تقنيات صياغة اشكالية البحث
Techniques of formulating problematic research
د. الداودي نورالدين، جامعة عبد المالك السعدي (المغرب)
Dr. Daoudi Noureddine, Abdelmalek Saadi University (Morocco)
ورقة منشورة كتاب أعمال مؤتمر تمتين أدبيات البحث العلمي ديسمبر 2020 في الصفحة 123.
Summary:
The process of carrying out a scientific research, similar to the process of construction, needs a clear perception, raw materials (references), technical tools (scientific methodology) and an artistic vision (the personality of the researcher).
Research is a complex, interconnected and sequential construction whose components affect each other bouth positively and negatively. And good research is the one that starts well from the beginning by choosing the best topic and the most appropriate title, and finally reaches a good end that answers the real problems of the topic, and between this and that, good scientific research is the one that raises the good problem.
From here, the problem derives its importance in the research structure, as it is the only way to express the thread connecting the research issues and its results on the one hand and the title of the research and its basic assumptions on the other hand. That is why I tried through this paper to present a research point of view on the issue of formulating the research problem.
Key words: The problematic research, the research questions, the research methodology, the formulation of the problematic
الملخص:
ان عملية انجاز بحث علمي تشبه عملية البناء تحتاج الى تصور واضح و الى مواد أولية (مراجع) و الى أدوات تقنية (منهجية علمية) و رؤية فنية (شخصية الباحث).
فالبحث هو بناء مركب مترابط و متسلسل تؤثر مكوناته ايجابا و سلبا بعضها في بعض. و البحث الجيد هو الذي ينطلق منذ البداية بشكل جيد باختيار الموضوع الأفضل و العنوان الأنسب، و يصل في الأخير إلى نهاية جيدة تجيب على الاشكالات الحقيقية للموضوع، و بين هذا و ذاك فالبحث العلمي الجيد هو الذي يطرح الاشكالية الجيدة.
و من هنا تستمد الاشكالية أهميتها في البناء البحثي، فهي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخيط الرابط بين مسائل البحث و نتائجه من جهة و عنوان البحث و فرضياته الأساسية من جهة ثانية. و لهذا حاولت من خلال هذه الورقة تقديم و جهة نظر بحثية في مسألة صياغة اشكالية البحث.
كلمات مفتاحية: إشكالية البحث، أسئلة بحثية، منهجية البحث، صياغة اشكالية.
.
مقدمة
البحث في العلوم الاجتماعية و الانسانية عبارة عن تقرير مفصل يقوم شكلا على تبويب و مضمونا على تنظيم للمعلومات، بغاية الوصول الى نتائج معززة بالحجج، لتقدم الحلول الصحيحة للإشكالية التي يتم البحث فيها. و على عكس العلوم الحقة التي تقوم على منطق التجريب و الملاحظة و الاستنتاج، فإن العلوم الاجتماعية و الانسانية تؤسس على قواعد مركبة تسمى بمنهجية البحث.
ومنهجية البحث في مستوياتها المركبة تقوم على عمليتين مترابطتين و متلازمتين هما عملية التأسيس ويؤثر فيها عامل الزمن و عملية التركيب و تتأثر بامتلاك التقنية، وهذا يعني أن كل بحث له حيز زمني محدد وأدوات تقنية لإنجازه[1]، و لذلك فإن الباحث منذ البداية إلى النهاية يكون أمام اكراهين الاكراه الأول ذو طبيعة زمنية، و الاكراه الثاني ذو طبيعة تقنية.
و لتجاوز الاكراه الزمني يستدعي تدبير الوقت الذي يستغرقه اعداد البحث و ذلك في حالة وجود آجال معينة لإنجازه كما هو الحال في بحوث الاجازة و الماجستير و الدكتوراه…أما الاكراه التقني فيستوجب من الباحث الالتزام بقواعد المنهجية و توفير شروط تأسيس البحث و إنجازه بصورة سليمة، و الإخفاق في تجاوز الاكراه التقني يؤدي بالباحث إلى القصور المنهجي، و هو قصور قد يكون ناتجا عن عدم المام الباحث بقواعد المنهجية و ضوابطها، لذلك فإن الباحث لا يمكن أن يكون منهجيا إذا ما لم يكن غير ملم بالخطوات التأسيسية في البحث.
