المكانة الدستورية للمجتمع المدني في ظل التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2020؛ انطلاقة أم امتداد ؟
The constitutional position of civil society in light of the Algerian Constitutional Amendment of 2020 ؛ A start or an extension?
عمـــر فـــلاق FELLAG OMAR
رئيس مصلحة الإحصائيات والإعلام والتوجيه بجامعة خميس مليانة – الجزائر.
طالب دكتوراه علوم في القانون العام، مسجّل بالسنة الخامسة – كلية الحقوق بجامعة الجزائر 1.
مقال نشر في مجلة جيل الأبحاث القانونية المعمقة العدد 45 الصفحة 131.
Article summary :
Civil society organizations play a major role in embodying participatory democracy. Civil society in Algeria has developed after the adoption of the multi-party system in accordance with the 1989 constitution. However, the constitutional status of civil society was only manifested within the framework of the explicit text on the principle of participatory democracy, until it was directed. The state is relying on civil society to contribute to the conduct of public affairs and development in society, despite the distinguished constitutional position of civil society in the constitutional amendment for the year 2020 through the expansion in the field of freedom to establish civil society institutions and the constitutional guarantees surrounding them, in addition to the establishment of the National Observatory of Civil Society as an institution A consultative constitutionality that works to promote civil society institutions and organizations in Algeria, but this progress will remain dependent on the nature of the relationship between civil society and the state, by embodying the requirements for activating the role of civil society to be a relationship of cooperation and exchange instead of a relationship of controversy, confrontation and exclusion.
key words : civil society, Constitution, democracy.
ملخص:
تلعب منظمات المجتمع المدني دورا كبيرا في تجسيد الديمقراطية التشاركية، وقد عرف المجتمع المدني في الجزائر تطورا بعد تبني نظام التعددية الحزبية وفق دستور سنة 1989، إلاّ أن المكانة الدستورية للمجتمع المدني لم تتجلى إلاّ في إطار النص صراحة على مبدأ الديمقراطية التشاركية، وذلك إلى حين توجه الدولة نحو الاعتماد على المجتمع المدني للمساهمة في تسيير الشؤون العمومية والتنمية في المجتمع، وبالرغم من المكانة الدستورية المتميزة للمجتمع المدني في التعديل الدستوري لسنة 2020 من خلال التوسع في مجال حرية إنشاء مؤسسات المجتمع المدني والضمانات الدستورية المحاطة بها، إلى جانب تأسيس المرصد الوطني للمجتمع المدني كمؤسسة دستورية استشارية تعمل على ترقية مؤسسات وهيئات المجتمع المدني في الجزائر، إلاّ أن هذا التقدم سيظل رهن طبيعة العلاقة بين المجتمع المدني والدولة، من خلال تجسيد متطلبات تفعيل دور المجتمع المدني لتكون علاقة تعاون وتبادل بدلا من علاقة جدل ومواجهة وإبعاد.
الكلمات المفتاحية: المجتمع المدني، الدستور، الديمقراطية.
مقدمة:
لقد تم إعادة إحياء مفهوم المجتمع المدني في سياق أوربا الشرقية، إلاّ أن استيعابها في المرحلة الراهنة تم في أوربا الغربية وأمريكا اللتين تشهدان نقاشا مستمرا لا ينقطع حول المفهوم، وكانت قد نشأت في البلدان الرأسمالية المتطورة منذ الستينيات عملية فرز جديدة للوحدة الاجتماعية السياسية، الثورة الثقافية، ثم حركات الحفاظ على البيئة، والحركات النسوية، وحركات السلام، والمبادرات المحلية للمواطنين في قضايا الصحة والبيئة والتخطيط المدني والاجتماعي، كل هذا في مواجهة مع بيروقراطية الدولة من جهة أولى، ومع قوى اقتصاد السوق المندفعة نحو الربح من جهة ثانية.[1]
وهناك ثلاث توجهات فكرية حكمت تطور مفهوم المجتمع المدني، التوجه الأول كلاسيكي ربط أو ساوى بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، التوجه الثاني ارتبط بالحداثة والتنوير الأوربي، فربط بين المجتمع المدني والمصلحة الفردية، والمنافسة الاقتصادية والحرية، أما التوجه الثالث فقد عد المجتمع المدني ميداناً يسهم في ترسيخ الحرية والعمل على تقييد سلطة الدولة ومؤسساتها.[2]
لم يكن غريبا بالنسبة للجزائر أن تلتفت أكثر من غيرها لمفهوم المجتمع المدني وتبني أثره الجديد، فقد تبنته أكثر عند ظهور وبداية الدولة الجزائرية في الميادين الاجتماعية والثقافية والتعامل مع بعض القوى الاجتماعية الذي غلب عليها الطابع الحضري من أبناء الفئات الوسطى الأقرب للفضاء الثقافي المفرنس وخاصة عند اشتراك قوى جديدة في المنافسة السياسية و غيرها ….الخ.[3]
وقد عرفت الجزائر في مرحلة سابقة لها محاولة تغيير محتشمة للإطار القانوني المسير للعمل الجمعوي في بداية النصف الثاني من الثمانينات 1987 لتسهيل عملية تكوين جمعيات لكنها بقيت من دون نتائج كبيرة على الساحة التنظيمية خاصة بعد سلسلة النصوص القانونية في ديسمبر 1971 المعدلة في 3 تم إصدارها بدءا من الستينيات والسبعينيات ولغاية التسعينيات كمنشور سنة 1964 وأمر المؤرخ في 07 جوان 1972 الذي تشترط مادته الثانية على سبيل المثال موافقة ثلاث مؤسسات رسمية من وزير الداخلية والوزير المكلف بالقطاع والسلطة المحلية )أي الوالي( عند طلب تأسيس جمعية في الميادين الثقافية، الدينية والرياضية[4].
إذا كان بداية الظهور لهذا المفهوم في النصف الثاني من الثمانينات القرن الماضي، وبدأ الحديث عن هذا المفهوم الجديد في الوقت الذي كان فيه النظام السياسي الجزائري يعيش أزمة حادة في قاعدته الاقتصادية وشرعية مؤسساته السياسية ونمط تسييرها المعتمد على الدولة كفاعل وحيد ليس فقط في المجال السياسي، بل حتى في المجال الاقتصادي والاجتماعي، بحيث كانت من تداعيات أحداث أكتوبر 1988 التي عاشتها الجزائر وظهور إطار دستوري وقانوني جديد تم بموجبه الاعتراف بحق المواطنين في التنظيم المستقل للتعبير عن آرائهم السياسية والدفاع عن مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية.
وبعد ذلك، تمت المصادقة على الدستور الجديد 1989 الذي تميز بانبثاق مظاهر المجتمع المدني على شكل جمعيات وأحزاب بعدد كبير ناهيك عن والنقابات….إلخ إلا أن مفهوم المجتمع المدني على الساحة الجزائرية قد ارتبط أكثر بالجمعيات والنخب التي أطرت هذا الفضاء الجديد بكل التنوع الذي عرفته اهتماماتها والتي تطورت عدديا وبسرعة مباشرة بعد المصادقة على قانون الجمعيات رغم ما عرفه من خمول خلال النصف الثاني من التسعينات نتيجة الأوضاع الصعبة التي عرفتها الجزائر، علما أن الجمعيات الجزائرية لاسيما المحلية منها وحتى بعض الجمعيات الوطنية، عادة ما تتميز بتعددية نشاطها ودقة تجربتها الميدانية.[5]
وفي السياق التاريخي لفكرة المجتمع المدني وتطوره وبلورته وعلاقته بالدولة، يمكننا القول هنا أن فكرة المجتمع المدني مرت بثلاث مراحل أساسية، تمثلت أولى المراحل في الانفتاح على المجتمع المدني وتقبله من قبل السلطة، خاصة بعد ظهور فكرة المواطنة وأصبحت العلاقة مباشرة بين الدولة والشعب، وكان ذلك بداية إرساء حكم القانون ونظام مؤسسات الدولة، ثم تليها مرحلة تراجع دور الدولة مع ظهور فكرة العولمة واحتلال هيئات المجتمع المدني الفراغ المتروك من قبل الدولة، ثم تليها مرحلة ثالثة أخيرة تمثلت في التعامل مع المجتمع المدني من قبل الدولة، واعتباره كيان مستقل بذاته وموازي للدولة في الكثير من المجالات.
