خلفيات المطالبة بالحريات الفردية في المغرب
Backgrounds demanding individual freedoms in Morocco
د. إبراهيم والعيز/جامعة محمد الأول، المغرب
Dr. BRAHIM OULAIZ /University of Mohammed 1, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 72 الصفحة 77.
ملخص:تروم هذه الدراسة المتواضعة، تسليط الضوء على أهم الخلفيات والدوافع التي تدفع ببعض الأطراف في المغرب إلى رفع شعار الحريات الفردية دون مراعاة لأحكام الشريعة الإسلامية، ولا لأعراف المجتمع وهويته وتقاليده، ولا لمنطوق القانون وصريحه، مع بيان أهم الأهداف التي يرمي هؤلاء إلى تحقيقها من دعوتهم إلى ممارسة الحرية الفردية دون قيد أو شرط.
الكلمات المفتاحية: الخلفيات-الحرية-الحريات الفردية.
Abstract:
The modest study aims to shed light on the most important backgrounds and motives that push some parties in Morocco to raise the slogan of individual freedoms without regard to the provisions of Islamic Sharia, Nor to the norms, identity and traditions of society, Nor to the expressions of the law, while explaining the most important goals that these people intend to achieve from their call to the exercise of individual freedoms unconditionally.
Keywords: Backgrounds –Freedom -Individual freedoms.
مقدمة
الحرية من المقومات الأساسية التي لا تستقيم حياة الإنسان إلا بها، لأنها من أصول الفطرة[1] الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، وهي من مقاصد الشرائع الإلـهية التي أنزلها الله لحفظ كرامة الإنسان وتنظيم علاقته مع خالقه ونفسه وغيره، ولذلك كان من القواعد المقررة في كتب الفقه والمستمدة من هدي كلام رب العالمين وسنة نبينا المصطفى الأمين أن “الحرية هي الأصل في بني آدم، والرق عارض”[2]، غير أن الحرية بالمفهوم الحقوقي المتعارف عليه ليست مطلقة، لأنه لا يمكن لها أن تنتج كل ما تنطوي عليه من قيم ومزايا إلا بارتباطها الوثيق مع المسؤولية التي يحدد مداها القانون، إذ لا يجوز لأي شخص أن يفعل أي شيء يتبادر إلى ذهنه، أو يراه مزاجه، أو يراود مخيلته، تحت غطاء ممارسة الحرية، دون أي اعتبار لما قد يترتب على ذلك من أضرار للآخرين، أو مس بكرامتهم، أو انتهاك لقيم المجتمع وثوابته.
إن الحرية الحقيقية محدودة في إطار ما لا يضر بالآخرين، ولا يحد من حرياتهم، ولا يتجاوز حقوقهم، ولا يمس معتقداتهم الدينية، ولا ممارستهم لشعائرهم التعبدية، ولا يخدش مشاعرهم وكرامتهم، ولا يضرب الأسس والثوابت التي يرتكز عليها المجتمع، وهذه الحدود هي التي رسمتها الشريعة الإسلامية للحرية ورسمها القانون الإنساني الذي ينظم حياة الأفراد في المجتمع، باعتبار أن القانون يحمي حقوق الأفراد وحرياتهم، ويضمن مصالح المجتمع ويحمي القيم التي تأسس عليها.
وفي هذا السياق فإن أهمية هذا البحث تتجلى في كونه يناقش موضوع: خلفيات المطالبة بالحريات الفردية في المغرب، ببسط أهم الخلفيات والدوافع التي تدفع ببعض الأطراف في بلدنا إلى رفع شعار الحريات الفردية دون مراعاة لأحكام الشرع، ولا لأعراف المجتمع وهويته وتقاليده، ولا لمنطوق القانون وصريحه، مع بيان أهم الأهداف التي يرمي هؤلاء إلى تحقيقها.
أهداف البحث:
-1- تعرف معنى الحريات الفردية ونشأتها.
-2- إبراز أهم الخلفيات والأهداف للمطالبة بالحريات الفردية.
وتحقيقا للهدفين السابقين فقد صغت هذا البحث بعد هذه المقدمة في ثلاثة محاور وخاتمة، وبيان ذلك على الوجه الآتي:
-1- المحور الأول: الحريات الفر دية؛ المفهوم والنشأة.
-2- المحور الثاني: خلفيات المطالبة بالحريات الفردية.
-3- المحور الثالث: أهداف المطالبة بالحريات الفردية.
* الخاتمة: وتتضمن ملخص البحث ونتائجه.
المحور الأول: الحريات الفردية؛ المفهوم والنشأة.
قبل الكلام على نشأة الحريات الفردية وتطور المطالبة بها، يفرض علي المنهج أن أصوب النظر إلى تحديد دلالتها وبيان معناها، وبيان ذلك كما يلي:
-1- مفهوم الحرية الفردية: إن موضوع الحرية الفردية من الموضوعات التي تباينت منطلقات النظر إليه واختلفت التعاريف بشأنه، تبعا لاختلاف المرجعيات الفكرية، والمجالات الإنسانية والفترات التاريخية التي ارتبط بها هذا الموضوع؛ ذلك فإن موضوع الحرية الفردية قد ارتبط عبر التاريخ الإنساني بالتحرر من الرق والتمتع بالاستقلال في القرار والحياة، وتعلق في الفلسفات السياسية بالتحرر من الأنظمة الاستبدادية ومن قيودها، وبحرية الرأي والتعبير، أما في مجال الاقتصاد فقد ارتبط بحرية التبادل التجاري بدون قيود، وارتبط في زمن الحداثة وما بعد الحداثة بالتحرر من الثوابت والقيم والهوية ومن كل ما يمت إلى التقاليد والتاريخ بصلة.
وأقرر تبعا لذلك أنه من العسير جدا أن نعثر على تعريف محدد للحرية الفردية بالمعنى العلمي للتعريف، ولكن يمكن بعد البحث فيما كتب في الموضوع أن أشير إلى أن المراد بهذا المصطلح عند دعاة الحرية الفردية هو “تمتيع الإنسان بحقوقه الشخصية وجعله يملك كامل السلطة على نفسه وجسده وفكره فيمارس اختياراته بلا شروط أو قيود دينية أو أخلاقية أو أعراف المجتمع”[3].