و من المعلوم أن أهداف البحوث الاجتماعية و الانسانية هو ايجاد حلول للمشاكل المطروحة لذلك يعتبر تحديد الاشكالية من بين أهم الخطوات التأسيسية في البحث، فبدون تحديد دقيق لإشكالية البحث لا يمكن الوصول الى نتائج حقيقية، شأن ذلك شأن الطبيب الذي لم يتمكن من معرفة مشكل الداء فيستعصى عليه أن يقدم الدواء.
ويرتكب مجموعة من الباحثين العديد من الأخطاء الشائعة أثناء صياغة الاشكالية إما عن جهل بالمقومات المنهجية لصياغتها، فيقتصرون على اختزالها في طرح أسئلة عادية لا ترقى الى مستوى طرح مشاكل حقيقية للبحث، أو نتيجة ارتكاب أخطاء على مستوى اختيار العنوان (العناوين: المركبة ، الاستفهامية، الاستنتاجية) فينعكس ذلك على صياغة الاشكالية، فيصبح الاشكال مركب من اشكاليتين أو أكثر في البحوث ذات العناوين المركبة من فكرتين أو أكثر ، أو يصبح البحث مزدوج الاشكالية في البحوث ذات العناوين الاستفهامية الأولى أثناء وضع العنوان الاستفهامي و الثانية أثناء وضع الاشكالية، أو تصبح الاشكالية لا قيمة لها في البحوث ذات العناوين الاستنتاجية لكون البحث قدم النتائج في عنوان البحث قبل أن يحدد الاشكالية. كل ذلك يبين أهمية ضبط الاشكالية في مسار البحث لما لها من آثار بليغة على مستوى محتوى البحث و على مستوى تقديم نتائج البحث .
و المشاكل الشائعة في صياغة الاشكالية تدفعنا الى ابداء وجهة نظرنا و الموجهة للباحثين المبتدئين في كيف تصاغ اشكالية البحث؟ الخوض في الاجابة على هذا السؤال المركزي تقتضي بسطه في سؤالين فرعيين أولها كيف تكون للباحث إشكالية محددة لكي يقوم بالبحث عن حل لها ؟ و ثانيها كيف للباحث أن يطرح الاسئلة الجيدة؟
كل هذه التساؤلات تعني طرح فرضية أن الاشكالية عبارة عن صياغة الأسئلة الجيدة لإِشكالية محددة، و لمعالجة و تمحيص هذه الفرضية تستدعي اعتماد مستويين من التحليل، المستوى الأول من خلال توضيح طريقة تحديد إشكالية البحث، بينما المستوى الثاني فسيشمل طريقة طرح سؤال الاشكالية. و على هذا الأساس سيتم مقاربة هذا الموضوع اعتمادا على المنهج الاستنباطي و وفق التقسيم التالي:
أولا: تحديد إشكالية البحث من خلال القراءة الاولية للمراجع.
ثانيا: طرح الاسئلة الجيدة.
أولا: تحديد إشكالية البحث من خلال القراءة الاولية للمراجع
تدخل مرحلة تحديد إِشكالية البحث في المراحل الأولى في ميدان البحث و بالضبط في مرحلة التأسيس، و ليس كما يعتقد العديد من الباحثين أن أمر تحديد إِشكالية البحث بسيط كما يبدو للوهلة الأولى، و أن الأمر لا يعدوا أن يكون مجرد طرح سؤال في موضوع البحث. فبعض الباحثين بسبب عدم تحديدهم للإِشكالية التي يطلب منهم البحث فيها أو الجواب عنها، يجعلون من بحوثهم وعاء لتجميع كمية كبيرة من المعلومات، و تصبح ضعيفة الصلة بموضوع البحث، فعدم تحديد الإِشكالية يجعل الباحث معرضا للخروج عن الموضوع و الخوض في إشكالات لم يطلب منه البحث فيها.