ولقد عرفت العديد من الدّول تنظيمات وهيئات متعددة ومتنوعة طوعية شكلت نواة المجتمع المدني، ومن بين هذه الدّول نجد الجزائر، التي شهدت عدة تنظيمات اجتماعية طوعية تعد من مؤسسات المجتمع المدني، والتي يعود تاريخ وجودها إلى ما قبل الاستعمار الفرنسي، وقد لعبت بعض هذه التنظيمات أدوارا هامة لاسيما تلك المتعلقة بالحفاظ على الهوية الوطنية للمجتمع الجزائري خلال الفترة الاستعمارية،[6] وكانت هذه معظم التنظيمات عبارة عن حركات وطنية وغالبيتها ذات طابع ديني كجمعية العلماء المسلمين الجزائريين على سبيل المثال، إلى جانب التنظيمات السياسية والتي عرفت أنذاك بالحركات الوطنية التحررية، وقد واجهت تلك التنظيمات صعوبات كبيرة خاصة إبان العهد الاستعماري.[7]
إن المقاربة الجديدة لمفهوم المجتمع المدني تنطلق من افتراض علاقة واقعية بين الأمة والمجتمع المدني والدولة الوطنية، ومن النظر إلى القومية على أنها فضاء ثقافي، حضاري، مشترك بين جميع قوى الأمة وتمثيلاتها، على اعتبار مفهوم المجتمع المدني تعبير سوسيولوجي، ومفهوم الأمة تعبير ثقافي، ومفهوم الشعب تعبير سياسي، عن حقيقة واحدة هي الدولة الوطنية.[8]
عمل المؤسس الدستوري الجزائري على تأسيس مؤسسات وهيئات وتنظيمات مكونة للمجتمع المدني عبر الدساتير الجزائرية المعتمدة، إلاّ أن مكانة المجتمع المدني في ظل التعديل الدستوري الجزائري الأخير أصبحت أكثر أهمية لتكون محل دراسة وتحليل.
وتبرز أهمية الموضوع حل الدراسة من خلال سعي الكثير من الباحثين لدراسة فكرة المجتمع المدني، من خلال البحث في مسألة تأسيسها زمنيا وإبراز دورها، وكذا دراسة علاقتها بالسلطة والدولة، مما جعلها تبلغ أهمية قصوى تستدعي الإسهام في دراستها من جوانب مختلفة.
سنحاول الاعتماد على المنهج الوصفي في تحليل وإبراز مكانة المجتمع المدني في ظل التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2020 موضوع استفتاء يوم الفاتح من شهر نوفمبر، معتمدين في الوقت ذاته ومن حين لآخر على المنهج المقارن بالتعرض لتجارب بعض الدول في تأطير مكانة المجتمع المدني في دساتيرها.
وعليه، سنقف في ورقتنا البحثية هذه عند نتيجة مهمة، والتي ستكون إجابة عن تساؤل قد يكون الأهم خلال هذه الدراسة، وهو هل بإمكاننا اعتبار المكانة التي حظي بها المجتمع المدني اليوم بتعديل الدستور انطلاقة جديدة نحو تأسيس مجتمع مدني فعّال، أم أن هذه المكانة ما هي إلا امتداد لما تم تكريسه سابقا في الدساتير والقوانين والتنظيمات ؟.
للإجابة على هذه الإشكالية، نتناول في المحور الأول إلى الإطار المفاهيمي للمجتمع المدني، من خلال تعريفه وتمييزه عن باقي المصطلحات المشابهة، وكذا المؤسسات والهيئات المكونة للمجتمع المدني، ثم نتناول بعدها في المحور الثاني من الدراسة تطور المجتمع المدني في الجزائر من خلال البحث في مكانته الدستورية في ظل الدساتير الجزائرية السابقة، ثم التركيز على المكانة الدستورية للمجتمع المدني في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020، وفي الختام نتناول لأهم الاقتراحات والتوصيات التي ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار من أجل تعزيز ما ورد بالتعديل الدستوري لسنة 2020.
المحور الأول: الإطار المفاهيمي للمجتمع المدني
تنتشر ثقافة المجتمع المدني في العالم المعاصر انتشارا سريعا وذلك على أساس أنها الدواء الناجح لكل الأمراض، ومدخل أساسي لتحقيق التطلعات الجديدة لكل مواطن خاصة في المجال السياسي والاجتماعي، لذلك ارتبط حراك المجتمع المدني في العصر الحديث في كثير من الدول بحركة الكفاح السياسي والصراع الاجتماعي، كما هو الحال في أوربا الشرقية وأمريكا الجنوبية وآسيا وأخيرا في القارة الإفريقية، غير أنه في الوطن العربي لم تحظ فكرة المجتمع المدني بقبول على المستوى الرسمي، ويكفي للتدليل على هذا خلو ميثاق الجامعة العربية من تنظيم مسألة المجتمع المدني ضمن بنوده، ولكن هذا لا ينفي أن الدول العربية قد شهدت في فترات تاريخية مختلفة نشاطات اجتماعية ونقابية وسياسية تحسب عادة ضمن مكونات المجتمع المدني.[9]
وبالرغم من كل ذلك، عمدت بعض الدول العربية مؤخرا على منح جانب من الاهتمام لفكرة المجتمع المدني من خلال تأطيرها دستوريا، وذلك قصد الارتقاء بمؤسسات المجتمع المدني ومنحها الدور اللائق بها.
وقصد التعرف على المكانة الدستورية التي منحها مشروع التعديل الدستوري الجزائري للمجتمع المدني يقتضي منا أولا التعرض للإطار المفاهيمي لفكرة المجتمع المدني، وذلك من خلال تعريفه أولا، ثم تمييز مصطلح المجتمع المدني عن باقي المصطلحات المشابهة له، ثم تطور فكرة المجتمع المدني من خلال إبراز علاقته بالدولة ومبدأ الديمقراطية، وأخيرا نتطرق لمكونات ومؤسسات المجتمع المدني.
أولا: مفهوم المجتمع المدني
يعرّف بعضهم المجتمع المدني على أنّه المساحة التي تدور فيها التفاعلات الاجتماعية العامة التي لا تتعلق بالربح أو بالصراع على السلطة السياسية أو السيطرة على السلطة التنفيذية، ويعتبر المجتمع المدني شريكا مع الدولة لمساعدتها وتكملة جهودها دون الوصول إلى حد السعي لتفويض الدولة أو انتزاع السلطة منها، كما يعرف بتراند بادي المجتمع المدني في كتابه السوسيولوجيا السياسية بكونه كل المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع العامة دون تدخل الدولة أو توسطها.[10]
من خلال هذا التعريف يمكننا القول أن للمجتمع المدني عناصر تكوّنه تتمثل أساسا في المشاركة الطوعية للفرد، التنظيم الجماعي، غايته تحقيق الصالح العام، والاستقلالية عن هيمنة الدولة ماليا وإداريا وتنظيميا.
