرّموز سلوكهم وتشكّل اتّجاهاتهم وتفاعلاتهم[1]“. ويُشير علم الاجتماع التربية الجديد الذي “تشكّل في بداية التسعينات من القرن الماضي[2]” من الناحية النظريّة والمنهجيّة إلى تغيير “البراديغم التفسيريّ في سوسيولوجيا التربية[3]“. فبعدما “كانت القضايا الكبرى ذات الطابع الشّموليّ (كعلاقة التربية بالبناء الأيديولوجي للدولة وبباقي الحقول المجتمعيّة أو الاهتمام بالتربية كمسألة نسق في علاقته بباقي الأنساق الأخرى أو باعتبار المؤسّسات التعليميّة كمؤسّسات لإعادة الإنتاج وترسيخ أوضاع الهيمنة للطبقات المتحكّمة…)، فإن التوجّه الجديد سيركّز على قضايا ميكروسوسيولوجيّة، (كالعلاقات البينيّة داخل الفصل الدّراسيّ، مسألة نقل المعرفة، تمثّلات المتعلّمين لمادّة دراسيّة ما، طريقة تقويم المتعلّمين) والتي تكشف عن الأوجه الخفيّة في الظواهر التربويّة[4]“.
لقد انبثقت هذه المقاربة الجديدة عن “التوجّهات الجديدة في السوسيولوجيا الأمريكيّة المسمّاة بالتفاعليّة الرّمزيّة والفينومينولوجياالسوسيولوجيّةوسوسيولوجيا المعرفة والتّي جاءت كردّ فعل ضد التوجّهات البنيويّة الوظيفيّة وأيضا نظريّة إعادة الإنتاج، وذلك بالتركيز على “العلبة السوداء” داخل المدارس، والتعلّق بالمناهج والمعارف المدرسيّة[5]“. وهي تعكس “في العمق مختلف الرّهانات والرّهانات المتعارضة بين النخب والأحزاب والهيئات الدوليّة وجمعيّات آباء وأولياء المتعلّمين والمدرّسين والإدارة وغيرهم من المتدخّلين (الفاعلين). وهذا يعني أنّ هذا البراديغم الجديد في سوسيولوجيا التربية جاء لكي يقرّبنا من مختلف الصراعات الاجتماعية التي تحصل بين مختلف الفاعلين في بناء أو إعادة بناء المناهج التعليميّة، في أي مؤسّسة تعليميّة كيفما كانت[6]“.
ولإنجاز هذه الدراسة تمّ استخدام تقنية المجموعات البؤريّة focus groups والتي هي تقنية مقابلة جماعيّة “تسمح بجمع المعلومات حول موضوع مستهدف، إنّها من تقنيات البحث الكيفيّة…وتنحدر تقنية المجموعات البؤريّة من تقنية التسويق في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الثانية بالولايات المتّحدة الأمريكيّة حيث مكّنت من جمع انتظارات المستهلكين، ومن ثم جعل المنتوج أكثر جاذبيّة. وتقنية المجموعات البؤريّة مستوحاة من تقنيات ديناميّة المجموعات المستخدمة من قبل س- روجرز C-Rogers رائد تيّار علم النفس الإنسانيّ[7]“. وتقوم هذه التقنية على “مناقشة جماعيّة ومنظّمة بغرض تحديد موضوع أو سلسلة من الأسئلة الوجيهة لبحث ما. والمبدأ الرئيسيّ هو أن يستخدم الباحث بصراحة التّفاعل بين المشاركين في ذات الوقت كوسيلة لجمع المعطيات وكنقطة ارتكاز في التحليل[8]“.
عيّنة البحث:
شملت عيّنة البحث مجموعة من أستاذات وأساتذة مادة التربية المدنيّة بولايتي سليانة والكاف (الشمال الغربيّ التونسيّ). وتمّت محاورة هؤلاء الفاعلين التربويّين بالمركزين الجهويّين للتربية والتكوين المستمرّ بالولايتين المذكورتين. وقد شملت عيّنة ولاية سليانة مجموعتين تكوّنت كلّ منهما من ثمانية مدرّسين نصفهم من المدرّسات، وتتراوح أقدميّتهم في التدريس بين 4 سنوات و29 سنة. أمّا المجموعة الثانية (مجموعة ولاية الكاف)، فشملت فريقين تكوّن أوّلهما من 9 مدرّسات ومدرّسين، وثانيهما من 10 مدرّسات ومدرّسين. وبلغ مجموع الأستاذات في المجموعتين 9 ، فيما كان مجموع الأساتذة 10. وتراوحت أقدميّة أعضاء المجموعتين في التدريس بين 9 سنوات و27 سنة. وقد كانت مختلف مستويات التدريس بالمرحلتين الإعداديّة والثانويّة حاضرة في هذه المجموعات.
مفاهيم الدراسة:
*المنهاج:
يعدّ المنهاج إعلان “بيان نوايا للتكوين” Enoncé d’intentions de formation، ويتضمّن:
- تحديد الجمهور المستهدف؛
- الغائيّاتles finalités؛
- الأهداف les objectifs؛
- المحتويات؛
- وصف نظام التقييم؛ مخطّط الأنشطة؛
- الآثار المتوقّعة بالنسبة إلى تغيير مواقف الأفراد المتكوّنين وسلوكيّاتهم[9]“.
وقد “تمّت استعارة مصطلح المنهاج من روّاد التربية الحديثة (ديوي…)، وهو يتعارض مع مصطلح “البرنامج” المستخدم بشكل عام في التربية التقليديّة[10]“. وعادة “ما يتمّ التمييز بين ثلاثة توجّهات ممكنة في صياغة المنهاج:
- الأولويّة للتخصّصات والمعارف؛
- الأولويّة للتلميذ ومصالحه؛
- الأولويّة للمجتمع وتطويره[11]“.
وبعبارة مغايرة “المنهاج خطّة عمل بيداغوجيّة أوسع من البرنامج الدّراسيّ…فهو يضمّ عموما ليس فقط برامج مختلف الموادّ، ولكن أيضا تحديدا لغاية التربية ولأنشطة التعليم والتعلّم التّي يتضمّنها برنامج المحتويات، وأخيرا إشارات دقيقة حول الطريقة التّي سيسلكها كلّ من المدرّس والتلميذ خلال كلّ مراحل العمليّة التعليميّة-التعلّميّة بجميع مكوّناتها الصفيّة[12]“. ويتمّ “التعبير عنه عادة بعبارات الغايات والأغراض والأهداف والمحتويات والطرائق والوسائل المستعملة في التعليم والتقويم[13]“. وعادة “ما يطرح مصمّم المنهاج الأسئلة الآتية: ما الذي ينبغي تدريسه؟ ولمن؟ ولماذا؟ وبأي ترتيب؟ وكيف سيتمّ تقييم التعلّم؟[14]“.
يكون المنهاج بهذا المعنى “أهمّ أداة يضعها المجتمع لتربية الأجيال وفق الصّورة النّموذجيّة التي يرغب أن يكون عليها الجيل النّاشئ لأنّه يتضمّن الغايات والأهداف والمحتويات ووصفا لنظام التقويم وتخطيط الأنشطة والآثار المتوقّعة فيما يهمّ تغيير المواقف وسلوكات الأفراد أثناء التّكوين…، وهو لائحة محتويات التخصّصات المدرسيّة المراد تحصيلها المبنية بناء منطقيّا للمعارف المدرسيّة وسيرورات التعلّم والتقويم. كما أنّه مجموع مصاغ وفق غايات ومحتويات وكفايات وطرق بيداغوجيّة[15]“.
*التربية المدنيّة:
كيف يمكن أن نعرّف التربية المدنيّة؟ وهل يجوز الاكتفاء بالقول إنّها مادّة دراسيّة تنتمي إلى ما يسمّى بالموادّ الاجتماعية أو عائلة الاجتماعيّات، أي تلك الموادّ التي تشتغل أكثر من غيرها على بعد التربية والتنشئة الاجتماعية. لا يبدو الأمر مجانبا للصّواب إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما تُعرّف به من قبل الكثيرين من كونها “مادّة دراسيّة تستقي معارفها من مصادر مختلفة منها القانون وعلم الاجتماع فضلا عن التّاريخ ومصادر أخرى[16]“.ولكن في المقابل، لا يبدو الاكتفاء بهذا التحديد كافيا لإبراز ماهيّة تلك المادّة “نظرا إلى وجود تماثل بينها وبين مواد أخرى من قبيل التربية الوطنية والتربية على المواطنة والتربية على حقوق الإنسان[17]“.
ممّا لاشك فيه أن التشابه بين هذه المواد طبيعيّ بحكم الطّابع التربويّ المتّصل بالتنشئة الاجتماعية والذي يجسّد أرضيّة موحّدة، ولكنّه يجعل من تعريف التربية المدنيّة أمرا لا يخلو من عُسْرٍ. ولهذا اعتبر البعض التربية المدنيّة “مصطلحا شائعا ولكنّه مصطلح منفلش ومطّاط ويحتاج إلى ضبط وحصر حتّى يصبح أداة صالحة في التفكير التربويّ الاجتماعيّ[18]“.
ولعلّ هذا الشسوع الذي تميّز به مفهوم التربية المدنيّة هو الذي دفع بأحد أبرز المهتمّين بها والمشتغلين عليها فرانسوا أودجييه[19]François Audijier إلى وصفها ب “المستحيلة والضرورية” impossible et nécessaire. ولعلّ هاتين الصفتين – اللتين جعلتا ضبط مصطلح التربية المدنية وحصره مطلبين مشروعين- هما اللّتان حَدَتا ببعض المشتغلين على المسألة إلى البحث عن معناها من خلال مكوّناتها، التي حدّدها بعضهم ب “المعرفة المدنيّة والمهارات المدنيّة والفضائل المدنيّة[20]“.
يعني المكوّن الأوّل “المعرفة المدنيّة، التي يتكوّن من معلومات ومن أفكار جوهريّة يجب على المتعلّمين معرفتها، واستخدامها لتصبح مؤثّرة في سلوك الفرد. وتتضمّن المعرفة المدنيّة- بصورة عامة- مبادئ التربية المدنيّة وتصرّفات وسلوكات الفرد في المجتمع[21]“.
أما بالنسبة إلى المهارات المدنيّة، فهي تعني “تلك العمليّات الإدراكيّة التي تساعد المتعلّم على فهم المبادئ وشرحها ومقارنتها وتقييمها وممارسة الحياة الاجتماعية. وهناك “أيضا مهارات المشاركة التي تتضمّن أفعالا يقوم بها المواطنون للمشاركة في الحياة الاجتماعية والاقتصاديّة والسياسيّة، حيث تتضمّن مهارات المشاركة واستخدام المواطن للمعرفة في تفكيره والعمل بأسلوب قادر على الاستجابة للتحدّيات الحياتيّة[22]“.
وأمّا الفضائل المدنيّة –التي تمثّل العنصر الثالث أو بالأحرى المكوّن الثالث للتربية المدنيّة – فهي تشير إلى “السّمات الضروريّة للشخصيّة من أجل الحفاظ على القيم الاجتماعية، وقيم التّعاون والتّكافل الاجتماعيّ…، وتتمثّل في احترام الثروة والكرامة لأي مواطن، وأيضا التمدّن والاستقامة والانضباط الذاتيّ والتّسامح وحبّ الوطن[23]“.
