عداوة العدوتين الأندلسية والمغربية:المقامة البربرية أنموذجا
THE ENMITY OF THE ANDALUSIAN AND MORROCON NEIGHBORS :
THE BERBER MAQAMAH AS A MODEL
د.سعيد الشرعي. دكتوراه من جامعة محمد الخامس. الرباط. المغرب.
University of Med 5th.Rabat.Faculty of Letters and Human Sciences.Rabat.Morocco.
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 66 الصفحة 97.
” كان بين الأندلس والمغرب ما يكون أحيانا بين بلدين متجاورين من صراع متعدد الأشكال متنوع المظاهر، وهو صراع طبـع تاريخ البلدين بطوابع يلمسها دارس هذا التاريخ في مختلــف الميادين السياسية والثقافية والاجتماعية، وقد كان هذا الصراع سجالا بين العدوتين أشبه ما يكون بناموس المـد والجــزر على الشطآن” .
محمد بن شريفة- (من منافرات العدوتين. نص جديد( .مجلة كلية الآداب.الرباط.ع1. ص 7.
Abstract :
The berber “maqamah” of aboutaher Mohammed bin youssef Al-Tamimi Asergsti (d.538AH) can be determined as oriental origin, and Andalusian auther, and Moroccan objet. Wich means interactivity, vulnerability and impact. So that the relationship between the form and auther it a relation of following example, and between form and object it’s an invent relation.
The privacy in this new “maqamah” interms of being an unprecedented in the sens of reality; it expresses the nature of the relationship wich extolled Morocco and Andalus during the period between the 5th and 8th century AH. The Andalusians usually prefered their country to Morocco including “Ibn al khatib” in his “Maqamah” where he prefered “Malaga” to “Salé”, the place of care and generosity during his exile.
The berber “maqamah” is an essential entrance to address the issue of the berber revolution; as it’s was a reduced picture of the racial intolerance and hatred of Andalusians against Moroccans (barbarians).
KEYWORDS: INTOLERANCE – HATRED – ENMITY – CROSS-TALK.
ملخــص:
تتحدد المقامة البربرية بكونها مشرقية الأصل، أندلسية المؤلف، مغربية الموضوع، وهو ما يعني التفاعل، أي التأثر والتأثير، ذلك أن العلاقة بين المؤلف والشكل علاقة اتباع، والعلاقة بين الشكل والموضوع علاقة ابتداع. إن الخصوصية في الموضوع تكمن في جدته من حيث كونه غير مسبوق(التراشق القلمي بالمقامات)، وفي واقعيته (محليته) إذ يعبر عن طبيعة العلاقة التي أطرت المغرب والأندلس خلال الفترة ما بين ق5 هـ / 11 م و 8 هـ/ 14 م، ذلك أن الأندلسيين عادة ما انتصروا لبلادهم على حساب المغرب، ومن ذلك انتصار ابن الخطيب في مقامته البلدانية إلى مالقة على حساب سلا التي طالته عناية وكرم أهلها فترة منفاه لكنه تطاول عليها. إن التعصب ضد البربر (المغاربة) صفة لم يسلم منها حتى كبار الأدباء الأندلسيين، فإليهم يردون أسباب الخروج من الفردوس المفقود، فالمقامة البربرية تعد مدخلا أساسيا لمعالجة مسألة الفتنة البربرية، وذلك بوصفها خلفية تحكمت في إنشاء السرقسطي لها، فما تعصبه العنصري ضد البربر سوى صورة مصغرة لتعصب الأندلسيين خاصتهم وعامتهم ضد المغاربة.
الكلمات المفاتيح: التعصب– التحامل– العداوة – التراشق القلمي .
مقـدمــة:
يحفظ لنا التاريخ في باب المراشقات القلمية بين الأندلس والمغرب ثلاثة نصوص مقامية، يرجع أولها وهو أندلسي إلى القرن 5 هـ، ويعود ثانيها وهو مغربي إلى القرن 7 هـ، وأما ثالثها فأندلسي يرجع إلى القرن8 هـ.
أما الأول فعنوانه “المقامة البربرية” للسرقسطي صاحب المقامات اللزومية، وهو يمثل العصر المرابطي بكل ما يجسده من توحيد سياسي بين العدوتين، وبكل ما يشهد عليه من نفرة وكراهية بين الإنسان الأندلسي والإنسان الأمازيغي المغربي، وبكل ما يعنيه من تحميل لمسؤولية الفتنة القرطبية للجنس الأمازيغي، وما حملته – تلك الفتنة – من بوادر مبكرة لسقوط الأندلس سنة 897 هـ. أما الثاني فعنوانه “طرفة الظريف في جزيرة طريف” لعبد العزيز الملزوزي، وأما الثالث فعنوانه “مفاخرة بين مالقة وسلا” للسان الدين بن الخطيب، وهما نصان يمثلان العصر المريني. لقد ذم شاعر المرينيين–الملزوري– الأندلس إنسانا ومكانا، وذم بعده – بقرن من الزمان – ابن الخطيب سلا التي آوته أوقات محنته وكانت بلده الثاني في منفاه لمدة سنة كاملة بالعدوة المغربية. مما لا شك فيه أن المفاضلة بين المدينتين ما هي إلا مفاضلة بين بلدين أي بين سياستين متحكمتين في الأدب. فالقصد أن نقرر أن الأندلسيين دأبوا على التقليل من شأن المغرب وكانوا السباقين إلى زرع بذور العداوة والكراهية خارجين بذلك عن أصول المنافسة الشريفة – التي لا تخلو منها علاقة جوار بين بلدين- إلى تعصب أرستقراطي أندلسي حاد ومتطاول.
إن المراشقات القلمية بين العدوتين قد نشأت فعليا في العصر الموحدي، لكنها اتخذت من أدب الرسالة لسانها (من ذلك: المفاضلات بين أبي الوليد الشقندي وأبي يحيى بن المعلم الطنجي، في اعتزاز الأول بأندلسيته، واعتزاز الثاني بمغربيته)، ولم تتخذ من فن المقامة لسانها. من هنا هذا الإلحاح في تلمس معالم العداوة بين العدوتين من خلال أدب المقامة، وتحديدا المقامة البربرية للسرقسطي – أول ما قيل في باب التراشق بينهما- وذلك قصد التأسيس لفهم عميق لخلفياتها ومرجعياتها الإيديولوجية والسوسيوثقافية، ولوضعها في سياقات إنتاجها إحقاقا للحق وإزهاقا للباطل، فمن الحق إنصاف العدوة المغربية في سماحتها وكرمها وبطولتها في الدفاع عن جارتها الأندلسية، ومن الباطل إنصاف العدوة الأندلسية فيما أتته من أرستقراطية جوفاء، ومن تحامل مجاني على المغرب لا يعقلهما عقل قويم ولا يستسيغهما ذوق سليم.
