واقع إفريقيا جنوب الصحراء في مادة التاريخ بالتعليم الثانوي التأهيلي المغربي
The reality of sub-saharan African in history in Moroccan high schools
عبد الحكيم مصلوح/جامعة ابن طفيل، المغرب
Abdelhakim Masslouh/ University Ibn Tofail-Maroc
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 71 الصفحة 43.
ملخص :
تمحورت إشكالية هذه الدراسة حول واقع حضور تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في مادة التاريخ بالتعليم الثانوي التأهيلي، بحيث حاولنا اكتشاف حقيقة تناول درس التاريخ لإفريقيا جنوب الصحراء، واعتمدنا في تحليل المتن المعتمد والمكون من الكتب المدرسية للتعليم الثانوي التأهيلي على تقنية تحليل المضمون للوقوف عند موقع تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في برنامج مادة التاريخ، وقد مكنتنا هذه الدراسة من إبراز حقيقة حضور تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في دروس التاريخ للسلك الثانوي التأهيلي، وتبيان التطور الذي لحق هذا الحضور؛ إذ خلصنا إلى كون فترة الثمانينيات كانت تتميز باهتمام الكتاب المدرسي لمادة التاريخ بقضايا التاريخ الإفريقي مقارنة بفترة التسعينيات التي لم يرد فيها أي درس لإفريقيا جنوب الصحراء، وفي الأخير سلطنا الضوء على البرامج الراهنة، و اتضح لنا حضورا باهتا للتاريخ الإفريقي جنوب الصحراء.
الكلمات المفتاحية: إفريقيا جنوب الصحراء- المنهاج- الكتاب المدرسي- التوجيهات التربوية.
ABSTRACT The problematic of this study revolved around the presence of sub-Saharan African history in high school History programs. We attempted to discover the truth about this latter tackling the aforementioned topic, and we relied on that in analyzing the content of the textbooks of the three high school levels. Thus, this study enabled us to highlight the presence of sub-Saharan African history in the Moroccan high school program as well as to explain the development of this presence. In this regard, it has been shown that during the eighties, there was a great interest in African history issues, unlike the nineteens when there was no lesson tackling any sub-Saharan African issue. In the end, we highlighted on the current programs. We, therefore, noticed a slight presence for the sub-Saharan African history.
Keywords: Sub-Saharan Africa- Method- Textbook- The Official Educational Guidelines.
مقدمة :
أصبح البعد الإفريقي في الهوية المغربية يفرض نفسه بقوة في الواقع السياسي المغربي، وفي المؤسسات السياسية، والثقافية، والأكاديمية، إذ عرفت الجامعة المغربية مؤخرا عدد من اللقاءات والبحوث العلمية التي تناولت حضور إفريقيا في المناهج المغربية[1]، ولعل من أهمها الندوة العلمية المقامة من طرف الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية في دجنبر 2017 بعنوان “المغرب وإفريقيا رؤى متقاطعة” التي تم تناولت في إحدى محاورها صورة إفريقيا في الكتاب المدرسي المغربي.
كما عقدت لقاءات وندوات عديدة بمدن مغربية مختلفة تُعنى بإفريقيا كوجهة مستقبلية، سبقتها منذ سنوات عملية لإصلاح المنظومة التربوية المغربية في ظل التحولات العالمية والوعي بالتعدد الثقافي للهوية المغربية، وملاءمة النظام التعليمي المغربي مع التحولات السياسية والاجتماعية الداخلية، وأيضا التزاماته الدولية.
وفي هذا السياق نجد أن موضوع افريقيا لم ينل ما يستحقه من عناية ليتناسب مع حجم حضور البعد الإفريقي في الهوية المغربية، لذلك ارتأينا في هذه الدراسة أن نتناول حضور البعد الإفريقي في مادة التاريخ بسلك الثانوي التأهيلي، محاولين مسايرة الديناميكية التي تعرفها الساحة الأكاديمية المغربية في هذا المجال، وتقديم مساهمة بسيطة بهدف إغناء البحث في تاريخ إفريقيا من الزاوية التربوية، والتعرف على حضور تاريخ افريقيا جنوب الصحراء في كتاب التاريخ المدرسي المغربي بما يعنيه حقل التاريخ كمادة تعليمية مهمة للمتعلم والتي يكتشف عبرها تاريخ بلاده وينمي من خلالها إدراكه للعالم المحيط به.
ولتحقيق هدف الدراسة سننطلق من سؤال مركزي وهو: ما مظاهر حضور تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في درس التاريخ بالسلك الثانوي التأهيلي ؟
وانطلاقا من هذا السؤال المركزي سنعمل على دراسة حضور إفريقيا جنوب الصحراء في مادة التاريخ الثانوي التأهيلي فترة الثمانينيات، والتسعينيات من القرن الماضي، لكونها شكلت فترة فارقة في علاقة المغرب بإفريقيا. فعملنا على تقديم قراءة وصفية تحليلية لبرامج الفترة بهدف تكوين نظرة عن مدى حضور وحدات تتناول التاريخ الإفريقي تمهيدا لتحليل التوجيهات التربوية، ومضامين الكتب المدرسية الحالية، لنكشف عن واقع حضور إفريقيا “جنوب الصحراء” في مادة التاريخ، وفي المواضيع التاريخية المدرسة للتلميذ المغربي في الثانوي التأهيلي.
وللإجابة عن هذه الإشكالية المتمثلة في تحديد واقع تدريس تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء سنعتمد على منهجية/تقنية تحليل المضمون التي تعتبر أداة أساسية لتحليل الوحدات والمقاطع، والأنشطة، المبرمجة لمادة التاريخ سلك الثانوي التأهيلي إلى جانب تقديم قراءة وصفية مركزة للتوجيهات التربوية من زاوية البعد الإفريقي “جنوب الصحراء”.
مشكلة الدراسة
يعد تناول قضايا التاريخ الإفريقي جنوب الصحراء على وجه التحديد من المواضيع المثيرة للنقاش في الساحة الأكاديمية المغربية، غير أن حضور تاريخ افريقيا جنوب الصحراء في منهاج مادة التاريخ للتعليم الابتدائي والثانوي يظل مثار نقاش لدى المهتمين بالشأن التربوي، إذ لا يمكن الحديث عن الانفتاح على افريقيا جنوب الصحراء سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا، مع إهمال الجانب التربوي، وخصوصا أن المغرب جزء لا يتجزأ من إفريقيا وقد ربطت المغرب بدول الجنوب علاقات تاريخية، وهذا ما يجب أن نتلمسه في دروس السلك الثانوي، وخصوصا مادة التاريخ، ومن هنا فإن الإشكالية الأساسية لهذه الدراسة تتمثل فيما يلي: كيف يحضر تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في منهاج مادة التاريخ للتعليم الثانوي التأهيلي المغربي؟
ويمكن أن نفرع هذه الاشكالية إلى عدد من التساؤلات:
- ما هو التطور الذي لحق حضور تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في منهاج مادة التاريخ بالتعليم الثانوي التأهيلي ؟
- ما مدى حضور البعد الافريقي جنوب الصحراء في منهاج مادة التاريخ للتعليم الثانوي التأهيلي في الفترة الراهنة؟
فرضية الدراسة.