وبناء على ما سبق نقول إن التربية المدنيّة مادّة دراسيّة تترابط فيها المعارف المدنيّة بالمهارات وبالفضائل المدنيّة، وهي بذلك مادّة دراسيّة لا تُختزل في تقديم المعارف المدنيّة بل ” تدعّم قيم الذّات مثل تقدير الذّات والإيجابيّة والثقة بالنفس، وقيم العلاقات مثل الحياديّة والاستقلاليّة واحترام الآخر والتّنوّع والاختلاف، وقيم المجتمع الحقيقيّة مثل تقدير الحقيقة والعدل وحقوق الإنسان وسيادة القانون، وقيم البيئة مثل تقدير البيئة الطبيعيّة والإنسانيّة باعتبارها أساس الحياة. وهي مرتبطة بالقانون باعتبارها معنيّة بالمواطنة في مجتمع ديمقراطيّ دستوريّ…، وهي تربية أيضا تسعى إلى تكوين اتّجاهات إيجابيّة نحو الذّات ونحو الآخرين، وتمثّل المبادئ الديمقراطيّة والحريّة وحقوق الإنسان والانفتاح على الثقافات العالميّة في إطار من التنوّع الثّقافيّ والخصوصيّة الثقافيّة أيضا[24]“.
بناء على ما سبق، تشكّل التربية المدنيّة مادّة دراسيّة مركّبة في مكوّناتها (المعرفيّة والمهاريّة والوجدانيّة)، وفي أهدافها (الذاتيّة والاجتماعية)، وهي تبعا لذلك متعدّدة الأبعاد والمكوّنات، ومن محاور اهتمامها الرئيسيّة تكوين المواطن الفاعل الواثق من نفسه، المنفتح على الآخر. وعليه فإن نشر قيم المواطنة وترسيخها لدى المتعلّمات والمتعلّمين من صميم اختصاصها.
وقد ظهرت التربية المدنيّة في تونس في الإصلاح التربويّ الثاني الذي عرفته البلاد التونسيّة سنة 1991، حيث حلّت محلّ التربية الوطنيّة التّي كان قد أقرّها الإصلاح التربويّ الأوّل لتونس المستقلّة سنة 1958. وقد أُفردت التربية المدنيّة بإطار تدريس خاص بها تكوّن من خرّيجي شعب علم الاجتماع والقانون والصحافة، ثم أُدرجت، لاحقا في مسار التعليم الجامعيّ وذلك منذ سنة 1991 بكلية العلوم الإنسانيّة والاجتماعية بتونس[25]. غير أن هذا المسار الجامعيّ كاختصاص قائم الذات لم يعمّر طويلا، ليتمّ انتداب مدرّسيها منذ سنة 2004 من خرّيجي الحقوق بالأساس. وقد خُصّت المادة بإطار إشراف بيداغوجيّ (إطار تفقّد) تولّى تأطير المدرّسين ومرافقتهم ومن ثم تقييم أدائهم.
*قيم المواطنة:
تعرّف القيم عامة بكونها “تعبيرا عن معايير لأحكام أخلاقيّة، إلزاميّة أو تفضيليّة توضّح النّماذج السلوكيّة واتّجاهات الأفراد نحو أمور الحياة المختلفة[26]“. وهي بذلك تلامس مجالين أساسيّين[27]:
- مجال التمثّل: أي تحقيق الوعي بهذه القيم والمبادئ؛
- مجال الممارسة: أي تحويل هذا التمثّل إلى سلوك.
بمعنى أن القيم معايير تحتاج إلى استيعاب أولا وإلى ترجمة إلى ممارسة (سلوك) ثانيا. وهنا تلعب التربية على القيم دورا محوريّا في إيجاد التمفصلl’articulation بين المجالين.
أمّا قيم المواطنة فتعرّف بكونها “مجموع القيم الإنسانيّة والمعايير السياسيّة والقانونيّة والممارسات الاجتماعية التّي تمكّن الطالب/ المواطن من الانخراط في مجتمعه والتّفاعل معه إيجابيّا والمشاركة في تدبير شؤونه[28]“. كما تُعرّف قيم المواطنة بكونها “المعتقدات التّي تحدّد سلوك الفرد نحو الدولة التّي يعيش فيها[29]“. وهذه القيم هي “الانتماء والولاء والديمقراطيّة والمشاركة السياسيّة والتعدّدية وقبول الآخر[30]“.
وتحتاج هذه القيم إلى عمل تربويّ كبير لترسيخها أو إلى عمليّة تربويّة قصديّة تهدف إلى تجذير قيم المواطنة مثل التّضامن والمشاركة والحرّية والمسؤوليّة لدى المتعلّمين والمتعلّمات بطرائق بيداغوجيّة تفاعليّة وتشاركيّة بعيدة كلّ البعد عن التلقين وحشو الأذهان بمعلومات حول تلك القيم دون إتاحة الفرصة للتلاميذ لممارستها.
نتائج الدراسة:
مثلما تمّت الإشارة سابقا، اهتمّت الدّراسة بوجهة نظر عيّنة من مدرّسات ومدرّسي التربية المدنيّة بالشمال الغربيّ التونسيّ (ولايتي سليانة والكاف)، وتمحورت حول قيم المواطنة في منهاج تلك المادّة الدّراسيّة بين التصوّر والممارسة اعتمادا على تقنية المجموعات البؤريّة. وهي بذلك دراسة كيفيّة وليست كميّة. وقد أفضت هذه الدّراسة إلى النّتائج الآتية:
*طبيعة حضور قيم المواطنة بمنهاج التربية المدنيّة:
أجمع المدرّسون الذين تمّت محاورتهم على:
- وضوح حضور قيم المواطنة بمنهاج التربية المدنيّة بالمرحلتين الإعداديّة والثّانويّة حتّى وإن كان حضورا متفاوتا بين المستويات الدّراسيّة. فقيم المواطنة من قبيل التّضامن والمشاركة والتّسامح والمسؤوليّة موزّعة على مختلف المستويات الدّراسيّة، لكن حضورها في السنة التاسعة أساسيّ هو الأكثر وضوحا. فمحور اهتمام المادّة في هذا المستوى هو المواطنة. وقد تضمّن البرنامج الدّراسيّ للمستوى نفسه أربعة مدارات كلّها حول المواطنة. فجاء أوّلها حاملا لعنوان الإطار العام للمواطنة، وثانيها الحرّية والمسؤوليّة، فيما وُسم المداران الأخيران على التّوالي بالحقّ والواجب والمساواة والتّسامح.
- تنوّع مداخل تناول قيم المواطنة: اتّفق المدرّسون على أنّ مداخل تناول قيم المواطنة متنوّعة، فأحيانا يتمّ التركيز على القيم ذاتها ( السنة الثامنة من التعليم الأساسيّ)، وأحيانا يكون المواطن هو المدخل للنّظر والتعمّق في تلك القيم (السنة الأولى من التّعليم الثانوي). وفي أحيانا أخرى يكون المدخل القانونيّ هو المُهيمن مثلما هو الأمر بالنسبة إلى السنة الثانية من التّعليم الثّانوي(مسألة دولة القانون).
يعتبر المدرّسون أن هذا الحضور الواضح والصّريح لقيم المواطنة بمنهاج التربية المدنيّة، من نقاط قوّة المادّة بل هو من مكوّنات هويّتها باعتبارها مادّة تروم تأصيل السّلوك المدنيّ والمواطنيّ لدى النّاشئة في تونس. بيد أنّ ذلك لم يمنع الأساتذة الذين تمّت محاورتهم من إثارة إشكاليّات. بتعبير مغاير، يفسّر المدرّسون هذا الحضور بأهداف مادّة التربية المدنيّة والمتمثّلة أساسا في تكوين مواطن واع ومسؤول وقادر على المساهمة الفاعلة في تدبير الشأن العام. لكنّ هذا الحضور يصطدم بصعوبات منها – وفقا للمدرّسين- العلاقات التربويّة السّائدة بالفضاء التربويّ بين مختلف الفاعلين التربويّين.
من المعروف أنّ للعلاقات التربويّة دور رئيسيّ في نجاح العمليّة التربويّة والتعليميّة[31]، ولكن أغلب من تمّت محاورتهم من الأساتذة يقدّرون أن الفضاءات التربويّة محكومة بعلاقات تقوم على تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وعلى فجوة كبيرة بين القيم المنشودة والممارسة اليوميّة، وفي ذلك امتداد لواقع اجتماعيّ يسم العلاقات في المجتمع التونسيّ. ولهذا لا غرابة في أن ينتشر الغشّ والعنف في المؤسّسات التربويّة، الأمر الذي يعني أن قيما مثل الحوار والاحترام ونبذ العنف لا تجد لها صدى في الواقع.
لدعم وجهة الرأي هذه، يستشهد الأساتذة بردود فعل المتعلّمين عندما يتطرّق المدرّسون إلى المساواة والعدالة وعلويّة القانون، إذ عادة ما تكون تلك الرّدود سلبيّة ملخّصها أنّ الواقع خارج المدرسة، بل حتّى داخلها، لا يقوم على تلك المبادئ، وإنّما على النّقيض منها تماما. فلا معنى للمساواة في التمتّع بحقّ الشغل في واقع تسود فيه التدخّلات والعلاقات الشخصيّة. ولا معنى للمساواة في الحقّ في التعليم باعتبار الاكتساح الرهيب للدّروس الخصوصيّة الذي خلق تفاوتا بين المتعلّمين.
نكتشف من هذه الملاحظات التي أوردها المدرّسون إشكاليّة جوهريّة ألا وهي مفارقة قيم المواطنة للواقع، فعندما يكون الواقع محكوما بقيم مناقضة لقيم المواطنة، فإنه لا يمكن توطين هذه الأخيرة لدى المتعلّمين بسهولة. بمعنى إن تضمين تلك القيم في المنهاج والاشتغال عليها في الفضاء التربويّ (ضمن أنشطة التعليم والتعلّم) لا يعني تحقيق الأهداف المرسومة خاصة إذا ما اصطدم بمفارقات من قبيل التّضارب بين النّظريّ والعمليّ، بين قيم المدرسة (التي تعلن تبنّيها لها) والقيم السائدة في المجتمع. وفي حقيقة الأمر، تبدو هذه المفارقة من عوائق تبيئة قيم المواطنة لا في الفضاء التربويّ فحسب، بل في المجتمع عامة.
لم تكن مفارقة النّظري للواقعيّ العائق الوحيد أمام هذا الحضور الصّريح لقيم المواطنة في منهاج التربية المدنيّة وفقا للأساتذة الذين تمّت محاورتهم. فقد شدّد هؤلاء على عائق الحيز الزمنيّ، ذلك أن الوقت المخصّص للمادّة (ساعة ونصف أسبوعيّا في مختلف مستويات المرحلة الإعداديّة وفي السنتين الأولى والثانية من التّعليم الثانويّ/ ساعة واحدة أسبوعيّا بالنسبة إلى السنة الثالثة ثانوي – شعبة الآداب) لا يساعد على تجذير تلك القيم وترسيخها لدى المتعلّمات والمتعلّمين، وذلك يعني أن التوقيت لا يسمح في غالب الأحيان إلا بتقديم معارف نظريّة حول قيم المواطنة، وبالتالي فهو لا يوفّر فرصا كافية للنقاش وتبادل الآراء والحوار وتحويل النّظري إلى عملي.
