أقام مركز جيل البحث العلمي تحت إشراف رئيسته أ.د. سرور طالبي، حلقة نقاش افتراضية في منهجية البحث العلمي قدّمت فيها أ.د. نور الهدى محمد كامل حماد (جامعة طرابلس- ليبيا) محاضرة بعنوان “تفعيل بحوث مهنة الخدمة الاجتماعية في خدمة المجتمع”، بحضور أعضاء مجلس علماء الاتحاد الدكتورة مجدولين صبيحات (مديرة مكتب التواصل وخدمة المجتمع في الجامعة الأردنيّة)، ود. عثمان حسن عثمان حميده (مدير برنامج نقل المعرفة بجهاز تنظيم شؤون السودانيين بالخارج بوزارة المغتربين) وأعضاء اللجنة العلميّة التحكيميّة للمركز ومنهم د. مرتضى عبد الله خيري (جامعة ظفار في سلطنة عمان)، ود. بسمة محمد نوري كاظم البكري (جامعة عمان العربية بالأردن) وأساتذة وطلاب الدراسات العليا في مختلف الجامعات العربيّة، سيما الجزائر ولبنان، ومصر والعراق وغيرها.
بدايةً رحبّت الأستاذة سرور بالأستاذة المحاضرة نور الهدى، وبجميع المشاركين مثنيةً على جهودهم في إنجاح هذا النوع من الحلقات العلميّة لما لها فائدة على جيل الباحثين، كما أعلنت أنّ هذه الحلقات ستكون نصف شهريّة وليس شهريّة كما كان مقرّر سابقاً، وذلك نزولا عند رغبة الباحثين وشغفهم للمعرفة العلميّة.
إستهلّت بعدها الأستاذة نور الهدى محاضرتها بعرض المحاور التي ستتناولها وهي:
- واقع البحوث والدراسات في مهنة الخدمة الاجتماعية.
- مفهوم البحث العلمي.
- مفهوم البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية.
- تطوّر البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية.
- إستراتيجيّة البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية.
- تصنيف البحوث في الخدمة الاجتماعية.
- خصائص بحوث الخدمة الاجتماعية.
- أهم مجالات البحوث والدراسات في الخدمة الاجتماعية.
- وضع آليّات لتوظيف بحوث المهنة في خدمة المجتمع.
وقد تناولت هذا الموضوع للأهداف التالية:
- – إيضاح مفهوم البحث العلمي.
- – الإلمام بكيفيّة الممارسة والتطبيق لمجالات المهنة.
- – وضع آليّات لتوظيف بحوث المهنة في خدمة المجتمع.
ثمّ تناولت النقطة الأولى من محاور اللقاء وهي “واقع البحوث والدراسات في الخدمة الاجتماعية”، ثمّ استعرضت النقاط المذكورة أعلاه وبدأت بمفهوم البحث العلمي والذي يعتبر اليوم حاجة ملحّة في المجتمعات لما له من أثر في تقدّمها.
بدأت د. نور الهدى بشرح مفهوم البحث العلمي:
في اللغة: بذل المجهود في موضوع ما وجمع المسائل التي تتصل به، والفعل بحث في اللغة يعني طلب الشيء وقتّش عنه وإستقصى عنه ومعرفة حقيقته.
وهو الدراسة العلميّة المنظّمة لظاهرة معيّنة باستخدام المنهج العلمي للوصول إلى حقائق يمكن التحقّق من صحّتها والوصول إلى تعميم بشأنها.
مفهوم البحث العلمي في الخدمة الاجتماعية:
أمّا بالنسبة لمهنة الخدمة الاجتماعية وخاصةً في الدول الناميّة ترى الأستاذة نور الهدى كأنّها على أعتاب مرحلة جديدة رائعة تحمل الأمل في مواجهة المتطلّبات الأساسيّة للمجتمعات التي تُمارس فيها.
كما تعتبر من أهمّ الإمكانيات لمساعدة ومساعدة الأفراد كي يواجهوا حاجاتهم ويتوفّر لهم قيامهم بآدائهم لوظائفهم الاجتماعية على أكمل وجه.
وقد إهتمّت المهنة منذ الإعتراف بها بالبحوث والدراسات إيماناً منها بضرورة البحث العلمي لتطوير الحياة البشريّة، ولنتائجه التي يمكن إستثمارها وتطويرها سواء كانت إقتصاديّة أو تعليميّة أو إجتماعيّة …
ومهنة الخدمة الاجتماعية هي جهود منظّمة تستهدف السعي وراء الحصول على بيانات ومعلومات كافية ودقيقة متّصلة بمشكلة من مشكلات الإنسان في صورته بوصفه فرداً يعيش في مجتمع، أو مواطناً في المجتمع وذلك بإستخدام البحث العلمي، من الملاحظة الموضوعيّة ووضع الفروض وإختبارها ثمّ إستخلاص النتائج وتعميمها.