- صورة المغرب في المقامة الأندلسية:الإنسان/المكان
استهل السرقسطي[1] مقامته[2] بقوله: “قال السائب بن تمام، ما زلت أجول في المشارق والمغارب، وأغرى بالمساري والمسارب، حتى اشتكتني الذرى والغوارب، وملتني الطوالع والغوارب، وحتى قذفتني الأيام إلى بلاد طنجة …. ” واختتمها بقصيدة شعرية، قال: ” فلوى يده على ما هناك من مال، وخرج بي إلى تلك الرمال … فمضى وقد زودني المخافة، وأودعني من قوله حكمة أو سخافة، وهو يقول (من السريع) ما مطلعه:
كَمْ لَكَ يَا سَائِبُ مِنْ وَقْفَةٍ | يَثْنِيكَ فِيهَا الدَّهْرُعَمَا تُرِيدْ |
وما آخـره:
لَمْ يُبْقِ مِنْهُ الدَّهْرُ إِلاَّ شَفَى[3] | أَوْ مِثْلَمَا قَفَّ[4]إِهَانُ الجَرِيدْ[5] |
يحيل عنوان المقامة على جنسين أحدهما جنس أدبي مشرقي الأصل، والآخر جنس بشري موطنه شمال إفريقيا تعزى إلى علاقة الأندلسيين به بعض أسباب الخروج من الجنة (سقوط الأندلس)، ولذلك كان من الضروري أن نتوسل طبيعة هذه العلاقة من خلال المؤلف نفسه ما دام أندلسيا. فمؤلف المقامة يمثل الأندلس، وشكل المقامة يمثل المشرق، وأما موضوعها فيمثل المغرب، إذ العلاقة بين المؤلف والشكل علاقة اتباع، والعلاقة بين الشكل والموضوع علاقة ابتداع. وبتعبير آخر، تدل العلاقة الأولى على المعارضة كما على التحدي، وتدل الثانية على الجدة. لقد سعى السرقسطي من وراء تأليفه للاحتفاء بهذا الجنس الأدبي الجديد الذي وفد على الأندلس، معارضا إياه مبرزا قدرة أدباء الأندلس على النسج على غرار أدباء المشرق والتفوق عليهم من جهة، وكذا قدرته على التجديد وطرق موضوع جديد لم يسبق إليه البديع أو الحريري.
- المستوى الدلالي:
إن أول ما يلفت انتباهنا ونحن نمعن النظر في مضمون المقامة البربرية أنها تتسم بالواقعية، وذلك من حيث ارتباطها بما هو محلي، وليس من حيث تسمية المغاربة بالبربر من باب الاستخفاف والاستهزاء. وبمعنى آخر، ارتباطها الوثيق بالواقع الاجتماعي، فهي صورة لتلك الكراهية الأندلسية للمغرب، فالقضية المحورية التي تعالجها هي التهكم والسخرية من المغاربة، إذ قد قال المؤلف في مطلع مقامته التي استغنى فيها عن الراوي: “فأقمت بين أقـوام كالأنعام أو كالنعام، وأناس كالسبــــاع أو الضباع، لا أفقه مقولهم، ولا يوافق معقولي معقولهم…كأني أصاحب البهائم، أو أسيم السوائم[6]، غير أنها لا تنقاد ولا تسالم، ولا تعاقل ولا تحالـم… “[7]. “فهذه الصورة للبربر ترسبت في خلد الأندلسيين منذ خراب قرطبة إلى عصر السرقسطي وبعده، ونجد أصداءها في مواقف عدد من أدباء الأندلس كابن حزم وابن حيان وابن بسام والشقندي وغيرهم”[8]، فالسرقسطي حينما صدر عن هذه النزعة العنصرية، إنما صدر عن تصور عام أطر علاقة الأندلسيين بالمغاربة، وهي علاقة قوامها التعالي والإقصاء والتهميش والنفور كما تدلنا على ذلك الأدبيات التي تعنى بتاريخ الأندلس[9].لقد كان السرقسطي موفقا في مقامته هاته في تكريس تلك النزعة الدونية، وهو يصور بعض مظاهر الحياة الاجتماعية للمغاربة من : تقاليد، وعادات، وأساليب العيش اليومية من مأكل ومشرب. قال : ” قدموا إلينا من الشيزى[10] جفانا كالجوابي[11]، عليها ثرائد[12] كالهضاب أو الروابي… وجعلنا نأكلها خضما[13] وقضما…والودك من على معاصمهم يسيل، ثم أتوا بماء قليب[14]، وحازر[15] من اللبن و حليب …لا أدري ما الـمراد…إلى أن قال لي أبو حبيب: هذه تحفة القوم، و قرى الضيف في الأمس واليوم، فأبد إليهم قبولا…لاتخالفني طرفة عين،حتى…نترك الأثر للعين…لولا أني أصون دمك وأخشى عدمك، لتركتك وسفاك الدماء، و هتاك النماء”[16]،فإكرام المغاربة لهما، وإعلاؤهم من شأنهما، لم يحولا دون جحودهما للعرفان بالجميل، بل إن البطل – وهو المكدي الذي يتوسل رزقه بالحيلة عادة – استباح لنفسه سرقة مالهم وهم نيام. قال: ” فلوى يده على ما هناك من مال … وقال : لا عيبا ولا أفنا، هنيئا لك البقاء …”،وقد ختم السرقسطي مقامته بشعر على لسان بطله، كما توسطها به، و هو شعر غير راق مما جاء منه :
لاَ تَصْحَبِ الأَرْدَى فتردَى بهِ وَمَا أُبَالِي مِنْ رِعَاعِ الـــــــــــــــوَرَى | واطْوِ بريدًا[17] دونَهُ في بريدِ[18] إِذَا رَمُــونِي بِـجِفَانِ الثَّرِيدِ |
إن النظرة المتعالية التي طبعت علاقة الأندلس بالمغرب شكلت محور المقامة نثرها وشعرها، لم تحد منها طيبوبة الاحتفاء بالضيف الأندلسي وتكريمه والثقة فيه، وإنما قوبلت الثقة بالخيانة والسرقة، فإذا كان المكدي من طبعه التسول واستدرار العطف والشفقة للحصول على المعونة المادية، فإنه في مقام كمقام الأمازيغ يبيح لنفسه استباحة مالهم، ليس لأنهم كانوا سيمتنعون عن منحه إياه، لأن مظاهر كرمهم تبرز أنهم كانوا حتما فاعلين، لكنه ترفع وتكبر أن يطلبه ممن يعدهم دونه شأنا ومنزلـة وجنسا، فهو صاحب المقام الراقي، وهم أصحاب المقام السافل المنحط، وهو ما يدل عليه البيتان الشعريان السابقان، إذ هم مجرد محطة أو مرحلة لا تستحق عنده سوى الطي والنسيان، “لأن موقفه الفردي هذا نابع من موقف جمعي سابق قوامه الازدراء لجنس البربر، والحقد عليهم، وعدم الوثوق بجانبهم”[19]، وكأن الداخل إلى ديارهم مفقود والخارج منها مولود.
- المستوى الفني :
- الأحدث والوقائع: تقوم هذه المقامة على حدث واحد هو قيام السرقسطي برحلة إلى بلاد طنجة أي المغرب، ومصادفته هناك “لأبي حبيب” بطل مقاماته الذي خلصه من قبضة البربر، إذ عد إكرامهم للضيف ورطة، وهرب بعد أن سرق مالهم.
وهذا الحدث يتكون من بداية نستشعرها منذ اللحظات الأولى التي عقد فيها السرقسطي مقارنة بين بلاد طنجة (المغرب) وبلاد الأندلس، بين الجحيم والجنة، قبل أن يكتشف وجود بطله أبي حبيب بين البربر “يراطن[20] القوم رطانة ويوسعهم فهما وفطانة …”، والذي أعلمه أنه في ورطة، فإما أن يقبلا استضافة البربر لهما أو أنهما سيقتلان لا محالة :[21] ” وما هو إلا الإيجاب أو السيف”، واصفا إياهم ب “سفاك الدماء وهتاك النماء”، وهو ما بعث الخوف في قلب المؤلف الذي وجدناه مشاركا في بناء الأحداث، متجاوبا مع بطله في مداهنة البربر وتصيد الفرصة للهرب والنجاة بحياتيهما،وهو ما تحيل عليه نهاية المقامة،وهما الشخصيتان المحوريتان في المقامة، والصراع أو الصدام المتوقع بين أبي حبيب والبربر هو الذي أنتج وولد السرد، فبعد لقاء السرقسطي ببطل مقامته وإصرار البربر على دعوتهما لتناول الطعام ترحيبا بهما وتكريما لهما- وهي دعوة تصوراها ورطة[22] – كان لا بد من قبول الدعوة ومشاركتهم الطعام، ما عدا الخمر (شراب يدعوه الأمازيغ الأنزيز) ليتمكنا من الهرب والأمازيغ نيام، ويظفر البطل بالمال بطريقة غير شرعية ولا شريفة.