تبدو ملاحظة الأساتذة على غاية من الوجاهة، فغياب حيز زمنيّ للزّيارات التربويّة (زيارات لمؤسّسات مثل دور المسنّين، والمستشفيات، والبرلمان، ومقرّات البلديّات، والمحاكم…)، وانعدام اللقاءات بالمسؤولين المحليّين ومحاورتهم حول مسائل تهمّ المتعلّمين في معيشهم اليوميّ، وعدم مرافقة أنشطة الفصل (أنشطة التعليم والتعلّم) بأنشطة الحياة المدرسيّة (النوادي التربويّة) من شأنه أن يجعل قيم المواطنة مسألة نظريّة بحتة، وهذا عائق جوهريّ للتربية على المواطنة وللتربية المدنيّة.
شدّد المدرّسون كذلك على غياب مقاربة بيداغوجيّة تجديديّة في عمليّة نقل قيم المواطنة إلى المتعلّمين. فالمقاربات السائدة في الممارسة اليوميّة لا تتبنّى بيداغوجيا المشروع ولا تساعد على الرّبط بين أنشطة الفصل وأنشطة الحياة المدرسيّة إلا نادرا. وضمن هذا الإطار بدا المدرّسون مُجمعين على إشكاليّة تتخبّط فيها عمليّة تجذير قيم المواطنة ألا وهي غياب التمفصل بين النّظريّ والعمليّ، أو إن شئنا غياب فرص واضحة وملائمة لتحويل القيم الحاضرة في منهاج التربية المدنيّة إلى سلوك يوميّ في الفضاء التّربويّ وخارجه.
وللتغلّب على بعض العوائق يقترح الأساتذة تكثيف العمل ضمن فرق، وتشجيع العمل التّعاونيّ، وتفعيل النّوادي التربويّة- التّي كثيرا ما اصطدم حضورها بالوسط المدرسيّ بالدّروس الخصوصيّة التّي لم تترك وقتا للمتعلّمين لممارسة أنشطة أخرى-. وعليه، يكون من الجائز القول إن تضمين قيم المواطنة بمنهاج التربية المدنيّة خطوة مهمّة لترسيخ قيم المواطنة، ولكنّها ليست كافية باعتبار أن العوائق المثارة تجعل البعد المعرفيّ مُهيمنا، وهو ما لا ينسجم مع أهداف التربية المدنيّة وطبيعة النقل التعليميّ –التعلّميّ لقيم المواطنة.
إضافة إلى ما سبق ذكره، لم يتردّد الأساتذة الذين تمّت مقابلتهم في الإشارة إلى نقاط أخرى أثّرت سلبا في حضور قيم المواطنة بمنهاج التربية المدنيّة، وهي تتعلّق أساسا بمكانة التربية المدنيّة في المنظومة التربويّة التونسيّة. فقد كان هناك إجماع بينهم على أن استثناء تلك المادّة من الموادّ التّي تدرّس في الباكالوريا – حتى أنّها لم تدرج ولو باعتبارها مادّة اختياريّة- أثّر سلبا في صورتها لدى المتعلّمين ومن ثمّ في قدرتها على نقل تلك القيم وتجذيرها لدى الناشئة.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك تغييب هذه المادّة الدّراسيّة عن الشّعب العلميّة (بالمستويات العليا من المرحلة الثانويّة أي بالسنتين الثالثة والرّابعة ثانوي)، وعدم اعتمادها كمعيار للتوجيه المدرسيّ والجامعيّ – وذلك على خلاف بعض الموادّ المنتمية لعائلة الاجتماعيّات مثل التّاريخ والجغرافيا اللذين يعتمدان معيارا محدّدا للالتحاق بشعبة الاقتصاد والتّصرّف- فإنّنا ومثلما عبّر عن ذلك أفراد عيّنة البحث أمام صورة مهتزّة لمادة التربية المدنيّة لدى المتعلّمين، الأمر الذي ينعكس سلبا على طرق تملّك قيم المواطنة واكتسابها.
ويعتبر الأساتذة الذين التقيناهم في المركزين الجهويين للتربية والتكوين المستمرّ بولايتي سليانة والكاف أن بين منزلة التربية المدنيّة وقدرتها على نشر قيم المواطنة وترسيخها علاقة وطيدة. فمكانة المادّة تؤثّر في نظرة المتعلّم(ة) إليها. ولعلّ انتشار عبارة “التّْرُب” و”الجْغاريف” عند المتعلّمين – في إشارة منهم إلى موادّ التربية المدنيّة والتربية الإسلاميّة والتربية الموسيقيّة والربية التشكيليّة والتّاريخ والجغرافيا التي يجمع بينهما قصر التوقيت وضعف الضّارب مقارنة بموادّ الرياضيّات والعلوم والتقنية واللّغات- مؤشّر على النظرة السلبيّة إلى الموادّ ذات “الهويّة” التربويّة.
يبيّن هذا التصنيف الذي أقامه المتعلّمون بين الموادّ الدّراسيّة طغيان النزعة البراغماتيّة عندهم، والتّي جعلتهم يتعاملون مع مختلف الموادّ الدراسيّة بناء على ضواربها، فينصبّ اهتمامهم عندئذ على المواد ذات الضوارب المرتفعة من قبيل الموادّ العلميّة واللّغات والموادّ التقنيّة. ولا غرابة أن تتساءل إحدى الأستاذات قائلة “كيف لي أن أرسّخ قيم المواطنة والمادّة ليست لها أي قيمة لدى المتعلّمين، بل لدى الزّملاء والأولياء؟”. بمعنى إن منزلة المادّة تعكس التناقض بين ما يُسمّى المنهاج الصّريح وما يوسم بالمنهاج الضمنيّ، فهذا الأخير منصبّ على تنمية أصناف معيّنة من الذكاء هي بالأساس الذكاء المنطقيّ الرّياضيّ والذكاء اللّغويّ، ولا يُعير اهتماما كبيرا لبعض الأنواع الأخرى التي تساعد على تبيئة قيم المواطنة مثل الذكاء الاجتماعيّ والذكاء البي-نفسيّ. وبعبارة أخرى، لا يُولي المنهج الخفيّ أهميّة كبرى لما عبّر عنه تقرير اليونسكو المعروف بـ”التعليم ذلك الكنز المكنون” بـ “تعلّم لتشارك الآخرين”.
ومن بين الصعوبات الأخرى التي عدّها المدرّسون ذات تأثير سلبيّ في عمليّة نقل قيم المواطنة إلى المتعلّمين تلك المتّصلة بموقف الإدارة (الإداريّين) من هذه المادّة ومن دورها. فالإداريّون يميلون إلى تفضيل الموادّ ذات الضوارب المرتفعة، فيحرصون على تلبية مطالب مدرّسيها (مدرسي الرياضيّات- العلوم التجريبيّة- اللّغات- العلوم التقنيّة)، وفي المقابل لا يبدون ذات القدر من الحرص في تيسير عمل مدرّسي موادّ أخرى وفي طليعتهم أساتذة التربية المدنيّة.
تبدو هذه المفاضلة التي يُقيمها الإداريّون واضحة من خلال تمكين مدرّسي “المواد الأساسيّة” من أحسن القاعات، ومن قاعات مختصّة وأيضا من خلال الحرص الكبير على تعويض مدرّسي تلك الموادّ بسرعة عند تغيّبهم لفترة طويلة. وبالمقابل، لا يهتمّون بتعويض مدرّسة التربية المدنيّة في حال حصولها على عطلة الأمومة أو عند عطلة مرض طويلة. كما تتجلّى هذه المفاضلة من خلال تخصيص حصص ما بعد الظهر لمادّة التربية المدنيّة ومجموعة أخرى من الموادّ الدّراسيّة ذات الضوارب غير المرتفعة، في حين تُفرد “المواد الأساسيّة” بالحصص الصّباحيّة. وتمثّل هذه المفاضلة في نظر المدرّسين عائقا كبيرا لترسيخ قيم المواطنة، باعتبارها تكرّس لدى التلميذ (ة) نظرة دونيّة للمواد الحاملة صراحة لقيم المواطنة والعيش المشترك.
تمتدّ صعوبات نقل قيم المواطنة إلى المعلّمين لتشمل – في نظر أفراد العيّنة- شخص المربّي نفسه، أو أستاذ التربية المدنيّة ذاته، حيث كثيرا ما يصطدم توطين قيم المواطنة بغياب المدرّس القدوة، إذ لا يعكس سلوك المعلّمين في كثير من الأحيان التزاما صريحا بتلك القيم التي يعملون على نقلها إلى المتعلّمين، وهنا تبرز مشكلة المواءمة بين السّلوك الشخصيّ للمعلّم والقيم التّي يعمل على نشرها لدى المتعلّمين. وبعبارة ثانية، كثيرا ما يتحدّث بعض المدرّسين عن قيم الحوار والمشاركة والتّضامن والتّسامح، ولكنّهم لا يعملون في سلوكهم اليوميّ وفي علاقاتهم بتلاميذهم على تجسيم تلك القيم، حتى أن تصرّفات البعض منهم تكون مخالفة لتلك القيم. إن غياب القدوة عامل مؤثّر بطريقة سلبيّة في نقل تلك القيم، إن لم يكن عائقا ومانعا من نشرها بين المتعلّمين خاصة في فترة المراهقة، حيث يبحث التلميذ عن القدوة أو النّموذج.
نخلص ممّا تقدّم إلى أن تبيئة قيم المواطنة في المؤسّسة التربويّة تصطدم بعراقيل متنوّعة، يتّصل بعضها بالتمشيّات البيداغوجيّة التي تهمل الجانب العمليّ وتنتصر إلى المقاربة النظريّة التّي تحوّل مسائل قيميّة إلى معرفة نظريّة خالصة. ويتعلّق بعضها الآخر بمنزلة مادّة التربية المدنيّة بين الموادّ الدّراسيّة المختلفة، فعبر تلك المنزلة التي تحتلّها يبني المتعلّمون تصوّرهم للقيم التي تعمل على ترسيخها.
تحتاج قيم المواطنة، من وجهة نظر أفراد العيّنة، إلى مقاربات تجديديّة تنفتح من خلالها التربية المدنيّة على المحيط فتتيح للمتعلّمين فضلا عن فرص للممارسة إمكانات لإنماء مهارات التفكير النّاقد والتّواصل الفعّال والعمل ضمن فريق وبروح الفريق، وغيرها من المهارات التي تعتبر وسيلة لتجسيم قيم المواطنة في الواقع اليوميّ للمتعلّم. ولذلك، إذا كان إدراج قيم المواطنة بصورة صريحة في منهاج التربية المدنيّة خطوة مهمّة للتربية على المواطنة فإنّه يظلّ غير كاف. وليحقّق الهدف المرجوّ منه لابد من توفّر مناخ مدرسيّ ملائم un climat scolaire favorable، أي مناخ تكون فيه الموادّ الدّراسيّة متكاملة ومتعاضدة وتغيب فيه المفاضلات بجميع أنماطها، وتُيسّر فيه عمليّة الانفتاح على المحيط من خلال زيارات تربويّة وعبر أنشطة ثقافيّة وتربويّة ورياضيّة مختلفة.