إن الوعي بعملية تحديد الاشكالية مما لاشك فيه أنه يجنب الباحث الكثير من الجهد و الوقت، فيجنبه منزلق الهدر الزمني المخصص للبحث كأن يكون الباحث تقدم في تحليل الموضوع ثم يكتشف أنه قد ابتعد عن الإحاطة بعناصر الاجابة المتعلقة بإشكالية البحث مما يضطر معه الى اعادة النظر ومراجعته[2] و ما يتبع ذلك من كلفة زمنية. من جهة أخرى الوعي بعملية تحديد الإشكالية تبعد الباحث من الخروج عن الموضوع بالخوض في إشكالات غير مطالب بالبحث فيها. و عن طريق هذا التحديد تصبح أهداف الباحث واضحة[3]، فيتم وضع حدود للإشكالية بحذف جميع الجوانب و المعلومات التي لا صلة لها بمحور الدراسة أو البحث.
و تعتبر مرحلة تحديد الإشكالية من بين أهم مراحل البحث، بعد مرحلة اختيار الموضوع و صياغة العنوان، و لكون عملية تحديد الاشكال هي عملية دهنية تقوم على أساس اعمال الفكر بالاستقراء والاستنباط، فإن هذه المرحلة تقتضي التخطيط الجيد للقراءة الأولية.
إن أول ما يواجهه الباحث عند عزمه لإخراج دراسة أو بحث هي مسألة اختيار الموضوع، و مسألة اختيار الموضوع الجيد رهينة بمدى قدرة الباحث على الاطلاع الشامل بمجال البحث، وهذا ما يثير التساؤل حول المراجع الأولى بالاطلاع و الأفيد في القراءة، لأن القراءة الأولية على درجة كبيرة من الأهمية من حيث تحديد مسار البحث ككل، و من حيث تحديد عدد و نوع الأسئلة المكونة للإشكالية. و على ذلك فمن الناحية التقنية فمن الأفضل عند القراءة الأولية البدء بالمراجع العامة، و التركيز من ناحية ثانية على المراجع الأكثر حداثة.
- البدء بالمراجع العامة
ان أول ما يواجهه الباحث عند مرحلة البحث عن المراجع هو مسألة تصنيفها من حيث القراءة الأولية، و يطرح الأمر بشدة في حالة وفرتها و تنوعها، فيقع الباحث في حيرة تصنيف الاولويات أي المراجع أولى بالقراءة، لهذا يتعين على الباحث أن يبدأ بالمراجع العامة عند البحث في أي موضوع. فبالنسبة لموضوعات العلاقات الدولية مثلا، فالمراجع العامة في هذا التخصص هي التي تتناول هذه الموضوعات، بصورة عامة دون تخصيص، و هي تحمل عادة عناوين العلاقات الدولية، و ليس معنى ذلك أن المراجع التي تحمل اسم العلاقات الدولية هي وحدها التي يمكن اعتبارها من قبيل المراجع العامة، فهناك أيضا المراجع العامة الأخرى التي تحمل اسم: السياسة الدولية، المنظمات الدولية، القانون الدولي [4].
فهذه المراجع العامة ميزتها أنها تحتوي في العادة على ملخصات مركزة لأهم الموضوعات في العلاقات الدولية: تاريخ العلاقات الدولية، المدارس السياسية الدولية، أطراف التفاعل في العلاقات الدولية من دول و منظمات دولية وقوى عبر وطنية و رأي عام دولي، بالإضافة الى أوجه التفاعل السياسي و القانوني في العلاقات الدولية . و هذا يعني أن فائدة الاطلاع على المراجع العامة تتيح للباحث تكوين رؤية شمولية حول الموضوع بما يسمح له بتحديد إِشكالية البحث بشكل جيد[5]. فمثلا لا يمكن فهم العلاقات التركية الافريقية، بمعزل عن فهم نظرية صراع الحضارات، و بمعزل عن فهم السياسة الخارجية التركية، و العلاقات التركية الأوربية، و تاريخ العلاقات الدولة العثمانية مع شمال افريقيا[6] ، فالباحث في هذا الموضوع عند صياغته للإشكالية يجب أن يضعها على ضوء هذه المحددات.