هكذا سارت الأحداث أو الوقائع نحو الذروة بشكل منطقي، وبتسلسل زمني يتسق وطبيعة الحبكة القصصية المقنعة والمثيرة والمشوقة، وذلك على نحو ما عهدناه في السرديات القديمة. وجاءت النهاية منطقية ودون افتعال، نابعة من صميم أحداث المقامة ووقائعها دون أن تفرض عليها، ما يعني أنها واقعية وطبيعية من وجهة نظر بطل المقامة وأصحاب الكدية، فالهدف عنده هو الحصول على المال والطعام بصرف النظر عن طبيعة الوسيلة، وهي ها هنا وسيلة غير شرعية قامت على السرقة. أما أن النهاية طبيعية فلأنه كما أسلفنا، درج الأندلسيون على النظر إلى الأمازيغ بمنظور دوني يجردهم من العقل، ويسبغ عليهم صفات العنف والتوحش[23]، وهذا التحامل على العنصر البربري ليس مجانيا، وإنما يجد جذوره ضاربة في التاريخ، سقتها وغذتها أحداث تمثلت في خلع ملوك الطوائف على يد يوسف بن تاشفين، والاستيلاء على الأندلس وإخضاع أهلها لصرامته، كما أن المؤرخين يحملون العنصر البربري مسؤولية خراب قرطبة ومن تجليات ذلك في المقامة قول الراوي مخاطبا المكدي “أحتى في البرابر الدهم وبين البهائم البهم”؟[24]، ففي المقامة محاكمة للآخر المغربي وإقصاء له وتحقير، علما أن الفتح الإسلامي وصل إلى المغاربة قبل أن يصل إلى الأندلسيين، بل إن تاريخنا المغربي يشهد على أن العديد من فقهائنا وأدبائنا ساهموا في بناء حضارة وثقافة الأندلس، فالمقامة تعبير صارخ وصريح عن الضمير الجمعي الأندلسي الذي ترسخ فيه الجنس الأمازيغي بوصفه مغتصبا (خلع ملوك الطوائف)، ولذلك تنتهي المقامة باغتصاب مالهم، فالمقامة شهادة تاريخية على ذلك التعصب تجاه المغرب وأهله.
- القوى الفاعلة: شخصيات محدودة لا تزيد على ثلاث، وهو الشأن في فن المقامة عادة، إذ وجدنا أنفسنا في هذه المقامة السائب بن تمام بطلا وراوية معا، وشخصية المكدي وهو أبو حبيب، ثم الجمهور من البربر سكان المكان، وقد نجح السرقسطي في رسم شخصية بطله، فهو المتوجس الخائف طوال الوقت، الضائع المتورط في بلاد المغرب، التائق إلى بلاد الأندلس، ونجح في رسم شخصية أبي حبيب المكدي المحتال المداهن المقتنص لفرصة الحصول على المال، وفي رسم الجمهور البربري في صورة همجية مترسخة في الضمير الأندلسي، يغدو فيها الأكل افتراسا، والرقص ركلا، والإنسان حيوانا[25].
- الراوي : هو رحالة كالراوي المشرقي يرحل في طلب العلم عادة، كما هو حال عيسى بن هشام عند البديع أو أبي زيد السروجي عند الحريري، لكنه تائه شريد لا يلوي على مكان محدد، حامل لمشاعر القلق والتيه والغربة تجاه ما كان يتهدده من حروب الاسترداد النصراني. لعل هذا الطرح يجد حجيته ومشروعيته إذا علمنا أن مدينة المؤلف- وهي سرقسطة -كانت قد سقطت في أيدي النصارى سنة 512 هـ. لقد تغاضى السرقسطي عند ذكر الراوي في هذه المقامة في خروج غير مألوف منه على تقاليد المقامة المشرقية، و قد أبدع في تصوير شعوره بالغربة في غير ما مقام من المقامة لا يسعنا المجال لاستحضار تلويناته جملة وتفصيلا.
- البطل : مزدوج اللغة “يبربر ويعجم ويعرب عنهم ويترجم”، فهو يوظف البربرية توظيف المكدي المشرقي للعربية للتأثير في جمهوره، مستغلا الازدواج اللغوي لإجراء حيلته على الجمهور، وهو في هذه المقامة وفي جل مقامات السرقسطي يتصف بالغـدر والاغتصاب، ففي حين نجد المكدي المشرقي مرتبطا بجمهوره متوددا إليه للظفر بماله عن طيب خاطر بعد جهد قد يقل أو يكثر لاستدرار عطفه عليه، نجد العلاقة التي تربط المكدي الأندلسي بجمهوره قائمة على التوتر والغدر.
- الجمهور :وهو إن كان يبدو في المقامات المشرقية ساذجا ظريفا جوادا بماله سخيا عاشقا لسحر الكلام، فإنه في هذه المقامة يبدو بربريا متوحشا غير مجبول ولا مفطور على عشق بيان الكلام، وهو ما يجعل الغدر وسيلة سهلة لاغتصاب ماله.
- الفضاء المكاني والزماني : المكان مغربي من سكانه الأمازيغ ، لكن الراوي في هذه المقامة ينفتح على مكان آخر هو الأندلس، فالمكان العام أو الموقع الجغرافي هو الغرب الإسلامي، متوزعا ما بين المكان الخاص حيث تجري أحداث المقامة (بلاد طنجة)، والمكان المتخيل الذي يرحل إليه السائب بن تمام ذهنيا و هو يعيش حالة الحنين إليه في اغترابه في بلاد المغرب. إن رحلته أوجدته بالمغرب في بداية المقامة، و هي تتجه به في نهايتها إلا بلاد الأندلس بعدما أيقن النجاة، فالمكان يشير إلى جوار جغرافي بين الأندلس والمغرب، وهو جوار من البديهي أن يولد تقاربا وتآلفا، لكنه وَلَّدَ هاهنا نفورا وتباعدا، فسكان طنجة أعاجم لغة وجنسا، وسكان الأندلس عرب متحضرون، إذ مقياس التحضر عنده عربي، فقد جرد المغرب من العروبة والإسلام. أما الزمان فقد شكله – كما هو حال المقامات المشرقية – مفهوم الدهر. قــال :
أما ترى الدهرَ يا فتاهُ | يلعبُ بالمرءِ أَوْ يدورُ |
تحققت وحدة الزمان القصصي، وهو على ما يبدو لا يتعدى يوما واحدا، يبتدئ نهارا لما وجد السائب نفسه في طنجة بين الأمازيغ، وينتهي ليلا لما سرق مالهم وغادرهم وهم نيام.
- اللغة والأسلوب: تبدو لغة المقامة – شأنها في ذلك شأن كل المقامات – لغة موسيقية قائمة على السجع والازدواج، وغيرها من ضروب البديع اللفظي والمعنوي من طباق ومقابلة وجناس وما إلى ذلك، كما ينطوي أسلوب المقامة على روح فكاهية ساخرة تظهر جلية أكثر في اللحظات التي وصف فيها السرقسطي المأدبة[26].