*الكتاب المدرسيّ:
يعرّف الكتاب المدرسيّ بكونه “وسيلة أساسيّة في التدريس فهو المجسّم لروح البرامج الرّسميّة، المفسّر لمحتوياتها وأهدافها[32]“. وقد تطوّر الكتاب المدرسيّ على مرّ التّاريخ حتّى أنّه لم يعد اليوم “مجرّد سفر لمعرفة عالمة لا ينظّمها تصوّر تربويّ، وأنّ تأليفه خرج من دائرة الاجتهادات الفرديّة، وأصبح يضمّ بين دفّتيه المنهاج الدّراسيّ بما هو مرجعيّة للكفايات والأهداف المراد تحقيقها من قبل مختلف المتعلّمين والمتعلّمات، تعبّر بوضوح عن الصّورة التّي يراد لتلك النّاشئة أن تصير عليها، فإنّنا بلا ريب سنتّفق على أنّ هذا الكتاب لم يعد مجرّد وسيلة تربويّة كغيرها من المعينات الديداكتيكيّة، ولكنّه المنهاج التربويّ عينه، وإن كلّ خلل يمسّه يؤثّر بالضرورة على العمليّة التربويّة في المؤسّسة التربويّة برمّتها[33]“. ولكن هذا الكتاب الذي يحظى بأهميّة كبيرة في العمليّة التربويّة قد “يصبح عائقا، حجر عثرة، في سبيل تحقيق أغراض التربية والتّعليم إذا كان يحمل في طيّاته قيما ونواميس بالية، أو مضامين مستهجنة أو أنماط ثقافيّة نعيبها صراحة، وإذا كان لا يخدم الطّرق التربويّة النّشيطة والمجدية ولا يساعد على تنمية استعدادات مرغوبة كالرّوح النقديّة والابتكاريّة ولا يعين الدّارس على التحكّم في مصيره والمساهمة المجدية في تحقيق الأهداف الاجتماعية المشتركة، وإذا لم يقدر المعلّم على التّصرّف المحكم ويلمّ بأبعاده وحدوده وجدواه[34]“.
وبناء على الأهميّة التّي يتمتّع بها الكتاب المدرسيّ تمّ التطرّق إليه في الحوار مع المدرّسات والمدرّسين أفراد عيّنة البحث. وقبل عرض ما ذهبوا إليه، يجدر بنا أن نشير إلى أن كتب التربية المدنيّة في تونس عرفت تطوّرا ملحوظا. فبعد تجربة قصيرة اقتصرت فيها وسائل الدّعم البيداغوجيّ على ملفّات بيداغوجيّة أعدّها أساتذة جامعيّون، ظهرت بدءا من سنة 1992 الكتب المدرسيّة التي أوكلت مهمّة تأليفها في البداية إلى أساتذة جامعيّين على أن يضمّ كل فريق تأليف متفقّدا بيداغوجيّا (مشرفا بيداغوجيّا). وقد تميّز هذا الجيل من الكتب المدرسيّة بطغيان المتن على حساب السند، فجاء مكرّسا لطغيان النّزعة المعرفيّة للمادّة. وقد نجد تفسيرا لهذا التوجّه في حداثة المادّة وفي الحاجة الملحّة والأكيدة إلى توحيد ثقافة مدرّساتها ومدرّسيها المنحدرين من اختصاصات مختلفة مثلما اسلفت الإشارة إلى ذلك. ولكن ما يمكن قوله، هو أن طريقة بناء تلك الكتب لم تراع المقاربة البيداغوجيّة التي وضعت الكتب على أساسها في الموادّ المختلفة، والتي هي بيداغوجيا الأهدافPédagogie par Objectifs، وعليه لم يراع الكتاب المدرسيّ المكانة الخاصّة التي ينبغي أن تحظى بها الأهداف الوجدانيّة – السّلوكيّة.
ولئن مثّل الجيل الأوّل من الكتب المدرسيّة للتربية المدنيّة (الذي وضع في تسعينات القرن الماضي) مرحلة مهمّة في مسيرة هذه المادّة كمادّة دراسيّة مستقلّة بذاتها وذات دعائم بيداغوجيّة خاصة بها، فإنّه انتصر للمعارف ومن ثم للأهداف المعرفيّة على حساب الأهداف الوجدانيّة – السلوكيّة. وقد أدّى هذا الانزياح – في اعتقادنا- إلى تكوين صورة للمادّة لدى الأساتذة يغلب عليها البعد المعرفيّ. وقد خضع بعض هذه الكتب (في بعض المستويات) لاحقا إلى التخفيف سنة 1997 وذلك تناغما مع صدور ما عُرف بالوثائق المنهجيّة التّي هي عبارة عن أدلّةبيداغوجيّة تطبيقيّة لإنجاز البرامج الرّسميّة أعدّها متفقدّون بيداغوجيّون رفقة عدد من أساتذة التعليم الثّانوي. وبما أن الهاجس الذي كان يقف وراء وضع تلك الوثائق / الأدلّة كان توحيد ما يُنقل إلى المتعلّمين، فقد عمّق هذا الخيار الانتصار للمعارف على حساب بناء المواقف والاتّجاهات، فأفقد التربية المدنيّة خصوصيّتها المتمثّلة في كونها مادّة دراسيّة ليست المعارف فيها إلا وسيلة لبناء المواقف والاتّجاهات وتوجيه السّلوك وتعديله.
ومع إصلاح 2002، جاء الجيل الثّاني من كتب التربية المدنيّة، وهو جيل كان مؤلّفوه بالأساس من المتفقّدين البيداغوجيّين وأساتذة التعليم الثانوي مع إشراك أستاذ جامعيّ في بعض الحالات. وقد عمل المؤلّفون على أن تكون تلك الكتب متماشية مع المقاربة البيداغوجيّة الجديدة ألا وهي المقاربة بالكفايات التّي بني على أساسها الإصلاح التربويّ الثالث لتونس المستقلّة (جويلية 2002).
ويمكن القول إن هذا الجيل من الكتب المدرسيّة – الذي خضع للتقييم والمتابعة من قبل لجان خاصة- شهد نقلة نوعيّة تمثّلت في رغبة كبيرة في تحقيق الانسجام بين المقاربة البيداغوجيّة وبنية الكتاب المدرسيّ ومضامينه. وبالعودة إلى الأساتذة الذين حاورناهم، نشير إلى أنّهم مجمعون على أهميّة الكتاب المدرسيّ، وعلى أنّه يظلّ الوسيلة التعليميّة الأولى لاسيّما بالنسبة إلى تلاميذ المناطق الريفيّة والنائية، حيث الولوج إلى موارد تعليميّة ومحامل بيداغوجيّة أخرى عسير إن لم يكن مستحيلا. وعليه يشكّل الكتاب المدرسيّ المحمل البيداغوجيّ الوحيد لشريحة واسعة من المتعلّمين، وأيضا للمعلّمين ولاسيّما المبتدئين منهم في مختلف الموادّ الدّراسيّة وليس في مادّة التربية المدنيّة لوحدها.
اتّفق الأساتذة أفراد العيّنة على ضرورة تطوير الكتاب المدرسيّ سواء من ناحية المضمون أو من ناحية الشكل. ففي نظرهم، لم يعد الكتاب المدرسيّ جذّابا على مستوى الإخراج. وكما قال بعضهم “في عصر رقميّ يتزايد فيه الاهتمام بالصّورة بشكل غير مسبوق، بل إن المنافسة محتدمة حول مزيد تجويد الصورة والدليل على ذلك الجهد المبذول من قبل شركة تصنيع التلفاز والهاتف المحمول، فإنّه لم يعد مقبولا أن يتضمّن الكتاب المدرسيّ صورا لا تشدّ انتباه المتعلّمين. ومن هنا كان اتّفاق الأساتذة واضحا على أن يُراعى البعد الجماليّ للكتاب المدرسيّ في أي إصلاح تربويّ قادم حتّى يساعد على ترغيب المتعلّمين في الانخراط أنشطة التعليم والتعلّم”.
وإضافة إلى البعد الجماليّ شبه الغائب عن الكتب المدرسيّة، اعتبر الأساتذة أن كتب التربية المدنيّة الحاليّة – وعلى أهميّة الدور البيداغوجيّ الذي تقوم به – تحتاج إلى تعديل وتحيين. فهذه الكتب تتضمّن أحيانا وضعيّات غير دالّة بالنسبة إلى المتعلّمين. وقد أورد بعضهم مثال المقارنة بين الانتخابات في تونس وفي أمريكا. بمعنى أن هذه الكتب لا تيسّر استيعاب تلك القيم، ولهذا ينادي جلّ الأساتذة الذين جرت مقابلتهم بمراجعتها حتّى تنسجم مع منطق إرساء قيم المواطنة، مثل الانسجام مع بيداغوجيا المشروع التّي تعدّ في نظرهم أكثر ملاءمة لتوطين قيم المواطنة وتبيئتها في المجتمع التونسيّ.
ومن التّوصيات المهمّة التي قدّمها أعضاء العيّنة والتي يقدّرون أن من شأنها أن تساعد على تجديد الكتب المدرسيّة حتّى تساعد على نشر قيم المواطنة، تلك المتّصلة بالاستفادة من التكنولوجيات الحديثة في تطوير الكتب المدرسيّة. فالتلميذ “لم يعد يهتمّ كثيرا بالنّصوص الجوفاء” حسب عبارة إحدى الأستاذات. ولذلك من الأفضل أن يُرْفَق الكتاب المدرسيّ بمحامل رقميّة من قبيل أشرطة وثائقيّة عن حقوق المواطن ومسؤولياته وتطوّرها من عصر إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى. فهذه المُرفقات التقنيّة – البيداغوجيّة تُعرض وتُناقش بصفة جماعيّة في الفصل، وبذلك يتمكّن المتعلّمون من المراوحة بين الرّقميّ والورقيّ، وهي مهارة غدت مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى.
ويستوجب هذا التوجّه من الأستاذ كفايات عالية في مجال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال، الأمر الذي يفرض تكوين المعلّمين في هذا المجال. كما يتطلّب من الإدارة رؤية مغايرة لتلك السائدة اليوم والتي تعتبر استخدام التكنولوجيا الحديثة بمختلف أصنافها حكرا على الموادّ العلميّة والتكنولوجيّة. وبعبارة أخرى، لئن ثمّن الأساتذة أهميّة الكتاب المدرسيّ الحاليّ، فإنّهم يرونه غير قادر على شدّ انتباه المتعلّمين. ولذا يكون المطلوب – من وجهة نظرهم- التجديد في الكتاب المدرسيّ بما يتماشى وانتظارات المتعلّمين والأساتذة في الآن ذاته، علما وأن بعض الأساتذة ابدوا تخوّفا من الانعكاس السلبيّ للرقمنة على القراءة ومطالعة الكتب بشكل عام.