بعد الاطلاع على المراجع العامة و الاستفادة منها في تحديد الإِشكالية الأساسية في البحث من جهة، و من جهة ثانية تكوين نظرة عامة حول تحديد خارطة طريق البحث من فرضيات و تقسيم و المنهج التحليلي المستعمل، عندئذ يمكن للباحث أن يلجأ للمراجع المتخصصة في الموضوع كالمقالات العلمية و الرسائل و الأطروحات الجامعية… فهذه المراجع المتخصصة تتضمن عادة معلومات دقيقة و جزئية، و تفريعات قد يتيه معها الباحث لهذا ينصح بقراءتها بعد المراجع العامة، لأنها تتعلق بموضوع متخصص و دقيق بذاته مثل: أثر استخدام المساعدات التركية في علاقتها بإفريقيا…
بهذا الترتيب لأولويات القراءة في المرحلة الأولية للبحث، يضمن الباحث استخلاص العناصر الأساسية في تحديد الاشكال المركزي لبحثه من المراجع العامة، و إثرائه في الأسئلة الفرعية بالمعلومات و الأفكار التي لها علاقة بموضوع البحث من المراجع المتخصصة. لكن المراجع المعتمدة في القراءة الأولية ثم في القراءة التفصيلية يشترط فيها أن تكون من المراجع الأكثر حداثة.
- 2. استعمال المراجع الأكثر حداثة
الاطلاع الأولي على مراجع البحث لا يقف فحسب عند مسألة تصنيفها من حيث القراءة الأولية بل يقتضي أيضا شرطا أخر لا يقل أهمية، و هو أن تكون هذه المراجع أكثر حداثة، لما توفره من معلومات جديدة و الأكثر اكتمالا مما يضمن للباحث مواكبة زمن موضوع البحث، و هذه الملاحظة أساسية بالنسبة لتحديد إِشكالية البحث. فالاعتماد على مراجع قديمة قد يوقع الباحث في منزلق صياغة اشكال متهالك و لربما قد تكون ابحاث أخرى قد سبقته أو تناولت نفس الاشكال.
فالمراجع الأكثر حداثة[7]هي على درجة كبيرة من الأهمية على صعيد تحديد إِشكالية البحث. فالمسائل النوعية التي يثيرها أي موضوع تختلف بحسب اختلاف وقت و زمن حدوثها. فالمسائل التي كانت مطروحة في الأوضاع السياسية بتونس قبل الثورة التونسية ليس هي نفسها بعد الثورة، و هذا يعني أن المراجع الأكثر حداثة بالنسبة لموضوع التجربة السياسية بتونس هي المراجع القريبة من حيث الإصدار من سنة 2011 الى السنة الحالية.
ثانيا: طرح الاسئلة الجيدة
إن من الأخطاء الشائعة عند الباحثين خاصة الجدد منهم أنهم يختزلون مسألة طرح الاشكالية في سؤال بسيط و يقتصرون على ربطه بالموضوع، مما يجعله اشكال سطحي لا يرقى الى مستوى طرح الإشكالات العميقة لموضوع البحث.
إن مسألة صياغة الاشكالية ليست بالأمر الهين، بل هي عملية دهنية تحاكي القدرات الابداعية للباحث في استنباط الأفكار و تكوين تصور أثناء فترة القراءة الأولية للمراجع بما يسمح له بصياغة مجموعة من الأسئلة المتعلقة بموضوع البحث و ذلك بناء عل بحث أولي استكشافي من خلال المراجع العامة، أو بالاعتماد على ما حصل عليه من مراجع و وثائق خاصة مثل القرارات، التوصيات، البيانات، محاضر، تقارير …
إذن صياغة الاشكالية هي عملية فكرية قوامها استنباط مجموعة من الأسئلة الجوهرية التي تتعلق بموضوع البحث، و ترتيبها ضمن سؤال مركزي واحد، و الى عدة أسئلة فرعية وهو ما يقتضي التمييز بين هذين النوعين من الأسئلة.