وتمييزا لمصطلح المجتمع المدني عن بعض المصطلحات المتقاربة، فإننا يمكننا القول أن المجتمع المدني يختلف في مفهومه عن المجتمع الأهلي حيث يرتبط هذا الأخير أساسا بفكرة القرابة والنسب والعصبية القومية، كما يختلف مفهوم المجتمع المدني عن مصطلح المجتمع السياسي، الذي بدوره يعبّر عن مجتمع الدولة والحكومة والسلطة، أما بالنسبة لعلاقة المجتمع المدني بفكرة الديمقراطية التشاركية، فيمكن القول أنها علاقة تكاملية وترابطية، بحيث لا يمكن لأحدهما القيام دون الآخر، فالديمقراطية التشاركية كمبدأ تتعدى حدود الديمقراطية التمثيلية، بحيث نجد أنّ الديمقراطية التشاركية لا تقتصر على التمثيل الشعبي فقط، بل تمنح الفرصة لكل مواطن من المشاركة الفعلية في صنع القرارات، بتقديم الآراء والاقتراحات لرسم السياسة العامة، ومراقبة حسن سير مؤسسات الدولة ومدى تنفيذ القرارات الصادرة عنها.[11]
أما بالنسبة لعلاقة المجتمع المدني بمصطلح الدولة، فقد اعترف الكثير بالاستقلالية النسبية التي يتمتع بها المجتمع المدني في علاقته مع الدولة، وذلك بالنظر للمساحة المشتركة بينهما في إطار تسيير الشؤون العمومية، كما يعتبر المجتمع المدني أداة مساعدة للدولة كالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتتحدد مساحة الحرية والاستقلالية الممنوحة للمجتمع المدني انطلاقا من الإطار القانوني الذي تحدده الدولة، وذلك من خلال وضع الضوابط القانونية لتأسيس مؤسسات المجتمع المدني وتحديد نشاطها وعلاقتها ببعضها البعض وعلاقاتها بالدولة، ومن هنا، وبالنظر للإطار القانوني المحدد فإنه سينتج عنه مظاهر التعاون بين المجتمع المدني والدولة والتي تتمثل في التنسيق من جهة، والتنافس والتصادم من جهة أخرى.[12]
وقد عرفت العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني تجاذبا وتواجها في الدول النامية، بينما تتحدد طبيعة العلاقة بينهما بالتعاون والانسجام في الدول الديمقراطية المعاصرة، وذلك باعتبار نظرة مؤسسات الدول النامية للمجتمع المدني على أنه مجرد كيان ثانوي فرضته الظروف ويعيق أحيانا سير مؤسسات الدولة، بينما تعتبر الدول المتقدمة مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني كيان مستقل وملازم لها في تسيير الشؤون العمومية، مما يتيح لها فرصة التخفيف من الأعباء من جهة، كما يتيح لها الاهتمام الجيّد لانشغالات مواطنيها والتكفل بمشاكلهم بصورة فعّالة وسريعة من جهة أخرى، وعليه، تبقى العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني متوقفة على مدى اعتراف الدولة بمبدأ الديمقراطية التشاركية وتطبيق مبدأ المواطنة واحترام الحقوق والحريات الأساسية.
أما بالنسبة لعلاقة المجتمع المدني بفكرة الديمقراطية، فيمكن القول أن مساحة تدخل الدولة في المجتمع المدني تتغير بحسب درجة النظام الديمقراطي المطبق، أي أن المجتمع المدني ما هو إلاّ أداة من أدوات الانتقال إلى الديمقراطية، ووجوده وقوته من أهم شروط الانتقال إلى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وعليه، فلا وجود لدولة ديمقراطية دون مجتمع مدني، وكما يساهم وجود مجتمع مدني قوي وفعّال في تحقيق الديمقراطية فإن العكس صحيح، حيث يؤدي تحقيق مبدأ الديمقراطية إلى بناء مجتمع مدني قوي تضمن الديمقراطية والشفافية وقايته من الفساد والانتهازية والاستغلال، وعليه يمكننا القول أن المجتمع المدني ومبدأ الديمقراطية يعتبر كل منهما سببا في وجود الآخر ونتيجة له، وكما تعد قوة المجتمع المدني شرطا لتحقيق الديمقراطية، فهي أيضا شرطا ضروريا لتحقيق التنمية ونجاحها وخاصة في الظروف العصيبة والأزمات.[13]
ثانيا: المؤسسات والهيئات المكونة للمجتمع المدني
ولقد تعددت تنظيمات ومؤسسات المجتمع المدني في الجزائر في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يشير الدكتور علي الكنز أن في الجزائر قامت أكثر من خمسة وعشرون 25 ألف منظمة واتحاد ورابطة وجمعية غير حكومية بعد أحداث 25 أكتوبر 1988، وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أهم التنظيمات والمؤسسات المكونة للمجتمع المدني والتي تتمثل أساسا في: المؤسسات والهيئات التنظيمات ذات الطابع السياسي،[14] وعلى رأسها الأحزاب السياسية، بالإضافة إلى التنظيمات النقابية، وكذا الجمعيات المدنية كالمنظمات النسوية مثلا والجمعيات الخيرية وجمعيات حقوق الإنسان،[15].
غير أنه هناك من يرى أن المجتمع المدني يقتصر فقط على المنظمات غير الإرثية وغير الحكومية التي تنشأ لخدمة المصالح والمبادئ المشتركة لأعضائها،[16] وعليه، يستثنى من خلال هذا التعريف مجموعة المؤسسات الدينية التي تضم الأوقاف والمدارس والمعاهد والكليات التابعة لها، كما يستثني الجمعيات الخيرية التي تنشأ في الدول لخدمة الفقراء ومساعدة المحتاجين، ومن هذا المنطلق يتم التمييز بين المجتمع المدني الشعبوي والمجتمع المدني النخبوي، فالأول يسعى لمساعدة لا لتغيير الوضع، نجد من المؤسسات التي تدخل في مكوناته الأساسية الجمعيات الخيرية، أما الثاني فهو يعمل على تحقيق أهم وظائف المجتمع المدني، وهي إشاعة ثقافة مدنية ترسي في المجتمع احترام قيم النزوع للعمل التطوعي، والعمل الجماعي، وقبول الاختلاف والتنوع، وإدارة الخلاف بطرق سلمية في إطار التسامح والتعاون والاحترام.[17]
ومن جهة أخرى، وللتفصيل في مسألة المؤسسات المكونة للمجتمع المدني وطبيعتها والغاية من وجودها، يمكن القول أنّه ليس المجتمع المدني تلك الجمعيات والمؤسسات التي تمارس أنشطة مختلفة داخل الدولة، بل هي تلك المؤسسات التي تمارس عملا محددا ينطلق من قواعد فكرية محددة ويخدم رؤية عقدية معينة تربط وجود المؤسسات بتحقيق أغراض معينة في الدولة، بحث يصبح المجتمع المدني العصا السحرية التي تستخدم لحل العديد من المسائل السياسية.
وقد دفعت قوى العولمة الغربية وبقوة لبناء مجتمع مدني قوي ليحل محل الدولة وليؤدي دورها المفترض في دعم الفقراء وتوزيع الدخل، ليصبح المجتمع المدني – وفقا لهذا التصور – أداة للتقليل من حدة المشاكل الناجمة عن إعادة هيكلة الدولة وخصخصة قطاعاتها المختلفة وهو ما يفقدها دورها المطلوب في بناء مجتمع ديمقراطي، ومن هذا المنطلق يمكن التفريق بين نوعين من المؤسسات المكونة للمجتمع المدني، مؤسسات تجعل من المجتمع المدني شعبي، ومؤسسات أخرى تجعل من المجتمع المدني نخبوي.
تتمثل مؤسسات وهيئات المجتمع المدني الشعبي على سبيل المثال لا الحصر في النقابات المهنية، والعمالية، والمنظمات الفلاحية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين، والمنظمات المهنية، وتنظيمات الخدمة الاجتماعية…، حيث تشترك هذه المؤسسات في سعيها إلى تعميق المشاركة الشعبية وتغيير الواقع.
أما بالنسبة للمجتمع المدني النخبوي فغاية وجوده تتمثل في بناء الأطر المؤسساتية والمنظمات السياسية التي تحقق مصالحهم، مع الإقرار بالتعددية والاختلاف، وعليه، تتمثل مؤسسات وهيئات المجتمع المدني النخبوي في الأحزاب السياسية والمجالس النيابية ونقابات الصحافة ووسائل الإعلام القائمة على التعدد والاختلاف والتعارض والتناقض، وهي بذلك تشكل ركيزة من ركائز المجتمع الديمقراطي التعددي.[18]
بعد تسليط الضوء على المفاهيم العامة المتعلقة بفكرة المجتمع المدني، نتطرق الآن إلى مكانة المجتمع المدني في ظل الدساتير الجزائرية السابقة ومكانته الدستورية في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020، ثم بعدها نتناول متطلبات عمل المجتمع المدني وآفاقه المستقبلية.
المحور الثاني: المكانة الدستورية للمجتمع المدني
للحديث عن المكانة الدستورية للمجتمع المدني عبر الدساتير الجزائرية المتتالية، نتطرق أولا لمكانة المجتمع المدني في ظل الدساتير الجزائرية ما قبل دستور 2020، ثم بعدها نتطرق لمكانة المجتمع المدني في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020، وذلك من خلال الوقوف على التأسيس الدستوري لفكرة المجتمع المدني ومكوناته الأساسية من حيث الاعتراف بإنشائها من جهة، واستقلاليتها واستمراريتها من جهة أخرى.
