تمظهرات التجريب في رواية ” فرانكشتاين في بغداد ” لأحمد سعداوي
Experimental Transfiguration in Ahmed Saadawi’s novel ” Frankenstein in Baghdad “
د.طانية حطاب، جامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم/ الجزائر
Dr. Tania HATTAB, Abdel Hamid Ben Badis University/Alegeria.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 68 الصفحة 35.
الملخص:
أصبح من الدارج الآن أن يحاول الكتاب الروائيون خوض غمار التجريب كمفتاح لكتابة رواية تختلف عما هو مألوف من أجل التفوق والتميز. رواية «فرانكشتاين في بغداد» هي رواية حازت على جائزة البوكر العربية عام 2014، حاول فيها أحمد سعداوي تجاوز ما كتب من قبل باستجداء طرق جديدة تدخل مجال الرواية التجريبية بداية من فكرة الرواية ، التي تدور أحداثها في العراق ، وصولا إلى الشخصية الرئيسية التي خلقها من رفات الضحايا الذين قتلوا في الحرب. هي رواية تستفز القارئ من النظرة الأولى، وعلى الرغم من أنها تبدو واقعية، إلا أنها مليئة بالإثارة والفانتازيا والابتكار على مستوى الموضوع، وعلى مستوى الشكل ، وبالتالي فهي رواية تجريبية بامتياز.
الكلمات المفتاحية: المرجع/ الخصوصية/ التجريب الروائي/ العالمية/ جدل.
Abstract :
It is now fashionable for novelist writers to try experimentations as a key to a novel that differs from what is familiar in order to excel and be unique. The « frankenstein in Baghdad » is a novel that has an Arab poker prize in 2014, in which Ahmed Saadawi tried to exceed what was written before novels by begging new methods enter the field of experimental novelism from the idea of the novel, which takes place in Iraq, to the ce ;tral character which he created from the remains of the victims killed in the war
Is a novel that provokes the reader from the first glance, and although it seems realistic, it is full of thrill, fantasy and innovation at the level of the subject, albeit at the level of form, and thus is an experimental novel par excellence
The key words : the referance / the Privacy / novelist experimentation / World / Controversy .
البحث:
لقد قطعت الرواية العربية أشواطا لا بأس بها من التطوّر والتقدم وإثبات شرعيتها كجنس له تحققه النصي وله جمهوره المتلقي، وزاحمت في بعض نماذجها الرواية الغربية لتخرج بذلك من طابعها المحلي إلى العالمية عبر ترجمة بعض الأعمال إلى لغات العالم المختلفة. ولهذا نلفي عددا كبيرا من الروائيين العرب صاروا يبحثون عمّا يجعلهم متميّزين متفردين من خلال نصوص تثبت قدراتهم على الإبداع والاختلاف، حتى لو كانت نصوصهم تلك تتكئ على نصوص غربية كتبت من قبل بزمن بعيد، إلاّ أنهم يعولون على إبراز الخصوصية العربية عبر الكشف عن واقعهم وقضاياهم المتعلقة به، محاولين تجاوز ذاك المرجع الذي استندوا عليه ثم انطلقوا.
ولا يخفى على أي مبدع في الرواية أن نشدان العالمية والوصول إليها لا يمكن أن يتحقق إلاّ من خلال التوسّل بآليات التجاوز لكل تلك المرجعيات الفكرية والثقافية والنصية لإثبات خصوصية نصه، ومنحه هويته العربية. ولهذا ينبغي أن تكون كل تجربة روائية جديدة انطلاقا نحو أفق آخر حيث يخيّل للمبدع أنه التقاء السماء بالأرض، وإذ به يدرك مرة تلوى المرة أن هذا الالتقاء لم يتم بعد، وما عليه سوى خوض رحلة التجريب للمرة الثانية، رحلة تمتزج فيها نشوة الاكتشاف وسحره بعذاب الكتابة وأرقها. فالتجريب هو من يمنح للمبدع فرص التجاوز والانطلاق نحو آفاق جديدة، ولكنه يبقى على الدوام رهين معادلة صعبة يكون فيها المرجع في مقابل الخصوصية، وحل المعادلة يعتمد على مهارة المبدع في ابتكار أساليب تجريب جديدة يتجاوز عبرها المرجع الذي انطلق منه ويمنح خصوصية وهوية لنصه.
* في مفهوم التجريب الروائي:
التجريب بهذا المعنى هو مشروع إبداع يتمثّله الروائي ويتبناه قصد بلوغ غايته في التميّز عن الآخرين بنص روائي يعمد فيه إلى ” خلخلة البنى السردية السائدة في الرواية العربية وزعزعة طقوس التلقي التقليدية التي ربطت القارئ العربي بالرواية العربية زمنا طويلا.”([1])
كما يبتغي من ورائه الخروج عن كل ما هو مألوف وسائد، وتجاوز الأشكال التعبيرية والفنية القارة والمعروفة. إنه بحث دائم وسعي حثيث للإبداع والابتكار. فالتجريب – دون كثير مبالغة- جوهر الإبداع وحقيقته، ومن دونه لن يكون هناك تطوّر في الرواية.