- السؤال المركزي
أفضل الطرق لتحديد إشكالية البحث هي صياغتها في سؤال مركزي، لكن هناك بعض البحوث من خرجت عن هذه الطريقة بصياغة إشكالية في سؤالين مركزيين أو أكثر. إما عن جهل بقواعد وضع الاشكالية أو نتيجة لاختيار الباحثين لبعض المواضيع التي يصعب معها حصر الاشكالية في سؤال مركزي واحد. و هذا ما يسير عكس ما يدعوا اليه معظم المتخصصين بخصوص احترام وحدة الاشكالية و بصياغتها في سؤال مركزي واحد، انسجاما مع دورها الوظيفي، فالإشكالية هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخيط الرابط بين مسائل البحث و فرضياته الأساسية.
إن تعدد الاسئلة في صياغة الإشكالية قد يفرغها من محتواها ويجعلها سطحية عاجزة عن التعمق في ملامسة الإشكالات الحقيقية لموضوع البحث، و بالتالي يصبح القارئ ازاء هذا النوع من الاشكاليات تائها في تحديد الإِشكالية الاساسية التي يعالجها البحث.
اذن فصياغة الاشكالية هي مسألة نوعية و ليست كمية، وهي بهذا المعنى فن طرح الأسئلة الجيدة المتعلقة بموضوع البحث بصرف النظر عن عدد الأسئلة التي تصاغ بها. فالإشكالية الجيدة هي التي يتحقق فيها شرطان أولهما أن تكون مرتبطة من حيث مصطلحات الكلمات المكونة لها بموضوع البحث انطلاقا من العنوان، و ثانهما طرح السؤال الذي من شأنه أن يعمق البحث و يتيح امكانية التحليل بغاية الحصول على نتائج واضحة.
و جدير بالذكر أنه من الناحية التقنية أن طرح الإشكالية له علاقة وطيدة بعنوان البحث، فالعنوان المحدد المعالم[8] و الذي لا يثير أي لبس يساعد الباحث على صياغة إشكالية واضحة، و العناوين التي تكون مركبة تطرح مشكل عند صياغة الإشكالية كمشكل تجزئة الأسئلة أو مشكل عدم وحدتها فنصبح أمام بحث متعدد الإشكاليات.
فإذا كان عنوان البحث جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة فإنه من السهل استنباط و وضع مجموعة من الأسئلة المركزية قد تليق إحداها لتحدد إشكالية البحث مثل:
ما هو دور جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة ؟
هل استطاع جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة أن يُرسي قواعد لفض المنازعات بالنظام التجاري العالمي[9] ؟
ما هي انعكاسات قرارات جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة ؟
هذا المثال يوضح لنا كيف أن للعنوان تأثير بالغ على صياغة الاشكالية، فاختيار العنوان الجيد يتيح تحديد إشكالية البحث بشكل واضح.
- 2. الأسئلة الفرعية
كما سبق الاشارة أن مسألة صياغة الاشكالية مرتبطة بقدرات الباحث الفكرية [10] على استنباط الإشكالات الحقيقية لموضوع البحث و المفاضلة بينها و مهارته في طرح الأسئلة الجيدة. فصياغة الاشكالية عملية فكرية تسير في اتجاهين الاتجاه الأول هو تجميع الأسئلة الجوهرية و تركيزها في سؤال مركزي (لأن هذا السؤال هو الذي سيجيب عنه البحث من خلال النتائج المتوصل اليها)، و الاتجاه الثاني هو تفكيك السؤال المركزي الى أسئلة فرعية (هذه الاسئلة هي التي سوف يتم الاجابة عنها من خلال مباحث و مطالب البحث) [11].
و لهذا وجب التمييز في هذا الخصوص بين نوعين من الأسئلة الفرعية، الأسئلة الفرعية الأساسية والأسئلة الفرعية الجزئية، فالأسئلة الفرعية الأساسية هي التي تنبثق من السؤال المركزي و تعكس المسائل الأساسية للبحث، و الأسئلة الفرعية الجزئية هي التي تستمد من الأسئلة الفرعية الأساسية و تنطوي على المسائل الجزئية.
فموضع آثار تحرير التجارة الخارجية المغربية يتيح طرح أسئلة مركزية و أسئلة فرعية.