2- الأبعاد التاريخية والسيكوسوسيولوجية المتحكمة في إنشاء المقامة البربرية:
يبدو التجديد في المقامة البربرية تجديدا في المضمون الذي لم يسبق طرقه في المقامات الأم (الهمذانية) أو المقامات الأنموذج (الحريرية)، فهو تجديد يكتنف إبداع السرقسطي من حيث التصاقه بمحيطه السوسيوثقافي وتعبيره عنه، فقد صدر السرقسطي عن حمية إقليمية وعصبية عرقية تطرح إشكال الماهية والخلفية الإيديولوجية، وهو ما يفترض استقراء التاريخ الأندلسي لفك عقده ، أي ضرورة تتبع مسيرة تواجد المغاربة (البربر) بالأندلس منذ بوادر الفتح الإسلامي (92 هـ) حيث لاقوا الترحاب، وإلى سقوط قرطبة حيث الفتنة البربرية، حيث تحولت العلاقة بين الأندلسيين والمغاربة من علاقة ائتلاف ومحاباة إلى علاقة اختلاف وتوتر وحقد. الضرورة هنا تقضي بدراسة تاريخ الأندلس جنبا إلى جنب مع دراسة تاريخ المغرب، فغني عن البيان ما كان بين العدوتين من اتصال وارتباط وتفاعل أدبي وثقافي وسياسي، وهو تفاعل متشعب الخلفيات والأبعاد من تجلياته:
- هناك حقيقة تاريخية ثابتة، وهي أن العرب الذين دخلوا الأندلس على طوالع ثلاثة كانوا قليلي العدد مقارنة بجموع البربر[27] (المغاربة) الهائلة، التي استقرت في الأندلس منذ أن افتتحه طارق بن زيادن وسبب هذا التفوق العددي يرجع إلى ثلاثة عوامل رئيسة [28]:
- الأول : سهولة المجاز من المغرب إلى الأندلس.
- والثاني : توافر الثروات الاقتصادية في الأندلس وتضاؤلها في المغرب، لكثرة سكانه وقلة خيراته.
- الثالث : استخدام البربر في الجيش الأندلسي في خدمة أمراء بني أمية وخلفائهم منذ أن دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس.
إن إحاطة هذا البعد بما يستحقه من الدرس والعناية لقمين بالوقوف على الأخطاء التاريخية التي تراكمت منتهية إلى الخروج من الأندلس بعد بقاء للعرب وللعربية دام ثمانية قرون، ذلك أنه أسيء فهم البربر فأسيء التعامل معهم، وهو ما أفضى إلى كارثة تاريخية عرفت بالفتنة البربرية أو كما يصطلح عليها قاسم الحسيني بالفتنة القرطبية[29]،فلقد أغفل الأندلسيون عدة وقائع تاريخية: فالبرابرة من أصل عربي، وهم من قتل عقبة بن نافع سنة 64هـ لما عاملهم بقسوة، وهم من ارتدوا مرارا مفشلين حملتين لفتح المغرب، وهم من ينتفض تجاه أدنى سوء معاملة، فاستفزاز واستصغار الأندلسيين لهم شكل خطأ تاريخيا حاسما في تكدير صفو العلاقة بين العدوتين.
ضمن هذا الإطار، يذهب عباس الجراري إلى أن الأمازيغ سكنوا المغرب في العصر الحجري (يسميهم الرومان بالبربر، واليونان باللوبيين)، لهجاتهم مختلفة مشتقة من مصر القديمة، تستعمل التيفيناغ أو حروف الهجاء الليبية، وأصلهم الوفود من الجزيرة العربية ومصر في العهد الحجري، مميزا بين: الزناتية (تاريفيت) –المصمودية (تاشلحيت) – الصنهاجية (تامازيغيت)،مشيرا إلى أن البربر هم – في الأصل- عرب حميريون، مؤكدا على أن فتح المغرب قد تم على مرحلتين:
– على يد عقبة بن نافع سنة 62 هـ،وقد قتله الأمازيغ سنة 64هـــ بعد فتحه طنجة ووليلي، لما عامل زعيمهم كسيلة بقسوة.
-على يد موسى بن نصير سنة 79 هـ، وما ساعد البربر على تقبل الدين الجديد، هو مشاركتهم للعرب في فتح الأندلس، وما يعني ذلك طبعا من غنائم وتغذية لميلهم الطبيعي للمحاربة، فقد ارتدوا اثنتي عشر مرة وأفشلوا حملتين لفتح المغرب ما بين 122 هـ و123 هـ بطنجة وعند وادي سبو، ولما استقر الإسلام بالأندلس استقر بالمغرب[30].
- من مظاهر استصغار الأمازيغ كذلك ،نذكر أنه لما تم فتح الأندلس آثر العرب أنفسهم بالنصيب الأوفر من الأرض الخصبة، فنزلوا الجهات الشرقية والجنوبية، حيث الخصب والدفء والخيرات الكثيرة، وبالمقابل أنزلوا الأمازيغ الجهات الوسطى والشمالية القاحلة الباردة التي تواجه الأعداء النصارى[31]. كان لهذا الظلم أثره فيما بعد في حدوث الخلاف بين العرب والأمازيغ، وشكل بداية حقيقية لإذكاء فتيل الفتنة البربرية ،مما كان سببا مباشرا من أسباب سقوط الأندلس. لقد كان فتح الأندلس فتحا إسلاميا لكن لم تطبق مبادؤه السمحة من مساواة وعدل وتسامح، وطبقت مبادئ العصبية والعنصرية بين أمازيغ وعرب يوحدهم الإسلام.
- في مقابل هاذين البعدين المجحفين في حق الأمازيغ، يحضرنا بعد ثالث بالغ في الانتصار لهم، فقد عرف أمراء بني أمية باعتمادهم على العنصر الأمازيغي وتهميش العنصر العربي لاعتبارات تتشابك فيها المصالح السياسية بالمصالح الذاتية، إذ يذكر عبد العزيز سالم[32] – في معرض حديثه عن سوء الخلافة الأموية وأثره في اضمحلال قرطبة – أن عبد الرحمن الداخل ومن خلفه من الأمراء، وبخاصة الحاجب محمد بن أبي عامر استكثروا البربر في جيوشهم ، فأسفر تفضيلهم للأمازيغ على العرب عن نتيجتين :
- الأولى: أنه أوجد اختلالا خطيرا في الميزان العنصري ، فقد رجحت كفة الأمازيغ على العرب، وبذلك أفسح المجال لإيغار صدور العرب على البربر، وغرس الأحقاد عليهم في نفوسهم.
- والثانية: أن العصبية العربية القديمة القائمة على العنصرية الجنسية تحولت إلى نوع من التضامن، أي تحولت إلى عصبية أندلسية هدفها الأول مواجهة العناصر الجديدة الطارئة على الأندلس، وتتمثل في الصقالبة والبربر فالمصالح السياسية تعود إلى رغبة أمراء بني أمية في إضعاف العصبية العربية ( الشاميون- الحجازيون- المولدون- اليمنية – القيسية ) من جهة ، ثم مواجهة الخطر الفاطمي من جهة ثانية (إذ كان الفاطميون قد استولوا على المغربين الأدنى والأوسط، فصاروا يشكلون تهديدا صريحا للأمويين في المغرب الأقصى والأندلس).
أما المصالح الذاتية فترجع أصولها إلى أول أمير أموي استخدم البربر في الجيش الأندلسي وهو عبد الرحمن بن معاوية، فمعلوم أنه ابن لامرأة بربرية من “نفزة”، ولعل ذلك ما يفسر حماية البربر له منذ سنواته الأولى بالمغرب من بطش عبد الرحمن بن حبيب الفهري، وما يوضح محاولاته لإنشاء مراكز أمازيغية لمواجهة جماعات العرب الثائرة على حكمه، وتوزيع أرفع مناصب الدولة عليهم إرضاء لهم.