تبدو وجهة نظر الأساتذة مقبولة، باعتبار أن العمل التربويّ تجديديّ بالضرورة. ولكن مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها منها: كيف تكون التكنولوجيا الحديثة داعمة للكتاب الورقي وليست بديلا عنه؟ وهل أن تعويض الكتاب المدرسيّ أو حتّى دعمه بمحامل رقميّة يجعل من المتعلّمين يقبلون عليه؟ أم أنّه سيزيد من نفورهم من القراءة بشكل عام؟
بدا إجماع الأساتذة واضحا على ضرورة تجديد الكتب المدرسيّة لا من ناحية المضمون فقط، وإنّما أيضا من ناحية الشكل ومن ناحية توفير أرضيّة للتّجديد في الأنشطة التعليميّة – التعلّميّة. وهذا في اعتقادنا يجعل من التربية المدنيّة تيسّر توطين قيم المواطنة، ولكنّه يطرح في الآن ذاته تحدّيات كبيرة على مختلف الفاعلين التربويّين ولاسيّما منهم إطار التّدريس الذي يجد نفسه مضطرّا إلى بناء استراتيجيّات تعلّم جديدة.
*التكامل بين الموادّ الدّراسيّة:
لم يخص النّظام التّربويّ التّونسيّ التربية على المواطنة بمادّة دراسيّة بعينها، بل اعتبرها مسألة أفقيّة عابرة تُسهم في تحقيقها مختلف الموادّ الدّراسيّة بلا استثناء. ومن هذا المنطلق كان اختيار التّكامل بين الموادّ الدّراسيّة محورا للنّقاش مع مجموعات المدرّسات والمدرّسين الذين تمّت محاورتهم. بمعنى بما أن التوجّه العام للمنظومة التربويّة التونسيّة هو جعل قيم المواطنة مسألة أفقيّة تعمل كلّ الموادّ الدّراسيّة بلا استثناء على تنميتها وتجذيرها لدى النّاشئة، فإنّه بات من المعقول بل من المؤكّد التساؤل عن مدى نجاح ونجاعة هذا التمشّي.
بدت قناعة الأستاذات والأساتذة واضحة بأن نقل قيم المواطنة وتجذيرها لدى المتعلّمين مسألة أفقيّة بالضرورة، وعليه لا يمكن أن تضطلع بذلك مادّة دراسيّة واحدة، لأنّ المسألة تتّصل بترسيخ قيم ومواقف تعدّ أسس العيش المشترك. وفي مقابل هذه القناعة التي ترتقي إلى مسلّمة، أظهر المحاورون نوعا من الإحباط، حيث كان الاتّفاق بينهم واضحا على كون بعض الموادّ الدّراسيّة باتت غير معنيّة بسؤال نقل قيم المواطنة وتوطينها لدى المتعلّمين، وبالتحديد تلك الموادّ التّي “اخترقها رأس المال” حسب عبارة إحدى الأستاذات.
إذا كانت كلّ الموادّ الدّراسية – من حيث المبدأ معنيّة بسؤال المواطنة، فإنّ انحرافا ما حصل لدى أغلب الموادّ الرئيسيّة (ذات الضوارب المرتفعة)، حيث انصبّ التركيز فيها على الدّروس الخصوصيّة ومن ثم على الرّبح وعلى الغُنم الذّاتي بالنسبة إلى التلميذ كما بالنسبة إلى الأستاذ، وهو ما لا يتماشى مع منطق التربية على المواطنة. “فكيف سنستطيع إقناع المتعلّمين بأهميّة قيم المساواة والعدالة والإنصاف وهم يرون الدّروس الخصوصيّة تنتهك تلك القيم؟” تساءل أحد الأساتذة. بتعبير ثان، جعل تركيز مدرّسي بعض الموادّ “الأساسيّة” على الدّروس الخصوصيّة العديد من المتعلّمين ينظرون إلى الفعل التربويّ عامّة من منطلق النّجاح والرّسوب، وبالتّالي من باب المنفعة الشخصيّة لا غير. وقد أدّى تفاقم ظاهرة الدّروس الخصوصيّة إلى اهتزاز صورة المربّي القدوة الذي يعمل على تجذير قيم المواطنة.
بناء على ما سبق، أسهمت هرميّة الموادّ الدّراسيّة في تعزيز صورة موادّ تحتكر مفتاح النّجاح في الحياة العامّة والعمليّة. وفي المقابل، أفضت تلك التراتبيّة إلى خفوت مسألة القيم، فبدت باهتة غير مثيرة لانتباه التلميذ، باعتبار أن الموادّ التي تحتضنها ضعيفة الضّارب ومحدودة التوقيت. وقد اعتبر العديد من الأساتذة تكليفهم من قبل الإدارة دون غيرهم من زملائهم بقراءة الوثائق الخاصّة بالاحتفال بالمناسبات الوطنيّة (عيد الاستقلال…) والمناسبات الدّوليّة (تاريخ صدور الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان) على أنّه مكرّس لتوجّه مغاير للمبدأ العام، بحيث أصبحت بعض الموادّ لا غير معنيّة بنقل قيم المواطنة وتجذيرها لدى المتعلّمين، وفي طليعتها مادّة التربية المدنيّة.
ومن الحجج الأخرى التي ساقها الأساتذة لدعم أفكارهم ورؤاهم ما أطلقوا عليه “عجز مستشاري التوجيه المدرسيّ والجامعيّ عن الولوج إلى قاعات درس الموادّ الأساسيّة العلميّة والتقنيّة والأدبيّة، عند رغبتهم في محاورة المتعلّمين حول التوجيه المدرسيّ والجامعيّ. ففي نظرهم يتفادى أولئك المستشارون حصص الموادّ الأساسيّة حتى “لا يُخسرون المتعلّمين وقتا”، ولذلك تراهم يتخيّرون إعلام المتعلّمين بمستجدّات عمليّة التّوجيه في حصص التربية المدنيّة وغيرها من الموادّ الاجتماعية ذات الضّوارب الضّعيفة والمعنيّة أكثر من غيرها بالتربية على قيم المواطنة وفقا لوجهة نظر المدرّسات والمدرّسين.
تعكس هذه المفارقة بين توجّهات النصّ الرّسميّ وبين الممارسة الفعليّة – التّي تجعل من التربية على قيم المواطنة اختصاصا للموادّ “غير الأساسيّة”- إشكاليّة عميقة تتّصل بالفلسفة التربويّة للمنظومة التربويّة التونسيّة، وهي فلسفة طغت عليها نزعة براغماتيّة ونفعيّة أعلت من شأن موّاد، وأعطت موادّ أخرى دورا ثانويّا الأمر الذي انعكس على مواقف المتعلّمين من مسألة التربية على القيم عامّة وقيم المواطنة خاصّة. بعبارة أخرى، إن القول بانّ كلّ الموادّ الدّراسيّة معنيّة بنشر قيم المواطنة وترسيخها لدى المتعلّمين لا يعدو أن يكون مجرّد شعار حسب أغلبيّة الأساتذة الذين حاورناهم، وواقع المدرسة التونسيّة – ووفقا لآراء العيّنة التي اشتغلنا معها – يبيّن أنّ موادّ معيّنة انصرفت إلى ما هو معرفيّ مستفيدة من تلك النزعة البراغماتيّة التي حكمت تصوّرات الأولياء وبعض الإداريّين، الأمر الذي أفضى إلى غياب التّكامل بين الموادّ الدّراسيّة.
لا يبدو أن التّصوّر الذي حدّد في برنامج البرامج[35]والذي قسّم الموادّ الدّراسيّة إلى عائلات من قبيل اللّغات والاجتماعيّات…قد تمّ تفعيله. فمن النّاحية النّظريّة تشترك هذه العائلات في كفايات وتختلف في أخرى، إلا أن الواقع اليوميّ بالمؤسّسة التربويّة لا يعكس ذلك التكامل والتشارك، بل على العكس من ذلك تماما يبرز قطيعة بين تلك العائلات وبين موادّ العائلة الواحدة، إذ تشتغل كلّ مادّة دراسيّة في استقلاليّة تامّة عن المواد الأخرى، بل في أحيان ليست بالقليلة ووفقا لما أورده عدد من أعضاء العيّنة “لا يتمّ التّكامل حتّى بين مدرّسي الاختصاص الواحد”.
يبدو من مواقف هؤلاء الأساتذة أن مسألة التربية على قيم المواطنة تواجه صعوبات متعدّدة أبرزها مفارقة الممارسة الميدانيّة للنّص. فهذا الأخير يشدّد على التّكامل بين الموادّ الدّراسيّة وبين عائلات المواد المختلفة، وفي المقابل تكشف الممارسة اليوميّة عن تنافر بين المواد وبين العائلات. ومن ثم، فإنه يجوز القول إن التّشديد في النصّ المرجعيّ على أفقيّة مسألة التربية على قيم المواطنة لا يعني بالضّرورة أن الممارسة اليوميّة تنسجم مع ذلك التّوجّه، فهي تخضع لتصوّرات اجتماعيّة تتمحور بالأساس حول النّجاح في الدّراسة باعتباره مفتاح النّجاح في الاندماج في الحياة المهنيّة والعمليّة، فغلّبت تلك التّصوّرات بذلك مبدأ “تعلّم لتعمل” على مبدأ “تعلّم لتشارك الآخرين”[36].
*النّظام التأديبيّ وتأثيره في التربية على قيم المواطنة:
يشكّل النّظام التّأديبيّ مكوّنا أساسيّا من مكوّنات المنظومة التربويّة. ويُفترض أن يكون النّظام الداخليّ الخاصّ بكلّ مؤسّسة تربويّة منسجما مع ذلك النّظام. وعادة ما يتمّ اللّجوء إلى النّظام التأديبيّ عند ارتكاب أحد المتعلّمين مخالفة من قبيل الغشّ أو العنف أو تعاطي الموادّ المؤثّرة عقليّا… الخ. ويرتبط النّظام التأديبيّ بالبعد القانونيّ للتربية على المواطنة والذي يتمحور حول سؤال مركزيّ ألا وهو كيف نربّي على حبّ القانون وليس على الخشية منه؟
كثيرا ما كان النّظام التّأديبيّ من العناصر المسكوت عنها في المدرسة التونسيّة، وهو يعود إلى سنة 1958 تاريخ أوّل نظام تربويّ لتونس المستقلّة، عندما صدر “مرسوم يقرّ حجز التلميذ يوم الأحد[37]“. وقد ألغي العمل به مع نهاية السنة الدّراسيّة 1973-1974[38] . ولئن وُفّق هذا المرسوم “في الحدّ من التسيّب والتقصير في أداء الواجبات المدرسيّة، إلا أنّه كان له أثر سيء على شخصيّة التلميذ ووجدانه، فضلا عن كونه يحوّل المؤسّسة التربويّة إلى ما يشبه المعتقل ويصوّرها في ذهن التلميذ في أبشع صورة فيزيد من نفوره منها، وتنحرف عن مسارها[39]“.
وبعد إلغاء هذا النصّ المنظّم للعقوبات جاء نظام بديل سنة 1974 قام على مبدأ تدرّج العقوبة “من الملاحظة كإجراء أوّلي ثم الإنذار في مرحلة ثانية ثم الرّفت بثلاثة أيّام ثم الإحالة على مجلس التأديب[40]“. وقد ظلّ هذا القانون سائدا إلى تاريخ صدور المنشور عدد81/91 بتاريخ سبتمبر 1991 الذي تضمّن تعديلات أدخلت على منشور 1974 “شملت أستاذ القسم ونظام المذاكرة التكميليّة وإدخال التّعديلات على تركيبة مجلس المؤسّسة، وبدا العمل به خلال العام الدّراسيّ 1991-1992[41]“. ولا يزال العمل بهذا المنشور ساريا إلى اليوم.