ونبّهت الأستاذة نور الهدى إلى ضرورة عدم الخلط بين البحوث الاجتماعية وبحوث الخدمة الاجتماعية كونهم مختلفان تماماً، فالبحوث الاجتماعية تصف الظاهرة وتفسّرها بينما بحوث الخدمة الاجتماعية هي بحوث تطبيقيّة لعلاج مشكلات ووضع حلول، لها وظائف وتحدّد إحتياجات، تقيّم البرامج والخدمات في الرعاية الاجتماعية، وقد ركّزت على هذه النقطة كون العديد يخلط بينهما.
وأكدّت أنّ مهنة الخدمة الاجتماعية ظهرت لحاجات إنسانيّة مثل تغيّر المجتمعات وتطوّرها، ومنذ البداية إهتمّت المهنة لتطوير مدركاتها ولم تكتمل فلسفتها بعد.
ثم استعرضت الأستاذة نور الهدى تطوّر البحث في الخدمة الإجتماعية والذي بدأ منذ العام 1917 مع ظهور كتاب التشخيص الاجتماعي لماري ريتشموند وتمّ الإعتراف رسميّاً بأولى طرق المهنة وهي طريقة خدمة الفرد، وفي عام 1929 بجامعة كليفلاند قام مجلس الصحّة بدراسة عن الخدمات الصحيّة وإنصّب البحث على دراسة نواحي إداريّة تخطيطيّة في الخدمة الاجتماعية، أمّا في العام 1931 قدّم الباحث ريتشارد كابوت بحث طالب فيه الإختصاصيين الاجتماعيين بأن يعملوا على إستخدام طرق البحث لقياس وتقويم النتائج التي توصّلوا إليها كما طالب باستخدام الجماعات الضابطة والتجريبيّة في بحوث الخدمة الاجتماعية، ثمّ عام 1933 نبّه الباحثان ليندمانا وهيدر في كتابهما بعنوان “البحث الإجتماعي الدينامي” إلى إختلاف طرق البحث في الخدمة الاجتماعية عنها في العلوم الطبيعيّة، حيث أنّها تتعلّق بقيم الباحث وأيديولوجية المجتمع، وحدّدا الطرق المستخدمة فيها وهي المقابلة (الإستبار)، وفحص السجلات والملاحظة والمشاركة وتحليل الموقف وفي نفس العام ظهر الجزء الثاني من الكتاب الذي شرح الفرق بين البحوث الاجتماعية وبحوث الخدمة الاجتماعية.
وشرحت الأستاذة نور الهدى مصطلح الاستراتيجية في بحوث الخدمة الاجتماعية، فهو مصطلح يشير إلى القدرة على التفكير في المشكلة بأسرها تفكيراً شاملاً، مؤكّدةً أنّه لا توجد قواعد جامدة في الإلتزام بخطوات معيّنة فطبيعة المشكلة قد تملي بعض التغييرات في خطوات البحث في الخدمة الاجتماعية.
استكملت الأستاذة نور الهدى شرحها بعرض الخطوات التي يجب على الباحث إتّباعها لإجراء بحثه وهي:
- تحديد المشكلة: المشكلة عبارة عن موضوع يلفّه الغموض يحاول الباحث الكشف عن جوانب الغموض فيه.
- تحديد المفاهيم والمصطلحات العلميّة: فكلّما كان التحديد دقيق كلّما سهّل على الباحث إجراء بحثه.
- تحديد العوامل المرتبطة بالمشكلة.
- تحديدالفروض العلميّة.
- تحديد مجالات البحث: مكانيّة زمانيّة….
- تحديد نوع المنهج.
- تحديد الأدوات اللازمة لجمع البيانات.
- جمع البيانات وتحليلها وتفسيرها.
- إستخلاص أهمّ النتائج وكتابة المقترحات.
- كتابة التقرير وهي الخطوة النهائيّة في البحث، وفي ختام التقرير ينبغي تسجيل المراجع التي استعان بها الباحث لتفيد من يريد الرجوع إليها.