- في إطار الانتصار للعنصر الأمازيغي، يوضح عبد العزيز سالم أن انتصار الأمازيغ- وهم القوة التي اعتمد عليها سليمان بن حكم الملقب بالمستعين بالله في التغلب على غريمه محمد بن هشام الملقب بالمهدي وأنصاره من أهل قرطبة سنة 403هـ – شكل بداية للفتنة، ونتج عنه تعرض قرطبة حاضرة الخلافة الأموية في الأندلس لنقمة المستعين وأنصاره الأمازيغ الذين استباحوا دماء أهلها، وعاثوا فسادا في جنباتها، ونثروا الخراب في عمرانها[33]، “فقد كان للفتنة تأثيرها السيء على مرافق الحياة المختلفة في قرطبة، وذلك لأنها كانت مجالا للصراع السياسي، وكان نتيجة لذلك الفشل الاقتصادي الذي عم قرطبة في فترة الفتنة 399 – 422 هـ /1009-1031 م”[34]، فمن الآثار المباشرة للفتنة[35]:
- الهلع الذي أصيبت به النفوس من تقلب البربر لدرجة استفتاء شيوخ المالكية في تعجيل صلاة العتمة قبل وقتها خوفا من القتل، إذ كان البرابرة المتلصصون يقفون لهم في الظلام في طرق المساجد.
- قضت الفتنة على كثير من العلماء والأدباء بالموت أو التشريد أو الهجرة داخل الأندلس أو حتى خارجها.
- هزت الفتنة قواعد النهضة العلمية الأدبية ، ومن الضار النافع أن تكون سببا في بيع الكتب التي كانت بقرطبة، إذ كان بيعها سببا في تسهيل انتشار العلوم.
أشار قاسم الحسيني في كتابه “الأندلس: الإنسان والمكان” إلى أثر مباشر آخر لهذه الفتنة قائلا: ” إن مشهد الفتنة القرطبية بمختلف صوره يبدو مكتملا عند ابن حيان والمقري … وبالأخص في مسألة البربر، فقد أظهر ابن حيان عداء صريحا لهم بنفي الخير من أفعالهم، وأنهم كانوا سببا في تمزيق البلاد وانقسام وأهلها. واكتفى المقري بسرد الحدث كما ترويه المصادر … فابن حيان أندلسي يصدر عن حمية إقليمية وعصبية عرقية واضحة، بينما المقري بحكم طبيعة الانتماء إلى بر العدوة المغرب الموطن الأصلي للبربر، كان أكثر حرصا من غيره على ألا يسيء الوصف”[36].
من هنا طبيعة العلاقة بين الأندلسيين والمغاربة، فالأندلسيون هم البادئون بالعداوة وهم المتسببون فيها، والمغاربة هم البربر الذين طالما سامحوا غير ما مرة وهبوا لنجدة الأندلس تلبية لاستغاثات الأندلسيين المتكررة لدرجة استحداثهم لغرض شعري جديد وغير مسبوق في الشعر العربي وهو “شعر الاستغاثة والاستنجاد”.
من هنا كذلك ، هذا الحرص على الرغبة في الإنصاف وتوزيع المسؤولية على عدة عناصر من المجتمع الأندلسي بدل توجيه الاتهام لعنصر واحد هو البربر، وإلصاق الفتنة به وجعلها فتنة بربرية، وليست قرطبية أو عامية أو أندلسية، ولذلك فإن دراسة جزء كبير من تاريخ الأندلس لا يمكن أن يتم إلا ضمن دراسة تاريخ المغرب، وذلك لتكوين تصور شمولي عن تراثنا الذي يتطلب منا المزيد من تضافر الجهود لنبش قبور مخطوطاته علها تكشف عن تاريخ التاريخ.
3_ المقامة ما بين الشعوبية والتعصب:
إن المقامة البربرية أنموذج للتعصب الأندلسي ضد المغاربة ، فهي حبلى بمظاهر للتعصب العنصري الأندلسي يمكننا مقاربتها منطلقين من أسئلة مركزية تحركها أربع أدوات استفهام محددة و مقصودة، وهي :متى و أين؟ لماذا و كيف؟ كما يمكن مقاربتها تبعا لمنهجيين أحدهما خارجي تاريخي ،والآخر داخلي تحليلي بنيوي ،ومقاربتها في استحضار تام لمفهوم التعصب من حيث مظهره وتفسيره التاريخي ونتائجه الاجتماعية على العلاقات بين العدوتين ، ومن حيث ماهيته التي أشرت إليها في أحد هوامش صفحات هذه المقالة مرتدا به إلى مفهوم الشعوبية ، التي ما هي سوى التسمية القديمة لمفهوم التعصب، وما التعصب الأندلسي إلا صدى للشعوبية بالمشرق العربي .إن التمايز الجغرافي لا يمكن أن يخفي كثيرا من التماثل في ماهية وطبيعة التعصب في القطرين المشرقي العربي والأندلسي، ذلك أن التعصب في الشعوبية هو تعصب مركب يجمع بين التعصب الديني والتعصب العنصري العرقـــــي ، كما أن التعصب الأندلســــــــــي كذلك تعصب مركــــــب من التعصب العنصري العرقــــــــي و التعصب اللغوي ،فقد كانت الشعوبية كما في العصر العباسي تمجيدا للفرس وتحقيرا للعرب ،كذلك كان التعصب الأندلسي تمجيدا للأندلسيين العرب وتحقيرا للمغاربة الأمازيغ. إذا كنا قد عرضنا لأسباب التعصب الأندلسي بلماذا وكيف، فإنه من الضروري توظيف الأداتين الاستفهامتين لمقاربة الشعوبية بوصفها مفهوما نظريا دالا على تعصب ضارب في القدم يغري كذلك بالمقاربة بمتى وأين، وذلك بوصفها خلفية تاريخية للتعصب الأندلسي.
إن الشعوبية – في تقديري المتواضع -كانت حركة حضارية منظمة استهدفت الجنس العربي عبر طمس هويته دينا ولغة على أرض العراق في العصر العباسي ،وهو ما خلف جرحا للجنس والعرق العربي وجد على أرض الأندلس ما يدميه – وهو جنس من عدة أجناس بشرية استوطنت معه الأندلس- عندما وجد الأندلسيون أنفسهم تحت حكم المرابطين والموحدين، وما خلفت الوحدة السياسية بين الأندلس والمغرب من غربة اجتماعية كان من بين نتائجها الأكثر قساوة الفتنة البربرية بقرطبة، وكان من مظاهرها الأكثر بشاعة مقتل الأديب الأندلسي الفتح بن خاقان بفندق بمراكش. لقد كان للعامل السياسي دوره في إيغار نفوس الأندلسيين على المغاربة، كما كان للعامل الأدبي دوره الحاسم في بروز التعصب الأندلسي خاصة أن العصر المريني عرف انطلاقة حقيقية للأدب المغربي أثمرت أكلها في العصر السعدي عصر النهضة الأدبية وتجاوز مرحلة الندية إلى الأستاذية، وهو ما يعني أن المنافسة الأدبية بين العدوتين أزهرت غيرة وحسدا أندلسيين ،وأثمرت تعصبا حادا ترجع حدته لكون جنس العرب ملدوغ تاريخيا من جنس الفرس الذي هدده في لغته العربية وفي دينه الإسلامي الحنيف وفي أدبه وسائر تراثه، فكان من الطبيعي أن يكره الأندلسيون المغاربة لما شعروا بالتهديد في عزة النفس وفي الجنس. من هنا، حجية ومشروعية العامل السيكولوجي.