فالأسئلة المركزية (سؤال الاشكالية) مثل: ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية المغربية؟ أو ما هي انعكاسات تحرير التجارة الخارجية المغربية؟
أما الأسئلة الفرعية (الأسئلة البحثية) فهذا الموضوع يثير أسئلة فرعية أساسية و أسئلة فرعية جزئية. كمثال الأسئلة الفرعية الأساسية: ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية المغربية؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على الاقتصاد المغربي؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على النسيج الاجتماعي المغربي؟.
مثال الأسئلة الفرعية الجزئية: ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية المغربية مع الاتحاد الأوروبي؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية المغربية مع تركيا؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية المغربية مع الولايات المتحدة الأمريكية؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية المغربية مع بلدان اعلان أكادير؟[12] ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على النسيج الصناعي المغربي؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على الحركة التجارية الداخلية للمغرب؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على تنافسية المقاولة المغربية؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على ضمان فرص الشغل بالمغرب؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على القطاعات الاجتماعية بالمغرب؟
الإجابة عن هذه الأسئلة الفرعية بشقيها الأساسية و الجزئية من خلال مباحث و مطالب و فروع البحث يضمن للباحث الوصول الى نتائج تجيب عن الاشكال المركزي.
الخاتمة
حاولنا من خلال هذه الورقة أن نقدم وجهة نظر حول مسألة صياغة الاشكالية على اعتبار أن هذه المسألة تعتبر من المحددات الأساسية، خاصة في المرحلة التأسيس للبحث، و التي اذا ما لم يتم احكام القواعد و التقنيات المنهجية لصياغتها، ستكون العواقب وخيمة على المرحلة التركيبية للبحث و كذا على نتائج البحث. و عموما ما يمكن أن نخلص اليه من نتائج في هذا الموضوع نشملها في النقط التالية:
- إن مسألة تحديد الاشكالية تكون في المرحلة التأسيسية للبحث و أثناء القراءة الأولية لمراجع البحث و بعد تحديد موضوع البحث،
- صياغة الاشكالية لها ارتباط وثيق بصياغة العنوان، فكلما كان العنوان واضح كلما كانت الاشكالية واضحة،
- صياغة الاشكالية هي عملية فكرية مرتبطة بقدرة الباحث على طرح الأسئلة الجيدة من جهة، و مدى مهارته في تركيز و تفكيك الأسئلة من جهة ثانية،
- صياغة الاشكالية هي عملية مركبة تنطوي على سؤال مركزي و أسئلة أخرى فرعية،
- وظيفة الاشكالية هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخيط الرابط بين مسائل البحث و فرضياته الأساسية.
و ما يمكن أن نوصي به في هذا المجال:
- إيلاء عناية خاصة بمنهجية البحث العلمي على مستوى التدريس بإدراج مواد تدريس علوم المنهجية في البنية البيداغوجية لكافة العلوم التي تنبثق من التخصصات الأدبية ( العلوم الاجتماعية و الانسانية و الأدبية…)
- شد انتباه الباحثين الى البحث في مجال علوم المنهجية و مقاربة موضوعاته بمقاربات حديثة تتجاوز المنظور النظري و المنظور النقدي الى مقاربة تعتمد على المنظور التطبيقي تظهر الجانب الوظيفي لمنهجية البحث في الرقي بالأبحاث العلمية.
- القيام بدورات تكوينية للمقبلين على انجاز بحوث علمية.
- التركيز على البعد النوعي في اعداد البحوث الجامعية عوض التركيز على البعد الزمني.
- الزام الطلبة الباحثين بالحضور الى جلسات مناقشة الرسائل و الاطروحات الجامعية، في اطار الدروس التوجيهية.
لائحة المراجع
المؤلفات:
- أحمد داوود أغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا و دورها في الساحة الدولية، ترجمة محمد جابر ثلجي وطارق الجليل، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الثانية، 2011.
- بوحوش عمار، عباش عائشة، رانجة زكية، ليندا لطاد، و أخرون، منهجية البحث العلمي و تقنياته في العلوم الاجتماعية، مؤلف جماعي، صادر عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية و الاقتصادية، برلين ألمانيا، 2019.
- حسن الجيلاني، بلقاسم سلاطنية، أسس المناهج الاجتماعية ،دار الفجر للنشر و التوزيع بالقاهرة، مصر ، الطبعة الأولى 2012.