عرفت الجزائر صدور سلسلة من الدساتير منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، حيث تم تأسيس الدساتير الجزائرية سنوات 1963، 1976، 1989 وفي سنة 1996، هذا الأخير عرف تعديلات سنوات 2002، 2008 وفي سنة 2016، بينما كانت سنة 2020 عنوان لتأسيس دستور جديد تم تقديمه للاستفتاء الشعبي يوم الفاتح من شهر نوفمبر من هذه السنة.
نتطرق في هذا الجانب إلى مكانة المجتمع المدني في ظل هذه الدساتير، بالتعرض لأهم ما أقره المؤسس الدستوري الجزائري في مجال تحقيق مبدأ الديمقراطية التشاركية وتأسيس أهم المؤسسات المكونة للمجتمع المدني الجزائري، وارتأينا ربط مبدأ الديمقراطية التشاركية بفكرة المجتمع المدني لما لهذا المبدأ من دور في تكوين مؤسسات المجتمع المدني وتحقيقه ميدانيا، باعتبار هذا الأخير أحد أهم الوسائل والآليات التي تساهم في تمكين المواطن من ممارسة مبدأ الديمقراطية التشاركية.
أولا: مكانة المجتمع المدني في ظل الدساتير الجزائرية السابقة
1/ في ظل دستور سنة 1963:
تم التأسيس لفكرة إنشاء مؤسسات المجتمع المدني المتمثلة في الجمعيات بالرغم من تبني نظام الأحادية الحزبية في ظل دستور سنة 1963، حيث نصت الفقرة التاسعة من ديباجة دستور سنة 1963[19] على الإسراع بترقية المرأة للمشاركة في تدبير الشؤون العمومية، كما نصت المادة التاسعة عشر على أحقية المواطن الجزائري وحريته في إنشاء الجمعيات والاجتماع وفي الإعلام، حيث جاء في نص المادة التاسعة عشر “تضمن الجمهورية حرية الصحافة، وحرية وسائل الإعلام الأخرى، وحرية تأسيس الجمعيات، وحرية التعبير، ومخاطبة الجمهور وحرية الاجتماع“، كما اعترفت المادة عشرين من نفس الدستور بحق المواطنين في إشراكهم في صناعة القرار في إطار علاقات العمل من خلال الحق في تأسيس النقابات والحق في الإضراب، حيث نصت المادة العشرين على “الحق النقابي، وحق الإضراب، ومشاركة العمال في تسيير المؤسسات معترف بها جميعا، وتمارس هذه الحقوق في نطاق القانون.”
بالرغم من تكريس هذه النصوص الدستورية لمفهوم مبدأ الديمقراطية التشاركية من جهة، وتأسيس المؤسسات والهيئات المكونة للمجتمع المدني، إلاّ أن ذلك كان قاصرا في نظرنا بسبب تبني الدولة النهج الاشتراكي ونظام الحزب الواحد الذي لا يتلاءم بصورة عامة مع حرية تأسيس المؤسسات والهيئات المكونة للمجتمع المدني.
2/ في ظل دستور سنة 1976:
عرف دستور سنة 1976[20] تكريس صريح لبناء مجتمع مدني مستقل برغم الإيديولوجية السياسية المطبقة من قبل الدولة خلال تلك الفترة، (الإيديولوجية الاشتراكية ونظام الحزب الواحد)، وذلك من خلال ما جاء في نص المادة 27 ونص المادة 60 من دستور سنة 1976.
فقد نصت المادة 27 من دستور الجزائر لسنة 1976 على أن “الدولة ديمقراطية في أهدافها وفي تسييرها. إن المساهمة النشيطة للشعب في التشييد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وفي تسيير الإدارة ومراقبة الدولة، هي ضرورية تفرضها الثورة.”
بينما نصت المادة 60 من نفس الدستور على “حق الانخراط في النقابة معترف به لجميع العمال، ويمارس في إطار القانون”.
الملاحظ أن دستور سنة 1976 جاء لتوسيع بعض مظاهر الديمقراطية التشاركية في الجزائر مع التأكيد على الحق في ممارسة العمل النقابي، إلاّ أننا نبقى نسجل ذلك القصور الذي طال الجانب القانوني المؤطر لعملية تأسيس مؤسسات المجتمع المدني، وذلك باعتبار أن دستور سنة 1976 بقي يحملان في نصوصه فكرة الإيديولوجية الاشتراكية.
3/ في ظل دستور سنة 1989:
تم بموجب دستور سنة 1989[21] تحقيق الانتقال من نظام الأحادية الحزبية إلى نظام التعددية الحزبية، وهو ما يعد في نظر خبراء القانون خطوة هامة نحو تكريس مبدأ الديمقراطية التشاركية وتأسيس مجتمع مدني فعّال بمؤسسات جديدة مكونة له، حيث تم الإقرار من خلال الفقرة الثامنة من ديباجة الدستور بنضال الشعب الجزائري في سبيل الحرية والديمقراطية، أساسها مشاركة الجزائريين في تسيير الشؤون العمومية، حيث نصت الفقرة الثامنة من ديباجة الدستور على أن “الشعب الجزائري ناضل ويناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، ويعتزم أن يبني بهذا الدستور مؤسسات دستورية، أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية، والمساواة، وضمان حرية لكل فرد.”
كما نصت المادة السادسة عشر على مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية من خلال المجالس المنتخبة، حيث نصت المادة 16 من دستور الجزائر لسنة 1989 على أنه “يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية، ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية،“ كما نصت المادة 32 على حق المواطنين في الدفاع عن حقوقهم الأساسية والحريات الفردية والجماعية، حيث جاء فيها “الدفاع الفردي أو عن طريق الجمعية عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية، مضمون،”
كما نصت المادة 39 من دستور سنة 1989 على حرية التعبير وإنشاء الجمعيات، حيث جاء فيها أن “حريات التعبير، وإنشاء الجمعيات، والاجتماع، مضمونة للمواطن”، بينما وفي ظل دعم المؤسسات المكونة للمجتمع المدني تم لأول مرة تكريس حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي، حيث نصت المادة 40 من الدستور على “حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به. ولا يمكن التذرع بهذا الحق لضرب الحريات الأساسية، والوحدة الوطنية، والسلامة الترابية، واستقلال البلاد، وسيادة الشعب.”
وعليه، عمل دستور الجزائر لسنة 1989 على تحقيق مكانة هامة لمؤسسات المجتمع المدني من خلال النص لأول مرة على ضمان حرية تأسيس الجمعيات، وهو ما يعد خطوة هامة في سياق التطور الذي يشهده المجتمع المدني في الجزائري، على اعتبار أن تبني مبدأ الأحادية الحزبية ومنع التعددية يعد معوق في طريق تأسيس مجتمع مدني فعّال.
4/ في ظل دستور سنة 1996:
من خلال قراءتنا لما جاء بالدستور الجزائري لسنة 1996[22] نستشف توسيع المؤسس الدستوري الجزائري من مجال الديمقراطية التشاركية وحرية تأسيس مؤسسات وهيئات المجتمع المدني، حيث أصبح تأسيس أحزاب سياسية بصورة واسعة من خلال الضمان دستوريا لحق إنشاء أحزاب سياسية حرية التعبير والرأي، كما أصبح يشمل أيضا المشاركة الاجتماعية في صورة جمعيات ونقابات مهنية، بالإضافة إلى النص على المشاركة المحلية من خلال المجالس الشعبية المحلية المنتخبة.
حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 14 من دستور 1996 على أن “المجلس المنتخب هو الإطار الذي يعبّر فيه الشّعب عن إرادته، ويراقب عمل السلّطات العموميّة.” يستشف من هذا النص صراحة المؤسس الدستوري في حق المواطنين في مشاركة ومراقبة عمل السلطات العمومية، كما نصت المادة 16 من نفس الدستور على أنه “يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية، ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية”.
أما بالنسبة لحرية تأسيس جمعيات وأحزاب سياسية، إحدى أهم مكونات المجتمع المدني، فقد نصت المادة 41 من دستور سنة 1996 على أن “حريّات التعبير، وإنشاء الجمعيات، والاجتماع، مضمونة للمواطن“، وتنص المادة 42 على أن “حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون“، كما نصت المادة 33 من نفس الدستور على أن “الدفاع الفردي أو عن طريق الجمعية عن الحقوق الأساسية للإنسان وعن الحريات الفردية والجماعية، مضمون.”