تحكمت في التعصب الأندلسي عوامل سيكولوجية وعرقية وسياسية واجتماعية، وتحكمت في الشعوبية كذلك عواملها السيكوسوسيولوجية والسياسية والاقتصادية والعرقية التي فاقمت خطرها منذ ” بدأت في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ،وبقيت مستترة طوال العصر الأموي، حتى إذا نجح العباسيون في إنشاء دولتهم واستخدموا الموالي ، واستعملوهم في المراكز الهامة، واسندوا إلى بعضهم مسؤولية الحكم، وأطلقوا لهم الحرية، أحسوا بذواتهم، وتسلطت عليهم النزعة القومية، فقويت حركة الشعوبية بينهم…ولم تشع الشعوبية بين الموالي الفرس فقط، فقد امتدت إلى سائر الأمم التي أذعنت للعرب، كالنبط والقبط والأندلسيين…والزنج من أهل افريقية…وجمع بين هؤلاء الشعوبية على اختلاف أصولهم وأجناسهم منافرتهم للعرب ، واستطالتهم عليهم، وحطهم من شأنهم ،وعداؤهم لهم “[37]، فقد كان رؤساء الحركة الشعوبية من الموالي الفرس ،وسعوا إلى إطفاء الشريعة الإسلامية وإزالة الدولة العربية وإحياء الديانات الثنوية وإقامة الدولة الفارسية تقودهم أسباب كبرى، منها الاجتماعي الذي تدور كل شواهده على استعلاء العرب على الموالي الفرس بشرف الحسب ونصر التغلب على الفرس والروم ، ومنها الاقتصادي المتمثل في الأخبار المتصلة باستمرار الأمويين في مطالبة مسلمي الموالي الفرس بالجزية
والتعسف في استيفائها منهم، ومنها السياسي المتمحورة كل أدلته التاريخية حول تعصب الأمويين للعرب ونبذهم للموالي ، ومنها العرقي المتمثل في تأصل العصبية الجنسية وتضخم النزعة القومية في الموالي، ذلك أن الشعوبية ” كانت في حقيقتها تعبيرا عن الوعي القومي الفارسي، وفي مظهرها تذمرا من السلطان العربي ولو صح…أنهم كانوا يبتغون المساواة والعدل لوجب أن يتلاشى ضيقهم وتذمرهم بعد قيام الدولة العباسية، فقد أنصفتهم وسوت بينهم وبين العرب…ولكن العكس هو الذي حدث إذ…زادت معاداتهم للعرب حتى أخذوا يجهرون بها جهرا بعد أن كانوا يكتمونـــها فــي العصر الأموي “[38] ، فقد قاد أدباؤهم حملة أدبية شرسة على العرب اتخذت من مثالب العرب وعيوب الإسلام، والقول إن العجم أصل والعرب فرع ، ومن مناقب الفرس وتاريخهم ، ومن المفاضلة بين الفرس والعرب[39]، عناوين بارزة و رائجة لها، ذلك أنه كان للكتاب أثر كبير في نشر الثقافة والحضارة الفارسية للتقليص من مد تيار الثقافة والحضارة العربية الإسلامية.
لم تحد من حدة التعصب الأندلسي استجابات المغاربة لاستغاثات النجدة وعبورهم إلى الأندلس للدفاع عنها عسكريا ضد هجمات الاسترداد النصراني للمدن الأندلسية، ولم تحد كذلك من حدة الشعوبية الناشئة بالعراق ومن ثوراتها – لحد إنشاء إمارات فارسية مستقلة- تسوية العباسيين بينهم وبين العرب وتمكينهم من حقوقهم السياسية التي حرمهم منها الأمويون وقابلوا حركتهم الشعوبية بالعنف . فقد أفرزت الحركة الثقافية والحضارية للشعوبية حركة دينية سياسية مواكبة عرفت ب ” الزندقة “، سعى أصحابها من موالي بغداد[40] إلى بعث الديانات الثنوية الفارسية( المانوية أساسا) وطمس العقيدة الإسلامية. لقد كان للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية في القطرين دور مهم في التأثير في الحياة الأدبية ،وهو ما تعكسه المؤلفات الشعوبية الفارسية في المشرق العربي (العراق تحديدا) ضد العرب، وما تعكسه المراشقات القلمية بين العدوتين من تعصب أندلسي تعد المقامة البربرية أصدق نماذجه، فقد امتطـــى الأدبــــاء الســــرد للتعبيـــر عن الواقــــع الثقـــــافي والسياســــي والسوسيوقتصادي ،ولم يكن التصنع اللفظي – وإبراز الكفاءة والتمكن اللغوي والتقيد بالأساليب الأدبية والأسلوبية الشائعة آنذاك – السبب الداعي إلى الإنشاء في المناقب والمثالب والمفاخرات في شكل كتب ورسائل ومقامات .
- خــاتمــة:
كتب المقامي المغربي عبد العزيز الملزوزي (ق7 هـ) نصا مقاميا في باب المراشقات المقامية بين العدوتين وهو ثاني نتاج مقامي بالمغرب، بعد المقامة المرابطية المغربية اليتيمة لعامر بن الأرقم، ذلك أن فترة المرابطين والموحدين (ق5هـ و 6) كانت فترة جهاد ديني لم تسمح بازدهار الأدب المغربي عامة وبنشأة المقامة بشكل فعلي إلا متأخرة في العصر المريني على يد عبد العزيز الملزوزي (ت 667هـ)، ومالك بن المرحل (ت 699 هـ)، وعبد المهين الخضرمي (ت749 هـ)، ومن بعدهم أحمد بن عيسى التملي (ت990 هـ)، ومحمد بن أحمد المكلاتي (ت1049 هـ) وهما من العصر السعدي.
كتب الملزوري – بعد قرنين من الزمان من إنشاء السرقسطي لمقامته البربرية – مقامة بعنوان (طرفة الظريف في أهل الجزيرة وطريف) وهي في ذم الأندلسيين، تنعى عليهم تشبههم بالنصارى في سائر عاداتهم، وتنعتهم بالجبن والبخل، وتعيب عليهم أكلهم فرادى وعدم اجتماعهم على الأكل، كما أن المقامة في وصف جزيرة طريف والجزيرة الخضراء وكله دعاء عليها وهجاء لها. وأما غير هذه المقامة في المراشقات بين العدوتين – وباستثناء مفاخرة بين مالقة وسلا لابن الخطيب- فلا تذكر المصادر نتاجا مقاميا آخر، ولكنها تضعنا أما ثلاثة كتب، الأول هو “مفاخر البربر” لمؤلف مجهول يعود إلى ق8 هـ، وهو في الدفاع عن العدوة المغربية، ويعد وثيقة نادرة للتاريخ المشترك بين المغرب والأندلس، وتاريخ أنساب البربر وعلمائهم، ورجال التصوف والفقه والتفسير والأصول والأدب والعلوم (ما يفوق 72 ترجمة لعلماء مغاربة وأتقياء وزهاد ورجال حرب…) ،وأما النص الثاني فهو كتاب “الأنساب” لابن عبد الحليم (ق8 هـ/ 14 م) وفيه ذكر أنساب أهل المغرب، وأن الإسلام دخل إلى المغرب عند وصول البربر إليه من فلسطين، وذكر أقوام من أهل المغرب وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به، وذكر من وصل إلى عمر بن الخطاب، وباب في ذكر فتح المغرب الأقصى.
أما النص الثالث فهو كتاب “شواهد الجلة “لأبي بكر بن العربي (ت543 هـ / 1149 م)، وهو في مجمله عبارة عن رسائل تأييد وتوصية ليوسف بن تاشفين في حربه ضد ملوك الطوائف بالأندلس، صادرة عن المشرق وواردة إليه.
مما لا شك فيه أن المغاربة (الأمازيغ) أمة لها أمجاد وحضارة وبطولة يشهد بها التاريخ القديم والحديث، وأن الحيف والاستصغار والإهانة التي حاول الحكام والأدباء الأندلسيون إلحاقها بالمغربي الأمازيغي المسلم لا تخرج عن نطاق كتابات ذاتية مدسوسة تعطي مفهوما مغلوطا عن الإقليمية والعصبية القومية وحب الوطن.