في تفاعلهم مع سؤال ما إذا كان النّظام التأديبيّ المعتمد ييسّر نقل قيم المواطنة وترسيخها لدى المتعلّمات والمتعلّمين، كانت إجابات الأساتذة متناغمة ومنسجمة في البداية حول حسن العلاقة بين أستاذ التربية المدنيّة والتلميذ لاعتبارات عديدة منها طبيعة المادّة ذاتها التّي تُخاطب بالأساس الجانب الوجدانيّ –السّلوكيّ وتوفّر فرصا للتّحاور وتبادل الآراء بين التلميذ والأستاذ.
أما في خصوص النّظام التأديبيّ ذاته، فهناك شبه اتّفاق بين المدرّسات والمدرّسين الذين تمّت محاورتهم على “أنّه أُنجز من قبل الكهول فقط”، حيث “كانت مساهمة المتعلّمين في بنائه غائبة”، وهو بذلك بعيد كل البعد عن “فكرة الميثاق الذي يبنى بطريقة جماعيّة وتشاركية”. وتلخّص هذه العبارات رؤية جديدة يتبنّاها أساتذة التربية المدنيّة حول النّظام التأديبيّ ومفادها أن قواعد تنظيم العيش المشترك بالمدرسة – وحتّى تكون محلّ التزام من قبل الجميع – لابدّ أن تبنى بطريقة جماعيّة وتشاركيّة. فالتّجارب أثبتت أنّ الإنسان لا يلتزم طوعا إلا بالقوانين التي ساهم في وضعها. وقد بيّن جان بياجيهPiagetJ.اعتمادا على ملاحظته لقوانين لعبة الكجّات les billets عند الأطفال، أن هؤلاء الصّغار لا يلتزمون إلا بقواعد وقوانين اللّعبة التّي وضعوها بأنفسهم، وأنهم لا يخضعون للقواعد التّي وضعها الكهول أو بالأحرى فرضها عليهم الكهول إلا مادام هؤلاء حاضرين يراقبون الأطفال وهم يلعبون[42].
أفصحت آراء المربيّات والمربّين بالولايتين مجال الدّراسة (الكاف وسليانة) على أن من بين المتعلّمين من يرتكب أخطاء تستوجب العقاب، ولكن أيضا لا يمكن إنكار أنّ من بين المتعلّمين من كان ضحيّة ردّ فعل وقع فيه نتيجة عنف لفظيّ أو بدنيّ من الأستاذ أو من أحد المربّين الآخرين. فالمتعلّمين- ومثلما شدّد على ذلك أغلب المدرّسات والمدرّسين- يتعرّضون في أحيان كثيرة إلى عنف لفظيّ أو بدنيّ من المربّين (كأن يُنعت أحدهم بالحيوان، أو يتعرّض للضرب…)، الأمر الذي يولّد في حالات كثيرة ردّ فعل عنيف من قبلهم، بل يصل الأمر ببعضهم إلى النّفور من المؤسّسة التربويّة.
ووفقا لوجهات نظر أفراد العيّنة، بات النّظام التأديبيّ بالمدارس الإعداديّة والمعاهد الثانويّة بتونس في حاجة إلى ملحّة إلى التغيير حتّى يساعد على تبيئة قيم المواطنة بالوسط المدرسيّ. وبتعبير مغاير، لم يعد النّظام التأديبيّ المعمول به حاليّا ميسّرا لنشر تلك القيم، هذا فضلا عن كونه صار مرفوضا من قبل مختلف الفاعلين التربويّين بمن فيهم أولياء المتعلّمين. ومن هذا المنطلق تقدّم الأساتذة الذين تمّت محادثتهم بمقترحات من شأنها أن تجعل ذلك النّظام التأديبيّ منسجما مع عمليّة بناء الإنسان المواطن، الذي يحبّ القانون ولا يخشاه. وقد تضمّنت هذه الاقتراحات ما يلي:
- احترام حقوق الطفل عند وضع أي قانوني تربويّ.
- اعتماد نظام الوساطة المدرسيّة.
- تركيز خلايا الإصغاء والإنصات في مختلف المؤسّسات التربويّة، على أن يكون من بين أعضائها القارّين أخصّائي نفسانيّ أخصّائي اجتماعيّ.
- إشراك ممثّلي المتعلّمين في وضع القانون التأديبيّ والتعريف به لدى رفاقهم.
- اعتماد ميثاق القسم (الفصل) الذي يرسم قواعد التّواصل والتّفاعل بين المتعلّمين والمعلّمين.
وإضافة إلى هذه الإجراءات المتّصلة بوضع القانون المدرسيّ أكّد المربّون على ضرورة حسن تكوين المعلّمين (الأساتذة) في مجال التّواصل مع الأطفال والمراهقين وذلك حتّى يتمّ تجنّب كلّ سلوك من شأنه أن يولّد ردود فعل سلبيّة من قبل المتعلّمين. بمعنى يمرّ ترسيخ قيم المواطنة بالأساس عبر التّواصل الفعّال والنّاجع وليس بالعقوبات والتهديد والوعيد. ومن أسس التّواصل الفعّال المشاركة وتبادل الآراء ووجهات النّظر والاتّفاق على وقاعد العيش معا.
وعموما، بدا الانطباع السّائد لدى الأساتذة حول النّظام التأديبيّ سلبيّا، بمعنى أن القانون التأديبيّ الحالي يشكّل صعوبة إضافيّة أمام توطين قيم المواطنة، فهو يدعّم التّصوّر السّائد في المجتمع الذي يعتبر أن القانون لا يطبّق إلا على الطرف الضّعيف، الذي هو التلميذ (في المدرسة). وبذلك نكون أمام دعوة ضمنيّة لإعادة النّظر في القانون التأديبيّ وتبنّي صيغ جديدة تجعله متلائما مع قيم المواطنة.
*تكنولوجيا المعلومات والاتّصال ودورها في تيسير نقل قيم المواطنة إلى المتعلّمين:
ظهر جليّا الاتّفاق بين مختلف أفراد على أهميّة تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في حياة المتعلّمين اليوم. فقد أتاحت هذه التكنولوجيات للتّلاميذ هامشا كبيرا من الحرّية ما كان ليتوفّر لهم في غيابها. وهذا يعني أن إقبال المتعلّمين على هذه الوسائط كبير، إذ هم يرون فيها فضاء عامّا بديلا عن الفضاء العامّ التقليديّ الخاضع لضوابط أوجدها بالأساس الكهول. ومن أبرز تبعات ذلك الهامش المتّسع من الحرّية – الذي أتاحته تكنولوجيا المعلومات والاتّصال- قدرة المتعلّمين على التّواصل والمبادرة وبناء علاقات مع الآخرين بعيدا عن رقابة الأولياء والمعلّمين، فضلا عن قدرتهم على تبادل المعلومات في وقت سريع.
لكن السّؤال الذّي يفرض نفسه، هو كيف تكون تكنولوجيا المعلومات والاتّصال عاملا مساعدا على نقل قيم المواطنة وترسيخها لدى المتعلّمين؟ أو بالأحرى ما السبيل للاستفادة من إقبال المتعلّمين على تلك الوسائط التقنيّة لترسيخ القيم؟
تمّت الإشارة في عنصر سابق إلى أنّ هذه التكنولوجيات الحديثة والمتطوّرة تُتيح اليوم فرصا لتطوير الكتاب المدرسيّ وتدعيمه لاسيّما وأن ذلك الكتاب في نسخته الورقيّة لم يعد جذّابا بالنسبة إلى شرائح متزايدة من المتعلّمين. وهذا يعني أن فرص الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في جذب اهتمام المتعلّمين وفي خلق دافعيّة لديهم متاحة بشكل كبير.
أظهر الأساتذة المحاورون اقتناعا راسخا بنجاعة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في عمليّة التعليم والتعلّم. وهذا الإيمان المعلن بنجاعة هذه الوسائط من شأنه أن ييسّر للباحثين في الشأن التّربويّ اعتماد نظريّة الاستخدامات الاجتماعيةla théorie des usages sociaux التي تطرح سؤالا بديلا عن سؤال الحتميّة التكنولوجيّة. بمعنى إذا كان سؤال هذه الأخيرة هو “ما ترى الآلات فاعلة بالبشر؟”، فإنّ سؤال نظريّة الاستخدامات الاجتماعية هو “ما ترى البشر فاعلين بهذه التقنيات؟”. بعبارة أخرى، لا خوف لدى المدرّسات والمدرّسين من استخدام تلك التكنولوجيّات كدعائم بيداغوجيّة des supports pédagogiquesلنقل قيم المواطنة إلى النّاشئة وترسيخها، خاصة أن تلك الوسائط التقنيّة تيسّر ممارسة نوع من المواطنة العالميّة (مثل الانخراط في أنشطة كسب التأييد لقضايا حقوق الإنسان) مثلما اعتبر ذلك بعض الأساتذة.
تحمل هذه القناعة بأهميّة توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتّصال في نقل قيم المواطنة وتجذيرها عند المتعلّمات والمتعلّمين بعدين اثنين. يتمثّل أوّلهما في ضرورة الاستفادة من إقبال المتعلّمين على تلك الوسائط. ويتّصل ثانيهما بكسب المدرسة رهان المبادرة بحيث تكون هي الفضاء الذي ينمّي كفايات المتعلّم في التّحكّم في التكنولوجيات الحديثة ويؤطّرها على النّحو المطلوب، بما يعنيه من التأطير من مضمون قيميّ يوجّه استخدامات المتعلّمين لتلك الوسائط.
ولئن أجمع أفراد العيّنات على أن استخدام التكنولوجيات الحديثة لم يعد خيارا بل هو ضرورة ملحّة، ورهان لا بديل عن كسبه، فإنّهم اعترفوا بوجود عوائق حقيقيّة أمام توظيف تلك الوسائط التقنيّة، لذلك عدّدوا مجموعة من الصّعوبات منها ما هو تقني ومنها ما هو على علاقة بطريقة تعاطي المؤسّسة التربويّة التونسيّة مع تلك الوسائط. فعلى الصعيد التقنيّ تبدو العراقيل صارخة منها افتقار قاعات الدّراسة لكلّ التجهيزات، ف “حتّى الكهرباء تضاء مباشرة من مكتب المرشد التربويّ” حسب قول إحدى الأستاذات. وإذا “ما استثنينا بعض المخابر، فإن بقيّة القاعات بالمدارس الإعداديّة والمعاهد الثانويّة ليست ملائمة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتّصال” حسب قول جلّ المدرّسين.
وقد أثار الأساتذة المحاورون عراقيل تتّصل بغياب قاعة اختصاص لكلّ مادّة دراسيّة الأمر الذي لا يشجّع على الاستخدام النّاجع للتكنولوجيات الحديثة، فالمدرّس يهدر زمنا غير هيّن عند تنقّله من قاعة إلى أخرى، وهو زمن كان يفترض أن يخصص للتعلّم زيادة على عدم توفّر التجهيزات اللازمة بكلّ القاعات والتّي تيسّر له استخدام تلك الوسائط الجاذبة للتلميذ.
