قام مركز جيل البحث العلمي بإشراف رئيسته الأستاذة الدكتورة سرور طالبي ندوة علمية افتراضية أمسية يوم الخميس 4 فبراير 2021 على الساعة السادسة بتوقيت الجزائر، احتفاءً بكتاب عضو اللجنة العلمية بمجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الأستاذ الدكتور طارق ثابت الموسوم بـ ” النسق الشعري وبنياته :منطلقات التأسيس المعرفي والتوظيف المنهجي”، وذلك بمشاركة أسماء نقدية جزائرية وعراقية وهم: أ.د. محمد جواد حبيب البدراني من جامعة البصرة، أ.د. فيصل حصيد من جامعة باتنة، د. محمود خليف الحياني من جامعة التقنية الشمالية في العراق ود. حميد قبايلي من جامعة أم البواقي، بإدارة رئيسة تحريرها الدكتورة غزلان هاشمي، وبمساعدة تنظيمية من الباحث القاص عدنان لكناوي.
حيث افتُتحت الندوة بكلمة ترحيبية من الأستاذة سرور، التي أشادت فيها وأثنت على جهود الأستاذ طارق وكل أعضاء اللجنة العلمية التحكيمية لمجلة المركز الأدبية، معتبرة هذه الندوات التكريمية كعربون شكر وامتنان لهم لما قدموه من وقت وعلم للارتقاء بمستوى هذه المجلة ورفع من تصنيفها.
بدورها رحبت الدكتورة غزلان بالحضور ثم قدمت المحتفى به بقولها: ” النص الأدبي المعاصر احتراق وانفلات، وتسيج بالغموض والمخاتلة والاختراق، لذلك يحتاج إلى متلق نوعي يحاور مراوغاته اللغوية ويرمم اختلالاته ويفكك اعتلالاته ومضمراته، و الأستاذ الدكتور طارق ثابت مثل ذلك المتلقي المسكون بقلق السؤال ودهشة اللقاء وراهن الاختلاف وتمظهرات التعدد، ولأنه شاعر يحمل هموم الكلمة وتوالدات المعنى وانبثاقاته ولأنه ذلك المثقف المتميز الذي لا يقف على أرضية اليقين، فقد ارتأينا تقديم هذه الندوة من أجل مناقشة كتابه النسق الشعري وبنياته : منطلقات التأسيس المعرفي والتوظيف المنهجي والذي حاور فيه مدونة الشاعر الجزائري أحمد الطيب معاش “.
بعدها أحالت الدكتورة غزلان الكلمة مباشرة للدكتور طارق ثابت ليقدم ملخصا متضمنا محتويات كتابه، إذ بين أن كتابه حاول تجاوز ما هو سائد ومألوف، وكذا الكشف عن الدلالات المضمرة، مرتكزا على إشكال أساسي تمثل في التساؤل عن مفهوم النسق وتمظهراته، وهل يمكن استعارته من علم الاجتماع وعلم النفس وتطبيقه على النص الشعري؟ وماهي الآليات والإجراءات التي تمكن من ذلك بعيدا عن الدراسات الثقافية ؟
ثم قدم الأستاذ الدكتور البدراني مداخلة موسومة بـ”فاعلية الإيقاع بين نمطية النسق المهيمن وروح التجديد قراءة في كتاب النسق الشعري وبنياته”، والذي بين فيها أن النسق على الرغم من أنه أضحى من المفهومات السائدة في الدراسات الثقافية، إلا أن الدكتور طارق سعى إلى تطبيقه على النص الشعري من خلال آليات وعدة إجرائية مغايرة، وقد ثمن الدكتور بدراني ما ورد في الكتاب في دراسته للأنساق بطريقة تشد انتباه القارئ، ليطرح تساؤلاته حول بعض الإشكاليات المتعلقة بالتيمات الجزئية الواردة فيه، كالبحور والايقاع والصورة …، حيث عارض فيه الباحث في انتماء نصوص الشاعر إلى قصيدة النثر التي ترتكز أساسا على التكثيف والمفاجأة والدهشة والاختزال، ولم يجد في شعره تجديدا كما بين ذلك الدكتور طارق .
أما الدكتور حميد قبايلي فقد قدم مداخلة موسومة بـ” التأسيس لمقاربات جديدة في دراسة الشعر من خلال كتاب الناقد طارق ثابت النسق الشعري وبنياته” لخص فيها محتوى الكتاب، وبين أنه اهتم بمفاهيم النسق بدءا من المفاهيم اللغوية والاصطلاحية، وإن كان ذهب حسب قوله بعيدا ولم يخلص إلى مفهوم النسق، هذا وبين أن الدكتور طارق ذهب إلى أنه من الصعب تحديده رابطا إياه بالبنية والذي توجه في عنوانه، وقد استطاع أن يجد مختلف العلائق بين النسق والبنية …، كما بين الدكتور حميد أن الدراسة قيمة شملت الكثير من القضايا النقدية المعاصرة، وثمن اهتمامه بالنتاج المحلي، من خلال الاهتمام بمدونة جزائرية.
هذا وقدم الدكتور محمود خليف الحياني مداخلة تحت عنوان “النسق بوصفه منظورا نقديا في كتاب النسق الشعري وبنياته للدكتور طارق ثابت” بين في مدخلها النظري أن البنيوية حينما أسسها دي سيسور لم يكن يقصد إدخالها في الأدب والخطاب الشعري، هذا ووضح أن الكتاب جرئ في الطرح من خلال تحويله النسق للشعر ،فحسب قوله يحاول الناقد أن يعطينا مفهوما شاملا للنسق ،لكنه وقع في الثنائيات رغم أن الأنساق رؤية متكاملة ولا تؤمن بالثنائيات المتضادة ،وقد طرح جملة تساؤلات حول ما ورد فيه ..،هذا ووجد أن من الإيجابيات الواردة هو الجمع بين المتناقضات وهذا ديدن الفلاسفة وقد نجح الناقد في ذلك.