بيبليوغرافيا:
-أولا: المصادر
- ابن منظور (أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري)، “لسان العرب”، بيروت: دار صادر، الطبعة السادسة، 1997 (ثمان مجلدات).
- الحموي (أبو عبد الله ياقوت شهاب الدين)، “معجم البلدان”، تحقيق: فريد عبد العزيز الجندي، بيروت: دار صادر، الطبعة الأولى، 1990 ( ثمانية أجزاء).
- السرقسطي(أبو الطاهر محمد بن يوسف التميمي)، “المقامات اللزومية”، تحقيق: حسن الوراكلي، الأردن : عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع وجدارا، الطبعة الثانية، 2006.
- الفيروزآبادي (مجد الدين محمد بن يعقوب)، “القاموس المحيط”، بيروت: دار الكتب العلمية، الطبعة الثالثة، 2009.
-ثانيا: المراجع
- أبو عيانة (فتحي محمد)، “بحوث ندوة الأندلس – الدرس والتاريخ”، منشورات كلية الآداب، جامعة الاسكندرية ورابطة الجامعات الإسلامية، طبعة 1961 م.
- الجراري (عباس)، “الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه”، البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى، 1979 م.
- الحسيني (قاسم)، “الأندلس: الإنسان والمكان”، سلا: مطبعة بني يزناسن، الطبعة الأولى، 2007.
- حقي (محمد)،”البربر في الأندلس، دراسة لتاريخ مجموعة إثنية من الفتح إلى سقوط الخــــلافــــة (92 هـ / 422 هـ)”، البيضاء: شركة النشر والتوزيع، المدارس، الطبعة الأولى، 2001
- خلاف (محمد عبد الوهاب) تاريخ القضاء في الأندلس من الفتح إلى ق5 هـ. المؤسسة العربية الحديثة. مصر الجديدة. ط1: 1992.
- زيدان (سليم) ظاهرة التماثل والتميز في الأدب الأندلسي. من ق4 إلى 6 هـ. منشورات كلية الآداب بمنوبة. تونس. سلسلة الآداب. المجلد 46. ط 2001.
- سالم (السيد عبد العزيز)، “قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس، دراسة تاريخية، عمرانية، أثرية في العصر الإسلامي”، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية للنشر، طبعة 1997، الجزء الأول.
- الشبيبي (محمد رضا)، “أدب المغاربة والأندلسيين في أصوله المصرية ونصوصه العربية”، منشورات جامعة الدول العربية ومعهد الدراسات العربية العالية، طبعة 1961 م.
- العبادي (عبد الحميد)، “المجمل في تاريخ الأندلس”، القاهرة: مكتبة النهضة المغربية وملتزمة للطبع والنشر، الطبعة الأولى، 1985 م.
- عباس (إحسان)، “تاريخ الأدب الأندلسي عصر سيادة قرطبة”، بيروت: دار الثقافة، الطبعة الخامسة، 1987م.
- عطوان(حسين).الزندقة والشعوبية في العصر العباسي الأول.بيروت.دار الجيل.طبعة:1984 م.
– ثالثا: المجلات
- بن شريفة (محمد). (من منافرات العدوتين: نص جديد). (مجلة كلية الآداب بالرباط). العدد 1. 1977. (7-49).
[1]– “هو أبو الطاهر محمد بن يوسف بن عبد الله بن إبراهيم التميمي المازني القرطبي السرقسطي المعروف بالاشتركوني أو الاشتركوبي، ولد في سرقسطة ثم كان مسكنه في قرطبة وسبتة سنة 509هـ. لحقته زمانة سنة 536هـ توفي منها”. (تاريخ الأدب العربي. عمر فروخ. ج 5. ص 237). وانظر في ترجمته (الصلة. ابن بشكوال.ج 3. ص 853).
[2]– ترتيبها في مقاماته اللزومية بالأرقام هو 41. المقامات اللزومية. تحقيق: حسن الوراكلي. ص 385 – 389.
[3]الشفى: بقية الهلال، وبقية البصر، وبقية النهار وما شابه ذلك.
[4] قف: يبس.
[5] الجريد: جمع جريدة، وهي السعفة الطويلة الرطبة. وهو يعني السائب.
[6] أسيم السوائم: أخرج الماشية من المرعى.
[7] المقامات اللزومية. مصدر سابق. ص 385.
[8] ظاهرة التماثل والتميز في الأدب الأندلسي، من ق 4 إلى 6 هـ. ج 2. سليم زيدان. ص 791.
[9] ” لعل الوقوف عند أغلب ما ورد عند الأندلسيين عن البربر يكاد يعطي الانطباع بالتحامل والهجوم والكراهية الشديدة. وقد شمل هذا الموقف أغلب أنواع المصادر المكتوبة خلال ق 5 هـ/11 م و ما بعده، وبعد اضطرابات هذا القرن – والتي كان البربر أبطالها – خلفوا لدى الأندلسيين جروحا لا تكاد تندمل، ثم أعقب هذه الفترة دخول الأندلس تحت حكم البربر المرابطين والموحدين، وهي مهانة بالنسبة لهم، ما داموا ينظرون إلى أنفسهم نظرة تفوق عليهم، وكان عزاؤهم الوحيد هو التعبير عن حقدهم وكراهيتهم واحتقارهم لهم من خلال ما يؤلفونه”. (البربر في الأندلس. محمد حقي. ص 146).
فالملاحظ أن مؤلفات : ابن حيان، وابن بسام، وابن عذاري، وابن حزم، وابن خلكان، وغيرهم، كلها تحمل تحاملا صريحا على البربر يتعارض مع منهجهم العلمي واشتهارهم بالضبط والتحري في نقل الأخبار.
[10]الشيزى: شجر تعمل منه القصاع والجفان، وقيل: هو شجر الجوز.
[11] الجوابي: جمع جوب وهو الكانون.
[12] ثرائد: هو جمع ثريد، وهو طعام من خبز يفت ويبل بالمرق.
[13] الخضم: الأكل عامة، وقيل: ملء الفم بالمأكول.
[14] القليب: البئر ما كانت.
[15] الحزر من اللبن: فوق الحامض.
[16] ” من الصفات الحسنة التي وصف بها البربر : الكرم ورفض البخل بحيث مدحوا باستضافة كل من يمر بهم، وتفاخرهم بتقديم الطعام، والفروسية، والصبر، والسماحة، وعزة الجوار، وحماية النزيل، والوفاء بالعهد. ومدحوا بجمال الأبدان وحسن الصورة”. (البربر في الأندلس. مرجع سابق. ص 144).
[17] البريد: المرحلة والمسافة.
[18] البريد: الرسول.