- عامر ابراهيم قندليجي، منهجية البحث العلمي ،دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع، الأردن، 2019.
- عبد العزيز بن عبد الرحمان علي الربيعي، البحث العلمي، حقيقته، و مصادره، و مادته، و مناهجه، وكتابته، وطباعته، ومناقشته، الجزء الثاني، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة السادسة، 2012.
- مركز البيان للدراسات و التخطيط، خطوات كتابة البحث العلمي في الدراسات الانسانية ،سلسلة اصدارات مركز البيان للدراسات و التخطيط، دار الكتب و الوثائق العراقية، العراق ، فبراير 2017.
المقالات
- أمل بن بريح، الأخطاء الشائعة في إعداد الأبحاث العلمية و طرق مكافحتها، كتاب أعمال الملتقى المشترك: الأمانة العامة، مركز جيل البحث العلمي سلسلة كتاب أعمال المؤتمر، الجزائر العاصمة 11/07/2017
الأطروحات
- نورالدين الداودي، جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة، أطروحة دكتوراه، جامعة محمد الخامس،2014 (غير منشورة).
[1] – أمل بن بريح، الأخطاء الشائعة في إعداد الأبحاث العلمية و طرق مكافحتها، كتاب أعمال الملتقى المشترك: الأمانة العامة، مركز جيل البحث العلمي سلسلة كتاب أعمال المؤتمر، الجزائر العاصمة 11/07/2017 ص 47.
[2] – عبد العزيز بن عبد الرحمان علي الربيعي، البحث العلمي، حقيقته، و مصادره، و مادته، و مناهجه، و كتابته، و طباعته، و مناقشته، الجزء الثاني، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض المملكة العربية السعودية، الطبعة السادسة، 2012، ص 37.
[3] – حسن الجيلاني، بلقاسم سلاطنية، أسس المناهج الاجتماعية ،دار الفجر للنشر و التوزيع بالقاهرة، مصر ، الطبعة الأولى 2012، ص 152.
[4] – يمكن حصر موضوعات علم العلاقات الدوليـة كما قررتهـا اليونسكو ”منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة ” عام 1948 في ثلاثة مجالات: السياسة الدولية، المنظمات الدولية، القانون الدولي.
[5] – مركز البيان للدراسات و التخطيط، خطوات كتابة البحث العلمي في الدراسات الانسانية ،سلسلة اصدارات مركز البيان للدراسات والتخطيط، دار الكتب و الوثائق العراقية، العراق ، فبراير 2017، ص 12.
[6] – أحمد داوود أغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا و دورها في الساحة الدولية، ترجمة محمد جابر ثلجي و طارق الجليل، مركز الجزيرة للدراسات، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبعة الثانية، 2011، ص 232.
[7] – مركز البيان للدراسات و التخطيط، خطوات كتابة البحث العلمي في الدراسات الانسانية ،سلسلة اصدارات مركز البيان للدراسات و التخطيط، دار الكتب و الوثائق العراقية، العراق ، فبراير 2017، ص 13.
[8] – عامر ابراهيم قندليجي، منهجية البحث العلمي ،دار اليازوري العلمية للنشر و التوزيع، الأردن، 2019،ص18
[9] – نورالدين الداودي، جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة، أطروحة دكتوراه، جامعة محمد الخامس.2014 ص 12. (غير منشورة).
[10] – بوحوش عمار، عباش عائشة، رانجة زكية، ليندا لطاد، و أخرون، منهجية البحث العلمي و تقنياته في العلوم الاجتماعية، مؤلف جماعي، صادر عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية و السياسية و الاقتصادية، برلين ألمانيا، 2019 ص 50.
[11] – بوحوش عمار، عباش عائشة، رانجة زكية، ليندا لطاد، و أخرون، منهجية البحث العلمي و تقنياته في العلوم الاجتماعية، مؤلف جماعي، صادر عن المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية و السياسية و الاقتصادية، برلين ألمانيا، 2019 ص 50.
[12] – الدول التي وقع معها المغرب اتفاقيات التبادل الحر: الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة الأمريكية، تركيا، بلدان اعلان أكادير .