نفترض أن حضور تاريخ افريقيا جنوب الصحراء باهت، مع ربطه بالأجنبي، إلى جانب تراجعه عما كان عليه في برنامج مادة التاريخ في فترة الثمانينات.
وتتفرع هذه الفرضية الى مجموعة من الفرضيات الفرعية وهي:
- عرفت وحدات تاريخ افريقيا جنوب الصحراء تراجعا في مادة التاريخ مقارنة بفترة الثمانينات.
- تتسم البرامج الحالية بحضور باهت للحضور الافريقي جنوب الصحراء.
أهمية الدراسة.
تكمن أهمية هذه الدراسة في كونها دراسة علمية مستجدة على الساحة الأكاديمية، إذ من خلالها سنبرز مدى تناول الكتب المدرسية لقضايا تاريخ افريقيا جنوب الصحراء، وسنحاول إثارة انتباه المشرفين على الشأن التربوي بالمغرب لهذه الإشكالية، التي تعد في رأينا اشكالية مستجدة على الساحة التربوية تستحق الوقوف عليها بهدف بناء منهاج متكامل ومنفتح على مختلف الأقطار، بدل التركيز على مجال محدد (التاريخ الأوربي على سبيل المثال)، وبذلك فإننا من خلال هذه الدراسة، سنبين واقع تاريخ افريقيا جنوب الصحراء في مادة التاريخ، لإعادة الاعتبار إليه انطلاقا من النتائج المتحصل عليها بإدماجه في ثنايا البرامج التعليمية، فنحن نعتقد أنه من اللازم أن تكون افريقيا جنوب الصحراء جزء لا يتجزأ من المنهاج المدرسي ككل، ومنهاج مادة التاريخ بشكل خاص بهدف التسهيل على المتعلم ادراك تاريخ مجاله، وقارته، وتجاوز النظرة النمطية لإفريقيا جنوب الصحراء التي تربط افريقيا بتجارة العبيد والذهب (التجارة الثلاثية)، بدل التركيز على ممالكها وحضاراتها وانجازاتها التاريخية.
منهجية الدراسة
- منهجية التحليل
اعتمدنا في هذه الدراسة على تقنية تحليل المضمون، من خلال تحليل برامج مادة التاريخ للسلك الثانوي التأهيلي كما وكيفيا، لتحديد حقيقة حضور البعد الافريقي جنوب الصحراء في دروس مادة التاريخ.
- مصادر البيانات
عملنا على تحويل التحليل الكمي الذي انجزناه على دروس مادة التاريخ، الى جداول وبيانات أعددناها شخصيا لتناسب موضوع الدراسة.
- حدود الدراسة
بالنسبة لحدود الدراسة، فقد اعتمدنا بالأساس على عينة من الكتب المدرسية لمادة التاريخ في فترة الثمانينات والتسعينات لتسليط الضوء على افريقيا جنوب الصحراء في هاته الكتب، ثم عملنا في الجانب التطبيقي على تحليل التوجيهات التربوية لسلك الثانوي التأهيلي، وكذا الكتب المدرسية لسلك الثانوي التأهيلي، مسلك الآداب والعلوم الانسانية المعتمدة حاليا.
هيكلة الدراسة
عملنا على تقسيم هذه الدراسة الى ثلاثة عناصر أساسية، بحيث عملنا في المرحلة الأولى على الكشف عن حضور افريقيا جنوب الصحراء في مادة التاريخ بالتعليم الثانوي التأهيلي، ثم بعد ذلك تناولنا حضور افريقيا جنوب الصحراء في التوجيهات التربوية لسلك الثانوي التأهيلي، وفي مرحلة أخيرة أبرزنا حضور البعد الافريقي في دروس مادة التاريخ لسلك الثانوي التأهيلي كيفا وكما.
- حضور إفريقيا جنوب الصحراء في مادة التاريخ بالتعليم الثانوي التأهيلي (مرحلة الثمانينات- التسعينات)
يعتبر حضور إفريقيا جنوب الصحراء في مادة التاريخ موضوعا راهنا، بحيث دراسته ستجعلنا نساهم ولو بشكل بسيط في الدراسات والأبحاث المهتمة بإفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة أننا في هذه الدراسة نحاول تناول إفريقيا من زاوية تربوية، لإيماننا أن حقل التربية والتكوين سيكون مهما في مجال الانفتاح على إفريقيا جنوب الصحراء، وكذلك الكشف عن كيفية تعامل البرامج المعدة من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي مع البعد الإفريقي.
ولكل هذا، سنعمل في البداية على التعرف بشكل مركز على الوحدات التي تناولت تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في برامج الثمانينات والتسعينات، وتبيان طريقة تناولها للتاريخ الإفريقي، فمن خلال ذلك سنكشف حقيقة تعامل البرامج التاريخية المغربية السابقة مع البعد الإفريقي كمكون من مكونات الهوية الوطنية، وكرقعة جغرافية منتمية لقارة إفريقيا.
- مرحلة الثمانينات
خلال هذه الفترة تم تداول نموذجين من الكتب المدرسية، الأولى تعود لبداية الثمانينات وهي الخامسة الثانوية المخصصة للعصر الحديث؛ والسادسة الثانوية الخاصة بتاريخ العالم القرن 19؛ والسابعة الثانوية تاريخ العالم في القرن20، وفي أواخر نفس العقد تم إعداد كتب مدرسية بحلة جديدة مع إصلاح 1987 الذي انبثق عنها برنامج يحمل توجها جديدا لتدريس مادة التاريخ الثانوي مع احتفاظها بنفس المضمون تقريبا، خاصة كتابي السنة الأولى والثالثة الثانوية، المقابلين لكتابي الخامسة والسابعة الثانوية في النظام السابق.
وقد قمنا بتحليل الكتب المدرسية الآتية، السنة الخامسة الثانوية: تاريخ العصر الحديث؛ والسنة السادسة الثانوية: تاريخ العالم القرن19؛ والسنة السابعة الثانوية: تاريخ العالم القرن 20.