قدم بعدها الأستاذ الدكتور فيصل حصيد مداخلة موسومة بـ “قراءة النسق الشعري من خلال كتاب النسق الشعري وبنياته للناقد طارق ثابت”، بحيث وضح في معرض حديثه أن ما يميز هذه المدونة أنها تشكل مع مجموعة من الدواوين نسقا شعريا متميزا في مقاربتها للسلطة والمجتمع والفن ، ومقولة النسق مقولة فلسفية حينما نجرها إلى مجال النقد الأدبي لا يمكن أن تتخلى عن حمولاتها ،إذ لم يوافق د الحياني حول اعتراضه على الثنائيات .
هذا ووجد الدكتور فيصل أن الدكتور طارق قد تعامل مع المبدع بوصفه وحدة فنية داخل النص بغض النظر عن مرجعياته وخلفياته، وقد ثمن حسه التأويلي، وكذا اهتمامه بالنسق الصوتي الذي يخلق فرادة لهذه الدراسة ليس بمعناها الايقاعي والعروضي وانما بمعناها النغمي الذي يخلق النسق التصوري والصوري …، هذا ولم يتفق مع اللانسقية كما أوردها الدكتور الحياني لأنها في حد ذاتها نسق جديد كما لم يتفق مع أحادية النسق .
تدخل الحاضرون باستفساراتهم وتعقيباتهم منهم عميد كلية الآداب بجامعة أم البواقي الدكتور شاكر لقمان والأستاذة فوغالي حنان والأستاذ رضوان شيخي والأستاذ الطيب بن شيخة والدكتور لكحل لعجال من جامعة باتنة و الدكتور عبد الرؤوف رواف من المغرب.
ثم رد الدكتور طارق على استفسارات المحاضرين وملاحظاتهم، وكذا على تساؤلات الحاضرين، إذ ردا على الدكتور الحياني بين أنه لا يتكلم عن النسق عند البنيوية، وإنما عن فكرة جديدة وهي النسق الشعري من خلال اللغة والإيقاع والصورة والتي تشكل النص الشعري، النص الأدبي بصفة عامة نسق عام يتولد عنه نسق شعري ونسق نثري ويتكون من أنساق فرعية التي تتفاعل .
كما تدخل الأستاذ الدكتور اليامين بن تومي الذي عد الدكتور طارق ثابت صرحا من الصروح النقدية في الجزائر، إذ يريد أن يؤسس لمداخل جديدة في استنطاق الشعر من خلال هذا الكتاب، إذ فهم أنه ميز بين شكلين من المقاربة بين المقاربة بالأنساق والمقاربة النسقية، هذا ووجد أن هناك معضلة منهجية عند كثير من المتحدثين في مفهوم النسق، أوقعنا فيها الغذامي حسب رأيه حينما أبدل مفهوم المهيمنة الأدبية بمصطلح النسق الثقافي، إذ وقع الغذامي في ورطة منهجية شديدة الحساسية، حيث موضع مقولات النقد الثقافي داخل البنيوية …،كما وجد أن ما كتبه الدكتور طارق حديث عن المقاربة النسقية، إذ أخذه كإجراء نقدي والذي تتحدد حسب الطبيعة المهيمنة في النص، إذ حاول الخروج من عباءة الغذامي الذي أوقعنا في هذه المعضلة المنهجية دون أن يحدد بشكل معرفي وفلسفي دقيق مفهوم النسق .
ثم علقت الدكتورة غزلان في نهاية الندوة بقولها : ناقشنا اليوم كتابا لواحد من الصروح النقدية كما قال الدكتور بن تومي، اسم جمع بين الإبداع والنقد، إذ لمسنا من خلال تأويلياته هذا الهمس الرقيق والملمح الإبداعي الذي يرتقي بالنقد نحو حوارية اختلاقية، بعيدا عن الاستنفاذ الاجرائي الممل، والمفاهيم المنهجية الصارمة، كانت ندوة راقية حضورا ومشاركة ونقاشا، أشكر للأستاذ الدكتور طارق ثابت على حسن تجاوبه، أشكر السادة الأساتذة المحاضرين من العراق الحبيب د. البدراني ود. الحياني ومن الجزائر د. قبايلي ود. حصيد ، أشكر الأساتذة الحاضرين على تفاعلهم وتعقيباتهم وعلى عمق أسئلتهم التي سايرت عمق المدونة النقدية، على رأسهم المتميز دائما المفكر الأستاذ الدكتور اليامين بن تومي، على أمل لقياكم في الندوة القادمة مع علم من أعلام النقد الجزائري وهو الأستاذ الدكتور الطاهر رواينية إن شاء الله.
بدورها ختمت الأستاذة سرور الندوة معبرة على افتخارها بعضوية قامات نقدية جزائرية باللجنة العلمية التحكيمية للمركز مثل ضيف الشرف الأستاذ الدكتور طارق ثابت الذي كما قالت مثل الجزائر أحسن تمثيل في كل اللقاءات العلمية العالمية التي شارك فيها، ثم شكرت كل المحاضرين والحاضرين الذين أثروا الندوة بمداخلاتهم ونقاشاتهم الجدية داعية إياهم للحضور في الندوات الأسبوعية المقبلة.