-2- نشأة الحرية الفردية: إن المطالبة بالحرية والدفاع عن الحقوق لا شك أنه مطلب إنساني ومقصد وجودي وحق طبيعي[4] نشأ مع الإنسان أساسا وتطور بتطور علاقته مع أخيه الإنسان وتشابك تلك العلاقة وتعقدها، ولا يمكن لنا الجزم بتاريخ تلك النشأة بصفة دقيقة، والدليل على ذلك أن فلاسفة اليونان -وهم من أقدم المفكرين الذين تناولوا موضوع الحرية في فكرهم الفلسفي- خصصوا في فلسفاتهم جزءا مهما للحرية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان، فنجد سقراط (تـ: 399ق.م) يعتبر أن الإنسان “ليس شريرا بطبعه بل ينجم الشر عن نقص لديه في المعرفة، فالمعرفة طريق يؤدي إلى الحقيقة، والحقيقة سيدة مطلقة تأبى لمن وصل إليها أن يعود إلى عبودية الأهواء والنزوات”[5]، أما أفلاطون (تـ: 347ق.م) فيرى أن الحرية “هي انطلاقة الإنسان نحو كماله دون عوائق أو حواجز مرتبطة بشوائب الأرض والجسد”[6]، ويظهر من قول هذين الفيلسوفين أن الحرية تقوم على فعل الأفضل، وترتبط بمرحلة متطورة في سلوك الإنسان يعسر أن يوجد من يرتقي إليها.
وإذا انتقلنا إلى الحديث عن موضوع الحرية في الخطاب الإسلامي، نجد أنه لا يكاد يخلو مقال أو خطاب يتعلق بقضية حرية الفرد أو حرية الجماعة دون التذكير بالمقولة المسندة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟”[7]، وذلك بناء على أساس أن الحرية من القيم المقاصدية المنصوص عليها بالأصالة في الشريعة الإسلامية، والتي لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بها، بحيث لا يحق لأحد أن يمنعه أو يصرفه عن ممارسة اختياره وإنفاذ تصرفاته كما شاء فيما شاء، ما دام موافقا لقصد الشارع، لأن الإنسان “ما كان ليصل لإدراك حريته على الوجه الذي أراده الإسلام لولا نزول الوحي، ولولا الرشد الديني الذي جاء به القرآن”[8].
أما الحديث عن الحرية في الغرب وعند المتأثرين بالفكر الغربي، فإن الأساس المؤطر لكلامهم عن الحرية والدعوة إليها والدفاع عنها هو ما نجده في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تقول: “يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق”[9]، وهذه المادة هي التي يعتمدها دعاة الحرية الفردية من الغربيين والمغتربين في البلاد الإسلامية، ومنها المغرب.
وبهذا يكون المقام يتطلب منا أن نتحدث في سياق نشأة الحرية الفردية عن أصولها في الفكر الغربي، باعتبار أنها ولدت في أحضان هذا الفكر لينتقل الحديث عنها والمطالبة بها إلى البلدان الإسلامية من قبل بعض التيارات التي تزعم أنها تدافع عن كرامة الإنسان بما في ذلك حريته الشخصية، بحيث يجب أن يمارسها كما يشاء من غير أن يضايقه شيء ولو كان مما له اتصال بالهوية؛ سواء كان دينا أو قانونا أو مجتمعا أو أعرافا وتقاليد. فما هي إذن أصول الحرية الفردية في الفكر الغربي؟.
-3- الحرية الفردية وأصولها في الفكر الغربي: تجد الحرية الفردية مكانتها في المرجعيات الفكرية الغربية التي يستمد منها دعاة الحرية الفردية في المغرب مادتهم المعرفية والتنظيرية المرتبطة بهذا الموضوع، ومن تلك المرجعيات والأصول:
-أ- المعتقدات الدينية التي تتمحور في الديانتين السماويتين السابقتين اليهودية والمسيحية، وهي معتقدات ترسخ خيار الفردانية، باعتبار أن الفرد هو المستهدف بالخطاب الإلهي في التوراة والإنجيل[10]؛ ففي المسيحية نجد اتجاها نحو الفصل التام في الخطاب والتوجيه بين الفرد والمجتمع كنظام قائم، ومما يؤكد ذلك ما نسب لسيدنا عيسى بن مريم عليه السلام أنه قال لمن سأله عن قيصر قولته المشهورة: “أعط ما لقيصر لقيصر، وما لله لله”[11]، كما نجد في المسيحية أيضا فكرة الخلاص والتحرر من قيود الحياة، إذ يكفي الزاهد نفسه بنفسه ولا ينشغل إلا بنفسه، فيضع بذلك هوة بينه وبين العالم الاجتماعي ليشكل “فردانية مطلقة وعمومية مطلقة في علاقة مع الله والروح الفردية”[12]، أما اليهودية فنجد فيها كذلك اتجاها نحو تضخيم الفرد اليهودي ذي الخصائص المميزة التي انسحبت على الجماعة لتشكل قومية ذات شخصية متفردة يعبر عنها بالشخصية اليهودية، وهو “مصطلح يفترض أن ثمة شخصية قومية يهودية ذات سمات مميزة وثابتة”[13].
ومما يؤكد منحى تضخيم الفرد اليهودي النابع أساسا من اعتقاد ديني، ما حدث في تاريخ المغرب الحديث من مطالبة اليهود بالحرية على غرار اليهود في مصر في فترة ما كان يعرف بالحمايات، وقد كلموا في سبيل نيل مطلبهم يهوديا اسمه “روشابيل” وهو من كبار تجارهم باللوندرة (لندن)، فكتب كتابا للسلطان العلوي محمد بن عبد الرحمن “محمد الرابع”، واستشفع بالدولة الإنجليزية التي كان له عندها مكانة ووجاهة لما له عليها من الفضل، حيث كان يسلفها الأموال الطائلة، إذ كان قارون زمانه كما وصفه بذلك الشيخ الناصري[14] رحمه الله في الاستقصا[15]، ولما أجابهم السلطان “محمد الرابع” إلى ما أرادوا ظهر منهم طيش وفساد وتطاول، فكتب السلطان من جديد ما يمنع الرعاع منهم من الطيش والفساد[16].