أمّا بالنسبة إلى طريقة تعاطي المؤسّسات التربويّة التونسيّة مع تلك التجهيزات، فقد أفردت المنظومة التربويّة التونسيّة الوسائط التقنية بشعبة عُرفت بعلوم الإعلاميّة، ما يعني أن تلك المنظومة تثمّن أهميّة اكتساب المتعلّمين كفايات التعامل مع هذه الوسائط وتعمل على تنميتها. ولكن هذا التثمين لم يكن شاملا لمختلف الشعب والمواد الدّراسية. وعليه تميّز تعاطي الإدارة بنوع من التفضيل والتمييز، فتعمل على توفير الأجهزة المختلفة لأساتذة العلوم والتكنولوجيا…وتستثني بعض الموادّ الأخرى من تلك التجهيزات ومن بينها التربية المدنيّة.
لم يكتف الأساتذة أفراد العيّنة بالوقوف عند هذه النقاط، بل تطرّقوا إلى مسألة في غاية الأهميّة ألا وهي تكوين المدرّسين في مجال التكنولوجيات الحديثة مع مراعاة الا يكون التكوين تقنيا محضا. فإذا كان التكوين في مجال التكنولوجيا أمرا لا غنى عنه، فإنه بات اليوم يقتضي عدم اختزاله في الممارسة التقنيّة بحيث يكيّف وفقا لخصوصيّات كلّ مادّة دراسيّة حتّى يكون الاستخدامملبيّا لحاجات المعلّمين وانتظاراتهم ومساعدا لهم على تبيئة قيم المواطنة.
نزداد أهميّة استخدام التكنولوجيا الحديثة في حياة الإنسان عامة، وفي حياة الشرائح الاجتماعية صغيرة السن على وجه الخصوص. ومن ثم يكون من المهمّ حسن توظيف تلك الوسائط في نشر قيم المواطنة وتجذيرها لدى النّاشئة. بيد أن هذا الهدف لن يتحقّق إلا إذا تظافرت جهود مختلف الفاعلين التربويّين حتّى تكون كفاءة الاستخدام دالّة على مهارة عمليّة وعلى أخلاقيّات وضوابط مدنيّة تساعد على تجذير قيم المواطنة في الفضاء التربويّ. وبتعبير ثان، ليست التكنولوجيا مستقلّة بذاتها، فالمستخدم يضمّنها من القيم ما يراه مناسبا. ولما كان الأمر كذلك، فإن القيم تحتاج إلى أن تجد لنفسها قنوات حاملة تنقلها من فرد إلى آخر ومن جيل إلى آخر ومن مجموعة إلى أخرى ومن فضاء حضاريّ إلى فضاء آخر.وهذه العلاقة بين التكنولوجيا الحديثة والقيم تحتاج إلى عمل منظّم مثل الذي يوكل عادة إلى المدرسة.
تحتّم هذه التّحدّيات المختلفة التّي عدّدها أفراد العيّنة على القائمين على الإصلاح التّربويّ القادم اعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتّصال مدخلا لتجديد طرق نقل قيم المواطنة إلى المتعلّمين، لأن الأساليب القديمة لم تعد كافية لنشر تلك القيم وترسيخها لدى المتعلّمين في عصر اكتسحت فيه هذه الوسائط مختلف جوانب حياتهم. فمسائل العيش المشترك يمكن مقاربتها بطرق يكون للتكنولوجيا الحديثة دور محوريّ فيها. عندها يمكن التّساؤل لم لا تكون هندسة الدرس بطريقة تفاعليّة تفرض الاستعانة بالوسائط التقنيّة الحديثة؟ ولم لا تكون قيم المواطنة مضمّنة في محامل رقميّة تُغري المتعلّم بالولوج إليها والتّعمّق فيها؟
*التكوين الأساسي والمستمرّ وتأثيرهما في عمليّة نقل المواطنة
في البداية لابد من الإشارة إلى أنّ التّطرّق إلى مسألة التكوين أملاه في واقع الأمر معطيان أساسيّان يتجلّى أوّلهما من خلال تنوّع الاختصاصات الأصليّة لمدرّسي التربية المدنيّة، فهم ينحدرون من علم الاجتماع والقانون والصحافة والتنشيط الثقافيّ والتربية المدنيّة والفلسفة…الخ. وبقدر ما يعتبر هذا التنوّع ثراء، فإنّه يعدّ أيضا مصدر إشكاليّات تتعلّق بالتكوين الأساسيّ وعلاقته بمسألة بناء الإنسان المواطن. وأما ثانيهما فيتّصل بالحداثة النسبيّة للتكوين المستمرّ في مجال التربية على المواطنة، حيث لم تفرد هذه المسألة بتكوين خاص إلا سنة 2004، وكان ذلك في إطار شراكة بين وزارة التربية والتكوين والمعهد العربيّ لحقوق الإنسان (مقرّه تونس). وقد شمل هذا التّكوين في مرحلة أولى مشرفين بيداغوجيّين (متفقّدين بيداغوجيّين) من موادّ دراسيّة مختلفة (التربية المدنيّة، الفلسفة، التّاريخ، الجغرافيا، الفرنسيّة)، ليشمل هذا التكوين لاحقا المدرّسين تدريجيّا. ولكن في ظلّ غياب متابعة دقيقة لأثر التكوين يكون من الضروري التوقّف عنده لتبيّن مدى نجاعة مساهمته في نقل قيم المواطنة.
شدّد الأساتذة الذين حاورناهم على أنهم تلقوا تكوينا في مجال التربية على المواطنة، وكان ذلك في سياق حصص نُظّمت بالمراكز الجهويّة للتربية والتكوين المستمرّ. وقد سمح لهم هذا التكوين بالوقوف عند الأبعاد البيداغوجيّة والديداكتيكيّة للتربية على المواطنة، كما ساعدهم على تناول قيم المواطنة من خلال أنشطة تفاعليّة ترتكز على العمل التّعاونيّ والتّشاركيّ. بيد أن هذا التكوين يظلّ على أهميّته غير كاف. فالأستاذ يجد نفسه في حالات عديدة في وضع مغاير لحصص التكوين، فلا قاعات التدريس المكتظّة بالمتعلّمين تُيسّر الاشتغال بطرق تفاعليّة، ولا المؤسّسات التربويّة مجهّزة بما يكفي من الوسائل السمعيّة البصريّة والوسائط التكنولوجيّة بما يسهّل توظيفها في القسم. بمعنى أن ما كان متاحا لأستاذ(ة) في حصص التّكوين ليس متوفّرا له في فضاءات العمل، الأمر الذي يجعل أنشطة التعليم والتعلّم متمحورة حول الأسناد التقليديّة، فيغيب التّفاعل وتنويع مسارات التّواصل بالفصل.
إن التكوين يحتاج الى تجديد، من ناحية المضمون والوسائل، ويحتاج المدرّس إلى مكوّنين من خبرات مختلفة في مجالات التربية على المواطنة، شريطة ألا يختزل ذلك التّكوين في تقديم معارف نظريّة، فالأهمّ من تلك المعارف هو تنويع طرائق نقلها إلى المتعلّمين حتى يتسنّى لهؤلاء استيعاب تلك القيم والالتزام بها، ومن ثم العمل بها في حياتهم اليوميّة والعمليّة.
تعليق عام:
تعتبر مسألة نقل قيم المواطنة وتجذيرها لدى المتعلّمين مسألة أفقيّة عابرة لمختلف الموادّ الدّراسيّة، وصلتها بالتربية المدنيّة واضحة وصريحة. إلا أن هذه المنزلة الخاصة تواجه تحدّيات متنوّعة وفقا للعيّنة التي تمّت محادثة أفرادها. ولئن كانت التّحديات وجيهة ومتنوّعة، فإنّها على أهميّتها تبيّن من جهة عسر مسألة التربية على قيم المواطنة، فهي ليست معارف مجرّدة، إنّها قيم تنقل بغاية بناء مواقف وميولات ومن ثم توجيه سلوكيات المتعلّمين بما يخدم العيش المشترك في فضاء تعدّدي تتحاور فيه الأفكار وتتبادل الآراء. وهي تكشف من جهة أخرى وعي الأستاذات والأساتذة بالصعوبات التّي تحول دون تحقيق المطلوب من التربية على قيم المواطنة، ذلك أن تلك التحدّيات متنوّعة ومتداخلة. ولكن في المقابل بدت ملاحظات المدرّسين خالية من مبادرات للتشارك والتّكامل مع موادّ دراسيّة أخرى، بل حتى من مبادرات تنمّي التعاون والتشارك بينهم.
لم يثر أفراد العيّنة هذه المسألة، وكأنّهم يقرّون لا أفقيّة المسألة، وهم في تشديدهم على منزلة المادّة بين الموادّ، يغلّبون نزعة استقلاليّة الموادّ على نزعة التّكامل والتّعاضد. وبعبارة أخرى، يبرز واقع التربية على قيم المواطنة مفارقة النصّ للواقع، فالنّص يشدّد على أولويّة التربية على المواطنة، والواقع يكشف عن صعوبات جمّة تحول دون تحقيق تلك التربية أهدافها، وهذا التحدّي ينبغي أن يكون من الرّهانات الكبيرة التّي يجب على الإصلاح التّربويّ التونسيّ القادم كسبها.
خاتمة :
تعدّ مسألة نقل قيم المواطنة وتجذيرها لدى النّاشئة التونسيّة مسألة جوهريّة لا سيّما بعد أن اختارت البلاد نهج الديمقراطيّة التي هي ليس أسلوب حكم فقط، أو آلية تداول على الحكم، بل هي بالأساس ثقافة محورها المواطنة بما تعنيه من روابط قيميّة للعيش المشترك. فنجاح الديمقراطيّة رهين تكوين مواطنين أحرار وديمقراطيّين ومسؤولين لا يتردّدون في الانخراط في صنع السّياسة العامة، ولا يتردّدون أيضا في توجيه النّقد الموضوعيّ الذي يعزّز دعائم العيش المشترك ولا يهدمها. ويمكن للتربية المدنيّة أن تكون أيضا في توجيه النّقد الموضوعيّ الذي يعزّز دعائم العيش المشترك ولا يهدمها. وبإمكان للتربية المدنيّة أن تكون قاطرة نقل تلك القيم إذا تغلّبت على الصّعوبات التّي عدّدها أفراد العيّنة، وإذا وجدت المناخ المدرسيّ الملائم.
قائمة المراجع:
1.إدريس بوحوت؛ مفهوم المنهاج ومكوّناته، مجلّة علوم التربية، عدد64، 2016.
2.ثريا بنت أحمد بن سليمان البراشدية؛ دور الإدارة المدرسيّة في تنمية قيم المواطنة لدى طلبة التعليم ما بعد الأساسيّ بسلطنة عمان، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير في التربية، تخصّص الإدارة التربويّة، جامعة نزوى، قسم التربية والدراسات الإنسانيّة، 2012.
3.حمدي أحمد علي عمر؛ دور الجامعة في تنمية قيم المواطنة وتمثّلها لدى الطلاّب في ظلّ تحدّيات العولمة: دراسة ميدانيّة لعيّنة من طلبة جامعة أسيوط سوهاج، مجلّة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانيّة والاجتماعية، المجلّد 14، العدد1، 2017.