والتجريب لا يتعارض مع الأصالة إن كان هناك وعي به وحسن ممارسة له. ” فإذا كان قانون التأصيل الروائي يهدف – عبر التحقق النصي – إلى إثبات شرعية الجنس الروائي من داخل أسئلته الخصوصية، أي عن طريق أزماته وعوائقه التي تمده بمقومات تبنينه الأجناسي الخاص، فإنّ قانون التجريب الروائي هو الآخر لا يتعارض مع هذا الهدف: أي إثبات شرعية الجنس الروائي، لكن- وهنا الفرق- ليس من داخل أسئلته الخصوصية وحسب، بل عبر الانفتاح والاتصال بكل الأجناس التعبيرية والنصوص والمرجعيات الممكنة. إنّ التجريب أوسع طموحا، إذ ينفتح على الأجناس المجاورة نابذا بذلك وهم ” الاستقلال النوعي “، ولكنه في انفتاحه ذلك يؤسس القوانين الخاصة والجديدة للرواية عبر الانتقال بها من سؤال الجنس إلى سؤال النص، من سؤال الهوية إلى سؤال الاختلاف، ومن مأزق الكينونة إلى أفق الصيرورة.”([2])
إنّ التجريب هو أساس تطور الرواية وتقدمها، شرط أن يتوفر لدى الروائي وعي به ومعرفة لكل الأسس النظرية لتجارب الآخرين واستيعاب لها، وشرط أن يكون لدى الروائي أيضا قناعة بهذا النوع الجديد من الكتابة. لأنّ التجريب الروائي في جوهره هو خوض مغامرة جديدة ومغايرة في الكتابة. كتابة ما لم يكتب بعد بشكل مختلف ومضمون مختلف، وهنا يحدث التفرّد.
وليس الإفراط في التجاوز فقط هو الذي يعتبر تجريبا، بل التجريب هو أيضا فكر وفلسفة وطريقة حياة جديدة وزاوية نظر للعالم مختلفة، ” إذن، يتأسس التجريب كمشروع له منطقه الخاص وأسسه الجمالية واحتمالاته اللانهائية. ومن تلك الأسس رهان السؤال والمساءلة وخيار الانفتاح والحوارية وفق مبدأ الاقتناع الذاتي الذي يؤهل الرغبة للتلاؤم مع الحاجة الثقافية والشرط السوسيو-تاريخي.”([3])
والكاتب إذ يخوض مغامرة التجريب الروائي لا يمكنه أن يدرك بدقة ما ستؤول إليه هذه المغامرة إلاّ بعد الانتهاء من الكتابة، حينها يتخذ النص أبعادا غير تلك التي رسمها له الكاتب في ذهنه، وهنا تكمن لذة التجريب. والحقيقة أنّ مغامرة التجريب مغامرة بقدر ما هي مغرية للكاتب، بقدر ما هي صعبة مليئة بالمزالق، لأنها تستدعي نوعا من الإحاطة العامة والمفصلة بتجارب الآخرين السابقة، وإدراكا تاما لتقنيات الرواية وثقافة واسعة ومتشعبة لدى الكاتب.
من هنا، يأتي التجريب في الرواية ” كمفهوم محايث وجديد للكتابة الروائية، وكبحث مضن وجاد لقلب الإشكاليات القديمة وإعادة صوغها بحثا عن مفهوم جديد للكتابة الروائية يتخذ من ( المثاقفة ) مدخلا للتموقع بين مثير ( المغايرة ) واستجابة ( الخصوصية ).”([4]) واضعا كل شيء موضع الشك والتساؤل. التجريب لا يبحث عن الحقيقة التي يبتغيها الفلاسفة، بل يبحث عن الجديد. يمارس الروائي عبره الخرق والتجاوز كفعلين رديفين لتمرّده الدائم على كل ما هو مألوف وسائد لا يتغير.
” يمكننا الآن أن نلاحظ أنّ المدّ التجريبي في الرواية العربية قد أفرز أكثر من اتجاه واحد، إلى درجة أنّ الإبداع في فن الحكي أضحى موسوما بنزعة مستمرة إلى التجاوز وهدم الحدود، وأمسى مؤمنا بحرية الخلق والإنشاء لدى جيل قرأ الرواية الأوروبية واطّلع على عيون النصوص الروائية العربية وبدا على اتصال واع بالتراث الأدبي السردي وهو يريد أن يشق له طريقا خاصا عبر مسلك لا بدّ منه وهو مسلك التجريب.”([5])
وبالتالي، فالتجريب لم يعد اختيارا لدى الروائيين المعاصرين، بل ضرورة فنية لا بدّ منها كي يتمكنوا من مواكبة تطورات الرواية الغربية والعالمية، وإلاّ سيبقون رهائن التصورات التقليدية التي عفّ عليها الزمن. والتجريب لا يتخذ صورة واحدة بل نجده صورا متعددة: تجريب لغوي، تجريب شكلي، تجريب مضموني، وهكذا.
* ملامح التجريب في الرواية:
” فرانكشتاين في بغداد ” هي رواية للروائي والشاعر العراقي أحمد سعداوي، صدرت في طبعتها الأولى عام 2013، وفازت بجائزة البوكر العربية عام 2014. هي رواية تجلب انتباه القارئ وتثير فضوله من أول نظرة، ويمكن الادّعاء بداية أنها رواية تجريبية بامتياز.