ومن اللافت للانتباه أن العلامة الناصري استطرد عقب ذكره لهذه الواقعة معلقا بكلام ماتع انتقد فيه دعاة الحرية –على الطريقة التي دعا إليها اليهود في زمن السلطان محمد الرابع- وبين مفاسدها ونقائصها، وهو كلام يصلح ردا على الحملة المنظمة التي ينادي بها اليوم أدعياء الحرية الفردية بإيعاز وتمويل من جهات خارجية استعمارية معادية للمسلمين ولثوابتهم وهويتهم ولكل ما فيه جمع شملهم وتوحيد كلمتهم، فقال رحمة الله عليه: “واعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا، لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأسا؛ أما إسقاطها لحقوق الله فإن الله تعالى أوجب على تارك الصلاة والصوم وعلى شارب الخمر وعلى الزاني طائعا حدودا معلومة، والحرية تقتضي إسقاط ذلك كما لا يخفى، وأما إسقاطها لحقوق الوالدين فلأنهم خذلهم الله يقولون إن الولد إذا وصل إلى حد البلوغ والبنت البكر إذا بلغت سن العشرين مثلا يفعلان بأنفسهما ما شاءا ولا كلام للوالدين فضلا عن الأقارب فضلا عن الحاكم، ونحن نعلم أن الأب يسخطه ما يرى من ولده أو بنته من الأمور التي تهتك المروءة وتزري بالعرض، سيما إذا كان من ذوي البيوتات، فارتكاب ذلك على عينه مع منعه من الكلام فيه موجب للعقوق ومسقط لحقه من البرور، وأما إسقاطها لحقوق الإنسانية فإن الله تعالى لما خلق الإنسان كرمه وشرفه بالعقل الذي يعقله عن الوقوع في الرذائل ويبعثه على الاتصاف بالفضائل، وبذلك تميز عما عداه من الحيوان، وضابط الحرية عندهم لا يوجب مراعاة هذه الأمور بل يبيح للإنسان أن يتعاطى ما ينفر عنه الطبع وتأباه الغريزة الإنسانية من التظاهر بالفحش والزنى وغير ذلك إن شاء، لأنه مالك أمر نفسه فلا يلزم أن يتقيد بقيد، ولا فرق بينه وبين البهيمة المرسلة إلا في شيء واحد هو إعطاء الحق لإنسان آخر مثله فلا يجوز له أن يظلمه، وما عدا ذلك فلا سبيل لأحد على إلزامه إياه، وهذا واضح البطلان لأن الله تعالى حكيم، وما ميز الإنسان بالعقل إلا ليحمله هذه التكاليف الشرعية من معرفة خالقه وبارئه والخضوع له لتكون له هذه المنزلة عند الله في العقبى”[17].
-ب- الاتجاهات الفكرية التي أعلت من شأن الفرد ودافعت عن حقه في التمتع بكافة حقوقه وحرياته مع اختلاف في طرق تنظيم العلاقات الفردية والجماعية، “فالبعض من هذه الاتجاهات دعا إلى تمتيع الفرد بحريته المدنية المحمية بالقانون (هوبز)، وبعضها الآخر دعا إلى تمتيع الفرد بحرياته المختلفة في إطار قانون يكون الهدف منه تنظيم العلاقات الاجتماعية دون تقييد لحرية الفرد (جون لوك)، وفيها من يرى أن الحرية هي أن يتصرف الإنسان وفق ما تمليه عليه إرادته وفقا لما تنص عليه القوانين العادلة (مونتيسكيو)، ومن يرى أن الحرية تتمثل في عدم الخضوع لإرادة شخص آخر وهو ما يقضي إبرام عقد اجتماعي يشترك فيه أفراد المجتمع دون تدخل من الحاكم (جون جاك روسو) “[18].
المبحث الثاني: خلفيات المطالبة بالحريات الفردية.
يتردد الحديث في الأوساط المعنية بقضايا الحرية الفردية في المغرب عن ضرورة حمايتها واحترامها وعدم التدخل في الشؤون الشخصية للأفراد، مع المناداة بتغيير القوانين التي تنظم حياة المجتمع لتلائم الحريات الفردية وتوافقها، ولا يسمح بعد ذلك لأي كان أن يتدخل في شؤون الناس الخاصة، ويلاحظ أن هذا الترديد يلاقي ترحيبا لا يخفى حجمه خصوصا لدى الجهات التي تسعى إلى تغييب كل مظهر من مظاهر اتصال المجتمع بالدين أو بالأخلاق أو بالعادات والأعراف النبيلة.