وبالنسبة لتعديل دستور سنة 2002[23] لم يأتي بأي جديد في مجال تأسيس مجتمع مدني يلازم الدولة في تنمية المجتمع، بينما التعديل الدستوري لسنة 2008[24] عرف تكريس بصورة جلّية مبدأ المشاركة السياسية للمرأة في المجالس الشعبية المنتخبة، حيث نصت 31 مكرر من التعديل الدستوري لسنة 2008 على أن “تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة…“، وبالرغم من ذلك، يمكن القول أن التعديلات الدستورية الواردة على دستور سنة 1996 لم تقدم إضافة معتبرة في تجسيد فكرة المجتمع المدني بصورة جلّية.
5/ في ظل دستور سنة 2016:
نص دستور سنة 2016[25] صراحة على مصطلح الديمقراطية التشاركية في نص المادة 15 منه، حيث ألزم الدولة بتشجيع الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية، إذ جاء في نص المادة 15 من دستور الجزائر لسنة 1996 أن “…المجلس المنتخب هو الإطار الذي يعبّر فيه الشّعب عن إرادته، ويراقب عمل السلّطات العموميّة”، كما نصت المادة 17 من نفس الدستور على مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية، حيث جاء فيها: “يمثل المجلس المنتخب قاعدة اللامركزية، ومكان مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العموميّة“، ولعل أهم ضمانة دستورية كرسها المؤسس الدستوري الجزائري في مجال تأسيس مؤسسات المجتمع المدني تتمثل في مسألة شروط وكيفيات إنشاء الجمعيات، والتي أصبحت من اختصاص القانون العضوي بدلا عن القانون العادي، وهو ما يعزز المكانة الدستورية للجمعيّات، حيث نصت الفقرة الأخيرة من نص المادة 54 من دستور الجزائر لسنة 2016 على أن:”…يحدد القانون العضوي شروط وكيفيات إنشاء الجمعيّات”. ماعدا ذلك، يمكننا القول أن أحكام دستور 2016 لم تأتي بجديد في مجال الآليات والأجهزة التي يتطلبها الأداء الفعّال لمؤسسات وهيئات المجتمع المدني.
وعليه، يمكن القول أن فكرة المجتمع المدني كانت حبيسة نصوص دستورية ضئيلة وغير صريحة عبر ما تناولته الدساتير الجزائرية، فقد لمسنا تقبل الدولة للمجتمع المدني والانفتاح أمامه بداية من دستور سنة 1989 أين تم تكريس التعددية الحزبية، غير أن ذلك لا يعد كافيا بالنظر للدور الذي أصبح يلعبه المجتمع المدني في الدول الديمقراطية الحديثة.
ثانيا: مكانة المجتمع المدني في ظل مشروع التعديل الدستوري لسنة 2020
تعتبر ديباجة التعديل الدستوري[26] المقرر الاستفتاء بشأنه يوم الفاتح من شهر نوفمبر من سنة 2020 جزء لا يتجزأ من الدستور،[27] وعليه، فلابد من التقيد والوقوف عند الأحكام والمفاهيم الواردة بالديباجة، وهي عبارة عن فلسفة قانونية وتاريخية وسياسية لبناء الدولة الجزائرية.
وبقراءة قانونية لديباجة مشروع الدستور، نجد أن المؤسس الدستوري الجزائري قد أشارة بصفة ضمنية إلى تاريخ مؤسسات المجتمع المدني أثناء فترة الاستعمار الفرنسي، حيث جاء في الفقرة الخامسة من الديباجة تجند الشعب الجزائري وتوحده في ظل الحركة الوطنية، والتي يمكن اعتبارها إحدى المؤسسات السياسية المكونة للمجتمع المدني في تلك الفترة، كما أقر المؤسس الدستوري الجزائري في الفقرة السادسة والسابعة من الديباجة بمبدأ الديمقراطية التشاركية من خلال اعترافه بمجهود الشعب الجزائري وتضحياته من أجل بناء دولة عصرية كاملة السيادة، غير المؤسس الدستوري الجزائري نص بصراحة ولأول مرة بالفقرة 11 من الديباجة على تفعيل المجتمع المدني وتعزيز دوره في المشاركة في تسيير الشؤون العمومية من خلال المؤسسات المكونة له، مع إبراز المهام الموكلة له في إطار بناء مؤسسات الدولة وتنمية المجتمع، حيث أقر بقدرته على تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وضمان الحرية لكل فرد، كما أقر بنفس الفقرة وفي نفس السياق بمتطلبات أداء المجتمع المدني لهذا الدور، وهي دولة القانون.
أما بالرجوع لأحكام الدستور، فإننا نلمس رغبة المؤسس الدستوري الجزائري في إعطاء أهمية أكبر للمجتمع المدني وتأطير دوره في تنمية المجتمع، وهو ما سيعطي دفع قوي لجعل الجزائر من الدول الديمقراطية التي تكرس مبدأ الديمقراطية التشاركية ودور المواطن في المساهمة في تنميتها.
مقارنة بالدساتير السابقة، أقر المؤسس الدستوري صراحة بدور المجتمع المدني في نص المادة العاشرة من مشروع تعديل الدستور، حيث نصت على أنه: ”تسهر الدولة على تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية”.
الملاحظ من خلال هذا النص أن المؤسس الدستوري قد أقر بتفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وجود المجتمع المدني من جهة، وضرورة تفعيله خلال المرحلة المقبلة من جهة أخرى، كما يوحي النص بالتزام الدولة بتسهيل عمل المجتمع المدني ومرافقته لأداء دوره، كما نستشف من النص ذاته حاجة الدولة للمجتمع المدني في مجال تسيير الشأن العام، وذلك بالنظر لما ينتج عنه من تفعيل مبدأ الديمقراطية التشاركية ومبدأ المواطنة، وهو ما يحقق دولة القانون.
التعديل الدستوري الأخير لم يكتفي بالنص صراحة على تفعيل دور المجتمع المدني، بل أقر في الفقرة الأخيرة من نص المادة 17 من المشروع على تشجيع الدولة بتطبيق مبدأ الديمقراطية التشاركية على المستوى المحلي عبر المؤسسات والتنظيمات المكونة للمجتمع المدني، حيث نصت الفقرة على: “…تشجع الدولة الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية، لاسيما من خلال المجتمع المدني“.
ما يمكن قوله حول هذه الفقرة وإيحاءاتها القانونية أن المؤسس الدستوري أكد على دور المجتمع المدني في تسيير الشؤون العمومية على المستوى المحلي في إطار مقتضيات الديمقراطية التشاركية التي تكون أساس لبناء مؤسسات وتنظيمات المجتمع المدني، كما أكد من خلال هذه الفقرة على دور الديمقراطية التشاركية وعلاقتها التكاملية بدور المجتمع المدني ومؤسساته.
أما فيما تعلق بمؤسسات المجتمع المدني، على مختلف أنواعها، يمكن القول بإيجاز أن التعديل الدستوري قد وسّع بشكل لافت للانتباه من الحقوق والحريات المرتبطة بإبداء الرأي، الإعلام، الاجتماع، الحق النقابي، الحق في الإضراب، وإنشاء الجمعيات المدنية والأحزاب السياسية، وقلص من القيود الواردة في الدساتير السابقة، فمن بين أهم ما جاء في هذا الإطار أنه لا يجوز للدولة حل الجمعيات إلاّ بمقتضى قرار قضائي، وهو ما يعزز حرية إنشاء الجمعيات المدنية وتفعيل دورها ومنحها استقلالية أكبر لتصبح كيان موازي خدمة للشأن العام.
حيث نصت المادة 53 على “حق إنشاء الجمعيات مضمون، ويمارس بمجرد التصريح به. تشجع الدولة الجمعيات ذات المنفعة العامة. يحدد قانون عضوي شروط وكيفيات إنشاء الجمعيّات. لا تحل الجمعيات إلاّ بمقتضى قرار فضائي“، كما نصت المادة 57 من دستور 2020 على “حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به ومضمون”، كما نصت الفقرة التاسعة من المادة 57 من دستور 2020 على أنه “…لا تحل الأحزاب السياسية إلاّ بمقتضى قرار قضائي…”
ومن جهة أخرى، أقر المؤسس الدستوري في الفقرة الثانية من نص المادة 73 من التعديل الدستوري بالتزام الدولة بتشجيع الشباب على المشاركة في الحياة السياسية، وهو ما يعزز من مبدأ الديمقراطية التشاركية وتأسيس مؤسسات مكونة للمجتمع المدني، حيث أكد المؤسس الدستوري وفي كل مرة على جعل مشاركة المواطنين في تسيير الشؤون العمومية في مختلف المجالات يشكل كيانا موازيا للدولة، وهو ما لم نلمسه في الدساتير الجزائرية السابقة.