- السنة الخامسة ثانوية، تاريخ العصر الحديث[2]
يحتوي هذا الكتاب المدرسي في ثناياه، 25 درس موزعة على قسمين، القسم الأول معنون بمميزات بداية العصر الحديث في أوروبا والعالم الإسلامي، والقسم الثاني خصص للقرن السابع عشر والقرن الثامن عشر، وباطلاعنا على دروس الكتاب المدرسي، استوقفنا درسان خاصان بإفريقيا جنوب الصحراء، وهما؛ الدرس التاسع عشر المعنون: إفريقيا الغربية- الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتدخل الأوروبي، والدرس العشرين المعنون: إفريقيا الشرقية والوسطى والجنوبية، أي8% من مجموع دروس الكتاب.
ويلاحظ أنه تم تخصيص درسين مستقلين لإفريقيا جنوب الصحراء، ففي الأول تم التركيز فيه على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إفريقيا الغربية مع تبيان ميزات كل مجال على حدة، فمثلا على المستوى السياسي أشار الكتاب المدرسي إلى عدة ممالك أهمها السونغاي التي هي دولة مهمة في غرب إفريقيا، إلا أنه أهمل عددا من الدول التي ذكرها دون التعريف بها منها (الهاوسا – بورنا- يوروبا…)، كما تم عرض بعض المعطيات العامة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية لحوض نهر النيجر، وتقديم الانعكاسات الاقتصادية والسياسة الناتجة عن التدخل الأوربي بإفريقيا الغربية.
وبالنسبة للدرس المعنون بإفريقيا الشرقية والوسطى والجنوبية، فقد بين الحالة العامة لإفريقيا الشرقية وظروف التدخل الأوربي بها، والكيفية التي ساهم بها الرواج التجاري بالشواطئ السواحلية في قيام إمارات مستقلة منها مملكة الكونغو التي أصبحت مملكة كبرى خلال القرن 15-16م، بينما في الجنوب الإفريقي تم الإشارة لمسألة التنافس بين القبائل المحلية حول امتلاك الأراضي، غير أن الملاحظ في هذا الدرس هو التركيز على الأجنبي ودوره بمنطقة إفريقيا جنوب الصحراء على حساب ما هو داخلي.
ب- السنة السادسة الثانوية، تاريخ العالم في القرن التاسع عشر[3]
بالنسبة لهذه السنة برمج درس واحد خاص بإفريقيا جنوب الصحراء، وهو الدرس 11 المعنون بالتوسع الأوربي بإفريقيا السوداء: الرحلات الاستكشافية- مراحل الغزو- حركات المقاومة، مع العلم أن مجموع الدروس المبرمجة لهذه السنة 29 درس أي بنسبة 3,44%.
حيث أشار الدرس إلى أثر الرحلات الاستكشافية على الوضعية الداخلية لإفريقيا جنوب الصحراء، فقد وضح البرنامج التنافس الاستعماري على جنوب الصحراء، وبين طريقة تسيير المناطق المستعمرة ( مباشرة- غير مباشرة)، وأشار في نفس الوقت للمقاومة المحلية المسلحة الرافضة للاحتلال وما ترتب عنها من ردة فعل عنيفة من طرف القوى الأوربية المتوفرة على أسلحة متقدمة التي عملت على استغلال جنوب الصحراء بشريا واقتصاديا.
- السنة السابعة الثانوية، تاريخ العالم في القرن العشرين[4]
بالنسبة لتاريخ العالم في القرن العشرين تم إدراج درس واحد في برنامج الكتاب خاص بإفريقيا جنوب الصحراء، معنون بالحركات التحررية في إفريقيا السوداء من أصل 23 درس أي بنسبة 4,34%.
وتم الإشارة في هذا الدرس إلى الاستغلال الاستعماري لإفريقيا جنوب الصحراء الذي نتج عنها ظهور حركات تحررية اعتمدت الكفاح السياسي في البداية لتنتقل إلى الكفاح المسلح بعد ذلك، كما تم تبيان وضعية إفريقيا جنوب الصحراء بعد الاستقلال التي حسب البرنامج عانت من ويلات التبعية الثقافية والاقتصادية لأوروبا.
وبهذا نستنتج أن تناول تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء خلال بداية الثمانينات من قبل منهاج مادة التاريخ قبل إصلاح 1987 كان في عومه مقبولا، فقد تطرق بشكل عام للعصر الحديث، وركز على التنظيم السياسي الذي شهدته المنطقة، والإشارة لبعض إمكانيتها الاقتصادية التي كانت من أسباب التنافس الأوربي عليها. إلا أنه كان من الممكن، وخلال تناول فترة العصر الحديث تجاوز الاقتصار على ربط إفريقيا جنوب الصحراء بالأجنبي ، وذلك بالانفتاح على خصائص دول جنوب الصحراء على المستوى السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، كما أن خلال الفترة المعاصرة تم إهمال منظمة الوحدة الإفريقية التي تشكل محطة مهمة في تاريخ القارة، كما لاحظنا كذلك توظيف عبارة إفريقيا السوداء لوصف جنوب الصحراء في جل الكتاب المدرسي، الأمر الذي يوحي لنوع من التجزئة والتمييز لإفريقيا بتقسيمها على حسب العرق، إفريقيا شمالية وإفريقيا سوداء.
عموما، فالبرنامج تناول تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء وأشار لبعض محطاته، وما تم تقديمه كان متماشيا مع ما تناولته الإسطغرافيا التاريخية، مع الإشارة إلى الانتقال من درسين في السنة الخامسة إلى درس واحد في السنة السادسة والسابعة، وهذا يجعلنا نتساءل، لماذا هذا التراجع في نفس السلك في تناول قضايا تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء. ألقلة المعطيات التاريخية؟ أم أن تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء كان ثانويا خلال تلك الفترة مقارنة بتاريخ أوربا مثلا؟.
1–2 مرحلة التسعينات
بالنسبة لهذه المرحلة تم تداول منهاج جديد لمادة التاريخ الثانوي التأهيلي الذي جاء بعد إصلاح 1994، حيث برمجت موضوعات مختلفة عن ما سبقها وبتحسينات عديدة، وسنقف عند ثلاثة نماذج، وهي التاريخ السنة الأولى الثانوية؛ والتاريخ السنة الثانية الثانوية؛ التاريخ السنة الثالثة الثانوية.
- التاريخ، السنة الأولى الثانوية[5]
بالنسبة لهذه السنة، نلاحظ لاحظ من خلال الاطلاع على محتوياته خلوه من موضوعات تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء. والجديد في برنامج التسعينات هو تناوله في السلك الثانوي التأهيلي لموضوعات العصر القديم والوسيط وهذا ما لا نجده في فترة الثمانينات لنفس السلك، غير أن الملاحظة الأهم من خلال الاطلاع على الكتاب المدرسي هو أن عدد الدروس بلغ 16 درس مع غياب تام لدرس خاص يتناول إفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالفترة السابقة، حيث توزعت الموضوعات حول تاريخ أوروبا، وتاريخ المغرب في العصر الوسيط، وموضوعات عن الحضارة الإسلامية في الفترة الوسيطة، وشمال إفريقيا إبان الفترة القديمة.