وقد بدأت الدعوة إلى الحريات الفردية عقب اتصال العالم الإسلامي بالغرب، وكانت من جملة خلفياتها الواضحة؛ إلحاق العالم الإسلامي بالنموذج الغربي على مستوى نظام الحياة العام في المجتمع، وفي هذا السياق يمكن لنا إجمال خلفيات المطالبة بالحريات الفردية في المغرب في نوعين اثنين؛ يتعلق النوع الأول بما هو فكري، ويرتبط النوع الثاني بما هو سياسي، وبيان ذلك كما يلي:
-1- الخلفيات الفكرية للمطالبة بالحريات الفردية: يمكن القول في هذا السياق أنه ومنذ أن تبنى بعض المثقفين المسلمين مقولات المادية التاريخية في زمن توهج وتألق المد الغربي في العالم الإسلامي وقضية الحريات الفردية حاضرة باعتبارها ساحة مواجهة مع الإسلام، ومع تعاليمه وقيمه وأخلاقه التي تنظم العلاقات بين المسلمين، وعلى أساسها يقبل المجتمع الإسلامي بعض القيم الدخيلة أو يرفضها، ومواجهة القيم الإسلامية عند هذه الفئة تبرز في تركيز خطابهم على نوع خاص من الحقوق يدعون أنها صلب الحريات الفردية، وهذه الحقوق هي: حرية المعتقد، وإباحة الإجهاض، وإلغاء عقوبة الإعدام، وتحرير العلاقات الجنسية. وقد نتج عن هذه الخلفية أن الشعارات التي يرفعها هؤلاء تتقاطع في كثير من الأمور، منها:
-أ- إزالة الموانع الشرعية والأخلاقية والقانونية على الممارسات الفردية عند المرأة والرجل، كالحق في الزنا، والزواج المثلي، واللواط، والإفطار العلني في رمضان، وشرب الخمر، وعبادة الشيطان، والفن الرديء، والتعري فوق منصة الغناء، وغير ذلك من الأشياء التي يدخلونها في إطار حرية التصرف في الجسد الإنساني، مما يؤدي في الغالب الأعم إلى إغضاب الناس، وخاصة المتمسكين منهم بالإسلام وتعاليمه، وذلك بسبب العبث بالقيم الجميلة كالعفة والحياء، والسخرية بالقيم الدينية والكونية الجامعة التي لم تكن في يوم من الأيام مدية للاعتداء على معتقدات الآخرين وأديانهم ورموزهم باسم ممارسة الحرية الفردية، حتى إن الحق سبحانه وتعالى علمنا نحن المسلمين أن الحق الذي معنا والباطل الذي نعتقده عند غيرنا لا يتيح لنا باسم الحق أو باسم الحرية أو بأي اسم من الأسماء استباحة معتقدات الناس وإن كانت باطلة، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم﴾[19].
إن النتيجة الحتمية لإزالة الموانع الشرعية من نفوس المسلمين هي فتح الطريق لهيمنة القيم الغربية وتنميط الإنسان المغربي المسلم ليكون صورة طبق الأصل للإنسان الغربي الذي يعد عند هؤلاء نموذج الكمال الإنساني في القيم الحضارية، وطمس معالم الأخلاق الإنسانية السامية التي تأصلت في الحضارة الإسلامية عن طريق تفاعل المسلمين مع نصوص الوحي في القرآن الكريم والسنة النبوية.
-ب- تسوية الإنسان بالأشياء من خلال الهجوم على كل ما يمكن أن يعتبر معيارا مركزيا[20] يميز الإنسان عن غيره من الكائنات، فيظهر بذلك الإنسان المستهدف بالدفاع عن حرياته في ظل المرجعية المادية التي تعتني بالفرد “كوحدة مستقلة بسيطة أحادية البعد لا علاقة له بأسرة أو مجتمع أو دولة، وهو مجموعة من الحاجات المجردة التي تحددها الاحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وصناعة اللذة، والفرد هنا هو وحدة تتلقى العديد من الإشارات الحسية البسيطة الكثيفة من مؤسسات عامة لا خصوصية لها ولا تحمل أي قيم إلا فكرة تعظيم الأرباح، وحقوق مثل هذا الإنسان هي في واقع الأمر استمرار للهجوم على الطبيعة البشرية بوصفها كائنا مركبا متجاوزا للطبيعة “المادة”، ولذا لم يتحدث أحد عن حق الإنسان في وقف تيار الإباحية التي تهدر أبسط الحقوق الإنسانية، وكذلك لا يتحدث أحد عن حقوق الأفراد والشعوب الذين سرقت وتسرق أموالهم وتودع في بنوك غربية تساندها الحكومات نفسها التي تصرخ عن حقوق الإنسان”[21].
-2- الخلفيات السياسية للمطالبة بالحريات الفردية: إن تتبعنا للخطاب الذي أنتجه التيار المدافع عن الحريات الفردية، نلمس فيه جملة من الخلفيات ذات الطبيعة السياسية، والتي يمكن لنا إجمالها بصفة عامة في العناصر التالية:
-أ- مواجهة التيارات الإسلامية التي عرف التاريخ المعاصر صعودا واضحا لها في البلدان الإسلامية في مقابل الهبوط الواضح والتدني الكبير للمدارس العلمانية؛ ذلك فإن الكل يعرف أن اليسار العربي فقد مشروعه التاريخي في التغيير والإصلاح على طريقته، ولم يبق أمامه سوى إحياء مناهج التفكير المادية الغربية من أجل اعتراض القوة الإسلامية الصاعدة، مما يجعل دعاته يعودون دائما إلى عالم الحقوق باعتباره مدخلا وحيدا لهم لمواجهة التيار الإسلامي الصاعد الذي يهدد مصالح الغرب وأتباعه في العالم الإسلامي كما يزعمون، فكان لا بد من وقفه من خلال رفع شعار تحرير المرأة، والطفل، وتحصين ممارسة الشهوات الشاذة، ورفع شعار الحرية الفردية، ومما يؤيد ذلك أن المغرب شهد بعد دستور 2011 ووصول الإسلاميين إلى الحكم “تنظيم أربع مؤتمرات كبيرة؛ الأول حول حرية المعتقد، والثاني حول إباحة الإجهاض، والثالث حول عقوبة الإعدام أفضى إلى تأسيس ائتلاف وطني لإلغاء هذه العقوبة، والرابع حول تحرير العلاقات الجنسية”[22].