وللوقوف على مسألة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في الجزائر في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020، لا يسعنا إلاّ أن نعطي قراءة تحليلية لواقع مؤسسات المجتمع المدني من حيث تأسيسها واستقلاليتها وإجراءات حلّها، فعلى سبيل المثال لا الحصر بالنسبة للنظام القانوني للجمعيات في الجزائر، نلاحظ أن القانون رقم 12/06 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بالجمعيات[28] عبارة عن إثراء فقط لأحكام القانون الملغى رقم 90/31 المؤرخ في 04/12/1990 المتعلق بالجمعيات،[29] بل أن الأول يعد أكثر صرامة وتقييدا لحرية العمل الجمعوي مقارنة بالثاني، من حيث إجراءات التأسيس والرقابة على نشاطها ومواردها المالية، وعلاقاتها بالأحزاب السياسية ومختلف الجمعيات الدولية، وهذا ما انعكس سلبا على أداء الجمعيات في الجزائر وهو ما يساهم أيضا في تراجع دور حركات المجتمع المدني على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وطنيا ومحليا.
ومن مظاهر التشديد والتقييد على حرية العمل الجمعوي نجد اشتراط المشرع الجزائري الموافقة المسبقة من السلطات العمومية المختصة لقبول اعتماد الجمعية أو رفضها، والتي تتمتع في هذا الإطار بالسلطة التقديرية، وهو ما نصت عليه المادة 7 من القانون 12/06 المتعلق بالجمعيات، كما يمكن اعتبار اشتراط المشرع الجزائري العدد المطلوب من الأفراد المكونين للجمعيات خاصة الوطنية منها مبالغ فيه، فطبقا لنص المادة 6 من القانون 12/06 المتعلق بالجمعيات لا يمكن اعتماد جمعية وطنية يقل عدد أعضائها عن 25 عضو منبثقين عن 12 ولاية من بين 48 ولاية على المستوى الوطني، كما نصت المادة 36 من نفس القانون على إخضاع أنشطة الجمعيات وكشوفاتها المالية لرقابة المراقب المالي ومجلس المحاسبة الجزائري تدخلا صارخا في حرية العمل الجمعوي، ويمس بفكرة استقلالية حركات المجتمع المدني عن الدولة،…[30]
وفي هذا المجال، وفي ظل التعديل الدستوري لسنة 2020، يمكن القول أن الإطار الدستوري لتأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية وضمانات حلّها يمكن تثمينه شريطة سعي المشرع الجزائري بعد صدور التعديل الدستوري الأخير إلى تنظيم الجمعيات والأحزاب السياسية في إطار التقيد بالضمانات الدستورية المتعلقة بحرية إنشائها ونشاطها وإجراءات حلّها.[31]
إن التعديل الدستوري وبخلاف ما سبقه من دساتير أعطى اهتماما أكبر لكيان المجتمع المدني من خلال تأسيس لأول مرة هيئة استشارية توضع لدى رئيس الجمهورية المرصد الوطني للمجتمع المدني، وهذا طبقا لنص المادة 213 من التعديل الدستوري، وهو ما يعزز المكانة الدستورية المجتمع المدني ورغبة الدولة في تفعيل دوره والمساهمة في تعزيز المؤسسات المكونة له.
حيث نصت المادة 213 من دستور 2020 على أن “المرصد الوطني للمجتمع المدني هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية. يقدم المرصد آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني. يساهم المرصد في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة ويشارك مع المؤسسات الأخرى في تحقيق أهداف التنمية الوطنية. يحدد رئيس الجمهورية تشكيلة المرصد ومهامه الأخرى.”
إن المرصد الوطني للمجتمع المدني سيعمل من خلال ما جاء في أحكام نص المادة 213 على تقديم الآراء والتوصيات التي من شأنها التكفل بانشغالات المجتمع المدني، وعليه، يمكن القول أن المرصد الوطني سيعمل على توصية الجهات المختصة من أجل إزالة العوائق والصعوبات التي ستواجه مؤسسات المجتمع المدني أثناء أداء مهامها من جهة، وسيكون بمثابة الهيئة التي سترافق مؤسسات المجتمع المدني قصد تفعيل دورهم في المشاركة في تسيير الشؤون العمومية من جهة أخرى.
كما سيعمل المرصد من جهة أخرى على ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة، وهذا من خلال تدعيم الديمقراطية التشاركية، وكذا تكوين مؤسسات وتنظيمات قادرة على أداء دورها في تسيير الشؤون العمومية، بالإضافة إلى العمل على توعية المواطنين وتحسيسهم بالمسؤولية اتجاه مجتمعهم، وهذا من خلال التعريف بمبدأ المواطنة ودعمه للحصول على مؤسسات مكونة للمجتمع المدني، تكون قادرة على التسيير والرقابة وحتى المساءلة في إطار تحقيق الشفافية والنزاهة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يعمل المرصد الوطني على مشاركة جميع المؤسسات المعنية بتحقيق أهداف التنمية الوطنية، ومشاركة المرصد الوطني للمؤسسات العاملة على تحقيق التنمية في المجتمع يعني تحقيق التعاون والتنسيق بينه وبين هذه المؤسسات وهو ما يجعله مؤسسة تعطي إضافة في مجال تفعيل دور المجتمع المدني.
برأينا يعد المرصد الوطني للمجتمع المدني جهاز داعم لمبدأ الديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني، وسيكون له دور إيجابي وفعّال في هذا المجال، غير أن الأمر سيبقى متوقف على ما سيتناوله التنظيم المحدد لتشكيلته ومهامه، وهو ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من نص المادة 213 من مشروع تعديل الدستور.
بالنظر لتجارب الدول المجاورة يمكن القول أن المملكة المغربية على سبيل المثال، باشر فيها الملك المغربي بإصلاحات سياسية جسدها في دستور 2011،[32] ومن بين ما جاء به تعزيز مكانة المجتمع المدني ودسترتها، حيث نص في الفصل 12 على أن:” تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها”، كما يحث الفصل 13 من الدستور المغربي لسنة 2011 على أن:” تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها”، ولتجسيد هذه الفصول الدستورية عمدت الحكومة المغربية على تشكيل اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة، وانبثق عنها الميثاق الوطني للديمقراطية التشاركية.[33]
وبالمقابل اعتمد آليات وأجهزة دستورية هامة وعديدة للتقريب بين الإدارة والمواطن، وبين الدولة وهيئات المجتمع المدني، حيث نص الفصل 162 من الدستور المغربي لسنة 2011 على مؤسسة الوسيط المتخصصة في العلاقات بين الإدارة والمرتفقين، كما نص الفصل 163 على مجلس الجالية المغربية بالخارج لربط العلاقات بين الجالية المغربية بالخارج والمملكة المغربية، بالإضافة إلى هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية، تم تناولهم من الفصل 168 إلى الفصل 171 من الدستور المغربي لسنة 2011.[34]
خاتمة
في ختام الورقة البحثية هذه يمكننا القول أنه ما جاء من أحكام في التعديل الدستوري لسنة 2020 فيما يتعلق بمسألة المجتمع المدني يعتبر تعزيز بالمكانة الدستورية للمجتمع المدني، وقد لمسنا ذلك من خلال النص صراحة على الدور التاريخي لمؤسسات المجتمع المدني بديباجة الدستور، ثم النص صراحة على مساهمة الدولة في تفعيل دور المجتمع المدني في تسيير الشؤون العمومية، وكذا منح إطار دستوري مهم لحرية تأسيس المؤسسات والتنظيمات المكونة للمجتمع المدني، من خلال رفع القيود الواردة على مرحلة التأسيس وإجراءات حل الجمعيات والأحزاب السياسية التي أصبحت من اختصاص القضاء الإداري، مما يعزز من استقلالية هذه المؤسسات، بالإضافة إلى تأسيس لأول مرة هيئة دستورية استشارية كآلية تعنى بانشغالات هيئات المجتمع المدني، والتعاون مع مؤسسات الدولة الهادفة لتحقيق التنمية في المجتمع، لذا يمكننا اعتبار المكانة الدستورية الممنوحة للمجتمع المدني في التعديل الدستوري لسنة 2020 انطلاقة جديدة نحو تكريس مبدأ الديمقراطية التشاركية ومشاركة المواطنين في تسيير شؤونهم العمومية، نقول هذا بتحفظ لأننا أمام طريق طويل نحو مجتمع مدني ككيان مستقل وموازي للدولة، يساهم فعليا إلى جانب الدولة في تنمية المجتمع، وهذا ما هو منتظر من خلال التشريعات والتنظيمات التي ستصدر لاحقا تطبيقا لأحكام التعديل الدستوري.