من بين العشرات من الروايات العراقية المعاصرة، تطالعنا رواية فرانكشتاين في بغداد كنص نوعي لما يحفل به من أساليب تجريبية مختلفة. ويتجلى التجريب في الرواية من خلال:
- العنوان:
العنوان هو أول وأهم عتبة نصية يصادفها القارئ في الرواية، به يتحدد مضمون النص وفضاؤه. غالبا ما يستحب فيه الاختزال والتكثيف والترميز. ” ترتهن وظيفة/ وظائف العنوان بطبيعة الاستقبال الأدبي، وبمنطلقات المتلقي الفكرية والجمالية. فإمكانات الإفضاء- في هذا النوع من العناوين- تبقى محدودة، حيث يصبح العنوان متمنّعا، ينوس بين الترميز والإيحاء أكثر ممّا ينوس بين التصريح والإخبار…كما لا يحيل العنوان على خطاب قضويّ بعينه، بقدر ما يشكّل خطابا مفتوحا، مشرعا على تأويلات مختلفة.”([6]) يعمل المتلقي على كشفها استنادا على خلفيته الفكرية والثقافية.
” فرانكشتاين في بغداد ” هو عنوان يتناص مباشرة مع عنوان رواية ” فرانكشتاين ” لماري شيلي التي صدرت عام 1818 في لندن. فرانكشتاين هو اسم من صنع الوحش فيكتور فرانكشتاين وليس هو الوحش ذاته، ولكنه لقب بهذا الاسم نسبة لصانعه. وقد استوحت ماري شيلي فكرة شخصية فرانكشتاين من كتاب ” همفري ديفي ” في الفلسفة الكيميائية.
فرانكشتاين هو الوحش، أو برومثيوس أو إبليس، أي المسخ. ليس إنسانا ولا حيوانا إنما مسخ صنعه عالم مجنون من بقايا الجثث بطريقة ما. ويعتبر هذا الوحش الخيالي مفتاحا لعالم من الرعب والوحوش الأسطورية التي تناولتها كتب الرعب وصالات السينما على مدى سنوات طويلة، حيث ألهم فرانكشتاين صناع السينما لعمل 130 فيلما عنه، بالإضافة إلى فيلم فرانكشتاين الصامت عام 1910.
فاستلهم أحمد سعداوي عنوان رواية ماري شيلي ووظفه في روايته التي سماها “فرانكشتاين في بغداد” وكأنّ هذا الوحش/ المسخ قد انتقل إلى بغداد بكل ما يحمله من شر وقبح وحقد.
“إنّ العنوان باعتباره قصدا للمرسل يؤسس أولا: لعلاقة العنوان بخارجه، سواء كان هذا الخارج واقعا اجتماعيا عاما، أو سيكولوجيا، وثانيا: لعلاقة العنوان، ليس بالعمل فحسب، بل بمقاصد المرسل من عمله أيضا، وهي مقاصد تتضمن صورة افتراضية للمستقبل، على ضوئها- كاستجابة مفترضة – يتشكّل العنوان لا كلغة، ولكن كخطاب.”([7])
فعلاقة العنوان المختار لعمل أحمد سعداوي بالخارج يحيل مباشرة إلى حالة الدمار اللامتناهية التي يعيشها العراقيون خصوصا في بغداد بعد دخول الأمريكان واستفحال الإرهاب، فهو واقع اجتماعي ونفسي متأزم.
أمّا علاقة العنوان بمقصد مرسله فيحيل أيضا إلى وعي الكاتب بهذا الدمار ورفضه لتلك الوحشية التي ألمّت بالبغداديين الضحايا والتي لن يخلصهم منها إلاّ قدوم الوحش المنتظر لينتقم من الإرهابيين ورجال السلطة.
وبالتالي، فإنّ اختيار أحمد سعداوي لعنوان رواية رعب قديمة وإسقاطه على ما يحدث في بغداد ليس تكرارا أو تقليدا لما ورد في رواية فرانكشتاين لماري شيلي، بل يحمل العنوان هنا مقاصد ودلالات تتماشى مع ما يحدث في بغداد منذ سنة 2005.
- الفكرة:
حتى وإن كان أحمد سعداوي قد استلهم فكرة ماري شيلي في روايتها فرانكشتاين، فإنّ الروايتين مختلفتان من حيث الفكرة. وهنا تظهر براعة أحمد سعداوي إذ أنه استطاع أن ينزاح عن الرواية الأصل في جل التفاصيل التي وردت في نصه. وهذا ملمح آخر من ملامح التجريب عنده.
تقوم فكرة ماري شيلي حين توصل طالب ذكي يدعى فيكتور فرانكشتاين والذي يدرس في جامعة ركنسبورغ الألمانية إلى طريقة يستطيع من خلالها بث الحياة في المادّة. حينها بدأ بخلق مخلوق هائل الحجم ولكنه يكتشف أنه غاية في القبح. وقبل أن تدبّ فيه الحياة ببرهة من الوقت يهرب من مختبر الجامعة. بعدها يعود مع صديقه هنري الذي جاء لزيارته إلى المختبر ولكنهما لا يجدا ذلك الوحش الهائل. ثم يقتل الوحش أخ فيكتور وتتهم الخادمة ظلما بالجريمة. يعلم فيكتور حينها أنّ الوحش هو من قتل، ويدرك حينها أنه قام بغلطة لا تغتفر حين صنع ذلك المسخ. بعدها يطلب الوحش من فيكتور أن يصنع له امرأة لأنه يحس بالوحدة. فيصنع له ذلك وقبل الانتهاء من الأمر يحس فيكتور بالندم فيحطم المرأة فينتقم منه الوحش ويقتل صديقه هنري، ويحاول قتل فيكتور نفسه فيهرب، ثم يتزوج فيكتور ولكن المسخ يقتل زوجته ويموت والد فيكتور إثر الأحداث المؤلمة التي ألمت بالعائلة، بعدها يموت فيكتور حزنا على ما آل إليه، وندما على ما فعله ويأتي المسخ ليرى صانعه ميتا فيلقي بنفسه في النار شعورا منه بالعار بسبب ما حدث.