-ب- الحريات الفردية مجال للابتزاز الحقوقي الجديد للعالم الإسلامي على المستوى الدولي، ومجال للتدافع القيمي بين التيارات والتوجهات السياسية في المجتمع على المستوى الداخلي، ويمكن لي في هذا المقام كشف القناع عن الخلفيات السياسية الحاضرة بقوة عند التيار المدافع عن الحريات الفردية، انطلاقا من الأمثلة التالية:
* حرية المعتقد: إن تكرار الحديث عن هذا الحق والإلحاح الشديد على حمايته، لا شك أنه يخفي جملة من الخلفيات ذات الطبيعة السياسية، ومن بينها؛ توفير غطاء دستوري وقانوني للممارسات التنصيرية في العالم الإسلامي، وكذا التأسيس لاختراق ديني ومذهبي للمجتمعات المعروفة بانسجامها ووحدتها، بالإضافة إلى غرس أقليات دينية وطائفية تكون في المستقبل أداة للابتزاز الاقتصادي والتدخل السياسي في شؤون الشعوب وانتهاك سيادة الدول. وبهذا يتبين لنا أن طرح ورقة الحرية الدينية وحرية المعتقد إنما المقصود منه إدخال دول تتسم بالوحدة والانسجام الديني في قلاقل واضطرابات يمكنها أن تكون الطريق إلى ابتزازها سياسيا، وإملاء اختيارات اقتصادية أو سياسية على شعوبها بدعوى عدم احترامها للأقليات أو بدعوى تراجعها في مؤشر الاضطهاد على أساس ديني.
* حرية التعبير والإبداع: نلاحظ أنه لما يثار النقاش عن حق التعبير والإبداع لدى التيار المدافع عن الحريات الفردية، فإنما يثار لغرض واحد وهو مواجهة حرمة المقدسات والأديان، والتي تستهدف بتحريض من المد اليميني المتطرف في العالم الغربي، والمطلوب من الجهات المدافعة عن الحريات الفردية في المغرب وفي غيره من البلدان الإسلامية هو إنتاج مقاربة جديدة حقوقية وإنسانية في التعامل مع هذه القضايا خاصة في المحافل الدولية وفي مخاطبة الرأي العام الدولي.
* الحق في المساواة: إن القصد منه عند دعاة الحرية الفردية المساواة المطلقة بين الجنسين “الرجل والمرأة”، وهو مسلك آخر من مسالك الابتزاز الذي يمارس على الدول الإسلامية باسم حقوق النساء تحت شعار؛ الحق في المساواة المطلقة ومحاربة جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ومن شواهد ذلك الابتزاز؛ ما تتعرض له دول العالم الإسلامي –خصوصا عندما يتصدر الإسلام السياسي للانتخابات في دولة إسلامية ما- من ضغوط لرفع تحفظاتها على بعض المواثيق الدولية التي تتعارض مع نصوص شرعية قطعية الثبوت والدلالة، بدعوى الملاءمة بين القوانين الوطنية والمواثيق الدولية.
هذه هي أهم الخلفيات التي تدفع بالتيارات العلمانية في الدول الإسلامية، -ومن بينها المغرب- إلى تأجيج الأوضاع كلما وجدت إلى ذلك سبيلا للضغط على الحكومات من أجل تنزيل مشروع الحريات الفردية، ولو على حساب دين المجتمع وأخلاقه وأعرافه وتقاليده، فنصبح هنا أمام إشكال حقيقي، يظهر في محاولة إخضاع الأغلبية المتمسكة بهويتها الحضارية للأقلية المغتربة المدعومة بالمال والإعلام من الدول الغربية التي تسعى إلى تنميط القيم في المجتمعات الإسلامية لتغريبها أخلاقيا وفصلها عن هويتها التي تحفظ أمنها واستقرارها ووحدتها.
المبحث الثالث: أهداف المطالبة بالحريات الفردية.
أقصد بالأهداف في هذا السياق تلك المقاصد والغايات التي يرمي إلى فرضها على المستوى العملي والتطبيقي دعاة الحرية الفردية في الدول الإسلامية، وهي أهداف إن لم تكن معلنا عنها بشكل صريح، فهي مفهومة بشكل آلي من مجموع الخلفيات المنتجة لدعاوى الحرية الفردية والمتحكمة في مخرجاتها، وكذا من الخطابات المختلفة التي ينتجها التيار الذي يسمي نفسه بالحداثي بمناسبة أو بغير مناسبة، ويعمل جاهدا وباستغلال جميع الوسائل المتاحة له على فرض فكره وتوجهه على المجتمع الإسلامي، ولو بإخضاع الأغلبية من أفراده لفكر الأقلية، وذلك من أجل فرض هذا النمط من الحريات عليه، بغية تطبيعه مع الممارسات المخلة بالحياء والاحترام والمخالفة بشكل واضح لأحكام الإسلام ولمقتضيات الفطرة السليمة، وأذكر في هذا الباب جملة من تلك المقاصد ولأهداف، وأختصرها في:
-1- التحرش بالدين[23]، وذلك باعتماد أسلوب لمز أحكامه والاستهزاء بها والتقليل من قيمتها، ومن باب البيان أضرب لهذا الأمر مثالين اثنين:
* المثال الأول: يركب بعض المنتسبين إلى التيار الحداثي في العالم الإسلامي على الرأي المطالب بإلغاء عقوبة الإعدام بدعوى أنها عقوبة غير إنسانية، بهدف الطعن في المرجعية الإسلامية واللمز في بعض أحكام الدين الإسلامي، ومنها “القصاص”[24] باسم حقوق الإنسان، فاستنكروا المعاقبة بالقتل وقالوا إنها غير إنسانية، وادعوا أنها نابعة “من القسوة وحب الانتقام في البشر”[25].
* المثال الثاني: يستغل البعض من هؤلاء المنبهرين بالغرب والثقافة الغربية قضية كرامة المرأة وحقوقها وحريتها للطعن في الإسلام، وقد لاحظ مجموعة من العلماء والمفكرين المتتبعين لكل ما يطرح من قضايا للنقاش في المجتمعات الإسلامية في المجال الحقوقي أن الذين تبنوا الدفاع عن قضايا من مثل الحريات الفردية، وحقوق المرأة، والكرامة في الوقت الحاضر “قد تجاوزوا موقف اتهام المسلمين بعدم فهم النصوص القرآنية، وعمدوا إلى اتهام النصوص الشرعية نفسها بظلم المرأة وسلبها كرامتها وجعلها تحت تصرف الرجل”[26]، ومن أمثلة الكتابات المعاصرة التي سارت في اتجاه التنقيص من الإسلام والسخرية به في القضايا المتعلقة بالمرأة، ما قامت به الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي من تأويلات غريبة للنصوص الشرعية من أجل أن تنتهي إلى خلاصة تثبت من خلالها ازدراء الإسلام للمرأة، فهذه الكاتبة لما وقفت في بعض كتبها مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)[27]، وقوله عليه الصلاة والسلام؛ (لا تلجوا على المغيبات[28] فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم)[29]، قالت معلقة على ذلك بقولها: “وهناك خطران يهددان النظام الإسلامي: المشرك في الخارج والمرأة في الداخل … إنه لشيء باعث على السخرية أن تصل النظريتان الإسلامية والأوروبية إلى نفس الخلاصة “[30].