- التاريخ، السنة الثانية الثانوية[6]
بلغ عدد دروس السنة الثانية الثانوية 15 درسا تناولت موضوعات مختلفة عن سابقتها، وحتى الفترة المتناولة خلال هذه السنة تركزت على العصر الحديث بخلاف السنة الأولى التي تناولت العصر القديم والوسيط.
فأهم ما تم التطرق إليه الاكتشافات الجغرافية، والنهضة الأوروبية، وعصر الأنوار، والثورة الفرنسية، ونشوء الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة للعالم الغربي، بينما تم التطرق للإمبراطورية العثمانية والجزائر وتونس وليبيا في عهد الحكم التركي، وكذا المغرب في عهد السعديين وفي عهد العلويين، والملاحظ غياب تام لدروس تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء.
- التاريخ، السنة الثالثة الثانوية[7]
بخصوص السنة الثالثة، بلغ مجموع عدد الدروس 16 درسا، تطرقت لموضوعات متفرقة منها الحركات الليبرالية والقومية في أوربا القرن التاسع عشر، وتطور الرأسمالية ونتائجه، والمد الاستعماري في المشرق العربي وشمال إفريقيا، والضغوط الاستعمارية على المغرب خلال القرن التاسع عشر، ومحاولات الإصلاح، والحرب العالمية الأولى، والثورة الروسية، والحرب العالمية الثانية، وحقوق الإنسان في القرن العشرين، وكذا تناول نشأة الدول العربية في المشرق، والقضية الفلسطينية، والاستغلال الاستعماري للمغرب في عهد الحماية، والمقاومة المغربية، والحركة الوطنية في باقي البلدان المغاربية، مع غياب تام لدرس خاص بتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء.
نستنتج من خلال عرض محتويات سلك الثانوي لمرحلة التسعينات تنوع من حيث الفترات التاريخية المتناولة مقارنة بالمرحلة السابقة، حيث تم التطرق للفترة القديمة والوسيطة للسنة الأولى والحديثة للسنة الثانية والمعاصرة للسنة الثالثة، مع غياب تام لوحدات تتناول تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في البرنامج المخصص للفترة.
خلاصة
جدول رقم1: نسبة حضور وحدات خاصة بإفريقيا جنوب الصحراء في الكتاب المدرسي لسلك الثانوي( الثمانينات- التسعينات)
يلاحظ من خلال اطلاعنا على تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في برنامج مادة التاريخ (مرحلة الثمانينات- التسعينات)، تراجعا مهما في دراسة هذا التاريخ بالإضافة إلى أن الدروس الموزعة في مرحلة الثمانينيات على السلك الثانوي أخذت مساحة ضيقة من الكتاب المدرسي مقارنة بتاريخ أوربا والمشرق بحيث تم الاقتصار على درسين في السنة الخامسة ودرس واحد في السنة السادسة والسابعة.
كما أن ما تم تناوله يغلب عليه عموما طابع الربط بالأجنبي دون إبراز معالم التاريخ الإفريقي المحلي المستقل عن ما هو دخيل وتأثيراته، وخصوصا أن الفترة الحديثة والمعاصرة التي هي الفترة المخصصة لمنهاج الثانوي التأهيلي غنية بأحداث تاريخية وخاصة فيما يتعلق بقيام دول وإمبراطوريات مستقلة بإفريقيا جنوب الصحراء إلى جانب الحركية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية التي عرفتها جنوب الصحراء ما بين القرن ( 16م- 19م)، وأيضا الفترة المعاصرة وما عرفته المنطقة من قيام حركات سياسية متعددة غطت ربوع القارة مدافعة عن استقلالها وراسمة لدولة إفريقية حديثة.
اذن فمن خلال ما ذكر يمكن أن نطرح الأسئلة الآتية :
هل استمر تراجع وحدات تخص تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في البرامج الحالية؟ وكيف تم تناول تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في برنامج التعليم الثانوي التأهيلي؟
وسنجيب على السؤالين في المحاور الموالية.
2– تحليل مضمون التوجيهات التربوية من زاوية البعد الإفريقي
سنحاول في هذا المحور تحليل مضمون التوجيهات التربوية للسلك الثانوي التأهيلي “التاريخ والجغرافيا” نونبر2007، للوقوف على حضور البعد الإفريقي “جنوب الصحراء”. وهذه الوثيقة أصدرتها مديرية المناهج التابعة لوزارة التربية الوطنية، ومكونة من 48 صفحة، تحوي عددا من المحاور موزعة على صفحات الوثيقة، فبعد التقديم العام، نجد أسس بناء منهاج مادتي التاريخ والجغرافيا؛ كفايات وقدرات مادتي التاريخ والجغرافيا؛ المضامين وتوزيعها الدوري ( الجذع المشترك- السنة أولى باكالوريا- السنة الثانية باكالوريا)؛ منهجية العمل الديداكتيكي؛ الدعامات الديداكتيكية؛ التقويم التربوي؛ التنظيم التربوي. ونحن سنقوم بتحليل التوجيهات التربوية من زاوية حضور البعد الإفريقي.
2–1حضور إفريقيا جنوب الصحراء في التوجيهات التربوية[8]
سنركز في تحليلنا للتوجيهات التربوية على مادة التاريخ، لكونها المادة المتناولة في موضوع دراستنا، والهدف من هذه المحطة هو رصد كيفية حضور البعد الإفريقي ” جنوب الصحراء” في مضامين التوجيهات من خلال الوقوف عند طبيعة ونوعية المفاهيم والعبارات، والمؤشرات والجمل الموظفة فيه، والتي تحيل إلى إفريقيا وتحديدا جنوب الصحراء.
يندرج منهاج مادة التاريخ والجغرافيا في سياق المقاربة الجديدة التي اعتمدها إصلاح نظام التربية والتكوين، والتي تم بمقتضاها إعادة تحديد مهام المدرسة ومكانة المتعلم ووظيفة المواد اجتماعيا وتربويا، باعتبارها تلعب دورا في تكوين فكري ومدني للمتعلمين[9].
ويتضح من خلال قراءة وتصفح التوجيهات التربوية، أن خضور إفريقيا جنوب الصحراء شبه غائب، بحيث لم تحضر إلا في مناسبتين:
ففي ما يخص الحضور الأول لإفريقيا، فهو مرتبط بالقدرات والكفايات المراد تحقيقها من مادة التاريخ، حيث حضرت إفريقيا من خلال ترسيخ قدرة، قياس الأثر الاستعماري على مناطق مختلفة وتشخيصه من خلال نموذج إفريقيا[10].