أمّا فرانكشتاين في بغداد فهي رواية تصوّر الدمار الهائل الذي حلّ ببغداد إثر الغزو الأمريكي للعراق وانتشار الإرهاب وتحوّل بغداد من مدينة الحضارة والسكينة إلى مدينة الهلاك والموت. فالتفجيرات لا تكاد تنتهي بها، كل يوم هناك ضحايا وقتلى وأشلاء أجساد مترامية هنا وهناك ليأتي هادي العتّاك بائع العاديات لينتشل من كل جسد قطعة ويركبها تركيبا عجيبا، ويصنع مسخا مخيفا لا هوية له ولا دين ولا انتماء. فهو خليط من أجساد كل البغداديين الخيرين والأشرار، المسالمين والإرهابيين، فيقرّر ” الشسمه ” الانتقام للضحايا الذين يشكلون جسده، وكأنّ هذا المسخ هو مخلص العراقيين من الأوغاد الذين أفسدوا حياتهم وأزالوا استقرارهم. ” الشسمه ” أو ” فرانكشتاين ” هو الوحش الذي سيقضي على الوحشية في بغداد، وهنا المفارقة. وحشية أمريكا ووحشية السلطة ووحشية الإرهاب والتطرّف. هو لا يمثّل فردا معينا ولا ايديولوجيا محددة، بل هو العراق في شموليته، والعراقي في جوهره الخام. وكأنّ الكاتب من وراء فكرته هاته أراد أن يجعل من فرانكشتاين صوتا قويا لكل عراقي مظلوم يريد أن يعيش في وطنه بسلام، وأداة لمحاربة الفساد والطغيان والوهم والدجل، ” فالشسمه مصنوع من بقايا أجساد لضحايا مضافا إليها روح ضحية، واسم ضحية أخرى. إنّه خلاصة ضحايا يطلبون الثأر لموتهم حتى يرتاحوا. وهو مخلوق للانتقام والثأر لهم.”([8])
وبهذا نلاحظ أنّ أحمد سعداوي قد انزاح ببراعة عن فكرة ماري شيلي في روايتها ” فرانكشتاين “.
3-بناء شخصية البطل:
لم يعمد أحمد سعداوي إلى اختيار بطل تقليدي لروايته بل حاول أن يكون بطله مختلفا شكلا ومضمونا عن باقي الشخصيات في روايته والروايات الأخرى، فهو ليس إنسانا عاديا إنما خليط من أشلاء ضحايا التفجيرات والقتل، كل ضحية أخذ منها هادي العتاك جزءا وألصقه خياطة مع أجزاء الضحايا الآخرين ليخلق مسخا يشبه الوحش لقبحه وفظاعته ولكن عقله مبرمج على الانتقام من كل الذين ظلموا وقتلوا البغداديين المسالمين. وهو لا يمثل اتجاها فكريا واضحا ولا هوية فردية محددة، ولا مسلكا دينيا أو إثنيا معينا. حتى اسمه لا يمثل شيئا ” الشسمه ” بمعنى الذي لا اسم له.
تصفه أم رغد فتقول: ” كان جسمه لزجا وكأنه مدهون بالدم أو عصير الطماطم، وحين قفز على السطح تناوشه بعض الشباب ببنادقهم، الجميع مسلحون هذه الأيام. رموا باتجاهه إطلاقات كثيرة. كانت تخترق جسده ولا تؤثر في ركضه، وظلّ يقفز بخفة فوق السطوح حتى اختفى.”([9]) فهو بهذا الوصف يبدو كائنا أسطوريا خارقا، يخترقه الرصاص ولكنه لا يموت.
ثمّ يصفه صانعه هادي العتاك: ” الفم متّسع كجرح على طول الفكين. الهيئة البشعة، غرزات خياطة على طول الجبهة والوجنتين مع أنف كبير.”([10])
4-تماهي الواقعي بالعجائبي:
يبدو للقارئ أنّ فرانكشتاين في بغداد هي رواية واقعية تحكي ما ألمّ ببغداد عقب الغزو الأمريكي للعراق وانتشار الإرهاب وظهور التطرف، غير أنها واقعية تتماهى بالعجائبي fantastique. والأدب العجائبي عموما يتسم باقتحام موضوع أو شيء عجائبي ما غير مألوف لحقل الواقعي. والحقيقة أنّ العجائبي هنا في النص هو البطل ذاته ” الشسمه “.
” لم يعد هناك سوى موضوع عجائبي واحد: الإنسان، لا إنسان الأديان أو إنسان الروحانية، المنخرط في العالم حتى نصفه فقط، ولكن الإنسان المعطى. الإنسان- الطبيعة، والإنسان- المجتمع (…) إنّ الإنسان ” العادي ” هو بالتحديد الكائن العجائبي ومن هنا يصير العجائبي القاعدة وليس الاستثناء.”([11]) هذا بالتحديد ما أراد أن يقوله الروائي عبر خلقه لشخصية عجائبية لا تشبه البشر ولكنها منهم، تحمل أجسادهم وحقدهم ووحشيتهم وفي الوقت ذاته تأتي لتثأر للضحايا والمظلومين. شخصية غامضة مليئة بالمفارقات تعكس واقع بغداد المتأزم.