وعدّدت الأستاذة نور الهدى تصنيفات البحوث في الخدمة الاجتماعية، فهناك من اعتبر المنهج معيار للتصنيف ومنهم من اعتبر مجال البحث معيار للتصنيف، ومنهم من اعتبر مدى توفر المعلومات لدى الباحث، فإذا كان ميدان البحث جديداً كانت البحوث إستطلاعيّة كشفيّة، وإذا كان الموضوع محدّداً من قبل كانت أبحاث وصفيّة، وإذا كان ميدان البحث أكثر تحديداً ودقّة إستطاع الباحث أن ينتقل إلى مرحلة ثالثة فيقوم بأبحاث تجريبيّة، وإلى جانب هذه الأنواع هناك البحوث النقديّة التي تسعى نحو تأكيد حقيقة قائمة بالفعل، أو رفض فكرة أو تصحيح بعض المفاهيم، وهناك البحوث التجميعيّة يكون محور إرتكازها جمع شتات الأفكار المتناثرة حول قضيّة معيّنة أو عرضاً للنظريّات المختلفة التي تعالج ظاهرة إجتماعيّة بالذات وتحاول تفسير كل منها من زاوية خاصّة.
ونوّهت الأستاذة نور الهدى إلى أنّ البحوث في الخدمة الاجتماعية هي بحوث تطبيقيّة تهدف إلى جمع المعلومات وتُستخدم في العلاج أو التخطيط لبرامج أو مشروعات من أهمّها:
- بحوث قياس الاحتياجات.
- بحوث قياس الخدمات.
- بحوث التقويم.
وأضافت الأستاذة نور الهدى محاضرتها بشرح خصائص البحوث في الخدمة الاجتماعية، وهنا ذكرت أنّ هذه البحوث تتشابه مع البحوث الاجتماعية لناحية الموضوع والمنهج ولكن تختلف معها لناحية الوظيفة فقط، وهذا سبب تميّزها بالخصائص التالية:
- تركّز أكثر على دراسة أثر المشكلة في الإنسان أكثر من دراسة المشكلة ووصفها في حدّ ذاتها، ومحاولة تفسير سبب حدوثها.
- إستخلاصية تبدأ من مشكلات الواقع الإجتماعي الإمبيريقي.
- غالباً بحوث تطبيقيّة وأحياناً بحوث أساسيّة يستفاد منها لإثراء البناء المعرفي النظري للمهنة.
- لا تنتهي بحوث الخدمة الاجتماعية عادةً عند مجرّد الوصول إلى النتائج، بل تتعدّى ذلك لتحاول تطبيق نتائج البحث في مجالات الرعاية الاجتماعية.
وعرّفت الأستاذة نور الهدى مجال الرعاية الاجتماعية بأنّه نسق منظّم من الخدمات والمؤسّسات الاجتماعية خُصّصت لمساعدة الأفراد والجماعات لتحقيق مستويات مرضية من الحياة والصحّة، ولترقية معيشتهم بما يتناسب مع إحتياجات أُسرهم ومجتمعهم، فالرعاية الاجتماعية لم تعد قرار داخلي في المجتمعات، وإنّما تحكمها أسواق محليّة وعالميّة ومصالح متضاربة لقوى إجتماعيّة تقليديّة متنافرة على المستوى القومي، وعليه لا بدّ من الأخذ بمواثيق المنظّمات، واستراتيجيّات العمل وإجراء البحوث والدراسات التي يمكن من نتائجها مواجهة التكتّلات العالميّة بقدر من الوحدة الاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة استحداث نظريّات مستمدّة من التراث والمعاصرة للرعاية الاجتماعية، وقامت الأستاذة نور الهدى بتعداد أهم مجالات البحوث والدراسات في الخدمة الاجتماعية بالإضافة إلى مجال الرعاية الاجتماعية وهم:
- مجال رعاية الأسرة.
- مجال رعاية الطفولة.
- مجال رعاية الشباب.
- المؤسّسات التعليميّة.
- بحوث الصحّة النفسيّة.
- مجال رعاية الأحداث.
- المجال البيئي.
- مجال الإسكان .
- مجال الشرطة والأمن.
- المجال الطبي.
- مجال الصناعة والأمن المهني.
- مجال ذوي الإعاقة.
- مجال المسنين.
وغيرها من المجالات اللصيقة بالإنسان وكلها مجالات في أشدّ الحاجة للبحوث والدراسات.
وختمت الأستاذة نور الهدى عرضها بالآليات المقترحة التالية:
أولاً: لناحية رفع الكفاءة العلميّة لإجراء البحوث الخاصّة بمهنة الخدمة الاجتماعية
على أعضاء هيئة التدريس:
- توجيه طلّاب الدراسات العليا لإجراء الدراسات التجريبيّة أو شبه التجريبيّة.
- التعريف بأنّ العلاقة بين الخدمة الاجتماعية والعلوم الأخرى كعلم النفس وعلوم الإقتصاد والعلوم السياسيّة وعلوم الإنتروبولوجيا وعلوم الإدارة كلها، علوم تشكّل مساحة بحثيّة يمكن أن يخترقها الباحثون لتجديد بحوثهم.