-2- الاستقواء على الأمة من باب الحريات، ويظهر ذلك لما يتجاوز الذين يرفعون شعار الحرية الفردية القوانين المعمول بها في البلاد، ويسمون أنفسهم باسم؛ خارجون عن القانون، ويرفضون تغيير تلك القوانين من خلال المؤسسات التشريعية ويتجاوزونها في تحد تام للمجتمع، مما يدل على أن هناك جهات تدعمهم، وإن اقتضى الحال فإن هذه الجهات تتدخل للضغط على أصحاب القرار في الدولة من أجل السماح لهؤلاء بممارسة الرذائل دون ملاحقتهم، علما أن ما يقومون به مخالف لمقتضيات الشرع ولصريح القانون ولأعراف المجتمع وعاداته.
-3- زرع الفوضى ورعايتها والتشجيع عليها في المجتمعات الإسلامية، وذلك بتهديد أمنها والدفع بها إلى عدم الاستقرار باسم لواء الحريات الفردية، ويلمس المتتبع هذا المقصد في القضية التي تتكرر كل عام مع حلول شهر رمضان المعظم، ألا وهي الدعوة إلى الإفطار العلني في نهار رمضان، مع ما يصاحب ذلك من صخب في وسائل الإعلام، وما يتبعه من نقاش عمومي حول معقولية هذا الفعل من عدمها.
وأول ما يجب التوقف عنده في هذا السياق ذلك التصوير المزيف والتقديم الخاطئ الذي سوقت به قضية الإفطار في رمضان، وهو تشخيص يوحي في ظاهره بأن أشخاصا معينين اختاروا أن يفطروا في بيوتهم في رمضان، لكن بعض المواطنين أو قوى الأمن تسوروا عليهم بيوتهم واقتحموا عليهم مكامنهم، فكان ذلك مصادرة لحقهم في أن يمارسوا حريتهم الفردية.
والواقع يختلف عن هذا اختلافا كليا، لأن الأمر يتعلق بأشخاص صمموا على أن يفطروا في مكان عمومي أمام أعين الناس وتحت أنظارهم مستهينين بما يمثله الصيام في نفوسهم وما له من الحرمة والمكانة في قلوبهم وضمائرهم، وفي هذه الحالة لم يكن المقصود هو الإفطار بالذات، لأن ذلك كان بالإمكان أن يتم في مكانه العادي وفي غير المشهد الاستعراضي الذي اختير له، وإنما كان القصد هو تحدي الناس واستفزاز مشاعرهم واستدعاؤهم إلى ردود فعل غير محمودة قد تخل بروح التعايش والتساكن المؤسسة على الاحترام، ومعنى هذا أن الإفطار العلني لم يكن إلا ممرا للعبور إلى التطاول على قيم المجتمع والاستهانة بمقدساته وزرع الفوضى بين أبنائه.
خاتمة:
في خاتمة هذا البحث أقول: إذا كانت الحرية في الإنسان هي الأصل، فإن تقييدها يعتبر استثناء تفرضه ضرورة الاجتماع البشري والتعايش الإنساني يتم اللجوء إليه لتنظيم الحرية ومنع إلحاق الضرر بالغير من أجل إحداث التوازن بين إقرار الحريات الفردية، وبين تحصين مصالح الناس ومنعهم من التنازع على خلفية الممارسة غير السليمة لهذه الحريات، وهذا التنظيم للحرية في الحقيقة لا يتحقق إلا بوازعين؛ وازع داخلي تبنيه التربية في نفس الإنسان التي تستشعر من خلاله بالمسؤولية على احترام حقوق الآخرين وقناعاتهم، ووازع خارجي وهو المقتضيات القانونية التي تمنع التنازع بين الخلق عند التزام البعض بالمعنى المشوه للحرية، وفي حال غياب هذين الوازعين ومحاولة بعض الناس تجاوزهما باسم الحريات الفردية ورفعهم لشعار ممارستها بطريقة مشوهة تحدث في المجتمع الفوضى المؤدية بأطرافه إلى النزاع والصراع، فلا شك أن هناك سلطة أخرى تتدخل لإقرار الحق وإبطال الباطل، ألا وهي سلطة المجتمع الذي ينصت جيدا ويفهم جيدا، ويحكم بالعدل على وفق الإنصات والفهم، ولا يمكن بحال من الأحوال استغفاله وجره عن طريق الاستدراج إلى الغلط، ذلك فإن المجتمع في عمومه يستعصي على الدجاجلة والمزورين والمرجفين ممن يكيدون له كيدا بإخفاء الشر وإظهار الخير حسدا منهم، وهذه الضمانة في المجتمع هي التي ينطق بها قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يجمع أمتي أو قال أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار)[31]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية)[32]، ومعنى هذا، فإن المساحة الأكبر للاشتغال والزمن الأعظم الذي ينبغي أن يصرف، والمخططات العظيمة التي يجب تنزيلها والتخطيط لها بهدف التغيير والإصلاح، يجب أن تنصب على العروة الوثقى وهو المجتمع الذي يملك إمكانات وقدرات، ويحقق المستحيل والمعجزات.
نتائج البحث:
وبعد ختام هذا البحث الذي ناقشت فيه موضوع: خلفيات المطالبة بالحريات الفردية في المغرب، يطيب لي أن أختمه بالنتائج التالية:
1- الحريات الفردية من أصول الفطرة الإنسانية، ومقاصد الشرائع الإلـهية، ومطالب الشعوب الراقية، وكل من يقزمها في مطالب الشذوذ ويحصرها في انتهاك الحدود فهو من الجاهلين بمعانيها وأبعادها الحضارية.