5- التوسّل بعوالم السحر والخيال التكنولوجي:
قد أشرنا فيما سبق إلى أنّ الرواية تبدو لقارئها واقعية تحكي واقع بغداد وتصوّر تفاصيله الدقيقة وهذا بالفعل لا ينافي الحقيقة، غير أنّ الكاتب قد أدخلنا في عوالم أخرى تتراوح ما بين العجائبي والخيال التكنولوجي. كل شيء متعلق بالمسخ ” الشسمه “، أيعقل أن يكون كائنا بشريا يشبه الناس العاديين أم هو يخالفهم بقدرات لا يمتلكونها ؟ يبدو أحيانا كأنه إنسان آلي في منتهى الذكاء والفطنة. يحكي الوحش ما حدث له بعد معركة دامية مع إحدى العصابات فيقول: ” عدت ذات ليلة وقد ثقّب الرصاص كامل جسمي. كانت معركة حامية ومطاردة مهلكة وكدت أفشل في الوصول إلى رقبة ذلك المجرم الذي يزوّد الكثير من العصابات المسلحة بالديناميت ومواد التفجير بغض النظر عن خلفياتها العقائدية أو السياسية. إنه تاجر موت بامتياز (…) أخرج المجانين الثلاثة الكثير من الرصاص من جسدي. وأسهم الساحر والسفسطائي بمحاولة خياطة الأجزاء الممزقة. لكن قطعة من لحم الكتف رفضت أن تستقر في مكانها، كانت ذائبة تماما وكأنها من لحم جثة قديمة مضى على هلاكها عدة أيام.”([12])
ثم يصف نفسه قائلا: ” فرشت الملاءة على الأرض ونمت عاريا على السطح أمام الشمس. كانت السوائل اللزجة ذات اللون الفاتح تنزل ببطء من فتحات جسدي ومن شقوق الجروح التي تفتقت خيوطها. كنت بحاجة إلى إعادة صيانة كاملة، وكذلك، وهذا استنتاج فاجأني، كنت بحاجة إلى قطع غيار جديدة.”([13])
فمنطقيا لا يمكن اعتبار الشسمه إنسانا عاديا ينتمي إلى بني البشر حتى لو كانت مكونات جسده هي أجزاء من أشلاء القتلى. فهذا الغموض الذي يحيط بالبطل يجعلنا نحس أننا نشاهد فيلم رعب يتوسّل صاحبه بالخيال التكنولوجي لتشكيل فضاءاته.
ولن نجانب الصدق إذا ما ادّعينا أنه يمكن تصنيف هذه الرواية ضمن إطار روايات ” الواقعية السحرية ” التي تصوّر الواقع والشخصيات بشكل يذهل القارئ ويربك حواسه فلا يستطيع التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيالي، لأنّ الكاتب استمدّ عناصره من عوالم السحر والخيال والأوهام والكوابيس ومزجها بطريقة عجيبة تربك عقل القارئ ولكنه يتعلق بها ويقتنع. يقول الشسمه: ” قال لي الساحر: كل من تقتله يتم غلق حسابه، أي أن طالب الثأر يلبى طلبه. فيذوب في جسدك ذلك الجزء العائد له. هناك وقت معين على ما يبدو. إذا انتهيت من الثأر لجميع الضحايا قبل الوقت النهائي فسيظل جسدك متماسكا ثم يذوب بعد انتهاء المهمة، أما إذا تأخرت، فلن يتبق لديك أمام مهمتك الأخيرة إلاّ تلك القطعة الأخيرة من جسد طالب الثأر الأخير.”([14])
كما يمكن القول إنها رواية تندرج ضمن ما أطلق عليه ” الرواية التكنولوجية cyberpunk وهي رواية ما بعد الحداثة يقوم فيها الأسلوب على ” التخيل المركز المبني على الممكن والمتصور مع شفافية التوصيف، في شخصيات عجائبية وعنيفة تقابل من أجل السلطة والبقاء في عالم المدينة الحديثة وما يتضمنه من البيوتات المالية والصناعية الضخمة ، وعامل السرعة مع عامل الطاقة هما الخاصية الأسلوبية للسرد التكنولوجي، يضاف إلى ذلك عالم المفاجأة.”([15])
إضافة إلى هذا كله، يمكن أن نسيّج هذا النص في خانة الرواية الواقعية المفرطة التي تتبنى طروحات اجتماعية وسياسية وثقافية في مقاربتها للواقع، وتلقي الضوء على الانحرافات السياسية والثقافية في واقع اجتماعي متدني، وما ينتج من نتائج جنونية لتلك الانحرافات مما يشكل مآسي يتألم لها العالم كله. فرواية فرانكشتاين في بغداد رواية واقعية مفرطة عمل فيها الكاتب على تعرية واقع بغداد المتأزم مركزا على الاضطهاد الذي يعيشه البغداديون بسبب الغزو الأمريكي لبلدهم وما ترتب على ذلك من قمع سياسي وثقافي واجتماعي مارسه عليهم حتى العراقيون مثلهم المتحكمون بالسلطة.