4.الحسين زاهدي؛ الكتاب المدرسيّ وإشكاليّة التربية على القيم، مجلّة علوم التربية، العدد 49، 2011.
5.الدهماني ضميّد؛ الكتاب المدرسيّ خزينة المضامين والأنماط الثقافيّة التقليديّة، ضمن مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعية- تونس – ملتقى الكتاب المدرسيّ والنّظام التربويّ (تونس 25-30 مارس 1985)، سلسلة علوم التربية 1، 1986.
6.رشيد جرموني؛ المنظومات التربويّة العربيّة والتحدّي المعرفي: مداخل للنقد والاستشراف، سلا، شمس برينت، 2019.
7.شبل بدران؛ التربية المدنيّة: التّعليم والمواطنة وحقوق الإنسان، القاهرة، الدّار المصريّة اللبنانيّة، 2009.
8.الطاهربوغازي؛ أثر القيم الثقافيّة الخارجيّة على قيم الأسرة، مجلّة علوم التربية، العدد السابع والخمسون، 2013.
9.عبد الباسط هويدي؛ الأبعاد الاجتماعية في استراتيجيّة التدريس بالكفاءات: أطروحة مقدّمة لنيل شهادة الدكتوراه اختصاص علم اجتماع التنمية، جامعة منتوري قسنطينة الجزائر، قسم علم الاجتماع، 2012.
10.عبد السلام السعيدي؛ تدريس مفاهيم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليميّة مع دراسة تطبيقيّة، الدار البيضاء، دار الثقافة، 2001.
11.عبد الله طلافحة؛ درجة توظيف معلّمي التربية الوطنيّة والمدنيّة بالمرحلة الأساسيّة العليا لمشروع التعلّم الخدمي والمعيقات التي تحول دون تنفيذها، المجلّة الأردنيّة في العلوم التربويّة، مجلّد 8، عدد4، 2012.
12.عبد العزيز يوسف؛ مدى إسهام كتب النّصوص الأدبيّة في تحقيق الأهداف التربويّة، ضمن مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعية- تونس – ملتقى الكتاب المدرسيّ والنّظام التربويّ (تونس 25-30 مارس 1985)، سلسلة علوم التربية 1، 1986.
13.عبد الغني عماد؛ علم اجتماع التربية: الاتجاهات والمدارس والمقاربات، بيروت، منتدى المعارف، 2017
14.عمارة بنرمضان؛ تدريس التّربية المدنيّة: من التّقبّل السّلبيّ إلى تغيير السّلوك، النشرة التربويّة (سلسلة جديدة)، 2001.
15.ناصيف نصّار؛ في التربية والسياسة: متى يصير الفرد في الدول العربيّة مواطنا؟ بيروت، دار الطليعة، ط2، 2005.
15.وزارة التربية والتكوين، إدارة البرامج والكتب المدرسيّة، برنامج البرامج 2003.
16.يونسالشامي الأشهب؛ سوسيولوجيا المواطنة أم علم تربية المواطنة؟ أنماط العلاقة بين النسق الاجتماعيّ والنّسق التربويّ ضمن خصوصيّة التربية على المواطنة، إضافات، العددان 23-24، 2013.
17.Audigier (F) ; Impossible et nécessaire éducation civique,.https://www.unige.ch.
18.Hafaiedh (A) ; Choix publics d’éducation et culture civique : une étude intergénérationnelle sur le lien social et le lien citoyen chez les étudiants tunisiens ; Tunis, Université de Tunis, Faculté des sciences humaines et sociales de Tunis, 2002.
19.Kitzinger (J) &alt ; Qu’est-ce que les focus groups ? Bulletin de psychologie, tome 57 (33)/471, mai-juin 2004.
20.Moreau (A) & alt., Méthode de recherche : S’approprier la méthode de focus group, la revue du Praticien, médecine générale, Tome 18 ; N°645, 2004.
21.Piaget (J) ; le jugement moral chez l’enfant, Paris, PUF, 1973.
22.Postic (M) ; La relation éducative ; Paris, PUF, 1982.
23.Raynal (F) &Rieunier ; Pédagogie : Dictionnaire des concepts clés : apprentissages, formation et psychologie cognitive, Paris, ESF, éditeur, 1997.
[1] عبد الغني عماد؛ علم اجتماع التربية: الاتّجاهات والمدارس والمقاربات، بيروت، منتدى المعارف، 2017، ص 89.
[2]المرجع نفسه، ص 89.
[3]المرجع نفسه، ص 89.
[4]رشيد جرموني؛ المنظومات التربويّة العربيّة والتحدّي المعرفي: مداخل للنقد والاستشراف، سلا، شمس برينت، 2019، ص73.
[5]المرجع نفسه، ص 73.
[6]المرجع نفسه، ص 74.
[7]Alain Moreau & alt., Méthode de recherche : S’approprier la méthode de focus group, la revue du Praticien, médecine générale, Tome 18 ; N°645, 2004, p382.
[8]Jenny Kitzinger&alt ; Qu’est-ce que les focus groups ? Bulletin de psychologie, tome 57 (33)/471, mai-juin 2004, p 237.
[9]Françoise Raynal & Alain Rieunier ; Pédagogie : Dictionnaire des concepts clés : apprentissages, formation et psychologie cognitive, Paris, ESF, éditeur, 1997, p96.
[10]Ibid, p96.
[11]Ibid, p96.
[12]عبد السلام السعيدي؛ تدريس مفاهيم حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليميّة مع دراسة تطبيقيّة، الدار البيضاء، دار الثقافة، 2001، ص-ص 213-214.
[13]المرجع نفسه، ص 218 .
[14]Françoise Raynal & Alain Rieunier , op., cit., p 96.
[15]إدريس بوحوت؛ مفهوم المنهاج ومكوّناته، مجلّة علوم التربية، عدد64، 2016، ص 104.
[16]عمارة بنرمضان؛ تدريس التّربية المدنيّة: من التّقبّل السّلبيّ إلى تغيير السّلوك، النشرة التربويّة (سلسلة جديدة)، 2001، ص 129 .
[17]عبد الله طلافحة؛ درجة توظيف معلّمي التربية الوطنيّة والمدنيّة بالمرحلة الأساسيّة العليا لمشروع التعلّم الخدمي والمعيقات التي تحول دون تنفيذها، المجلّة الأردنيّة في العلوم التربويّة، مجلّد 8، عدد4، 2012، ص 348.
[18]ناصيف نصّار؛ في التربية والسياسة: متى يصير الفرد في الدول العربيّة مواطنا؟ بيروت، دار الطليعة، ط2، 2005، ص18.
[19]François Audigier ; Impossible et nécessaire éducation civique,.https://www.unige.ch
[20]عبد الباسط هويدي؛ الأبعاد الاجتماعيّة في استراتيجيّة التدريس بالكفاءات: أطروحة مقدّمة لنيل شهادة الدكتوراه اختصاص علم اجتماع التنمية، جامعة منتوري قسنطينة الجزائر، قسم علم الاجتماع، 2012، ص 131.
[21]المرجع نفسه، ص 133.
[22]المرجع نفسه، ص131.
[23]المرجع نفسه، ص –ص 133-134.
[24]شبل بدران؛ التربية المدنيّة: التّعليم والمواطنة وحقوق الإنسان، القاهرة، الدّار المصريّة اللبنانيّة، 2009، ص –ص 29-30.
[25]AbdelwahabHafaiedh ; Choix publics d’éducation et culture civique : une étude intergénérationnelle sur le lien social et le lien citoyen chez les étudiants tunisiens ; Tunis, Université de Tunis, Faculté des sciences humaines et sociales de Tunis, 2002, p172.
[26]الطاهر بوغازي؛ أثر القيم الثقافيّة الخارجيّة على قيم الأسرة، مجلّة علوم التربية، العدد السابع والخمسون، 2013، ص 34 .
[27]يونسالشامي الأشهب؛ سوسيولوجيا المواطنة أم علم تربية المواطنة؟ أنماط العلاقة بين النسق الاجتماعيّ والنّسق التربويّ ضمن خصوصيّة التربية على المواطنة، إضافات، العددان 23-24، 2013، ص 99 .
[28]ثريا بنت أحمد بن سليمان البراشدية؛ دور الإدارة المدرسيّة في تنمية قيم المواطنة لدى طلبة التعليم ما بعد الأساسيّ بسلطنة عمان، رسالة مقدمة للحصول على درجة الماجستير في التربية، تخصّص الإدارة التربويّة، جامعة نزوى، قسم التربية والدراسات الإنسانيّة، 2012، ص7.
[29]حمدي أحمد علي عمر؛ دور الجامعة في تنمية قيم المواطنة وتمثّلها لدى الطلاّب في ظلّ تحدّيات العولمة: دراسة ميدانيّة لعيّنة من طلبة جامعة أسيوط سوهاج، مجلّة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، المجلّد 14، العدد1، 2017، ص 70.
[30]المرجع نفسه، ص 71.
[31]للتوسّع في العلاقات التربويّة يرجى الرّجوع إلى:Marcel Postic ; La relation éducative ; Paris, PUF, 1982
[32]عبد العزيز يوسف؛ مدى إسهام كتب النّصوص الأدبيّة في تحقيق الأهداف التربويّة، ضمن مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة- تونس – ملتقى الكتاب المدرسيّ والنّظام التربويّ (تونس 25-30 مارس 1985)، سلسلة علوم التربية 1، 1986، ص63.
[33]الحسين زاهدي؛ الكتاب المدرسيّ وإشكاليّة التربية على القيم، مجلّة علوم التربية، العدد 49، 2011، ص 145 .
[34]الدهماني ضميّد؛ الكتاب المدرسيّ خزينة المضامين والأنماط الثقافيّة التقليديّة، ضمن مركز الدّراسات والأبحاث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، مرجع سابق، ص 149 .
[35]وثيقة برنامج البرامج صدرت عن وزارة التربية والتكوين في 2003، وقد قسّمت هذه الوثيقة المرجعيّة الموادّ الدراسيّة إلى عائلات، للمزيد يرجى الرّجوع إلى وزارة التربية والتكوين، إدارة البرامج والكتب المدرسيّة، برنامج البرامج 2003.
[36]تعلّم لتعمل وتعلّم لتشارك الآخرين هما مبدآن من أربعة مبادئ حدّدتها اليونسكو للتعليم، للمزيد أنظر اليونسكو، التعليم ذلك الكنز المكنون، باريس، منشورات اليونسكو، 1995 .
[37]نادرة الكناني؛ مواقف الأساتذة والمتعلّمين من النّظام التأديبيّ المدرسيّ وأثرها على علاقة التّواصل بينهم في القسم (حالة مدرستين إعداديتين برأس الجبل- ولاية بنزرت)، مذكرة لنيل شهادة الماجستير، علم اجتماع، مسلك ثقافة، تربية، اتّصال، تونس، جامعة تونس، كليّة العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة 2016-2017، ص 59.
[38]المرجع نفسه، ص 59.
[39]المرجع نفسه، ص60.
[40]المرجع نفسه، ص 60.
[41]المرجع نفسه، ص60.
[42]Piaget (J) ; le jugement moral chez l’enfant, Paris, PUF, 1973.