2- يجب على كل العلماء والمفكرين والمثقفين الغيورين على دين الأمة وهويتها وثوابتها الجامعة أن يقوموا بواجبهم في تصحيح مسار الحقوق والحريات في مجتمعنا، وأن يقفوا سدا منيعا في وجه كل من يريد التشويش عليه واستهدافه في وحدته واستقراره والعمل على ابتزازه.
3- يظهر أن الهدف من وراء الدعوة إلى ممارسة الحرية الفردية دون ضابط أو قيد، هو هدر الآدمية في الإنسان، والدفع به نحو عالم القطيع المنفلت من كل الضوابط الدينية والأخلاقية، طالما أن الإنسان كما عرف منذ الإغريق هو حيوان زائد صفة من الصفات[33]؛ حيوان ناطق، أو حيوان ضاحك، أو حيوان كاتب، مما سيفضي لا محالة إلى منظومة حقوقية مشوهة تمجد الغرائز والشهوات بلا حدود، فتعم الفوضى الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية، كما عمت في العالم الغربي.
4- الحرية لا تعني أن يفعل الإنسان ما يشاء ويترك ما يريد، فذلك ما يتفق مع طبيعة شهوته ولا يتفق مع طبائع الوجود كما ركب عليه، ولكنها تعني أن يفعل الإنسان ما يعتقد أنه مكلف به وما فيه الخير لصالح البشر أجمعين.
5- إن أمر الحريات الفردية ينبغي أن يكون في النهاية تطويرا ذاتيا يراعي خصوصيات الأمة الدينية ومنظورها للقيم والأخلاق المنظمة للمجتمع، وذلك حتى لا تكون إرادة إصلاح شأن الحريات بخلفياتها السيئة أداة لتحقيق ما أصبح يعرف بسيادة الإنسان الغربي وبانهزام الحضارة العربية الإسلامية، ليستأثر بالإنسان نمط واحد هو نمط الحضارة الغربية التي أصبحت تعلن عن نفسها في صيغة عولمة شاملة تشمل قيم المجتمع بأكملها، وأصبحت تسخر قيم النظام الدولي الجديد لابتزاز الأمة الإسلامية وخلخلة منظومتها الأخلاقية، ولذلك فقد صار واجبا علينا أن نعود إلى الذات لنعالج واقع الحريات الشخصية كما حققها الإسلام والتي هي إن همشت وأهملت فإنما ذلك راجع إلى إهمال الأحكام الشرعية لا بسب التخلف عن مجاراة نموذج الغرب.
المصادر والمراجع:
* القرآن الكريم.
1- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود. اعتنى به: محمد ناصر الدين الألباني. ط/ 2. دون تاريخ. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع-الرياض.
2- أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى. ط/ 2. 2010م. دار الكتب العلمية-بيروت.
3- الترمذي محمد بن عيسى، سن الترمذي. اعتنى به: محمد ناصر الدين الألباني. ط/ 1. دون تاريخ. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع-الرياض.
4- عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان. ط/ 1. 2002م. دار الفكر-لبنان/ سوريا.
5- عبد الوهاب المسيري، من هو اليهودي؟. ط/ 3. 2002م. دار الشروق.
6- العربي اللوه، المنطق التطبيقي. ط/ 2. 1428هـ/ 2008م. مطبعة الخليج العربي-تطوان.
7- علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها. مكتبة الوحدة العربية-الدار البيضاء. دون الطبعة والتاريخ.
8- علال الفاسي، النقد الذاتي. ط/ 8. 1429هـ/ 2008م. مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء.
9- علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. ط/ 2. 1406هـ/ 1986م. دار الكتب العلمية-بيروت.
10- فاطمة المرنيسي، ما وراء الحجاب الجنس كهندسة اجتماعية-ترجمة فاطمة الزهراء أزريول. ط/ 2. 1996م. نشر الفنك.
11- لويس دومون، مقالات في الفردانية، منظور أنثروبولوجي للأديولوجية الحديثة. ترجمة بدر الدين عرودكي. طبعة: 2006. مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت.
12- مبارك العدولي ومحمد وازي، الكائن والممكن من التربية على حقوق الإنسان. ط/ 1. 2002. المطبعة الرئيسية-أكادير.
13- مجد الدين بن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر. تحقيق؛ طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي. ط/ 1. 1383هـ/ 1963م. المكتبة الإسلامية.
14- مجلة الفرقان. العدد/ 70. 1434هـ/ 2013م. مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء.
15- مجلة المنعطف. عدد مزدوج/ 15-16. 1421هـ/ 2000م. مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء.
16- محمد بن الحسن الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي. اعتنى به؛ هيثم خليفة طعيمي. ط/ 1. 1427هـ/ 2006م. المكتبة العصرية-بيروت.
17- محمد رشيد رضا، تفسير المنار . ط/ 2. 1350هـ. مطبعة المنار-مصر.
18- محمد الطاهر بن عاشور. تفسير التحرير والتنوير. طبعة: 1984م. الدار التونسية للنشر-تونس.
19- محمد عبد الرحمـن مرحبا، مع الفلسفة اليونانية. طبعة: 1983م. منشورات عويدات-بيروت.
20- محمد يوسف موسى، تاريخ الأخلاق. طبعة: 1953م. دار الكتاب العربي-القاهرة.
21- يوسف القرضاوي، الخصائص العامة للإسلام. ط/ 2. 1404هـ/ 1983م. مؤسسة الرسالة-بيروت.
[1]– والفطرة التي فطر الله الإنسان عليها “هي فطرة الإنسان بصفته إنسانا، أي مطلق الإنسان الذي يملك جملة من العقل وقدرة على اكتساب المعرفة، واستعدادا للمدنية، ومرونة على الطاعة، إلى جانب ماله من حواس، يدرك بها المرئيات والمسموعات والتصورات”. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها. مكتبة الوحدة العربية-الدار البيضاء. دون الطبعة والتاريخ. ص/ 66.