6- الاستعانة بالأجواء البوليسية في الرواية:
يبدو جليا استعانة أحمد سعداوي بأجواء الرواية البوليسية في عمله هذا، إذ أول ما يطالعنا في الرواية تلك العناوين الفرعية لبعض فصولها والتي لها علاقة مباشرة مع ما يحدث عادة في التحقيقات البوليسية عقب حصول أي جريمة، من ذلك مثلا: الفصل الأول ” تقرير نهائي- سري للغاية “، الفصل الخامس ” الجثة “، الفصل السادس ” الحوادث الغريبة “، الفصل الثامن ” أسرار “، الفصل الحادي عشر ” تحقيق “، الفصل الرابع عشر ” متابعة وتعقيب “، والفصل السابع عشر ” الانفجار “. وكلها توحي بهذه الأجواء البوليسية التي تسود الرواية، وهي أجواء لم تستدع اعتباطا إنما اقتضتها ضرورة الأحداث التي تجري داخل الرواية والفكرة التي يقوم عليها النص. هناك مخلوق عجيب يدعى الشسمه يقوم بقتل عدد كبير من الناس ويريد العميد سرور القبض عليه حيا أو ميتا موظفا بذلك العرّافين والمنجمين والجواسيس والضباط السريين وحتى معارفه من الصحافة.
ولهذا تقوم الرواية على عوالم الجريمة وقوانين التحقيق، ويلف الأحداث الكثير من الغموض والانتظار والتشويق وهي من أهم العناصر الكبرى التي تنبني عليها الرواية البوليسية، وتتجلى هذه العناصر في المقطع الآتي الذي يصف توتر العميد سرور إثر فشله في القبض على الشسمه: ” سيقضي هذه الليلة في الدائرة أيضا بانتظار عودة فريق الملاحقة، وبأمل أن تكون هذه نهاية القصة. ونهاية الصداع والقلق والتوتر. سيكون موقفه ممتازا أمام الأمريكان وكذلك أمام الأحزاب القابضة على السلطة التي تنظر إليه نظرة ريبة وعدم اطمئنان. ولربما رقّي إلى رتبة أعلى، أو خرج من هذا الظل الغامض والداكن الذي يرقد فيه منذ سنتين إلى العلن والأضواء. كيف ستكون هيئة هذا المجرم يا ترى؟ فكّر العميد وهو يخطو داخل غرفة مكتبه الواسعة. كيف سيكون هذا الرجل الذي تخترق الرصاصات جسده فلا يموت ولا ينزف. وما هو مستوى البشاعة والقباحة في ملامحه. ثم كيف سيتم إلقاء القبض عليه إن كان لا يخشى الموت والإطلاقات النارية؟ هل يملك قدرات خارقة؟ هل سينفث النار من فمه على رجاله فيحولهم إلى رماد، أم يحلّق في الهواء بأجنحة خفية مبتعدا عن مطارديه؟ أم سيختفي فجأة من أمامهم وكأنه لم يوجد أصلا؟ أسئلة يعرف أن الجواب عليها سيكون أمامه بعد ساعتين أو ثلاث.”([16])
7- اللغة الروائية:
الرواية فن أساسه اللغة، فباللغة تنهض الشخصيات وتنبني الأحداث وتوصف الأمكنة ويتركب الزمن. اللغة جوهر الكتابة الروائية ووسيلة الروائي للتحكم في كل عنصر من عناصر عمله الإبداعي. واللغة كما وضحها القدماء والمحدثون مستويات لا مستوى واحد، وكثيرا ما يغفل النقاد عن دراسة اللغة الروائية على الرغم من أهميتها. وقد أشار الناقد عبد الملك مرتاض في كتابة ” في نظرية الرواية”(*) إلى هذه المسألة واعتبرها تقصيرا من قبل الباحثين في مجال السرديات.
ويبدو أنّ أحمد سعداوي قد اهتم بهذا الجانب وأعطاه اهتماما كبيرا، لذا لا نلفي مستوى واحدا للغة لديه، بل مستويات، فهناك لغة السرد العام وهي لغة نجدها شاعرية وفخمة وهي على فخامتها تعبر عن واقع بغداد بكل ما يحمله من دلالات وإيحاءات. لغة تعبر عن العنف لأن منطق الرواية في الأصل هو العنف.
وواقع النص يوحي أن لغة النسيج السردي قد جاءت متلائمة مع كل فئات المجتمع البغدادي بكل عقائدها الدينية وتوجهاتها السياسية ومستوياتها الثقافية وهواجسها النفسية. ” يقول الراوي:” كان نادر الشماس يرى أنّ كل شيء مؤقت. ستنتهي هذه الفوضى وستستقر أمور البلاد ويعود قريبا. ربما خلال سنة أو أكثر قليلا. هو لا يخشى من الموت، لكنه لا يتحمل فكرة اختطاف واحدة من بناته، أو إصابتهن بأذى. غادر ونسي أمر العجوز أم دانيال أو تناساها، وظنّ أنه لن يراها أبدا، فهيأتها كانت تدل، خلال لقائه الأخير بها، على وضع امرأة تزحف بثبات باتجاه الموت. لن تصمد سنة أخرى ربما. ومن جانبها لم تكن العجوز تفكر أنها سترى هذا الشماس ذا الشاربين التركيين ثانية، وكلاهما كان مخطئا.”([17])
كما نجد مستوى آخر من اللغة وهو لغة الحوار، ويبدو أنّ أحمد سعداوي قد آثر أن تكون لغة بعض شخصياته الحوارية اللهجة العراقية بكل ما تحمله من دفء وتلقائية. وإذا كان عبد الملك مرتاض يرفض هذا ويعتبر توظيف العامية في الحوار ضربا للغة العربية الفصحى، إلاّ أنّ واقع النصوص الروائية في الوطن العربي يثبت عكس ذلك، فكثير من الروائيين العرب يفضلون العامية في الحوار ويعتبرونها أنسب من الفصحى.