غير أن مسألة تشجيع الدولة للمجتمع المدني وتسهيل دوره في تسيير الشؤون العمومية والتوجه نحو الانفتاح أصبحت مسألة جدّية وضرورية، وهذا بالنظر لعدم قدرة الدولة على القيام بكل المهام الموكلة لها خاصة مسألة التنمية في المجتمع، بالإضافة إلى تزايد نسبة الوعي بين أوساط المجتمع ولجوء بعض التنظيمات المكونة للمجتمع المدني إلى النشاط خارج الإطار القانوني.
كما أن تجسيد ما ورد في مشروع تعديل الدستور، والطريق الطويل المؤدي لمجتمع مدني مستقل وفعّال، يتطلب متطلبات تتمحور في مسألتين هامتين، أولها التصريح بطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، بجعلها علاقة تعاون وتبادل لا علاقة مواجهة وإهمال أو حتى استغلال في بعض الأحيان (اعتماد السلطة أحيانا على مؤسسات المجتمع المدني في توعية المواطنين من أجل مسألة سياسية تخص السلطة)، بمعنى أن تقوم الدولة بمنح استقلالية تأسيس منظمات المجتمع المدني ومنحها الضمانات القضائية لحلها، ضمان الاستقلال المالي وإمكانية التمويل الذاتي، تشجيع مبدأ الديمقراطية بين أعضاء المنظمة الواحدة،… ولا يكون ذلك إلاّ بتوافر قدر كبير من الديمقراطية، أما المسألة الثانية فتكمن في الصفات والخصائص التي تتصف بها مكونات المجتمع المدني، والتي تكمن في المشاركة الفعّالة لأعضاء المؤسسات والتنظيمات والاتصاف بكفاءة قادتها وجودة تنظيمها والالتزام بالقوانين ومبدأ احترام الرأي الأخر.
للوقوف على النتائج المتوصل إليها وأهم ما يمكن التنبيه له من خلال ما سبق دراسته، ارتأينا تقديم مجموعة من التوصيات والاقتراحات التي نرى لها إضافة للدور الفعّال المنتظر من مكونات المجتمع المدني خاصة بعد إصدار الدستور الأخير واعتكاف المشرع الجزائري على تطبيق بعض الأحكام الدستورية في شكل قوانين عضوية وتنظيمات، نوجز هذه التوصيات والمقترحات في النقاط التالية:
- تنظيم حرية الرأي والتعبير والمشاركة في الحياة السياسية، وذلك من خلال أولا مساهمة الدولة عن طريق التشريع في التقليل من هيمنة الإدارة ووصايتها على إجراءات تأسيس مؤسسات المجتمع المدني وعملها، مع ضمان استقلاليتها الإدارية والمالية، خاصة ما تعلق بمسألة التمويل المالي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تمكين المجتمع المدني من العمل على تحقيق مبدأ الوساطة بين الإدارة والمواطن، وذلك من خلال استخدام الوسائل الديمقراطية والسلمية من أجل تقديم الانشغالات والتكفل بها، وهذا عن طريق آليات التفاوض، تنظيم الندوات والملتقيات، تبادل المعلومات وتقديم الاقتراحات، الاستماع للرأي الآخر وتقبل الاختلاف، اللجوء إلى القضاء،…
- يجب أن يكون المرصد الوطني للمجتمع المدني محاطا بضمانات استقلاليته، وجعله منبراً لتطلعات مؤسسات المجتمع المدني والاهتمام بانشغالاته، من خلال العمل على نشر تقارير وإبداء الآراء والتوصيات واقتراح الحلول لإزالة كل المعوقات والصعوبات التي قد تكون عائق لأداء مؤسسات المجتمع المدني، مع منحه صلاحيات المساهمة في إثراء الجانب التشريعي في جميع المجالات المتعلقة بنشاط المجتمع المدني، إضافة إلى جعله آلية هامة للتنسيق والتواصل بين مؤسسات الدولة وهيئات المجتمع المدني.
- الاهتمام بالعنصر البشري، من خلال تمكين المرصد الوطني للمجتمع المدني وإيجاد آليات وأجهزة مماثلة تعمل على ضمان التكوين بمجال الحركة الجمعوية ونشاط المجتمع المدني، ونشر الثقافة السياسية بين أوساط المجتمع المدني، والعمل على تنظيم الملتقيات والندوات والأيام الدراسية والتكثيف من الجلسات العلمية والتوعية الاجتماعية بحقيقة وجود مؤسسات المجتمع المدني ودورها في تنمية المجتمع، فالقيم والثقافات الإنسانية أساس تغيير الفرد ومنه تغيير المجتمع وترقيته.
قائمة المصادر والمراجع
1/ الكتب:
- الجباعي جاد الكريم، المجتمع المدني هوية الاختلاف، ترقا للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، تاريخ النشر 2003، بدون رقم الطبعة.
- بشارة عزمي، المجتمع المدني – دراسة نقدية – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، يناير 2012، الطبعة السادسة.
- مفتي أحمد علي محمد، مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية، دراسة تحليلية نقدية، البيان مركز البحوث والدراسات، الرياض، المملكة العربية السعودية، سنة النشر 1433هـــ/2013م، بدون رقم الطبعة.
2/ النصوص القانونية
- دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية سنة 1963، الصادر بتاريخ 08 سبتمبر 1963.
- الأمر رقم 76-97 المؤرخ في 23/11/1976 المتضمن دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1976، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 94 والمؤرخة في 24/11/1976.
- المرسوم الرئاسي رقم 89/18 المؤرخ في 28/02/1989 المتضمن دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1989، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 9 المؤرخة في أول مارس 1989.
- القانون رقم 90/31 المؤرخ في 04/12/1990 المتعلق بالجمعيات، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 53 المؤرخة في 05/12/1990.
- المرسوم الرئاسي رقم 96/438 المؤرخ في 07/12/1996 المتضمن دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 76 والمؤرخة في 08/12/1996.
- القانون رقم 02/03 المؤرخ في 10/04/2002 المتضمن تعديل دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 25 المؤرخة في 14/04/2002.
- القانون 08/19 المؤرخ في 15/11/2008 المتضمن تعديل دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 63 والمؤرخة في 16/11/2008.
- القانون رقم 12/06 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بالجمعيات، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 02 المؤرخة في 15/01/2012.
- القانون 16/01 المؤرخ في 06/03/2016 المتضمن تعديل دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 14 والمؤرخة في 07/03/2016.
- مشروع تعديل الدستور الجزائري لسنة 2020، موضوع استفتاء يوم الفاتح من شهر نوفمبر من سنة 2020، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 54 والمؤرخة في 16/09/2020.
2/ المقالات العلمية
- الشيباني نصر عاشور، المجتمع المدني: قراءة في الأفكار والتجارب الإنسانية، المجلة الجامعة بليبيا، المجلد الثاني، العدد العشرون، نشر المقال بتاريخ أكتوبر 2018.
- بن ناصر بوطيب، النظام القانوني للجمعيات في الجزائر – قراءة نقدية في ضوء القانون 12/06 – مجلة دفاتر السياسة والقانون، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، العدد العاشر، مقال نشر بتاريخ جانفي 2014.
- سويقات الأمين، دور المجتمع المدني في تكريس الديمقراطية التشاركية، دراسة حالتي تونس والمغرب، مجلة دفاتر السياسة والقانون، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، العدد 17، مقال نشر بتاريخ جانفي 2017.
- عبد الصمد صابر مولاي، بحث عام حول تطور علاقة المجتمع المدني بالدولة، صراع واحتواء أم تفاعل وشراكة، المجتمع المدني المغربي نموذجا، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قسم الدين وقضايا المجتمع الراهنة، المغرب.
- مخانشة آمنة، المجتمع المدني كفاعل أساسي لتحقيق المصلحة العامة في المجتمع – واقع وآفاق- مجلة العلوم الإنسانية صادرة عن جامعة الإخوة منتوري قسنطينة، الجزائر، مجلد ب،، عدد 44 ، مقال نشر بتاريخ ديسمبر 2015.
3/ الرسائل والأطروحات
- حوحو أحمد صابر، مصادر المشروعية وإشكالية الديمقراطية في الجزائر، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الدستوري والتنظيم السياسي، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، سنة 2001، ص 89 وما بعدها.
- خلفة نادية، مكانة المجتمع المدني في الدساتير الجزائرية دراسة قانونية تحليلية لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، الجزائر، الموسم الجامعي 2003/2004.
- شاوش اخوان جهيدة، واقع المجتمع المدني في الجزائر، دراسة ميدانية لجمعيات مدينة بسكرة نموذجا، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة بسكرة، الجزائر، الموسم الجامعي 2014/2015.
- قرقاح ابتسام، دور الفواعل غير الرسمية في صنع السياسة العامة في الجزائر مابين سنتي 1989 و2009، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، الجزائر، الموسم الجامعي 2010-2011.
[1] بشارة عزمي، المجتمع المدني – دراسة نقدية – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، يناير 2012، الطبعة السادسة، ص 27.
[2] مفتي أحمد علي محمد، مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية، دراسة تحليلية نقدية، البيان مركز البحوث والدراسات، الرياض، المملكة العربية السعودية، سنة النشر 1433هـــ/2013م، بدون رقم الطبعة، ص 19 وما بعدها.
[3] مخانشة آمنة، المجتمع المدني كفاعل أساسي لتحقيق المصلحة العامة في المجتمع – واقع وآفاق- مجلة العلوم الإنسانية صادرة عن جامعة الإخوة منتوري قسنطينة، الجزائر،، مجلد ب، عدد 44 ، مؤرخ في ديسمبر 2015، ص 550.
[4] مخانشة آمنة، نفس المرجع، ص 551.
[5] مخانشة آمنة، نفس المرجع، ص 552.
[6] بتاريخ 1 جويلية 1919 صدر القانون الفرنسي المتضمن حرية إنشاء جمعيات من قبل الجزائريين.
[7] خلفة نادية، مكانة المجتمع المدني في الدساتير الجزائرية دراسة قانونية تحليلية لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، الموسم الجامعي 2003/2004، ص 100 وما بعدها.
[8] الجباعي جاد الكريم، المجتمع المدني هوية الاختلاف، ترقا للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، تاريخ النشر 2003، بدون رقم الطبعة، ص 4.
[9] الشيباني نصر عاشور، المجتمع المدني: قراءة في الأفكار والتجارب الإنسانية، المجلة الجامعة بليبيا، المجلد الثاني، العدد العشرون، نشر المقال بتاريخ أكتوبر 2018، ص 149.
[10] عبد الصمد صابر مولاي، بحث عام حول تطور علاقة المجتمع المدني بالدولة، صراع واحتواء أم تفاعل وشراكة، المجتمع المدني المغربي نموذجا، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، قسم الدين وقضايا المجتمع الراهنة، المغرب، ص 5.
[11] حوحو أحمد صابر، مصادر المشروعية وإشكالية الديمقراطية في الجزائر، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الدستوري والتنظيم السياسي، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، سنة 2001، ص 89 وما بعدها.
[12] شاوش اخوان جهيدة، واقع المجتمع المدني في الجزائر، دراسة ميدانية لجمعيات مدينة بسكرة نموذجا، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة بسكرة، الجزائر، الموسم الجامعي 2014/2015، ص 88 وما بعدها.
[13] شاوش اخوان جهيدة، المرجع السابق، ص 88 وما بعدها.
[14] هناك البعض من يرى بأن الأحزاب السياسية ليست جزءا من المجتمع المدني، وذلك لتميزها عن غيرها من المؤسسات والتنظيمات المدنية من حيث طريقة العمل، الهدف، الوسائل، ودرجة التأثير والتأثر بالدولة، غير أن الكثير لا يرى في الأحزاب السياسية إلاّ جزءا من الأجزاء المكونة للمجتمع المدني، ويرى أنه من الطبيعي تميز مؤسسات والتنظيمات المنطوية تحت ما يسمى بالمجتمع المدني من حيث مجال العمل والاختصاص وحتى أهداف كل منهم.
[15] قرقاح ابتسام، دور الفواعل غير الرسمية في صنع السياسة العامة في الجزائر مابين سنتي 1989 و2009، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة باتنة، الجزائر، الموسم الجامعي 2010-2011، ص 64.
[16] الموقف يراه الأستاذ سعد الدين إبراهيم، وقد ذكر ذلك في مؤلفه تأملات في مسألة الأقليات.
[17] مفتي أحمد علي محمد، مرجع سابق، ص 14 وما بعدها.
[18] مفتي أحمد علي محمد، مرجع سابق، ص 15 وما بعدها.
[19] دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1963، الصادر بتاريخ 08 سبتمبر 1963.
[20] الأمر رقم 76-97 المؤرخ في 23/11/1976 المتضمن دستور الجزائر لسنة 1976، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 94 والمؤرخة في 24/11/1976.
[21] المرسوم الرئاسي رقم 89/18 المؤرخ في 28/02/1989 المتضمن دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية لسنة 1989، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 9 المؤرخة في أول مارس 1989.
[22] المرسوم الرئاسي رقم 96/438 المؤرخ في 07/12/1996 المتضمن دستور الجزائر لسنة 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 76 والمؤرخة في 08/12/1996.
[23] القانون رقم 02/03 المؤرخ في 10/04/2002 المتضمن تعديل الدستور لسنة 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 25 المؤرخة في 14/04/2002.
[24] القانون 08/19 المؤرخ في 15/11/2008 المتضمن تعديل الدستور لسنة 1996، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 63 والمؤرخة في 16/11/2008.
[25] القانون 16/01 المؤرخ في 06/03/2016 المتضمن التعديل الدستوري لسنة 2016، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 14 والمؤرخة في 07/03/2016.
[26] مشروع تعديل الدستور لسنة 2020، موضوع استفتاء يوم الفاتح من شهر نوفمبر من سنة 2020، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 54 والمؤرخة في 16/09/2020.
[27] فصل المؤسس الدستوري في القيمة القانونية للديباجة بالنص في الفقرة الأخيرة من الديباجة أنها جزء لا يتجزأ من الدستور.
[28] القانون رقم 12/06 المؤرخ في 12/01/2012 المتعلق بالجمعيات، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 02 المؤرخة في 15/01/2012.
[29] القانون رقم 90/31 المؤرخ في 04/12/1990 المتعلق بالجمعيات، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 53 المؤرخة في 05/12/1990.
[30] بن ناصر بوطيب، النظام القانوني للجمعيات في الجزائر – قراءة نقدية في ضوء القانون 12/06 – مجلة دفاتر السياسة والقانون، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، العدد العاشر، مقال نشر بتاريخ جانفي 2014، ص 264 و265.
[31] يقصد بالضمانات الدستورية تلك الأحكام الواردة بنص المادة 53 المتعلقة بالجمعيات وأحكام نص المادة 57 المتعلقة بالأحزاب السياسية من مشروع التعديل الدستوري لسنة 2020.
[32] دستور المملكة المغربية لسنة 2011، صدر بالظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر بتاريخ 29/07/2011 المتعلق بتنفيذ نص الدستور.
[33] سويقات الأمين، دور المجتمع المدني في تكريس الديمقراطية التشاركية، دراسة حالتي تونس والمغرب، مجلة دفاتر السياسة والقانون، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، الجزائر، العدد 17، مقال نشر بتاريخ جانفي 2017، ص 246.
[34] دستور المملكة المغربية لسنة 2011، صدر بالظهير الشريف رقم 1.11.91 الصادر بتاريخ 29/07/2011 المتعلق بتنفيذ نص الدستور.