وفي برنامج السنة الأولى من سلك الباكالوريا: – مسلك الآداب والعلوم الإنسانية- مسلك التعليم الأصيل- اللغة العربية، حضرت إفريقيا مرة ثانية في المجزوءة الأولى، تطور النظام الرأسمالي بأوروبا وخارجها، والاتجاه نحو الهيمنة على العالم، وتحديدا في المحور الثاني، سيطرة القوى الرأسمالية على العالم ونتائجها، من خلال وحدة رقم 7، الاستغلال الإمبريالي للمستعمرات وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية (إفريقيا نموذجا[11]).
2-2نتائج تحليل التوجيهات التربوية من زاوية البعد الإفريقي
من خلال هذه القراءة التحليلية للتوجيهات التربوية نخلص إلى ما يلي:
- ذكر إفريقيا في برنامج التوجيهات في مناسبتين، وبشكل باهت، وذلك في جدول رقم 4 صفحة 10 الخاص بكفايات وقدرات المراد ترسيخها لدى المتعلم في السنة أولى باكالوريا، وفي برنامج السنة أولى باكالوريا، مسلك الآداب والعلوم الإنسانية- مسلك التعليم الأصيل- اللغة العربية، صفحة 22.
- إفريقيا جنوب الصحراء شبه غائبة، فيما يخص القدرات المراد ترسيخها لدى المتعلم، في الجذع المشترك والسنة الثانية باكالوريا، حيث غالب البرنامج منصب على أوروبا والعالم الإسلامي.
- إفريقيا جنوب الصحراء غائبة، في البرنامج الخاص بمادة التاريخ الخاص بالجذع متشترك- السنة الثانية باكالوريا.
- الوحدة الخاصة بإفريقيا في برنامج السنة الأولى للآداب والإنسانيات لم تحدد المجال المدروس، وبذلك نتساءل، هل الوحدة تدرس إفريقيا جنوب الصحراء؟ أم أنها تتناول إفريقيا بشكل عام؟.
- الوحدة التي حضرت فيها إفريقيا في برنامج السنة أولى آداب وإنسانيات، تم اتخاذها كنموذج لدراسة الاستغلال الإمبريالي.
- لم يتم تناول وحدة خاصة بتاريخ افريقيا جنوب الصحراء في البرنامج.
فالفترة الزمنية ( من أواخر القرن 15 إلى بداية القرن العشرين) المحددة من طرف التوجيهات التربوية لتكون هي الفترة المدرسة للمتعلم المغربي في سلك الثانوي التأهيلي، وإكسابه كفايات وقدرات متنوعة على الفترة، فقد أغفلت إفريقيا جنوب الصحراء التي هي رافد من روافد الهوية الوطنية، وامتداد جغرافي للمغرب، ونحن من خلال هذه البرمجة نكرس النظرة السلبية عن تاريخ إفريقيا وبأنها قارة بدون تاريخ، وتاريخها مرتبط بالأجنبي.
يلاحظ من خلال استقراء وتحليل وثيقة التوجيهات التربوية غياب شبه تام لإفريقيا، فمن خلال تتبعنا لمحاور الوثيقة، لم نلمس حضور إفريقيا إلا في برنامج السنة أولى باكالوريا آداب وعلوم إنسانية، وذلك في الوحدة السابعة من برنامج السنة الثانية باكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية- مسلك التعليم الأصيل- اللغة العربية، بعنوان الاستغلال الامبريالي للمستعمرات وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية “إفريقيا نموذجا “؛ وهذا يبين بشكل واضح أن الوحدة الخاصة بإفريقيا تم وضعها في سياق تناول تاريخ أوروبا وانعكاس تفوقها الرأسمالي على العالم، وتم اتخاذ إفريقيا كنموذج لتبيان ذلك، وكأن إفريقيا هي الوحيدة المتأثرة سلبا بالاستعمار، مع العلم أنه لم يتم برمجة وحدات تعالج تاريخ إفريقيا في بقية البرامج المخصص للمسالك المختلفة سواء في الجذع المسترك والسنة الأولى والسنة الثانية باكالوريا.
تقديم | أوربا | قضايا العالم | المغرب | العالم الاسلامي: |
تعليق على معطيات الجدول رقم 2
إن موقع إفريقيا من خلال هذا الجدول باهت، حيث لم تنل إفريقيا الحضور الذي كان يجب أن تحصل عليه من داخل التوجيهات التربوية، باستثناء بروزها في وحدة في السنة الأولى باكالوريا، بنسبة 1% من برنامج مادة التاريخ الثانوي التأهيلي لجميع المسالك، بما يعني وحدة من أصل 84 وحدة، وتم اتخاذها كنموذج لدراسة انعكاس الاستغلال الاستعماري للمستعمرات .
يعتبر الكتاب المدرسي إلى جانب المنهاج حاملا معرفيا موجها للمتعلمين والذي يتضمن جملة من العناصر الأساسية بالنسبة للمادة الدراسية المعنية في حلة تركيبية انسجاما مع الخصوصيات النفسية والعمودية للمتعلمين، كما يعد عنصرا محوريا من عناصر العملية التعليمية التعلمية، إذ هو أداة في متناول المدرس كما في متناول المتعلم على حد سواء، ويعكس بذلك تلك الوسيلة التواصلية فيما بينها ودعامة مفيدة وأداة بيداغوجية ينطلق منها المدرس لينشط وينسق أنشطته الديداكتيكية[12].
مع العلم أن الرغبة في الابتكار من قبل مصممي منهاج التاريخ لعام 2002 أكثر وضوحا، بالاهتمام بممارسة المتعلمين للفكر التاريخي أكثر من الاهتمام بإعادة هيكلة برامج التاريخ والانتقال من كيف نعلم؟ الى التركيز الكبير على ماذا نعلم؟[13].
وليس المقصود من التدريس إخفاء جوانب تاريخ أضحى اليوم موضعا للسؤال على نطاق واسع في مجتمعنا وفي مجتمعات أخرى من حولنا، بل العكس من ذلك فإن جهود تدريس التاريخ يكون عبثا إذا كانت طبيعة التاريخ ” الدرس التاريخي” لا يستجيب أو لا يجيب أبدا، على أسئلة مجتمعنا[14]، وهنا نستحضر إشكالية الدراسة، فإن كان الدرس التاريخي قد غيب إفريقيا وتاريخها لما يمثله من أهمية للمغرب كرقعة جغرافية وكمجتمع؛ فما الحاجة لنا للدرس التاريخي الذي غلب عليه الانتقائية؟
فالكتاب المدرسي هي القناة التي تنتقل بواسطتها المواد الدراسية من حقلها الأكاديمي إلى الحقل المدرسي اعتماد على عملية النقل الديداكتيكي، وهذا ما يطبق على مادة التاريخ على غرار باقي المواد، وسنعمل في هذه المرحلة على تحليل مضمون الكتاب المدرسي المخصص للمرحلة الثانوية التأهيلي لنقف على كيفية حضور البعد الإفريقي فيها، وسنركز على التحليل الكيفي من خلال بيانات تبين لنا موقع افريقيا جنوب الصحراء في الكتب المدرسية، سواء على مستوى الابعاد، والدعامات الموظفة.