من أمثلة ما ورد من حوار بين الشخصيات، ذلك الذي جمع هادي العتاك والعميد سرور:
-هادي..هادي
-نعم سيادة الرئيس
-ما تجوز من سوالفك.. بطّل تحكي علينه… ما بينه حيل الناس تسوي ثورة ضدنا.
-شسويلك سيادة الرئيس.. اشتغلوا عدل واني ما احكي عليكم.
هسه ما تجي وياي؟.. تعال خلي نتفاهم. خوش مسويلنه عشه بالمنطقة الخضراء.
-لا سيادة الرئيس..اني مو جوعان.. بس أذا اكو عرك أجي.. انته مو تشرب عرك سيادة الرئيس؟
-عيب.. اني اشرب ماي مقطر. انته ما تجوز من سوالفك هادي.([18])
والحقيقة أن استعمال العامية في سياق كهذا مناسب جدا لشخصية هادي العتاك البائع المتجوّل للعاديات، غير أنّ المتلقي الذي لا يفهم اللهجة البغدادية سيجد صعوبة في قراءة الحوار وفهمه. ولكنه حين ينتقل الحوار بين محمود الصحفي اللامع والسعيدي مدير المجلة، فإنه يستعمل اللغة الفصحى تماشيا مع مستواهما الفكري والثقافي، وفي ذلك ذكاء من الروائي إذ جعل العامية للشخصيات البسيطة التي لا ثقافة لها إلاّ ثقافة الأكل والشرب وكسب المال، وجعل الفصحى للشخصيات المثقفة والسلطوية في المجتمع. يقول:
-العميد سرور في الحقيقة لا يلاحق جرائم غريبة ولا هم يحزنون. إنه موظف من قبل سلطة الائتلاف الأمريكية المؤقتة لقيادة فريق الاغتيالات.
-اغتيالات؟
-نعم.. هو ينفذ منذ سنة أو أكثر جانبا من سياسة السفير الأمريكي زلماي خليل زاد بشأن خلق توازن عنف في الشارع العراقي ما بين المليشيات السنية والشيعية لكي يكون هناك توازن فيما بعد على طاولة المفاوضات لتشكيل الوضع الجديد في العراق.([19])
فالحوار هنا يعكس الوعي الاجتماعي والسياسي لدى كل من محمود والسعيدي، فهما من رجال الصحافة اللامعين والبارزين في المجتمع، وعلى لغة الحوار هنا أن تعكس هذه الوجاهة التي يتميّزان بها.
ثم تأتي لغة المناجاة كمستوى ثالث من مستويات اللغة في الرواية، والمناجاة هي حديث النفس مع النفس، حديث يمتزج فيه الداخلي بالخارجي. لغة غنائية مليئة بالدفء والمشاعر، لغة تعبر عن الأحلام والآمال والهواجس والكوابيس. تصف الشخصية من الداخل غير لغة السرد التي تصفها من الخارج.
في مناجاة حسيب حارس الفندق مع نفسه نجده يكلم شخصا آخر وكأنه ماثل أمامه، والحقيقة أنه مات وخرجت روحه عن جسده ودارا لحوار بينهما. يقول:
-لماذا أنت هنا.. عليك أن تبقى بجوار جثتك.
-لقد اختفت.
-كيف اختفت؟ لا بدّ أن تجد جثتك، أو أي جثة أخرى (…)
-ربما لم تمت فعلا.. ربما أنت تحلم الآن.
-ماذا؟
-نعم.. تحلم.. أو ربما خرجت روحك من جسدك في نزهة وستعود لاحقا
-الله يسمع منك.. آني ما متعود على هاي الوضعية. بعدني زغيّر وعندي بنت و..([20])
فالمناجاة هنا هي بين روح حسيب وجسده. ذلك الشاب الذي قتل إثر تفجير انتحاري وهو لا يزال في مقتبل العمر. مناجاة تعبّر عن مدى العنف الواقع في بغداد، روح لم تعثر على جسدها فبقيت تائهة ضائعة لا تعرف حقا إن مات صاحبها أم إنه يحلم بكابوس هو الموت تفجيرا.
ولئن كانت فكرة الرواية تبدو جنونية صعبة التحقق تدنو من المستحيل، وهنا يتجلى التجريب المضموني لدى الكاتب، فإنه لم يتوان من جهة أخرى عن التوسّل بكل أساليب التجريب الشكلي أو الفني في نصه. وإن ما ذكرناه فيما أنف لا يشمل كل الأساليب، إذ نلفي كذلك تكسيرا واضحا لخطية السرد في الرواية، وخلخلة للزمن السردي للأحداث حين بدأ الرواية بتقرير نهائي للجنة التحقيق والتعقيب يوحي أنّ الراوي بدأ بالنهاية وسيرجع عبر تقنية الفلاش باك أو الاسترجاع إلى البداية.
