(تقرير هبة عبد القادر الرطل)
أقام مركز جيل البحث العلمي بإشراف رئيسته أ.د. سرور طالبي يوم السبت 30 يناير 2021، حلقة نقاش عبر الإنترنت في منهجية البحث العلمي والتي قدمت فيها أ.د. بشرى إسماعيل أحمد أرنوط (أستاذة علم النفس الإرشادي- كليّة التربية بجامعة الملك خالد)، محاضرة مفصلة تناولت فيها “البحث العلمي بين الوضعيّة والبنائيّة والبراجماتيّة” بحضور أعضاء اللجنة العلمية التحكيمية للمركز: أ.د. ماهر خضير (القاضي الشرعي في محكمة القدس الشريف)، أ.د سميرة لغويل (جامعة باتنة)، د. زينب الضناوي (جامعة الملك فيصل)، د. الداودي نورالدين(جامعة عبد المالك السعدي)، وعضو لجنة جودة البحث العلمي في العراق الدكتور خليد جمال خليد، وطلاب الدراسات العليا في مختلف الجامعات العربية، سيما الجزائر ولبنان، مصر، العراق، اليمن وسلطنة عمان.
بداية رحبت الأستاذة سرور بكل الحضور، ثم شرحت لهم سياسة المركز منذ أكثر من سبع سنوات في تنظيم حلقات ودورات تكوينية في منهجية البحث العلمي، بالاضافة إلى الملتقيات الوطنية والدولية بهدف تمتين أدبيات الباحث العربي، بحيث أعتبرت الحلقات الافتراضية التي سيشرف عليها المركز في المستقبل من أهم التوصيات التي وصل إليها مؤتمره الأخير، ثم أحالت الكلمة للاستاذة بشرى لتقديم محاضرتها.
إستهلّت الأستاذة بشرى محاضرتها بالتركيز والتأكيد على أنّ تقدّم المجتمعات يقاس بمدى تقدّم البحث العلمي والإنجازات العلميّة، حيث يقاس تقدّم الأمم بما توصّلت إليه من إنجازات علميّة شكلّت أساساً متيناً للتقدّم والتنمية البشريّة والمجتمعيّة، ممّا أدّى إلى تطوّر رسالة الجامعات بين الماضي والحاضر، فكانت رسالتها سابقاً تقتصر على التعليم، بينما تطوّرت اليوم لتشمل ثلاث وظائف أساسيّة وهي:
الوظيفة الأولى: تساهم في تقدّم المعرفة ونشرها
الوظيفة الثانية: تتمثّل في قيام الجامعات بدور أساسي في البحث العلمي في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية وتطبيقاتها العلميّة والتكنولوجيّة والعمل على تطويرها.
الوظيفة الثالثة: تكمن في خدمة المجتمع عن طريق دورها التثقيفي والإرشادي، والمشاركة في تقديم الخدمات الإجتماعيّة والتوعية العامّة.
ورغم الأهميّة التي إحتلّها البحث العلمي في تطوّر وتقدّم المجتمعات والأمم، التي تحدّثت عنها الأستاذة بشرى في بداية محاضرتها، إلأّ أنها لفتت النظر إلى أنّ هذا الإهتمام بالبحث العلمي وبتطويره لم يخلو من مجموعة من التشوّهات العلميّة التي أثّرت على تقدمه ذكرت منها:
– الفوضويّة في إجراءات البحث العلمي.
– ضعف الإنفاق على البحث العلمي.
– عدم أمانة بعض الباحثين والتي تقع تحت قضيّة أخلاقيّات البحث العلمي.
وأخيراً أهمية نشر البحوث التي تعاني من تقصير من الباحثين سواء في مجلات عربيّة أو عالميّة، فالباحثين مطالبين بنشر أبحاثهم لما لذلك من دور أساسي في عمليّة تقدّم البحوث العلميّة وخاصةً في الدول العربيّة التي تعاني من تقصير وتأخر في هذه العمليّة، وقد جاء ترتيب الدول العربية لناحية نشر الأبحاث العلميّة في مجلّة ISI، للفترة (2008-2018) على الشكل التالي: السعودية في المرتبة الأولى عربيّاً بنسبة (25%)، تليها مصر بنسبة (24%)، ثمّ تونس في المرتبة الثالثة بنسبة (11%)، فالجزائر رابعاً بنسبة (8%)، فالمغرب خامساً بنسبة (6%)، وجاءت بقيّة الدول مرتبة كالتالي: الإمارات، الأردن، قطر، لبنان، العراق، الكويت، عمان، السودان، فلسطين، سوريا، ليبيا، اليمن، البحرين، موريتانيا، جيبوتي، الصومال وأخيراً جزر القمر حيث بلغت نسبة بعضها صفر.