3-1 تقديم الكتب المدرسية المعتمدة في التحليل
- “في رحاب التاريخ” للجذع المشترك ( الآداب والعلوم الإنسانية)، والسنة أولى باكالوريا (الآداب والعلوم الإنسانية-مسلك اللغة العربية والتعليم الأصيل)، والسنة الثانية باكالوريا (مسالك الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الشرعية واللغة العربية بالتعليم الأصيل والعلوم الزراعية- العلوم الاقتصادية وعلوم التدبير المحاسباتي والعلوم الزراعية)؛
- “الجديد في التاريخ” للجذع المشترك (الآداب والعلوم الإنسانية)، والسنة أولى باكالوريا (الآداب والعلوم الإنسانية، مسلك اللغة العربية بالتعليم الأصيل)، والسنة الثانية باكالوريا (الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الشرعية واللغة العربية بالتعليم الأصيل- العلوم الاقتصادية وعلوم التدبير المحاسباتي والعلوم الزراعية)*.
3-2نتائج تحليل الكتب المدرسية الراهنة
بعد اطلاعنا على وحدات الكتب المدرسية، تبين لنا غياب كبير لوحدات تتناول افريقيا جنوب الصحراء، في جميع الكتب المدرسية التي عملنا على تحليلها، وهي ستة كتب مدرسية (في رحاب التاريخ، للجذع المشترك، والأولى باكالوريا، والثانية باكالوريا)، و (الجديد في التاريخ، للجذع المشترك، والأولى باكالوريا، والثانية باكالوريا)، باستثناء درس واحد معنون بالاستغلال الامبريالي للمستعمرات وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية (افريقيا نموذجا)، وهذا الدرس اقتصر على ربط افريقيا بالأجنبي، وتوصلنا كذلك الى كون افريقيا جنوب الصحراء تحضر فقط في 175 دعامة من داخل الكتب المدرسية الستة، وغالبية هذه الدعامات تربط افريقيا بالأجنبي، أو يتم الاشارة لإفريقيا جنوب الصحراء في خضم تناول قضايا تاريخية (سياسية- عسكرية- اجتماعية…) تخص الأجنبي، وخصوصا الدول الاستعمارية.
ومن خلال هذه البيانات أسفله، سنوضح كيفية تناول افريقيا جنوب الصحراء في مجموع الدعامات التي توصلنا اليها، والتي تحضر فيها افريقيا، سواء في وثائق نصية، أو في خرائط، أو جداول…
مبيان رقم 1: الأبعاد التي تم الإشارة فيها لإفريقيا جنوب الصحراء
تعليق على المبيان رقم 1
يلاحظ من خلال البيان غلبة البعد السياسي، في كتابي ” في رحاب التاريخ” و” الجديد في التاريخ” بما يصل 92 دعامة من أصل 175 بنسبة 53%، ويليه البعد الاقتصادي بـ 54 دعامة بنسبة 31%، والاجتماعي بـ 25 دعامة بنسبة 14%، بينما البعد الديني والتقني بدعامتين لكل بعد بنسبة 1%.
ويظهر أيضا سيطرة النظرة التقليدية في تناول تاريخ إفريقيا المتمثلة في التاريخ الحدثي ( السياسي، العسكري)، وضعف من حيث مسايرة التطورات الذي لحقت الكتابة التاريخية بجعل التاريخ منفتح على قضايا مختلفة ( ثقافية، اجتماعية، اقتصادية…).
مبيان رقم2: الدعامات التي حضرفيها البعد الإفريقي”جنوب الصحراء”
تعليق على المبيان رقم 2
يظهر لنا من خلال هذا البيان أن النصوص المكتوبة شكلت النسبة الأكبر بالنسبة للدعامات التي حضرت من خلالها إفريقيا ب76 دعامة أي بنسبة 44%، وتليه الخريطة بنسبة 22%، أي 38 دعامة من أصل 175، وفي الرتبة الثالثة الصورة بنسبة 15% بما يعني 27 من أصل 175، ويليه الجدول ب15 دعامة بنسبة 9%، والخطاطة ب 9 دعامات بنسبة 5%، والخط الزمني بـ6 دعامات بنسبة 3%، والبيان في الرتبة الأخيرة بـ4 دعامات بنسبة 2%، ويجب العمل على تنويع الدعامات التي يتم الإشارة فيها إلى إفريقيا، وبشكل متوازن داخل الكتاب المدرسي من أجل التسهيل على المتعلم عملية التعرف على تاريخ القارة، وخاصة عند المتعلمين الذين يجدون صعوبة في فهم النصوص ويميلون للصورة والخرائط.
مبيان رقم 3: نوعية الوثائق المشار فيها لإفريقيا جنوب الصحراء
تعليق على المبيان رقم3
يظهر لنا من خلال البيان أن نوعية الوثائق التي حوت إشارة لإفريقيا جنوب الصحراء، نجد المراجع (نصوص مكتوبة؛ خرائط؛ جداول…) هي المهيمنة ب 113 دعامة من أصل 175 دعامة بنسبة 65%، وتليه الوثائق والدعامات المهيأة ب 31 دعامة بنسبة 18%، والصورة ثالثا ب25 دعامة بنسبة 14%، بينما الرسم والمصدر والوثيقة الأصلية توزعت بين دعامتين لكل واحدة 1% غير أن هذا التنوع ليكون أكثر اكتمالا يجب الانفتاح على المصادر والوثائق الأصلية، وما جد من البحوث العلمية حول القارة، وهنا نستذكر المجهود الذي بذلته اليونسكو في إصدار كتاب تاريخ إفريقيا العام، وذلك بالقيام بأبحاث ميدانية وكذا قراءة وجمع المخطوطات الغير المنشورة بالعربية والعجمية (اللغات الإفريقية المكتوبة بالعربية) ، فيمكن اتخاذ هذا الإصدار كمرجع للتعرف على المصادر التاريخية للقارة، والاعتماد عليها في وضع البرامج.