[19] يذكر محمد حقي أن “الصورة التي رسمتها مصادر العصر الوسيط للبربري صورة سلبية ولم تكن إيجابية إلا في حالات نادرة جدا.فقد هوجم في تدينه وعاداته وإمكانياته العقلية، وجرد من كل قدرة على الإبداع و الخلق”. ص 139. فقد عرف الأندلسيون عن أخذ أي شيء عنهم أو تقليدهم، وهو ما قلص من دور البربر في صنع الحضارة الأندلسية، وعمق كذلك شعورهم بالدونية و سعيهم للأخذ عن الأنموذج العربي، إذ يذكر أحد الباحثين أنهم كانوا يحمرون عند ذكر نسبهم خجلا، و يحاولون إخفاءه والالتحاق بأنساب عربية. ويذكر لنا التاريخ أن ابن رشد لما نعت يعقوب المنصور المهدي ب “ملك البربر” عاقبه الخليفة بأن شتت رجاله و نفاه إلى مراكش. ” ولو قال ابن رشد ” ملك المغرب” مكان” ملك البربر” لكان في ذلك ضرب من الإطراء، ولكن ابن رشد جرى على سجيته .. ولا يخفى أن علاقة الأندلسيين بالمغاربة لم تكن حسنة دائما إلا في أوائل الفترة التي عبر فيها القوم إلى الجزيرة الخضراء لنجدة أهل الأندلس … وكان الانغماس في حمأة الترف والحياة الناعمة الماجنة قد أضعف الأندلسيين فتهاونوا في الجهاد وشاع فيهم الشقاق … أما المرابطون ومن بعدهم الموحدون من المغاربة، فهم جنود أشداء ألفوا شظف العيش وخشونة الحياة. هذا، وللملك المرابطي يوسف بن تاشفين كلمة جميلة قوية صور فيها قومه أو جنوده للأندلسيين فقال : “لا عهد لهم بالدعة، ولا علم عندهم برخاء العيش، وإنما هم أحدهم فرسا يروضه و يستفرهه، أو سلاحا يستجيده، أو صريخ يلبي دعوته” (أدب المغاربة والأندلسيين في أصوله المصرية ونصوصه العربية . محمد رضا الشبيببي. ص73).
[20] راطن القوم: كلمهم بالرطانة وهي الكلام بالأعجمية.
[21] أورد محمد حقي في كتابه السابق حديثا نبويا – مشكوكا في صحته – عن ابن الفقيه في كتابه (مختصر كتاب البلدان). قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نساء البربر خير من رجالهم بعث إليهم نبي فقتلوه، فتولت النساء دفنه، و الحدَّةُ عشرة أجزاء و تسعة منها في البربر و جزء في الناس”. أهم ما نستشفه من صفات البربر : كفرهم برسالة نبيهم وقتله – أكلهم لحوم الآدميين – سيطرة الطيش عليهم وعلى عقولهم دون سائر الناس- التهور الشديد.
يذكر ياقوت الحموي أن : ” البربر أجفى خلق الله و أكثرهم طيشا، و أسرعهم إلى الفتنة، وأطوعهم لداعية الضلالة، وأصغاهم لنمق الجهالة، ولم تخل جبالهم من الفتن و سفك الدماء قط”. (ياقوت الحموي. معجم البلدان. ج1.ص 379).
[22] قال: “هل من هذه النشبة خلاص؟ … دعني أطرب القوم بشكرهم، وأستعيذ من مكرهم”. المقامات اللزومية. ص 386.
[23] المصادر الوسيطية والأندلسية ترسم صورة قاتمة للبربري، أبرز ملامحها : ضعف التدين – الطيش والعجلة وسرعة القتل – الحقدوالحسد – الجهل وضعف العقل – أكل لحوم البشر– تعاطي اللواط واستضافة الناس بالأبناء الذكور.” (محمد حقي.مرجع سابق. ص 142).
[24] التعصب وكان يعرف قديما بالشعوبية وهو على عدة مظاهر:التعصب العنصري- التعصب الديني- التعصب المركب (لأنه قد يشمل العرق واللغة والدين) – التعصب اللغوي.
[25] “قال: فخرجنا إلى رملة وعثاء، وسهلة شعتاء، فركلوا هناك ركلا طويلا واستعاذوا حنينا أو عويلا، لا يطربنا ما يطربهم …”.المقامات اللزومية. ص 387.
[26] من ذلك: “جعلنا نأكلها خضما وقضما، ونوسع الأجواف ردما ورضما، والودك من على معاصمهم يسيل، وقد فاض الوادي هناك والمسيل…”. المقامات اللزومية. ص 386.
[27]يشير عبد الحميد العبادي إلى أن المغرب كان مسكونا “بقبائل عرفوا بالبربر ، وهذه القبائل كانت تتميز بصفات هي أقرب الصفات لما كان يتميز به العرب البدو، فالبربري شجاع مكافح قوي الشكيمة محب للحرية ، خشن مطبوع على الجندية والقتال، وليس من السهل إخضاعه والتغلب عليه… وكان البربر ينقسمون الى قسمين كبيرين : قسم تميز بسكنى المدن ويسمون “البرانس” ( نسبة للبرنس ذو الغطاء فوق الرأس ، كان سكان المغرب يلبسونه كزي قومي )، وقسم سكن البادية ويسمون” البتر “(يلبسون زيهم القومي أبتر من غطاء الرأس).ومن ” البرانس”: قبيلة أزواجة ، وقبيلة مصمودة ، وقبيلة أوربة ، وقبيلة كتامة ، ثم قبيلة صنهاجة ، وقبيلة أوريغة ، وقبائل أخرى كثيرة .ومن قبائل البتر : قبيلة إداسة، ومنها تتفرع قبيلة هوارة ، ثم قبيلة برسة ، و قبيلة لواتة، وقبيلة زناتة ، وقبائل أخرى كثيرة … كان البربر يدينون باديان مختلفة : فالمسيحية في المدن الساحلية حيث كانت السيادة الرومية، واليهودية داخل البلاد حيث ينتشر اليهود كتجار ومرابين ، ثم الديانة الوثنية أو عبادة الكائنات والظواهر الطبيعية بين بقية البربر البدو ، فإذا ما جاء الإسلام تغلب على هذه الديانات، فاعتنقه غالبية الشعب البربري.” (المجمل في تاريخ الأندلس.ص32-33-38).
[28]“قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس.دراسة تاريخية ، عمرانية ، أثرية في العصر الإسلامي” .السيد عبد العزيز سالم.ص79.
[29]يذكر قاسم الحسيني أنه ” اتسعت رقعة الشر لتشمل البربر الذين أحسوا بأنهم ليسوا طرفا متساويا في المعادلة الأندلسية الصعبة ، فقاموا قومة يريدون الحكم ، لأن الفتوحات تمت على أيديهم … وفي اعتقادي أن البربر أسيء استعمالهم في الأندلس مرات حتى بلغ السيل الزبى، فتحولوا إلى قوة ضاربة شديدة الوقع والتأثير … واعتقد ان ما انتهوا اليه كان نتيجة طبيعية باعتبار حجم قوتهم وكثرة عددهم . إذ لا يعقل ان تجني القبائل العربية المتصارعة ثمار صراعها ويبقى البربر دون ذلك .” (الأندلس : الإنسان والمكان”.ص22-27-28)
[30]الأدب المغربي من خلال ظواهره وقضاياه . عباس الجراري.ص17-45- بتصرف-
[31]بحوث ندوة “الأندلس- الدرس والتاريخ”. فتحي محمد أبو عيانه.ص 310.
[32] قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس. مرجع سابق. ص 83-84.
[33]قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس . مرجع سابق. ص 85-87.
[34] تاريخ القضاء في الأندلس، من الفتح إلى ق5 هـ. محمد عبد الوهاب خلاف. ص 118
[35] تاريخ الأدب الأندلسي في عصر سيادة قرطبة. إحسان عباس. ص 137- 141.
[36]الأندلس : الإنسان والمكان. مرجع سابق. ص 31.
[37] الزندقة والشعوبية في العصر العباسي الأول. حسين عطوان. ص149.
[38] نفس المرجع.ص158.
[39] جاوزوا تأليف الكتب في مناقب الفرس وتاريخهم إلى المقارنة بينهم وبين العرب وتفضيلهم لهم عليهم، فقد وضع الهيثم بن عدي ربيب الحسن بن سهل كتاب ” تاريخ العجم”، وكتاب ” أخبار الفرس” ،وكتاب ” من تزوج من الموالي في العرب”.
[40] سبقت الكوفة البصرة في الزندقة وكان أبو العتاهية اخطر الزنادقة من الموالي بالكوفة، وكان بشار بن برد أخطرهم بالبصرة.