وتحدّثت الأستاذة بشرى خلال محاضرتها عن الخطة التي وضعتها الدول العربيّة للسعي لتطوير البحث العلمي بعد دراسة الواقع المرير وتضمّنت هذه الخطة ما يلي:
- إعداد كوادر من الباحثين مؤهلين معرفيّاً ومهاريّاً.
- توفير المنح الدراسيّة لطلبة الدراسات العليا في الخارج.
- فتح وتطوير برامج للدراسات العليا التي تتناسب مع سوق العمل المحلي والعالمي.
- تقديم الدعم المالي والإداري للباحثين من خلال دعم المشاريع البحثيّة وتطويرها.
- التوسّع في إنشاء الجامعات الحكوميّة والخاصّة وتطوير البنية البحثيّة التي تتناسب مع البحث العلمي وتوفير مستلزماته.
- تخصيص جوائز للمتميّزين من الباحثين في مجالات العلوم المختلفة.
وبعد عرض الأستاذة بشرى لواقع البحث العلمي ولأهميّته وخطة تطويره في الدول العربية، إنتقلت إلى التحدّث عن خصائص البحث العلمي لتشرح أنواع البحوث العلميّة، وأهميّة وفلسفة وخصائص كلٌ منها، بحيث نوهت إلى أن البحث العلمي يشكّل أحد أعمدة الإستثمار المحلي والعالمي وله خصائص عديدة منها:
محدّد بمشكلة معيّنة وينطلق من أشئلة وفروض محدّدة بدقّة.
- موجّه في ضوء أهداف محدّدة.
- يقوم على مسلّمات وحقائق
- إستقصاء منظّم يقوم على أسس علميّة وفق خطوات معروفة
- إستقصاء علمي وفق أخلاقيّات ومبادئ.
- يستهدف حلّ المشكلات.
- النظريّات تعتمد على الأدلّة الموضوعيّة الموثوفة والمستمدّة من الخبرة والملاحظة والتجريب.
- تراكمي وإجراءاته محدّدة.
- عمليّة واقعيّة تجريبيّة قابلة للتكرار، (فمن خصائصه التراكميّة، والجديد لا يلغي القديم).
فالبحث العلمي هو عمليّة موجّهة نشطة تحتاج إلى الشجاعة للوصول إلى النتائج، يستند إلى اليقينيّة.
وقسّمت الأستاذة بشرى العلم إلى نوعين:
العلم الإستاتيكي يعتمد على الحقائق والوقائع العلميّة والإحصاءات |
العلم الديناميكياكتشاف النظريّات الجديدةالتي نقوم بتطبيقها في أبحاث مستقبليّة |
ثم عرضت الأستاذة بشرى رسم لأنواع البحوث العلمية والتي كانت على الشكل التالي:
البحث الكمي (الفلسفة الوضعيّة) |
البحث المختلط (الفلسفة البنائيّة التفسيريّة الإجتماعيّة) |
البحث النوعي (الفلسفة البنائيّة) |
—–
—
–
البحث النوعي الكمي
البحث الكمي النوعي
وتابعت الأستاذة بشرى شرحها عن تأثير الفلسفة على كل من البحوث العلميّة، وبدأت بالحديث عن الفلسفة الوضعيّة التي هي فلسفة البحث الكميّ فعرّفتها بالتالي: الفلسفة الوضعيّة هي التي تقوم عليها الحقيقة بشكل موضوعي خارج الذهن، من خلال المقاييس الكونيّة، وتعتمد على لغة الرياضيّات الدقيقة في التعبير عن الحقيقة.
وأضافت أن البحوث الكميّة تعتمد على البيانات والمواد الكميّة، باستخدامها لأدوات القياس الكميّ وهذا لا يعني فقط جمع الأرقام بل يتضمّن أيضاً تحديد أسئلة وفروض وإختبارها، وإختيار فروضه يرتبط بإختيار الإجراءات المستخدمة لكي تحقق أهدافها، فتصميم البحث الكميّ يجب أن يناسب موضوع وفكرة البحث ويكون قابل للتكرار، فهو يعتمد على التفكير الإستدلالي الذي ينطلق من العام إلى الخاص، وقسّمت البحوث الكميّة إلى :
1- بحوث وصفيّة
2- بحوث تجريبيّة
البحث الوصفي: يجيب على الأسئلة التالية: متى؟ أين؟ كيف؟ يستخدم مجموعة واسعة من أدوات البحث، لا يتلاعب الباحث في متغيّراتها بل يدرس المتغيّرات في الحاضر، فالهدف منه وضف حالة أو ظاهرة ودراستها، وهناك مجموعة من الأبحاث الوصفيّة.
- البحث المسحي: لا يسعى البحث المسحي إلى دراسة أسباب وعلاقات ولا إلى تنبؤ ولكن نحتاجها فيما بعد لوضع الخطط والبرامج (نحتاج في البحث المسحي إلى عيّنة كبيرة من أفراد المجتمع ويحتاج إلى تكلفة ماديّة وجهد).