النتائج وبعض المقترحات
نخلص بعد تحليلنا لمضمون الكتاب المدرسي من زاوية حضور البعد الإفريقي –جنوب الصحراء- إلى أن هذا الحضور باهت، ويقتصر على الربط بالأجنبي، حيث أن الوحدات التي تحضر فيها إفريقيا تتناول موضوعات مختلفة أوروبية، مشرقية، ومغاربية، ولم يتم ملامسة وحدات تعنى بتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء كما كان عليه في مرحلة الثمانينات، بل عرفت تراجعا حيث تحضر وحدة وحيدة في السنة أولى باكالوريا، وغياب تام في الجذع المشترك والسنة الثانية باكالوريا، مع الإشارة أن حضور إفريقيا عامة في البرنامج مقتصر على تأريخ لأحداث تاريخية أجنبية، وهذا يتوافق مع الفرضية المركزية للبحث.
وهذا ما يدعونا لإعادة النظر في منهاج مادة التاريخ بتسليط الضوء على تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء بميزاته وسلبياته، وأن لا نجعل تاريخ جنوب الصحراء مرتبط فقط بدروس الاكتشافات الجغرافية وتجارة الرقيق في العالم بل علينا أن نحاول مسايرة العصر إلى نهايته، وأن نبين كل مرحلة على حدة.
ولتجاوز هذا الضعف، ومحاولة إدماج تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء ضمن مقررات التاريخ بالمرحلة الثانوية التأهيلية، نقترح ما يلي:
- برمجة محاور ووحدات تتناول تاريخ افريقيا جنوب الصحراء، من أجل إكساب المتعلم كفاية ثقافية ومعرفية عامة وشاملة عن تاريخ العالم.
- ضرورة إيلاء الاهتمام بالتاريخ الإفريقي، واستغلاله في المقررات الدراسية.
- تجاوز الكتابات التقليدية التي تركز على الجوانب السياسية قدر الإمكان، وفسح المجال أمام جوانب متنوعة من التاريخ الإفريقي ( ثقافية- اجتماعية).
- ضرورة الاهتمام بالمستجدات التاريخية المكتوبة عن تاريخ إفريقيا، وتوظيفها في الكتب المدرسية قصد الاستفادة منها.
- الربط بين ما يتم تأليفه من كتب مدرسية خاصة بمادة التاريخ، وما يتم التوصل إليه من أبحاث جديدة وذات مصداقية علمية على مستوى الساحة العلمية، والتي تهم قضايا التاريخ الإفريقي.
- تنظيم لقاءات وملتقيات تجمع مؤلفي الكتب المدرسية بالمهتمين بتاريخ إفريقيا، وذلك للقيام بقراءات في المراجع التي تتناول تاريخ إفريقيا، وعلى رأسها “تاريخ أفريقيا العام”، للتعرف على تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء، وأهم الأحداث التاريخية التي عاشتها.
خاتمة :
من خلال معالجتنا لموضوع الدراسة الذي انطلقنا فيها من الإشكالية الآتية: كيف يحضر البعد الإفريقي في مادة التاريخ للثانوي التأهيلي؟ وبعد معالجتنا لتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في برنامج مادة التاريخ للثانوي خلال مرحلة الثمانينات والتسعينات، وعملنا على تحليل مضمون التوجيهات التربوية والكتب المدرسية “في رحاب التاريخ” و”الجديد في التاريخ” الخاصة (جذع المشترك، أولى باكالوريا، ثانية باكالوريا)، وبرجوعنا لنتائج الدراسة، نستنتج أن حضور تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء عرف تراجعا في برنامج مادة التاريخ انطلاقا من فترة الثمانينات، حيث يظهر أن في نفس المرحلة تراجع حضور وحدات تهم تاريخ إفريقيا، فبعدما كانت في السنة الخامسة الثانوية درسين، تراجعت لدرس واحد في كل من السنة السادسة والسابعة، وغياب تام لتاريخ إفريقيا جنوب الصحراء من برنامج مرحلة التسعينات، في حين أنه في البرنامج الحالي الخاص بمادة التاريخ، فحضور تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء باهت، ويتسم بربطه بالأجنبي.
وهذا ما لا يتوافق مع مضامين الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي من مبادئه جعل النظام التربوي يتوافق مع التراث الحضاري والثقافي للبلاد، بتنوع روافده الجهوية المتفاعلة والمتكاملة؛ وجعل المجتمع المغربي يتفاعل مع مقومات هويته في انسجام وتكامل[15]، وهنا نستحضر إفريقيا باعتبارها رافدا من روافد الهوية الوطنية.
هذا إضافة إلى أن المستوى الأكاديمي، يهتم بتاريخ إفريقيا، و بالعلاقات المغربية الإفريقية بعقد عدد من اللقاءات والندوات، والتي لعب فيها المعهد الإفريقي للدراسات والأبحاث دورا مهما، وبإصدار عدد من المقالات والكتابات تعنى بتاريخ إفريقيا، ومنها إصدار مجلة الأمل لسنة 2017، وتحديدا العدد 49 معنون ” من تاريخ العمق الإفريقي للمغرب”، وبتخصيص وحدات في سلك الإجازة لتدريس تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء. وبهذا نتساءل، لما تم إهمال تاريخ إفريقيا جنوب الصحراء في مقررات التاريخ؟ فالكتاب المدرسي للتاريخ ومنه الثانوي التأهيلي على وجه التحديد يفتقد في ثنايا دروسه نمطا تاريخيا مختلفا ومتميزا عن غيره من الأنماط سواء المشرقية أو الأوربية، فإدراجه في الكتب المدرسية سيكون مساعدا للتلميذ المغربي من أجل الانفتاح على قارته، والتعرف على دولها، وتجاوز فكرة ربط إفريقيا جنوب الصحراء بالاكتشافات الجغرافية والبعثات التبشيرية، والاهتمام بجوانب من تاريخ القارة ( ثقافية، اجتماعية، اقتصادية…) من أجل تكوين نظرة إيجابية وتجاوز التمثلات والمسلمات السلبية عن إفريقيا جنوب الصحراء وتاريخها.
فيمكن اتخاذ كتاب “تاريخ إفريقيا العام” الذي هو من إصدار اليونسكو، ويضم ثمانية أجزاء عبارة عن مجلدات، كمرجع أساسي لوضع وحدات، وأنشطة تتطرق لإفريقيا جنوب الصحراء، نظرا لكون المرجع تم تأليفه ليزيل الغموض عن إفريقيا جنوب الصحراء، وكما جاء في مقدمة المجلدات الثمانية، ومنها مقدمة المجلد السابع ” ستعمل اليونسكو أن ينشر هذا التاريخ العام لإفريقيا على نطاق واسع وبلغات عديدة، وعلى أن يكون أساسا لإعداد كتب الأطفال وكتب مدرسية وبرامج إذاعية أو تلفزيونية. وبذلك يمكن للنشء والتلاميذ والطلاب والكبار في إفريقيا وغيرها أن يكونوا صورة أفضل عن ماضي القارة الإفريقية وعن العوامل التي تفسر هذا الماضي، وأن يتوصلوا إلى فهم أصدق لتراثها الثقافي ولإسهامها في التقدم العام للإنسانية”[16].
قائمة المراجع :
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، تاريخ العصر الحديث، السنة الخامسة ثانوية، مكتبة المعارف، ط1، سنة1983.
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، السنة السادسة الثانوية، تاريخ العالم في القرن التاسع عشر، د. ت.
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، تاريخ العالم في القرن العشرين، د.ت.
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، التاريخ، السنة الأولى الثانوية، مكتبة المعارف- الرباط، طبعة 1999-2000.
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، التاريخ، السنة الثانية الثانوية، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، طبعة 2004-2005.
- المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، التاريخ، السنة الثالثة الثانوية، دار النشر الحديثة- الدار البيضاء، طبعة 1، سنة 1996.
- وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي- قطاع التربية الوطنية، في رحاب التاريخ، الجذع المشترك للتعليم الثانوي التأهيلي- جذع الآداب والعلوم الإنسانية، مكتبة السلام الجديدة-الدار البيضاء، طبعة 2008
- وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي- قطاع التربية الوطنية، الجديد في التاريخ، سلك التعليم الثانوي التأهيلي- الجذع المشترك للآداب والعلوم الإنسانية، دار نشر المعرفة- الرباط، طبعة 1، سنة 2005
- وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي- قطاع التربية والتكوين، في رحاب التاريخ، السنة الأولى منسلك الباكالوريا- مسلك الآداب والعلوم الإنسانية- مسلك اللغة العربية والتعليم الأصيل، مكتبة السلام الجديدة- الدار البيضاء، طبعة 2012.
- وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي- قطاع التربية الوطنية، الجديد في التاريخ، السنة الأولى من سلك الباكالوريا- مسلك الآداب والعلوم الإنسانية، مسلك اللغة العربية بالتعليم الأصيل، مطبعة المعارف الجديدة الرباط، طبعة 2011.
- وزارة التربية الوطنية وتكوينا لأطر ، في رحاب التاريخ، السنة الثانية من سلك الباكالوريا، مسالك الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الشرعية واللغة العربية بالتعليم الأصيل والعلوم الزراعية- العلوم الاقتصادية وعلوم التدبير المحاسباتي والعلوم الزراعية، مكتبة السلام الجديدة –الدار البيضاء، طبعة 2014.
- وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، الجديد في التاريخ، السنة الثانية من سلك الباكالوريا- الآداب والعلوم الإنسانية والعلوم الشرعية واللغة العربية بالتعليم الأصيل- العلوم الاقتصادية وعلوم التدبير المحاسباتي والعلوم الزراعية، ن شر المعرفة، طبعة 2011.
- التوجيهات التربوية والبرامج الخاصة بتدريس مادتي التاريخ والجغرافيا بالسلك التعليم الثانوي التأهيلي، الصادرة عن مديرية المناهج 2007.
- اليونسكو(ت.إ: أدو بواهن)، تاريخ افريقيا العام، المجلد السابع: افريقيا في ظل السيطرة الاستعمارية (1880-1935)، 1990.
- علي موريف، تدريس التاريخ وبناء الهوية الوطنية مساهمة في التحليل السوسيوتربوي للخطاب التاريخي المدرسي بالمغرب- السلك الثانوي الاعدادي نموذجا-،أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في علوم التربية، جامعة محمد الخامس، كلية علوم التربية، الرباط، 2015.
16- Mostapha Hassani Idrissi, Pour une autre réforme de l’enseignement de l’histoire au Maroc, In attadris, n°4, 2008.
[1]– ندوة منظمة من طرف الجمعية المغربية للمعرفة التاريخية، الدورة 11 من ملتقيات التاريخ، أيام 6-7-8 دجنبر 2017 تحت عنوان ” المغرب وافريقيا رؤى متقاطعة” ووزعت المحاضرات بين كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. ونوقش في مائدة مستديرة في اليوم الأول من الندوة صورة إفريقيا في الكتب المدرسية.
[2]– المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، تاريخ العصر الحديث، السنة الخامسة ثانوية، مكتبة المعارف، ط1، سنة1983.
[3]– المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر، السنة السادسة الثانوية، تاريخ العالم في القرن التاسع عشر، د. ت.
[4]– المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، تاريخ العالم في القرن العشرين، د.ت.
[5]-المملكة المغربية، وزارة ا لتربية الوطنية، التاريخ، السنة الأولى الثانوية، مكتبة المعارف- الرباط، طبعة 1999-2000.
[6]– المملكة المغربية،وزارة التربية الوطنية،التاريخ، السنة الثانية الثانوية،مطبعة المعارف الجديدة- الرباط،طبعة 2004-2005.
[7]– المملكة المغربية، وزارة التربية الوطنية، التاريخ، السنة الثالثة الثانوية، دار النشر الحديثة- الدار البيضاء، طبعة 1، سنة 1996.
[8]– التوجيهات التربوية و البرامج الخاصة بتدريس مادتي التاريخ والجغرافيا بسلك التعليم الثانوي التأهيلي، الصادرة عن مديرية المناهج 2007.
[9]– التوجيهات التربوية، مرجع سابق، ص3.
[10] – التوجيهات التربوية، مرجع سابق، جدول رقم 4 ص 10.
[11] – نفسه، ص22.
[12]– علي موريف، تدريس التاريخ وبناء الهوية الوطنية مساهمة في التحليل السوسيوتربوي للخطاب التاريخي المدرسي بالمغرب– السلك الثانوي الاعدادي نموذجا–،أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه في علوم التربية، جامعة محمد الخامس، كلية علوم التربية، الرباط، 2015، ص، ص334.
[13]– Mostapha hassani idrissi, Pour une autre réforme de l’enseignement de l’histoir au maroc, Inattadris, n°4, 2008, p. 80.
[14]– Ibid. p. 80.
* هذه الكتب المدرسية، هي الموظفة حاليا في المغرب، وقد ارتكز تحليلنا على الكتب المعتمدة في مسلك الآداب والعلوم الانسانية، وسأشير في لائحة المراجع اليها .
[15]– الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرجع سابق، ص 7.
[16]– أحمد مخنارأمبو، تمهيد، تحت إشراف (ادو بواهن)، اليونسكو(ت.إ: أدو بواهن)، تاريخ افريقيا العام، المجلد السابع: افريقيا في ظل السيطرة الاستعمارية (1880-1935)، 1990. ،ص 15.