[2]– علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. ط/ 2. 1406هـ/ 1986م. دار الكتب العلمية. ج/ 6. ص/ 267.
[3]– امحمد طلابي، غاية الحرية إقامة الآدمية. مجلة الفرقان. العدد/ 70. 1434هـ/ 2013م. مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء. ص/ 8. بتصرف.
[4]– الحق الطبيعي: هو الذي يستمده الإنسان من الطبيعة، ومن الغريزة التي ولد عليها، فهو حق ولد متمتعا به، وبمقتضى ذلك يجب أن يظل محافظا عليه، مثل حق حماية ذاته من كل أذى يلحقها، وحق حماية قدرته على أن يتناسل وينمو. علال الفاسي، النقد الذاتي. ط/ 8. 1429هـ/ 2008م. مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء. ص/ 52.
[5]– محمد يوسف موسى، تاريخ الأخلاق. طبعة: 1953م. دار الكتاب العربي-القاهرة. ص/ 70.
[6]– محمد عبد الرحمـن مرحبا، مع الفلسفة اليونانية. طبعة: 1983م. منشورات عويدات-بيروت. ص/ 122.
[7]– مبارك العدولي ومحمد وازي، الكائن والممكن من التربية على حقوق الإنسان. ط/ 1. 2002. المطبعة الرئيسية-أكادير. ص/ 26.
[8]– علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها. ص/ 244.
[9]– المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948م.
[10]– لويس دومون، مقالات في الفردانية، منظور أنثروبولوجي للأديولوجية الحديثة. ترجمة بدر الدين عرودكي. طبعة: 2006. مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت. ص/ 40.
[11]– يوسف القرضاوي، الخصائص العامة للإسلام. ط/ 2. 1404هـ/ 1983م. مؤسسة الرسالة-بيروت. ص/ 112.
[12]– مقالات في الفردانية، منظور أنثروبولوجي للأديولوجية الحديثة. ص/ 49.
[13]– عبد الوهاب المسيري، من هو اليهودي؟. ط/ 3. 2002م. دار الشروق. ص/ 9.
[14]– الناصري أبو العباس أحمد بن خالد السلوي دارا وقرارا، كان علامة عصره، مشاركا متفننا حافظا، حسن الأخلاق، له مكارم جمة تنبئ عن شرف أصله، وكرم فضله. له التاريخ الشهير المسمى بـ”الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى”، توفي رحمه الله سنة؛ 1315هـ. محمد بن الحسن الحجوي، الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي. اعتنى به؛ هيثم خليفة طعيمي. ط/ 1. 1427هـ/ 2006م. المكتبة العصرية-بيروت. ج/ 2. ص/ 638-637.
[15]– أحمد بن خالد الناصري، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى. د ط/ 2. 2010م. ار الكتب العلمية-بيروت. ج/ 3. ص/ 352.
[16]– الاستقصا. ج/ 3. ص/ 353.
[17]– الاستقصا. ج/ 3. ص/ 352-354.
[18]– محسن إسماعيل، الحريات الفردية في الفكر الغربي: مفهومها ونشأتها وتطورها. مجلة الفرقان. العدد/ 70. ص/ 23-24. بتصرف.
[19]– الأنعام/ 109.
[20]– عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان. ط/ 1. 2002م. دار الفكر-لبنان/ سوريا. ص/ 38.
[21]– عبد الوهاب المسيري، الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان. ص/ 70.
[22]– امحمد الهلالي، لخطاب الحقوقي الجديد أو الحريات الفردية في مواجهة القيم الإسلامية. مجلة الفرقان. العدد/ 70. ص/ 32.
[23]– مصطفى بنحمزة، بين الحرية الفردية والتحرش بالدين. مجلة الفرقان. العدد/ 70. ص/ 51.
[24]– والقصاص هو: “عقوبة الجاني بمثل ما جنى”. محمد الطاهر بن عاشور. تفسير التحرير والتنوير. طبعة: 1984م. الدار التونسية للنشر-تونس. ج/ 2. ص/ 135.
[25]– محمد رشيد رضا، تفسير المنار . ط/ 2. 1350هـ. مطبعة المنار-مصر. ج/ 2. ص/ 123.
[26]– مصطفى بن حمزة، خلفيات المطالبة بتغيير أوضاع المرأة. مجلة المنعطف. عدد مزدوج/ 15-16. 1421هـ/ 2000م. مطبعة النجاح الجديدة-الدار البيضاء. ص/ 140.
[27]– الترمذي محمد بن عيسى، سنن الترمذي. كتاب الرضاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم–باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات. رقم: 1171. ط/ 1. دون تاريخ. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع-الرياض. ص/ 278.
[28]– المغيبة -بضم الميم وكسر الغين-: التي غاب عنها زوجها. مجد الدين بن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر. تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي. ط/ 1. 1383هـ/ 1963م. المكتبة الإسلامية. ج/ 3. ص/ 399.
[29]– الترمذي محمد بن عيسى، سنن الترمذي.كتاب الرضاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. رقم: 1172. ص/ 278.
[30]– فاطمة المرنيسي، ما وراء الحجاب الجنس كهندسة اجتماعية-ترجمة فاطمة الزهراء أزريول. ط/ 4. 2005م. نشر الفنك. ص/ 33.
[31]– الترمذي محمد بن عيسى، سنن الترمذي. كتاب الفتن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم–باب ما جاء في لزوم الجماعة. رقم: 2167. ص/ 490.
[32]– أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود. كتاب الصلاة-باب في التشديد في ترك الجماعة. رقم: 547. ط/ 2. دون تاريخ. مكتبة المعارف للنشر والتوزيع-الرياض. ص/ 102.
[33]– العربي اللوه، المنطق التطبيقي. ط/ 2. 1428هـ/ 2008م. مطبعة الخليج العربي-تطوان. ص/ 52-54.