كما نجد أيضا تحطيما واضحا لأفق انتظار القارئ الذي كان يتوقع نهاية محددة للرواية ولكن الكاتب أرادها نهاية مفتوحة لم يحدد فيها مصير الشسمه ولا مصير كبير المنجمين. إضافة إلى توسّله بالتناص كملمح آخر من ملامح التجريب. التناص كاستراتيجية تجريبية تكشف خلفية الكاتب الثقافية وتعاقبية النصوص التي شكّلت متن هاته الرواية. يبدأ ذلك من خلال نص مقتبس عن رواية فرانكشتاين لماري شيلي والتي استلهم منها فكرته واستطاع أن يبلورها بشكل مغاير تماما لما ورد في الرواية الأصل. ثم بنص آخر مأخوذ عن قصة العظيم في الشهداء ماركوركيس المظفر. وينهيها بنص للشسمه، ليجعل بين النصوص الثلاثة حوارية مفتوحة على تأويلات لامتناهية.
خاتمة:
يمكن ختاما أن نخلص للنتائج الآتية:
1/ رواية “فرانكشتاين في بغداد” رواية يتجلى فيها شغف المغامرة، وشرارة الجنون، وحب الإبداع. فيها انزياح عن مألوف الكتابة الروائية، وبحث حثيث عن كل ما هو مغاير ومتميّز شكلا ومضمونا.
2/ استطاع أحمد سعداوي في نصه هذا أن يتجاوز مرجعه الذي انطلق منه وهو فكرة ماري شيلي في روايتها “فرانكشتاين” ليخلق نصا جديدا يعرّي الواقع العراقي بعد الاحتلال الأمريكي بجرأة كبيرة.
3/ منح الكاتب نصه خصوصية بغدادية بحتة، وأعطاه هوية عربية مغايرة للهويات الغربية الأخرى بطريقة سلسة وجميلة لا تشعر القارئ بأيّ تقليد أو محاكاة لنص ماري شيلي.
4/ يؤكد النص المرة تلوى الأخرى مهارة الكاتب في ابتكار مظاهر تجريبية جديدة مكنته من الخرق والتجاوز بطريقة مذهلة تراوحت بين ما يخص الشكل وما يخص المضمون، وبذا يمكن الادّعاء دون كثير مبالغة أنّ نص أحمد سعداوي هذا يستحق البحث والدراسة لأنه نص تجريبي بامتياز.
مصادر البحث ومراجعه:
المصدر:
سعداوي (أحمد): فرانكشتاين في بغداد، منشورات الجمل، بيروت/ بغداد، ط5، 2013.
المراجع:
1/ أشهبون (عبد المالك): الحساسية الجديدة في الرواية العربية- روايات إدوار الخراط نموذجا-، الدار العلربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، الرباط/ الجزائر، ط1، 2010.
2/ أمنصور (محمد): التجريب في الرواية المغربية المعاصرة، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2006.
3/ الباردي (محمد): في نظرية الرواية، دار سراس للنشر، تزنس، (د.ت).
4/ الباردي (محمد): إنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة، مركز النشر الجامعي، تونس، 2004.
5/ تودوروف (تزفتين): مدخل إلى الأدب العجائبي، ترجمة الصديق بوعلام، مراجعة محمد برادة، دار شرقيات، القاهرة، ط1، 1994.
6/ الجزار (محمد فكري): العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998.
7/ الخليل (سمير): دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي- إضاءة توثيقية للمفاهيم الثقافية المتداولة-، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2016.
8/ مرتاض (عبد الملك): في نظرية الرواية- بحث في تقنيات السرد-، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، (د.ت).
[1] محمد الباردي: في نظرية الرواية، دار سراس للنشر، تونس، (د.ت)، ص 174-175.
[2] محمد أمنصور: استراتيجيات التجريب في الرواية المغربية المعاصرة، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء، ط1، 2006، ص 78.
[3] المرجع نفسه، ص 77.
[4] نفسه، ص 124.
[5] محمد الباردي: إنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة، مركز النشر الجامعي، تونس، 2004، ص 291-292.
[6] عبد المالك أشهبون: الحساسية الجديدة في الرواية العربية- روايات إدوار الخراط نموذجا-، الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، الرباط، الجزائر، ط1، 2010، ص 81.
[7] محمد فكري الجزار: العنوان وسيميوطيقا الاتصال الأدبي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1998، ص 21.
[8] أحمد سعداوي: فرانكشتاين في بغداد، منشورات الجمل، بيروت، بغداد، ط5، 2013، ص 144.
[9] الرواية، ص 97.
[10] المصدر نفسه، ص 98.
[11] تزفتين تودوروف: مدخل إلى الأدب العجائبي، ترجمة الصديق بوعلام، مراجعة محمد برادة، دار شرقيات، القاهرة، ط1، 1994، ص 155.
[12] الرواية، ص 162.
[13] المصدر نفسه، ص 164.
[14] نفسه، ص 163.
[15] سمير الخليل: دليل مصطلحات الدراسات الثقافية والنقد الثقافي-إضاءة توثيقية للمفاهيم الثقافية المتداولة-،دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2016، ص 182.
[16] الرواية، ص 139.
(*) ينظر عبد الملك مرتاض: في نظرية الرواية- بحث في تقنيات السرد-، دار الغرب للنشر والتوزيع، الجزائر، (د.ت)، ص 158 وما بعدها.
[17] الرواية، ص 246.
[18] الرواية، ص 207.
[19] المصدر نفسه، ص 195.
[20] الرواية، ص 46-47.