- التعريف بأنّه لا يمكن خلق المهارة وإنّما يمكن تنميتها لتطوير أدواتها وممارستها، وزيادة معارفها وبناء نماذجها، مع التوصية بالحدّ من إستخدام الدراسات الوصفيّة.
- توجيه الطلبة للتقليل ما أمكن من إستعمال الإستبانة كأداة، وتشجيع الطلبة على إستعمال الأدوات البحثيّة الأخرى، كالمقاييس وأداة تحليل المحتوى أو المضمون.
- تناول طلبة الدراسات العليا في دراساتهم موضوعات كالتوعية بشكل عام والخدمة الاجتماعية الوقائيّة، والخدمة الاجتماعية الدولية، وذلك إنطلاقاً من التوجّه العالمي المعاصر.
- توجيه الطلبة على إظهار هويّة التخصّص والمهنة من خلال ما تتناوله البحوث والرسائل من عناوين تتعلّق بإشباع الإحتياجات وقياس الخدمات وحلّ المشكلات من الواقع البيئي.
ثانياً: الآليّات المقترحة لتطوير بحوث المهنة في خدمة المجتمع
- مراعاة أن تتصدّى البحوث للمشكلات التي تواجه المجتمع.
- أن تُجرى بحوثاً علميّة لصالح المنظّمات، والهيئات الحكوميّة، والأهليّة.
- العمل على توثيق الروابط الثقافيّة والعلميّة مع الهيئات والمؤسّسات الثقافيّة والعلميّة المناظرة في الداخل والخارج.
- إنشاء مجالس إستشاريّة مشتركة من الباحثين وقيادات المجتمع لقياس الخدمات وتحديد الإحتياجات.
- المساهمة في تطوير التكنولوجيا المختلفة ومحاولة تسهيل إستفادة أفراد المجتمع منها.
- مساعدة أفراد المجتمع في كيفيّة إدارة المشاريع المختلفة بأسلوب علمي ومميّز.
- تقديم الخدمات والإستشارات المتنوّعة في المجالات المختلفة لأفراد المجتمع.
- نشر البحوث العلميّة مع وضع سياسات تترجم الربط بين هذه البحوث وبين قطاعات التنمية في المجتمع (ربط الواقع بالنظريّة).
- الإستجابة لمستجدّات العولمة وعالم المعلوماتيّة والعمل على مواجهة الفجوة الرقميّة دعماً لتفعيل المقدرة التنافسيّة للموارد البشريّة.
- المتابعة المستمرّة الواعية لتوظيف نتائج وإقتراحات البحوث العلميّة.
- وضع خطط وبرامج تعليميّة تهدف إلى تخريج باحثين قادرين على البحث العلمي.
- توفير مجلات متخصّصة تفيد الباحث في بحثه وتسهم في نشر أبحاثه.
ثمّ فُتح المجال لطرح الأسئلة والإستفسارات، وكانت حول النقاط التالية:
- – كيف يمكن تكييف الأبحاث في العلوم الاجتماعية ومتى تدخل في نطاق الخدمة الاجتماعية؟
- – هل يمكن إعتبار بحوث الخدمة الاجتماعية بحوث مكمّلة للبحوث الاجتماعية؟
- – كون بحوث الخدمة الاجتماعية بحوث تطبيقية فهي طبعاً تحتاج لإمكانات ماديّة فهل هناك تمويل لهذا النوع من البحوث؟
وأتت إجابات الأستاذة نور الهدى لتؤكّد أنّ بحوث الخدمة الاجتماعية هي بحوث تطبيقيّة ولا تكتمل مهمتها إلّا إذا كانت نتائجها تطبّق وتساهم في حلّ مشكلات اجتماعيّة، أمّا بالنسبة للتمويل فهذا الموضوع يختلف من بلد إلى آخر ولكن ما زال موضع دعم البحث العلمي في البلدان العربيّة ضعيف ويعاني من ضعف وعجز، لذلك كان هناك صعوبة في تطبيق البحوث التجريبيّة كونها تحتاج إلى إمكانات ماديّة.
وأكّدت الأستاذة نور الهدى أنّ الباحث في إختصاص علم الاجتماع غير مطالب بالعمل التطبيقي في بحثه أو الوصول إلى حلول، ولكن بحوث الخدمة الاجتماعية تطبّق داخل المؤسسات الاجتماعية (لاحتياجات متجدّدة ومتنوّعة).
وفي الختام شكرت رئيسة المركز الأستاذة سرور، الأستاذة نور الهدى حماد على هذه المحاضرة القيمة وكذلك على جهودها وتعاونها المستمر ضمن اللجنة العلمية التحكيمية الثابتة لمؤتمرات مركز جيل البحث العلمي داعية إياها لإلقاء محاضرات أخرى سيتم الاتفاق على مضمونها وتواريخها لاحقا.