- البحث الإرتباطي: يهدف إلى التحقّق في حال وجود علاقة بين متغيّرين أو أكثر، وهذا الهدف غائب عن كثير من الباحثين، فالبحث الإفتراضي يهدف إلى وجود أسئلة وفروض تبشّر بالتنبؤ، فهو يدرس العلاقة ولكن لا يفتّش عن الأسباب.
- البحث التتبّعي: وله عدّة مسميّات بحث تطوّري أو دراسات إنمائيّة وغيرها، هذا النوع يدرس النمو، أي قياس مقدار التغيّر بفعل الزمن على متغيّر ما أو على ظاهرة معيّنة، والبعض يعتبره منهج قائم بحدّ ذاته، هذا النوع منالأبحاث يلقى قبول كبير من المجلّات العالميّة، وهناك ثلاث أنواع للدراسة فيه:
– دراسة طوليّة: مثال من عمر سنة إلى عشرين سنة الآداة الأساسيّة الملاحطة.
دراسة مستعرضة: مثال من عمر سنة إلى 10 سنة |
إجراء الدراسة بنفس الوقت |
من عمر 10 سنة إلى 16 سنة |
نحصل على نتائج سريعة |
من عمر 16 سنة إلى 26 سنة |
بجهد أقل ولكن ليس بدقة الطريقة الطوليّة |
- البحث السببي المقارن: دراسة العلاقة السببيّة والأسباب المحتملة، فهو يدرس أسباب من خلال المقارنة، ولا تكون الأسباب مؤكدّة في البحث السببي المقارن حيث لا يكون فيه تجرية، شائع في البحوث السلوكيّة والإجتماعيّة، ويوجد فيه 4-لاءات أي (لا):
1- لا تجربة
2- لا تعيين عشوائي
3- لا ضبط تجريبي للمتغيّرات
4- لا سببيّة مؤكدّة
وأكملت الأستاذة بشرى الشرح عن النوع الثاني من البحوث الكميّة وهو البحث التجريبي والذي يرجع الفضل للعالم فيشر في تصميم البحوث التجريبيّة.
البحوث التجريبيّة: تسعى لإختبار فرضيّات العلاقات السببيّة بين الإختبارات، السعي لدراسة الإختلاف في النتائج بين المشاركين، إذ يسمح للمجموعة التجريبيّة عادةً القيام بعمل معيّ لا تقوم به المجموعة الضابطة، ثمّ يقارن بين نتائج كل من المجموعتين ليرى هل إختلفت النتائج بين المجموعة التجريبيّة والمجموعة الضابطة، أو دراسة الإختلافات بين القياس القبلي والقياس البعدي ويعتمد على ثلاث أنواع من الضبط:
– الضبط المادي – الضبط الإنتقائي – الضبط الإحصائي
كما أنّ التصميمات التجريبيّة لها عدّة أنواع:
التمهيدي | ممكن وضعها على شكل هرم في القاعدة التصميم التمهيدي لا ضغط ولا عوامل مؤثّرة على الصدق |
شبه التجريبي | ثمّ شبه التجريبي ،أعلى قليلاً: للعلوم الإنسانيّة الإرشاديّة والشبه علاجيّة |
التجريبي | أعلى التصاميم هو التجريبي: أعلى التصاميم في ضبط المتغيّرات. |
وذكرت الأستاذة بشرى أن المراجع الأجنبيّة تعتمد تصميمات أخرى للبحوث التجريبيّة وهي تصاميم تجريبيّة رسميّة وتصاميم تجريبيّة غير رسميّة:
– التصاميم التجريبيّة الرسميّة: ومنها أنواع ثلاثة حسب نوع القياس فبلي أو بعدي والضبط أو التحكّم.
– تصاميم تجريبيّة غير رسميّة: ومنها تصاميم عشوائيّة تماماً، تصميم عشوائي بسيط من مجموعتين، تصميم التكرارات العشوائيّة أو مايسمّى بالنسخ المتماثل، وتصميم الكتل العشوائيّة، وتصميم المربّع اللاتيني، والتصميمات العامليّة البسيطة والمعقّدة.
ثم فتح باب النقاش أمام الأساتذة والباحثين لطرح أسئلتهم واستفساراتهم والتي دارت اجمالا حول أهمية النزاهة والأمانة العلمية، نسبة الاقتباس المسموح بها عالميا، دور الباحث خلال مراحل اعداد البحث العلمي.
هذا ونظرا لتشعب الموضوع وأهميته فلقد تقرر تأجيل الشق المتبقي من المحاضرة والمتعلق بالبحوث الكميّة إلى الأسبوع القادم وذلك في أمسية يوم السبت المقبل الموافق لـــ 6 فبراير 2021 على تمام الساعة:
7:30 بتوقيت مكة المكرمة – 6:30 بتوقيت لبنان – 5:30 بتوقيت الجزائر
وعليه ندعو الباحثين والمهتمين للالتحاق بهذه الحلقة على الرابط المباشر التالي: